المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التوراة والتلمود: - العرب في العصور القديمة

[لطفي عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تقديم الطبعة الثانية

- ‌تقديم الطبعة الأولى

- ‌المحتوى

- ‌القسم الأول: المنطقة والشعب والأرض

- ‌الباب الأول: منطقة نشوء الحضارات وشبه جزيرة العرب

- ‌إبعاد منطقة نشوء الحضارات

- ‌تحديد المنطقة

- ‌ المنجزات الحضارية الأولى وهذه المنطقة:

- ‌ المقارنة الحضارية بين هذه المنطقة والمناطق الأخرى:

- ‌أسباب نشأة الحضارات الاولى في هذه المنطقة

- ‌مدخل

- ‌ ظرف المناخ:

- ‌ ظرف المواصلات السهلة:

- ‌ الحدود شبه المانعة للمنطقة:

- ‌شبه جزيرة العرب ضمن منطقة نشوء الحضارات

- ‌حول الدور الحضاري لشبه جزيرة العرب

- ‌ مقدمات هذا الدور قبل ظهور الإسلام:

- ‌الباب الثاني: الساميون وشبه الجزيرة والعرب

- ‌قضية الساميين أو الشعوب السامية

- ‌مدخل

- ‌ افتراض لوجود عنصر سامي:

- ‌ رد على هذا الافتراض:

- ‌قضية أصل الساميين وشبه جزيرة العرب

- ‌ملاحظات مبدئية

- ‌افتراض اصل افريقي للساميين

- ‌ افتراضات أصل آسيوي للساميين:

- ‌ حول أصل الساميين وشبه جزيرة العرب:

- ‌الساميون والعرب

- ‌مدخل

- ‌ ملاحظات حول فكرة موطن أصلي للساميين:

- ‌ تصور مطروح حول هذه الفكرة:

- ‌ العرب وفكرة الأصل السامي:

- ‌الباب الثالث: شبه جزيرة العرب: الملامح العامة

- ‌ الموقع والسطح والأقسام الطبيعية:

- ‌ المناخ:

- ‌ النبات والحيوان:

- ‌القسم الثاني: المصادر

- ‌الباب الرابع: الاثار والنقوش

- ‌مدخل

- ‌ قيمة الآثار والنقوش في التاريخ لشبه الجزيرة:

- ‌امثلة من المخلفات الأثرية

- ‌مدخل

- ‌ الآثار المعمارية:

- ‌ النحت والمخربشات:

- ‌ الفخار والعملة:

- ‌النقوش

- ‌نقوش عن الاحوال الداخلية لشبه الجزيرة

- ‌ نقوش عن العلاقات الخارجية لشبه الجزيرة:

- ‌ تقويم عام للنقوش:

- ‌الباب الخامس: المصادر الدينية

- ‌مدخل

- ‌القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌ أمثلة لأقوام شبه الجزيرة في القرآن:

- ‌ أمثلة عن الحياة الدينية في شبه الجزيرة:

- ‌ مثال لتكوين المجتمع في شبه الجزيرة:

- ‌ الحديث الشريف:

- ‌ التوراة والتلمود:

- ‌الباب السادس: المصادر الكتابية

- ‌مدخل

- ‌الكتاب الكلاسيكيون

- ‌كتاب المرحلة المبكرة

- ‌ كتاب العصر المتأغرق:

- ‌ كتاب العصر الروماني:

- ‌ كتاب العصر الإمبراطوري الروماني المتأخر:

- ‌الكتابات العربية في العصر الاسلامي

- ‌صعوبات أمام الاعتماد على هذه الكتابات

- ‌ استثناءات ممكنة من هذا التعميم:

- ‌الباب السابع: الشعر الجاهلي

- ‌ الشعر كمصدر تاريخي:

- ‌ اعتراضات على الشعر الجاهلي كمصدر تاريخي:

- ‌ ردود على هذه الاعتراضات:

- ‌ حول مجالات الشعر الجاهلي:

- ‌القسم الثالث: المجتمع

- ‌الباب الثامن: الوضع الاقتصادي

- ‌مدخل

- ‌الرعي

- ‌الرعي والرعاة

- ‌ الموارد المكملة لحياة الرعاة:

- ‌الزراعة والمحاصيل الطبيعية

- ‌المورد الزراعي

- ‌ المحاصيل الطبيعية:

- ‌التجارة

- ‌مدخل

- ‌ أهمية هذا المورد ومظاهر ذلك:

- ‌ طرق التجارة البرية:

- ‌ النشاط التجاري البحري:

- ‌ التعدين والصناعة:

- ‌الباب التاسع: الأوضاع الداخلية

- ‌مدخل

- ‌الوضع السياسي

- ‌مدخل

- ‌ التكوينات السياسية:

- ‌ نظام الحكم:

- ‌الوضع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ عوامل التماسك:

- ‌ عوامل الانقسام:

- ‌الوضع الديني

- ‌مدخل

- ‌ تطور العقائد الدينية وانتشارها:

