المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌36 - باب اسم الفاعل - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌36 - باب اسم الفاعل

‌36 - باب اسم الفاعل

(وهو الصفة) -وهذا يتناول اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأمثلة المبالغة، دون الأسماء الجامدة.

(الدالة على فاعل) - أخرج اسم المفعول وما بمعناه نحو: درهم ضَرْبُ الأمير؛ أي مضروبه.

(جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها) - أي في الحركات والسكنات؛ فأخرج غير الجاري كسهل وكريم، والجاري على الماضي لا المضارع كفَرِح ويقِظ، وأخرج باب أهيف وأعمى، فإنما جرى على المضارع في التذكير دون التأنيث، لأن مؤنثه على فعلاء، بخلاف اسم الفاعل فإنه جار فيهما. لأن التاء في نية الانفصال، وأخرج أمثلة المبالغة.

(لمعناه أو معنى الماضي) - أي لمعنى المضارع من الحال والاستقبال، فخرج باب ضامر الكشح، ومنطلق اللسان، فلا ينوي به استقبال ولا مُضيّ، بل المراد معنى ثابت، ولذا أضيف إلى الفاعل معنى، كالصفة التي لا تجري على المضارع، فيقال: ضامر الكشح كما يقال: لطيف الكشح.

(ويوازن في الثلاثي المجرد فاعلاً) - أي المجرد من حروف الزيادة نحو: ضرب فهو ضارب، وسلم فهو سالم، وفره فهو فاره، وسيأتي بيان المقيس وغيره بباب أبنية الأفعال.

ص: 188

(وفي غيره) - أي غير الثلاثي المجرد.

(المضارع مكسوراً ما قبل الآخر، مبدوءاً بميم مضمومة) - نحو: مُدحرِج ومُكرِم، وكذا الباقي.

(وربما كسرت) - أي الميم.

(في مُفعِل) - قالوا: أنتنَ فهو مِنْتِن، بكسر الميم إتباعاً للعين.

(وربما ضمت عينُ مُنفعِل مرفوعاً) - حكاه ابن جني وغيره في مُنحدر.

(وربما استغني عن فاعل بمُفعِل) - قالوا: حبَّه فهو مُحِب، ولم يقولوا: حاب.

(وعن مُفعَل بمفعول فيما له ثلاثي) - قالوا: أحبه فهو محبوب، وندر مُحَبٌّ في قوله:

134 -

* مني بمنزلة المُحَبِّ المكرَمِ *

ص: 189

(وفيما لا ثلاثي له) - قالوا: أرَقه أي ملكه، فهو مرقوق.

(وعن مُفعِل بفاعل ونحوه) - قالوا: أيفع الغلام إذا شبَّ فهو يافع، والقياس: موفع، على أنه سُمع: يفَع الغلام، وقالوا: أورق الشجر فهو وارق، والقياس مورق، وقالوا: أعقت الفرس فهي عقوق إذا حملت، قال القالي: ولا يقال: مُعِق.

(أو بمُفعَل) - قالوا: أسهب الرجل في الكلام إذا أكثر فهو مُسْهَب، وألفَج ذهب ماله فهو مُلفَج، وفي الحديث:"ارحموا مُلْفَجَكم".

(وعن فاعل بمُفعِل أو مِفعَل) - قالوا عَمَّ الرجل بمعروفه، ولمَّ متاع البيت، فهو مُعِمٌّ ومِعَمٌّ، ومُلِمٌّ ومِلَمٌّ، ولم يُقل بهذا المعنى عامٌّ ولا لامٌّ، ولا نظير لهما. حكاه ابن سيدة.

(وربما خلف فاعلٌ مفعولاً) - كقوله:

135 -

لقد عيل الأيتام طعنةُ ناشرهُ

أناشر لا زالت يمينك آشرهُ

أي مأشورة، والمأشورة المقطوعة بالمنشار، وناشرة اسم رجل.

