المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌41 - باب الإضافة - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌41 - باب الإضافة

‌41 - باب الإضافة

تطلق الإضافة اصطلاحاً على النسبة، ومنه قول سيبويه: هذا باب الإضافة، وهي النسبة، وعلى هذا الباب:

(المضاف هو الاسم المجعول كجزء) - هذا يشمل الموصول والمركب المزجي والموصوف بصفة لازمة.

(لما يليه) - هو أحسن من: كجزء اسم، لتناوله الاسم والجملة والحرف المصدري.

(خافضاً له) - أخرج الموصول وما ذكر معه؛ وما اختاره من أن المضاف إليه مجرور بالمضاف هو مذهب سيبويه، ودليله اتصال الضمير به: وإنما يتصل بعامله؛ وقال الزجاج: العامل معنى اللام؛ وفي المضاف والمضاف إليه أقوال، والصحيح قول سيبويه: إن الأول المضاف، والثاني مضاف إليه الأول، وقيل عكسه، كل يُستعمل لكل.

(بمعى في إن حَسُن تقديرها وحدها) - نحو: (وهو ألد الخصام)، (تربص أربعة أشهر)؛ وأغفل هذا أكثر النحويين.

(وبمعنى مِنْ إن صح تقديرها مع صحة الإخبار عن الأول بالثاني) - نحو:

ص: 329

بابُ ساجٍ، وبُرْدُ حريرٍ. وخرج بقوله: إن صح: يومُ الخميس ونحوه، فلا يصح: يومُ من الخميس، وإن صح الإخبار؛ وبقوله: مع صحة: يدُ زيدٍ ونحوه، فهي بمعنى اللام عند ابن السراج والفارسي وكثير من المتأخرين؛ وقال ابن كيسان والسيرافي: بمعنى مِنْ لأن المضاف جزء من المضاف إليه. وزاد الكوفيون: الإضافة بمعنى عند نحو: ناقةٌ وقودُ الحلبِ، أي عند الحلب.

(وبمعنى اللام، تحقيقاً أو تقديراً فيما سوى ذيْنِك) - أي فيما سوى معنى في ومِنْ نحو: هذا غلامُ زيدٍ وعبدُ عمرو. وذهب ابن الضائع إلى أن الإضافة لا تكون إلا على معنى اللام، وهي للاستحقاق، وأكثر المتأخرين على أنها قسمان: بمعنى مِنْ وبمعنى اللام، وهو قول الجرمي، وأبطل ابن درستويه كونها على معنى حرف، للزوم كون كل مضاف نكرة، والأصل على هذا: ثوبٌ من خز، وغلام لزيد؛ ورد بأنه إنما يلزم لو قلنا إن الحرف مقدر، وإنما قلنا: هي على معنى كذا، على أن منهم من ذكر التقدير، وعليه جرى الجزُولي، وهو مقتضى كلام المصنف في بعض كتبه.

(ويُزال م في المضاف من تنوين أو نون تشبهه) - نحو: جيء بغلام زيدٍ، وأساور فضة، فأزيل من أساور ونحوه التنوين المقدر، وفي: غلامي زي، وقوم ضاربيه، واقبض اثنيك وعشريك، أزيلت النون المشبهة للتنوين، فلا تُزال نون لا تشبهه كنون سنين مُجرى كحين.

(وقد تُزال منه تاء التأنيث) - كقراءة بعضهم: (لأعدوا له عدهُ)، وقوله:

ص: 330

302 -

ونارٍ قُبيل الصبح باكرتُ قدحها

حيا النار قد أوقدتُها للمسافر

أي عُدتَهُ، وحياة النار.

(إن أُمِنَ اللبسُ) - كما سبق، فإن خيف التباس بمذكر أو بجمع لم تحذف، كما في ابنة وثمرة.

(ويتخصص بالثاني إن كان نكرة) - كغلام رجل.

(ويتعرف به إن كان معرفة) -كغلام زيد.

(ما لم يوجب تأوله بنكرةٍ وقوعه موقع ما لا يكون معه معرفة) - نحو: لا أباك، ورُبَّ رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها، وفعل ذلك جهده؛ لأن لا إنما تعمل في النكرة، ورب وكم لا يجران غيرها، والحال نكرة.

(أو عدم قبوله تعريفاً لشدة إبهامه، كغير ومثل وحسب) - نحو: مررتُ برجلٍ غيرك أو مثلك أو حسبك من رجل. ووجه الإبهام فيها واضح، فغيرك مثلاً صالح لكل مغاير، وتعليل عدم تعريفها بذلك مذهب ابن السراج والسيرافي، ومذهب سيبويه والمبرد التعليل بكونها في معنى اسم الفاعل الذي لا يتعرف بالإضافة، والمعنى رجل مغاير أو مماثل أو كاف.

(أو تكن إضافته غير محضة ولا شبيهة بمحضة، لكونه صفةً، مجرورها مرفوع بها في المعنى أو منصوب) - نحو: رأيت رجلاً حسنَ الخلقِ محمود الخُلُق، ورأيت رجلاً مكرم زيدٍ؛ فالإضافة في هذه المثل ونحوها بنية الانفصال، لأن الموضع للفعل. وخرج بصفة المصدرُ، وبمرفوع ومنصوب سحْقُ عمامةٍ، وكرامُ الناس، فالإضافة فيهما محضة.

ص: 331

(وليس من هذا المصدر المضاف إلى مرفوعه أو منصوبه، خلافاً لابن برهان) - بل إضافته محضة، خلافاً له ولابن الطراوة، بدليل نعته بالمعرفة نحو: عجبت من ضرب زيدٍ عمراً، أو عمروٍ زيدٌ الشديد؛ وتشبيه بحسن الخلق ومكرم زيد ضعيف، للفرق بأن الوصف متحملٌ ضميراً، وبه يتحقق الانفصال عن الإضافة، والمصدر ليس كذلك.

(ولا أفعلُ التفضيل، ولا الاسم المضاف، خلافاً للفارسي) - أما أفعل التفضيل فذهب إلى أن إضافته غير محضة، كقول الفارسي، الكوفيون وابن السراج، واختاره الجزولي وابن عصفور؛ وعن ابن السراج أيضاً: إن كان على معنى مِنْ فنكرة، وإلا فمعرفة.

ووجه الانفصال أنه مضاف إلى ما هو بعضه نحو: أفضل الناس، فإن لم يُقدر الانفصال لزم إضافة الشيء إلى نفسه، وضعفه ظاهر.

ووجه أن إضافته محضة، وهو مذهب سيبويه والأكثرين، ثبوت لزوام التعريف من نعت المعرفة به، وعدم جواز جره برُب، ونصبه حالاً؛ ود نص سيبويه على أن العرب لا تنصبه حالاً، وأما الاسم المضاف إلى الصفة نحو: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، ودار الآخرة، فذهب الفارسي وغيره إلى أن الإضافة فيه غير محضة، لشبهها بإضافة حسن الوجه، والأصل في كل منهما الانفصال، والتقدير: الصلاة الأولى، والمسجد الجامع، والدار الآخرة، كما أن الأصل انفصال إضافة حسن؛ وأجاز هذا القول ابن عصفور، وذهب الأكثرون إلى أنها محضة، بدليل امتناع ال مع الإضافة، لا يقال: المسجد الجامع إلا بالتبعية، وكذا الباقي، وكذا يمتنع دخول رب عليها، ونعتها بالنكرة، ولم يحفظ هذا إلا بصورة التعريف كما مثل، ولم تجئ نكرة نحو: مسجد جامع؛ واختار المصنف في المسألة غير القولين المذكورين وسيأتي ذكره وتقريره.

