المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الموقع والسطح والأقسام الطبيعية: - العرب في العصور القديمة

[لطفي عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تقديم الطبعة الثانية

- ‌تقديم الطبعة الأولى

- ‌المحتوى

- ‌القسم الأول: المنطقة والشعب والأرض

- ‌الباب الأول: منطقة نشوء الحضارات وشبه جزيرة العرب

- ‌إبعاد منطقة نشوء الحضارات

- ‌تحديد المنطقة

- ‌ المنجزات الحضارية الأولى وهذه المنطقة:

- ‌ المقارنة الحضارية بين هذه المنطقة والمناطق الأخرى:

- ‌أسباب نشأة الحضارات الاولى في هذه المنطقة

- ‌مدخل

- ‌ ظرف المناخ:

- ‌ ظرف المواصلات السهلة:

- ‌ الحدود شبه المانعة للمنطقة:

- ‌شبه جزيرة العرب ضمن منطقة نشوء الحضارات

- ‌حول الدور الحضاري لشبه جزيرة العرب

- ‌ مقدمات هذا الدور قبل ظهور الإسلام:

- ‌الباب الثاني: الساميون وشبه الجزيرة والعرب

- ‌قضية الساميين أو الشعوب السامية

- ‌مدخل

- ‌ افتراض لوجود عنصر سامي:

- ‌ رد على هذا الافتراض:

- ‌قضية أصل الساميين وشبه جزيرة العرب

- ‌ملاحظات مبدئية

- ‌افتراض اصل افريقي للساميين

- ‌ افتراضات أصل آسيوي للساميين:

- ‌ حول أصل الساميين وشبه جزيرة العرب:

- ‌الساميون والعرب

- ‌مدخل

- ‌ ملاحظات حول فكرة موطن أصلي للساميين:

- ‌ تصور مطروح حول هذه الفكرة:

- ‌ العرب وفكرة الأصل السامي:

- ‌الباب الثالث: شبه جزيرة العرب: الملامح العامة

- ‌ الموقع والسطح والأقسام الطبيعية:

- ‌ المناخ:

- ‌ النبات والحيوان:

- ‌القسم الثاني: المصادر

- ‌الباب الرابع: الاثار والنقوش

- ‌مدخل

- ‌ قيمة الآثار والنقوش في التاريخ لشبه الجزيرة:

- ‌امثلة من المخلفات الأثرية

- ‌مدخل

- ‌ الآثار المعمارية:

- ‌ النحت والمخربشات:

- ‌ الفخار والعملة:

- ‌النقوش

- ‌نقوش عن الاحوال الداخلية لشبه الجزيرة

- ‌ نقوش عن العلاقات الخارجية لشبه الجزيرة:

- ‌ تقويم عام للنقوش:

- ‌الباب الخامس: المصادر الدينية

- ‌مدخل

- ‌القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌ أمثلة لأقوام شبه الجزيرة في القرآن:

- ‌ أمثلة عن الحياة الدينية في شبه الجزيرة:

- ‌ مثال لتكوين المجتمع في شبه الجزيرة:

- ‌ الحديث الشريف:

- ‌ التوراة والتلمود:

- ‌الباب السادس: المصادر الكتابية

- ‌مدخل

- ‌الكتاب الكلاسيكيون

- ‌كتاب المرحلة المبكرة

- ‌ كتاب العصر المتأغرق:

- ‌ كتاب العصر الروماني:

- ‌ كتاب العصر الإمبراطوري الروماني المتأخر:

- ‌الكتابات العربية في العصر الاسلامي

- ‌صعوبات أمام الاعتماد على هذه الكتابات

- ‌ استثناءات ممكنة من هذا التعميم:

- ‌الباب السابع: الشعر الجاهلي

- ‌ الشعر كمصدر تاريخي:

- ‌ اعتراضات على الشعر الجاهلي كمصدر تاريخي:

- ‌ ردود على هذه الاعتراضات:

- ‌ حول مجالات الشعر الجاهلي:

- ‌القسم الثالث: المجتمع

- ‌الباب الثامن: الوضع الاقتصادي

- ‌مدخل

- ‌الرعي

- ‌الرعي والرعاة

- ‌ الموارد المكملة لحياة الرعاة:

- ‌الزراعة والمحاصيل الطبيعية

- ‌المورد الزراعي

- ‌ المحاصيل الطبيعية:

- ‌التجارة

- ‌مدخل

- ‌ أهمية هذا المورد ومظاهر ذلك:

- ‌ طرق التجارة البرية:

- ‌ النشاط التجاري البحري:

- ‌ التعدين والصناعة:

- ‌الباب التاسع: الأوضاع الداخلية

- ‌مدخل

- ‌الوضع السياسي

- ‌مدخل

- ‌ التكوينات السياسية:

- ‌ نظام الحكم:

- ‌الوضع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ عوامل التماسك:

- ‌ عوامل الانقسام:

- ‌الوضع الديني

- ‌مدخل

- ‌ تطور العقائد الدينية وانتشارها:

- ‌ الظروف المحيطة بالحياة الدينية:

- ‌الباب: العاشر: العلاقات الخارجية

- ‌المرحلة الأولى: ظهور الهوية العربية

- ‌بدايات غير محددة

- ‌ العلاقات مع العبرانيين:

