الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لرحمة الله تعالى سواء قلنا: إن لعل في قوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)} حرف تعليل أو ترج؛ لأنها إن قلنا: إنها حرف تعليل، فإقامة الصلاة وما عطف عليه سبب لرحمة الله؛ لأن العلل أسباب شرعية، وإن قلنا: إن لعل للترجي، أي: أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة على رجائكم أن الله يرحمكم بذلك؛ لأن الله ما أطمعهم بتلك الرحمة عند عملهم بموجبها إلَّا ليرحمهم؛ لما هو معلوم من فضله وكرمه. وكون لعل هنا للترجي إنما هو بحسب علم المخلوقين كما أوضحناه في غير هذا الموضع.
وهذا الذي دلت عليه هذه الآية من أنهم إن أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الرسول رحمهم الله بذلك جاء موضحًا في آية أخرى، وهي قوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} بعد قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} من عطف العام على الخاص؛ لأن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة داخلان في عموم قوله: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} وقد قدمنا مرارًا أن عطف العام على الخاص وعكسه كلاهما من الإِطناب المقبول إذا كان في الخاص مزية ليست في غيره من أفراد العام.
•
قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ}
.
نهى الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحسب، أي: يظن الذين كفروا
معجزين في الأرض. ومفعول معجزين محذوف، أي: لا يظنهم معجزين ربهم، بل قادر على عذابهم لا يعجز عن فعل ما أراد بهم لأنه قادر على كل شيء.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبينًا في آيات أخر، كقوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)} وقوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)} وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)} وقوله تعالى: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)} وقوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} الآية. وقوله في الشورى: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} قرأه ابن عامر وحمزة: لا يحسبن بالياء المثناة التحتية على الغيبة. وقرأه باقي السبعة: لا تحسبن بالتاء الفوقية. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة بفتح السين، وباقي السبعة بكسرها.
والحاصل: أن قراءة ابن عامر وحمزة بالياء التحتية وفتح السين، وقراءة عاصم بالتاء الفوقية وفتح السين، وقراءة الباقين من السبعة بالتاء الفوقية وكسر السين. وعلى قراءة من قرأ بالتاء الفوقية فلا إشكال في الآية مع فتح السين وكسرها؛ لأن الخطاب بقوله:(لا تحسبن) للنبي صلى الله عليه وسلم . وقوله: (الذين كفروا) هو المفعول الأول. وقوله: (معجزين) هو المفعول الثاني لتحسبن. وأما على قراءة:
ولا يحسبن بالياء التحتية ففي الآية إشكال معروف. وذكر القرطبي الجواب عنه من ثلاثة أوجه:
الأول: أن قوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا} في محل رفع فاعل يحسبن، والمفعول الأول محذوف تقديره: أنفسهم، ومعجزين: مفعول ثان، أي: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين الله في الأرض. وعزا هذا القول للزجاج، والمفعول المحذوف قد تدل عليه قراءة من قرأ بالتاء الفوقية كما لا يخفى، ومفعولا الفعل القلبي يجوز حذفهما، أو حذف أحدهما إن قام عليه دليل كما أشار له ابن مالك في الخلاصة بقوله:
ولا تجز هنا بلا دليل
…
سقوط مفعولين أو مفعول
ومثال حذف المفعولين معًا مع قيام الدليل عليهما قوله تعالى: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74)} أي: تزعمونهم شركائي. وقول الكميت:
بأي كتاب أم بأية سنَّة
…
ترى حبهم عارًا علي وتحسب
أي: وتحسب حبهم عارًا علي.
ومثال حذف أحد المفعولين قول عنترة:
ولقد نزلت فلا تظني غيره
…
منى بمنزلة المحب المكرم
أي: لا تظني غيره واقعًا.
الجواب الثاني: أن فاعل (يحسبن) النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه مذكور في قوله قبله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي: لا يحسبن محمد صلى الله عليه وسلم الذين كفروا معجزين. وعلى هذا فالذين كفروا مفعول أول، ومعجزين مفعول ثان. وعزا هذا القول للفراء، وأبي علي.