ص: 332

(بل إضافة المصدر وأفعل التفضيل محضة) - لما سبق من التقرير.

(وإضافة الاسم إلى الصفة شبيهة بمحضة لا محضة) - وهذا اختيار المصنف؛ والمذكور في كتب النحويين تقسيم الإضافة إلى محضة وغيرها؛ وتقرير ما اختاره أن في هذه الإضافة اتصالاً من جهة أنه لم يُنْوَ معه ضمير كما نوي في الصفة المضافة إلى مرفوعها أو منصوبها، وانفصالاً من قبل أن المعنى على التبعية، لكن مع هذا الانفصال لم يحكم بتنكير المضاف، مراعاة لشبهه بالمتصل لفظاً ونية، وهذا النوع مقصور على السماع؛ ثم قال الفراء وبعض البصريين: لا حاجة إلى تأويل، لاختلاف اللفظين، ونقل أيضاً عن الكوفيين، وقال الجمهور: لابد من التأويل، ثم قال الأكثرون: هو على حذف الموصوف، أي صلاة الساعة الأولى، أي من الزوال، ومسجد الوقت الجامع، ودار الحياة الآخرة، وقيل: الأول يراد به المسمى، والثاني الاسم، أي الصلاة التي تسمى بالأولى.

(وكذا إضافة المسمى إلى الاسم) - نحو: سعيد كرز، وشهر رمضان، ويوم الخميس، أي مسمى كرز، وكذا الباقي، وإنما أولوا الأول بالمسمى والثاني بالاسم، لأن الثاني أعرف من الأول، أو أخص وضعاً؛ وغير المصنف يرى أن إضافته محضة.

(والصفة إلى الموصوف) - نحو قولهم: سحق عمامة، وجرد قطيفة، أي عمامة سحق، وقطيفة جرد، وقوله:

ص: 333

303 -

إنا محيوك يا سلمى فحيينا

وإن سقيْتِ كرام الناس فاسقينا

أي الناس الكرام.

قال ابن عصفور: والإضافة في هذا غير محضة، وقال غيره محضة، وقول المصنف ثالث، ولا ينقاس، لا يقال في: جاءني زيدٌ الظريفُ: ظريفُ زيدٍ؛ وفي كتاب ابن عطية: أن قوماً من النحويين يضيفون الصفة إلى الموصوف نحو: كريمُ زيد.

(والموصوف إلى القائم مقام الوصف) - كقولهم في زيد الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد الخير: زيد الخيل، أي صاحب الخيل، لأنه كان صاحب خيل كريمة، وقوله:

304 -

فإن قريش الحق لم تتبع الهوى

ولن يقبلوا في الله لومة لائم

أي قريشاً أصحاب الحق.

(والمؤكد إلى المؤكد) - كحينئذٍ ويومئذٍ، وقوله يخاطب ضيفين طرقاه:

305 -

فقلت: انجوا عنها نجا الجلد إنه

سيرضيكما منها سنام وغاربُه

ص: 334

يقال: نجوتُ جلد البعير عنه وأنجيته سلختُه، والنجا مقصور وهو الجلد، فكأنه قال: جلد الجلد، فأضاف المؤكد إلى المؤكد، وقال الفراء: أضاف النجا إلى الجلد، لأن العرب تضيف الشيء إلى نفسه، إذا اختلف اللفظان نحو:(لحق اليقين)، (ولدارُ الآخرة). ومذهب أكثر البصريين المنع إلا إن سمع، وبقول الفراء، قال بعض البصريين، ويحكي أيضاً عن الكوفيين.

(والملغي إلى المعتبر) - كقوله:

306 -

إلى الحول، ثم اسم السلام عليكما

ومنْ يبك حولاً كاملاً فقد اعتذرْ

أي ثم السلام.

ومن كلامهم: هذا حي زيد، أي زيد. وقال الفارسي: من إلغاء

ص: 335

المضاف: (كمن مثله في الظلمات)، أي كمن هو؛ (ومثل الجنة التي وُعد المتقون فيها أنهار).

(والمعتبر إلى الملغي) - ومعنى كونه ملغي أنه لا يُعتد به إلا كالاعتداد بالحرف الزائد المؤكد، ومنه قول الحطيئة:

307 -

فلو بلغت عوا السماء قبيلةً

لزادت عليها نهشلُ وتعلتِ

وقول بعض الطائيين:

308 -

أقام ببغداد العراق وشوقه

لأهل دمشق الشام شوق مبرحُ

(فصل): (لا يُقدم على مضاف معمول مضاف إليه) - فلا يقال في:

جاءني غلامُ مكرم زيداً: جاءني زيداً غلامُ مكرمٍ، لأن معمول المضاف إليه من تمامه، والعامل كتمام المضاف.

(إلا على غير، مراداً به نفي) - نحو: زيدٌ غيرُ ضاربٍ عمراً، فيجوز: زيدٌ عمراً غيرُ ضارب، ومنه:

ص: 336

309 -

إن امرأ خصني عمداً مودته

على التنائي لعندي غير مكفور

أي لغير مكفور عندي. والصحيح منع هذه المسألة، والبيت ونحوه من الشذود، وعلى أن الظرف يتسع فيه ما لا يتسع في غيره؛ ولم يذكر الزمخشري ولا المصنف في المسألة خلافاً، بل حكما بالجواز، نظراً إلى المعنى، وإلى ظاهر ما ورد، والمعنى المشار إليه هو أن قولك: زيدٌ غيرُ ضارب في معنى زيدٌ لا ضارب؛ والصحيح جواز التقديم مع لا، فكذلك غير.

ومن كلام بعض المغاربة: لم يختلف في منع: هذا زيداً غيرُ ضاربٍ، وأجاز ذلك بعضهم في الظرف وشبهه، والصحيح المنع، وبعضهم نقل الخلاف في حق، فقال: أجاز بعضهم: أنا زيداً حق ضارب، والصحيح المنع، وقوله:

310 -

وإلا أكن كل الشجاع فإنني

بضرب الطلي والهام حقُّ عليم

ص: 337

نادر. وبعضهم نقل الخلاف في تقديم معمول المضاف إليه على المضاف إذا كان الكلام في معنى ما يجوز معه التقديم، ومثل بمسألة غير وحق؛ والمعنى في مسألة حق: أنا ضاربٌ زيداً حقا، وصحح المنع.

واحترز بمراد من: أكرم القوم غير شاتم زيداً، فلا يقال: أكرم القوم زيداً غير شاتم. والطلي الأعناق، قال الأصمعي: الواحدة طُلَيْةٌ، وقال أبو عمرو والفراء: طُلاة.

(خلافاً للكسائي في جواز: أنت أخانا أولُ ضاربٍ) - حكاه ثعلب عنه، وغير الكسائي يمنع، وهو الصحيح؛ قيل: ولا يظهر فرق بين أول وغيره من أفعل التفضيل، فيجوز على هذا عنده: هذا بالله أفضل عارف، وهذا عمراً أكرم ضارب. انتهى.

