الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعض الآيات لم يعتبر فيها كثرة نزول القرآن كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} الآية.
وقوله في هذه الآية: {عَلَى عَبْدِهِ} . قال فيه بعض العلماء: ذكره صفة العبودية مع تنزيل الفرقان يدل على أن العبودية للَّه هي أشرف الصفات. وقد بينا ذلك في أول سورة بني إسرائيل.
•
.
قوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بدل من الذي في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ} ، وقال بعضهم: هو مرفوع على المدح، وقال بعضهم: هو منصوب على المدح. وقد أثنى - جلَّ وعلا - على نفسه في هذه الآية الكريمة بخمسة أمور، هي أدلة قاطعة على عظمته، واستحقاقه وحده لإِخلاص العبادة له:
الأول منها: أنه هو الذي له ملك السموات والأرض.
والثاني: أنه لم يتخذ ولدًا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
والثالث: أنه لا شريك له في ملكه.
والرابع: أنه هو خالق كل شيء.
والخامس: أنه قدر كل شيء خلقه تقديرًا.
وهذه الأمور الخمسة المذكورة في هذه الآية الكريمة جاءت موضحة في آيات أخر.
أما الأول منها: وهو أن له ملك السموات والأرض، فقد جاء
موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى في سورة المائدة:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية. وقوله تعالى في سورة النور: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)} وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)} الآية. وجميع الآيات التي ذكر فيها جلَّ وعلا أن له الملك، فالملك فيها شامل لملك السموات والأرض، وما بينهما وغير ذلك. كقوله تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآية، وقوله تعالى:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} الآية، وقوله تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} وقوله تعالى: {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} الآية. وقوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} والآيات الدالة على أن له ملك كل شيء كثيرة جدًّا معلومة.
وأما الأمر الثاني: وهو كونه تعالى لم يتخذ ولدًا، فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)} وقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} الآية. وقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} وقوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} وقوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)} وقوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} إلى قوله:
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة وقد قدمنا ذلك في مواضع من هذا الكتاب المبارك في سورة الكهف وغيرها.
وأما الأمر الثالث، وهو كونه تعالى لم يكن له شريك في الملك، فقد جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في آخر سورة بني إسرائيل:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} الآية، وقوله تعالى في سورة سبأ:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)} وقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)} قوله: (الواحد القهار) يدل على تفرده بالملك، والقهر، واستحقاق إخلاص العبادة، كما لا يخفى. إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأمر الرابع: وهو أنه تعالى خلق كل شيء، فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وأما الأمر الخامس: وهو أنه قدَّر كل شيء خلقه تقديرًا، فقد جاء أيضًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)} وقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)} وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} إلى غير ذلك من الآيات، وقال
ابن عطية: تقدير الأشياء هو حدها بالأمكنة، والأزمان، والمقادير، والمصلحة، والإِتقان. انتهى بواسطة نقل أبي حيان في البحر.
تنبيه
في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: الخلق في اللغة العربية معناه التقدير، ومنه قول زهير:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ
…
ـض القوم يخلق ثم لا يفري
قال بعضهم: ومنه قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} قال: أي: أحسن المقدرين. وعلى هذا فيكون معنى الآية: وخلق كل شيء، أي: قدر كل شيء فقدره تقديرًا. وهذا تكرار كما ترى، وقد أجاب الزمخشري عن هذا السؤال، وذكر أبو حيان جواب في البحر ولم يتعقبه.
والجواب المذكور هو قوله: فإن قلت: في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)} كأنه قال: وقدر كل شيء فقدره؟
قلت: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية، فقدره وهيأه لما يصلح له.
مثاله: أنه خلق الإِنسان على هذا الشكل المقدر المسوى، الذي تراه، فقدره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا. وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدرة بأمثلة الحكمة والتدبير، فقدره لأمر ما ومصلحة مطابقًا لما قدر له غير متجاف عنه، أو سمي إحداث الله خلقًا؛ لأنه لا يحدث شيئًا لحكمته إلَّا على وجه التقدير غير متفاوت، فإذا قيل: خلق الله