ص: 190

(ومفعولٌ فاعلاً) - قالوا: قطَّ الشعرُ علا فهو مقطوط، ولم يقولوا: قاط، ذكره ابن سيدة، وهو نادر. وأثبت بعضهم في كاسٍ كونه بمعنى مكسو، والأصح أنه اسم فاعل من الرجل، كقوله:

136 -

* وأن تَعرَين إن كُسِيَ الجواري *

(فصل): (يعمل اسم الفاعل غيرُ المصغر والموصوفُ، خلافاً للكسائي) - في المسألتين، وبقوله أخذ أبو جعفر النحاس في المصغَّر، وباقي الكوفيين في المسألتين إلا الفراء، فإن مذهبه كمذهب البصريين، وهو أن المصغر لا يعمل، فلا تقول: هذا ضويربٌ زيداً، بالنصب، بل تجب الإضافة، وكذا الموصوف قبل العمل، فلا تقول: هذا ضارب عاقلٌ زيداً، فإن أخذ معموله جاز أن يوصف، فتقول: هذا ضاربٌ زيداً عاقلً، ومحل الخلاف في المسألتين الإعمال في المفعول، ومن هذا يخرج أن ما استدل به الكسائي على إعمال المصغر

ص: 191

من قول العرب: أظنني مرتحلاً وسويراً فرسخاً، ليس بحجة للمدعي، لأنه إنما عمل في الظرف، وأما الاستدلال على إعماله بعد الوصف بقوله:

137 -

وقائلة تخشى عليَّ: أظنُّه

سيودي به ترحالُه وجعائله

فخُرِّج على أن تخشى حال من الضمير المستكن في اسم الفاعل، أو على أن أظنه معمول لمحذوف، أي قالت أو تقول: أظنه.

(فرداً وغير مفرد) - فلا تمنع تثنيته ولا جمعُه سلامة ولا تكسيراً إعماله، فتقول: هذان ضاربان زيداً، وهؤلاء ضاربون أو ضاربات أو ضواربٌ عمراً، كما تقول: هذا ضاربٌ عمراً. وفرقوا بين التصغير والتكسير، مع أنهما معاً من خواص الأسماء بأن التكسير جاء بعد استقرار العمل، فيكسر بسبب الجريان، وفيه نظر؛ ومن هنا نزع النحاس إلى قول الكسائي.

(عمل فعله مطلقاً) - فإن كان الفعل لازماً أو متعدياً لواحد أو لغيره كان اسم الفاعل كذلك نحو: هذا قائم أبوه، وضاربٌ عمراً، ومُعطٍ زيداً درهماً، ومُعْلِمٌ خالداً عمراً مقيماً.

(وكذا إن حُوِّل للمبالغة من فاعل إلى فعَّال) - نحو ما حكى سيبويه من قولهم: أما العسل فأنا شراب.

(أو فَعُول) - نحو ما روى الكسائي من قولهم: أنت غيوظً، ما علمتُ، أكبادَ الرجال.

ص: 192

(أو مِفْعال) - كقول بعض العرب: إنه لمنحارٌ بَوائكها، أي ينحرسمان الإبل، يريد المبالغة في الوصفية بالجود.

(خلافاً للكوفيين) - في منع إعمال أمثلة المبالغة، وهي خمسة، الثلاثة المذكورة، وما سيأتي من فعيل وفَعِل، قالوا لزيادتها بالمبالغة على الفعل، إذ لا مبالغة فيه، وزعموا أن ما جاء منصوباً معها على إضمار فعل يفسره المثال، أي تغيظ أكباد الرجال، وكذا الباقي؛ قالوا: ولذا لا يجوز تقديم المنصوب بعد هذه الأمثلة، ورد الأول بكثرة ورود المنصوب معها نثراً ونظماً، والأصل عدم التقدير؛ والثاني بسماع التقديم، ومنه ما سبق في عمل فعَّال، ومذهب سيبويه جواز إعمال الخمسةن ومنع المازني والزيادي والمبرد وأكثر البصريين إعمال فعيل وفعِل، وأجاز الجرمي إعمال فعِل، وخالف في فعيل، والصحيح مذهب سيبويه، إلا أن إعمال فعِل وفعيل قليل، وهذا هو الذي جرى عليه في الكتاب.