- ‌ الظروف المحيطة بالحياة الدينية:

- ‌الباب: العاشر: العلاقات الخارجية

- ‌المرحلة الأولى: ظهور الهوية العربية

- ‌بدايات غير محددة

- ‌ العلاقات مع العبرانيين:

- ‌ العلاقات مع القوى الشرقية:

- ‌المرحلة الثانية: العلاقات مع القوات الغربية

- ‌الاسكندر الأكبر والدول المتأغرقة

- ‌ العلاقات مع الإمبراطورية الرومانية:

- ‌المرحلة الثالثة: العرب بين قوى الشرق والغرب

- ‌مدخل

- ‌ الإمارات العربية الحدّية:

- ‌ الدين والسياسة في الصراع الدولي:

- ‌الملاحق

- ‌اللوحات

- ‌ الخرائط:

- ‌مختارات من‌‌ المصادروالمراجع

- ‌ المصادر

- ‌ المراجع

الفصل: ‌ التوراة والتلمود:

متفاوتة سواء في عدد الأحاديث أو ألفاظها في عدد من مجموعات الحديث التي نذكر من بينها: الموطأ للإمام مالك "توفي 179هـ" وجامع الصحيح للبخاري "ت257هـ" وصحيح مسلم "ت262هـ" وسنن أبي داود "ت275هـ" وسنن الترمذي "ت279هـ" ومسند الإمام أحمد بن حنبل "ت قبل 303هـ". هذا التفاوت يدفع الباحث في الواقع إلى قدر كبير من الحرص وهو بصدد الاعتماد على الحديث كمصدر تاريخي لمجتمع شبه الجزيرة قبل الإسلام ومن هنا فلعل خير سبيل نعتمده في هذا المجال هو ما ذهب إليه مفكر عربي معاصر من أننا نستطيع الاعتماد على الحديث "إذا كان موافقا لما ورد في القرآن الكريم"27.

27 عمر فروخ: ذاته، ص 16.

ص: 182

3-

‌ التوراة والتلمود:

وإلى جانب القرآن الكريم والحديث الشريف، وهما المصادر الدينية العربية التي نتعرف من خلالها عن أحوال شبه جزيرة العرب ومجتمعها، هناك مصدران دينيان غير عربيين هما التوراة والتلمود. والتوراة وهي الكتاب المقدس عند اليهود، والتلمود يعتبر تكملة للتوراة ويشمل مجموعة الأحكام والشروح والروايات المتصلة بها والتي تواترت شفاهًا بعض الوقت قبل أن يدونها بعض أحبار اليهود في فترة لاحقة. وقيمة التوراة والتلمود كمصدرين من مصادر تاريخ العرب قبل الإسلام هي أنهما يتحدثان عن علاقة العبرانيين بالعرب في مواضع عديدة من جهة، كما أنهما معاصران لفترة ما قبل الإسلام من جهة أخرى. وأود أن أشير، هنا كذلك، أن ما يذكره هذان المصدران الدينيان قد يكون مقتضبا أو عابرا في بعض الأحيان وأن على الباحث أن يستكمل الحقيقة التاريخية بالمقارنة مع المصادر الأخرى مثل الآثار والنقوش والكتابات الكلاسيكية "اليونانية واللاتينية"، كما أود أن أقول: إن فترة

ص: 182

الرواية الشفهية التي مرت بها أحكام التلمود "وربما بعض أسفار التوراة" قبل أن تدون، لا بد أن ندخلها في اعتبارنا ونحن نعتمد على ما جاء بهما من أخبار ونقارنها بالمصادر الأخرى. وأخيرا فإن كلمة "العرب" في التوراة والتلمود تعني البدو أو عرب الصحراء أساسا وحتى حين يرد داخل المدن فإن المقصود بهم في هذه الحال هو البدو الذين نزحوا إلى هذه المدينة لسبب أو لآخر، أما سكان الحضر من شبه الجزيرة العربية فإن هذين المصدرين يشيران إليهما كأهل هذه المنطقة أو تلك كأن يقال:"أهل سبأ" أو "سكان أرض تيماء" أو "الدادانيون""وهم سكان منطقة العلا الحالية بشمالي غربي شبه الجزيرة"، أو كأن ينسب شخص إلا مدينة "هجر""وهي التي ترد باسم "الحجر" في القرآن الكريم ومكانها ميناء الوجه حاليا قرب مدينة العلا أو مدائن صالح" على سبيل المثال28.

