المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌40 - باب القسم - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌40 - باب القسم

‌40 - باب القسم

وهو جملة تؤكد ما تلاها من جملة خبرية غير تعجبية، ويرادف القسم الألية والحلف والإيلاء واليمين، والفعل المستعمل من الأولين غير جار عليهما، إذ هو أقسم وآلى، ومن الثالث والرابع جار: حلف وألى، والخامس لم يستعمل منه جار ولا غيره، وهو اسم جارحة لا مصدر، وكانو عند التحالف يضرب كل بيمينه على يمين صاحبه، تأكيداً للعقد، حتى ينتهي الحلف، فمن ثم قيل للحلف يمين.

(وهو صريح) - وهو ما يُعْلَم بمجرد نطقك به كونك مقسماً نحو: حلفت بالله، وأنا حالفٌ. ولعَمْرُ الله، وايمنِ الله.

(وغير صريح) - وهو ما ليس كذلك نحو: عَلِم الله، وعاهدتُ الله، وواثقت الله، وعلي عهدُ الله، وفي ذمتي ميثاق؛ فإنما يُعلم كونه قسماً بقرينة كذكر الجواب.

(وكلاهما جملة فعلية أو اسمية) - كما سبق تمثيله، وسيتكلم المصنف على شيء منه.

(فالفعلية غير الصريحة في الخبر كعلمت وواثقت، مضمنة معناه) - ومنه قوله:

ص: 302

258 -

إني علمتُ، على ما كان من خلُقِ

لقد راد هواني اليوم داود

وقوله:

259 -

واثقت ميةَ لا تنفك مُلْغيةُ

قول الوشاة فما ألغت لهم قيلا

والجملة بعد ما ضمن معنى القسم، من علمت ونحوه، قيل: في موضع مفعول علمت، وقيل: لا، لأن القسم لا يعمل في جوابه، وإن لم يضمن معناه، وعلقت باللام، فالجملة مفعول لا محالة.

(وفي الطلب كنشدتُك وعَمرْتُك) - فليسا بصريحين في القسم، بل للناطق بهما قصدُه وعدمُه، ويُعلَم القصدُ بإيلائهما الله نحو: نشدتك الله، وعمرتك الله، وإنما يستعملان في الطلب نحو: نشدتك الله إلا أعنتني، وعمرتك الله لا تطع هواك؛ ويستعمل أيضاً في الطلب عزمت وأقسمت، ولذا قال: كنشدتك؛ والمغاربة لا يسمون هذا ونحوه قسماً، بل استعطافاً، لأن القسم لا يجاب إلا بجملة خبرية، وهذا يجاب بالطلب؛ ووجهه أن القسم يتعلق به الحنْثُ أو البر، ولا يتحقق ذلك إلا فيما يدخله الصدق والكذب، ويؤيد ذلك أنهم لا يقولون: أقسم بالله هل قام زيد؟

كذا قيل، وفيه بحث- وما ذكره المصنف طريقة لبعض النحويين. والاسم الكريم مع نشدت وعمرت منصوب على إسقاط الخافض، أي بالله، والأصل: نشدتك بالله، من نشد زيد الضالة طلبها، والمعنى طلبت منك بالله، وكذلك

ص: 303

الأصل: عمرتك بالله، والمعنى ذَكَّرْتك به تذكيراً يعمر القلب ولا يخلو منه.

(وأبدل م اللفظ بهذه: عَمْرَكَ الله، بفتح الهاء وضمها) - وعَمْر مصدر على حذف الزوائد، والتقدير: تعمير، ومن نصب الجلالة جعل الكاف في موضع الفاعل، ومن رفعها فالكاف المفعول وهي الفاعل، والمعنى على مقتضى ما سبق في عمرتك الله الذي هذا بدل منه: أسألك بتعمير قلبك بالله، أو بتعمير الله قلبك، وللنحويين فيه كلام مضطرب منتشر متكلف.

(وقَعْدَك الله، وقعيدك الله) - قيل مصدران كالحس والحسيس، والناصب أقسم، والمعنى المراقبة، أي أقسم بمراقبتك الله، هما بمعنى الرقيب أقسم، كالخِل والخليل، والمقصود بهما الله، والناصب أقسم، والله بدل منهما.