ولعل الفرق أن ما أجازه الكسائي من مسألة أول في معنى ما يجوز معه التقديم، إذ المعنى: أنت ضاربٌ أخانا أولاً، وعلى هذا يكون مذهب الكسائي الجواز في كل ما كان كذلك، وقد سبق ذكر أن هذا مذهب، فلعله قول الكسائي.

(ويؤنث المضاف لتأنيث المضاف إليه، إن صح الاستغناء به، وكان المضاف بعضه) - نحو: قُطعتْ بعض أصابعه، وقوله:

311 -

وتشرقُ للقول الذي قد أذعته

كما شرقت صدرُ القناة من الدم

فبعض وصدر مُذكران، وقد اكتسبا التأنيث مما بعدهما، وهما بعض منه،

ص: 338

ويصح الاستغناء عنهما مع إرادتهما نحو: قطعت أصابعه، وشرقت القناة، فلو لم يستغن لم يؤنث، قال الأخفش: لا تقول العرب في: قطعت رأس هند: قطعت هند، ويراد رأسها، لأن اللفظ لا يفهم ذلك. ومعنى قوله: ويؤنث، أنه يجوز التأنيث، والتذكير الأصل، وهو الأفصح، وكذا قرأ الجمهور:(يلتقطه بعض السيارة)، وقرئ شاذاً:(تلتقطه بعض) بتاء التأنيث.

(أو كبعضه) - نحو: اجتمعت أهل اليمامة، وكما قرئ شاذاً (لا تنفع نفساً إيمانها)، بالتأنيث؛ وزاد الفارسي: أن يكون المضاف مذكراً هو كل المؤنث نحو: (يوم تجد كل نفس)، (ووفيت كل نفس)، والأفصح في هذا النوع التأنيث، وبه جاء القرآن.

(وقد يرد مثل ذلك في التذكير) - فيذكر المضاف المؤنث لتذكير المضاف إليه نحو:

312 -

رؤية الفكر ما يؤول له الأمـ

ـر معين على اجتناب التواني

ص: 339

وخرِّج عليه: (إن رحمة الله قريب من المحسنين)، والشرط في هذا كما تقدم في ذاك، فما صلح للحذف، وليس بعضاً ولا كبعض نحو: يوم الجمعة، وذات صباح، لم يعامل بذلك، وكذا ما لا يستغنى عنه، فلا يؤنث في: حسن غلام هند، ولا يذكر في: كرمت أم زيد.

(ويضاف الشيء بأدنى ملابسة) - نحو: (إلا عشية أو ضحاها)، لما كانت العشية والضحى طرفي النهار، صح إضافة إحداهما إلى الأخرى، ومنه قول صاحب الخشبة لحامليها: خذا طرفيكما.

(فصل): (لازمت الإضافة لفظاً ومعنى أسماء، منها ما مر في الظروف) - كعند ولدى وحيث، وسائر ما سبق.

(والمصادر) - كسبحان وبله المعرب؛ قاله المصنف، ولم يسبق لذلك ذكر في الظروف، لكنه أشار إلى ما يتناول ذلك، مما ذكره في الكتاب في ذلك الباب، وقد ذكر غيره أن سبحان قد يفرد علماً. واحترز بالمعرب من بله المبني، فإنه اسم فعل ولا يضاف.

(والقسم) - كعمرك الله، وقعيدك الله؛ وكان ينبغي أن يتعرض لما سبق في الاستثناء كسوى وبيد، وقد ذكره في الشرح.

(ومنها: حمادى) - ومعناها الغاية، يقال: حماداك أن تفعل كذا، أي غايتك، ولم يسمع غير مضاف، ولولا ذلك لصح إفراده كما تفرد غاية.

ص: 340

(وقصارى) - يقال: قصاراك أن تفعل كذا، بضم القاف، وقصاراك أن تفعل، بفتحها؛ وقصرك أي غايتك، ومنه:

313 -

قصر الجديد إلى بلى

والعيش في الدنيا انقطاعه

(ووحد، لازم النصب) - أي في أكثر الاستعمال، وسيذكر أنه قد يجر، ثم قال يونس: هو منصوب على الظرفية، وأصل: جاء زيد وحده: على وحده، فحذف الحرف، فانتصب، كما في: مررت زيداً، ويؤيده قولهم: زيد وحده، فلو لم يكن ظرفاً لم يخبر به عن الجثة؛ وقال سيبويه: هو اسم وضع موضع المصدر الواقع موقع الحال، والأصل: إيحاد ثم موحد، وقيل: هو مصدر محذوف الزوائد، واختلف عن العرب: أنطق له بفعل أم لا، والصواب أنه نطق؛ حكى الأصمعي: وحد الرجل يحد انفرد، فوحد وحده على هذا كوعد وعده، وليس بمحذوف الزوائد؛ وغذا قلت: ضربت زيداً وحده، فالمبرد يجوز كون الحال للفاعل أو للمفعول، وسيبويه يعين الفاعل، وقرر بأن وضع المصدر موضع اسم الفاعل أكثر.

(والإفراد والتذكير) - لأنه مصدر، وشذ قولهم: قلنا ذلك وحدينا، وجلسا على وحديهما.

ص: 341

(وإيلاء ضمير) - فلا يضاف إلى ظاهر، بل إلى ضمير مطابق نحو: جاء زيد وحده، وهند وحدها، وكذا الباقي.

(وقد يجر بعلى) - حكى أبو زيد: قبض كل درهم على وحده، وحكى ابن سيده: جلس على وحده، وقالوا: جلسوا على وحدهم، وقد سبق: على وحديهما، وممن حكاه ابن سيدة.

(وبإضافة نسيج وجحيش وعيير) - يقال في المدح: فلان نسيج وحده، أي منفرد بالفضل من علم أو غيره، وأصله في الثوب، لأن الثوب إذا كان رفيعاً لم ينسج على منواله غيره، وإذا لم يكن رفيعاً عمل على منواله سدى لعدة أثواب، ومثله في المدح: قريع وحده، ويقال في الذم: فلان جحيش وحده، وعيير وحده، وهو الذي يستبد برأيه؛ وجحيش تصغير جحش، وهو ولد الحمار، وعيير تصغير عير وهو الحمار؛ ويؤنث نسيج ويثنى ويجمع نحو: هي نسيجة وحدها، وهما نسيجا وحدهما، وهما نسيجتا وحدهما، وهم نسيجو وحدهم، وهن نسائج وحدهن، قاله الخليل.

ويجري قريع وجحيش على هذا، وقيل: يترك نسيج موحداً في غير الإفراد، ومذكراً في التأنيث، وقيل لا يوصف بنسيج وحده إلا الواحد.

ص: 342

(وربما ثني مضافاً إلى ضمير مثنى) - كما سبق من قولهم: على وحديهما ووحدينا.