وسأقدم في السطور التالية بعضا من الجوانب التي اشتملت عليها حياة سكان شبه الجزيرة العربية كما تصورها التوراة والتلمود وكيف نحاول أن نستكمل صورتها التاريخية. وأول هذه الجوانب يخص المناطق شبه الصحراوية

28 عند تدوين بعض أسفار التوراة بعد فترة رواية شفهية قد تصل إلى قرنين أو ثلاثة قرون وما يترتب على ذلك من تداخل في الأحداث من الناحية الزمنية قد يصل إلى قرن كامل راجع التداخل بين الأسماء الواردة في سفر عزرا: الإصحاح الثاني "في صدد العودة من السبي" وتلك الموجودة في سفر نحيما: الإصحاح السابع. عن تفصيل التداخل راجع، نجيب ميخائيل إبراهيم: مصر والشرق الأدنى القديم، ط1، ج3 "سورية"، الأسكندرية، 1959، ص312. كذلك قصة سبأ وزيارتها لسليمان "راجع أدناه في هذا الباب" دونت بعد تداولها شفهيا بعدة قرون، راجع، جواد علي: ذاته، ج1، ص636، أرض العرب في التوراة يقصد بها الصحراء راجع، نبوءة أشعيا، إصحاح 33: 9؛ نبوءة أرميا، إصحاح 50: 12، و51: 43، وفيهما ترد تسمية "مساها عرب" بهذا المعنى. عن سكان عرب من الحضر لا يوصفون بوصف "عرب" وإنما ينسبون إلى مواطن إقامتهم راجع عن أهل سبأ: نبوءة يوئيل، الإصحاح3: 8 عن الدادانيين، نبوءة أشعيا، 12: 13 عن سكان أرض تيماء ذاته: 21: 14، عن يازبز الهجري، سفر أخبار الملوك الأول، 28:30.

ص: 183

من شبه الجزيرة وعلاقة سكانها بالمناطق المستقرة المتاخمة لها، والمنطقة هي منطقة "عوص" التي كان يقطنها أيوب وآله من "بني قِدم". ونستنتج من التوراة أنها منطقة شبه صحراوية تجمع بين الرعي والزراعة، إذ تذكر أن أيوب كان يملك سبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف من الإبل وعددا من البقر يكفي لفلاحة خمسمائة فدان من الأرض الزراعية وخمسمائة أتان. كذلك تذكر التوراة أن الكلدانيين قد هاجموا هذه المنطقة وأخذوا الجمال وتركوا وراءهم عددا كبيرا من القتلى من بين السكان، بينما أغار السبئيون عليها وأخذوا البقر والأتن29.

ولنحاول الآن أن نحدد مكان منطقة "عوص". وفي هذا المجال نجد اختلافا في الرأي بين الباحثين، فبعضهم يرى أنها منطقة حوران في سورية، وبعضهم يرى أنها تقع في منطقة الحجاز، وهو رأي قد يغري به وجود موضع حتى الآن يدعى "عيص" في المجاز فعلا "شمال غربي المدينة وشمال ينبع النخل"، وبعضهم يضعها في مناطق أخرى30، فأين إذن منطقة "عوص" على وجه التحديد؟ إن التوراة أطلقت على سكانها "بني قدم"، وهو وصف يعني سكان الشرق أي: السكان الذين يقطنون إلى شرقي العبرانيين، وهذه طريقة في تحديد الأماكن تتمشى مع ما اتبعته الأقوام القديمة في هذا الصدد "كما كان أبناء وادي الرافدين، على سبيل المثال، يسمون القبائل البدوية القاطنة إلى غربهم قبائل أمورو أي: قبائل الغرب" كذلك فالمنطقة تقع في متناول غارات الكلدانيين. والكلدانيون من سكان وادي الرافدين وقد أقاموا حكمًا لهم هناك بعد أن اشتركوا في إسقاط حكم الآشوريين في 612 ق. م. وإذن فمنطقة عوص قريبة من وادي الرافدين أو على الأقل

29 منطقة عوص، سفر أيوب، 1: 1، بني قدم، ذاته، 1: 3، أملاك أيوب، ذاته، الموضع ذاته، هجوم السبئيين، ذاته: 1: 15، هجوم الكلدانيين، ذاته، 1:17.

30 راجع جواد علي: ذاته، ج1، ص631 وحاشية 2.

ص: 184

تقع في المجال الذي تجتاحه قوات وادي الرافدين في طريق غاراتها المعتاد على المنطقة السورية. من جهة أخرى فإن السبئيين الذين أغاروا على منطقة عوص لا يمكن أن يكونوا قوات مملكة سبأ التي كانت في اليمن، فلا يعقل أن يتكبد هؤلاء مشقة اختراق شبه الجزيرة من جنوبيها إلى شماليها لكي يغيروا على منطقة يأخذون منها عددًا من البقر والأتن. وإذن فسبأ المقصودة هنا هي مستوطنة سبأ التي أقامها السبئيون في شمالي شبه الجزيرة والتي يرد ذكرها في عدد من النصوص الآشورية31. وهكذا نستطيع أن نقول: إن منطقة "عوص" المذكورة هي منطقة تقع في البادية الشمالية من شبه الجزيرة والتي تمتد بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، وأن الحادثة التي ترويها التوراة تمثل نوعا من الاحتكاكات التي كانت تحدث بين البدو والمناطق المستقرة التي يوجدون على تخومها وأن الحدث المذكور قد يكون نوعا من الغارات التأديبية على هؤلاء البدو لسبب أو لآخر.