(كما أبدل في الصريحة من فعلها المصدرُ) - كقسم وألية، قال:

260 -

قسماً لأصطبرنْ على ما سُمْتِني

ما لم تسومي هجرةُ وصدودا

وقال:

261 -

أليةً ليحيقَنْ بالمسيء إذا ما

حوسب الناسُ طرا سُوءُ ما عملا

(أو ما بمعناه) - نحو: يمين وقضاء ويقين وحق، قال:

262 -

يميناً لنعم السيدان وجدتما

على كل حال من سحيل ومُبْرَمِ

ص: 304

وحكى ثعلب أنهم ينصبون قضاء الله قسماً، فيقال على هذا: قضاء الله لأفعلن، وقال:

263 -

ويقيناً لأشربن بما شربوه

وما جلا

إلخ

وقال تعالى: (فالحق والحق أقول؛ لأملن)

(ويُضمرُ الفعلُ في الطلب كثيراً، استغناء بالمقسم به مجروراً بالباء) - نحو: بالله لا تخالف، بالله وافق؛ التقدير: نشدتك بالله.

(ويختص الطلب بها) -أي بالباء، فلا تستعمل فيه الواو ولا غيرها من حروف القسم.

(وإن جُرَّ في غيره) - أي غير الطلب.

(بغيرها) - أي بغير الباء.

(حُذِف الفعل وجوباً) - نحو: (والله ربنا ما كنا مشركين)، (تالله لقد آثرك الله علينا)، لله لا يؤخر الأجل، من ربي إنك لأشرُ، فلا يجوز ذكر الفعل مع واحد من هذه الحروف، وأجازه الكسائي مع الواو نحو: حلفت والله لأقومنْ، وأقسمت والله لأذهبن؛ ولا يحفظه البصريون، فإن ورد شيء على

ص: 305

نحوه أول على تمام الكلام عند حلفت، ثم ابتدئ بالقسم مقدراً تعلق الواو بمحذوف.

(وإن حُذفا معاً) - أي فعل القسم وحرفه.

(نُصِبَ المُقْسَمُ به) - نحو: الله، أو يمين الله، أو عهد الله لأفعلن؛ والتقدير عند الفارسي وجماعة: أحلف الله، أي بالله، وعند الزجاجي وجماعة: ألزم نفسي يمين الله، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ويجوز الرفع على الابتداء أو على الخبرية، والجزء الآخر محذوف، وبالوجهين روي قوله:

264 -

فقلت: يمين الله أبرح قاعداً

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

والتقدير على الرفع: يمينُ الله قسمي، أو قسمي يمين الله، ولا يحذف الحرف إلا إذا لم يدخل الكلام معنى التعجب، فلا يحذف في: تالله ولله لا يبقى أحد.

(وإن كان الله) - أي وإن كان المقسم به لفظ الله.

ص: 306

(جاز جرُّه بتعويض آثابت الألف) -فيجرُّ مع تعويض همزة مفتوحة بعدها ألف نحو: آلله لأفعلنَّ، والمغاربة يعبرون عن هذه الهمزة بهمزة الاستفهام، والمراد الصورة، لا معنى الاستفهام.

(أو ها محذوف الألف وأو ثابتها، مع وصل ألف الله وقطعها) - نحو: هالله وهألله وهاالله وها ألله، والمغاربة يقولون في هذا ها التنبيه.

(وقد يُستغنى في التعويض بقطعها) - يقول قائل: والله لأفعلنَّ، فتقول: أفألله لتفعلن؟ وإن شئت: فألله، بغير همزة سابقة، وهمزة القطع عوض من الحرف.

(ويجوز جرُّ الله دون عوض) - حكى سيبويه: اللهِ لأفعلن، يريد والله، وحكى غيره: كلا، الله لأفعلن، يريد: كلا والله، ومنه:

265 -

ألا رُبَّ مَنْ تغتشُّه لك ناصحٍ

ومؤتمن بالغيب غيرُ أمين

والرفع جائز، ومنعُ بعضهم له من جهة أنه لا خبر له ضعيف، إذ يصح تقديره: قسمي، ويجوز كونه مبتدأ يجعل الجلالة الخبر، كما تقدم قريباً.