(ومنها كلا وكلتا، ولا يضافان إلا إلى معرفة مثناة لفظاً ومعنى) - نحو: كلا الرجلين، وكلتا المرأتين، وكلاهما وكلتاهما وكلانا، قال:

314 -

كلانا غني عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

(أو معنى لا لفظاً) - كقوله:

315 -

إن للخير وللشر مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

وذكر ابن الأنباري أن كلا تضاف إلى مفرد إذا كررت نحو: كلاي وكلاك، أي كلانا، وكلا زيد وكلاي، وكلاك وكلا عمرو محسنان؛ ومثل بما فيه مبني كهذه، وأشعر أن ذلك مسموع، وجعلها كأي نحو:

ص: 343

316 -

أيي وأيك فارس الأحزاب

وما ذكر المصنف من اشتراط التعريف هو طريق البصريين، وقال الكوفيون: يضاف للنكرة المحدودة نحو: كلا رجلين عندك قائم، ومن كلام العرب: كلتا جاريتين مقطوعة يدها، أي لا تغزل، ولا يعرف البصريون هذا.

(وقد تقرن بالعطف اضطراراً) - أي مع الواو خاصة نحو:

317 -

كلا أخي وخليلي واجدي عضداً

في النائبات وإلمام الملمات

(ومنها ذو وفروعه) - وهي: ذوا وذووا وذات وذواتا وذوات.

(ولا يضفن إلا إلى اسم جنس ظاهر) - نحو: ذو مال أو علم، وكذا الباقي؛ والمعروف منع إضافتها إلى المضمر إلا في الشعر؛ وقال صاحب رؤوس المسائل: منع الكسائي إضافة ذي إلى مضمر، وتبعه النحاس والزبيدي

ص: 344

وغيرهما، وأجازه غيرهم؛ وفي البسيط: أكثر النحويين على منع إضافة ذي لمضمر أو علم، وأجاز ابن بري إضافتها إلى ما يضاف إليه صاحب لأنها بمعناه؛ وإنما منعه النحويون إذا كانت وصلة للوصف، فإن لم يكن كذلك لم يمتنع نحو؛ رأيت الأمير وذويه، ورأيت ذا زيد.

(وكذا أولو وأولات) - قال تعالى: (إنما يتذكر أولو الألباب)، (وإن كن أولات حمل).

(وقد يضاف ذو إلى علم وجوباً إن قرنا وضعاً) - كقولهم: ذو الكلاع وذو سليم وذو يزن.

(وإلا فجوازاً) - كقولهم: في قطري وعمرو وتبوك: ذو قطري وذو عمرو وذو تبوك.

(وكلاهما مسموع) - فلا يقال إلا ما سمع من الواجب والجائز، وكلام الفراء يقتضي القياس، قال، وقد ذكر الإضافة في زيد بطة: كأنك قلت: زيد ذو بطة، وأنت لو قلت: ذو زيد لجاز؛ وقال أيضاً: سمعت من الفصحاء: قد وضعت المرأة ذا بطنها.

(والغالب في ذي الجواز الإلغاء) - فلا ينظر إلى معنى ذي، أي بل تكون مثلها في قولهم: ذو صباح؛ واحترز بالغالب مما وجد مكتوباً في حجر من أحجار الكعبة: أنا ذو مكة، أي صاحبها.

ص: 345

(وربما أضيف جمعه إلى ضمير غائب) - أنشد الأصمعي:

318 -

إنما يصطنع المعـ

ـروف في الناس ذووه

(أو مخاطب) - كقول الأحوص:

319 -

وإنا لنرجو عاجلاً منك مثلما

رجوناه قدماً من ذويك الأفاضل

(ولازمتها) - أي الإضافة.

(معنى لا لفظا أسماء) - فيجوز حذف ما تضاف إليه، وتبقى مضافة في المعنى.

(كقبل وبعد) - وأكثر استعمالهما بالإضافة لفظاً، والاكتفاء بالإضافة المعنوية كثير، قال الله تعالى:(لله الأمر من قبل ومن بعد)، أي من قبل الحوادث ومن بعدها.

ص: 346

(وكآل بمعنى أهل) - وقيل: ليس بمعنى أهل، وألفه قيل: بدل من همزة مبدلة من هاء، وهو بدل لازم، واستدل له بقولهم في تصغيره: أهيل، وقيل: منقلبة عن واو، وأصله: أول، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، بدليل قولهم في تصغيره: أويل، وقيل إن هذا القول هو الصحيح.

(ولا يضاف غالباً إلا إلى علم من يعقل) - كآل محمد؛ ولو قال: يعلم، لكان أحسن، لإضافته إلى لفظ الله؛ قال:

320 -

نحن آل الله في بلدتنا

لم نزل آلاً على عهد إرم

وشرطوا في العلم كونه من أعلام من له خطر؛ وخرج بالغالب إضافته إلى اسم غير علم، كقوله:

321 -

وانصر على آل الصليـ

ـب وعابديه اليوم آلك

وقوله:

322 -

أنا الفارس الحامي حقيقة والدي

وآلي، فمن يحمي حقيقة آلكا؟

ص: 347

وأجاز بعضهم إضافته إلى المضمر، ومنعه آخرون، أو إلى علم ما لا يعقل، كقوله:

323 -

من الجرد من آل الوجيه ولا حق

تذكرنا أوتارنا حين تصهل

والوجيه ولا حق علما فرسين.

(وككل غير واقع توكيداً أو نعتاً) - قال تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً)، (وكل أتوه داخرين). وخرج نحو: قام القوم كلهم، وأكلت شاة كل شاة، فتضاف فيهما لفظاً ومعنى، وسيأتي مذهب الفراء في المؤكد بباب التوكيد.

(وهو عند التجرد منوي الإضافة، فلا تدخل عليه ال) - فلا يقال: الكل، لئلا يجمع بين آل والإضافة. واختلف أمعرفة هو أم نكرة، والأول لسيبويه والجمهور، والثاني للفارسي، والخلاف في بعض أيضاً، ودليل التعريف قولهم: مررت بكل قائماً، وببعض جالساً.

(وشذ تنكيره وانتصابه حالاً) - كقولهم: مررت بهم كلاً، وبه استدل الفارسي، ورد بشذوذه.

(ويتعين اعتبار المعنى فيما له من ضمير وغيره، إن أضيف إلى نكرة) - نحو: كل رجل جاء مكرم، وكل رجلين جاءا مكرمان، وكذا الباقي، قال

ص: 348

تعالى: (إن كل نفس لما عليها حافظ)(كل نفس ذائقة الموت)، وقال الشاعر:

324 -

وكل أناس سوف تدخل بينهم

دويهية تصفر منها الأنامل

(وإن أضيف إلى معرفة فوجهان) - أي وإن أضيف لفظاً أو معنى، قال تعالى:(وكل أتوه داخرين)، (قل كل يعمل على شاكلته)، (وكلهم آتيه يوم القيامة)، ومن مثل النحاة: كلهم يقومون، وكلهن قائمات، والمسموع في المضاف مراعاة اللفظ، وهو الإفراد، كما سبق في "آتيه"، وقبله:(إلا آتي الرحمن عبداً).

(وإفراد ما لكلا وكلتا أجود من تثنيته) - وقد اجتمع الأمران في قوله:

325 -

كلاهما حين جد الجري بينهما

قد أقلعا، وكلا أنفيهما رابي

ص: 349

وقال تعالى: (كلتا الجنتين آتت أكلها)، وقال الشاعر:

326 -

في كلت رجليها سلامى واحده

كلتاهما مقرونة بزائده

(ويتعين) - أي الإفراد.

