المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب العصر الروماني: - العرب في العصور القديمة

[لطفي عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تقديم الطبعة الثانية

- ‌تقديم الطبعة الأولى

- ‌المحتوى

- ‌القسم الأول: المنطقة والشعب والأرض

- ‌الباب الأول: منطقة نشوء الحضارات وشبه جزيرة العرب

- ‌إبعاد منطقة نشوء الحضارات

- ‌تحديد المنطقة

- ‌ المنجزات الحضارية الأولى وهذه المنطقة:

- ‌ المقارنة الحضارية بين هذه المنطقة والمناطق الأخرى:

- ‌أسباب نشأة الحضارات الاولى في هذه المنطقة

- ‌مدخل

- ‌ ظرف المناخ:

- ‌ ظرف المواصلات السهلة:

- ‌ الحدود شبه المانعة للمنطقة:

- ‌شبه جزيرة العرب ضمن منطقة نشوء الحضارات

- ‌حول الدور الحضاري لشبه جزيرة العرب

- ‌ مقدمات هذا الدور قبل ظهور الإسلام:

- ‌الباب الثاني: الساميون وشبه الجزيرة والعرب

- ‌قضية الساميين أو الشعوب السامية

- ‌مدخل

- ‌ افتراض لوجود عنصر سامي:

- ‌ رد على هذا الافتراض:

- ‌قضية أصل الساميين وشبه جزيرة العرب

- ‌ملاحظات مبدئية

- ‌افتراض اصل افريقي للساميين

- ‌ افتراضات أصل آسيوي للساميين:

- ‌ حول أصل الساميين وشبه جزيرة العرب:

- ‌الساميون والعرب

- ‌مدخل

- ‌ ملاحظات حول فكرة موطن أصلي للساميين:

- ‌ تصور مطروح حول هذه الفكرة:

- ‌ العرب وفكرة الأصل السامي:

- ‌الباب الثالث: شبه جزيرة العرب: الملامح العامة

- ‌ الموقع والسطح والأقسام الطبيعية:

- ‌ المناخ:

- ‌ النبات والحيوان:

- ‌القسم الثاني: المصادر

- ‌الباب الرابع: الاثار والنقوش

- ‌مدخل

- ‌ قيمة الآثار والنقوش في التاريخ لشبه الجزيرة:

- ‌امثلة من المخلفات الأثرية

- ‌مدخل

- ‌ الآثار المعمارية:

- ‌ النحت والمخربشات:

- ‌ الفخار والعملة:

- ‌النقوش

- ‌نقوش عن الاحوال الداخلية لشبه الجزيرة

- ‌ نقوش عن العلاقات الخارجية لشبه الجزيرة:

- ‌ تقويم عام للنقوش:

- ‌الباب الخامس: المصادر الدينية

- ‌مدخل

- ‌القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌ أمثلة لأقوام شبه الجزيرة في القرآن:

- ‌ أمثلة عن الحياة الدينية في شبه الجزيرة:

- ‌ مثال لتكوين المجتمع في شبه الجزيرة:

- ‌ الحديث الشريف:

- ‌ التوراة والتلمود:

- ‌الباب السادس: المصادر الكتابية

- ‌مدخل

- ‌الكتاب الكلاسيكيون

- ‌كتاب المرحلة المبكرة

- ‌ كتاب العصر المتأغرق:

- ‌ كتاب العصر الروماني:

- ‌ كتاب العصر الإمبراطوري الروماني المتأخر:

- ‌الكتابات العربية في العصر الاسلامي

- ‌صعوبات أمام الاعتماد على هذه الكتابات

- ‌ استثناءات ممكنة من هذا التعميم:

- ‌الباب السابع: الشعر الجاهلي

- ‌ الشعر كمصدر تاريخي:

- ‌ اعتراضات على الشعر الجاهلي كمصدر تاريخي:

- ‌ ردود على هذه الاعتراضات:

