الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهي التي عرفت في النصوص الأكدية "في وادي الرافدين" قبل ذلك باسم ماكان أو ماجان وهي "بالجيم الجافة"25. أما بلاد العرب في هذا النص فيبدو بالمقارنة مع النصوص الآشورية أنها تعني المناطق الواقعة في شمالي شبه الجزيرة بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، وإن كان لنا أن نستثني من هذا التعميم، المناطق التي كانت تسكنها القبائل العربية في جنوبي المنطقة السورية التي رأينا أن العلاقة بينها وبين الفرس كانت علاقة من نوع خاص.
25 نص خشيارشاه في ANET، ص316. بعض النصوص عن ماجان في، ذاته: صفحات 41، 49، 266، 268، 294، 296. عن تحديد مكانها في عمان بصفة مبدئية راجع، G. ROUX ذاته، ص28. عن MAKAE في النصوص الكلاسيكية وتحديد مكانها في مواجهة الشاطئ الفارسي للخليج راجع strabo: XVI، 3:2، كذلك راجع خريطة الجغرافي اليوناني بطلميوس كلاوديوس في ملحق الخرائط بهذه الدراسة.
المرحلة الثانية: العلاقات مع القوات الغربية
الاسكندر الأكبر والدول المتأغرقة
…
2-
المرحلة الثانية: العلاقات مع القوات الغربية:
أ- الإسكندر الأكبر والدول المتأغرقة:
وقد بقيت السيطرة الفارسية على منطقة الشرق الأدنى حتى الشطر الأخير من القرن الرابع.ق. م. وفي خلال هذه السيطرة لنا أن نتصور أن علاقاتهم بالعرب في شبه الجزيرة بقيت على ما هو عليه بما في ذلك علاقتهم "الخاصة" مع العرب الموجودين في أقصى الطرف الشمالي من القسم الشمالي الغربي لشبه الجزيرة العربية في المنطقة الواقعة بين القسم الجنوبي لسورية والحدود المصرية. ولكن الشطر الأخير من القرن الرابع ق. م. شهد بداية مرحلة جديدة من علاقات العرب بالعالم الخارجي ظهر على امتدادها اتجاهان واضحان: الأول هو أن هذه العلاقات اتخذت اتجاها غربيا بالدرجة الأولى، وبخاصة في العصر المتأغرق عصر الدول التي قامت على أنقاض إمبراطورية الإسكندر في أول القرن الثالث ق. م. وامتدت حتى ظهور العصر الإمبراطوري الروماني في العقود الأخيرة من القرن الأول ق. م. وفي عصر الإمبراطورية الرومانية. أما
الاتجاه الثاني الذي اختلفت فيه هذه المرحلة عن المرحلة الخارجية فلم يعد قاصرًا على القسم الشمالي لشبه الجزيرة العربية، وإنما أصبح ينتظم كل شبه الجزيرة، بما فيها قسمها الجنوبي، وبخاصة المنطقة الجنوبية الغربية منه حيث منطقة إنتاج الطيوب ونقطة الانطلاق في تجارتها وهمزة الوصل في خطوط المواصلات بين الشرق والغرب في العالم القديم.
ولعلنا نستطيع أن ندرك الأبعاد الحقيقية ولو بشكل جزئي لهذه المرحلة إذا رجعنا قليلًا إلى الوراء، ففي النصف الأول من القرن الخامس ق. م. بعد الصدام العسكري بين اليونان والإمبراطورية الفارسية "490 و480 ق. م." وهو أول صدام كبير بين اليونان والعالم الخارجي بدأ اليونان يظهرون قدرا متزايدا من الاهتمام بشئون العالم الشرقي الذي وصلت صورته إلى عقر دارهم في أثناء هذه الحروب التي دارت معاركها على الأراضي اليونانية أو في المياه اليونانية التي تفصل بين بلاد اليونان وبين الساحل الغربي لشبه جزيرة آسيا الصغرى حيث يوجد آخر امتداد غربي لولايات الإمبراطورية الفارسية، وكان أحد مظاهر الاهتمام هو التحقيقات التاريخية historiae التي شكلت كتابات المؤرخ اليوناني هيرودوتس في أواسط القرن الخامس ق. م. التي ظهر الحديث فيها عن شئون شبه الجزيرة العربية بشكل واضح، وهي كتابات أعقبتها احتكاكات أخرى سياسية وعسكرية بين اليونان والفرس وكتابات أخرى لرحالة مؤرخين وعلماء يونانيين بدأت فيها الكتابات عن شئون شبه الجزيرة تنتقل من دائرة المعلومات الموسوعية العامة إلى دائرة الحديث المتخصص وبخاصة عن الموارد الاقتصادية لهذه المنطقة، وأهمها، بطبيعة الحال، هو الطيوب.
ثم جاء الشطر الأخير من القرن الرابع ق. م. بتطور جديد وحاسم في
26 راجع لطفي عبد الوهاب يحيى: الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية، صفحات 2-3.