وقد ذهب بعض المعلقين، سواء من القدامى أو المحدثين، ومن بينهم ابن عزرا، العالم اليهودي الذي عاش في القرن الثاني عشر، إلى أن أيوب وقومه كانوا من العرب، استدلوا على ذلك بما وجدوه في بعض الأسماء والألفاظ والتعابير التي وردت في سفر أيوب الذي يضم هذا الحدث، وهي تشير في رأيهم إلى أثر عربي واضح، بل إن بعض الباحثين ذهبوا إلى أن هذا السفر ربما كان ترجمة لأصل عربي مفقود، وعلى أي حال فالذي يهمنا في الموضوع هو أن المنطقة التي عاش فيها قوم أيوب تقع في شبه الجزيرة

31 عن بداية حكم الكلدانيين في وادي الرافدين راجع: GeORGE ROUX: ANCIENT IRAQ، صفحات 338 وما بعدها. عن إشارة النصوص الآشورية إلى سبأ الموجودة في الشمال راجع القسم الأول من هذا الباب، وتجدر الإشارة هنا أن بوسعنا أن نحدد تاريخ هذا السفر استنادا إلى تاريخ قيام حكم الكلدانيين في وادي الرافدين "الفقرة التالية لعام 612 ق. م".

ص: 185

العربية وأن الحدث المروي يمثل علاقة هذه المنطقة شبه الصحراوية بجيرانها32.

على أن أغلب الإشارات الواردة في التوراة، فيما يخص موضوعنا، تبين لنا عددا من الجوانب التي اتسمت بها العلاقات بين العرب والعبرانيين، سواء أكان العرب المقصودون من البدو أم من أهل الحضر. وهي علاقات كانت تسير في بعض الأحيان في طريق العنف السافر الذي ينتصر فيه أحد الطرفين مرة وينتصر الطرف الآخر مرة، وتسير في طريق المؤامرات أحيانا أخرى، أو في طريق العلاقات التجارية في أحيان ثالثة. فالتوراة تذكر لنا مثلا أن الفلسطينيين والعرب "الذين بقرب الكوشيين" هاجموا مملكة يهوذا على عهد ملكها يورام أو يهورام "851-843 ق. م" ويبدو من سياق الحديث أنه كان هجوما عنيفا اكتسحوا فيه المملكة، فقد هاجموا قصر الملك وسبوا نساءه وأسروا كل أبنائه فيما عدا واحدًا ونهبوا أمواله، وهنا تقف أمام الباحث صعوبة، فالكوشيون عادة يعني الأحباش أو سكان منطقة السودان، ومن هنا ذهب أحد الباحثين إلى أن العرب الذين بقرب الكوشيين هم أهل اليمن، بينما ذهب باحث آخر إلى أنهم عرب سيناء على أساس أنهم بقرب المصريين اعتبارا بأن المصريين من الحاميين ومن ثم يكونون هم المقصودون بالكوشيين33.

ولكن الرأيين مردود عليهما، وفيما يخص الرأي الأول، فإن التوراة حين ترد فيها لفظة العرب تعني الصحراء أي البدو، واليمن كانت

32 جواد علي: ذاته، ج1 صفحات 633-634 وحاشية 1 في 634.

33 عن نص التوراة، إخبار الأيام الثاني، إصحاح 16:21-17، عن شدة هذا الهجوم، السفر ذاته، إصحاح 22: 1، صاحب رأي عرب اليمن هو ماجوليوت margoliouth وصاحب رأي عرب سيناء هو موسل musil، الرأيان مقتبسان في جواد علي: ذاته، ج1، ص643 وحاشية 1و2 وفي الصفحة ذاتها.

ص: 186

منطقة حضر وكانت النظرة إليها في العصور القديمة دائما بهذا الوصف الحضري رغم وجود بعض المناطق البدوية فيها بالضرورة، وسكانها يذكرون في التوراة على أنهم "سبئيون من أرض بعيدة" كما سنرى في مناسبة مقبلة، وحتى إذا دخلنا في باب الافتراض الجدلي فإن اليمنيين لا يمكن أن يكونوا هم المقصودون فليس هناك أي احتمال لاشتراك بدو اليمن مع الفلسطينيين في مهاجمة مملكة يهوذا لا من جانب المصلحة المشتركة ولا من جانب جوار "غير موجود" بينهما. أما فيما يخص الرأي الثاني الذي يجد في هؤلاء العرب القريبين من الكوشيين عربا من سيناء "على اعتبار أن المصريين هم الكوشيون" فالاحتمال ضعيف، إذ إن الألفاظ الدالة على المصريين وعلى أرض مصر واردة ومتكررة في التوراة ولو كان العرب المقصودون في النص هم عرب سيناء لأشارت التوراة إلى المصريين بالتحديد وليس إلى الكوشيين، وإذن يبقى هناك تفسيران محتملان، أولهما أن العرب المقصودين بهذا الوصف هم من جيران الفلسطينيين بحكم ظرف الحادث الوارد في النص ولكنهم كانوا من القبائل اليمنية المهاجرة إلى الشمال والتي عاشت في الشمال حياة بدوية. وأما التفسير الثاني، وهو الأبسط والأرجح في رأيي، فهو أن يكون الوصف مجرد استخدام مجازي للفظة "الكوشيين" وكان النص يريد أن يقول: إن الفلسطينيين لم يكونوا وحدهم في الهجوم وإنما كانت معهم قبائل بدوية "من كل حدب وصوب" أو "من كل فج عميق" أو من "آخر الدنيا" وهي صيغة مبالغة في التعبير واردة في اللغات السامية34.

