المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌28 - باب الحال - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌28 - باب الحال

بسم الله الرحمن الرحيم

‌28 - باب الحال

(وهو ما دل على هيئة وصاحبها، متضمناً ما فيه معنى "في" غير تابع ولا عمدة) - فما دل على هيئة يشمل الحال ونحو: تربعت والقهقري، ومتكيء في قولك: زيد متكيء، وراكب في قولك: مررت برجل راكب.

وخرج بقوله: وصاحبها: الأولان؛ فإن تربع والقهقري إنما يدلان على الهيئة لا على صاحبها، وخرج بقوله: متضمناً: ما دل على هيئة وصاحبها وليس في نفسه معنى في، ولا في جزئه، نحو: بنيت صومعة، وخرج بقوله: ما فيه معنى "في" ما معنى في لمجموعه لا لجزء مفهومه، نحو: دخلت الحمام، أي في الحمام، فليس معنى في مختصاً بجزء من الحمام دون جزء، بخلاف ضاحكاً مثلاً في قولك: جاء زيدٌ ضاحكاً، فإن معنى في مختص بجزء مفهومه؛ فإن ضاحكاً دال على الهيئة وصاحبها، ومعنى في لبعض مفهومه، وهو المصدر، على حذف مضاف؛ فإن التقدير: جاء زيد في حال ضحك.

وخرج بقوله: غير تابع: راكب: في قولنا: مررت برجل راكب ونحوه؛ فإنه يصدق عليه في حال ركوب؛ وخرج بقوله: ولا عمدة: متكيء، من: زيد متكيء ونحوه: فإنه يصبح تقديره: زيد في حال اتكاء؛ ولا يرد قائماً في: ضربي

ص: 5

زيداً قائماً؛ لأن العمدة في الاصطلاح ما عدمُ الاستغناء عنه أصل لا عارض كالمبتدأ، والفضلة ما جواز الاستغناء عنه أصل لا عارض كالحال.

وعروض جواز الاستغناء عن العمدة لا يخرجها عن كونها عمدة، كما في قولك: صحيح، في جواب: كيف زيد؟ وعروض امتناع الاستغناء عن الفضلة لا يخرجها عن كونها فضلة، كما في هذه الحال، وكذا في قوله تعالى:(وإذا بطشتم بطشتم جبَّارين) وقوله: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين).

(وحقه النصبُ) - لأنه فضلة، وإعراب الفضلات النصب، ونصبها نصب التشبيه بالمفعول به، في قول أبي علي وأبي بكر، وهو ظاهر قول سيبويه؛ وقيل: نصب المفعول به، وهو قول أبي القاسم؛ وكلام سيبويه يرده، قال: وقيل: نصب المفعول به، وهو قول أبي القاسم؛ وكلام سيبويه يرده، قال: وليس بمفعول كالثوب في قولك: كسوت الثوب زيداً؛ وقيل: نصب الظرف، لقول سيبويه: لأن الثوب ليس بحال وقع فيه الفعل؛ فإنه يدل على أن الحال وقع فيها الفعل، فيكون ظرفاً؛ ورُدَّ بأن الظرف أجنبي من الاسم، والحال هي الاسم الأول.

(وقد يُجَرُّ بباء زائدة) - قال المصنف: كقول رجل فصيح من طيئ:

ص: 6

1 -

كائن دعيت إلى بأساء داهمةٍ

فما انبعثت بمزؤود ولا وكل

أي فما انبعثت مزؤوداً ولا وكِلاً، ومثله:

2 -

فما رجعتْ بخائبةٍ ركابٌ

حكيم بن المسيب منتهاها

أي فما رجعت خائبةً، وقد أولا علي أن الباء فيهما للحال لا زائدة، وتقدير الأول: فما انبعثت ملتبساً بمزؤود، ويعني نفسه، كما في قولك: لقد صحبك مني رجل كذا، وتقدير الثاني: فما رجعت ملتبسة بحاجة خائبة.

ولا يرد عليه أنه لم يقيد بالنفي، والسماع بتقدير تسليمه إنما هو معه لإشعار الزيادة به، وذكر في حروف الجر أن الحال ربما جرت بمن زائدة، ومثل له بقراءة زيد بن ثابت رضي الله عنه وجماعة:(ما كان ينبغي لنا أن نُتخذ من دونك من أولياء) بضم النون وفتح الخاء، أي نتخذ أولياء.

والبأساء الشدة، قال الأخفش: بني على فَعْلاء وليس له أفعل لأنه اسم، كما يجيء أفعل في الأسماء ليس معه فعلاء نحو أحمد.

وزأدته أزأده زأداً أذعرته، وزئد فهو مزؤود أي مذعور؛ ويقال: رجل وَكِلٌ بالتحريك ووُكَلةً أيضاً كهمزة، وتُكَلَة أي عاجز يكل أمره إلى غيره ويتكل عليه.

ص: 7

(واشتقاقه) - أي الحال.،

(وانتقاله غالبان لا لازمان) - ومن وروده غير مشتق قوله تعالى: (فانفروا ثبات)، وقوله:(فما لكم في المنافقين فئتين)، ومن وروده غير منتقل قوله تعالى:(وخلق الإنسان ضعيفاً)، وقوله:(طبتم فادخلوها خالدين).

وقيل: لا تكون الحال إلا منتقلة أو شبهها، نحو: خلق زيدٌ طويلاً؛ إذ من الجائز أن يخلق قصيراً؛ والخلاف في غير المؤكدة، فأما الحال المؤكدة فتكون منتقلة وغيرها، نحو:(وأن هذا صراطي مستقيماً).

(ويُغني عن اشتقاقه وصفه) - نحو: (فتمثل لها بشراً سوياً).

(أو تقدير مضاف قبله) - كقول العرب: وقع المصطرعان عِدْلَيْ عَيْر؛ أي مثل عدلي عير.

(أو دلالته على مفاعلة) - نحو: كلمته فاه إلى في، أي مشافهةً، وبعتُه يداً بيد، أي مناجزةً؛ وفسره سيبويه بقوله: بايعته نقداً، ولابد من ذكر الجار والمجرور، ولا يقتصر على ما قبله، كما لا يقتصر عليه في مثل: سادوا كابراً عن كابر.

(أو سعر) - أي دلالته على سعر: نحو: بعت الشاء شاة بدرهم، والبُرِّ

ص: 8

قفيزاً بدرهم؛ ويجوز الرفع على الابتداء، وهو على حذف الصفة، أي شاة منه، وقفيزاً منه.

(أو ترتيب) - نحو: علمته الحساب باباً باباً، أي مفصلاً، وادخلوا أولاً أولا، أي واحداً بعد واحد؛ ولا تفرد هذه الحال، فلم تستعمل العرب هذا إلا مكرراً. واقتضى كلام الزجاج أنه لو أفرد لفهم منه معنى المكرر، قال: كما قالوا: لك الشاءُ شاةً بدرهم، وهو يفهم التفصيل.

وفي نصب الثاني أقوال:

فعن الفارسي، هو معمول للأول، لوقوع الأول حالاً، وعنه أيضاً أنه صفة للأول، وهما مركبان، وقد جاء التركيب بإعراب الاسمين، قال: تزوجتها راميةً هرمزية، وقال الزجاج: هو توكيد للأول، وقال ابن جني: هو صفة له، وهو كما في قول الفارسي الثاني، لكنه لم يدعِ تركيباً، وقدره: بابا ذا باب، والأقرب كونه منصوباً نصب الأول، وهما معاً الحال، لتأولهما بالمفرد، أي مفصلاً، كما أن الاسمين في قولك: هذا حلو حامض، الخبر، لتأولهما بذلك، أي مُزّ.

(أو أصالة) - نحو: هذا خاتمك حديداً، وهذه جُبَّتُك خزاً، وهما من أمثلة سيبويه، وقال تعالى:(أأسجد لمن خلقت طيناً)؟

(أو تفريع) - نحو: هذا حديدك خاتماً.

(أو تنويع) - نحو: هذا تمرك شهريزاً. قال اللحياني: تمر شِهريز

ص: 9

وشُهريز، وسِهريز وسُهريز بالسين والشين جميعاً لضرب من التمر. وإن شئت أضفت مثل: ثوبٍ خزٍّ، وثوبِ خَزِّ.

(أو طور واقع فيه تفضيل) - نحو: هذا بسراً أطيب منه رطباً.

(وجعلُ فاه، من: كلمته فاه إلى في، حالاً أولى من أن يكون أصله: جاعلاً فاه إلى في، ومن فيه إلى في) 0 والحالية مذهب سيبويه وليس فيها غير استعمال جامد موضع مشتق، وهو في هذا الباب معهود نحو: بعته يداً بيد، وكذا التعريف كما سيأتي؛ وأما تقدير جاعل كما صار إليه الكوفيون، ومال إليه الفارسي في الحلبيات، فأمر لا يحتاج إليه، ولم يؤلف في هذا الباب، ولو كان كذلك لقيس عليه، فعدمُ اقتياسه دليل على أنه وضع موضع غيره، كما قال سيبويه.

وما ذهب إليه الأخفش من أن الأصل: من فيه رده المبرد بأنه لا يُعقل، فإن الإنسان لا يتكلم من في غيره، أ] فكان الوجه أن يقال: كلمته فيِّ إلى فيه؛ وانفصل الفارسي عنه بأن منظور فيه إلى جانب المعنى، لتضمن كلمته معنى كلمني، وكلمني من فيه صحيح، أي لم يكلمني من كتابه ولا بواسطة.