(ولا يشارك في ذلك، خلافاً للكوفين) - فإذا حُذف جارُّ المقسمِ به لم يجز جرُّه، إلا إن كان اسم الله تعالى. هذا قول جمهور البصريين، وأجاز الكوفيون وبعض البصريين الجر في غيره، وعليه جرى الزمخشري، وفي الإفصاح أن أبا

ص: 307

عمرو حكى أن من العرب من يضمر حرف الجر مع كل قسم؛ كما أضمروا رُبَّ مع الواو وغيرها، وعلى طريق الجمهور، يجب في غير اسم الله النصب أو الرفع، ومنع الكوفيون النصب، وأوجبوا الخفض أو الرفع، قالوا: ولا يجوز النصب إلا في كعبة الله وقضاء الله، وأنشدوا:

266 -

لا كعبة الله ما هجرتكمُ

إلا وفي النفس منكمُ أربُ

(وليس الجرُّ في التعويض بالعوض، خلافاً للأخفش ومن وافقه) - بل هو بحرف محذوف، وإن كان لا يلفظ به، كما أ، النصب بعد الفاء والواو بأن لازمة الحذف. وفي البسيط أن قول الكوفيين. فإذا قلت: الله، فكأنك قلت: أبالله، وشبهة الأولين أن الواو في القسم عوض الباء، والتاء عوض الواو، ولا خلاف أن الجر بالواو والتاء.

(فإن ابتدئ في الجملة الاسمية بمتعين للقسم حذف الخبر وجوباً) - نحو: لعمرُ الله، وأيمُن الله، فالخبر محذوف وجوباً، ولا يجو زكون عمر وأيمُن خبرين، لدخول اللام، وليست اللام جواب قسم محذوف، بل هي لمجرد التأكيد، قيل: لأن القسم لا يدخل على القسم وأورد: (وليحلفُن إن أردنا إلا الحسنى)، وهو ضعيف.

(وإلا فجوازاً) - أي وإلا يكن متعيناً للقسم، كقول من لم يتعين عليه يمين: علي عهد الله، ويمين الله تلزمني، فيجوز حذف علي وتلزمني، ولا يجب الحذف.

ص: 308

وحكى سيبويه: عليَّ عهد الله، فلا أثر لإنكار بعض المتأخرين إظهاره.

(والمحذوف الخبر، إن عَرِيَ من لام الابتداء جاز نصبهُ بفعل مقدر) - نحو: عمْرَ الله، أي أحلف بعَمْر وعهد، ثم حذف الجار، فنصبهما الفعل. واستعمال عمْر دون لام قليل.

(وإن كان عمراً جاز أيضاً ضمُّ عينه) - نحو: عمرُك الله لقد كان كذا، والقياس جواز الضم أيضاً مع اللام، لكن التزمت العرب معها الفتح لأنه أخف (ودخول الباء عليه) - كقوله:

267 -

رقي بعمركم لا تهجرينا

ومنينا المُنى ثم امطلينا

(ويلزم الإضافة مطلقاً) - أي مع اللام ودونها، ويضاف إلى الظاهر والمضمر، ومعناه عند البصريين البقاء، وقال بعض الكوفيين والهروي: هو ضد الخلو، وقد سبق ذكر هذا المعنى في عمرتك الله، واختار هذا السهيلي؛ ورد الأول بأن العمر إنما هو للإنسان، ولا يضاف إلى الله، إنما يوصف بالبقاء؛ قال: وأيضاً فهم لا يحلفون ببقاء الله ولا قدمه.

(وإن كان ايمُن الموصول الهمزة، لزم الإضافة إلى الله غالباً) - احترز بالموصول من المقطوع الهمزة، جمع يمين، فيجوز فيه ما يجوز في مفرده من جره

ص: 309

بالحرف، ونصبه عند حذفه. ودليل أن همزة هذا للوصل، سقوطها بعد متحرك، قال:

268 -

فقال فريقُ القوم لما نشدتُهم

نعَمْ، وفريقُ ليْمُن الله ما ندري

وأطبقوا، إلا الرماني، على اسميته، وقال هو: إنه حرف جر؛ والجمهور على وجوب رفعه، وجوز ابن درستويه جره بواو القسم.