- ‌ العلاقات مع القوى الشرقية:

- ‌المرحلة الثانية: العلاقات مع القوات الغربية

- ‌الاسكندر الأكبر والدول المتأغرقة

- ‌ العلاقات مع الإمبراطورية الرومانية:

- ‌المرحلة الثالثة: العرب بين قوى الشرق والغرب

- ‌مدخل

- ‌ الإمارات العربية الحدّية:

- ‌ الدين والسياسة في الصراع الدولي:

- ‌الملاحق

- ‌اللوحات

- ‌ الخرائط:

- ‌مختارات من‌‌ المصادروالمراجع

- ‌ المصادر

- ‌ المراجع

الفصل: ‌ الموقع والسطح والأقسام الطبيعية:

‌الباب الثالث: شبه جزيرة العرب: الملامح العامة

1-

‌ الموقع والسطح والأقسام الطبيعية:

تقع شبه جزيرة العرب في القسم الجنوبي من القارة الآسيوية، وهي أقصى منطقة من هذه القارة في هذا الاتجاه، وتحدها مياه البحار من الشرق والجنوب والغرب، ومع هذا فقد سماها علماء العرب "جزيرة العرب"، وهي تسمية فيها تجاوز علمي ظاهر. وأحد الأسباب التي جعلتهم يقدمون على هذا التجاوز هو وجود نهر الفرات الذي يدخل المنطقة في قسمها الشمالي الغربي قرب شواطئ البحر المتوسط ثم يمتد في اتجاه جنوبي شرقي حتى يصبَّ في مياه الخليج في القسم الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة، وهو أمر دفع هؤلاء العلماء إلى النظر إلى المنطقة بشكل تجاوزي على أنها جزيرة. كذلك كان بين هذه الأسباب أن المنطقة تشبه جزيرة بشرية يتحدث سكانها باللغة العربية وتحدها "غير الحدود البحرية" مجموعات بشرية تتحدث بلغات أخرى؛ مما حدا بأحد هؤلاء العلماء إلى أن يقول: إن المنطقة "تسمى جزيرة العرب؛ لأن اللسان العربي فيها شائع وإن تفاضل"1.

1 ياقوت الحموي: معجم البلدان، مادة: جزيرة العرب؛ الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص1.

ص: 89

ورغم قلة عدد السكان في شبه جزيرة العرب بشكل ظاهر، إلا أنها أكبر شبه جزيرة في كل قارات العالم على السواء. وتبلغ مساحتها ما يقرب من ربع مساحة القارة الأوروبية بأكملها أو ثلث مساحة الولايات المتحدة الأمريكية. أما عن تفاصيل موقعها فيحدها من الشرق الخليج العربي الذي عرف في نصوص وادي الرافدين باسم "البحر الأدنى" و"النهر المر" و"البحر المالح" و"بحر الشروق الكبير"، وعرفه الكتاب الكلاسيكيون "اليونان والرمان" باسم "الخليج الفارسي" أو "البحر الفارسي". أما في الجنوب فتطل شواطئ شبه الجزيرة على المحيط الهندي الذي عرفه الكتاب الكلاسيكيون باسم "البحر الأحمر""وهي الترجمة العربية للفظة erythre thalassa اليونانية" أما في الغرب فتغسل شواطئ شبه الجزيرة مياه البحر الأحمر الذي أطلق عليه الكتاب الكلاسيكيون الاسم نفسه. كما سموه كذلك باسم "خليج العرب" بينما عرفوا طرفه الشمالي من ناحية شبه جزيرة العرب باسم "خليج أيلة" أو "خليج الأيلانيين" نسبة إلى "إيلات"، أو "إيلوت" وهي التسمية العبرية لميناء العقبة2.

2 عن أسماء الخليج في نصوص وادي الرافدين: البحر الأدنى: anet صفحات 267 على عهد سارجون الأول "2371-2316ق. م" ص277 على عهد شلمنصر الثالث "858-824ق. م.". النهر المر: "نار مراتو" نص من عهد شلمنصر الثالث مقتبس في G.roux: ذاته ص270. البحر المالح: anet، ص316، نص من عهد حشويرش xerxes

"485-465 ق. م." أثناء الحكم الفارسي في المنطقة. بحر الشروق الكبير، g.roux: ص465 "خريطة".

عن أسماء الخليج عند الكتاب الكلاسيكيين: البحر الفارسي: persa thalatta في اليونانية mare persicum ، strabo: XVI ، 4، 1 في اللاتينية عند plinius: historia naturalis VI، 137. الخليج الفارسي: persikos kolpos في اليونانية SInUs persicus و strabo: XVI 3،2 في اللاتينية plinius H.N.، VI، 138. عن المحيط الهندي عند الكتاب الكلاسيكيين:"البحر الأحمر""كناية عن المحيط الهندي" erythre thalassa في اليونانية herodotos: II،8 كما ورد شاطئ البحر الأحمر rubrus litus بمعنى شاطئ المحيط الهندي في اللاتينية: plinius VI 154. عن البحر الأحمر عند الكتاب الكلاسيكيين: البحر الأحمر rubrum mare و herodotes: II ، 185 في erythre thalassa في plinus:.H.N. ،VI، 165 كذلك الخليج العربي arabios kolpos في herodotos: II،11،102 وفي strabo: XVI، 4:2 كذلك sinus arabicus في plinius: H.N،.VI. 163.