ورد على الأخفش بأنه لم يوجد حذف حرف ملتزماً، وعلى ما خرجه سيبويه من الحالية جرى الجماعة، ومنهم السيرافي، ولكنه جعله اسماً واقعاً موقع المصدر الواقع موقع الحال، أي مشافهة، ثم يؤول هذا بمشافهٍ وبمشافهة، قدره سيبويه لكنه تفسير معنى؛ فإن الاسم الذي تنقله العرب إلى المصدرية لابد أن يكون نكرة، كذا زعم سيبويه، وفيه بحث ونظر.

(ولا يقاس عليه، خلافاً لهشام) - فلا يقال مثلاً: ماشَيْتَهُ قدمه إلى قدمي، لأن فيه إيقاع جامد موقع مشتق، ومعرفة موقع نكرة، ومركب موقع مفرد، بل يقتصر على المسموع، وحكى الفراء أنهم قالوا: كلمته فاه إلى فيَّ،

ص: 10

وحاذيته ركبته إلى ركبتي، وجاورته منزله إلى منزلي، وفاضلته قوسه عن قوسي، وصارعته جبهته على جبهتي؛ وقالوا هذا كله بالنصب والرفع.

(فصل) - (الحال واجب التنكير) - لئلا يوهم النعتية عند نهصب ذي الحال أو عدم ظهور إعرابها؛ وهذا مذهب الجمهور؛ وأجاز يونس والبغداديون تعريفها نحو: جاء زيدٌ الضاحك، قياساً على الخبر، وعلى ما سمع منها كذلك كما سيأتي؛ وقال الكوفيون: إن كان فيها معنى الشرط جاز كونها بصورة المعرفة نحو: عبد الله المحسن أفضل منه المسيء؛ وإلا فلا يجوز: جاء زيدٌ الراكب، وكلا القولين ضعيف؛ أما أولهما فللفرق بين الخبر والحال، إذ السكوت على الاسم وعدم غلبة الاشتقاق في الخبر يدفع إبهام النعتية، بخلاف الحال، والسماع قليل مؤول.

وأما ثانيهما فلاحتمال غير الحالية فيما ذكروه، وهو كون المحسن والمسيء خبري كان مضمرة، أي إذا كان.

(وقد يجيء معرفاً) - أي في الصورة، وقرينة هذا الحمل قوله من قبل: الحال واجب التنكير، فهي وإن كانت بصورة المعرفة نكرة بناء على قول الجمهور.

(بالأداة) - نحو: مررت بهم الجماء الغفير، وأوردها أو أرسلها العراك، وادخلوها الأول فالأول.

ص: 11

ويقال: جاؤوا الجماء الغفير، وجماء غفيراً، وجم الغفير، وجماء الغفير، والجماء الغفيرة بالتاء، والمعنى: جاؤوا بجماعتهم: الشريف والوضيع، ولم يتخلف أحد، وكانت فيهم كثرة؛ وهو وما ذكر معه نكرة واقعة موقع الحال، وال زائدة.

(أو الإضافة) - نحو: كلمته فاه إلى فيِّ، وطلبته جهدي وطاقتي، ورجع عوده على بدئه، ومررت بزيد وحده، وتفرقوا أيادي سبا.

(ومنه عند الحجازيين العدد من ثلاثة إلى عشرة مضافاً إلى ضمير ما تقدم) - فيقولون: مررت بالقوم ثلاثتهم وأربعتهم وخمستهم

وهكذا إلى العشرة بالنصب؛ ومذهب سيبويه أنه اسم موضوع موضع المصدر الواقع موقع الحال كمذهبه في: وحده، والتقدير: مخمساً لهم، فوضع خمسة موضع خمس مصدر خمست القوم، وخمس موضع مخمس. وقيل هو منصوب ظرفاً، كما قيل في: مررت بزيد وحده.

(ويجعله التميميون توكيداً) - فيقولون: قام القوم ثلاثتهم، بالرفع، ورأيت القوم ثلاثتهم، بالنصب، ومررت بالقوم ثلاثتهم، بالجر.

قيل: وظاهر كلام المصنف في الشرح أن المعنى في اللغتين على حد واحد، إذ قال: النصب عند الحجازيين على تقدير: جميعاً، ورفعه التميميون توكيداً على تقدير: جميعهم؛ وذكر غيره بينهما فرقا، وهو أن النصب على الحال أو الظرف يقتضي ألا يكون مع المذكورين غيرهم، للزوم الكذب؛ إذ المعنى: مررت بالقوم

ص: 12

مع التقييد بالعدد المذكور، فلو زادوا على ذلك كان كذبا؛ وأما الإتباع فمعناه: مررت بالثلاثة كلهم، وإذا كان معهم غيرهم لم يكذب ذلك.

(وربما عومل بالمعاملتين مركبً العدد) - أي بالنصب والإتباع المذكورين وهذا هو الصحيح، ومنهم من منع. وعلى الجواز تقول: جاؤوا خمسة عشرهم، وجئن خمس عشرتهن، أي جميعاً؛ حكاه الأخفش في الأوسط.

(وقضهم بقضيضهم) - فتقول: جاء القومُ قضهم بقضيضهم، بالنصب والرفع، فالنصب على الحال، والرفع على التوكيد، كما في ثلاثتهم وأخواته، قال سيبويه: كأنه قال: انقض أولهم على آخرهم.

(وقد يجيء المؤول بنكرة علماً) -قالوا: جاءت الخيل بدادِ، وهو علم جنس فوقع حالاً لتأوله بنكرة، أي متبددةً.

(فصل) - (إن وقع مصدر موقع الحال فهو حال، لا معمول حال محذوف، خلافاً للمبرد والأخفش) - فقوله تعالى: (ثم ادعهن يأتينك سعيا)، (ثم إني دعوتهم جهاراً)، وقول العرب: قتلته صبراً، ولقيته فجأة، ومفاجأة، مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المصادر في موضع الحال؛ أي ساعياتٍ ومجاهراً، ومصبوراً وفاجئاً أو مفاجئاً وفجاءةً بالضم والمد، ومنه: قطري بن الفجاءة؛ يقال: فجأه الأمر وفجئه بالكسر أيضاً فجأة، وفاجأه مفاجأة.

وذهب الأخفش والمبرد إلى أن المصادر معمولات لأفعال مقدرة، وتلك الأفعال هي الحال، والتقدير: يسعين سعيا

وكذلك الباقي.

ص: 13

ورُدَّ بأن الدال على الفعل المذكور إن كان المصدر فليُقس في كل فعل له مصدر ولا يقتصر فيه على السماع؛ ولم يقل بهذا بصري ولا كوفي إلا المبرد في طريق كما سيأتي؛ ولا يمكن كون الفعل المذكور دالاً على ذلك الفعل المحذوف لأن اللقاء لا يدل على المفاجأة، وكذلك الباقي؛ وما ذهب إليه الكوفيون من أنها منصوبة بالأفعال السابقة مفعولات مطلقة لا أحوالاً، لأن في اللقاء معنى المفاجأة، وكذا الباقي، لا يخفى ضعفه مما ذكر.

(ولا يطرد فيما هو نوع للعامل، نحو: أتيته سرعةً، خلافاً للمبرد) - قال سيبويه: لا تقول: أتيته سرعة ولا رُجلة، بل حيث سمع. انتهى.

ولم يخالف في هذا أحد من الكوفيين والبصريين إلا المبرد، فعنه في نقل اقتياس ذلك مطلقاً، وعنه اقتياسه فيما هو نوع للعامل دون غيره، وعلى هذا لا يجوز: جاء زيدٌ بكاء، ولا ضحك زيدٌ بكاء، وعلى الأول يجوز.

(بل يقتصر فيه وفي غيره على السماع) - أي سواء قلنا إنه في موضع الحال أم لا، فلا يقاس ما هو نوع للعامل كالمثالين الأولين، ولا غيره، كالمثالين الآخرين.

(إلا في نحو: أنت الرجل علماً، وهو زهيرٌ شعراً، وأما عِلماً فعالم) أي فلا يُقتصر في هذه الأنواع الثلاثة على السماع، بل يقاس، فتقول: أنت الرجل أدباً ونبلاً، وزيدٌ حاتم جوداً والأحنف حلماً، وأما نبلاً فنبيل، وأما سمناً فسمين، وما أشبه ذلك مثله: والنصب في النواع الثلاثة على الحال، وتقدير الأول:

ص: 14

أنت الكامل في حال وعلم وحال أدب وحال نبل، وهو معنى قول الخليل: أنت الرجل في هذه الحال.

وقال ثعلب: إنه مصدر مؤكد، ويتأول الرجل باسم مما بعده، أي أنت العالم علماً، والمتأدب أدباً، والنبيل نبلاً، والتمييز فيه محتمل، لتأول الرجل بالكامل، فيكون منقولاً من الفاعل، وتقدير الثاني: هو مثل زهير في حال شعر، وكذا الباقي، والتمييز فيه أيضاً محتمل، بل ظاهر؛ لأنه على تقدير مثل؛ وقد نصبوا على التمييز في: زيد القمر حُسناً ونحوه؛ وتقدير الثالث: مهما يذكر إنسان في حال علم مثلاً، فالمذكور عالم.