- ‌ حول مجالات الشعر الجاهلي:

- ‌القسم الثالث: المجتمع

- ‌الباب الثامن: الوضع الاقتصادي

- ‌مدخل

- ‌الرعي

- ‌الرعي والرعاة

- ‌ الموارد المكملة لحياة الرعاة:

- ‌الزراعة والمحاصيل الطبيعية

- ‌المورد الزراعي

- ‌ المحاصيل الطبيعية:

- ‌التجارة

- ‌مدخل

- ‌ أهمية هذا المورد ومظاهر ذلك:

- ‌ طرق التجارة البرية:

- ‌ النشاط التجاري البحري:

- ‌ التعدين والصناعة:

- ‌الباب التاسع: الأوضاع الداخلية

- ‌مدخل

- ‌الوضع السياسي

- ‌مدخل

- ‌ التكوينات السياسية:

- ‌ نظام الحكم:

- ‌الوضع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ عوامل التماسك:

- ‌ عوامل الانقسام:

- ‌الوضع الديني

- ‌مدخل

- ‌ تطور العقائد الدينية وانتشارها:

- ‌ الظروف المحيطة بالحياة الدينية:

- ‌الباب: العاشر: العلاقات الخارجية

- ‌المرحلة الأولى: ظهور الهوية العربية

- ‌بدايات غير محددة

- ‌ العلاقات مع العبرانيين:

- ‌ العلاقات مع القوى الشرقية:

- ‌المرحلة الثانية: العلاقات مع القوات الغربية

- ‌الاسكندر الأكبر والدول المتأغرقة

- ‌ العلاقات مع الإمبراطورية الرومانية:

- ‌المرحلة الثالثة: العرب بين قوى الشرق والغرب

- ‌مدخل

- ‌ الإمارات العربية الحدّية:

- ‌ الدين والسياسة في الصراع الدولي:

- ‌الملاحق

- ‌اللوحات

- ‌ الخرائط:

- ‌مختارات من‌‌ المصادروالمراجع

- ‌ المصادر

- ‌ المراجع

الفصل: ‌ كتاب العصر الروماني:

يخص الساحل الغربي لشبه الجزيرة "الذي يهم البطالمة في مصر بوجه خاص" يعد أرتميدوروس نحو 13 موقعا، كما يتحدث عن ثمانية أقوام عربية كبيرة في المنطقة، ثم هو لا يكتفي بنقل الحديث العام عن الطرق التجارية البرية التي تتبعها القوافل بين سبأ من جهة وكلٍّ من وادي الرافدين وأرض الأنباط من جهة أخرى، وإنما يلقي ضوءًا على طريقة انتقال التجارة على طول هذه الطرق، فيذكر أنها تنتقل من قبيلة إلى القبيلة المجاورة "بهدف ضمان الحماية دون شك" حتى تصل إلى الأماكن المقصودة. كذلك نجد هذا الكاتب يفصل الحديث في فكرة إراتوسثنيس إلى ذكرها بشكل عام وهي طريقة الحكم في منطقة من أهم مناطق شبه الجزيرة وهي سبأ، كما يبدي عددا من الملاحظات عن العلاقات بين عدد من أقوام شبه الجزيرة، وهي الأقوام المجاورة لشواطئ البحر الأحمر، وعن العلاقات بين أحد هذه الأقوام وهم الأنباط، والقوى الخارجية18.

18 منقول في strab: XVI،4: 18-19.