(وقد يضاف إلى الكعبة والكاف والذي) - نحو: ايمُن الكعبة لأفعلن، ومن كلام عروة بن الزبير: ليْمُنك لئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت، وفي الخبر أنه عليه السالم قال: "وايمُ الذي نفسي بيده

"، وأنشد الكسائي:

269 -

* ليْمُنْ أبيهم لبئس العِذرة اعتذروا *

ص: 310

فأضافه إلى الأب، وسكن نونه؛ وحكى المفضل تسكينها إن لم تلق ساكناً، وكسرها إن لقيته نحو: ليمُنِ الله؛ وعلى هذا هي مبنية، ومقتضى بنائها شبهها الحرف في لزوم حالة واحدة، وهي الابتدائية، ولذا فتحوا الهمزة.

(وقد يُقال فيه، مضافاً إلى الله، ايمُن وايمَن وآيمَن) - قال بعض المغاربة: ولا خلاف في أن المكسورة لاهمزة، همزتها للوصل، وسيأتي ذكر الخلاف في المفتوحتها، لكن مع ضم الميم.

(وآيْمُ) - بفتح الهمزة وضم الميم وحذف النون؛ ونقلت عن تميم.

(وايِمُ) - بكسر الهمزة وضم الميم وحذف النون؛ ونقلت عن سُليم.

(اِمُ) - بهمزة مكسورة وميم مضمومة، ونقلت عن أهل اليمامة،

(ومن مثلث الحرفين) - أي الميم والنون، قال الجوهري: وربما قالوا: مُنُ الله، بضم الميم والنون، ومَنَ الله، بفتحهما، ومِن الله، بكسرهما. انتهى.

قال بعض متأخري المغاربة: وينبغي أن يُعتقد في المفتوح النون والمكسورها أنه بُني على السكون، ثم حرك لالتقاء الساكنين، لأنهما من آيمن.

(وم مثلثاً) - حكى الكسائي والأخفش مُ الله، وحكى الهروي م الله، بالفتح.

(وليست الميم بدلاً من واو، ولا أصلها من، خلافاً لمن زعم ذلك) - وبالأول قال بعض النحويين إلحاقاً للميم بالتاء، فجعلهما معاً بدلين من واو القسم؛ ورد بأن لإبدال التاء من الواو في القسم نظائر في غيره، كاتصفَ

ص: 311

وتراث، ولم تبدل الميم من الواو إلا في موضع شاذ وهو فم، وفيه مع شذوذه خلاف، على أن كون التاء بدلاً من الواو في القسم غير مجمع عليه، فقد قال السهيلي بعدم بدليته، وبالثاني قال الزمخشري، زعم أنها من المستعملة مع رُبَّ فحذفت نونها، ورد بأن الميم لا تستعمل في الأشهر إلا مع الله، ومن لا تستعمل في الأشهر إلا مع الرب. واحترز بالأشهر من قول بعض العرب: م ربي، وقول بعضهم من الله؛ والذي نص عليه سيبويه أنها من ايم، قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم: واعلم أن بعض العرب يقول: مُ الله لأفعلن، يريد ايمُ الله.

(ولا أيمُن المذكور جمع يمين، خلافاً للكوفين) - لأن همزة الجمع مقطوعة وهذه موصولة، ولكسر بعضهم همزته، وفتح بعضهم الميم، وإفعل ليس في الجمع.

(وقد يُخبر عن الله مقسماً به بلك أو علي) - كقوله:

270 -

لك الله لا ألأفي لعهدك ناسياً

فلا تك إلا مثل ما أنا كائن

وقوله:

271 -

نهى الشيبُ قلبي عن صبا وصبابةٍ

ألا فعلي الله أو جدُ صابيا

أي لا أوجد.

(وقد يُبتدأ بالنذر قسماً) - كقوله:

ص: 312

272 -

عليَّ إلى البيت المحرم حجة

أوافي بها نذراً ولم أنتعل نعلا

لقد منحت ليلى المودة غيرنا

وإن لها منا المودة والبذلا

(فصل): (المقَسمُ عليه جملة مؤكدة بالقسم، تصدر في الإثبات بلام مفتوحة) - أي إذا كانت اسمية، كقوله تعالى:(ثم لنحنُ أعلمُ).

