الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا} أي: فعلوه، وقيل بتقدير الباء، أي: جاءوا بظلم.
ومن إتيان أتى بمعنى فعل قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} الآية. أي: بما فعلوه. وقول زهير بن أبي سلمى:
فما يك من خير أتوه فإنما
…
توارثه آباء آبائهم قبل
واعلم بأن الإِفك هو أسوأ الكذب؛ لأنه قلب للكلام عن الحق إلى الباطل، والعرب تقول: أفكه بمعنى قلبه. ومنه قوله تعالى في قوم لوط: {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} وقوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)} وإنما قيل لها: مؤتفكات؛ لأن الملك أفكها أي: قلبها، كما أوضحه تعالى بقوله:{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} .
•
.
ذكر جلَّ وعلا في الأولى في هاتين الآيتين أن الكفار قالوا: إن هذا القرآن أساطير الأولين، أي: مما كتبه، وسطره الأولون كأحاديث رستم واسفنديار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعه، وأخذه من تلك الأساطير، وأنه اكتتب تلك الأساطير.
قال الزمخشري: أي: كتبها لنفسه وأخذها، كما تقول: استكب الماء واصطبة إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه.
وقوله: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} أي: تلقى إليه، وتقرأ عليه عند إرادته كتابتها ليكتبها. والإِملاء إلقاء الكلام على الكاتب ليكتبه، والهمزة مبدلة من اللام تخفيفًا، والأصل في الإِملاء الإِملال باللام.
ومنه قوله تعالى: {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} الآية. وقوله: {بُكْرَةً وَأَصِيلًا} البكرة: أول النهار، والأصيل: آخره.
وما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية من أن الكفار قالوا: إن القرآن أساطير الأولين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تعلمه من غيره، وكتبه جاء موضحًا في آيات متعددة، كقوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)} .
وقد ذكرنا آنفًا الآيات الدالة على أنهم افتروا عليه أن تعلم القرآن من غيره، وأوضحنا تعنتهم، وكذبهم في ذلك في سورة النحل، ودلالة الآيات على ذلك في الكلام على قوله تعالى:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} الآية، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
ومن الآية الدالة على كذبهم في قوله: {اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى} قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48)} وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} إلى قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} الآية. والأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب.
وما ذكر جلَّ وعلا في الآية الأخيرة من قوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية. جاء أيضًا موضحًا في آيات أخر، كقوله تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} الآية، وقوله تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} الآية، وقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)} وقوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} وقوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} وقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)} وقوله تعالى: {تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله هنا: {الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: ومن يعلم السر فلا شك أنه يعلم الجهر.
ومن الآيات الدالة على ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كونه تعالى يعلم السر في السموات والأرض قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)} وقوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)} وقوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} وقوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6)} وقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} الآية وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75)} والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} قال فيه ابن كثير: هو دعاء لهم إلى التوبة والإِنابة، وإخبار لهم بأن رحمته واسعة، وأن حلمه عظيم، وأن من تاب إليه تاب عليه، فهؤلاء مع كذبهم، وافترائهم، وفجورهم، وبهتانهم، وكفرهم، وعنادهم، وقولهم عن الرسول والقرآن ما قالوا يدعوهم إلى التوبة والإِقلاع عما هم فيه إلى الإِسلام والهدى، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