وأصله أن يوصف شخص بعلم وغيره، فيقال للواصف ذلك، والمعنى إنكار ما وصف به من غير المذكور، والناصب للحال ما قبلها من فعل الشرط المقدر، وصاحبها الضمير المرفوع به؛ ويجوز أن يكون ناصبها ما بعد الفاء، وصاحبها الضمير الذي فيه؛ وقد نص سيبويه على جواز نصبها بما قبلها وما بعدها، ومراده ما ذكر، لكن شرط الثاني أن لا يمنع مانع من عمله فيما قبله، فإن منع تعين الأول، نحو: أما علماً فلا علم له، وقد أشار سيبويه إلى هذا، وصرح به غيره.

(وترفع تميم المصدر التالي أما، في التنكير جوازاً مرجوحاً) - قال سيبويه: وقد يرفع في لغة تميم، فيقولون: أما علم فعالم، بالرفع، وكذا الباقي، والنصب في لغتها أحسن. انتهى.

وقضية كلامه أن غير تميم تنصبه، سواء الحجاز وغيرهم، وقال المصنف في الشرح إن النصب لغة الحجاز.

(وفي التعريف وجوباً) - فيقولون: أما العلمُ فعالم، بالرفع. وظاهر إطلاق كلام المصنف أنهم يرفعون المعرف بالألف واللام وغيرهما وجوباً،

ص: 15

فيقولون مثلاً: أما علمُ النحو فعالم؛ وظاهر كلام سيبويه يقتضي تخصيص ذلك بذي ال، وهو المنقول، قال سيبويه: فإن أدخلت الألف واللام رفعوا. يعني بني تميم. انتهى. ولا يبعد أن يجري المضاف إلى ذي ال مجرى ما دخلت عليه.

(وللحاجزيين في المعرف رفع ونصب) - فيقولون: أما العلم فعالم، بالوجهين، وكذا ما أشبهه. وظاهر كلام المصنف التساوي، وسيبويه ذكر الرفع وجُملا من مسائله، ثم قال: وقد ينصب أهل الحجاز في هذا الباب بالألف واللام، وهذا قد يشعر بأن الرفع أكثر.

(وهو في النصب) - أي المعرف المذكور.

(مفعول له عند سيبويه) - قال سيبويه: كأنه أجاب من قال: لمه؟ انتهى.

وبهذا يتقرر المفعول من أجله، وإنما كان كذلك لامتناع الحالية للتعريف، وكذا المصدرية، لأن المصدر التوكيدي لا يكون معرفاً.

(وهو والمنكر مفعول مطلق عند الأخفش) - فتقول في: أما علماً فعالم مثلاً: إن علماً منصوب بعالم، والتقدير: مهما يكن من شيء، فالمذكور عالم علماً؛ ورُدَّ بأن ذلك لا يطرد له في كل موضع، فقد تدخل الفاء على ما يمتنع عمل ما بعده فيما قبله، نحو: أما علماً فلا علمَ له أو فهو ذو علم أو فإن له علماً، وكذلك يقول الأخفش في المعرف نحو: أما العلم فعالم، ويرده ما ذكر وما سبق من أن المصدر التوكيدي لا يكون معرفاً.

وأما ما ذهب إليه الكوفيون، واختاره المصنف في الشرح، وبعض المغاربة، وأجازه السيرافي من أن المنكر والمعرف ينتصبان على الفعولية، أي مهما

ص: 16

تذكر علما أو العلم، فمردود لعدم اطراد ذلك في الأسماء التي ليست بمصادر كعلم، ولا صفات كعالم؛ وأما ما حكاه الفراء عن الكسائي عن العرب: أما قريشاً فأنا أفضلها، وما حكاه يونس عن قوم من العرب: أما العبيد فذو عبيد، وأما العبد فذو عبد، بالنصب، فقليل جداً، والوجه في هذا الرفع، وقال سيبويه، وذكر ما حكاه يونس: إنه قليل خبيث.

(فصل) - (لا يكون صاحب الحال في الغالب نكرة) - استظهر بالغالب على ما جاء حالاً من النكرة، وليس فيه شيء مما ذكر من الشروط، نحو قولهم: عليه مائة بيضاً، وفيها رجل قائماً.

(ما لم يختص) - إما بوصف نحو: مررت برجل قرشي ماشياً. ويكفي وصف واحد، خلافاً لبعض المغاربة في اشتراط وصفين، وقد حكى سيبويه: هذا غلام لك ذاهباً، وقال تعالى:(فيها يفرق كل أمر حكيم. أمراً من عندنا)؛ وإما بإضافة، كقوله تعالى:(في أربعة أيام سواء للسائلين)، (وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً) في قراءة ضم القاف والباء. وإما بعمل نحو: مررت بضارب هنداً قائماً؛ والوجه في هذه المسائل الإتباع لا الحال.

(أو يسبقه نفي) - نحو: (وما أهلكنا من قريةٍ إلا ولها كتابٌ معلومٌ) وقوله:

4 -

ما حُمَّ من موت حمى واقياً

ولا ترى من أحد باقيا

ص: 17

قال صاحب البديع: النكرة لمنفية تستوعب جميع أنواعها، فنزلت منزلة المعرفة.

(أو شبههُ) - وهو النهي والاستفهام، كقول قطري:

5 -

لا يركننْ أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوفاً لحمِام

وقول الآخر:

6 -

يا صاح هل حُم عيش باقياً فترى

لنفسك العذر في إبعادها الأملا؟

يقال حُمَّ الشيء وأحم أي قُدر فهو محموم.

(أو تتقدم الحال) - أي على صاحبها، نحو: هذا قائماً رجل، وفيها قائماً رجلٌ، وأنشد سيبويه:

7 -

وبالجسم مني بيناً لو علمته

شُحوبٌ، وإن تستشهدي العين تشهدِ

ص: 18

وأنشد غيره:

8 -

وما لام نفسي مثلها لي لائمٌ

ولا سد فقري مثل ما ملكت يدي

ونصب الحل المتقدمة من النكرة إنما يكون في قليل من الكلام؛ قال سيبويه:

أكثر ما يكون في الشعر، وأقل ما يكون في الكلام. انتهى.

ويقال: شحب جسمه يشحب بالضم شحوباً إذا تغير جسمه، وشحب جسمه بالضم شحُوبة لغة فيه، حكاها الفراء.

ويجوز: هذا قائمٌ رجلٌ، على طريق البدل؛ وحكى الفراء: هذه خراسانية جارية، بنصب خراسانية على الحال، ورفعها على البيان.

(أو تكن جملة مقرونة بالواو) - كقوله تعالى: (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها) وقول الشاعر:

9 -

مضى زمن والناس يستشفعون بي

فهل لي إلى ليلى الغداة شفيعُ؟

ص: 19

(أو يكن الوصف به على خلاف الأصل) - نحو: مررت ببُرٍّ قفيزاً بدرهم، وبماء قِعْدةَ رجل.

(أو يشاركه فيه معرفة) - نحو: هذا رجلٌ وعبد الله منطلقين، وهؤلاء ناسٌ وعبد الله منطلقين.

(ويجوز تقديمُ الحال على صاحبه وتأخيره) - وذلك لأن الحال تنزل من صاحبها منزلة لاخبر، فالأصل فيها التأخير كالخبر، ويجوز التقديم.

(إن لم يعرض مانعٌ من التقديم) - أي فيجب حينئذ تأخير الحال.

(كالإضافة إلى صاحبه) - نحو: عرفت مجيء هند مسرعةً، فلا يجوز تقديم هند مسرعة على هند، لما في ذلك من الفصل بين المضاف والمضاف إليه؛ ونحوه في وجوب التأخير، على خلاف فيه يأتي بباب التعجب، قولك: ما أحسن هنداً مجردةً، فتقول: ما أحسن مجردةً هنداً أم لا؟

(أو من التأخير، كاقترانه بإلا على رأي) - أي كاقتران صاحب الحال بإلا نحو: ما جاء راكباً إلا زيدٌ، فيمتنع تأخير هذه الحال عن صاحبها عند قوم منهم الأخفش، نص على ذلك في المسائل، وقوله:

10 -

* ما راعني إلا جناح هابطاً *

ص: 20

على إضمار ناصب مقدر بعد جناح، أي راعني هابطاً، وجناح اسم رجل.

(وكإضافته إلى ضمير ما لابس الحال) - أي وكإضافة صاحب الحال نحو: جاء زائر هندٍ أخوها، وسار منقاداً لعمروٍ صاحبه؛ فلا يؤخر الحال فيها عن صاحبها.

(وتقديمه على صاحبه المجرور بحرف ضعيف على الأصح لا ممتنع) - فإذا قلت: مررت بهند ضاحكةً، امتنع عند أكثر النحويين، ومنهم سيبويه، وأكثر البصريين، تقديم ضاحكة على هند؛ ونقل ابن الأنباري الاتفاق على أن ذلك خطأ؛ وزعم ابن هشام أن لم يسمع تقديمه من لسان العرب؛ وفي كلاميهما إن لم يؤولا نظر. فمذهب الفارسي وابن كيسان وابن برهان الجواز وقال:

11 -

تسليتُ طرا عنكمُ بعد بينكم

بذكراكم حتى كأنكم عندي

والكوفيون يفصلون، فيمنعون مع الظاهر في الاسم كالمثال، ويجيزون مع المضمر نحو مررت ضاحكة بك، ومع غير الاسم نحو: مررتُ تضحكُ بهندٍ.