(وربما عمل محولاً إلى فعيل) - كقول بعض العرب: إن الله سميعٌ دعاء من دعاه، وحكى اللحياني في نوادره: إن الله سميعٌ دعائي ودعاءَك.

(وفَعِل) - كقول زيد الخيل:

138 -

* أتاني أنهم مَزِقون عرضي *

ص: 193

وقال:

139 -

حذرٌ أموراً لا تضير وآمنٌ

ما ليس يُنجيه من الأقدار

أعمل مَزِقاً وهو محول للمبالغة من مازِق، يقال: مزقت الثوب أمزقه مزقاً مزقته، وحذِر محول من حاذر.

(وربما بُني فعَّال ومِفعال وفعيل وفعول من أفعلَ) - قالوا: درَّاك من أدرك، ومعطاء من أعطى، ونذير من أنذر، وزهوق من أزهق، قال:

140 -

جهولٌ وكان الجهلُ منها سجيةٌ

غشَمْشَمةٌ للقائدين زهوق

أي كثيرة الإزهاق لمن يقودها، يصف ناقة، وغشمشة عزيزة النفس.

(ولا يعمل غير المعتمد) - هذا مذهب جمهور البصريين، وأجاز الأخفش والكوفيون إعمال غير المعتمد، واستدل الأخفش بقوله تعالى:(ودانية عليهم ظلالها) في قراءة من رفع دانية، فقال: هو مبتدأ يتعلق به عليهم، وظلالها فاعله، ورد بجواز كون ظلالها مبتدأ خبره دانية.

ص: 194

(على صاحب مذكور) - وهذا يشمل الخبر والنعت والحال نحو: زيدٌ مكرمٌ رجلاً طالباً العِلَم محققاً معناه؛ ويدخل في الخبر ما صحب الناسخ نحو: كان زيدٌ ضارباً عمراً.

(أو منوي): كقوله:

141 -

وما كلُّ ذي لُبٍّ بمؤتيك نصحه

وما كل مؤتِ نصحه بلبيب

(أو على نفي صريح) - نحو: ما ضاربٌ زيدٌ عمراً.

(أو مؤول) - كقوله:

142 -

وإن امرأ لم يُعْنَ إلا بصالح

لغيرُ مُهين نفسه بالمطامع

(أو استفهام موجود) - نحو: أضاربٌ أنت زيداً؟

(أو مقدر) - كقوله:

143 -

ليت شعري مقيمٌ العذرَ قومي

أم هُم في الحب لي عاذلونا

التقدير: أمقيم. وذكر المصنف في غير هذا الكتبا الاعتماد على النداء، وأنشد له شاهداً:

ص: 195

144 -

فيا موقداً ناراً لغيرك ضوءُها

ويا حاطباً في غير حبلك تحطبُ

وقال ابنه: المسوغ فيه الموصوف المقدر لا حرف النداء، لأنه ليس كالاستفهام والنفي في التقريب من الفعل، لأن النداء من خواص الأسماء.

(ولا الماضي) - وهذا قول البصريين، لأن اسم الفاعل عمل لشبهه بالمضارع، فيعمل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، لا إذا كان بمعنى الماضي، فلا تقول: هذا ضاربٌ زيداً أمس، بنصب زيد، بل تجب إضافته.

(غيرُ الموصول به ال) - فتقول: هذا الضاربُ زيداً أمس؛ لأنه واقع موقع الفعل، لأن حق الصلة الفعل، فعمل بالنيابة لا بالشبه، ولذلك يعطف الفعل عليه، قال تعالى:(وأقرضوا الله قرضاً حسناً) بعد قوله: (إن المصدقين والمصدقات)؛ ويرجع إلى الفعل عند الضرورة نحو:

145 -

* ما أنت بالحكم الترضى حكومته *

ص: 196

وتوافق البصريون والكوفيون على جواز إعماله بمعنى الماضي مع ال الموصولة إلا ما شذَّ من مقالة ستأتي، فلو لم تكن ال موصولة، بل كانت لمجرد التعريف لم تعمل في المفعول به ماضياً عند البصريين، ولذا قال المصنف: غير الموصول، ولم يقل: غير المقرون.