ص: 90

والبحر الأحمر الذي يفصل بين شبه الجزيرة من جهة والقارة الإفريقية من جهة أخرى يمثل في الواقع الجزء الأكبر من أخدود أو هبوط أرضي حدث في العصر الجيولوجي الثالث، ويعتبر في ضوء هذه الحقيقة امتدادا طبيعيا لوادي الأردن والبحر الميت ووادي عربة من ناحية الشمال. أما ساحله الذي تطل عليه شبه الجزيرة فأغلب مناطقه من الشعب أو الصخور المرجانية المتشعبة التي لا تصلح لأن تقوم فيها موانئ لرسو السفن مما صعب الملاحة وحدا بالعرب إلى أن يديروا ظهرهم لهذا البحر بشكل عام. وأخيرا ففي أقصى الجنوب من هذا البحر توجد أضيق أماكنه وهي المنطقة المعروفة باسم مضيق "باب المندب" الذي ينتشر فيه عدد من الجزر فتجعل الانتقال بين الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة وبين الشاطئ الإفريقي أمرا ميسورا، وقد كان هذا بالفعل هو سبب الاتصال الوثيق بين اليمن والحبشة في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها، سواء أكان اتصالا وديا في مجال النشاط التجاري والثقافي أم نشاطا عدائيا في مجال التدخل السياسي أو الغزو والسيطرة العسكرية.

أما الحدود الشمالية والشمالية الشرقية لشبه الجزيرة فهي المنطقة الصحراوية التي تمتد بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، والتي تقع إلى جنوبي امتداد الهلال الخصيب. والقسم الشرقي من هذه المنطقة وهو القسم المتاخم لوادي

ص: 91

الرافدين يعرف باسم بادية السماوة بينما يعرف القسم الغربي المتاخم لسورية باسم بادية الشام. وهذه البادية الأخيرة توجد عند أطرافها من ناحية الجنوب الغربي بعض مناطق صخرية على شيء من الاتساع مثل المنطقة التي ظهرت فيها مدينة بترا petra "البتراء" عاصمة الأنباط، والتي كانوا يتحكمون من موقعها في خط القوافل التجاري إلى سورية.

وفي حدود هذا الإطار نجد أن العمود الفقري لشبه الجزيرة هو سلسلة من الجبال تمتد من جنوبي سورية في الشمال إلى اليمن في الجنوب موازية لساحل البحر الأحمر وقريبة منه، وهي جبال السراة. وهي سلسلة يصل ارتفاعها إلى 9000 قدم في منطقة مدين في القسم الشمالي الغربي لشبه الجزيرة، وفي الوسط "الحجاز الحالية" إلى 1000 قدم وإلى أكثر من 12.000 قدم في اليمن، وهذه السلسلة الجبلية تنحدر انحدارا شديدا نحو الغرب حيث المنخفض الساحلي الذي تغسله مياه البحر الأحمر، بينما تنحدر بتدرج وامتداد كبير عبر كل القسم الشرقي لشبه الجزيرة. وفي وسط هذا الامتداد المتدرج الكبير مع اتجاه بسيط نحو الشمال تقع هضبة نجد التي يبلغ متوسط ارتفاعها 2500 قدم، كما توجد بها سلسلة من الجبال هي جبال شمّر، تصل إحدى قممها، وهي جبل أجأ، إلى 5550 قدمًا فوق مستوى البحر. أما عن بقية شبه الجزيرة فنحن نجد شريطا من الأرض المنخفضة على طول السواحل الجنوبية والشرقية تليها نحو الداخل سلاسل جبلية تصل إلى ارتفاعات متفاوتة، ومن بين هذه المرتفعات يصل الجبل الأخضر في عُمان إلى 9900 قدم مشكلًا بذلك استثناء واضحا للاتجاه الشرقي المتدرج لسطح شبه الجزيرة3.

وفيما عدا السلاسل الجبلية والمناطق المرتفعة، وأهمها نجد أو الهضبة الوسطى الشمالية، فإن بقية الأرض تتكون من امتدادات مقفرة أو مناطق

3 Hitti: المرجع ذاته: صفحات 14-15.

ص: 92

معشبة وهذه الأخيرة تسمي الدارات. والدارة منطقة سهلية على شيء من الاستدارة تحيط بها التلال وتحتوي على قدر من المياه الجوفية ينبثق في شكل عيون أو ينابيع4. ومن المناطق العشبية التي تكثر فيها الدارات بادية السماوة "غربي العراق" وبادية الشام "شرقي سورية" رغم ما قد توحي به تسمية "البادية" في بعض الأحيان من صفة صحراوية تغري بالاعتقاد في إقفارها الكامل.