(أو إن مثقلة أو مخففة) - نحو: (إن سعيكم لشتى)، (إنْ كل نفسٍ لما عليها حافظ).

(ولا يستغنى عنها غالباً دون استطالة) - استظهر بغالباً على ما جاء عن أبي بكر، رضي الله عنه، والله أنا كنت أظلم منه؛ فإن طال ما بين القسم وجوابه قال المصنف: حسُن الحذف، كقول بعض العرب: أقسم بمن بعث النبيين مبشرين ومنذرين، وختمهم بالمرسل رحمة للعالمين، هو سيدهم أجمعين.

(وتُصدرُ في الشرط الامتناعي بلو أو لولا) - نحو: لو قام زيدٌ لقمت، أو لولا زيدٌ لأتيتك. وظاهر كلامه هنا أن لو ولولا وما دخلتا عليه جواب القسم، وكلامه في الجوازم على أن جواب القسم محذوف، أغنى عنه جواب لو أو لولا، وكلام المغاربة على أن الجواب للقسم، لا للوولا لولا، ويلزم مُضيه لإغنائه عن جوابهما.

(وفي النفي بما أو إن أو لا) - نحو: والله ما زيدٌ قائم، أو ما يقوم زيدٌ،

ص: 313

ووالله إن زيدٌ قائم، أو إن يقومُ زيدٌ، ووالله لا زيدٌ قائم ولا عمرو، أو لا يقوم زيدٌ.

(وقد تصدر بلن أو لم) - وهو نادر لا يقاس عليه، وقال ابن جني إنه ضرورة، قال أبو طالب:

273 -

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوارى في التراب دفينا

وحكى الأصمعي أنه قال لأعرابي: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالقِهم لم تَقُمْ عن مثلهم منجبة.

(وتُصدرُ في الطلب بفعله) - كقوله:

274 -

بعيشك يا سلمى ارحمي ذا صبابة

أبى غير ما يرضيك في السر والجهر

(أو بأداته) - نحو:

275 -

بربك هل للصب عندك رأفة

فيرجو بعدَ اليأس عيشاً مجدداً

(أو بإلا) - نحو:

276 -

بالله ربك إلا قلتِ صادقةً

هل في لقائك للمشغوف من طمع؟

ص: 314

(أو لما بمعناها) - نحو:

277 -

قالت له: بالله يا ذا البُرْدَين

لما غنثت نفساً أو اثنين

قال ابن دريد: غنث في الإناء نفساً أو نفسين إذا شرب منه، بفتح النون، وأنشد البيت

(وقد تدخل اللام على ما النافية اضطراراً) - كقوله:

278 -

لعمرك يا سلمى لما كنتُ راجياً

حياةً ولكن العوائد تخرق

(وإن كان أولُ الجملة مضارعاً مثبتاً مستقلاً غير مقارنٍ حرفَ تنفيس، ولا مقدَّم معموله، لم تُغنه اللام غالباً عن نون توكيد) - نحو: والله ليقومنَّ زيدٌ، قال تعالى:(قل: بلى وربي لتبعثُنَّ). واحترز بقوله: غالباً، من قول ابن رواحة، رضي الله عنه:

279 -

فلا وأبي لنأتيها جميعاً

ولو كانت بها عربٌ ورومُ

ص: 315

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني» . وهذا مخالف لقول جمهور البصريين، ويأتي تمام هذا.

وخرج بمضارع الماضي، فلا يصحب النون، وبمثبت المنفي، فلا يؤكد بها إلا فيما سيأتي، وبمستقبل الحال، فيكون باللام فقط، كقوله:

280 -

لئن تكُ قد ضاقت عليكم بيوتكم

ليعلمُ ربي أن بيتي واسعُ

وقيل: لا يُقسَمُ على الحال، لإغناء مشاهدته عن القسم، وحكى عن المبرد، ورُد بأنه قد يعوق عن المشاهدة عائق، والصحيح جوازه؛ ثم قال المغاربة: يُجعل الفعلُ خبر مبتدأ، أو يحول إلى فاعل ويُخبر به، فنقول: والله لأنا أقوم الآن، أو لأنا قائم، ونقل: والله لأقوم، وفيه نظر، وقرأ قنبل:(لأقسم بيوم القيامة).