ونحن في الواقع نستطيع أن ندرك السبب الذي من أجله تم هذا التحالف بين هذه القبائل العربية القريبة من مملكة يهوذا وبين الفلسطينيين إذا رجعنا إلى

34 راجع عن الهجرات من اليمن وأسبابها الباب الثاني "الساميون وشبه الجزيرة والعرب" من هذه الدراسة. راجع عن المبالغات، ما جاء من مبالغات الأعداد في النصوص الآشورية في الباب الرابع الخاص بالآثار والنقوش في هذه الدراسة.

ص: 187

الوراء قليلا لنرى ما تقوله التوارة عن عهد سليمان "970-937 ق. م". فقد وجه سليمان اهتمامه إلى ناحية التجارة البحرية واتخذ ميناء عصيون جابر "بجوار ميناء إيلات" على البحر الأحمر مرفأً أساسيا لهذه التجارة. وقد كان هذا دون شك ضربة للموانئ الفلسطينية على شاطئ البحر المتوسط، كما كان في الوقت ذاته ضربة إلى الأطراف الشمالية للطرق البرية التي توصل إلى موانئ الفلسطينيين، وهي الأطراف التي تمر بالضرورة في أراضي العرب المحيطين بفلسطين وتعتبر موردا اقتصاديا حيويا بالنسبة لهم35.

مثال آخر من الأمثلة التي تقدمها التوراة في تصوير هذه العلاقات العنيفة بين العرب والعبرانيين نرى فيه الملك عزيّا ملك يهوذا وقد حارب الفلسطينيين والعرب المقيمين بمنطقة "جُور بَعْل" والمعونيين وهدم أسوار مدنهم وأخذ جزية من العمونيين36. وهنا تقابلنا مشكلة تحديد هذه الأماكن الثلاثة، جور بعل وأرض المعونيين وأرض العمونيين. فلفظة "جور" تعني في العبرية "مسكن" ومن ثم فمنظمة جور بعل معناها الحرفي مسكن بعل وتشير بذلك إلى منطقة تسود فيها عبادة هذا الإله والمنطقة السورية بأكملها كانت تعرف عبادة هذا الإله. لقد ذهب أحد الباحثين إلى أن المنطقة توجد على حدود الحجاز الشمالية، وليس من المستبعد، قياسا، أن تكون هذه العبادة قد انتشرت من سوريا إلى الحجاز، فالعقائد الدينية المرتبطة بعدد من الآلهة القديمة انتشرت في أحيان عديدة خارج المناطق التي ظهرت بها، كما أن طرق القوافل التي تربط بين الحجاز وسورية كان من الممكن أن تساعد على انتقال

35 عن الاتجاه البحري لسليمان راجع، سفر الملوك الثالث، إصحاح 9: 26، والباب الخاص بالعلاقات الخارجية لشبه الجزيرة القسم الثالث من هذه الدراسة.

36 إخبار الأيام الثاني، إصحاح 26: 6-8.

ص: 188

هذه العبادة إلى الحجاز37. ولكن مع ذلك فإننا نتوقع منطقيا وقياسيا أن يشير اسم "مسكن بعل" إلى منطقة يكون بها المركز الرئيسي لعبادة هذا الإله كما كانت مدينة "عين شمس" أو "هيليوبوليس" heliopolis "وهي ترجمة يونانية للمكان نفسه تحت اسم "مدينة الشمس"" تعني المركز الأساسي لعبادة "رع" إله الشمس في مصر القديمة. ومن ثم فاحتمال أن تكون الحجاز، أو منطقة تقع على حدودها الشمالية، هي منطقة جور بعل يبقى في خير الأحوال احتمالا ضعيفا. هذا، بالإضافة إلى أن منطقة الحجاز تظل منطقة بعيدة عن المنطقة التي دار فيها الحدث المذكور ومن ثم يظل احتمال المصلحة المباشرة التي تدعو أهلها إلى أن يكونوا طرفًا في المعركة احتمالا بعيدا. كذلك ذهب باحث آخر إلى أن جور بعل قد تشير إلى صخرة بعل، ومن ثم فتكون مدينة بترا petra "البتراء" ومعناها في اليونانية "الصخرة" هي المدينة المرشحة لأن تكون جور بعل38. وهذا الاحتمال يبقى واردا ولكن دون تأكيد وإنما كل ما نستطيع أن نصل إليه في هذا الصدد هو أن نقول: إن منطقة جور بعل هي منطقة قريبة من حدود مملكة يهوذا حتى تكون لها مصلحة مباشرة تجعلنا نفهم فهما مقبولا أن تكون طرفا في المعركة مع ملك يهوذا، أي أنها في أقصى الشمال الغربي من شبه الجزيرة العربية.