(أو محكي به الحال) - كقوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)، فباسط إخبار عن ماض، وإنما عمل لقصد حكاية الحال الماضية، قالوا: وفي قوله: (وكلبهم باسط) واو الحال، وباسط واقع موقع يبسط لحكاية الحال، إذ يقال: جاء زيدٌ وأبوه يضحك، ولا يحسن: وأبوه ضَحِكَ.

(خلافاً للكسائي) - في إجازته إعمال اسم الفاعل بمعنى الماضي في غير الموضعين المذكورين، وهو أيضاً قول هشام وأبي جعفر بن مضاء، واحتجوا بأن عمل اسم الفاعل لكونه في معنى الفعل، ورد بالمنع، بل عمله لمشابهته له في عدد الحروف، وموازنته في الحركات والسكنات مع موافقة لمعنى، واحتجوا بالسماع ومنه (باسط ذراعيه)، ورد بما سبق من حكاية الحال، ويقول العرب: هذا مارٌّ بزيدٍ أمسِ وسوير فرسخاً، ورد بأن المجرور والظرف يعمل فيهما اللفظ المحتمل للفعل، وإن لم يكن مشتقاً، فاسم الفاعل بمعنى الماضي أحرى، ويدل على بطلان هذا المذهب الوصف بالمعرفة، قال:

146 -

لئن كنتَ قد بُلِّغتَ عني خيانةً

لمبلغُك الواشي أغشُّ وأكذبُ

ص: 197

فَمبلغك بمعنى الماضي، والواشي صفته، ولو عمل مبلغ لم يتعرف، بل كان نكرة، ولا يوجد في لسانهم: مررت بضاربِ هندٍ أمسِ ضاحكٍ؛ وهذا الخلاف في نصبه المفعول، فأما الرفع به للظاهر ونحوه فذهب بعضهم إلى منعه، وبه قال ابن جني، وبعضهم إلى إجازته، واختاره ابن عصفور، وحكى هو الاتفاق على رفعه المضمر المستتر، وليس كذلك، بل هو قول الجمهور، ومنعه ابن طاهر وابن خروف.

(بل يدل على فعل ناصبٍ لما يقع بعده من مفعول به يُتوهم أنه معموله) - فإذا لم يؤول باسط بحكاية الحال أمكن كون ذراعيه منصوباً بيبسط مدلولاً عليه بباسط، وعلى ذلك خرج ابن طاهر ما استشهدوا به من قولهم:

147 -

* بالغٌ ديار العدو

البيت

فجعل التقدير: يبلغ ديار العدو؛ واختلف البصريون في مسألة من اسم الفاعل بمعنى الماضي، وهي: هذا ظانُّ زيدٍ أمسش قائماً ونحوه، مما يتعدى إلى أكثر من واحد، فذهب الجرمي والفارسي والجمهور، وعليه جرى المصنف، إلى أن قائماً منصوب بفعل دل عليه اسم الفاعل الماضي، أي ظنه قائماً، وذهب السيرافي والأعلم وأبو عبد الله ابن أ [ي العافية وأبو علي الشلوبين إلى أن قائماً منصوب بظان المذكور وإن كان ماضياً، لقوة شبهه هنا بالفعل، من حيث طلبه ذلك المعمول، ولا يمكن إضافته إليه، فصار كالموصول به الن إذ هو معرفة مثله.