ص: 206

ج-‌

‌ كتاب العصر الروماني:

وقد استمر اهتمام الكتاب الكلاسيكيين بشئون شبه الجزيرة العربية في العصر الإمبراطوري الروماني "الذي بدأ في 27 ق. م" وكان استمرار هذا الاهتمام وتزايده يشكل انعكاسا واقعيا لاهتمام روما بشبه الجزيرة العربية لأكثر من سبب، من بينها إطلال الحدود الشرقية للإمبراطورية الرومانية على مشارف شبه الجزيرة، واهتمام الرومان بتأمين الخط الملاحي البحري من الشرق بعد أن أصبح الخط التجاري البري مع الشرق الأقصى، مرورا بآسيا الصغرى والوسطى مهددا من حين لآخر من قبل الفرثيين في إيران، وتزايد استهلاك الطيوب في عاصمة الإمبراطورية، ومن هنا فقد تناول كتاب العصر الروماني شبه الجزيرة العربية من عدة منطلقات أو زوايا تمثل تعدد

ص: 206

جوانب الاهتمام الذي ظهر في هذه المرحلة بشئون شبه الجزيرة19.

وأول الكتاب الذين ينتمون إلى هذه المرحلة، وهو الجغرافي سترابون strabo لا يسعى إلى التعريف بكل الأماكن الموجودة في شبه الجزيرة أو التفصيل في الحديث عن كل جوانب الحياة فيها، كما كان يحاول من سبقه من كتاب العصر المتأغرق، وربما كان ذلك نتيجة لتصوره المعلومات الجغرافية على أنها من لوازم رجل السياسة في معالجته للشئون العامة، وهو تصور أعرب عنه بصراحة في الكتاب الأول من دراسته الجغرافية الكبيرة20. ويبدو أن هذا التصور كان وراء انتقائه أو استبعاده لهذا الجانب أو ذاك في جمعه لمعلوماته عن شبه الجزيرة العربية، بحيث جاءت في محصلتها النهائية أقرب إلى أن تكون دليلا جغرافيا سياسيا عن المنطقة لرجل السياسة المثقف.

ومن هذا المنطلق فهو لا يذكر "أو ينقل عن سابقيه" من الأماكن الواقعة على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة أو الواقعة قرب هذا الساحل سوى مدينتين وجزيرتين من جزر الخليج، رأى فيها مواقع ذات أهمية تجارية21، كذلك نجده يهتم بالحديث عن التغيير الذي عاصره في مسار الخطوط التجارية البحرية والبرية من موانئ وطرق الجانب الشرقي للبحر الأحمر إلى موانئ وطرق الجانب الغربي لهذا البحر محددا بدايات الخطوط ونهاياتها والمواقع التي تمر بها قبل التغيير وبعده22. وهو يتعرض لنظام الحكم الذي كان يسود بعض المناطق العربية التي يبدو أنها كانت، في تقديره، على قدر من الأهمية السياسية أو الاقتصادية أو بسبب موقعها واتصالاتها الخارجية، كما يتعرض للعلاقات

19 راجع الجزء الخاص بالعلاقات الخارجية لشبه الجزيرة في القسم الثالث من هذه الدراسة.

20 strabo: XVI،I ،1:16-18.

21 ذاته XVI 3:24.

22 ذاته: XVI، 4.24.

ص: 207

بين أقوام المنطقة وغيرهم مضيفا معلومات جديدة إلى ما ذكره سابقوه من الكتاب في هذا الصدد23.

على أن أهم ما قدمه إسترابون هو وصفه للحملة الرومانية على الجزيرة العربية، وهي الحملة التي قادها إبليوس جالوس aelius gallus، أول والٍ روماني على مصر. وقيمة حديثه عن هذه الحملة هو أنه كان معاصرا لها كما كان صديقا شخصيا لقائدها، ومن ثم كان في مقدوره الحصول على معلومات قد لا تتيسر لغيره. وهو يفيض في الحديث عن هذه الحملة، فيحدثنا عن الأسباب التي دفعت أغسطس "أول إمبراطور روماني" إلى التفكير يها، ثم يتحدث عن الاستعدادات التي سبقتها والطريق التي سلكتها، كما يعطي تصوره عن الأخطاء التي وقع فيها قائدها إيليوس جالوس وينهي حديثه في هذا المجال بما قامت به روما من تحقيق في مسار هذه الحملة ونتيجتها وتصرفها إزاء المسئولين عن هذه النتيجة24.

