الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكون للكفار اليوم بشرى، أو أن يغفر لهم، أو يدخلون الجنة. وهذا القول اختاره ابن جرير، وابن كثير وغير واحد.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ} قال الزمخشري: يوم منصوب بأحد شيئين: إما بما دل عليه لا بشرى، أي: يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى، أو يعدمونها، ويومئذ للتكرير، وإما بإضمار اذكر، أي: اذكر يوم يرون الملائكة، ثم قال: لا بشرى يومئذ للمجرمين.
•
قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}
.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية. وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية. وغير ذلك، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
•
قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)}
.
استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة: أن حساب أهل الجنة يسير، وأنه ينتهي في نصف نهار. ووجه ذلك أن قوله: مقيلًا، أي: مكان قيلولة، وهي الاستراحة في نصف النهار، قالوا: وهذا الذي فهم من هذه الآية الكريمة جاء بيانه في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} .
ويفهم من قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} الآية. أن أصحاب النار ليسوا كذلك، وأن حسابهم غير يسير.
وهذا المفهوم دلت عليه آيات أخر، كقوله تعالى قريبًا من هذه الآية:{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26)} ، فقوله:(على الكافرين) يدل على أنه على المؤمنين غير عسير، كما قال تعالى:{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} الآية. وقوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} وقوله تعالى: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} وإذا علمت مما ذكرنا ما جاء من الآيات فيه بيان لقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} فهذه أقوال بعض المفسرين في المعنى الذي ذكرنا في الآية.
قال صاحب الدر المنثور: وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله:{خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} قال: في الغرف من الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وذلك مثل قوله:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)} وأخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} وقرأ: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إنما هي ضحوة، فيقيل أولياء الله
على الأسرة مع الحور العين، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين.
وأخرج ابن المبارك، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو نعيم في الحلية، عن إبراهيم النخعي: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة، نصف النهار، فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، فذلك قوله:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} .
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن الصواف قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن، حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة، حتى يفرغ الناس من الحساب، وذلك قوله:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} إلى أن قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، الساعة التي يكون فيها ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة، فينصرف أهل النار إلى النار، وأما أهل الجنة فينطلق بهم إلى الجنة، فكانت قيلولتهم في الجنة، وأطعموا كبد الحوت فأشبعهم كلهم فذلك قوله:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} انتهى منه.
وذكر نحوه القرطبي مرفوعًا وقال: ذكره المهدوي. والظاهر أنه لا يصح مرفوعًا.
وقال القرطبي أيضًا: وذكر قاسم بن أصبغ من حديث أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فقلت: ما أطول هذا اليوم. فقال صلى الله عليه وسلم : والذي
نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة. وهو ضعيف أيضًا.
وما ذكره ابن مسعود من أنه قرأ ثم: (إن مقيلهم لإِلى الجحيم) معلوم أن ذلك شاذ لا تجوز القراءة به، وأن القراءة الحق {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)} .
واعلم أن قول قتادة في هذه الآية معروف مشهور، وعليه فلا دليل في الآية لما ذكرنا، وقول قتادة هو أن معنى قوله:{وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} أي: منزلًا ومأوى، وهذا التفسير لا دليل فيه على القيلولة في نصف النهار كما ترى.
وقد بينا في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: وجه الجمع بين ما دل عليه قوله هنا: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24)} ، من انقضاء الحساب في نصف نهار، وبين ما دل عليه قوله تعالى:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} وذكرنا الآيات المشيرة إلى الجمع، وبعض الشواهد العربية.
واعلم أن المشهور في كلام العرب أن المقيل القيلولة أو مكانها وهي الاستراحة نصف النهار زمن الحر مثلًا وإن لم يكن معها نوم، ومنه قوله:
جزى الله خير الناس خير جزائه
…
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
أي: نزلا فيها وقت القائلة، كما قاله صاحب اللسان. وما فسر به قتادة الآية من أن المقيل المنزل والمأوى معروف أيضًا في كلام العرب، ومنه قول ابن رواحة:
اليوم نضربكم على تنزيله
…
ضربًا يزيل الهام عن مقيله