وخرج المقارنُ حرف تنفيس، فيكون باللام فقط، قال تعالى:(ولسوف يعطيك ربك فترضى)، وأجاز البصريون قياساً على سوف: والله ليقوم زيدٌ، ومنعه الفراء، لتوالي أربع متحركات فيما هو ككلمة، إذ اللام كالجزء، ولذا قالوا: لَهْوَ، بتسكين الهاء كعضد، ورد عليه بقول العرب: والله لكذب

ص: 316

زيدٌ كذبا ما أحسب أن الله يغفر له، وحكم قد حكم سوف، فيكون باللام فقط نحو: والله لقد يقوم زيدٌ.

وخرج ما تقدم معموله، فباللام فقط، قال تعالى:(لإلى الله تُحشرون)، وقال الشاعر:

281 -

قسماً لحين تشبُّ نيران الوغى

يُلْقَى لديَّ شفاءُ كل غليل

(وقد يُستغنى به) - أي بالنون.

(عن اللام) - كقوله:

282 -

وقتيل مُرة أثأرن فإنه

فِرْغَ، وإن أخاكم لم يُثأرِ

ص: 317

وحاصل كلامه أنه يكثر في المضارع المثبت اللام والنون؛ وقد يستغنى بإحداهما عن الأخرى، وهذا خلاف قول جمهور البصريين: إنه يلزمه اللام والنون، إلا في ضرورة، وما ذكره صار إليه الفارسي، تبعاً للكوفيين.

(وقد يؤكد المنفي بلا) - كقوله:

283 -

تالله لا يُحمدن المرء مجتنباً

فعل الكرام، وإن فاق الورى حسبا

والأكثر أن لا يؤكد نحو: (لا يبعث الله من يموت).

(ويكثر حذف نافي المضارع المجرد مع ثبوت القسم) - نحو: (تالله تفتأ تذكر يوسف). وخرج بالمجرد المقترن بالنون، فلا تحذف لا معه للإلباس، إذ المتبادر حينئذ الإثبات. وقضية كلامه أن النافي يحذف مطلقاً، والسماع ورد مع لا، ومنع بعضهم حذف لا لعدم السماع، ولالتباس الحال بالمستقبل.

(ويقل مع حذفه) - أي حذف القسم، كقول النمر بن تولب:

284 -

وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم

يلاقونه حتى يؤوب المنخلُ

ص: 318

قدَّره المصنف: والله لا يلاقونه، قال: ولا يحذف عند حذف القسم إلا إذا تعين معنى النفي كالبيت، وبعضهم لم يحمل البيت على القسم، وقال: إن حذف لا فيه ضرورة، كما في قوله:

285 -

تنفك تسمع ما حييت بها لك حتى تكونه

والمنخل اسم شاعر، وهو بفتح الخاء المشددة.

(وقد يُحذف نافي الماضي إن أمن اللبسُ) - كقوله:

286 -

فإن شئت أليْتُ بين المقا

م والركن والحجر الأسود

نسيتُك ما دام عقلي معي

أمدُّ به أمدَ السرمد

وبعضهم يجعله ضرورة.

(ويكثر ذلك لتقدم نفي على القسم) - كقول المنخل:

287 -

فلا والله نادى الحيُّ ضيفي

هدوءاً بالمساءة والعلاط

ص: 319

أي لا نادى، وقد اجتمعا في قوله تعالى:(فلا وربك لا يؤمنون). يقال: علطه بشر إذا ذكره بسوء.

(وقد يكون الجواب مع ذلك) - أي مع تقدم نفي على القسم.

(مُبتاً) - نحو: (إنه لقرآن كريم)، وهو كثير، فلا يحسن قوله: قد لما يشعر به من التقليل استعمالاً.

(وقد يُحذف لأمن اللبس نافي الجملة الاسمية) - والمغاربة منعوا حذفه، واستشهد المصنف بقوله:

288 -

فوالله ما نِلْتُم وما نيل منكم

بمعتدلٍ وفقٍ ولا متقاربِ

ص: 320

قال: أراد: ما ما نلتم، فحذف النافية، وأبقى الموصولة، ويجوز على مذهب الكوفيين كون الباقية النافية، ويمتنع ذلك على مذهب البصريين.