ولكن الكتابة التي تقدم المعلومات بهدف تثقيف المشتغلين بالأمور السياسية لم تمثل إلا جانبا واحدا من اهتمامات الكتاب في العصر الروماني بشئون شبه الجزيرة، فقد ظهر عدد من بين هؤلاء هدفوا من كتاباتهم إلى تقديم كل ما يمكن تقديمه من معلومات عن شبه الجزيرة على أساس استقصائي علمي أو قريب من العلمي بقدر المستطاع، بحيث تكون هذه الكتابات مرجعا لمن يريد التعرف على المنطقة لسبب أو لآخر، سواء من السياسيين أو من غير السياسيين، وأحد هؤلاء هو جايوس بلينيوس سيكوندوس gAIUS pLINIUS SECUNDUS المعروف

23 ذاته: xvi،4: 21، 25-6.

24 ذاته: xvi،4: 22-24. هذا ويرى بعض الباحثين أن سترابون رافق الحملة، ولكني أرى في حديثه xvi، 4،24 ما ينفي هذا الزعم بشكل حاسم.

ص: 208

باسم بلينيوس الأكبر "24/23-79م". وقد تناول شئون شبه الجزيرة بتفصيل كبير في قسمين من دراسته المستفيضة "التاريخ الطبيعي" HISTORIA NATURALIS التي نستطيع أن نصفها بأنها دراسة تهدف إلى الثقافة العلمية الموسوعية.

وفي أحد هذين القسمين يتحدث بلينيوس بشكل موسوعي عن كافة الأمور المتعلقة بشبه الجزيرة فيما يخص مساحتها وثرواتها وما فيها من المدن والمواقع والرءوس والخلجان والجبال والقبائل والأقوام وأسمائها والطرق المتعددة لنطق هذه الأسماء والأوضاع الاقتصادية لهذه القبائل والأقوام والمناطق التي تقطنها وبعض الأحداث التاريخية التي مرت بها وطرق التجارة في شبه الجزيرة والمسافات بين بعض المراكز التجارية. وهو يقدم كل ذلك في قدر كبير من التفصيل والتدقيق لا يفوته أن ينوه به بين الحين والآخر25. أما القسم الآخر من حديث بلينيوس عن شبه الجزيرة فهو ما يتميز به هذا الكاتب. وفي هذا القسم يقدم بلينيوس تحقيقا علميا عن طيوب شبه الجزيرة وتوابلها لا نجده عند من سبقه من الكتاب، سواء منهم المؤرخون أو الجغرافيون أو علماء التاريخ الطبيعي، فاللبان، مثلا، لا يوجد في غير الجزيرة العربية وهو لا ينتج إلا في حضرموت بالذات، والمر والمستكة وصمغ اللادن وعدد آخر من الأخشاب العطرية تشترك شبه الجزيرة في إنتاجها مع عدد من البلاد الأخرى التي يحددها الكاتب. أما القرفة والقصيعة فهي لا تنتج في شبه الجزيرة ولكن يحصل عليها التجار العرب من بلاد أخرى ويعيدون تصديرها، وهو يحدثنا حديثا مفصلا عن أشجار كل من هذه الطيوب والتوابل ومواسم المحصول وطريقة استخراجه وجمعه، واحتكار بعض الأسر لتجارة بعض أنواعه، والأماكن التي تشتهر بكل نوع، وطرق التمييز بين النقي منه والمغشوش ووسائل

25 plinius: HN،VI 147-162، تنويه بلينيوس بتصحيح أو تدقيق معلومات سابقيه، يرد في ذاته: الباب ذاته، فقرات 139، 156، 160.

ص: 209

غشه ثم طرق نقله إلى شواطئ البحر المتوسط. وهو في حديثه عن أثمان هذه الطيوب يلقي أضواء مهمة على بعض جوانب الحياة في شبه الجزيرة، من بينها الشعائر الدينية التي تواكب معالجة لحاء الأشجار لاستخراج اللبان على سبيل المثال، وتكاليف هذه الشعائر، والأثمان النهائية لأنواع اللبان بعدما تتم كل المعاملات وتحصيل الضرائب عليه وهكذا26.