أما المناطق الصحراوية المقفرة فيمكن تقسيمها من حيث تكوينها، إلى ثلاثة أقسام، وأحد هذه الأقسام أو التكوينات هو منطقة النفود. والمنطقة تشكل امتدادا صحراويا واسعا يقع بشكل مستعرض في القسم الشمالي من شبه الجزيرة ويبلغ طوله نحو 450 كيلومترًا مبتدئا بواحة تيماء في الغرب ومتجها نحو الشرق، بينما يبلغ عرضه نحو 250 كيلومترًا من الجوف شمالا إلى جبال شمر جنوبا، وتمتد المنطقة من الغرب إلى الشرق في انخفاض تدريجي يصل إلى نحو 150مترا. وبفعل الرياح تتخذ الرمال التي تغطي المنطقة شكل تموجات رملية أحيانا بينما تتخذ شكل كثبان في أحيان أخرى، ورغم جفاف المنطقة فإنها تتعرض من حين لآخر لشتاء ممطر فتغطيها "وبخاصة في الأماكن ذات الرمال الحمراء" الأعشاب والنباتات والزهور التي يقصدها الأعراب لأسباب الرعي، كما تنبت فيها بعض النباتات المرتفعة القوية السيقان "مثل بعض أنواع الغضا" يتخذها البدو حطبا يستخدمونه في أغراض حياتهم اليومية. ولكن هذه الفترات من الاخضرار لا تستمر إلا أسابيع قليلة، تجف بعدها أمام رياح السموم الحارقة التي تهبُّ من الشرق والجنوب في أواخر فصل الربيع وفي أشهر الصيف5.

4 الفيروزآبادي: القاموس المحيط، مادة: دارة، ويعدد أكثر من 110 دارات في شبه الجزيرة العربية. راجع عمر فروخ: تاريخ الجاهلية، بيروت،1964، ص30.

5 moritz: arabien، studien zur physikalisshen und histo-hitti ص15 "hanover 1923" rischen geographie des landes المرجع ذاته، ص15 جواد علي: المرجع ذاته، صفحات 152-153.

ص: 93

أما القسم أو التكوين الثاني فيعرف باسم الدهناء أو الأرض الحمراء، وهو مسطح شائع من الرمال الحمراء يبتدئ من النفود في الشمال ويمتد في شكل قوس كبير عبر مسافة تزيد على 600 ميل نحو الجنوب الشرقي دخولا في المنطقة المعروفة باسم الربع الخالي والجزء الغربي من الدهناء يعرف أحيانا باسم الأحقاف "أي الكثبان الرملية". وربما كانت مياه الخليج تغمرها في يوم من الأيام إذ يوجد فيها امتداد فرعي صغير للخليج يمتد إلى جنوبي قطر كما توجد فيها رواسب من النوع الذي يوجد في قاع البحر. وحين تسقط الأمطار في المنطقة بشكل موسمي تنبت الأعشاب التي يقصدها البدو لأسباب الرعي لعدة شهور في السنة، ولكنها تجف تماما في أشهر الصيف بحيث لا يصبح فيها مجال للحياة.

ويبدو أن المنطقة كانت أقل إقفارًا في مجال الحياة ومجال السكان لفترة طويلة أو قصيرة قبل الإسلام، لسببين أحدهما أنها كانت أكثر مطرا أو عيونا ومن ثم كانت أكثر خصبا، وثانيهما أنها كانت تمر بها بعض الطرق التي تسلكها الخطوط التجارية من جنوبي شبه الجزيرة إلى شواطئ الخليج، ومن بين الشواهد التي قد تدل على ذلك آثار عدد من القرى القديمة في منطقة وبار "جنوبي غرب رمال يبرين أو جبرين" وإشارة القرآن الكريم إلى منطقة الأحقاف كموطن لقوم عاد كما يدل على نشاط الخط التجاري الذي يمر بها بيت شعر للأعشى يشير فيه إلى قوافل الجمال التي كانت تمر بالدهناء إلى شاطئ الخليج حيث يحمِّلها التجار بالسلع التي كانت توجد في سوق "دارين" إحدى موانئ جزيرة تاروت "تقع إلى شمالي قطر الآن" وتعود بعدها وقد حملت من هذه السلع شيئا كثيرا6.

6 Moritz: المرجع ذاته، الصفحة ذاتها. جواد علي: المرجع ذاته، صفحات 150-152. بيت الشعر المنسوب للأعشى في الآلوسي: تاريخ نجد، طبعة القاهرة، 1347هـ، ص30 وهو:

يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم

ويرجعن من دارين بُجْر الحقائب

ص: 94

ثم نأتي إلى القسم أو التكوين الثالث من المناطق الصحراوية وهو ما يعرف باسم "الحرار" أو "الحرات""جمع حرة" وهي الأراضي التي تغطيها حجارة بركانية سوداء، بعضها هو أفواه البراكين ذاتها، والبعض الآخر ناتج من تفتت الحمم أو اللافه "سماها العرب اللابه أو اللوبه" التي قذفت بها هذه البراكين ثم بردت وتفتتت بمرور الزمن وثوران البراكين ظاهرة عرفتها شبه الجزيرة العربية منذ العصور السحيقة كما عرفتها المناطق المقابلة لها سواء في الحبشة أو في عدد من الأماكن الأخرى على السواحل الشرقية للقارة الإفريقية، وقد ظل بعض هذه الحرار ثائرا أو ثار بشكل متقطع بعد العصر الإسلامي، مثل حرة "النار" التي كانت لا تزال ثائرة في عهد عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين. وكانت آخر مناسبة ثارت فيها البراكين في شبه جزيرة العرب في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي "1256م" حين ثارت إحدى الحرات في شرقي المدينة لعدة أسابيع وامتدت الحمم التي قذف بها حتى توقفت على مسافة بضعة كيلو مترات قليلة من المدينة، وكانت ثورة هذه الحرة فيما يبدو مظهرا من مظاهر الهزات الأرضية والانفجارات البركانية التي عرفتها بعض المناطق في غربي آسيا في أواخر القرن الثاني عشر وخلال القرن الذي يليه.