(في نحو: كلانا كفيل صاحبه) - وذلك لأنه لو قيل: كفيلا، لزم الجمع بين تثنية وإفراد في خبر واحد؛ وضابطه أن يكون كل منهما محكوماً عليه بحكم الآخر، بالنسبة إليه، لا إلى ثالث، ومنه:

مكرر 314 كلانا غني عن أخيه حياته

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

ومثله في تعين الإفراد: كلاهما يحب الآخر، وكلتاهما مكرمة للأخرى.

(فصل): (ما أفرد لفظاً من اللازم الإضافة معنى، إن نوي تنكيره) - كقوله:

ص: 350

327 -

فساغ لي الشراب وكنت قبلاً:

أكاد أغص بالماء الفرات

وكقراءة بعضهم: (لله الأمر من قبل ومن بعد) بالجر والتنوين، أي أولاً وآخراً.

(أو لفظ المضاف إليه) - كما حكى الفراء في المعاني أن من العرب من يقول: من قبل، بكسر اللام وحذف التنوين للإضافة المقدرة، قال: وكذلك في النصب، أي يفتحون ويحذفون التنوين، وحكى الفارسي: ابدأ بذا من أول، بالجر لنية المضاف إليه.

(أو عوض منه تنوين) - نحو: (وكل أتوه داخرين)، و (أياً ما تدعوا) ويومئذ وحينئذ.

ص: 351

(أو عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف) - نحو:

329 -

قبل وبعد كل قول يغتنم

حمد الإله البر وهاب النعم

وكذا:

330 -

أمام وخلف المرء من لطف ربه

كوالئ تزوي عنه ما كان يحذر

وإنما عبر بعامل دون مضاف ليدخل مثل: "إن أحدكم ليفتن في قبره مثل أو قريباً من فتنة الدجال"، وقال:

331 -

بمثل أو أنفع من وبل الديم

علقت آمالي فعمت النعم

(لم يغير الحكم) - هذا جواب: إن نوي، ويعني أنه يبقى على ما كان عليه من إعراب كغير إذ مما سبق ذكره، أو بناء كإذ، وإنما كسرت ذالها لالتقائها ساكنة مع التنوين ساكناً. وقول الأخفش: الكسرة إعراب، لأن البناء للإضافة، فيزول بزوالها، مردود بقول بعض العرب: يومئذاً، بفتح الذال والتنوين، وبقول العرب: كان ذلك إذ، بالكسر بلا إضافة.

ص: 352

(وكذا لو عكس هذا الآخر) - فحذف ما أضيف إليه من الاسم لتقدم عامل في مثل المحذوف، لم يغير الحكم، كقوله:

332 -

أكالئها حتى أعرِّس بعد ما

يكون سحيراً أو بعيد فأهجعا

أي بعيد سحير، فهذا عكس قبل وبعد كل قول .. لكن الحذف في الدال ما بعده أكثر من الحذف في الدال ما قبله.

(وإن لم ينو التنكير، ولا لفظ المضاف إليه، ولم يثبت التنوين، ولا العطف، بني المضاف على الضم، إن لم يشابه ما لا تلزمه الإضافة معنى) - نحو: (لله الأمر من قبل ومن بعد)، وابدأ بهذا أول، وخذ هذا حسب؛ فهذه ونحوها مقطوعة عن الإضافة لفظاً، مضافة معنى، ولفظ المضاف إليه غير منوي، فتبنى على الضم؛ وإنما بنيت لشبهها حرف الجواب، في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها، أو في تعلقها بما بعدها معنى ما يجعلها كالحرف لتعلقه بغيره، وكانت حركة بنائها الضم، لتخالف حالة إضافتها لفظاً، وتسمى، والحالة هذه، غايات، لأنها صارت بحذف ما تضاف إليه منتهى عندها.

ويعزى لسيبويه أنها حينئذ نكرات لقوله: كانت مبهمة تقع على كل شيء؛ والصحيح أنها معارف، لأنها إنما تذكر بعد تقدم كلام أو شيء واقع، فتقول: كان هذا من قبل، أي من قبل ذلك؛ وكلام سيبويه محمول على أنها تقطع عن كل شيء، رفعاً لتوهم أن قطعها سماع.

ص: 353

وخرج بقوله: إن لم يشابه، ما كان من اللازم الإضافة معنى، يصغر ويثنى ويجمع كثلاث ورباع ومثل، فهذه لا تتأثر بالقطع عن الإضافة، نويت أم لم تنو.

(فصل): (تضاف أسماء الزمان المبهمة غير المحدودة إلى الجمل، فتبنى وجوباً، إن لزمت الإضافة) - يتناول قوله: المبهمة، ما لا يختص بوجه كحين ومدة ووقت، وما يختص بوجه دون وجه كنهار وصباح ومساء. وخرج المختص بتعريف أو غيره، وغير المحدودة تخرج يومين وليلتين ونحوهما؛ وأجاز ابن كيسان إضافة المثنى للجملة، والصحيح المنع، ونص ابن السراج على أنه لم يسمع، والواجب البناء في إذ وإذا، وهما الأصل في إضافة اسماء الزمان إلى الجمل، فلا يضاف إليها إلا ما ساواهما في الإبهام أو قاربهما.

(وجوازاً راجحاً إن لم تلزم، وصدرت الجملة بفعل مبني) - شمل مبني الأصل نحو:

333 -

على حين عاتبت المشيب على الصبا

وقلت: ألما أصح؟ والشيب وازع

وعارض البناء نحو:

ص: 354

334 -

لأجتذبن منهن قلبي تحلماً

على حين يستصبين كل حليم

(فإن صدرت باسم أو فعل معرب، جاز الإعراب باتفاق) - أي من البصريين والكوفيين- وليس معنى الجواز بالنسبة إلى البصريين ما تبادر إلى الفهم منه، فإنهم يوجبون الإعراب.

(والبناء، خلافاً للبصريين) - وهذا يوضح ما سبق في الجواز، والسماع ورد بالوجهين، وتأويله متكلف، قال تعالى:(هذا يوم ينفع)، و (يوم لا تملك) قرئ في السبعة فيهما بفتح الميم ورفعها، وقال:

335 -

ألم تعلمي يا عمرك الله أنني

كريم على حين الكرام قليل

وأني لا أخزى إذا قيل: مملق

سخي، وأخزى أن يقال: بخيل

ص: 355

روي بفتح نون حين، ووافق الكوفيين بعض المغاربة في جواز الوجهين مع الجملة الاسمية، وفي كلام بعض المغاربة أن المضاف إلى الجملة الابتدائية لا يجوز إعرابه، وهذا لا يعرف من يقول به، ونحوه ما في البسيط من أن المضاف إلى مصدره بمضارع يبنيه الكوفيون، ليس إلا، وزاد أن البصريين يجيزون فيه الوجهين، وكلاهما وهم، فللكوفيين الوجهان، وللبصريين الإعراب فقط، ويجوز في هذه الظروف الإعراب والبناء، مضافة إلى إذ نحو: مضى يومئذ قمت، وحينئذ وساعتئذ وليلتئذ.