(وقد يكون الجواب قسماً) - مثل بقوله تعالى: (وليحلفُن إن أردنا إلا الحسنى) أي والله ليحلفُنَّ، ومنع بعض المغاربة وقوع القسم جواب قسم.

(ولا يخلو، دون استطالة، الماضي المثبتُ المجابُ به من اللام مقرونة بقد أو ربما أو بما مرادفتها، إن كان متصرفاً) - فإن وجدت استطالة جاز حذف اللام نحو: (قُتِلَ أصحابُ الأخدود)، جواباً لقوله:(والسماء ذات البروج)؛ وخرج المنفي، فلا تصحبه اللام إلا ضرورة، كما تقدم؛ واللام مع قد نحو:(لقد آثرك الله علينا)، ومع ربما، نحو:

289 -

لئن نزحت دار لليلى لربما

غنينا بخير والديارُ جميعُ

ومع بما، كقول عمر بن أبي ربيعة:

290 -

ولئن بان أهلُهُ

لبما كان يوهلُ

ص: 321

أي لربما.

(وإلا فغيرُ مقرونة) - أي وإلا يكن متصرفاً فاللام غير مقرونة بما ذكر نحو:

291 -

* لعمري لنعم الفتى مالك *

(ونحو):

292 -

* لعمري لنعم الحيُّ جر عليهم *

(وجاء المتصرف أيضاً باللام فقط) - ومنه (لظلوا من بعده)، ومن كلام امرأة من غفار:"والله لنزل النبي، صلى الله عليه وسلم"؛ وحكى سيبويه: والله

ص: 322

لكذب، ولا يجوز حذف اللام وقد، وقال بعضهم: ولابد مع اللام من قد، ظاهرة أو مقدرة.

(وقد يلي لقد ولبما المضارعُ الماضي معنى) - كقوله:

293 -

لئن أمست ربوعهم يباباً

لقد تدعو الوفود لها وفودا

وقوله:

294 -

فلئن تغير ما عهدتُ وأصبحت

صدقتْ فلا بذلٌ ولا ميسور

لبما يُساعفُ في اللقاء وليها

فرحٌ بقرب لقائها مسرور

(ويجب الاستغناء باللام الداخلة على ما تقدم من معمول الماضي) - فلا يقرن بقد، كقول أم حتم:

295 -

لعمري لقدماً عضني الجوعُ عضةً

فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا

(كما استغنى) - أي عن النون.

ص: 323

(بالداخلة على ما تقدم من معمول مضارع) - كقوله تعالى: (لإلى الله تُحشرون) وشذ عدمُ الاستغناء في قوله:

296 -

ولبعدهُ لا أخلدن، وما له

بدلٌ إذا انقطع لإخاء فودعا

وفي البيت شذوذ آخر، وهو دخولها على جواب منفي، قال المصنف: فلو كان مثبتاً كان دخولها عليه مع تقدم اللام أسهل، أي مع تقدها داخلة على المعمول.

(فصل): (وإذا تولى قسمٌ وأداة شرط غير امتناعي، استغني بجواب الأداة مطلقاً، إن سبق ذو خبر) - وقد ذكر المسألة أيضاً في الجوازم، فتقول: زيدٌ والله إن يقم أقم، وزيدٌ إن يقم والله أقم؛ فتجيب الشرط، تقدم أو تأخر؛ وكلام غيره على أن ذلك لا يتعين، بل يجوز؛ واحترز بغير الامتناعي من لو ولولا، فالجواب لها مطلقاً نحو: والله لو أتيتني لفعلت، ولو أتيتني والله لفعلت؛ وكذا إن سبق ذو خير؛ وبعض المغاربة قال عند تقدم القسم: إنه يحذف جواب لو ولولا لدلالة جواب القسم عليه.

ص: 324

(وإلا فبجواب ما سبق منهما) - أي وإلا يسبق ذو خبر، فتقول: والله إن جئتني لأخرجن، وإن جئتني والله أخرجْ.

