الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يوجد منهم إلَّا التصديق فحسب، ثم إما أن يكونوا منافقين أو فاسقين، والمنافق والفاسق لا يخفض لهما الجناح.
والمعنى: من المؤمنين من عشيرتك وغيرهم، أي: أنذر قومك فإن اتبعوك، وأطاعوك فاخفض لهم جناحك، وإن عصوك ولم يتبعوك فتبرأ منهم، ومن أعمالهم من الشرك باللَّه وغيره. انتهى منه.
والأظهر عندي في قوله: {لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)} أنه نوع من التوكيد يكثر مثله في القرآن العظيم، كقوله:{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} الآية. ومعلوم أنهم إنما يقولون بأفواههم، وقوله تعالى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ} ومعلوم أنهم إنما يكتبونه بأيديهم، وقوله تعالى:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} وقوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} إلى غير ذلك من الآيات.
•
قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)}
.
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، وتكون في الآية قرينة تدل على عدم صحته، وذكرنا أمثلة متعددة لذلك في الترجمة، وفيما مضى من الكتاب.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن قوله هنا: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} قال فيه بعض أهل العلم: المعنى: وتقلبك في أصلاب آبائك الساجدين، أي: المؤمنين باللَّه كآدم، ونوح، وإبراهيم، وإسماعيل.
واستدل بعضهم لهذا القول فيمن بعد إبراهيم من آبائه بقوله تعالى عن إبراهيم: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} وممن روي عنه هذا القول ابن عباس نقلا عنه القرطبي. وفي الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي قوله تعالى قبله مقترنًا به {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)} فإنه لم يقصد به أنه يقوم في أصلاب الآباء إجماعًا، وأول الآية مرتبط بآخرها، أي: الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، وحين تقوم من فراشك، ومجلسك ويرى تقلُّبك في السَّاجدين، أي: المصلين، على أظهر الأقوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يتقلب في المصلين قائمًا، وساجدًا، وراكعًا. وقال بعضهم: الذي يراك حين تقوم، أي: إلى الصلاة وحدك، وتقلبك في الساجدين، أي: المصلين إذا صليت بالناس.
وقوله هنا: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)} الآية. يدل على الاعتناء به صلى الله عليه وسلم ، ويوضح ذلك قوله تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} الآية.
وقوله: (وتوكل) قرأه عامة السبعة غير نافع وابن عامر: وتوكل بالواو، وقرأه نافع وابن عامر فتوكل بالفاء، وبعض نسخ المصحف العثماني فيها الواو، وبعضها فيها الفاء.
وقوله هنا: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217)} قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفاتحة في الكلام على قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} وبسطنا إيضاحه بالآيات القرآنية مع بيان معنى التوكل في سورة إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2)} .