وتوجد الحرار في شبه الجزيرة العربية على امتداد المنطقة الغربية من الجنوب قرب باب المندب حتى تلتقي بالمنطقة التي توجد فيها الحرار في سورية في منطقة حوران. كما توجد في بعض المناطق الوسطى في شبه الجزيرة مثل المنطقة الشرقية الجنوبية من هضبة نجد، وقد عد أحد علماء العرب 29 من هذه الحرار، كما أضاف إليها الرحالة المحدثون عددا آخر. ومن بين الحرات التي عرفها العرب حرة تبوك حرة النار قرب خيبر "وكلتاهما في شمالي غربي شبه الجزيرة"، وحرة واقم التي تقع إلى شرقي المدينة، وحرة وبرة التي تقع على بعد ثلاثة أميال غربي المدينة في أول الطرق المؤدية إلى مكة، وحرة

ص: 95

ضروان في اليمن7.

وفي حدود هذه الملامح السريعة لحدود شبه جزيرة العرب، تعرفت دول وشعوب العالم القديم على شبه الجزيرة وحاولوا تصورها في أقسام تتفق بشكل أو بآخر مع اهتماماتهم السياسية أو الاقتصادية أو مع معلوماتهم الجغرافية، كما قسمها علماء العرب في العصر الإسلامي إلى أقسام تعكس تصور سكان شبه الجزيرة أنفسهم لهذا التقسيم في العصر السابق للإسلام، وتعتبر دون شك استمرارا لهذا التصور. وفي هذا المجال فإننا نجد أنه في خلال الفترة الأولى التي بدأت فيها الدول والشعوب المحيطة بشبه الجزيرة العربية تهتم بالمنطقة، وهي فترة تمتد بين أواسط القرن التاسع ق. م. والنصف الثاني من القرن السادس ق. م. كانت هذه الدول والشعوب تُعنى بالقسم الشمالي فحسب من بلاد العرب، مع اختلاف في مدى امتداد هذا القسم من الشرق إلى الغرب أو عمقه من الشمال إلى الجنوب.

ففي عهد الملوك الآشوريين ابتداء من حكم الملك شلمنصر الثالث "858-824ق. م" كانت بلاد العرب حينما تذكر في سجلات هؤلاء الملوك تعني أقصى القسم الشمالي لشبه الجزيرة. وهو القسم الذي يشكله المعبر بين وادي الرافدين وسورية. وفي آخر عهد الدولة البابلية الحديثة نجد أن هذا التصور يتسع بعض الشيء، إذ نجد الملك نابونائيد "556-539ق. م. وهو الذي عرفه اليونان باسم نابونائيد NABONIDOS" يقيم بين السنة السابعة والسنة الحادية عشرة من حكمه في مدينة تيماء التي توجد جنوبي هذا المعبر "في القسم الشمالي

7 ياقوت: معجم البلدان، مادة: حرة؛ moritz: المرجع ذاته، ص12. henri lammens: le berceau de l،lslam، l،arabie occidentale a la veille de l،hegire، الجزء الأول وهو الوحيد الذي ظهر "1914 romae" ص73، hitti المرجع ذاته، ص17.

ص: 96

الغربي لشبه جزيرة العرب" كما يصل بحملاته جنوبا حتى يصل إلى يثرب "المدينة فيما بعد" وبذلك يكون قد دفع تصور البابليين عن بلاد العرب إلى حدود هذه المدينة8. أما اليونان فقد عرفوها في أواسط القرن الثامن، أو بالأحرى أشاروا إلى المنطقة ضمنا عن أنها بادية الشام فحسب، وهو تصور كان سائدًا عند الآراميين كذلك، حسبما نستنتج من أحد النصوص الآرامية التي ترجع أحداثها إلى النصف الأول من القرن الثامن ق. م. فإذا وصلنا إلى الفترة بين أواخر القرن السادس وأواسط القرن الخامس وجدنا تصور الفرس لبلاد العرب يتراجع، على ما يبدو، إلى تصور الآشوريين، أي: إلى المعبر الصحراوي بين وادي الرافدين وسورية رغم ما يبدو في نص أكدي من عهد أحشويرش الإمبراطور الفارسي "485-465 ق. م." مما قد يشير إلى توسع في هذا التصور خارج هذه المنطقة9.