(وليس نصبُ ما بعد المقرون بال مخصوصاً بالمضي، خلافاً للرُّمَّاني ومن وافقه) - فيعمل اسم الفاعل المقرون بال ماضياً ومستقبلاً وحالاً، خلافاً لقوم

ص: 198

منهم الرماني، وليس في تقدير سيبويه له بالذي فعل حجة لهم، فالمقصود به بيان الزائد مع ال، وهو العمل وهو ماض، لأنه كان يعمل قبلها حالاً ومستقبلاً، فلم يحتج إلى بيان ما تقرر له، بل بين ما لم يكن ثابتاً قبلُ. ويرد عليهم قوله تعالى:(والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيراً والذاكرات)، هكذا قيل، وفيه بحث، ورد عليهم أيضاً بقوله:

148 -

إذا كنت معنياً بمجدٍ وسؤددٍ

فلا تك إلا المجمل القول والفعلا

وقوله:

149 -

الشاتميْ عرضي ولم أشتمهما

والناذرين إذا لم ألقهُما دمي

(ولا على التشبيه بالمفعول به، خلافاً للأخفش) - في زعمه أن ال ليست موصولة، وإنما هي حرف تعريف، فيبعد الوصف بها عن الفعل لكونها من خواص الاسم كالتصغير والوصف، فالمنصوب بعده مشبه بالمفعول مثل: الحسن الوجه. ورد بأن المشبه إنما يكون سببياً، وهذا ينصب الأجنبي أيضاً نحو: مررت بالضارب غلامَه والضارب زيداً؛ وقال أصحاب الأخفش: هو مشبه إن كانت ال للعهد لا إن كانت موصولة.

ص: 199

(ولا بفعل مضمر، خلافاً لقوم) - فإذا قلت: هذا الضارب زيداً، فالتقدير عندهم: ضرب أو يضرب زيداً، وهي دعوى لا دليل عليها؛ وقول ابن المصنف: إن إعمال اسم الفاعل بال ماضياً أو حاضراً أو مستقبلاً جائز مرضي عند جميع النحويين، لا يخفى ما فيه بعد معرفة ما تقدم.

(فصل): (يضاف اسمُ الفاعل المجردُ) - أي من الألف واللام، ودخل في العبارة المثال: فعال وإخوانه، لصدق اسم الفاعل عليها.

(الصالحُ للعمل) - خرج المراد به الماضي، فليس فيه نصب لمتعلقه، بل يجب إضافته نحو: هذا ضاربُ زيد أمس، وهذان ضارباه أمس.

(إلى المفعول به) - نحو: هذا ضاربُ زيدٍ الآن أو غداً، والأصل: ضاربٌ زيداً بالنصب. وظاهر كلام سيبويه أن النصب أولى من الجر؛ وقال الكسائي: هما سواء؛ ودخل في العبارة خبر كان لصدق المفعول عليه كما سبق في بابه، فتقول: هذا كائن أخيك، بالإضافة أو النصب، والإضافة من نصب، ولولا ذلك لم يجز، لأن الكائن هو الأخ، فكان يلزم إضافة الشيء إلى نفسه، فقولك كائن أخيك بالإضافة دليل على ذلك.

(جوازاً إن كان ظاهراً) - كما سبق تمثيله، وقال تعالى:(هدياً بالغ الكعبة)، و (غير مُحلي الصيد)، والنصب جائز، قال تعالى:(والله مخرج ما كنتم تكتمون)، (ولا آمين البيت الحرام).

ص: 200

(متصلاً) - أي باسم الفاعل، وأخرج المفصول منه، فإنه يجب نصبه إلا ما شذَّ، كما سيأتي، قال تعالى:(إني جاعلٌ في الأرض خليفة).

(ووجوباً إن كان ضميراً متصلاً) - نحو: زيدٌ مكرمُك، ولزيدان مكرماك، والزيدون مكرموك؛ فالكاف في موضع جر عند سيبويه والمحققين، فإن لم تتصل فالنصب كقوله:

150 -

لا ترْجُ أو تَخْشَ غير الله إنَّ أذىّ

واقيكه الله لا ينفكُّ مأموناً

فالهاء في موضع نصب، لفصله من اسم الفاعل بالكاف؛ وأورد عليه معمول اسم الفاعل من كان الناقصة، فإنه يجوز جرُّه ونصبه مع الاتصال بالوصف نحو: المحسن زيد كائنه أو كائن إياه، والجواب أن حمل الاتصال هنا على ما يشمل مقابل المنفصل من المضمر والمفصول من اسم الفاعل، أو يحمل هذا على الأول، ويفهم الثاني من اشتراطه الاتصال في جر الظاهر كما سبق.

