الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب: العاشر: العلاقات الخارجية
المرحلة الأولى: ظهور الهوية العربية
بدايات غير محددة
…
الباب العاشر: العلاقات الخارجية
1-
المرحلة الأولى: ظهور الهوية العربية:
أ- بدايات غير محددة:
قبل القرن العاشر ق. م. لا نكاد نعرف شيئا واضحا عن أية علاقات خارجية يظهر فيها العرب كمجموعة بشرية لهم هوية محددة، سواء تحت اسمهم العام كعرب، أو تحت اسم أو آخر ينتمي لمنطقة أو أخرى من المناطق التي تنقسم إليها شبه الجزيرة العربية. وكل ما نعرفه في هذا الصدد إما إشارات قد تشمل العرب وغيرهم، أو إشارات قد تكون إلى العرب ولكن تحت تسميات أخرى وفي مناطق ربما نزحوا إليها من موطنهم في شبه الجزيرة، أو ذكر لأقوام من شبه الجزيرة كانت لهم تحركات في مجال هذه العلاقات ولكنهم إما يدخلون تحت الصفة السامية العامة، وإما يلتفون حول هوية جماعية يكاد يقتصر نصيبها من الصفة العربية على انتمائها للمنطقة التي أصبحت فيما بعد تسمى باسم بلاد العرب.
وعلى سبيل المثال، فإن النقوش المصرية القديمة طوال عهد الفراعنة ابتداء من الألف الثالثة ق. م. وحتى الفتح الفارسي لمصر في أواسط الألف الأولى ق. م.
لا ترد فيها لفظة "ع ر ب" أو "أر ب" أو أية لفظة أخرى قريبة من هذا النطق، رغم وفرة هذه النقوش وغزارتها، ورغم كثرة أسماء الشعوب التي وردت ضمن هذه النقوش ممن احتكت بهم مصر في صورة أو أخرى في المراحل العديدة التي مر بها تاريخها في هذه الفترة. ومع ذلك فقد عرفت مصر في عهد الفراعنة طريقها إلى كل منطقة الهلال الخصيب التي تشكل التخوم الشمالية لشبه الجزيرة العربية في صور متعددة من العلاقات التجارية أو السياسية أو العسكرية. وكل ما نحظى به من إشارات في النقوش المصرية فيما يخص الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه هو تسميات عامة مثل تسمية "عامو" أي: الآسيويين أو "تاعاموا" أي: أرض الآسيويين التي كانت تطلق على سكان أو مناطق الصحراء الشرقية وسورية وفلسطين والقسم الشمالي من شبه الجزيرة العربية، ومثل "تا - نثر" التي كانت تشير إلى الأراضي الواقعة إلى شرقي وادي النيل بوجه عام والتي كان مدلولها يتسع باتساع معرفة المصريين بالمناطق التي تشملها هذه الأراضي ونشاطهم فيها حتى شمل في عصر الدولة الحديثة المناطق الممتدة شرقي مصر عبر المنطقة السورية حتى شمال العراق، ومن ثم كان من الممكن أن يضم الامتدادات لشبه الجزيرة العربية1.
أما الألفاظ المحددة التي وردت في هذه النقوش والتي قد تشير إلى بعض المجموعات العربية، فهي الأخرى لا تعطينا صورة مباشرة في هذا المجال؛ فلفظة "خبسيتو" التي ترد ضمن نقوش الدير البحري "في صعيد مصر" في أثناء وصف البعثة التجارية المصرية التي وصلت في عهد الملكة حتشبسوت "أواسط الألف الثانية ق. م" إلى بلاد بونت "الصومال والحبشة حاليًا" يرى بعض
1 وصلت الحدود المصرية، عبر منطقة الهلال الخصيب، إلى نهر الفرات في عهد كل من الفراعنة تحتمس الأول وتحتمس الثالث "الذي عبر الفرات" وأمنحوتب الثاني، راجع j. h. breasied: a history of egypt صفحات 219، 252، 254، 270. عن تسميات تاعاموا وتا - نثر، انظر عبد المنعم عبد الحليم السيد: الجزيرة العربية ومناطقها وسكانها في النقوش القديمة في مصر، صفحات 1-2.