ص: 21

وليس لمن منع حجة فيها روح، وما يذكر من تأويل ما سمع من ذلك متكلف جداً، فالحق ما ذهب إليه المصنف من الضعف لقلة السماع، هذا إن كان الجار غير زائد، وأما الزائد فلا منع فيه، فنقول: ما جاء راكباً من أحد، فليس كلام المصنف على إطلاقه، وكذلك ليس هو على إطلاقه في المفهوم من قوله: بحرف، إذ من المجرور بالإضافة ما لا يمتنع معه التقديم نحو: هذا شارب السويق ملتوتاً غداً، فيجوز: هذا ملتوتاً شاربُ السويق غداً، وكذا ما أشبهه، مما إضافته غير محضة، وأما أعجبني سيرُ هندٍ راكبةً، ونحوه مما إضافته محضة، فلا يجوز فيه التقديم بإجماع؛ وقوله:

12 -

نحن وطئنا خُسأً دياركم

إذ أسلمتْ حُماتُكم ذماركم

ليس خُسِّأً فيه بمعنى بُعداً حالاً من المخاطبين من قوله: (قردةً خاسئين)، بل بمعنى زاجرين، ومن خسأتُ الكلب، حالاً من ضمير المتكلم، والذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه.

(ولا يمتنع تقديمه على المرفوع) - فتقول: جاء مسرعاً زيدٌ. ومنه:

13 -

فما كان بين الخير لو جاء سالماً

أبو حجرٍ إلا ليالٍ قلائلُ

ص: 22

(والمنصوب) - فنقول: ما لقيت راكبةُ هنداً؛ ومنه قول الحارث بن ظالم:

14 -

وقطع وصلها سيفي وإني

فجعتُ بخالدٍ طرا كلابا

(خلافاً للكوفيين في المنصوب الظاهر مطلقاً) - أي سواء كانت الحال اسماً نحو: رأيت راكبةً هنداً، أو فعلا نحو: رأيت تركبُ هنداً؛ والسماع يرد قولهم، فمن الاسم ما تقدم، وأما الفعل فقوله:

15 -

لن يراني، حتى ترى، صاحب لي

أجتني سخطه، يشيبُ، الغُرابا

أي لن يراني صاحبٌ لي أجتني سخطه حتى ترى الغراب يشيبُ. وفهم من قوله: الظاهر، الجواز مع المضمر، نحو: مسافراً أكرمتني هندٌ.

(وفي المرفوع الظاهر المؤخر رافعه عن الحال) - فيمنعون: مسرعاً جاء زيدٌ. وفهم من قوله: الظاهر، الجواز مع المضمر، قيل: وهو إجماع؛ قال تعالى: (خشعاً أبصارهم يخرجون

)، وقال:

16 -

مُزْبداً يخطرُ ما لم يرني

وإذا يخلو له لحمي رتع

ص: 23

وقوله: المؤخر، جارِ على ما زعم بعض النحويين من أن الكوفيين لا يمنعون تقديم حال المرفوع الظاهر، إذا كان الفعل متقدماً نحو: قام مسرعاً زيدٌ، وإنما يمنعون إذا تأخر الفعل، والصحيح الجواز مطلقاً، وقد سبق شاهد: جاء مسرعاً زيدٌ، ومن كلامهم: شتى تؤوب الحلبةُ، أي متفرقين يرجع الحالبون؛ وقال:

17 -

سريعاً يهونُ الصعبُ عند أولي النهى

إذا برجاءٍ صادقٍ قابلوا البأسا

ص: 24

(واستثنى بعضهم من حال المنصوب ما كان فعلاً) - أي استثنى بعض الكوفيين الفعل، فأجاز تقديمه حالاً لمنصوب، كما سبق تمثيله وشاهده، وإنما فعل ذلك لانتفاء مانع التقديم في الاسم، وهو ما زعموا من الالتباس، وهو إبهام كون الحال مفعولاً، وصاحبها بدل منه، وهو ضعيف، إذ المتبادر إلى الفهم الحال، فالصحيح الجواز مطلقاً.

(ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه) - فلا يقال: جاء غلامُ هندٍ مجردةً. قال المصنف: بلا خلاف، وليس كذلك؛ فقد أجاز هذا بعض البصريين، ويحكي عن الفارسي، وقال صاحب البديع: إنه قليل؛ فإن كان المضاف عاملاً، أي بمعنى الفعل جاز؛ نحو: عرفت قيام زيدٍ مسرعاً، وهو راكب الفرس عُرياً، قال تعالى:(إليه مرجعكم جميعاً).

(إلا أن يكون المضاف جزأه أو كجزئه) - أي جزء ما أضيف إليه نحو: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً)؛ أو كجزء ما أضيف إليه نحو: (أن اتبعْ ملة إبراهيم حنيفاً)؛ وذلك لصحة الاستغناء عن المضاف؛ بخلاف: جاء غلام هند مجردة، إذ العامل في صاحب الحال حينئذ لا يصح أن يعمل في الحال بوجه.

(فصل) - (يجوز تقديم الحال على عاملها إن كان فعلاً متصرفاً) -

ص: 25

فتقول: مسرعاً جاء زيدٌ، ومنه:(خُشعاً أبصارهم يخرجون)، وشتى تؤوبُ الحلبةُ، وسريعاً يهون الصعبُ

البيت.

ومنعُ الجرمي التقديم لشبه الحال بالتمييز، يرده السماع والقياس؛ إذ الحال أشبه بالظرف، والظرف لا يمتنع تقديمه، والبصريون قاطبة على خلاف قوله: وللكوفيين في تقديم الحال تفصيل طويل. وحاصل ما يتعلق بهذا المقام أنهم يمنعون تقديمها أول الكلام إذا كانت من ظاهر؛ فلا تقول: راكباً جاء زيدٌ، ولا ضاكةً لقيت هنداً، ولا راكبةً مررتُ بهندٍ؛ والسماع السابق يرد عليهم.

(أو صفةً تشبهه) - أي تشبه الفعل المتصرف، بتضمنها معنى الفعل وحروفه، وقبول علامات الفروع. وقد نص سيبويه وغيره على جواز تقديمها على ما جرى مجرى الفعل من اسم فاعل وما في حكهم، فتقول: راكباً زيدٌ ذاهبٌ، وزيدٌ مجرداً مضروبٌ، وموسراً ومعدماً سمْحٌ.

(ولم يكن نعتاً) - مثل المصنف هذا: مررت برجل ذاهبة فرسه مكسوراً سرجُها، فلا يجوز أن يقال: مررت برجل مكسوراً سرجها، ذاهبة فرسه؛ وهذا صحيح في هذا المثال، لكن ليس المنع لتقديم الحال على العامل الواقع نعتاً، بل لما في ذلك من لزوم تقديم ضمير سرجها على مفسره، وليس من المواضع المستثناة في ذلك؛ وقد نص النحاة على منع التقديم هنا، فلو كان عامل الحال نعتاً وليس فيه هذا جاز تقديم الحال عليه وحده، فيجوز: مررت بامرأةٍ

ص: 26

ضاحكةً راكبةٍ، بتقديم ضاحكةً حالاً على عاملها راكبةٍ صفة امرأة؛ فنصوص النحويين على جواز تقديم معمول النعت عليه مفعولاً به وحالاً وظرفاً ومصدراً؛ وإنما منعوا تقديم الحال على المنعوت، فلا تقول في المثال: مررت ضاحكةً بامرأةٍ راكبةٍ؛ فقول المصنف: ولم يكن نعتاً، ليس على إطلاقه، ومعناه على طريق كلام النحويين أنه إن كان نعتاً امتنع تقديم صاحب الحال عليه وعلى المنعوت.

(ولا صلةً لأل) - فلا تقول: مسرعاً الجائي زيدٌ، ولا ال مسرعاً جائي زيد؛ بل يجب التأخير فتقول: الجائي مسرعاً زيدٌ.

(أو حرفٍ مصدريّ) - نحو: يعجبني أن تقوم مسرعاً، فلا تقول: أن مسرعاً تقوم؛ وهذا إذا كان الحرف المصدري مما باكياً يُرى زيدٌ، والأصل: مما يُرى زيدٌ باكياً. وفهم من كلامه أن العامل إن كان صلة لغير ال أو الحرف المذكور لم يمتنع التقديم عليه نحو: من الذي خائفاً جاء؟ الأصل: من الذي جاء خائفاً؟

(ولا مصدراً مقدراً بحرف مصدري) - نحو: يعجبني ركوبُ الفرس مُسْرَجاً، فلا يجوز: مُسْرَجاً ركوب الفرس؛ فإن كان المصدر غير مقدر بالحرف جاز نحو: قائماً ضرباً زيداً، الأصل: ضرباً زيداً قائماً، أي اضرب.

