الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن يكون معناه. . . إلخ. انتهى كلامنا في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب. وقد رأيت فيه جواب ابن جرير الطبري عن السؤال المذكور.
وقوله تعالى في هذه الآية: (بقيعة) قيل: جمع قاع كجار وجيرة. وقيل: القيعة والقاع بمعنى، وهو المنبسط المستوي المتسع من الأرض، وعلى هذا فالقاع واحد القيعان كجار وجيران.
•
.
اعلم أن الضمير المحذوف الذي هو فاعل علم قال بعض أهل العلم: إنه راجع إلى الله في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} الآية. وعلى هذا فالمعنى كل من المسبحين والمصلين قد علم الله صلاته وتسبيحه. وقال بعض أهل العلم: إن الضمير المذكور راجع إلى قوله: كل، أي: كل من المصلين والمسبحين قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه. وقد قدمنا في سورة النحلِ في الكلام على قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية، كلام الأصوليين في أن اللفظ إن احتمل التوكيد والتأسيس حمل على التأسيس، وبينا أمثلة متعددة لذلك من القرآن العظيم.
وإذ علمت ذلك فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} راجعًا إلى قوله: كل، أي: كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه. وعلى هذا
القول فقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} تأسيس لا تأكيد. أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله، أي: قد علم الله صلاته يكون قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} كالتكرار مع ذلك فيكون من قبيل التوكيد اللفظي.
وقد علمت أن المقرر هي الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد كما تقدم إيضاحه. والظاهر أن الطير تسبح وتصلِّي صلاة وتسبيحًا يعلمهما الله، ونحن لا نعلمهما كما قال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} .
ومن الآيات الدالة على أن غير العقلاء من المخلوقات لها إدراك يعلمه الله ونحن لا نعلمه قوله تعالى في الحجارة: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} فأثبت خشيته للحجارة، والخشية تكون بإدراك وقوله تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} الآية. والإِباء والإِشفاق إنما يكون بإدراك، والآيات والأحاديث واردة بذلك، وهو الحق. وظاهر الآية أن للطير صلاة وتسبيحًا، ولا مانع من الحمل على الظاهر. ونقل القرطبي عن سفيان: أن للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود. اهـ.
ومعلوم أن الصلاة في اللغة الدعاء، ومنه قول الأعشى:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا
…
يارب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتبطي
…
نومًا فإن لجنب المرء مضجعًا
فقوله: مثل الذي صليت، أي: دعوت. يعني قولها: يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا.