الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: الفرق بين النبي والرسول
النبي لغة: مشتق من النبأ فهو منبئ عن الله أي مخبر. وقيل: مشتق من النبوة وهو ما ارتفع من الأرض1.
والرسول لغة: مشتق من رَسََلَ. وأصل الرسل الانبعاث على التؤدة يقال: ناقة رسلة، سهلة السير، وإبل مراسيل منبعثة انبعاثا سهلا ومنه الرسول المنبعث 2.
هذا من ناحية اللغة. أما الاصطلاح فاختلف أهل العلم في بيان معنى النبي والرسول.
فقيل: إن النبي والرسول مترادفان؛ فكل نبي رسول وكل رسول نبي هذا هو ظاهر كلام الإمام أبي حنيفة كما قاله القاري 3، واختاره من
1 انظر الصحاح 1/74؛ ومعجم مقاييس اللغة 5/385؛ ولسان العرب 1/162؛ والمفردات ص482.
2 انظر الصحاح 4/1208؛ ومعجم مقاييس اللغة 2/392؛ والمفردات ص195.
3 شرح الفقه الأكبر ص20.
الحنفية ابن الهمام 1 والأوشي 2. وهذا هو ظاهر كلام الجويني 3 والآمدي 4 والأيجي 5 من الأشاعرة والقاضي عبد الجبار 6 من المعتزلة والطبرسي 7 من الشيعة.
فالرسول والنبي واحد فلا فرق بينهما، وإنما جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر، والرسل تعم الملائكة والبشر 8. وقيل: الرسول صاحب الوحي بواسطة الملك، والنبي هو الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما. قاله الفراء9 والحسن النيسابوري 10 الأعرج
1 شرح الفقه الأكبر ص20. وهو كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام من كبار فقهاء الحنفية وله مصنفات عديدة من أشهرها فتح القدير قال عنه اللكنوي: "كان إمام نظارا فارسا في البحث فروعيا أصوليا محدثا مفسرا" مات سنة 861هـ، والفوائد البهية ص180؛ وانظر ترجمته في شذرات الذهب 7/298؛ والبدر الطالع 2/201؛ وبغية الوعاة 1/166.
2 شرح الآمالي ص50. وهو علي بن عثمان الأوشي الحنفي له قصيدة مشهورة في أصول الدين والفتاوى السراجية وسمي بدء الأمالي توفي في سنة 569هـ. انظر ترجمته في الجواهر المضية 2/583.
3 الإرشاد ص355.
4 غاية المرام ص317.
5 المواقف ص337.
6 شرح الأصول الخمسة ص567.
7 مجمع البيان 4/119، 120. وهو الفضل بن الحسين الطبرسي الرافضي من مصنفاته مجمع البيان في تفسير القرآن، مات سنة 458هـ، انظر ترجمته في أعيان الشيعة 8/398، وتنقيح المقال 2/7-8.
8 انظر تفسير الماوردي 2/86، ومجمع البيان 4/119، 120.
9 الجامع لأحكام القرآن 12/80.
10 غرائب القرآن 17/109. وهو الحسن بن محمد القمي النيسابوري المفسر النحوي العسقلاني من مصنفاته غرائب القرآن والتفسير مات سنة 827هـ.=
وقيل: النبي إنسان حر ذكر من بني آدم أوحِي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه، والرسول إنسان حر ذكر من بني آدم وأوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، فالنبي أعم من الرسول. وهذا عليه ابن حجر 1 وابن أبي العز 2 واللقاني 3 والسفاريني 4 والقاري 5 وقد ذكر 6 القاري أن هذا هو ما عليه جمهور العلماء.
وقيل: النبي من أتاه الوحي من الله عز وجل ونزل عليه الملك بالوحي، والرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو ينسخ بعض أحكام شريعة قبله. فالنبي أعم من الرسول. وهذا عليه البغدادي 7 والسمرقندي 8 وابن عاشور 9 والجاحظ 10.
وقيل: الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه، والنبي من لا كتاب له، كيوشع عليه السلام قاله الزمخشري الحنفي المعتزلي 11.
= انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/525؛ وكشف الظنون 2/1195؛ وهداية العارفين 1/283؛ والأعلام 2/216؛ ومعجم المؤلفين 3/281.
1 شرح العقيدة الطحاوية للغنيمي ص65.
2 ش شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ص121.
3 شرح الجوهرة ص127.
4 لوامع النوار 1/49.
5 شرح الآمالي ص50.
6 شرح الآمالي ص50.
7 أصول الدين ص154.
8 الصحائف الإلهية ص417.
9 التحرير والتنوير 17/297.
10 تفسير الماوردي 2/87؛ ومجمع البيان 4/119.
11 الكشاف 3/18-19.
وقيل: الرسول هو المبعوث إلى أمة، والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة قاله قطرب 1.
وقيل: الرسول أعم فهو من البشر أو من الملائكة والنبي من البشر خاصة. ذكره صاحب كتاب مرام الكلام ولم ينسبه لأحد 2.
وقيل: إن الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بالتبليغ ذكره الألوسي ولم ينسبه إلى أحد" 3.
قال الفهريهاري: المشهور عند العلماء كما ترى أن النبي أعم من الرسول إلا أنهم لم يأتوا فيه بضابط سالم من الاعتراض والقدح فمن قال: إن الرسول صاحب كتاب منزل عليه، والنبي من لا كتاب له يرد عليه أن الكتب السماوية مائة وأربعة 4 عشر والرسل فوق الثلاثمائة 5.
قلت: كذا قالوا: ولكن رواية عدد الكتب متروكة، ورواية عدد الأنبياء ضعيفة كما سيأتي.
1 هو محمد بن المستنير أبو علي البصري المعروف بقطرب إمام في اللغة والنحو ومن المصنفين فيهما، من تأليفه المثلث قال عنه الخطيب:"أحد العلماء بالنحو واللغة أخذ عن سيبويه وعن جماعة من علماء البصريين ويقال: إن سيبويه لقّبه قطربا، لمباركته إياه في الأسحار قال له يوما: ما أنت إلا قطرب ليل. والقطرب دويبة تدب ولا تفتر" مات سنة 206هـ.
تاريخ بغداد 3/298؛ وانظر ترجمته في لسان الميزان 5/378؛ ونزهة الآباء 119؛ وشذرات الذهب 2/5؛ وتفسير الماوردي 3/87؛ ومجمع البيان4/119.
2 مرام الكلام ص31.
3 روح المعاني 17/173.
4 مرام الكلام ص31؛ والرسالة الجامعة لصالح الكوزة بانكي ص37.
5 انظر مرام الكلام ص31.
قال الفهريهاري أيضا: "ومن قال: "إن الرسول صاحب شرع جديد يقدح فيه أن إسماعيل بنص القرآن رسول وكان على شرع 1 إبراهيم. ومن قال: إن الرسول أعم فهو من البشر أو الملائكة فكلا القولين مدفوعان 2 بحديث أبي ذر قال: قلت يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا أرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا"3. قلت
1 انظر مرام الكلام ص31.
2 انظر مرام الكلام ص31.
3 رواه أحمد في المسند 5/265، 266.
عن طريق علي بن يزيد عن القاسم بين عبد الرحمن عن أبي أمامة. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/159: "مداره على علي بن يزيد وهو ضعيف. قلت: عليّ هذا هو الألهاني الهلالي، قال يحيى بن معين: عليّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلهم.
راجع التهذيب: 7/396-397؛ وانظر تقريب التهذيب: 406.
ورواه أحمد: 5/178، 179، من طريق المسعودي عن أبي عمر الدمشقي عن عبيد الخشخاش عن أبي ذر.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/160: "فيه المسعودي وهو ثقة ولكنه اختلط".
وأخرجه ابن حبان 2/65-69؛ تحقيق الأرناؤوط؛ وأبو نعيم في الحلية 1/166؛ من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن الغساني عن أبيه عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر.
وفيه ذكر عدد الكتب السماوية أيضا.
وإبراهيم بن هشام هذا قال فيه أبو حاتم وغيره: "كذاب".
انظر موارد الظمآن: 54، وراجع الميزان 1/73.