(ولا مقروناً بلام الابتداء أو القسم) - نحو: لأصبرُ مُحتسباً، ولأقومن طائعاً؛ فلا يجوز تقديم الحال على اللام، فلا تقول: محتسباً لأصبر، ولا طائعاً لأقومن، وأما تقديمها على العامل بعد اللام فيجوز كما في المفعول فتقول: لمحتسباً

ص: 27

أصبرُ، ووالله لطائعاً أقوم. قال تعالى:(لإلى الله تحشرون)؛ وهذا في لام الابتداء، ما لم توجد إن، فإن وجدت امتنع، فلا تقول: إن زيداً لمسرعاً ذاهب.

وقضية كلام المصنف أنه حيث يجوز تقديم الحال لا يفترق أمر الجملة والمفرد، قُرنت الجملة بالواو أم لم تقرن بها، فتقول: ويده على رأسه جاء زيد، وهكذا نقل صاحب رؤوس المسائل عن الجمهور انهم يجيزون تقديم الجملة الحالية مع الواو على عاملها الفعلي، ونقل أيضاً أن الفراء يمنع ذلك؛ والذي في كتب المغاربة الجواب بالمنع في الجملة المقرونة بالواو، وإن تصرف العامل، وأن الكسائي والفراء وهشاماً أجازوا: وأنت راكبٌ تحسنُ، وأنت راكب حَسُنْتَ.

(ويلزم تقديم عاملها إن كان فعلاً غير متصرف) - نحو: ما أنصرك مستنجداً فلا تقول: ما مستنجداً أنصرك.

(أو صلةً لأل أو حرفٍ مصدري أو مصدراً مقدراً بحرف مصدري أو مقروناً بلام الابتداء أو القسم) - وذلك كما سبق تمثيله. وقد يفهم من عدم تعرضه لما وقع نعتاً في هذا الموضع، كما تعرض لغيره مما تضمنه كلامه السابق، أن مقصوده هناك أن ما كان نعتاً امتنع التقديم معه في الجملة لا على حد المذكور معه من المواضع المذكورة، فيقوى بهذا تنزيل كلامه على ما ذكر الناس كما تقدم؛ ويُفهم أيضاً مما ذكر أن ما كان مما يقتضي التصدير حالاً لا يقع مع المتأخر ويقع مع المتقدم؛ فيجوز: كيف جاء زيدٌ؟ ويلزم تقديمه لما فيه من الاستفهام، وكيف

ص: 28

في هذا ونحوه حال على الأصح، لإبدال الحال منه نحو: أراكباً أم ماشياً، وقيل: هو ظرف.

(أو جامداً ضُمن معنى مشتق) - كحرف التنبيه واسم الإشارة؛ فإذا قلت: هذا زيدٌ قائماً، امتنع: قائماً هذا زيدٌ، سواء جعلت العامل التنبيه أو اسم الإشارة؛ وفي العامل ثلاثة مذاهب عند البصريين: أحدها: جواز كونه الحرف أو الاسم، وهو قول الجمهور، فعلى التقدير الأول يجوز: ها قائماً ذا زيدٌ، وعلى الثاني يمتنع.

المذهب الثاني، وهو أن العامل الاسم لا الحرف، وهو مذهب ابن أبي العافية.

الثالث أنه ليس واحداً منهما، بل محذوف يدل عليه الاسم المبهم، تقديره: انظر إليه قائماً، وهو مذهب السهيلي؛ ومنع مع ذلك أيضاً تقديم الحال.

(أو أفعل تفضيل) - نحو: هو أكفأهم ناصراً، فلا تقول: هو ناصراً أكفأهم، لانحطاطه عن اسم الفاعل ونحوه، لعدم قبول علامة التأنيث والتثنية والجمع.

(أو مُفهمَ تشبيه) - نحو: زيدٌ مثلك شجاعاً، فلا يجوز: شجاعاً مثلُك، وكذا لو حذفت مثل نحو: زيدٌ الشمسُ طالعةً، فلا يجيز البصريون: زيدٌ طالعةً الشمسُ، وأجازه الكسائي.

(واغتُفِر توسيط ذي التفضيل بين حالين غالباً) - وإن لزم من ذلك عمل ما هو كالعامل المعنوي فيما تقدم عليه نحو: هذا بسراً أطيب منه رطباً، ومررت برجل خير ما يكون خيرٌ منك خيرَ ما تكون؛ فأفعل التفضيل عامل في الحالين

ص: 29

في المثالين، لتضمنه معنى عاملين؛ أي هذا يزيد طيبه في هذه الحال على طيبه في هذه الحال؛ وهذا مذهب ابن جني وابن كيسان وابن خروف، وهو الأظهر من كلام المزاني، وقال به الفارسي في التذكرة، واختاره ابن عصفور مرة، وقال المصنف إنه مذهب سيبويه.

وقيل: العامل فيهما كان التامة مقدرة مع إذا فيما يستقبل، ومع إذْ لما مضى، وهو مذهب المبرد والزجاج والسيرافي والفارسي في الحلبيات، واختاره ابن عصفور مرة.

ويجوز بعض المغاربة كون المضمر كان الناقصة، والمنصوبان خبر إن لا حالان؛ واستدل بالتعريف نحو: زيدٌ المحسن أفضلُ منه المسيء.

ولم يتعرض المصنف لشرح قوله: غالباً، وكأنه يشير به إلى أن المذكور مع مخالفة الأصل غالب، وما هو الأصل وهو التأخير غير غالب، فيقتضي بهذا جواز التأخير؛ لكن الذي نص عليه الناس منع التأخير فيهما كتقديمهما؛ ولعله مال إلى ما ذهب إليه بعض المغاربة من جواز تأخيرهما عن أفعل، بشرط إيلاء أفعل إحداهما قبل المفضل عليه، وإيلاء الأخرى المفضل عليه نحو: هذا أطيبُ بسراً منه رطباً؛ ولا حاجة حينئذ إلى إضمار: إذا كان، أو إذ كان، إلا أن هذا يحتاج إلى سماع.

(وقد يُفعل ذلك بذي التشبيه) - فيعمل في حالين: إحداهما متقدمة عليه، والأخرى متأخرة عنه، كقوله:

18 -

أنا فذا كهُمْ جميعاً فإنْ

أمددْ أبدْهم، ولات حين بقاء

وقوله:

ص: 30

19 -

تعيرنا أننا عالةٌ

ونحنُ صعاليك أنتم ملوكا

أي نحن في حال تصعلكنا مثلكم في حال ملككم، فحذف مثلاً وأقام المضاف إليه مقامه مضمناً معناه، وأعمله ما فيه من معنى التشبيه. قيل: والصحيح أن النصب بمقدرٍ أي إذا كنت فذاً

وإذا كنا صعاليك.

(فإن كان الجامد ظرفاً أو حرف جر مسبوقاً بُمخْبَر عنه جاز على الأصح توسيط الحال بقوة إن كانت ظرفاً أو حرف جر، وبضعف إنْ كانت غير ذلك) - فالظرف نحو: زيدٌ عند عمرو في الدار، بجعل عند عمرو حالاً، وفي الدار خبر زيد، وهو العامل في الحال؛ وحرف الجر نحو: زيدٌ في البستان مع عمرو، بجعل في البستان حالاً عامله مع عمرو خبرُ زيد؛ وكذا لو كان الخبر والحال ظرفين، أو حرفي جر، ومنه:

20 -

ونحن منعنا البحر أن تشربوا به

وقد كان منكم ماؤه بمكان

ص: 31

واحترز بمسبوق من تأخر المخبر عنه، فلا خلاف حينئذ في جواز توسط الحال فتقول: في الدار عند عمرو زيدٌ، وفي الدار قائماً زيدٌ، إذ لا محذور فيه.

وقوله: على الأصح، إشارة إلى ما ذهب إليه الأخفش في أحد قوليه، والفراء من إجازة توسط الحال بين المخبر عنه المتقدم والخبر المتأخر ظرفاً ومجروراً، سواء كانت الحال كذلك كما سبق أم اسماً أم جملة اسمية بالواو، وهو المشار إليه بقوله: ويضعف نحو: (والسموات مطويات بيمينه) في قراءة من نصب مطويات، وكقوله:

21 -

بنا عاذ عوفٌ وهو بادي ذلةٍ

لديكم، فلم يعدمْ ولاء ولا نصرا

ونحو: زيد وماله بالبصرة كثيرٌ، وجمهور البصريين على المنع مطلقاً؛ وما ذكره المصنف من التفصيل مَدْركُهُ فيه أن الظروف ونحوها يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها، وأن ما ورد من ذلك غير ظرف ولا شبهه قليل؛ وما اختاره نحو ما اختاره ابن برهان من جواز تقدم الحال إذا كانت ظرفاً ونحوه على العامل الذي هو كذلك والمخبر عنه، وجعل منه قوله تعالى:(هنالك الولاية لله الحق) قال: هناك ظرف هو حال، ولله خبر الولاية وعامل في الحال. ومن لازم هذا إجازته التوسط، وهو إذاً عين ما ذهب إليه المصنف.

ويزيد: وجمهور البصرين على منع التقديم على المخبر عنه والخبر جميعاً، لا

ص: 32

يقال: قائماً زيدٌ في الدار، ولا قائماً في الدار زيدٌ، ولا عندك زيد مع عمرو، ويجعل عندك حالاً، وحكى في ذلك الإجماع، لكنه مُعترض بأن الأخفش أجاز في: فداء لك أبي وأمي، أن يكون فداء حالاً عامله لك، وأجاز الكوفيون: قائماً أنت في الدار.