(وإن صدِّرت بلا التبرئة، بقي اسمها على ما كان عليه) - من بناء أو نصب، نحو: جاء يوم لا نافع ولا ضار، حكى الأخفش: جئتك يوم لا حر ولا برد، ببناء حر وبرد.

(وقد يجر ويرفع) - وحكاهما الأخفش في حر وبرد.

(وإن كانت المحمولة على ليس أو ما أختها، لم يختلف حكمهما) - بل يبقى كل من لا وما على عملهما قبل الإضافة، ومنه:

337 -

فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة

بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب

وقال:

338 -

تبدت لقلبي فانصرفت بودها

على حين ما هذا بحين تصابي

ص: 356

(ولا يضاف اسم زمان إلى جملة اسمية، غير ماضية المعنى، إلا قليلاً) - فيقل مثل: آتيك حين زيد ذاهب، لأن الظرف حينئذ كإذا، ولا يضاف إلى جملة اسمية، هذا هو المعروف من مذهب سيبويه، فإن أريد المضي جاز أن يضاف إلى الاسمية والفعلية، لأنه مثل إذ، قال المصنف في المسألة: والصحيح جواز الاسمية، لكن على قلة؛ وقد سبق في الظروف أن إذا قد تضاف إلى الاسمية، وفاقا للأخفش، ومضى الكلام عليه، ومما ظاهره الاستقبال، والجملة اسمية، مع بعض هذه الظروف، قوله تعالى:(يوم هم بارزون).

(وقد تضاف آية بمعنى علامة، إلى الفعل المتصرف مجرداً) - ومن حقها الإضافة إلى المفرد كعلامة، ومن الجملة:

339 -

بآية تقدمون الخيل شعثاً

كأن على سنابكها مداما

وكون الإضافة إلى الفعل، هو مذهب سيبويه، وزعم ابن جني أنه على تقدير ما المصدرية، ولا يجيز إضافة آية إلى الفعل.

(أو مقروناً بما المصدرية) - نحو:

ص: 357

340 -

ألا من مبلغ عني تميماً

بآية ما يحبون الطعاما

ومذهب سيبويه أن ما زائدة، وما ذهب إليه المصنف من المصدرية مذهب ابن جني، وعزي إلى المبرد نصاً، وكلام المصنف على موافقة سيبويه في الصورة الأولى، وابن جني في الثانية، وهو مقتضى ما في البسيط عن المبرد.

(أو النافية) - نحو:

341 -

ألكني إلى قومي السلام رسالة

بآية ما كانوا ضعافاً ولا عزلا

وبهذا استدل على أن الإضافة للفعل، إذ لا تقدر ما المصدرية قبل النافية؛ ومذهب سيبويه اطراد إضافة آية إلى الفعل، وقال المبرد: لا يطرد. ويقال: ألكني إلى فلان: كن رسولي، وتحمل رسالتي إليه، وقد أكثر الشعراء من هذه اللفظة.

(ويشاركها في الإضافة إلى المثبت المتصرف لدن) - نحو:

342 -

لزمنا لدن ساءلتمونا وفاقكم

فلا يك منكم للخلاف جنوح

ص: 358

(وريث) - نحو:

343 -

خليلي رفقاً ريث أقضي لبانة

من العرصات المذكرات عهودا

وريث مصدر، يقال: راث علي خيرك ريثاً أي أبطأ، وفي شرح الكتاب للصفار: المصدر المستعمل بمعنى الزمان يجوز إضافته إلى الفعل نحو: أتيتك ريث قام زيد، أي قدر بطء قيامه.

(وقد تفصل لدن والحين بأن) - نحو:

344 -

وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا

قرابة ذي قربى ولا حق مسلم

ونحو:

345 -

وجالت على وحشيها أم جابر

على حين أن نالوا الربيع وأمرعوا

(وريث بما) - وهي زائدة أو مصدرية، نحو: ريثما يتسنى.

ص: 359

(وقالوا: اذهب بذي تسلم، أي يذي سلامتك) - فالباء بمعنى في، وذي بمعنى صاحب، وهي صفة وقت محذوف، أي اذهب في وقت ذي سلامة لك، وقيل: ذي موصولة، وأعربت على لغة بعض طيئ، والمعنى: اذهب في الوقت الذي تسلم فيه، والأول للجمهور.

(ولا بذي تسلم ما كان كذا) - حكاه ابن السكيت، فأقسموا بذي، وقالوا: لا أفعل بذي تسلم، وبذي تسلمان، وبذي تسلمون، وفي الإثبات أيضاً.

(ويختلف فاعلاً اذهب وتسلم بحسب المخاطب) - نحو اذهب بذي تسلم، واذهبي بذي تسلمين، واذهاب بذي تسلمان، واذهبوا بذي تسلمون، واذهبن بذي تسلمن.

(وعود ضمير من الجملة إلى اسم الزمان المضاف إليها نادر) - نحو:

346 -

مضت مائة لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحجتان

ص: 360

وخرِّج على إضمار فعل، أي: أعني فيه؛ وقال الكوفيون إن سبق الضمير تمام الجملة امتنعت الإضافة، نحو:(يوماً ترجعون فيه إلى الله)، وإن تأخر، فإن لم تقدر كلاماً آخر، فالجملة صفة، ولا إضافة، وإن قدرت أضفت، ورد ابن عصفور قولهم بالبيت، إذ فيه الإضافة، والضمير متأخر، وبقوله:

347 -

وتسخن ليلة لا يستطيع

نباحاً بها الكلب إلا هريرا

قد أضيف مع توسط الضمير، وهم يمنعون ذلك، والرد بالبيت الأول لا يخفى ما فيه بعد ما سبق عنهم.

(ويجوز في رأي الأكثر بناء ما أضيفت إلى مبني من اسم ناقص الدلالة) - كغير وبين ودون، لمشابهتها الحروف بعدم قبول التثنية والجمع والنعت والتعريف، قال: وهذا يقتضي بناءها مطلقاً، لكن ألغي في الإضافة لمعرب، واعتبر مع المبني للمشاكلة؛ قال الفراء: أسد وقضاعة يبنون غيراً، واقعة موقع إلا، نحو: ما قام أحد غيرك، وما قام غيرك، وأنشد عن الكسائي:

348 -

لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت

حمامة في غصون ذات أو قال

ص: 361

بفتح الراء، وقال تعالى:(وحيل بينهم وبين ما يشتهون) بفتح النون، وكذا:(ومنا دون ذلك). واختار المصنف في هذا الإعراب، لأن الإضافة حقها أن تكف سبب البناء، لاقتضائها الرجوع إلى الأصل، ولذا رجح شبه أي بكل وبعض على شبهها حرفي الشرط والاستفهام؛ وخرج ما فيه فعل، بما سبق، على حذف الفاعل أو نائبه، أي ما قام قائم غيرك، وغيرك نصب على الاستثناء أو الحال كما في المثال قبله، ولم يمنع مانع غير أن .. ، وحيل حول .. وبينهم في موضع الصفة للمحذوف، ونظير هذا في حذف الفاعل:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"، أي ولا يشرب الشارب، وهذه نزعة كوفية، وأما دون ذلك فصفة لمبتدأ، أي صنف دون ذلك.