أما عن المعونيين، فيكاد يكون من الأرجح أنهم المعينيون، ولكنهم من المنطلق ذاته، ليسوا دولة معين التي كانت موجودة باليمن، وإنما هم جماعة منهم كانوا قد أسسوا مستوطنة أو مستوطنات في الشمال "على نمط السبئيين" واستقروا في منطقة ديدان "العلا الحالية في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية" وأقاموا هناك مملكة معينية شمالية. وأما عمون التي يبدو أنها اشتركت في الحلف ولكنها لم تشترك في المعركة الفعلية ومن ثم اكتفى

37 alois musil: northen hagaz، ص274.

38 montgomery: Arabia، ص30.

ص: 189

ملك يهوذا بأن يفرض جزية عليها دون تهديمها، فهي ربة عمون التي كانت تقع جنوبي عمان الحالية بمسافة قصيرة على الخط التجاري39.

وإذن فنحن أمام حلف قوامه الفلسطينيون والقبائل العربية المجاورة لهم وعمان والمعينيون الشماليون. ومن مواقع المشتركين في هذا الحلف نستطيع أن نتعرف على هوية التحالف بينهم. إن للفلسطينيين موانئ على ساحل البحر المتوسط حيث تصب نهايات الخط التجاري الآتي من جنوبي شبه الجزيرة العربية، والقبائل العربية في جور بعل تمر بها نهايات هذا الخط التجاري التي توصل في أشواطها الأخيرة إلى الموانئ الفلسطينية، وعمون تقع في طريق هذه القوافل، أما المعونيون "وهم المعينيون كما رأينا"، وموقعهم إلى الجنوب قليلا، فبأرضهم يمر الخط التجاري المذكور، بالإضافة إلى ميناء تجارية لهم على البحر الأحمر هي ميناء إجرا "الحجر" أو الوجه حاليا. وهذا الحلف تجمعه مصلحة مشتركة هي المصلحة التجارية، ونحن نستطيع أن ندرك الحجم الحقيقي لهذا التحالف التجاري الحربي إذا عرفنا من التوراة أن عزيا ملك يهوذا استولى على المدن والموانئ الفلسطينية وأعاد بناء إحدى هذه الموانئ على الأقل وهي ميناء أشدود، وأنه أراد أن يحدث تغييرا جذريا في الخطوط التجارية البرية التي كانت تصل إلى الموانئ الفلسطينية وذلك بعد أن استعاد ميناء إيلات "على رأس خليج العقبة"40 وهو أمر يستطيع من خلاله أن

39 عن موقع عمون على الطريق التجارية بين بصرى والبتراء راجع: "rene dussaud: la penetration des arabes en syrie avant l'lslam 1955 paris". ص154. راجع كذلك خريطة رقم 2 في: krammer: petra et "paris 1929" la nabatene. عن استقرار المعينيين حول منطقة العلا الحالية في شمالي غربي شبه الجزيرة راجع dussaud: ذاته، ص 48.

40 إخبار الأيام الثاني، إصحاح 26: 2 و6-8 ويجدر بنا في هذا الصدد أن نشير إلى أن العرب كانوا قد بدءوا قبل هذه الفترة ينضمون إلى تحالفات في هذه المنطقة ضد بعض القوات التي تريد اجتياحها والسيطرة عليها، وذلك حسبما تشير الملابسات وموقع المنطقة حرصا على مصلحة تجارية تتأثر بهذه التحركات، كما حدث على سبيل المثل حين انضم جندبو -وهو زعيم عربي- بقوة عسكرية من راكبي الجمال إلى الحلف المؤلف من ملوك دمشق وحماة وأرواد ومدن سورية أخرى ضد الملك الآشوري شلمنصر الثالث "858-824 ق. م." في السنة السادسة من حكمه، راجع النص في ANET ص279، عن مناقشته راجع الباب الخاص بالوضع السياسي في مجتمع شبه الجزيرة في القسم الثالث من هذه الدراسة.

ص: 190

يجعل هذه الميناء نهاية الطريق التجارية الآتية من البحر الأحمر وبداية للطرق التجارية إلى موانئ الشاطئ الفلسطيني وهكذا تصبح ميناء إيلات منافسا خطيرا لميناء الحجر المذكور والتي كان المعينيون يعتمدون عليها في تجارتهم البحرية إلى جانب اعتمادهم على خط القوافل في تجارتهم البرية.