8 ANET: النصوص في صفحات 279، 283-286، 291-292، 297-301، 306 "الإشارة في هذا النص الأخير إلى مدينة تيماء وليست إلى بلاد العرب باللفظ"؛ luckenbill arab، يرد فيه 37 نصًّا أولها في ج1 نص رقم 611 من عهد شلمنصر الثالث "858-824 ق. م" وآخرها في ج2، نص رقم 1084 من عهد آشور بانيبال "668-626ق. م"

9 التصور اليوناني المذكور يأتي في homeros: odysseia النشيد الرابع، سطر 84، حيث يذكر العرب مباشرة بعد الصيدونيين مما قد يوحي بالجوار في تصور الشاعر "راجع بداية الحديث عن الكتاب الكلاسيكيين في الباب الخاص بالمصادر الكتابية في القسم الثاني من هذه الدراسة". عن التصور الآرامي the words of ahiqar، anet ص420 "نقل النص الآرامي إلى الإنجليزية h،l. Ginsberg" النص الأكدي من عهد الإمبراطور الفارسي حشويرش xerxes "485-465ق. م" في anet، ص316 "نقله إلى الإنجليزية leo oppenheim". وفيه يأتي ذكر منطقة makai قارن maka عند سترابون XVI،3.2 "وهي عمان الحالية". ثم بعدها مباشرة "العربية" مما يوحي بمنطقة في وسط شبه الجزيرة، ولكن هذا التجاور اللفظي قد لا يعني التجاور على الطبيعة بالضرورة، فمن جهة نجد أن منطقتين من المناطق المذكورة في النص بعد "العربية" إحداهما الهند والأخرى قبادوقية "في آسيا الصغرى" رغم ورودهما واحدة بعد الأخرى مباشرة. كذلك فإن الثابت تاريخيا أن منطقة سيطرة الإمبراطورية الفارسية لم تشمل وسط شبه الجزيرة وإنما اقتصرت من هذه المنطقة على أطرافها الشمالية "بادية السماوة وبادية الشام" بين وادي الرافدين والمنطقة السورية.

ص: 97

ولكن الفترة التي تبدأ بأواسط القرن الخامس ق. م. تشهد تغيرا كبيرا في تصور بلاد العرب لدى الشعوب والدول التي اهتمت لسبب أو لآخر بالمنطقة. ويبدو هذا التغير واضحا فيما تركه لنا الكتاب الكلاسيكيون "اليونان والرومان" سواء من بينهم المؤرخون أو الرحالة أو الجغرافيون أو الكتاب الموسوعيون. وقد كان أول من ظهر في كتاباته هذا التغير الواضح في تصور حدود شبه الجزيرة هو هيرودوتس herodotos أول المؤرخين "أو أبو التاريخ حسبما لقبه شيشرون cicero الخطيب والسياسي الروماني الشهير الذي عاش في القرن الأول ق. م". فقد كان هذا المؤرخ هو أول من دفع بحدود بلاد العرب لكي تشمل كل شبه الجزيرة العربية وإن كان قد زاد على هذه الحدود بعض المناطق التي تقع إلى خارجها. وهو تصور يتأرجح بين شبه الجزيرة وهذه المناطق الواقعة إلى خارجها "مع اختلاف في امتداد هذه المناطق الخارجية" حتى استقر نهائيا على شبه الجزيرة بما في ذلك المنطقة الصحراوية الشمالية الواقعة على الحدود الجنوبية لمنطقة الهلال الخصيب "أي بما في ذلك بادية العراق وبادية الشام" في كتابات بطليموس كلاوديوس ptolemaios klaudios التي قام بها في خلال النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وهو الكاتب اليوناني المصري الذي عرفه العلماء العرب في العصر الإسلامي باسم بطليموس الجغرافي.

ولم يقتصر الكتاب الكلاسيكيون على تقديم التحديد العام لشبه جزيرة العرب، وإنما تعدوا ذلك إلى تقسيمها إلى مناطق طبيعية، قسموها بدورها إلى أقسام تضم الأماكن الزراعية أو الرعوية أو التي يعيش أهلها على التجارة.

ص: 98

كما وصفوا تضاريسها وشواطئها ومناخها وسكانها ونباتها وحيوانها. وحين وصل هذا التقسيم العام إلى أدق ما وصل إليه عند الكتاب الكلاسيكيين كان يضم ثلاث مناطق: المنطقة الأولى أطلقوا عليها اسم "العربية الصحراوية" arabia erema وهي القسم الأكبر من الناحية الشرقية من الامتداد الصحراوي الذي يتوسط وادي الفرات شرقا وسورية غربا. و"العربية الصخرية" arabia petraea وتضم القسم الغربي من هذا الامتداد وتقع في وسطها مدينة البتراء petra المنحوتة في الصخر قرب وادي موسى في الأردن حاليا، التي اتخذها الأنباط عاصمة لهم في القرن الأول ق. م. والقرن الأول الميلادي قبل أن يدخلوا ضمن الإمبراطورية الرومانية. ولنا أن نتصور أن القسم كان حدوده تتقلص أو تتسع بالضرورة حسب الظروف السياسية، فقد وصل نفوذ الأنباط إلى دمشق أحيانا في الشمال، كما امتدت منطقة نفوذهم الجنوبية إلى المنطقة التي تعرف بمدائن صالح في الوقت الحاضر "في القسم الشمالي الغربي من المملكة السعودية الآن" تدلنا على ذلك الآثار النبطية التي توجد في هذه المنطقة الآن والتي تعتبر امتدادا لآثار البتراء سواء من حيث نحتها في الصخر أو في الطراز المعماري لها. أما القسم الثالث والأخير من هذه المناطق الطبيعية التي قسم الكتاب الكلاسيكيون بلاد العرب إليها فقد أسموه "العربية الميمونة أو المباركة" arabia eudaemon وهو القسم الذي يقع إلى الجنوب من خط وهمي يمتد من الطرف الشمالي للخليج العربي "أو الفارسي حسب التسمية الكلاسكية آنذاك" في الشرق، إلى رأس خليج العقبة "خليج أيلة في الكتابات القديمة" أو إلى نقطة على الشاطئ الشرقي لهذا الخليج. وقد سماها الكتاب الكلاسيكيون بهذا الاسم لوفرة مواردها، سواء أكانت هذه موارد زراعية وبخاصة في الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية "منطقة اليمن" أم كانت موارد تجارية من نقل السلع بين الأطراف المختلفة