ورواه الحاكم في المستدرك 2/59؛ والبيهقي في الكبرى 9/4؛ وأبو نعيم في الحلية ص168؛ 169، من طريق يحيى بن سعيد السعدي السعيدي العبشمي البصري، عن عبد الملك بن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر.
وقال البيهقي وأبو نعيم تفرّد به يحيى بن سعيد. وقال العقيلي: "لا يتابع على حديثه وليس بمشهور بالنقل" الضعفاء الكبير 4/404.
وقال الذهبي: في تلخيص المستدرك 2/597: "السعدي ليس بثقة".
قلت: تبيّن مما سبق أن رواية عدد الأنبياء ضعيفة ورواية عدد الكتب متروكة.
انظر مرام الكلام ص31.
وفي بعض روايات هذا الحديث ذكر عدد الكتب السماوية أيضا لكن لم يثبت.
ومن قال أن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه يرد عليه أن كون النبي غيرَ مأمور بالإبلاغ فهذا كتمان للعلم، ثم هو يتعارض مع نصوص شرعية تفيد أن النبي مأمور بالإبلاغ كقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} "سورة المائدة: الآية44".
وكقوله تعالى عن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} "سورة الأعراف: الآية150".
وقوله: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} "سورة طه:93".
مع أن هارون عليه السلام كان نبيا بنص القرآن:
قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} "سورة مريم:53".
فهارون عليه السلام وإن أطلق عليه أنه رسول ولكنه كان نبيا تبعا
لموسى عليه السلام، ولم يكن صاحب كتاب وشرع جديدين، ومع ذلك كان مأمورا بالتبليغ.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء
…
" 1.
هذه بعض المآخذ والاعتراضات على تلك الأقوال ومن أحسن الوجوه في بيان الفرق بين النبي والرسول، ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النبوات فقد قال:"فالنبي هو الذي ينبئه الله" وهو ينبئ بما أنبأ الله به، فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة فهو نبي ليس برسول.
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} "سورة الحج: الآية52".
وقوله: "من رسول ولا نبي" فذكر إرسالا يعم النوعين وقد خص أحدهما بأنه رسول فإن هذا هو الرسول المطلق الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح عليه السلام
…
ـ أما ـ الأنبياء فيأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قصة معينة ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية
1 رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل 6/495 ح3455؛ ومسلم كتاب الإمارة باب الإمام جنّة 3/147 ح1842؛ كلاهما من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
معنى يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها هو وداود.
فالأنبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره ونهيه وخبره وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر والأمر والنهي فإن أرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ـ ولا بد أن يكذب الرسل قوم، قال تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} "سورة الذريات: الآية52".
وقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلاّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} "سورة فصلت: الآية43".
فإن الرسل ترسل إلى مخالفين فيكذبهم بعضهم
…
فقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} دليل على أن النبي مرسل ولا يسمى رسولا عند الإطلاق لأنه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"العلماء ورثة الأنبياء"1.
وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة، فإن يوسف عليه السلام كان رسولا وكان على ملة إبراهيم عليه السلام. قال تعالى عن مؤمن
1 أخرجه أبو داود كتاب العلم باب الحث على طلب العلم 4/57، 58 ح3641، والترمذي كتاب العلم باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة 5/48 ح2682؛ وابن ماجه في المقدمة باب فضل العلماء 1/81 ح223 جميعهم من طريق قيس بن كثير عن أبي الدرداء. قال الترمذي على أثره: "ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندي بمتصل
…
وإنما يروى هذا الحديث عن عاصم بن رجاء عن الوليد بن جميل عن كثير بن قيس عن أبي الدرداء وهذا أصح من حديث محمود بن خداش". وصححه الألباني في الجامع الصغير 5/302.
آل فرعون: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} "سورة غافر: الآية34".
"وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} "سورة النساء: الآية163"
…
"1.
وهذا الضابط كما ترى لا يرد عليه من الاعتراضات ما ورد على غيره فيكون أحسن ما قيل في الفرق بين النبي والرسول.
1 كتاب النبوات ص255-257. ط/ دار الكتب العلمية، وفي ط/ دار الكتاب العربي ص281-283.