الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} الآية.
•
.
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولًا، ويكون في الآية قرينة تدل على بطلان ذلك القول، وذكرنا في ترجمته أيضًا أن من أنواع البيان التي تضمنها الاستدلال على المعنى بكونه هو الغالب في القرآن؛ لأن غلبته فيه تدل على عدم خروجه من معنى الآية، ومثلنا لجميع ذلك أمثلة متعددة في هذا الكتاب المبارك، والأمران المذكوران من أنواع البيان قد اشتملت عليهما معًا آية النمل هذه.
وإيضاح ذلك: أن بعض الناس قد زعم أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} يدل على أن الجبال الآن في دار الدنيا يحسبها رائيها جامدة، أي: واقفة ساكنة غير متحركة، وهي تمر مر السحاب، ونحوه قول النابغة يصف جيشًا:
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم
…
وقوف لحاج والركاب تهملج
والنوعان المذكوران من أنواع البيان، يبينان عدم صحة هذا القول.
أما الأول منهما: وهو وجود القرينة الدالة على عدم صحته، فهو أن قوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَالَ} معطوف على قوله: ففزع، وذلك المعطوف عليه مرتب بالفاء على قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} الآية. أي: ويوم ينفخ في الصور، فيفزع من في السماوات، وترى الجبال. فدلت هذه القرينة القرآنية الواضحة على أن مر الجبال مر السحاب كائن يوم ينفخ في الصور لا الآن.
وأما الثاني: وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرآن فواضح؛ لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها في يوم القيامة، كقوله تعالى:{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)} وقوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} وقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)} وقوله تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)} .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} جاء نحوه في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} وقوله تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها كل ذلك صنع متقن.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)} قد قدمنا الآيات التي بمعناه في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} إلى قوله: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)} .