والنوع الثالث من الكتابات التي ظهرت عن شبه الجزيرة العربية في العصر الروماني، فهي استمرار لكتب الرحالة أو كتب الطواف periploi التي مر بنا ذكرها، ولكن في تفصيل أكثر دقة مما كان معروفا من قبل، وقد وصل إلينا كتاب أو دليل من هذا النوع لكاتب غير معروف الاسم ولكن يبدو أنه كانت تاجرا يونانيا من مصر، وقد وصل الكتاب إلينا تحت العنوان الشائع "الطواف حول البحر الأريتري" وفيه يصف الكاتب الطرق التجارية بين مصر والهند، مرورا بشواطئ شبه الجزيرة، والكتاب يحوي معلومات كثيرة من ذلك النوع الذي يحتاج إلى معرفته الملاحون والتجار، سواء في ذلك ما يتصل بالملاحة والأسواق أو ما يتصل بالمعلومات العامة عن البلاد التي تقع على السواحل العربية أو على مقربة منها. فهو يتحدث مثلا عن خطورة الملاحة حول سواحل شبه الجزيرة حيث الموانئ نادرة والمراسي عسرة المسلك، كما يقدم وصفا لسوق موزا MUZA "مخا الحالية" وهو يذكر شيئا عن الأنباط وعن اسم ملكهم الذي كان معاصرا للوقت الذي كتب فيه. كذلك أشار هذا الكاتب إلى علاقة الإمبراطورية الرومانية بشبه الجزيرة العربية في جملة قصيرة مفادها أن "قيصر" أخضع عدن قبل وقته بسنوات قليلة، دون أن يحدد اسم هذا القيصر؛ مما أدى إلى جدل طويل بين الباحثين في الوقت

26 ذاته: xii،51-99.

ص: 210

الحاضر حول كنه هذا الحدث الذي أشار إليه وحول توقيته27.

أما النوع الرابع من الكتابات العلمية التي ظهرت في العصر الروماني والتي تعرضت، فيما تعرضت إليه، إلى شبه الجزيرة العربية، هو تلك الدراسات التي كتبت للمثقفين على مستوى التخصص. وقد تمثل هذا النوع من الكتابة في الدراسة الجغرافية التي قام بها كلاوديوس بطلميوس claudius ptolemaius الذي عرفه العرب تحت اسم بطلميوس القلوذي أو بطلميوس الجغرافي، وهو يوناني من مدينة بطلمية ptolemais في صعيد مصر، قام بأبحاثه خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي "121-151م". والدراسة التي قدمها تحت اسم الدليل الجغرافي geographike hyphegesis والتي يعتقد أنه قام بها تصحيحا لما قام به جغرافي سابق هو مارينوس marinus الذي ينتسب إلى مدينة صور "120م" تعتبر أشمل ما ظهر حتى ذلك الوقت، كما تعتبر الخريطة التي أرفقها بها أدق خريطة وضعت في العصر القديم، ومن ثم ظلت الخريطة المعمول بها حتى بدايات العصر الحديث.

وأهم ما يسترعي النظر في دراسة بطلميوس عن شبه الجزيرة العربية هو محاولته لضبط الحدود والتقسيمات والأماكن عن طريق خطوط الطول والعرض. ورغم أن خطوط الطول التي قدمها لا تتفق مع نظائرها بسبب خطأ عنده وبسبب التحريف الذي طرأ على درجاتها على يد النساخ المتعاقبين لهذه

27 الكتاب محرر باليونانية وإن كان قد عرف تحت عنوانه المترجم إلى اللاتينية periplus maris erythrael. عن تاريخ ظهوره هناك من يقول بأن ذلك كان في القرن الأول الميلادي، راجع: anderson:cah ج10، صفحات 881-883. بينما يذهب آخرون إلى أن الكتاب ظهر في القرن الثالث الميلادي مثل:

jacqueline pirenne: la date de periplee de la mer erythree "ta"

"1916"، صفحات 44 وما بعدها، الإشارة إلى إخضاع قيصر لعدن ترد في periplus:26.