(خلافاً للأخفش وهشام في كونه منصوب المحل) - زاعمين أن التنوين في مكرمك، والنون في مكرماك، حُذِفا لصون الضمير عن الانفصال، والضمير منصوب، إذ لا دلالة على الجر؛ ورد باعتبار المضمر بالظاهر، فكما أن الظاهر يجرُّ، كذلك المضمر، وأجاز هشام إثبات التنوين نحو: ضاربُنَّك، والنون نحو: ضاربانك. قال:

ص: 201

151 -

* أمُسْلُمني للموت أنت فميت *

وقال غيره: إنما جاء في الشعر ويمتنع في الكلام.

(وشذ فصلُ المضاف إلى الظاهر بمفعول) - كقراءة من قرأ: (مُخْلِفَ وعده رسُلِه) بنصب وعده وجر رسله.

(أو ظرف) - كقوله:

152 -

رُبَّ ابن عم لسليمي مُشْمَعِلْ

طباخِ ساعاتِ الكرى زادَ الكسلْ

فصل بين المثال وما أضيف إليه بساعات الكرى. يقال: اشمعلَّ القومُ في الطلب اشمعلالاً: إذا بادروا.

(ولا يضاف المقرون بالألف واللام إلا إذا كان مثنى أو مجموعاً على حدَّه) - فيجوز في هذين الإضافة إلى المفعول، نكرة ومعرفة، بشرط الاتصال بالوصف، قال تعالى:(والمقيمي الصلاة)، وقال الشاعر:

153 -

إنْ يَغْنَيا عنيّ المستوطنا عدنٍ

فإنني لستُ يوماً عنهما بغني

ص: 202

فإن لم يتصل به فالنصب؛ ويجوز في المتصل النصب على طرح النون للطول، وقرأ الحسن وبعض رواة أبي عمرو:(والمقيمي الصلاة) بنصب الصلاة، والجرُّ هو الأكثر. واحترز بقوله: على حده من جمع التكسير وجمع السلامة المؤنث، فحكمهما حكم المفرد.

(أو كان المفعول به معرفاً بهما) - نحو: الضاربُ الرجل.

(أو مضافاً إلى المعرف بهما) - نحو: الضارب غلامَ الرجلِ.

(أو إلى ضميره) - أي أو كان المفعولُ مضافاً إلى ضمير المعرف بهما نحو: الرجلُ أنت الضاربُ غلامَه. وقال المبرد: لا يجوز في هذه الجرُّ، بل يتعين النصب. ورد عليه بقوله:

154 -

الودُّ أنتِ المستحقةُ صفْوِه

منِّي وإن لم أرجُ منك نوالا

روى بإضافة المستحقة إلى صفوه، والأفصح في هذه المسائل الثلاث النصب.

ص: 203

(ولا يغني كون المفعول به معرفاً بغير ذلك) - أي غير الثلاثة المذكورة، كتعريف العلمية والإشارة والإضمار؛ ولا تجوز الإضافة في قولك: الضاربُ زيداً، والضاربُ ذينك، والضاربك، بل يتعين النصب إذ لا مقتضى للجر.

(خلافاً للفراء) - في إجازته الجر في الثلاثة، ولا مستند له في ذلك من نثر ولا نظم.