ص: 99

لشبه الجزيرة10.

وقد كان هذا القسم الأخير من التقسيم الكلاسيكي، وهو "العربية الميمونة أو المباركة" هو القسم الذي اقتصر عليه تصور الجغرافيين العرب في العصر الإسلامي ثم قسموه إلى خمس مناطق، وأكرر هنا ما سبق أن أشرت إليه وهو أن هذه المناطق تعكس بالضرورة تصور العرب قبل الإسلام لشبه الجزيرة العربية من ثم فهو استمرار لهذا التصور11. وأولى هذه المناطق الخمسة هي منطقة الحجاز، وقد أطلقها الجغرافيون العرب على المنطقة التي تمتد فيها سلسلة جبال السراة التي رأيناها تخترق شبه الجزيرة من شماليها إلى جنوبيها، وسبب تسميتها بالحجاز عند العرب هو أنها تحجز بين المنطقة الضيقة التي توجد إلى غربيها نحو ساحل البحر الأحمر، والمنطقة الفسيحة التي تمتد شرقي هذه الجبال حتى الخليج. وقد اشار الكتاب العرب إلى عدد غير قليل من الأودية التي تتخلل هذه المنطقة الجبلية والتي يوجد بها عدد من العيون المائية. ومن بين هذه الأودية وادي نخال الذي يقع بين مكة والمدينة، ووادي القِرى الذي يقع بين المدينة والعلا "ديدان القديمة" وكان يمر به طريق القوافل الرئيسي قبل الإسلام، وبه واحة ونهر صغير "يقعان غرب آثار ديدان" وكان يتصل بهذا الوادي واديان آخران هما وادي جزل في الشمال ووادي حمض في الجنوب. ومن بينها كذلك وادي بدا الذي يوجد قرب أيلة "العقبة الحالية، على

10 راجع الحديث عن الكتاب الكلاسيكيين في الباب الخاص بالمصادر الكتابية في القسم الثاني من هذه الدراسة.

11 يذكر الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص1، أن جزيرة العرب تضم سيناء، وأن بادية الشام تدخل ضمنها، ولكن تقسيم شبه الجزيرة عند الجغرافيين العرب لا يتضمن هذه المناطق. راجع هذا القسم أدناه في الباب الحالي.

ص: 100

رأس خليج العقبة"12.

والمنطقة الثانية في التقسيم العربي لشبه الجزيرة هي منطقة "تهامة" وهي المنطقة الضيقة المنخفضة التي تقع بين جبال الحجاز والبحر الأحمر، وقد كانت كلمة تهامة عند العرب تعني الأرض المنخفضة، وهي كلمة يبدو أن العرب اشتقوها من طبيعة هذه المنطقة. أما التسمية ذاتها فهي تسمية ترد في النصوص العربية الجنوبية السابقة للإسلام في صورة "تهمت" أو "تهتم" وربما كانت لها علاقة بكلمة "تيهوم" العبرانية، كما يرى أحد الباحثين احتمال اشتقاقها من كلمة تيامتو tiamtu التي تعني البحر في البابلية، وإن كنت أستبعد هذا الرأي الأخير13.

ثم تأتي المنطقة الثالثة وهي "اليمن" وتقع في الركن الجنوبي الغربي لشبه جزيرة العرب. وتخترق جبال السراة اليمن حتى البحر عند حدودها الجنوبية. ويتخلل المنطقة سواء في المناطق السهلية أو في الهضبة المطلة على عدن عدد من

12 ياقوت: المرجع ذاته، مادة حجاز، ج2 ص219؛ الهمداني: المرجع ذاته، ص 48. قارن doujhty: travels in arabia deserta "1936 london"،ج1، ص187.

13 ياقوت: المرجع ذاته، ج2، ص63 مادة: تهامة. ويميل جواد علي "ذاته، ص170" إلى تأييد شرادر schrader في الرأي الذي يذكره في دراسته عن النقوش المسمارية والتوراة die keininschriften und dasalte testament الطبعة التي قام بتنقيحها winkler و zimmern "برلين 1903"، ص492. وفيها يرجح شرادر وجود علاقة بين لفظة "تهامة" ولفظة "تيامتو" التي تعني "بحر" في البابلية ولفظة "تيهوم" العبرية. ويرى أن الذي يجمع بين هذه الألفاظ هو أصل سامي قديم له علاقة بالمنخفضات الواقعة على البحر، والتي تتميز بشدة الحرارة وشدة الرطوبة، ويذكر بأن اللفظة في لغة القرآن الكريم وفي اللهجات العربية الجنوبية تشير إلى السواحل المنخفضة الواقعة بين الجبال والبحر.