(ما لم يشبه تام الدلالة) - كمثل، فهو وإن وافق غيراً وما معه، في أن معناه لا يتم إلا بمضاف إليه، خالفها لشبه تام الدلالة في التصغير والتثنية والجمع والاشتقاق منه؛ وألحق قوم منهم الزمخشري وابن عصفور مثلاً بغير، مستدلين بقوله تعالى:(مثل ما أنكم تنطقون) في قراءة فتح اللام، وهو صفة حق، وبقراءة بعض السلف:(مثل ما أصاب) بفتح اللام، وهو فاعل يصيبكم،

ص: 362

ويخرَّج الأول على الحال من ضمير مستكن في حق، وأصله: حاق، من حق يحق، كبر في بار، والثانية على أن الفاعل الله، أي: يصيبكم الله مثل ما أصاب.

(فصل): (يجوز حذف المضاف، للعلم به، ملتفتاً إليه ومطرحاً) - فالأول نحو: (أو كصيب من السماء) التقدير: أو كذوي صيب، ولذا رتب على وفق المحذوف، فقيل:(يجعلون)؛ والثاني، وهو الأكثر، نحو:(واسأل القرية التي كنا فيها)، فأجري على ما بعد المضاف إليه، حكم المذكور لا المحذوف؛ واجتمع الأمران في قوله:(وكم من قرية أهلكناها) الآية.

وخرج بقوله: للعلم، ما يجهل معناه عند الحذف، فإنه يمتنع حذفه، إلا في ضرورة نحو:

349 -

عشية فر الحارثيون بعدما

قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر

أي ابن هوبر.

ص: 363

(ويعرب بإعرابه المضاف إليه قياساً، إن امتنع استبداده به) - نحو: (واسأل القرية)، (وأشربوا في قلوبهم العجل) أي حب العجل، فالقرية لا تسأل، والعجل لا يشرب.

(وإلا فسماعاً) - أي وإلا يمتنع استبداده، بل تصح النسبة إليه لم يحذف إلا سماعاً كالبيت السابق؛ وقوله:

350 -

وما ذياً تخيره سليم

يكاد شعاعه يغشى العيونا

أي أبو سليمان، ورخَّم سليمان مضطراً، والماذي الدرع اللينة السهلة.

(وقد يخلفه في التنكير إن كان المضاف مثلاً) - نحو: مررت برجل زهير شعراً، وهذا زيد زهيراً شعراً، الأصل: مثل زهير، ولذا نعت به النكرة، ونصب حالاً.

(وقد يحذف مضاف ومضاف إليه، ويقام ما أضيف إليه الثاني، أو ما أضيف إليه صفة الثاني محذوفة، مقام ما حذف) - فالأول نحو قوله تعالى: (تدور أعينهم كالذي يغشى عليه)، أي كدوران عين الذي؛ والثاني كقوله:

ص: 364

351 -

ولا الحجاج عيني بنت ماء

تقلب طرفها حذر الصقور

أي صاحب عينين مثل عيني بنت ماء.

(وقد يقام مقام مضاف محذوف، مضاف إلى محذوف قائم مقامه رابع) - نحو:

352 -

أبيتن إلا اصطياد القلو

ب بأعين وجرة حيناً فحيناً

أي مثل أعين ظباء وجرة؛ ووجرة موضع بين مكة والبصرة، أربعون ميلاً، ليس فيه منزل تأوي إليه الوحش.

(وقد يستغنى بمضاف إلى مضاف إلى مضاف إلى رابع، عن الثاني والثالث) - نحو: (من أثر الرسول) أي من أثر حافر فرس الرسول.

(ويجوز الجر بالمضاف محذوفاً إثر عاطف متصل أو منفصل بلا، مسبوق

ص: 365

بمضاف مثل المحذوف، لفظاً ومعنى) - فالمتصل نحو: ما مثل أبيك وأخيك يقولان ذلك، ونحو:

353 -

أكلَّ أمرئ تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا؟

أي: ومثل أخيك، وكل نار.

والمنفصل نحو: ما كل سوداء تمرة، ولا بيضاء شحمة، ونحو:

354 -

ولم أر مثل الخير يتركه الفتى

ولا الشر يأتيه امرؤ وهو طائع

أي: ولا كل بيضاء، ولا مثل الشر. ولا يشترط في هذا الحذف تقدم نفي أو استفهام، خلافاً لبعض النحويين، كقوله:

355 -

لو أن طبيب الإنس والجن داويا الـ

ـذي بي من عفراء ما شفياني

ص: 366

وقوله:

356 -

لو أن عصم عما يتين ويذبل

سمعا حديث أنزلا الأوعالا

والجر في هذا مقيس.

(وربما جر المضاف المحذوف دون عطف) - حكى الكسائي عن العرب: أطعمونا لحماً سميناً شاة ذبحوها، بجر شاة على تأويل: لحم شاة، وقال:

357 -

رحم الله أعظماً دفنوها

بسجستان طلحة الطلحات

أي: أعظم طلحة الطلحات. وأجاز الكوفيون القياس على هذا.

(ومع عاطف مفصول بغير لا) - كقراءة بعضهم: (والله يريد الآخرة) بالجر أي: باقي الآخرة، كذا قدَّره بعض المحققين، وقدره كثيرون: عرض الآخرة؛ وهذا غير مقيس.

(فصل): (يجوز في الشعر فصل المضاف بالظرف والجار والمجرور، بقوة، إن تعلقا به) - أي بالمضاف، نحو قوله:

ص: 367

358 -

فرُشني بخير لا أكونن ومدحتي

كناحت يوماً صخرة بعسيل

ونحوه:

359 -

لأنت معتاد في الهيجا مصابرة

يصلى بها كل من عاداك نيرانا

أي: كناحت صخرة يوماً، ومعتاد مصابرة في الهيجا؛ ويوماً معمول ناحت، وفي الهيجا معمول معتاد؛ قال المصنف: وهو جدير بأن يجوز اختياراً؛ وفي الخبر عنه عليه السلام: "هل أنتم تاركو لي صاحبي"؟ وفي كلام بعض من يوثق بعربيته: ترك يوماً نفسك وهواها سعي لها في رداها.

(وإلا فبضعف) - نحو:

360 -

كما خط الكتاب بكف يوماً

يهودي يقارب أو يزيل

ونحو:

ص: 368

361 -

هما أخوا في الحرب من لا أخاله

إذا خاف يوماً نبوة فدعاهما

وجاء الفصل بالقسم في النثر، حكى الكسائي: هذا غلام والله زيد.

(ومثله في الضعف الفصل بمفعول به متعلق بغير المضاف) - كقول جرير:

362 -

تسقي امتياحاً ندى المسواك ريقتها

كما تضمن ماء المزنة الرصف

أي ندى ريقتها المسواك؛ ماح فاه بالسواك ميحاً إذا استاك، والامتياح مثل السواك، والرصف حجارة بعضها مرصوف إلى بعض، قال العجاج:

ص: 369

363 -

من رصف نازع سيلاً رصفا

حتى تناهى في صهاريج الصفا

أي مزج هذا الشراب من ماء رصف، نازع رصفاً آخر، لأنه أصفى له وأرق، فحذف الماء، وجعل مسيله من رصف إلى رصف، منازعة منه إليه.