ص: 211

الخريطة، ورغم أنه يترك بعض المناطق، مثل الركن الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة بين خطي عرض 33 و35.5 شمالًا دون أن يسجل فيه مكانا واحدا، بينما يكدس في القسم الجنوبي الشرقي منها عددا كبيرا من الأسماء لا ينتمي بعضها إلى المنطقة، بالرغم من كل هذا فالدراسة والخريطة لا تفقدان ما أسلفت الإشارة إليه من قيمتهما كأدق ما وصل إلينا عن المنطقة من العصر القديم.

وقد قسم بطلميوس شبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقسام: العربية الصحراوية arabia erema والعربية الصخرية والحجرية arabia petraea والعربية الميمونة arabia eudaemon. والحدود التي وضعها لهذه الأقسام هي أول حدود لا تعطى بشكل عام تقريبي كما كان الحال مع سابقيه28، فهو يعطينا أسماء المواقع وخطوط الطول والعرض التي تحدد هذه الأقسام. ونحن إذا أدخلنا في اعتبارنا الخطأ الذي وقع فيه بطلميوس في خطوط الطول والعرض، وجدنا هذا التحديد يتفق مع التضاريس الطبيعية للمنطقة، وتبقى هناك ملاحظة على الخريطة المذكورة وهي أننا نستنتج من حديث بطلميوس أنه يضع الطرف الشمالي للخليج في مكان قريب من مدينة النجف الحالية، ولكنا نستطيع أن نفهم السبب الذي حدا به إلى ذلك إذا تذكرنا أن الكتاب الكلاسيكيين كانوا يعتبرون مستنقعات الأهوار الواقعة في جنوبي وادي الرافدين والتي تبدأ قريبا من موقع مدينة النجف الحالية امتدادًا للخليج، وهو رأي يظهر واضحا من تعريف بطلميوس للحدود الجانبية لوادي الرافدين29.

28 من بين هؤلاء، على سبيل المثال، didorus:II،54،strabo: XVI، 2:2،3،3:1 كذلك أراتوستنيس في strabo: XVI،4:2.

29 ptolemaios: gegr: V،14:5،18-19 الساحل الشمالي للخليج الفارسي عند بطلميوس، ذاته، 19: VI،7:19 راجع حديث بلينيوس عن تراجع الخليج أمام الطمي الذي يحمله النهران plinius: HN،vi، 139-40 -الأمر الذي يجعلنا نفهم إلى حد ما اعتبار بطلميوس لبداية منطقة الأهوار على أنها بداية للخليج.

ص: 212

وقبل أن أختم الحديث عن الكتاب الكلاسيكيين في العصر الروماني المبكر، أعرض لواحد منهم لا يمكن تصنيفه ضمن هذه الاتجاهات الأربع السابقة التي عكست اهتمام الرومان بالمنطقة العربية في حد ذاتها، وهذا هو المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس flavius josephus "ولد في 37 أو 38م وتوفي حوالي نهاية القرن الأول الميلادي". ويختلف يوسفوس عن كتاب هذه المرحلة في أنه لم يكتب عن العرب وأحوالهم مباشرة وإنما جاءت كتابته عنهم بشكل جانبي أو غير مباشر في أثناء حديثه عن تاريخ اليهود. ويرد حديثه عن العرب في اثنين من كتبه هما "تاريخ حرب اليهود ضد الرومان" historia loudaikou polemou pros romaious، الذي ظهر بين 75 و79م. وهو يقع في سبعة أبواب تتضمن مقدمة عن تاريخ اليهود منذ استيلاء أنتيوخوس إبيفانوس antiochos epiphanos على القدس في 170 ق. م. وتنتهي بسقوطها مرة ثانية في 70م في يد الرومان على عهد تيتوس titus. أما الكتاب الثاني فهو "أخبار اليهود القديمة" he loudaike archaiologia الذي ظهر في 93-94م وفيه يتحدث عن عقائد اليهود وتاريخهم منذ بدء الخليقة حتى 66م.