(ولا كونه ضميراً، خلافاً للرماني والمبرد في أحد قوليه) - فإذا قلت: هذا الضاربُك أو هؤلاء الضواربُك، فمذهب سيبويه والأخفش أن الكاف في موضع نصب، والفراء يجيز الجر والنصب كما سبق، والمبرد في أحد قوليه والرماني يلزمان الجر، وتبعهما الزمخشري، مع منعه جر الظاهر المعرَّف بغير الثلاثة السابقة، فإن قلت: هذان الضارباك أو هؤلاء الضاربوك، جاز كونُ الكاف في موضع نصب، ويكون سقوط النون للطول، وكونُها في موضع جر، ويكون سقوطالنون للإضافة؛ وقال المصنف: إن الوجهين جائزان في هذا بإجماع، وليس كذلك، بل جوازهما قول سيبويه، وقال الجرمي والمازني والمبرد وجماعة: هو في موضع جر فقط، إذ الأصل سقوط النون للإضافة فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره كما في نحو قولك: هذان الضاربا زيداً بنصب زيد.

(ويُجَرُّ المعطوفُ على مجرور ذي الألف واللام إن كان مثله) - نحو: جاء الضاربُ الغلامِ والجاريةِ.

(أو مضافاً إلى مثله) - نحو: جاء الضاربُ الغلام وجارية المرأة.

(وإلى ضميره) - نحو: جاء الضارب المرأة وغلامها. والمسألة الأولى متفق عليها، وحكى المصنف الاتفاق أيضاً في الثانية والثالثة، وحكى ابن عصفور عن املبرد منع الجر في الثالثة وتعين النصب، وحكى الشلوبين عنه جواز الجر فيها، وروى بالوجهين قوله:

ص: 204

155 -

* الواهب المائةِ الهجانِ وعبدِها *

يروي بنصب عبد وجرِّه، وحكى أيضاً عن المبرد منع الجرِّ في الثانية.

ص: 205

(لا إن كان غير ذلك، وفاقاً لأبي العباس) - كأن يكون المعطوف علماً، أو اسم إشارة، أو مضافاً إلى معرفة غير مصحوبة بال؛ فلا يجوز عند المبرد جرُّ زيدٍ في قولك: هذا الضاربُ الرجل وزيد، لعدم صحة: الضاربُ زيد، وأجاز ذلك سيبويه، وممن حكاه عن سيبويه المصنف والشلوبين؛ وظاهر كلام سيبويه أنه سماع من العرب، فإنه قال: منق ال: هذا الضاربُ الرجل، قال: هذا الضاربُ الرجل وعبد الله؛ ووجهه أنه يحتمل في التابع ما لا يحتمل في المتبوع؛ ولهذا جاز: رُبَّ رجل وأخيه. وتفصيل القول في تابع معمول اسم الفاعل الصالح لنصب المفعول بتلخيص: أن المعمول إن كان منصوباً نصب التابع نحو: هذا مكرم زيداً وعمراً، وأجاز الكوفيون والبغداديون الجر مستدلين بقول امرئ القيس:

156 -

فظلَّ طُهاةُ اللحم ما بين منضج

صفيف شواءٍ أو قديرٍ معجلِ

ص: 206

قالوا: جُرَّ قدير عطفاً على موضع صفيف، إذ يجوز خفضه بإضافة منضج؛ وخُرِّج على تقدير: منضج، أي ومنضج قدير، وأو بمعنى الواو لأجل بين، وإن كان المعمول مخفوضاً، والتابع نعت أو توكيد، فقيل: يجرُّ فقط نحو: هذا ضاربُ زيدٍ العاقل نفسه، وقيل: ينصب أيضاً؛ وعطف البيان كالنعت، وإن كان التابع بدلاً أو عطف نسق، فالوصف إن عري من ال فالجرُّ نحو: هذا ضاربُ زيدٍ أخيك وعمرو، ويجوز النصب ند من لم يشترط المحرز كالأعلم فيقول: أخاك وعمراً، ومن شرطه منع النصب، فإن نصب في العطف أضمر له ناصباً، وهو ظاهر قول سيبويه؛ وإن قرن بالوصف بال مثنى أو جمع سلامة لمذكر فالجر والنصب، ذكره ابن عصفور والأبدي، فتقول: هذان الضاربا زيدٍ أخيك وعمروٍ، وهؤلاء الضاربو زيدٍ أخيك وعمرو، وإن شئت أخاك وعمراً، وفي جواز النصب نظر بناء على اشتراط المحرز، فإن قرن بها وهو غير ذينك، فالتابع إن عَري من ال أو من الإضافة إلى ما هي فيه أو إلى ضمير ما هي فيه نصب، نحو: هذا الضارب الرجل أخاك وزيداً؛ وأجاز سيبويه العطف على اللفظ، ومنعه المبرد؛ وإن لم يَعْرَ فقد سبق ذكر جره، وذكر ما نقل عن المبرد [من] الخلاف فيه، والنصب لا يخفى حكمه بعد معرفة ما تقدم.

