الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}
.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار كذبوا بالساعة أي: أنكروا القيامة من أصلها؛ لإِنكارهم البعث بعد الموت والجزاء، وأنه جلَّ وعلا أعتد؛ أي: هيأ وأعد لمن كذب بالساعة، أي: أنكر يوم القيامة، سعيرًا، أي: نارًا شديدة الحر يعذبه بها يوم القيامة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)} يدل على أن التكذيب بالساعة كفر مستوجب لنار جهنم، كما سترى الآيات الدالة على ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى. وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة - وهما تكذيبهم بالساعة، ووعيد الله لمن كذب بها بالسعير - جاءا موضحين في آيات أخر.
أما تكذبيهم بيوم القيامة لإِنكارهم البعث، والجزاء بعد الموت، فقد جاء في آيات كثيرة عن طوائف الكفار، كقوله تعالى:{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)} وقوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} إلى غير ذلك من الآيات.
وأما كفر من كذب بيوم القيامة ووعيده بالنار، فقد جاء في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)} إلى قوله: {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)} فقوله: (ومأواكم النار) بعد قوله: {مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ} الآية، يدل على أن قولهم: ما ندري ما الساعة هو سبب كون النار مأواهم. وقوله بعده: {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}
لا ينافي ذلك؛ لأن من اتخاذهم آيات الله هزوًا تكذيبهم بالساعة، وإنكارهم البعث كما لا يخفى، وكقوله تعالى:{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)} فقد بين جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من سورة الرعد أن إنكارهم البعث الذي عبروا عنه باستفهام الإِنكار في قوله تعالى عنهم: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} جامع بين أمرين:
الأول منهما: أنه عجب من العجب؛ لكثرة البراهين القطعية الواضحة الدالة على ما أنكروه.
والثاني منهما، وهو محل الشاهد من الآية: أن إنكارهم البعث المذكور كفر مستوجب للنار وأغلالها والخلود فيها، وذلك في قوله تعالى مشيرًا إلى الذين أنكروا البعث {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)} ومعلوم أن إنكار البعث إنكار للساعة، وكقوله تعالى:{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)} أي: لا يصدنك من لا يؤمن بالساعة عن الإِيمان بها، {فَتَرْدَى (16)} أي: تهلك لعدم إيمانك بها. والردى الهلاك، وهو هنا عذاب النار بسبب التكذيب بالساعة. وقد قال تعالى:{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)} . وقوله تعالى في آية طه هذه: {تَرَدَّى (11)} يدل دلالة واضحة على أنه إن صده من لا يؤمن بالساعة من التصديق بها، أن ذلك يكون سببًا لرداه، أي: هلاكه بعذاب النار كما لا يخفى، وكقوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} فآية الروم هذه تدل على أن الذين كذبوا بلقاء الآخرة، وهم الذين كذبوا بالساعة