الباحثين أنها نطق مصري لكلمة حبشات، وهي اسم قبائل ذات أصل عربي جنوبي كانت تسكن منطقة مهرة في جنوبي بلاد العرب وهاجرت إلى الساحل الإفريقي للبحر الأحمر واستقرت في المنطقة وأعطتها اسمها "الحبشة". ولفظة "جنبتيو" التي تصف جماعة جاءوا إلى مصر في عهد تحتمس الثالث "1490-1436ق. م" تحمل إليه هدايا من الصمغ العطري ومن البخور، يرجح أحد الباحثين أنها تشير إلى القتبانيين، أحد الأقوام التي كانت تقطن العربية الجنوبية في العصور القديمة. أما قبائل الهكسوس التي غزت القسم الشمالي من المنطقة السورية حوالي 1700 ق. م. واستقرت فيه قرنا كاملا قبل أن يطردها فراعنة الأسرة الثانية عشرة، فلم يستقر الباحثون حتى الآن على هويتهم، فقد يكونون أحد شعوب المنطقة السورية أو خليطًا من هذه الشعوب قد يكون بينها عرب أو لا يكونون، وربما ضمت إلى جانبها مجموعات من شعوب أخرى من الشمال كانت تطاردها أمامها في أثناء إحدى تحركات الشعوب التي عرفت المنطقة عددًا منها في العصور القديمة2.
والشيء ذاته نجده فيما يخص وادي الرافدين، فهنا نجد القبائل الآمورية تتسرب من منطقة الهلال الخصيب شبه الصحراوية، وربما من المنطقة السورية كذلك؛ لتقيم لها مواقع حصينة في مدينة بابل وعدد من المدن الأخرى المجاورة في أواخر الألف الثالثة ق. م. ثم سيطروا على كل وادي الرافدين في النصف الأول من القرن الثامن عشر ق. م. كذلك نجد الملك الآشوري تجلات بيليسر الأول "1114-1076" ق. م يجتاح مدينة تدمر "التي
2 عن العلاقة بين اسم خبسيتو وحبشات، انظر عبد المنعم عبد الحليم السيد: ذاته، ص 4، وحاشيتي 9-10. عن اسم جنبتيو، انظر a.a. saleh: the gnbtyw of thutmosis annals and the south arabian geb "b" anitae of the classical writers b.l.f.a.w.، lXXXII، 1972" ص252، مقتبس في عبد المنعم عبد الحليم السيد ذاته: صفحات 4-5. عن الهكسوس راجع breasted: ذاته، صفحات 179 وما بعدها.
أصبحت مقر المملكة أو إمارة عربية في عصر لاحق". ولكن هذه المدينة كانت في عصر هذا الملك مدينة آمورية "تقع في بلاد آمورو" كما يشير النقش الذي وردت فيه. وهكذا نجد أنفسنا هنا كذلك لا نستطيع أن نتبين هوية العرب كمجموعة بشرية لها شخصيتها الجماعية المحددة. فالآموريون لا نستطيع أن نضفي عليهم أكثر من هوية سامية، فهم إحدى المجموعات التي تنطبق عليها هذه التسمية، وقد يكونون شديدي القرب من المجموعة العربية، ولكنهم ليسوا هذه المجموعة ذاتها3.
ولكن القرن العاشر ق. م. والقرون التي تليه بدأت تشهد تطورًا محسوسًا في هذا الصدد. فمنذ ذلك القرن تظهر الهوية المحددة للعرب بشكل واضح في العلاقات مع شعوب المنطقة المجاورة لشبه الجزيرة، مثل العبرانيين والآشوريين والبابليين "الدولة البابلية الحديثة" والفرس. وحقيقة إن هذه الهوية قد لا تظهر كتسمية مباشرة للعرب، وإنما تظهر بشكل استنتاجي انتسابًا إلى مكان أو آخر أو قوم أو آخر من الأماكن والأقوام التي وجدت في شبه الجزيرة العربية، مثل سبأ والسبئيين "سواء أكان المقصود هو سبأ الموجودة في جنوبي شبه الجزيرة أم إحدى مستوطناتها في الشمال التي اتخذت الاسم نفسه" ومثل الدادانيين "أهل منطقة دادان - العلا الحالية". كذلك فإن الحالات التي تتخذ فيها هذه الهوية صورة تسمية مباشرة للعرب أو بلاد العرب، فإن هذه التسمية لا تعني لغويا أكثر من البدو أو البادية التي يسكنها البدو، كما هو الحال مثلًا في تسمية "عربيم" أو "عربئيم" بمعنى عرب، أو "مسّاها عرب" بمعنى بلاد العرب، في أسفار التوراة والتلمود عند العبرانيين، وكما هو الحال في تسمية "أريبي" أو "أرابي" أو ألفاظ أخرى مقاربة لها في النطق بمعنى عرب أو "ماتوا أريبي" بمعنى بلاد العرب عند الآشوريين والبابليين،
3 عن الآموريين في العراق راجع g. ruox: ancient irak، صفحات 164 وما بعدها، نص تجلات بيليسر عن تدمر في anet ص275.