(فصل): (يعمل اسم المفعول عمل فعله) - أي فعل المفعول، فيرفع المفعول به لفظاً نحو: زيدٌ مضروبٌ غلامُه، أو محلاً نحو: ممرور به؛ وما أقيم مقام الفاعل في الفعل أقيم هنا.

(مشروطاً فيه ما شُرط في اسم الفاعل) - من الاعتماد، وأن لا يعمل

ص: 207

مصغراً، ولا موصوفاً قبل العمل، ولا مقصوداً به المضيُّ، وحكمه في هذا وفي الحمل على موضع المعمول واتصال الضمائر، حكم اسم الفاعل اتفاقاً واختلافاً.

(وبناؤه من الثلاثي على زنة مفعول) - كمضروب وممرور به؛ وفي البسيط أصله أن يكون من الثلاثي على وزن مُفعَل، أي ليكون جارياً على مضارعه، وإلا لم يعمل، ثم عدل عنه إلى مفعول، لئلا يلتبس بما هو من أفعل، وكان الثلاثي أولى بالزيادة لخفته. انتهى. وقال الهوازي النحوي - وليس هو المقرئ المكنى بأبي علي- إن نفع لا يقال منه منفوع.

(ومن غيره) - أي غير الثلاثي.

(على زنة اسم فاعله، مفتوحاً ما قبل آخره) - نحو: مُكرم ومستخرج.

(ما لم يُستغنَ فيه بمفعول عن مُفعَل) - كمزكوم ومحموم ومحزون.

(وينوب - في الدلالة لا العمل- عن مفعول بقلة فِعْلٌ) - كذبح وطرح أي مذبوح ومطروح.

(وفعَل) - كقبض ولفظ، أي مقبوض وملفوظ.

(وفُعلة) - كلقمة ومضغة، أي ملقوم وممضوغ.

ولا يعمل شيء من هذه، فلا يقال: مررت برجل ذِبْح كبشُه.

(وبكثرة فَعيل) - كأجير وصريع من الصفات، ولا يعمل أيضاً، وقال ابن عصفور في آخر باب ما لم يسم فاعله من المقرب: واسم المفعول وما كان من

ص: 208

الصفات بمعناه، حكمه بالنظر إلى ما يطلبه من المعمولات حكم الفعل المبني للمفعول. انتهى. فعلى هذا يجوز: مررت برجل جريح أبوه، ويحتاج إلى سماع.

(وليس مقيساً، خلافاً لبعضهم) - فاستعمال فعيل بمعنى مفعول كثير في لسان العرب، ومع كثرته قال المصنف: لا ينقاس، فلا يقال: ضريب في مضروب، وعليم في معلوم، وقويل في مقول، وتبيع في متبوع، وأجاز بعضهم القياس على ما سمع بشرط أن لا يكون له فعيل بمعنى فاعل، فلا يجوز عنده عليم ولا قدير بمعنى معلوم ومقدور، ويجوز ضريب بمعنى مضروب. ونقل ابن المصنف الإجماع على أنه لا ينقاس، وخفي عليه ما ذكره والده من الخلاف، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في باب التذكير والتأنيث أيضاً، ولكن لم يذكر فيها خلافاً.

(وقد ينوب عن مُفْعَل) - نحو: أعلَّه المرضُ فهو عليل أي مُعَلّ.

ص: 209