وفيما يخص تقويم هذين الكتابين لنعرف الحدود التي يمكننا أن نعتمد، داخل نطاقها، على إشاراته إلى العرب، نستطيع أن نقسم ما جاء بهما، من الناحية الزمنية، إلى فترتين: الفترة الأولى تمتد من بدء الخليقة حتى 170ق. م. وهذه إما تعتمد على التوراة كمصدر لها ومن ثم نستطيع في مثل هذه المواضع أن نعتمد على التوراة مباشرة كمصدر أول في هذا الصدد، أو على الرواية اليهودية وهذه لا نستطيع تحقيقها في كل الأحوال، أو على كتاب سابقين مثل بيروسوس berosus البابلي ومانيثون manethon المصري وديوس dius الفينيقي وغيرهم،

ص: 213

والأخبار التي تعتمد فيه على هؤلاء ممدودة من جهة، كما أنه يبدو من جهة أخرى أن المؤرخ لم يعرف نصوص هؤلاء الكتاب مباشرة وإنما عرفها من خلال كاتب آخر هو نيقولاس nicolas الدمشقي ومن ثم تصبح أخباره هنا من الدرجة الثالثة. أما الفترة الثانية فهي التي تقع بين 170 ق. م و70م. وقد عاصر القسم الأخير من هذه الفترة معاصرة مباشرة في أثناء حياته، إما رؤية أو سماعًا وكان في بعض الأحيان في موقف من يعرف بواطن الأمور بحكم مركزه الاجتماعي، فقد كان من أسرة أرستقراطية، أو بحكم مركزه الرسمي فقد كان مساعدًا لحاكم الجليل في 66م، على سبيل المثال. أما القسم السابق لحياته من هذه الفترة فيمكن أن نعتمد على أخباره عنه بصفته قسما قريبا من المعاصر، وبخاصة إذا عرفنا أن يوسفوس كان من رجال الدين، ورجال الدين اليهود يتصفون بالحرص عادة، إن لم يكن في الواقع دائما، بتسجيل الأخبار التي تخص تاريخ شعبهم.

والأمر الثاني الذي يجب أن ندخله في اعتبارنا في هذا الصدد هو أن اتجاه هذا المؤرخ يختلف في أحد هذين الكتابين عنه في الكتاب الآخر. ففيما يخص كتابه عن "حرب اليهود" نجد أنه كان مواليا للإمبراطورية الرومانية ومن ثم فهو يقف ضد التعصب القومي لليهود ويظهر الرومان بأنهم أصحاب القوة التي لا تقهر، بل إنه حين كان يشغل منصب مساعد الحاكم لمنطقة الجليل كان همه الأساسي هو كبح جماح الثورة اليهودية، أما كتابه عن "أخبار اليهود القديمة" فقد كتبه في أثناء حكم الإمبراطور دوميتيانوس DOMITIANUS الذي اتسم عهده بتضييق الخناق على الكتابات الأدبية عموما وعلى الكتابات التاريخية على وجه التحديد، ومن ثم فقد كان رد الفعل عند يوسفوس هو الابتعاد عن الولاء للإمبراطورية الرومانية والاتجاه نحو تمجيد اليهود وبخاصة في ثقافتهم

ص: 214

ودينهم. وطبيعي أن اتجاه هذا المؤرخ في كل من الكتابين لا بد أن نتذكره ونحن بصدد معالجة ما يرويه لنا من أخبار عن العرب أو عن علاقة اليهود بالعرب.