ويتلخص من هذا في التوسط ثلاثة أقوال، وفي التقدم كذلك: المنع فيهما: وهو قول جمهور البصريين.

والجواز فيهما: وهو قول الأخفش:

والتفرقة بين الظرف ونحوه وغيرهما: وهو قول ابن برهان فيهما.

وقول المصنف في التوسط فقط.

وفي الصورتين، قول رابع، وهو للكوفيين: التفرقة بين الظاهر فيمتنع، والمضمر فيجوز.

(ولا تلزم الحالية في نحو: فيها زيدٌ، قائماً فيها، بل تترجح على الخبرية) - فيجوز رفع قائم ونصبه في هذا ونحوه، وهو ما تكرر فيه الظرف أو الجار والمجرور الذي يصلح أن يكون خبراً، ولكن الراجح النصب، قال تعالى:(ففي الجنة خالدين فيها)، (أنهما في النار خالدين فيها)، وذلك لأنه من حيث تقدم كان الأولى له أن يكون عمدة.

ص: 33

(وتلزم هي في نحو: فيك زيدٌ راغبٌ) - أي فيجب رفع راغب خبراً، ويمتنع نصبه حالاً، تكرر فيك أم لم يتكرر، لأن فيك لا يصلح للخبرية.

(خلافاً للكوفيين في المسألتين) - إذ أوجبوا النصب في الأولى، وجوزوه في الثانية؛ ومجيء النصب في القرآن في الصورة الأولى لا يقتضي الوجوب، بل الرجحان، وهو مُسلم، فهو الأحسن والأجود؛ فلو لم يوجد تكرير في هذه الصورة جاز الوجهان؛ قال المصنف: بلا خلاف، فتقول: فيها زيدٌ قائمٌ، وقائماً، برفع قائماً ونصبه إن شئت؛ ولو تكرر فيها الظرف والمخبر به جاز الوجهان أيضاً، وحكم برجحان الرفع، قال تعالى:(وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون).

واستشهد الكوفيون للنصب في المسألة الثانية بقوله:

22 -

فلا تلحني فيها فإن بحبها

أخاك مصاب القلب جم بلابلُه

في رواية نصب مصاب؛ وأول على أن التقدير: فإن بحبها أخاك شغف أو فتن؛ والمشهور في الرواية رفع مصاب.

(فصل) - (يجوز اتحاد عامل الحال مع تعددها واتحاد صاحبها أو

ص: 34

تعدده، بجمع وتفريق) - فالأول وهو تعددها مع اتحاد صاحبها نحو: جاء زيدٌ راكباً مسرعاً، وهذا مذهب أبي الفتح وجماعة، قياساً على الخبر والنعت، فكما جاز تعدد الخبر والنعت، مع كون المخبر عنه والمنعوت واحداً، جاز ذلك في الحال؛ وذهب أبو علي الفارسي وجماعة، منهم ابن عصفور، إلى المنع كما في الظرف، إلا مع أفعل التفضيل، لتضمنه معنى عاملين نحو: هذا بسراً أطيب منه رطباً.

والثاني وهو تعدد الحال مع تعدد صاحبها، بجمع في الحال نحو: جاء زيدٌ وعمروٌ مسرعين، ومنه:(وسخر لكم الشمس والقمر دائبني).

والثالث وهو تعدد الحال مع تعدد صاحبها، بتفريق في الحال نحو: لقيتُ زيداً مُصعداً منحدراً.

(ولا تكون لغير الأقرب إلا لمانع) - قال ابن السراج: إذا أزلت الحال عن صاحبها، ولم تلاصقه، لم يجُزْ ذلك، إلا أن يكون السامع يعلمه كما تعلمه، فإذا تعدد صاحب الحال، وتعددت بتفريق، فإما أن يخاف لبس نحو: لقيت زيداً مصعداً منحدراً، أو لا نحو: لقيت هنداً مصعداً منحدرة؛ فإن خيف لبسٌ تعيُن كون أول الحالين لثاني الاسمين، وثانيهما لأولهما، تقليلاً للفصل؛ وفي التمهيد خلاف هذا، فقال في المثال الأول: تجعل الأولى للفاعل، والثانية للمفعول، والعكس يجوز ما لم يلبس. انتهى.

ص: 35

وهذا يقتضي أن ما سبق أنه واجب في المثال لا يجوز، وعلى المذكور أولاً جرى ابن مالك؛ وإن لم يُخفْ لبس فالأولى جعل أولاهما لثانيهما، وثانيتهما لأولهما كما سبق، فتقول في المثال الثاني: مصعدة منحدراً، ومنه:

23 -

عهدتُ سعادَ ذات هوىً مُعنىَّ

فزدتُ وعاد سلواناً هواها

ويجوز العكس، ومنه:

24 -

لقي ابني أخويه خائفاً

منجديه، فأصابوا مغنماً

ويجوز أيضاً الأمران في المثال الأول، عند علم المخاطب بصاحب كل من الحالين. نص عليه ابن السراج.

(وإفرادُها بعد إما ممنوع) - أي في النثر والنظم، فيجب أن تُردف بأخرى مقرونة بإما أو بأو، قال تعالى:(إما شاكراً وإما كفورا).

وقال:

25 -

وقد شفني أن لا يزال يروعني

خيالك إما طارقاً أو مغادياً

ص: 36

يقال: شفه الهم يشفه بالضم شفاً هزله، وشفشفه أيضاً، وطرق يطرق طروقاً فهو طارق إذا جاء بليل.

(وبعد "لا"، نادر) - فالوجه المستعمل في الكلام أن تُردف بأخرى معها "لا" نحو: جئتك لا راغباً ولا راهباً، ويستباح في الشعر إفرادها، قال:

26 -

قهرت العدا لا مستعيناً بعصبة

ولكن بأنواع الخدائع والمكر

(ويضمر عاملها جوازاً لحضور معناه) - كقولك للراحل: راشداً مهدياً، أي تذهب، وللقادم: مسروراً مأجوراً، أي رجعت.

(أو تقدم ذكره في استفهام) - نحو: راكباً، لمن قال: كيف جئت؟ أي جئتُ.

(أو غيره) - نحو: بلى مسرعاً، لمن قال: ألم تنطلق؟ أي انطلقت، ومنه:(بلى قادرين)، أي نجمعها، وحذف لدلالة:(أن لن نجمع) عليه؛ كذا قدره سيبويه، وجعله الفراء مفعولاً بيحسب مقدراً لدلالة:(أيحسب الإنسان)؟ والتقدير: بلى فليحسبنا قادرين.

ص: 37

(ووجوباً إن جرت مثلاً) - كقولهم: حظيين بناتِن صَلِفَين كناتٍ، أي عرفتم. ولا يجوز ذكره لأن الأمثال لا تغير. وحظيين من الحظوة بضم الحاء وكسرها، يقال: حظيت امرأة عند زوجها حُظوة وحِظَةً، وصَلِفَت تصلَف صَلَفاً إذا لم تحظ عند زوجها وأبغضها، فهي صَلِفَة من نساء صلائف، والكنة بالفتح امرأة الابن، وتكسر على كنائن كأنه جمع كنينة.

(أو بينت ازدياد ثمن أو غيره شيئاً فشيئاً) - فالأول نحو: بعته بدرهم فصاعداً، أي فذهب الثمن صاعداً، وكذلك أخذته بدرهم فزائداً؛ والثاني نحو: تصدق بدينار فسافلاً، أي فانحط المتصدق به سافلاً. قاله المصنف.

قال شيخنا رحمه الله في هذا الثاني: لم أره لغير المصنف، وإن لم ينقل عن العرب فهو ممنوع، لأن حذف الفعل العامل في الحال وجوباً على خلاف الأصل.

(مقرونة بالفاء أو ثم) - فالأول كما سبق، والثاني نحو: ثم صاعداً، أو ثم زائداً، أو ثم سافلاً. قال سيبويه: وثم بمنزلة الفاء، تقول: ثم صاعداً، إلا أن الفاء أكثر في كلامهم. انتهى.

وفهم من كلامه أن الواو لا تأتي هنا، وقد نص على ذلك النحويون: سيبويه وغيره، لأن المقصود بيان أن الأدنى الدرهم، وأنه تصاعد الثمن بعد ذلك، والواو لا تعطي هذا، إذ يحتمل (وصاعداً) أن الثمن كان صاعداً قبل ذلك.

ص: 38

(أو نابت عن خبر) - نحو: ضربي زيداً قائماً.

(أو وقعت بدلاً من اللفظ بالفعل في توبيخ وغيره) - فالأول نحو: أقائماً وقد قعد الناس؟ وكذا إن أردت التوبيخ ولم تستفهم نحو: قاعداً- قد علم الله - وقد سار الركب. والثاني نحو: هنيئاً مريئاً. قال سيبويه: وإنما نصبه لأنه ذكر خيراً أصابه إنسان، فقلت: هنيئاً مريئاً، كأنك قلت: ثبت له هنيئاً مريئاً، أو هنأه ذلك هنيئاً مريئاً. ومذهب المبرد في قاعد ونحوه أنها مصادر جاءت على فاعل، وقد سبق الكلام في هذا في آخر باب المصدر.

(ويجوز حذف الحال، ما لم تَنُبْ عن غيرها) - نحو: ضربي زيداً قائماً، وكالواقعة بدلاص من اللفظ بالفعل كما تقدم.