العلاقات الدولية بين الغرب والشرق هي الفتوحات العسكرية التي قام بها الإسكندر الكبير ملك مقدونيا. لقد نقلت هذه الفتوحات علاقات الغرب بالشرق من مجرد مواجهات عسكرية محدودة أو علاقات سياسية في صورة أو في أخرى، بين الغرب والشرق لم تؤثر كثيرًا على الوضع القائم في علاقات هذين الجانبين، إلى مواجهة حاسمة سيطرت قوات الإسكندر على أثرها على الإمبراطورية الفارسية وبعض الأراضي المجاورة لها، أي: على أقسام كبيرة من منطقتي الشرق الأدنى والأوسط أحدقت بحدود شبه الجزيرة العربية ودفعت بالإسكندر إلى التفكير في غزو هذه المنطقة والاستعداد الفعلي لتنفيذ ذلك حتى تكتمل له حلقة الاتصال البحري الذي كان يرى فيه تدعيمًا لدائرة سيطرة عالمية شملت مناطق من الشرق والغرب.
ورغم أن الحملة المزمعة لم تخرج إلى حيز التنفيذ بسبب الموت المفاجئ للإسكندر في 323 ق. م. إلا أن الاستعدادات التي اتخذها بهدف القيام بهذه الحملة تمت عن آخرها. وفي هذا الصدد نجد الإسكندر يرسل عددًا من أعوانه، من بينهم قائده البحري أناكسكراتيس anaxikrates؛ ليجمعوا له كل المعلومات الممكنة عن الساحل الغربي وجزء من الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة، كما يرسل ثلاثة قواد بحريين آخرين، الواحد تِلْوَ الآخر؛ لاستكشاف الساحل للجزيرة وصل أحدهم وهو هييرون hieron إلى نقطة يعتقد أنها عند منطقة رأس الخيمة الحالية27.
وقد كان اهتمام الإسكندر بشبه الجزيرة العربية بداية لعلاقة نشطة بين اثنين من الدول المتأغرقة التي قامت على أنقاض إمبراطورية الإسكندر، هما دولة السلوقيين في سورية ودولة البطالمة في مصر من جانب، وبين شبه الجزيرة
27 ARRIANOS: ANABASIS، vii، 20:8-10. عن محاولة تحديد المكان الذي وصل إليه مساعدو الإسكندر راجع M. cary & e. h. warmington: ancient explorers الفصل الرابع.
العربية من جانب آخر. وقد جاء هذا الاهتمام نتيجة للصراع العنيف الطويل الذي شَبَّ بين خلفاء الإسكندر، وبخاصة بين هذين البيتين الحاكمين، وهو صراع استخدمت فيه كل أنواع الأسلحة بما فيها السلاح الاقتصادي على وجه التخصيص؛ ومن هنا يبدأ الاهتمام بمنطقة شبه الجزيرة العربية. فالسلوقيون الذين دخلت منطقة وادي الرافدين ضمن ملكهم لبعض الوقت، أقاموا عددًا من المستوطنات بين الفرات ومدينة جرهاء "على شاطئ شبه الجزيرة العربية المطل على الخليج" كما عقدوا اتفاقية مع هذه المدينة لتمدهم بالتوابل والطيوب لقاء عدم سيطرتهم السياسية عليها28.
أما عن البطالمة فنحن نجد بطليموس فيلادلفوس philadelphos "308-246 ق. م." ثاني ملوك هذه الأسرة الحاكمة، يرسل أرستون ariston ليستكشف له ساحل شبه الجزيرة العربية المطل على البحر الأحمر حتى المداخل الجنوبية لهذا البحر "مضيق باب المندب حاليا" حتى يتعرف على أصلح الأماكن التي تسهِّل له طريق المواصلات البحرية التي تخدم مصالحه التجارية التي شكلت قسما بارزا من اهتماماته إزاء الصراع الاقتصادي والسياسي والعسكري العنيف الذي كان سمة منطقة الشرق الأدنى والقسم الشرقي للبحر المتوسط في ذلك الوقت. كذلك نجد هذا الملك يعمل على اعتراض "طريق الطيوب والتوابل" الذي يصل بين العربية الجنوبية والبتراء "في الشمال" عاصمة الأنباط عقابًا لهم بسبب انضمامهم إلى جانب السلوقيين في الصراع البطلمي السلوقي، فيعقد اتفاقية مع اللحيانيين الذين كانوا يسيطرون على ديدان dedan "العلا الحالية" جنوبي مملكة الأنباط، كذلك نستطيع أن نتبين خطوة أخرى في هذا الاتجاه العام فيما أقدم عليه بعض التجار اليونان "من ميلتوس miletos على الساحل الغربي لشبه جزيرة آسيا الصغرى" من إقامة مستوطنة أمبيلوني ampelone على الساحل الغربي لشبه الجزيرة العربية كميناء بحرية لمدينة
28 plinius: HN، VI، 147، polybieos: II، 39: 11 sq. ،XIII،9:4-5.