أما المثال الثالث الذي سأقدمه من التوراة كمصدر من مصادر التعرف على العلاقات بين عرب شبه الجزيرة "أو بالأحرى أطرافها الشمالية الغربية" وبين العبرانيين، وفيه يتعادل الفريقان بشكل أو بآخر، فهو يرجع إلى فترة ما بعد عودة العبرانيين من السبي البابلي، وفيها نجد نحميا اليهودي يطلب من ارتَحَشْتا الإمبراطور الفارسي "464-424 ق. م" أن يسمح له ببناء سور حول القدس. وهنا تذكر التوراة أن نحميا وجد معارضة من عدد من زعماء المنطقة من بينهم طوبيا العموني وجشم العربي، ولكن هذه المعارضة لا تتمخض عن مواجهة عسكرية كما رأينا في المناسبتين السابقتين وإنما تقتصر على مؤامرات وحيل من الطرفين تنتهي بنجاح نحميا في بناء السور الذي يريده41. ونحن نستطيع أن نفهم ما جاء في التوراة إذا نظرنا إلى الوضع السياسي الذي كانت تمر به المنطقة بأكملها، وهو أنها قد أصبحت في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية الفارسية التي شملت كل بلاد الشرق الأدنى ومن ثَمَّ لم يكن هناك مجال لمواجهة عسكرية وإنما لمؤامرات داخلية لا تصل إلى حد هذا النوع من المواجهة، وبخاصة إذا كان الإمبراطور الفارسي هو الذي أعطى الإذن ببناء السور.

ولا تقتصر التوراة كمصدر تاريخي على التعريف بعلاقات العرب والعبرانيين

41 نبوءة نحميا، إصحاح 4: 7 -21، 6: 2-16.

ص: 191

في مجال الاحتكاكات الحربية والمؤامرات السلمية، وإنما تتعداها لتحدثنا عن علاقات تجارية تدخل فيها السياسة أو عن علاقات تجارية عادية. ونحن نجد في هذا المجال إشارة إلى أن السبئيين في العربية الجنوبية كانوا يشترون العبيد من خارج البلاد كأيدٍ عاملة ربما للعمل في مزارعهم أو كعمال أو للخدمة في بيوت الطبقة التجارية الأرستقراطية التي كانت تسيطر على البلاد. فالتوراة تورد تهديدا من جانب يَهْوه "اسم الله عند العبرانيين" يتوعد فيه صور وصيدون وجميع بقاع فلسطين بأن يبيع بنيهم وبناتهم بأيدي يهوذا للسبئيين، لأمة بعيدة "وهذا يعني أن هؤلاء لم يكونوا من سبأ الشمالية القريبة من العبرانيين، إنما من تجار مملكة سبأ التي كانت موجودة في اليمن"، وذلك ردا على ما فعلوه حين باعوا "بني يهوذا وبني أورشليم لبني الياوانيين"، وهم اليونان42. كذلك نجد تجار سبأ "الجنوبية أو الشمالية" يتجرون مع العبرانيين بالطيوب والذهب والأحجار الكريمة و"بالأنسجة الفاخرة" وتشير التوراة كذلك إلى أهل وَدَان "العلا" الذين كانوا يتجرون مع العبرانيين "بالنمارق للركوب" وربما يقصد بذلك نوع من الأثاث، بينما تشير إلى العرب "القبائل البدوية" على أن تجارتهم مع العبرانيين كانت في الماعز والأغنام43، كما نجد مثلا مرجحا من أمثلة العلاقة التجارية بين العبرانيين والعرب في عهد سليمان إذ تذكر لنا التوراة أن سليمان في محاولته لتقوية مملكته وإشاعة الرخاء في أرجائها قد وجه عنايته إلى النشاط التجاري البحري فأنشأ أسطولًا تجاريًّا في عصيون جابر44 على خليج العقبة "غربي

42 نبوءة بوئيل، إصحاح 3: 6-8.

43 سفر الملوك الأول، إصحاح 10: 10، 14 وما بعدهما، إخبار الأيام الثاني، إصحاح 9: 13 وما بعدها. ويجدر بنا أن نشير هنا إلى أن المقصود بملوك العرب هو على الأرجح رؤساء أو شيوخ القبائل العربية.

44 سفر الملوك الأول، إصحاح 9: 26 وما بعدها، 10:11. إخبار الأيام الثاني، إصحاح 9: 10؛ آراء الذين تناولوا الموضوع، وهم، DUNBOW، HASTINGS Glaser معروضة في جواد علي: ذاته، ج1، صفحات 638-639. السبب المرجح لهذه الآراء هو ورود اسم أوفير في التوراة "سفر التكوين، إصحاح 10: 26-29" على أنه اسم أحد أبناء يقطان "قحطان في العربية" ونظرا لأن مواطن اليقطانيين هي من ميشا وأنت آت "الإصحاح ذاته: 30" وحيث إن ميشا يرجح أن تكون ميسان الحالية على رأس الخليج العربي و"سفار" يرجح أنها تشير إلى =

ص: 192

إيلات". قام برحلات تجارية إلى عدد من الأماكن من بينها "أوفير" التي أتى منها هذا الأسطول بكميات وفيرة من الذهب، والرأي الراجح بين الباحثين استنادا إلى بعض ما جاء في التوراة من أسماء الأقوام أو الأماكن وتحديد موقعها، واستنادا إلى مصادر أخرى أن "أوفير" تقع في شبه الجزيرة العربية على السواحل الشرقية أو الجنوبية. وأود أن أؤيد هذا الترجيح بما ذكره هيرودوتوس herodotus شيخ المؤرخين اليونان الذي كتب في أواسط القرن الخامس ق. م. وبما أورده سترابون strabo الجغرافي اليوناني "أواخر القرن الأول ق. م. وأوائل القرن الأول م" عن وجود الذهب في شكله الخالص في شبه الجزيرة العربية45.