(وقد يغني حينئذ جوابُ الأداة مسبوقة بالقسم) - كقول ذي الرمة:

297 -

لئن كانت الدنيا عليَّ كما أرى

تباريح من ميِّ فللموتُ أروحُ

وأجاز هذا الفراء ومنعه الجمهور.

(وقد يُقْرَنُ القسمُ المؤخر بفاء فيغني جوابه) - نحو: إن جئتني فوالله لأخرجن؛ وليس للشرط جواب محذوف أغنى عنه جواب القسم، كما يقتضيه ظاهر كلام المصنف، وإنما جواب الشرط القسم وجوابه.

(وتقرنُ أداة الشرط) - أي سواء كانت إنْ أو غيرها، إلا أن ذلك مع إنْ كثير.

(المسبوقة) - أي بقسم ملفوظ به نحو: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن)، أو مقدر نحو:(لئن لم ينته المنافقون)؛ ومن غير إنْ:

298 -

لمتى صلحْتَ ليُقضينْ لك صالحٌ

ولتجْزينَّ إذا جُزيتَ جميلا

ص: 325

(بلام مفتوحة تسمى الموطئة) - لأنها وطأت الجواب للقسم الذي قبلها، وتسمى المؤذنة أيضاً، لأنها آذنت بالقسم.

(ولا تُحذف والقسمُ محذوف إلا قليلاً) - والمغاربة يقولون: أنت فيها بالخيار؛ وقال سيبويه: لابد من هذه اللام مظهرة أو مضمرة؛ ومن حذفها: (وإن لم ينتهوا)، (وإن أطعمتموهم)، (وإن لم تغفر لنا)، وقال بعض المغاربة: إن الجواب إذا كان منفياً لا تحذف اللام، لعدم ما يدل على القسم؛ قال تعالى:(لئن أخرجوا لا يخرجون .. ) الآية.

(وقد يُجاء بلئن بعد ما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة اللام) - كقول عمر بن أبي ربيعة:

299 -

ألمِمْ بزينب إن البين قد أفدا

قل الثواء لئن كان الرحيل غدا

لام لئن زائدة، وما قبلها دليل جواب الشرط المحذوف.

(فصل): (لا يتقدم على جواب قسم معموله إلا إن كان ظرفاً أو جاراً ومجروراً) - فلا تقول: والله زيداً لأضربن، وتقول: والله عندك، أو

ص: 326

في الدار، لأقومن؛ قال تعالى:(عما قليل ليُصبحُنَّ)، وقال:

300 -

رضيعي لبان ثدي أم تحالفا

بأسحم داج عوضُ لا نتفرق

والمغاربة نصوا على المنع مطلقاً، في المثبت والمنفي بما، وإن اختلفوا في المنفي بلا، وصححوا المنع مطلقاً، وفي البسيط: هذه اللام لا يعمل ما بعدها في ما قبلها؛ وأجازه الفراء وأبو عبيدة.

(ويستغنى للدليل، كثيراً، بالجواب عن القسم) - نحو: لأفعلن كذا، ولقد فعلت كذا، وفي: لزيدٌ منطلقٌ خلاف: البصريون: هي لام الابتداء، والكوفيون: لام القسم.

ص: 327

(وعن الجواب بمعموله) - نحو: (يوم ترجفُ الراجفة)

(أو بقسم مسبوق ببعض حروف الإجابة) - وهي: بلى ولا ونعم ووإيْ وكذا إن، في قولٍ، وأجل وجير، ومنه:(بلى وربنا).

(والأصح كونُ جَيْر منها، لا اسماً بمعنى حقاً، وقد تفتح راؤها) - مذهب قوم منهم سيبويه أن جير اسم، واستدل بتنوينها، وقال المصنف: الأصح أنها حرف بمعنى نعم، لا سام بمعنى حقا، لذا بُنِيَتْ.

(وربما أغنت هي ولا جرم عن لفظ القسم مُراداً) -

301 -

قالوا: قُهشرت، فقلت: جَيْر ليُعْلَمنْ

عما قليل أينا المقهورُ

وحكى الفراء عن العرب: لا جرم لآتينك.

(وقد يُجابُ بجيْر دون إرادة قسم) - كما يجاب بأخواتها إلا إي فإنها لا تستعمل إلا مع القسم.

* * *

ص: 328