الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
قوله تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)}
.
قوله اطيرنا بك، أي: تشاءمنا بك. وكان قوم صالح إذا نزل بهم قحط أو بلاء أو مصائب قالوا: ما جاءنا هذا إلَّا من شؤم صالح، ومن آمن به والتطير: التشاؤم، وأصل اشتقاقه من التشاؤم بزجر الطير.
وقد بينا كيفية التشاؤم والتيامن بالطير في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} .
وقوله تعالى: {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} قال بعض أهل العلم: أي: سببكم الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله، فالشر الذي أصابكم بذنوبكم، لا بشؤم صالح، ومن آمن به من قومه.
وقد قدمنا معنى طائر الإِنسان في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} .
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من تشاؤم الكفار بصالح، ومن معه من المؤمنين جاء مثله موضحًا في آيات أخر من كتاب الله، كقوله تعالى في تشاؤم فرعون وقومه بموسى:{فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)} ، وقوله تعالى في تطير كفار قريش بنبينا صلى الله عليه وسلم:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)} والحسنة في الآيتين النعمة كالرزق والخصب، والعافية. والسيئة المصيبة بالجدب والقحط، ونقص الأموال، والأنفس، والثمرات،
وكقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أي: بليتكم جاءتكم من ذنوبكم، وكفركم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)} قال بعض العلماء: تختبرون. وقال بعضهم: تعذبون، كقوله:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} وقد قدمنا أن أصل الفتنة في اللغة وضع الذهب في النار؛ ليختبر بالسبك أزائف هو أم خالص؟ وأنها أطلقت في القرآن على أربعة معان:
الأول: إطلاقها على الإِحراق بالنار، كقوله تعالى:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أي: حرقوهم بنار الأخدود على أحد التفسيرين. وقد اختاره بعض المحققين.
المعنى الثاني: إطلاق الفتنة على الاختبار، وهذا هو أكثرها استعمالًا، كقوله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} وقوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} والآيات بمثل ذلك كثيرة.
الثالث: إطلاق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيئة خاصة. ومن هنا أطلقت الفتنة على الكفر والضلال، كقوله تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي: حتى لا يبقى شرك. وهذا التفسير الصحيح دل عليه الكتاب والسنَّة.
أما الكتاب فقد دل عليه في قوله بعده في البقرة: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} وفي الأنفال: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} فإنه يوضح أن