المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ابن المقفع: أصله وحياته وزندقته: - الفن ومذاهبه في النثر العربي

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌مقدمة الطبعة الأولى:

- ‌الكتاب الأول: مذهب الصنعة

- ‌الفصل الأول: الصنعة في‌‌ النثر الجاهلي

- ‌ النثر الجاهلي

- ‌ الأمثال الجاهلية:

- ‌ الصنعة في الأمثال الجاهلية:

- ‌ الخطابة الجاهلية:

- ‌ الصنعة في الخطابة الجاهلية:

- ‌ سجع الكهان:

- ‌الفصل الثاني: الصنعة في النثر‌‌ الإسلامي

- ‌ الإسلام

- ‌ الخطابة في صدر الإسلام:

- ‌ الخطابة في العصر الأموي:

- ‌ الصنعة في الخطابة الأموية:

- ‌ الكتابة في صدر الإسلام:

- ‌ الكتابة في العصر الأموي:

- ‌ الصنعة في الكتابة الأموية:

- ‌ عبد الحميد الكاتب، وخصائصه الفنية:

- ‌الفصل الثالث: الصنعة في‌‌ النثر العباسي

- ‌ النثر العباسي

- ‌ ابن المقفع: أصله وحياته وزندقته:

- ‌ صنعة ابن المقفع في كتبه ورسائله:

- ‌سهل بن هرون: أصله وحياته وثقافته

- ‌ صنعه سهل في رسائله وكتبه:

- ‌ الجاحظ: نشأته وثقافته وحياته:

- ‌ الصنعة الجاحظية:

- ‌ رسالة التربيع والتدوير:

- ‌الكتاب الثاني: مذهب التصنيع، مذهب التصنع

- ‌الفصل الأول: التصنيع والدواوين

- ‌ التصنيع في الحياة العربية:

- ‌ التصنيع ودواوين الخلافة العباسية:

- ‌ التصنيع ودواوين الإمارات الفارسية:

- ‌ ابن العميد: حياته وثقافته

- ‌ تصنيع ابن العميد:

- ‌ الصاحب بن عباد وتصنيعه:

- ‌ تصنيع أبي إسحاق الصابي:

- ‌ التصنيع عام بين كتاب الدواوين:

- ‌الفصل الثاني: التصنيع والتصنع

- ‌ اشتداد موجة التصنيع:

- ‌ أبو بكر الخوارزمي، وتصنعه:

- ‌التصنع وتصنيع الخوارزمي

- ‌ بديع الزمان وتصنيعه:

- ‌التصنع وتصنيع بديع الزمان

- ‌ مقامات البديع، وما فيها من تصنع:

- ‌ قابوس بن وشمكير وتصنعه:

- ‌ ذيوع التصنع وانتشاره:

- ‌الفصل الثالث: التصنع والتعقيد

- ‌ أبو العلاء: حياته، وذكاؤه، وثقافته

- ‌ أبو العلاء وتعقيده:

- ‌ التعقيد في رسالة الغفران:

- ‌ التعقيد في الفصول والغايات:

- ‌ الحريري وتعقيده:

- ‌ التعقيد في مقامات الحريري:

- ‌ الحصكفي وتعقيده:

- ‌ التعقيد ظاهرة عامة:

- ‌الكتاب الثالث: المذاهب الفنية في‌‌ الأندلسومصر

- ‌ الأندلس

- ‌الفصل الأول: الأندلس والمذاهب الفنية

- ‌ شخصية الأندلس:

- ‌ النثر الأندلسي:

- ‌ ملوك الطوائف، ونهضة النثر الأندلسي:

- ‌ جمود النثر الأندلسي:

- ‌الفصل الثاني:‌‌ مصروالمذاهب الفنية

- ‌ مصر

- ‌ شخصية مصر:

- ‌ النثر المصري:

- ‌ الفاطميون، ونهضة النثر المصري:

- ‌ الأيوبيون، ونهضة النثر في عصرهم:

- ‌المماليك وإمتداد النهضة في عهدهم

- ‌ العصر العثماني، والعقم، والجمود:

- ‌خاتمة:

- ‌ الصورة العامة للبحث:

- ‌ النثر المصري الحديث:

- ‌ بين القديم والجديد:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ ابن المقفع: أصله وحياته وزندقته:

2-

‌ ابن المقفع: أصله وحياته وزندقته:

ابن المقفع فارسي الأصل، اسمه روزبه1 بن داذويه، كان أبوه من قرية تسمى جور2 من أعمال فارس على مقربة من شيزار، وانتقل إلى البصرة، والتحق بديوان الخراج لعهد الحجاج، فاحتجن "اختلس" مالا، فضربه الحجاج حتى تقفعت "يبست" يده، فلقب بالمقفع3، ولم يسلم، بل استمر مجوسيا مانويا، وعلى دينه نشأ ابنه روزبه، ويظهر أنه عني بتأديبه كما عني بتعليمه العربية، وساعده على ذلك أن ولاءهما كان في آل الأهتم، وهم يشتهرون بالفصاحة من قديم4.