كذلك فنحن نجد يوسفوس أو الذين ساعدوه في إخراج كتابيه في صيغتهما النهائية30، لا يتحرى "أو لا يتحرى مساعدوه" الدقة العلمية في بعض الأحيان. ويظهر هذا بشكل واضح في كتابه عن "أخبار اليهود القديمة" ففي أحد المواضع، على سبيل المثال، نجد وصف إحدى المعارك مأخوذا من وصف معركة مذكورة في تاريخ المؤرخ اليوناني ثوكيديديس THUKYDIDES عن الحروب البلوبونيسية "القرن الخامس وأوائل الرابع ق. م"، وفي موضع آخر نجد لمسات واضحة من إحدى فقرات المؤرخ هيرودوتوس herodotos "أواسط القرن الخامس ق. م." وفي موضع ثالث يستعير الكاتب وصفه من إحدى

30 كتب يوسفوس كتابه عن "تاريخ حرب اليهود ضد روما" بالآرامية أولًا ثم ترجمه إلى اليونانية بمساعدة آخرين، ويبدو من سلاسة الأسلوب أن هؤلاء المساعدين قاموا بترجمة الكتاب كله دون أن يشترك يوسفوس في هذه الترجمة. أما كتابه عن "أخبار اليهود القديمة" فقد كتبه باليونانية وساعده آخرون في بعض المواضع كما يشهد على ذلك تأرجح الأسلوب بين السلاسة والمعاناة اللغوية، ويشير يوسفوس نفسه إلى هؤلاء المساعدين sunergol فيما يخص كتابه الأول في مقالته "ضد أبيون" "كان أبيون عالما سكندريا مشهورا بمعاداته لليهود"1.50 راجع في هذا:

A.H.M. Jones: josephus، o.c.d.

H. ST. J. Thackeray: josephus، the man and the his.

torian، new york، 1929 "lecture V": Josephus، LCL

Vol. IV "Jewish antiquities"، introduction، pp. XIV XV.

ص: 215

مسرحيات سوفوكليس "القرن الخامس ق. م."31. وحقيقة أن الأمر في هذه الفقرات يقتصر على التصوير الفني لموقعة أو حدث، وهو أمر قد يجنح إليه غيره من المؤرخين الكلاسيكيين، ولكن مع ذلك يجدر بنا أن نستحضره في ذهننا عند اعتمادنا على أخبار العرب الواردة في الكتابين المذكورين.

على أن هناك ميزةً لهذا المؤرخ، وهي أنه يتقصى أخبار العرب وبخاصة في علاقاتهم باليهود بشكل يعطينا الخلفية التي كثيرا ما تساعدنا على التفهم الكامل لبعض المواقف كما نرى، على سبيل المثال، في حالة شلَّاء "سللايوس syllaeus عند الكتاب الكلاسيكيين" الوزير العربي في عهد عبيدة الثالث ملك الأنباط "30-9ق. م." فبينما يقتصر كاتب مثل سترابون على وصف هذا الوزير بالطموح وقوة الشخصية نجد يوسفوس يتحدث عن الوزير العربي بشكل تفصيلي فيذكر خططه لكي يحل محل عبيدة كملك على الأنباط وكيف كان هذا التخطيط، على الأقل بشكل جانبي، وراء تفكير شلاء في الزواج من سالومي أخت هيرودوس ملك إقليم "يهودية" حتى يكتسب صفة الامتزاج بالدماء الملكيةأ.

31 عن التأثر بدرجات متفاوتة، والمقصود هنا هو كتاب "أخبار اليهود القديمة":

josephos: IV، 91= sophokies: oidipous epi kolonol، 589: thuk III،22.

josephos: IV،92=thuk.: VII،83،sq.

Josephos: IV،134=herodotos: IV،111-114.

أ Josephos: loud. arch، XVI، 7:9-10: VVII، 3:4-5: loud.

pol، I،24،28-32.

strabon: XVI، 4:21.

ص: 216