(أو يتوقف المراد على ذكرها) -كحال عاملها صُحب بنفي أو نهي نحو: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين)، (ولا تمش في الأرض مرحاً) وكذلك:(وهذا بعلي شيخاً)، وجئت راكباً في جواب: كيف جئت؟

(وقد يعمل فيها غيرُ عامل صاحبها، خلافاً لمن منع) - وهم الأكثرون، تشبيهاً لها بالصفة والموصوف. وظاهر كلام سيبويه ما اختاره المصنف، تشبيهاً بالتمييز والمميز، فكما يتحد عاملها نحو: طاب زيدٌ نفساً، ويختلف نحو: لي

ص: 39

عشرون درهماً، كذلك تكون الحال مع صاحبها، ومن الاختلاف: إن هذا زيدٌ منطلقاً.

وظاهر كلام سيبويه أن منطلقاً منصوب باسم الإشارة، وهو حال من زيد، والعامل في زيد إن، وكذلك الكلام في (وإن هذه أمتكم أمة واحدة).

ومن اختلافهما أيضاً قوله:

27 -

هابيناً ذا صريح النصح فاصغ له

وطُعْ، فطاعةُ مُهْدٍ نصحه رشدُ

يقال: طاع يطوع إذا انقاد.

(فصل): (يؤكد بالحال ما نصبها من فعل) - نحو: (ثم وليتمُ مدبرين)، (ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

(أو اسم يشبهه) - نحو: (وهو الحقُ مصدقاً)؛ ومن مُثُلِ سيبويه: هو رجل صدق معلوماً ذلك، أي معلوماً صلاحه؛ كذا قدره سيبويه. ورجل صدق بمعنى صالح، فأجري مجرى: هو صالح معلوماً صلاحُه.

ص: 40

(وتخالفهما لفظاً أكثر من توافقهما) - فالأول كما تقدم، والثاني كقوله تعالى:(وأرسلناك للناس رسولاً)، وقوله:(وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره)، ومنه:

28 -

أصخ مصيخاً لمن أبدى نصيحته

والزم توقي خلط الجد باللعب

أصاخ له استمع.

(ويؤكد بها أيضاً في بيان يقين) - نحو: هذا زيدٌ معلوما، أي لا شك فيه. ومنه قول سالم بن دارة:

29 -

أنا ابنُ دارة معروفاً بها نسبي

وهل بدارة يا للناس من عار؟

أي لا شك في.

(أو فخرٍ) - نحو: أنا فلان شجاعاً أو كريماً.

(أو تعظيم) - هو فلان جليلاً مهيباً.

(أو تصاغُرٍ) - أنا عبدُك فقيراً إلى عفوك.

(أو تحقير) - هو فلان مأخوذاً مقهوراً.

ص: 41

(أو وعيد) - أنا فلان متمكناً منك، فاتق غضبي.

ومنه.

30 -

أنا أبو المر قال عقاً فظاً

لمن أعادي مدسراً دلظاً

المدسر الدفاع، والدلظ الغليظ الخلق.

(خبرُ جملةٍ جزآها معرفتان جامدان جموداً محضاً) - وذلك كما مثل، ونحو: زيدٌ أبوك عطوفاً، وأخوك زيدٌ معروفاً؛ وإنما لزم التعريف لأن هذه الأحوال إنما تؤكد شيئاً استقر وعُرف.

وفي البسيط: وقد يجوز أن يكون الخبرُ نكرة، وإذا فات الجمود لم تكن الحال مؤكدة، بل معمولة لما هو مشتق أو في حكمه؛ ولا تكون الحال المؤكدة لهذه المعاني إلا بلفظ دال على معنى ملازم كما سبق، أو شبيه بالملازم في تقدم العلم به، كما لو كان عندك علم بانطلاق شخص في حاجتك، ثم سمعت من وراء حائط حساً، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله منطلقاً في حاجتك. ذكر ذلك سيبويه.

ص: 42

(وعاملها أحق أو نحوه) - فإن كان المخبر عنه غير أنا فتقدير العامل: أحقه أو أعرفه، وإن كان أنا فالتقدير: أحق أو أعرف أو أعرفني.

(مضمراً بعدهما) - أي بعد المبتدأ والخبر، لأن الدال عليه هو الجملة، فلا يقدر إلا بعد تمامها، كما في قولك: زيدٌ قائمٌ غير شك.

(لا الخبر مؤولاً بمسمى، خلافاً للزجاج) لأن الخبر جامد جموداً محضاً، والتأويل المذكور بعيد، لا إشعار للاسم به عند ذكره، بخلاف نحو: زيدٌ أسد.

(ولا المبتدأ مضمناً تنبيهاً، خلافاً لابن خروف) - والتقدير عنده نحو: تنبه لزيد معلوماً، وهو أبعد من قول الزجاج، لأن الذي ضُمن معنى التنبيه الحروف لا الأسماء.

(فصل): (تقع الحال جملة خبرية) - فلا تقع الطلبيةُ حالاً، خلافاً للفراء في تجويزه: تركت عبد الله، قم إليه، وتركته، غفر الله له؛ على الحالية. ومنه ظاهر قول أبي الدرداء رضي الله عنه وجدت الناس أخبرْ تقلهْ؛ لكنه مؤول على أنه معمول حال محذوفة أي مقولاً فيهم: أخبر تقله؛ قلاه يقلوه قلاً وقلاء أبغضه، ويقلاه لغة طيء.

ودخل في قوله: خبرية جملة الشرط؛ وفي البسيط تقع جملة الشرط حالاً نحو: افعل هذا إن جاء زيدٌ؛ فقيل: تلزم الواو، وقيل: لا، وهو قول ابن جني.

(غير مفتتحة بدليل استقبال) - فلا تقول: امرر بزيد سيقوم، أو سوف يقوم أو لن يقوم. وعبارته قد تتناول المفتتحة بأداة شرط استقبالي وأنها لا تمنع،

ص: 43

والجملة التعجبية، وإن قلنا إنها خبرية لا تقع حالاً، فلا يجوز: مررت بزيد ما أحسنه!

(مضمنةً ضمير صاحبها) - نحو: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو)،

ومنه:

31 -

عهدتك لا تصبو وفيك شبيبة

فمالك بعد الشيب صباً متيما

ونحو:

32 -

كن للخليل نصيراً، جار أو عدلا

ولا تشح عليه، جاد أو بخلا

(ويغني عنه في غير مؤكدة) - فلا تغني الواو في المؤكدة عن الضمير، فلا تقول: أبو بكر الخليفة، وقد علم الناس؛ بل تحذف الواو، وتأتي بالضمير فتقول: قد علمه الناس.

(ولا مصدرة بمضارع مثبت عارٍ من قد) - فلا يجوز: جاء زيدٌ ويضحك عمرو، والاستغناء بالواو.

(أو منفي بلا أو ما) - فامتنع: جاء زيد ولا يضحك عمرو أو وما يضحك عمرو.

ص: 44

(أو بماضي اللفظ تالٍ لإلا) - فلا يجوز: ما جاء زيد إلا وضحك عمرو.

(أو متلو بأو) -فيمتنع: اضرب زيداً، وذهب عمرو أو مكث.

(واو تسمى واو الحال، وواو الابتداء) - أي يغني في غير المذكور عن الضمير واو نحو: جاء زيدٌ وعمرو منطلق، ومنه:(وطائفة قد أهمتهم أنفسهم).

وزعم ابن جني أنه لابد من تقدير الضمير، فإذا قلت: جاء زيدٌ والشمس طالعة، فتقديره: وقت مجيئه، وكذا ما كان مثله؛ وسميت واو الحال لمصاحبتها الحال، وواو الابتداء، إما لدخولها على المبتدأ، كما تقدم، وإما لوقوعها ابتداء الجملة الواقعة بعدها، وقدرها سيبويه بإذ.

(وقد تُجاءُ مع الضمير في العارية من التصدير المذكور) - نحو: جاء زيدٌ ويدُه على رأسه، ومنه:(وهم ألوف)، ونحو: جاء زيدٌ ولم يضرب عمراً، أو وقد ضُرب، أو وُضرب. ويرد عليه المؤكدة، فكما لا تغني الواو فيها عن الضمير، لاتجاء معه، فلا تقول: أبو بكر الخليفة، وقد علمه الناس، بل يجب حذف الواو فيتعين الضمير.

(واجتماعهما) - أي الواو والضمير.

(في الاسمية) - نحو: (وهم ألوف)، (وأتم عاكفون)، (وأنتم تشهدون).

(والمصدرة بليس) - نحو: (ولستم بآخذيه)

ص: 45

(أكثر من انفراد الضمير) - نحو: (بعضكم لبعض عدو)، ونحو:

33 -

إذا جرى في كفه الرشاء

جري القليب ليس فيه ماء

وقول الفراء إن الاكتفاء بالضمير في الاسمية شاذ، قول ضعيف، لكثرة ما ورد من ذلك في القرآن وغيره؛ والزمخشري وافقه، ولكنه في الكشاف رجع إلى قول الجمهور.

(وقد تخلو منهما الاسمية عند ظهور الملابسة) - فتقع الجملة حالاً ولا واو معها، ولا ضمير مذكور، نحو: مررت بالبر قفيز منه، وبيع السمنُ منوان بدرهم، أي منه، فيستغني بنية الضمير عن الواو. ذكر ذلك سيبويه.