وأخيرا فإن التلمود، وهو الكتاب المكمل للتوراة، يتحدث عن عدد من جوانب الحياة عند العرب وإن كان على الباحث أن يستنتج ذلك بشكل غير مباشر في أغلب الأحوال من حديث كتاب التلمود عن المسائل الفقهية والتشريعية -وهي الموضوع الأساسي لهذا الكتاب- والتي تتطرق إلى ما يجوز وما لا يجوز العمل به في المعاملات بين العبرانيين والعرب، كذلك يجب أن ندخل في اعتبارنا ونحن بصدد الاعتماد على التلمود أن عددا من الأمثلة التي يوردها وهو بسبيل الحديث عن هذه المعاملات تشير إلى عرب سيناء وليس إلى سكان شبه الجزيرة العربية. كما أن هذا الكتاب يشير إلى العرب كثيرا تحت اسم

= ظفار الحالية على مقربة من وسط الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية فتكون أوفير على الساحل في مكان ما بين الموقعين. كذلك يرى جواد علي: ذاته، ص639 إمكانية تطابق اسم أوفير مع موضع "الحفير" الذي ذكره الهمداني في "صفة جزيرة العرب" تحت عنوان معادلة اليمامة عندما قال: إن بهذا الموضع معدن ذهب غزيرًا، وبما أن "الحفير" تكون بموضعها هذا بعيدة عن ساحل البحر فيقترح جواد علي، تخطيًا للتناقض، أن يكون بحارة أسطول سليمان التجاري قد اشتروا ذهب أوفير من إحدى الموانئ العربية الجنوبية، وظن كتاب التوراة أن أوفير تقع على الساحل.

45 راجع الباب الثامن الخاص بالوضع الاقتصادي في القسم الثالث من هذه الدراسة.

ص: 193

"طييعة" و"طيافة" والنسبة في هذه الأشكال هي إلى قبيلة "طي" العربية المعروفة التي يذهب أحد الباحثين إلى أنها كانت قد أصبحت في وقت تدوين التلمود من أشهر القبائل العربية وأعظمها قوة بحيث غلب اسمها على بقية أسماء القبائل العربية، فأصبح هذا الاسم يطلق على بقية هذه القبائل المجاورة46.

وأختم الحديث بعرض أمثلة سريعة من حديث التلمود عن العرب وحياتهم وعاداتهم. ففي مجال العقائد والعبادات يذكر هذا الكتاب أن العرب كان لهم معبود هو "نشرا" ونحن نجد ذكر هذا المعبود يرد كذلك في القرآن الكريم على نحو ما أشرت في مناسبة سابقة، وأن مواسم حج الأعراب لم تكن ثابتة وإنما كانت تتغير من حين لآخر حسب ما يجدّ في مواسم السنة. ويشير التلمود إلى حياة الأعراب فيذكر أنهم كانوا دائمي التنقل في البادية. وأما عن عاداتهم فيذكر أن رجال العرب كانوا يعمدون إلى وضع اللثام على وجوههم في أثناء السفر على سبيل الوقاية من الزوابع الرملية، كما كان نساء العرب يغطين وجوههن عند الخروج إلى الأماكن العامة، وهي عادة يرى أحد الباحثين أنها ربما كانت تخص نساء العرب المقيمين في المدن، كما أن بين ما أشار إليه التلمود من صفات العرب هو قدرتهم الخارقة على التعرف على مواضع الماء في الصحراء بمجرد شم الرمال47، وهذه دون شك من نوع الحاسة السادسة التي أوجدتها عند العرب ظروف الجفاف التي سيطرت على شبه الجزيرة والتي أكسبت العرب بالضرورة هذا النوع من الخبرة التي لا يمكن الاستغناء عنها تحت هذه الظروف.

46 قارن ذلك بظهور اسم الطائيين تحت اسم طاويني tavani عند الكاتب الروماني بلينيوس في أواسط القرن الأول الميلادي plinius: N،H، VI، 32:157.

47 عن ورود اسم نشرا وعن تغيير مواسم الحج راجع عبودة زاره: 11ب، عن التنقل الدائم، راجع هلوت، 28: 10، عن تلثم الرجال، موعيد قطان: 24، عن تحجب النساء العربيات راجع، شيت، 6: 6، عن ربط هذه العادة الأخيرة بنساء المدن راجع، جواد علي: ذاته، ص653، عن التعرف على مواضع الماء في الرمال راجع، بابا بترا:273.

ص: 194