ولم يمض زمن كبير حتى ظهرت مخايل الفصاحة والبلاغة على ابن المقفع، فكتب لعمر بن هبيرة في دواوينه على كرمان5 بفارس، ثم كتب لابنه يزيد حين ولي العراق من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، كما كتب لأخيه داود6، وجعلته وظيفته تلك يفيد أموالًا، كان يبر بها طائفة من أصدقائه، يقول الجهشياري: "وكان سريا سخيا، يطعم الطعام، ويتسح على كل من احتاج إليه

وكان يجري على جماعة من وجوه أهل البصرة والكوفة ما بين

1 الفهرست ص172.

2 الوزراء والكتاب للجهشياري ص 109.

3 الفهرست ص 172.

4 البيان والتبيين 1/ 355.

5 الوزراء والكتاب ص 109.

6 الفهرست ص 172.

ص: 134

الخمسمائة إلى الألفين في كل شهر"1.

ولما قامت الدولة العباسية كتب لعيسى بن علي عم المنصور2، وعلى يديه أعلن إسلامه، وتسمى باسم عبد الله، واكتنى بأبي محمد3، ويقال: إنه حين حاول إعلان إسلامه سأله عيسى أن يؤجل ذلك إلى الغد، حتى يكون ذلك في حفل يحضره القواد والرؤساء، ثم حضر طعام العشاء، فجلس يأكل ويزمزم على عادة المجوس، فقال له عيسى: أتصنع ذلك وأنت على عزم الإسلام؟ فقال: أكره أن أبيت على غير دين! وظل يعمل في خدمة عيسى حتى قتله سفيان بن معاوية والي البصرة من قبل المنصور، وهنا يختلف الباحثون في سبب قتله، فيزعم قوم أنه قتل لزندقته، ويؤكد الجهشياري، وكثير من المؤرخين أن السبب في قتله ما كان من تشدده في كتابه الأمان الذي كتبه لعبد الله بن علي أخي عيسى، وعم المنصور فإنه حين فشلت ثورته على ابن أخيه هرب منهزما من أبي مسلم الخراساني، وقصد أخويه عيسى وسليمان بالبصرة، فكاتبا المنصور في أن يؤمنه، ورضي بإعطائه الأمان، فأمر عيسى بن المقفع يعمل نسخة لهذا الأمان، فعملها ووكدها، واحترس من كل تأويل يجوز أن يقع عليه فيها.. وكان الذي شق على أبي جعفر ما جاء في أسفل الأمان من أنه إذا غدر بعمه عبد الله، فهو نفي من أبيه، ومولود لغير رشدة، وقد حل لجميع أمة محمد خلعه وحربه والبراءة منه، ولا بيعة له في رقاب المسلمين، ولا عهد ولا ذمة، وقد وجب عليهم الخروج من طاعته، وإعانة من ناوأه من جميع الخلق، وأنه إن فعل كان كافرًا بجميع الأديان، ونساؤه طوالق وعبيده أحرار، فغضب المنصور حين قرأ هذا الأمان وسأل عن كاتبه، فقيل له: ابن المقفع، فقال: أما أحد يكفينيه؟ وكتب فيه إلى سفيان بن معاوية، وتصادف أن كان يضطغن عليه، فاستغل الفرصة وطلبه، فلما قدم عليه أمر بتنور فسجر، ثم أخذ يقطعه عضوًا

1 الوزراء والكاتب ص 109.

2 الفهرست ص 172، والوزراء والكاتب ص 103.

3 الفهرست ص 172.

ص: 135

عضوًا ويرمى به في التنور1، وأكبر الظن أن هذا هو السبب الصحيح في مقتل ابن المقفع، فالجاحظ يقول في بعض رسائله: إنه أغرى عبد الله بن علي بالمنصور ففطن له، وقتل2 ومن المحقق أن الجاحظ لا يريد بإغرائه سوى ما كان من كتابة أمانه على هذا النحو الذي ضيق فيه على المنصور، ويقول ابن خلكان: إن ذلك كان عام 142 أو 143 أو 145، ومعنى ذلك أنه لم يعش في الدولة العباسية إلا نحو عشر سنين.

واشتهر ابن المقفع بأنه كان زنديقًا، وأنه إنما اتخذ الإسلام قناعًا لزندقته ومانويته، وممن أكد ذلك أبو الفرج الأصبهاني3، والبيروني4 وابن خلكان5 وصاحب خزانة الأدب6، ويقول المرتضى في أماليه: روي عن المهدي أنه قال: "ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع"7، ويقول المسعودي:"أمعن المهدي في قتل الملحدين لظهورهم في أيامه، وإعلانهم باعتقاداتهم في خلافته، لما انتشر من كتب ماني وابن ديصان، ومرقيون مما نقله عبد الله بن المقفع وغيره وترجم من الفارسية، والفهلوية إلى العربية"8، وفي الفهرست أنه ترجم كتابا في سيرة مزدك9، ويقال: إنه مر ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم فلما رآه تمثل:

يا بيت عاتكة الذي أتعزل

حذر العدا وبك الفؤاد موكل

إني لأمنحك الصدود وإنني

قسما إليك مع الصدود لأميل10

ويقول بعض الرواة: إنه عارض القرآن بزعمه11، ونشر ميكائيل أنجلو جويدي سنة 1927 كتابا يسمى: "كتاب الرد على الزنديق اللعين ابن المقفع -

1 الوزراء والكتاب ص103، وما بعدها.

2 ثلاث رسائل للجاحظ "طبعة فنكل" ص 47.

3 أغاني "طبعة الساسي" 18/ 200.

4 تحقيق ما للهند من مقولة "طبعة ليبزج" ص 76.

5 انظر ترجمته في وفيات الأعيان 1/ 150.

6 خزانة الأدب للبغدادي 3/ 495.

7 أمالي المرتضى 1/ 134.

8 مروج الذهب للمسعودي "طبعة مصر" 4/ 242.

9 الفهرست ص 172.

10 أمالي المرتضى 1/ 135.

11 إعجاز القرآن للباقلاني ص 18.

ص: 136

عليه لعنة الله- للقاسم بن إبراهيم عليه من الله أفضل الصلاة والتسليم"، ونرى القاسم يندد -في مقدمة هذا الكتاب- بمذهب ماني وأتباعه، ويقول: إن ابن المقفع خلفه في إفكه وضلاله، "فوضع كتابا أعجمي البيان، حكم فيه لنفسه بكل زور وبهتان، فنال من عيب المرسلين، وافترى الكذب على رب العالمين، فرأينا من الحق أن نضع نقضه، بعد أن وضعنا من قول ماني بعضه". ثم يعرض القاسم فقرا من أقوال ابن المقفع ويرد عليها، وقد شك بعض الباحثين في هذا الكتاب، ونسبة ما فيه من آراء لابن المقفع1، غير أن ذلك لا ينقض زندقته فقد شهد بها معاصروه ومن جاءوا بعدهم، ويروى أنه لما قتل ابن أبي العوجاء لزندقته رثاه بقوله:

رزئنا أبا عمرو ولا حي مثله

فلله ريب الحادثات بمن وقع

فإن تك قد فارقتنا وتركتنا

ذوي خلة ما في انسداد لها طمع

فقد جر نفعا فقدنا لك أننا

أمنا على كل الرزايا من الجزع

وقال أحمد بن يحيى ثعلب: البيت الأخير يدل على مذهبهم في أن الخير ممزوج بالشر والشر ممزوج بالخير2.

وعلى الرغم من زندقة ابن المقفع، وتعصبه الشديد لفارسيته لم يفكر في الرجوع إلى لغته، بل اتخذ العربية مثله الأعلى، وكان ذكيا ذكاء شديدًا، ولكن ذكاءه أضله، وكان دقيق الحس، فقد دعاه عيسى بن علي للغداء معه يوما، فقال له:"أعز الله الأمير! لست يومي للكرام أكيلا، فقال له: ولم؟ قال: لأني مزكوم والزكمة قبيحة الجوار، مانعة من عشرة الأحرار"، وكتب إليه يحيى بن زياد الحارثي الزنديق يلتمس عقد الإخاء، والاجتماع على المودة والصفاء، فأخر جوابه، فكتب إليه كتابا آخر، يستريثه، فكتب إليه ابن المقفع:"إن الإخاء رق، فكرهت أن أملكك رقي قبل أن أعرف حسن ملكتك"3.

1 ضحى الإسلام لأحمد أمين 1/ 225.

2 أمالي المرتضى 1/ 135.

3 انظر في هذا النص، وسابقه أمالي المرتضى 1/ 136.

ص: 137