(وقد تصحبُ الواو المضارع المثبت عارياً من قد) - نحو ما حكاه الأصمعي من قولهم: قمتُ وأصكُّ عينه. قال المصنف: ويمكن أن يكون منه: (إن الذين كفروا ويصدون).

(أو المنفي بلا) - جوز المصنف أن يكون منه قراءة غير نافع:

(ولا يُسأل عن أصحاب الجحيم)، وقراءة ابن ذكوان:(فاستقيما ولا تتبعان) بتخفيف النون.

ص: 46

(فيُجعل على الأصح خبر مبتدأ مقدر) - أي وأنا أصكُّ، وهم يصدون، وأنت لا تسأل، وأنتما لا تتبعان؛ وقيل: لا حاجة إلى التقدير، وقيل: الواو عاطفة.

(وثبوت قد قبل الماضي غير التالي لإلا والمتلو بأو أكثر من تركها إن وجد الضمير) - نحو: (وقد كان فريق منهم)(وقد فصل لكم)(الآن وقد عصيت)؟ ؛ ومثال تركها: (هذه بضاعتُنا ردت إلينا)(وجاؤوا أباهم عشاء يبكون. قالوا)، (أو جاؤوكم حصرتْ صدورهم).

وفي كلام ابن عصفور وغيره من متأخري المغاربة أنه لابد من قد ظاهرة أو مقدرة؛ والقول بالتقدير حكي عن الفراء والمبرد، والصحيح أنه لا حاجة إليه، لكثرة ما ورد بدون قد، والتقدير تكلف بلا دليل، وهذا قول الكوفيين ومذهب الأخفش، ونسب إلى الجمهور.

ولا يخفى أن قول المصنف: وثبوت قد

إلى آخره، إنما هو حيث يمكن

ص: 47

دخولها، بأن كان الفعل قابلاً لها، فلا يرد عليه الماضي الجامد كليس، وأن قد لا تدخل عليه.

وقضية كلامه منع "قد" في التالي لإلا والمتلو بأو، فلا تقول: ما جاء زيدٌ إلا قد ضرب عمراً، ولا: لأضربن زيداً قد ذهب أو مكث.

(وانفرادُ الواو حينئذ أقل من انفراد قد) - فإذا وجد الضمير جاز إثبات الواو دون قد، وقد دون الواو، والول أكثر، ومنه:(وكنتم أمواتاً)، (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا)، (وكان في معزل)، ومن الثاني:

34 -

بصُرتْ بي قد لاح شيبي فصدت

فتسليتُ واكتسيتُ وقارا

(وإن عدم الضمير لزمتا) - أي الواو وقد، فتقول: جاء زيدٌ وقد قام عمرو؛ وقال علقمة:

35 -

فجالدتهم حتى اتقوْك بكبشهم

وقد حان من شمس النهار غروبُ

ص: 48

وهذا في غير المنفي، فتقول: جاء زيدٌ وما طلعت الشمس، بدون قد، وكذا إن وجد الضمير، إلا أن الواو لا تلزم، فتقول، جاء زيدٌ ما درى كيف جاء، بالواو وبدونها؟

(فصل): (لا محل إعراب للجملة المفسرة، وهي الكاشفة حقيقة ما تلته، مما يفتقر إلى ذلك) - كقوله تعالى: (كمثل آدم، خلقه من تراب)، وقول النابغة:

36 -

لكلفتني ذنب امرئ وتركته

كذي العُر يُكوى غيرُه وهو راتع

وكونها لا محل لها من الإعراب هو المشهور، وقيل هي بحسب ما تفسر، ففي: زيدٌ أضربته؟ لا محل لها، لأن المفسر كذلك، وفي:(إنا كل شيء خلقناه بقدر)، لها محل، لأن المفسر خبر إن. واختار هذا الشلوبين، وأيده بظهور الرفع والجزم في المفسر في مسألة أبي علي: زيدٌ الخبز آكلُه، بنصب الخبز، فآكله ارتفع، وهو مفسر لمثله محذوف ناصب للخبز، وفي مسألة الكتاب: إنْ زيداً تكرمُه يكرمك، فتكرمه مفسر لعامل زيد، وقد ظهر الجزم فيه.

ص: 49

وفي شرح سيبويه المعروف بالصفار أن المفسر يكون على وفق المفسر في الإفرادية وغيرها، فالمفرد يفسر المفرد، والجملة تفسر الجملة، وخلاف هذا لم يكثر، نحو:(خلقه من تراب)، وكذا (هل أدلكم على تجارة)؟ ، ثم قال (تؤمنون

).

والعُرُّ بالضم قروح مثل القوباء، تخرج بالإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها، يسيل منها مثل الماء الأصفر، فتكوى الصحاح لئلا تعديها المراض؛ تقول منه: عُرت الإبل فهي معرورة؛ والعَرُّ بالفتح الجرب، تقول منه: عرت الإبل تعَرُّ فهي عارة، وبيت النابغة بالضم، قال ابن دريد: من رواه بالفتح فقد غلط، لأن الجرب لا تكوى منه:

(ولا الاعتراضية، وهي المفيدة تقوية) - فتؤكد الكلام الذي اعترضت بين أجزائه وتسدده، ولهذا شرط فيها أن تكون مناسبة للجملة المقصودة.

(بين جُزأيْ صلة) - نحو: أحب الذي ماله، والكرم زين، مبذول للناس، ونحوه الفصل بها بين الموصول وصلته، نحو:

37 -

ذاك الذي؛ وأبيك، يعرف مالكاً

والحق يدفع تُرهاتِ الباطل

ص: 50

الترهات الطرق الصغار غير الجادة تتشعب عنها، الواحدة تُرهة فارسي معرب، ثم استعير في الباطل.

(أو إسنادٍ) - كقوله:

38 -

وقد أدركتني، والحوادث جمة

أسنةُ قومٍ لا ضعاف ولا عُزْلِ

عزل جمع أعزل، والأعزل في الأصل الذي لا سلاح معه، ثم قيل لأحد السماكين أعزل تشبيهاً بذلك.

(أو مجازاة) - خرج بعضهم عليه: (فالله أولى بهما) بناء على أن الجواب: (فلا تتبعوا)، والأكثر على أن (فالله أولى) جواب لا اعتراض، فالشاهد على هذا قول عنترة:

39 -

إما تريني قد نحلت ومن يكن

غرضاً لأطراف الأسنة ينحل

فلرب أبلجَ مثل بعلك بادنِ

ضخمٍ على ظهر الجواد مهبلِ

يقال: نحل جسمه ينحل نحولاً هزل، ونحل بالكسر أيضاً، والفتح أفصح، والغرض الهدف للرمي، والهدف كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل

ص: 51

أو جبل، ويقال: بلج الصبح يبلُج بالضم أي أضاء، وصبح أبلج بين البلج أي مشرق مضيء، ويقال: رجل أبلج بين البلج إذا لم يكن مقروناً، وفي حديث أم معبد في صفة النبي صلى الله عليه وسلم:"أبلج الوجه" أي مشرقه، ولم ترد: بَلجَ الحاجب لأنها تصفه بالقرن: والبادن من البُدْن والبدُن كالعُسْر والعُسُر، وهو السمنُ، تقول: بدن الرجل بالفتح يبدُن بُدُناً، وبَدُن بالضم يبدُن بدانة فهو بادن، وامرأة بادن أيضاً وبدين. ويقال: هبله اللحم إذا كثر عليه وركب بعضه بعضاً وأهبله، ورجل مهبل، وفي حديث عائشة في حديث الإفك:"والنساء يومئذ لم يُهبِّلْهُنَّ اللحمُ".

(أو نحو ذلك) - كالقسم وجوابه نحو: (فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسمٌ، لو تعلمون عظيم)، وكأن واسمها نحو:

40 -

كأن، وقد أتى حول كميل

أثافيهما حمامات مثول

(ويميزها من الحالية امتناعُ قيام مفرد مقامها) - فلو أتيت بمفرد مكان: ؛ وقد أتى حول كميل، وغيره من هذه الجمل لكان ممتنعاً.

(وجواز اقترانها بالفاء) - كقوله:

ص: 52

41 -

واعلم، فعلمُ المرء ينفعه

أن سوف يأتي كل ما قُدرا

(ولن) - كقوله تعالى: (فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فاتقوا النار)

(وحرف تنفيس) - كقوله:

42 -

وما أدري، وسوف إخال أدري

أقوم آلُ حِصْنٍ أم نساء؟

(وكونها طلبيةً) - نحو: (قل إن الهدى هدى الله) هي معترضة بين (تؤمنوا) و (أن يؤتي أحد)، ومنه:

43 -

إن سليمي، والله يكلؤها

ضنتْ بشيءٍ ما كان يرزؤها

والله يكلؤها دعاء، يقال: كلأه الله كلاءة بالكسر أي حفظه وحرسه؛ وما رزأته ماله ورزِئته أي ما نقصته.

(وقد تعرض جملتان، خلافاً لأبي علي) - في زعمه أن الاعتراض لا يكون إلا بجملة واحدة، وليس بصحيح، فالاعتراض بجملتين كثير، ومنه:(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فهما جملتا اعتراض.

ص: 53