ص: 101

الوديان الجافة تنساب فيها المياه في الموسم المطير، وربما كانت هذه بقايا أنهار قديمة ولكنها جفت على مر القرون، ويرد اسم اليمن في النصوص العربية الجنوبية السابقة للإسلام في صورة "يمنت" أو "يمنات" أما الجغرافيون العرب في العصر الإسلامي فقد رد بعضهم تسمية اليمن إلى تيامن العرب بها على أساس أنها تقع إلى يمين الأرض "بالنسبة للشخص الذي يقف وظهره إلى البحر ونظره إلى امتداد شبه الجزيرة" بينما تقع الشام ناحية الشمال "بكسر الشين" أي إلى اليسار كما ذكر البعض الآخر أن سبب هذه التسمية يرجع إلى اليُمْن والخير لما فيها من زراعة ونخيل وثمار14. ولعله من الوارد في هذا المقام أن نذكر بأن تسمية arabia eudameon اليونانية وتسمية arabia felix اللاتينية وهما التسميتان اللتان أطلقهما الكتاب الكلاسيكيون على المنطقة تعنيان -كلتاهما- العربية السعيدة أو الميمونة، بينما تضيف التسمية اللاتينية إلى هذه المعاني معنى "العربية الخصبة".

والمنطقة الرابعة في تقسيم العلماء العرب لشبه جزيرة العرب هي منطقة العروض. وهي تغطي الامتداد الذي يبدأ من الأطراف الشرقية لليمن ثم يستمر في اتجاه شرقي وشمالي شرقي حتى يصل إلى اليمامة وشواطئ البحرين "وإن كان أحد هؤلاء الجغرافيين يجعل اليمامة من أقسام نجد". والمنطقة تتكون من صحارٍ وسهول ساحلية، وفيها عدد قليل من الواحات التي نجمت عن سقوط القليل من المطر أو عن وجود بعض العيون التي تبلغ نحو 40 عينًا. ومن بين مدنها "هجر" التي عرفها الكتاب الكلاسيكيون باسم إجرا egra، والعقير ولعلها كانت المدينة التجارية المهمة التي عرفها هؤلاء الكتاب باسم جرهاء gerrha. وإذا اعتبرنا اليمامة "وهي المنطقة التي تلي البحرين من

14 ياقوت: المرجع ذاته، ج5، ص447، مادة: يمن؛ الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص51.

ص: 102

ناحية الغرب" قسمًا من أقسام العروض، فإننا نجدها الآن منطقة صحراوية وإن كانت الدلائل تشير إلى أنها كانت منطقة مأهولة في العصور السابقة، فقد وجدت ببعض جهاتها مواقع أثرية بها بقايا أبنية ضخمة لعلها كانت قصورا وهو أمر محتمل إذا أدخلنا في اعتبارنا أن خطا تجاريا كان يمر عبر اليمامة هو درب اليمامة. ومما يشجع هذا الاحتمال أن الأخبار المتواترة تذكر أن المنطقة كانت ذات عيون وآبار ومراعٍ، مزارع وجدت ولا يزال بعضها يوجد في أوديتها. ومن بين هذه الأودية العرض أو العارض، وهو يخترقها من الشمال للجنوب، ووادي الفقي ووادي حنيفة وعرض شمام15.

وخامس أقسام شبه جزيرة العرب، حسب التقسيم العربي، هو منطقة نجد التي تشكلها الهضبة الوسطى في شبه الجزيرة. ويقسمها علماء العرب إلى قسمين: نجد العالية، وهي ما ولي الحجاز وتهامة؛ ونجد السافلة "أي المنخفضة" وهي ما ولي العراق، وقد جاء هذا التقسيم نتيجة تكوينها الطبيعي الذي يبدأ مرتفعا في الغرب ثم ينحدر بلطف حتى يصل إلى منطقة العروض في الشرق. ويتكون سطح الهضبة من عدد من التلال التي يبلغ ارتفاعها بضع مئات من الأقدام، كما يوجد بها عدد من الأودية أهمها: وادي الرمة ذو الأرض الطباشيرية في ناحيته الشمالية والأرض الرملية في ناحيته الجنوبية. ويبدو أن منطقة نجد كانت أكثر خصوبةً في الماضي منها في الحاضر؛ إذ يرى بعض الباحثين المحدثين أنه كانت توجد في بعض أجزائها أشجار وغابات ولا سيما في "الشربة" جنوبي وادي الرمة وفي "وجرة"16.

15 ياقوت: ذاته، ج4، ص112 مادة: عروض، ج5، ص2 مادة: يمامة، ج5، ص203، مادة: هجر، قارن جواد علي: ذاته، صفحات 170-174. كذلك ilby: the geographical journal "عدد يونيو - حزيران 1949" صفحات 86-90.

16 ياقوت: ذاته، ج5، ص245، مادة: نجد، ج1، ص6 مادة: أجا.

ص: 103