(وبفاعل مطلقاً) - أي تعلق بالمضاف نحو:

364 -

ما إن وجدنا للهوى من طب

ولا عدمنا قهر وجد صب

أو بغير المضاف نحو:

365 -

أنجب أيام والداه به

إذ نجلاه، فنعم ما نجلا

ص: 370

أي أنجب والداه به أيام إذ نجلاه.

(وبنداء) - كقول بجير أخي كعب- بن زهير-:

366 -

وفاق، كعب، بجير منقذ لك من

تعجيل تهلكة والخلد في سقرا

أي وفاق بجير يا كعب.

وقول الفرزدق:

367 -

إذا ما أبا حفص أتتك رأيتها

على شعراء الناس يعلو قصيدها

أي إذا ما أتتك يا أبا حفص.

(وبنعت) - كقول الفرزدق:

368 -

ولئن حلفت على يديك لأحلفن

بيمين أصدق، من يمينك، مقسم

أي بيمين مقسم أصدق. وقال آخر:

ص: 371

369 -

نجوت، وقد بل المرادي سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب

أي من ابن أبي طالب.

(وفعل ملغى) - نحو ما أنشد ابن السكيت:

370 -

بأي تراهم الأرضين حلوا

أي بأي الأرضين.

(وإن كان المضاف مصدراً جاز أن يضاف، نظماً ونثراً، إلى فاعله مفصولاً بمفعوله) - ولا يختص ذلك بالشعر، خلافاً لأكثر النحويين، والعمدة قراءة ابن عامر:(قتل أولادهم شركائهم)، ومن النظم:

371 -

زج القلوص أبي مزاده

ص: 372

(وربما فصل) في اختيار اسم الفاعل المضاف إلى المفعول، بمفعول آخر، أو جار ومجرور) - فالأول كقراءة بعض السلف:(فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) بنصب وعد وجر رسل، والثاني نحو ما سبق من الخبر:(هل أنتم تاركو لي صاحبي)؟ وخُرِّج على حذف النون كقراءة بعضهم: (بضاري به من أحد)، ولا إضافة حينئذ.

(فصل): (الأصح بقاء إعراب المعرب المضاف إلى ياء المتكلم) - خلافاً للجرجاني وابن الخشاب وغيرهما في قولهم: إنه مبني؛ وفي البسيط، نقل قول: إن الإضافة إلى المبني مطلقاً يحصل عنها البناء مطلقاً، قال: ولذا جعل بعضهم الإضافة إلى ياء المتكلم موجبة للبناء؛ وقال ابن جني: إن المضاف إلى الياء لا يوصف بإعراب ولا بناء، والجمهور على أنه معرب تقديراً في الأحوال

ص: 373

الثلاثة، وسيأتي اختيار المصنف. وخرج بالمعرب المبني، فإنه يبقى على بنائه نحو: لدن وأحد عشر، ولو سكت عن المعرب لم يضر، لإشعار بقاء الإعراب بمقصوده.

(ظاهراً في المثنى مطلقاً) - أي رفعاً ونصباً وجراً نحو: قام غلاماي، ورأيت غلامي، ومررت بغلامي، وهذا بناء على أنه معرب بالحروف.

(وفي المجموع على حدِّه، في غير رفع) - وهذا أيضاً بناءً على ذلك القول، والمراد جمع المذكر السالم، وقال: في غير رفع، لاعتقاد ظهور علامة النصب والجر نحو: ضربت مسلمي، ومررت بمسلمي، وتقدير علامة الرفع نحو: ضربت مسلمي، ومررت بمسلمي، وتقدير علامة الرفع نحو: قام مسلمي، فعلامة الرفع الواو المقدرة، إذ أصله: مسلموي، فقلبت الواو ياء، وسبقه إلى هذا ابن الحاجب، وهو غير سديد، فالمقدر ما لم يوجد، والواو موجودة، إلا أنها انقلبت ياء، فكما لا يقال في ميزان: الواو مقدرة، كذلك هنا.

(وفيما سواهما مجروراً) - أي سوى المثنى والمجموع على حدِّه، فإذا قلت: مررت بغلامي، فعلامة الجر الكسرة الظاهرة على الميم، وكذا بغلماني وبهنداتي ونحو ذلك. ونظير ما ذهب إليه المصنف في هذا قول من زعم أن من زيد؟ في جواب من قال: قام زيد معرب بالحركة الظاهرة، وليست الحركة للحكاية، بخلاف من زيداً لقائل: ضربت زيداً، ومن زيد لقائل: مررت بزيد؛ والجمهور في المحكي والمضاف إلى الياء أن الإعراب مقدر في الأحوال الثلاثة.

ص: 374

(ومقدراً فيما سوى ذلك) - نحو: قام غلامي، ورأيت غلامي، وكذا ما أشبهه.

(ويكسر متلوها) - أي متلو الياء.

(إن لم يكن حرف لين يلي حركة) - نحو: غلامي وظبيي ودلوي وعدوي؛ وخرج بقوله: يلي حركة: علامة التثنية، وعلامة جمع المذكر السالم، وألف المقصور، وياء المنقوص، وسيأتي ما يفعل في هذه.

(وتفتح الياء أو تسكن) - نحو: قام غلاميْ وغلاميَ، ويا غلامِي ويا غلامِيَ، ثم قيل: الأصل الحركة، فالأكثر فيما كان على حرف واحد من المضمر الحركة، وقيل: السكون، لأنه حرف على كواو ضربوا.

(وإن نودي المضاف إليها) - أي إلى الياء.

(إضافة تخصيص) - نحو: يا غلامي؛ وخرج: يا مكرمي، للحال أو الاستقبال ونحوه، فإضافته للتخفيف، فالياء في نية الانفصال، فلم يشبه: يا قاض، في جواز الحذف، فلا تحذف الياء في: يا مكرمي، ولا تقلب ألفاً، ولا يفتح ما قبلها، وإنما تفتح أو تسكن.

(جاز أيضاً) - أي مع الفتح والتسكين.

(حذفها) - نحو: يا غلام.

(وقلبها ألفاً) - نحو: يا غلاما.

(والاستغناء عنها) - أي عن الألف.

(بالفتحة) - فتقول: يا غلام، كما استغني بالكسرة عن الياء، وهذا أجازه

ص: 375

الأخفش، ولم يتعرض غير المصنف لما اشترط من إضافة التخصيص، بل أطلقوا ذكر الأوجه في المنادى المضاف إلى الياء.

(وربما وردت الثلاثة) - أي الحذف، والقلب ألفاً، والاستغناء بالفتحة.

(دون نداء) - فالحذف: (فبشر عباد الذين)، حذفت الياء وصلاً ووقفاً وخطاً؛ والقلب:

372 -

أطوف ما أطوف ثم آوي

إلى أما ويرويني النقيع

وخصه بعضهم بالضرورة؛ والاستغناء بالفتحة:

373 -

ولست بمدرك ما ما فات مني

بلهف ولا بليت ولا لواني

وقيل: إن حذف الألف فيه ضرورة.

(وقد يضم فيه) - أي في النداء.

(ما قبل الياء المحذوفة، وتنوى الإضافة) - كقراءة بعضهم: (قال رب احكم بالحق)، (رب السجن أحب إلي)، وليس من باب: افتد

ص: 376

مخنوق، لقلة هذا؛ وحكى سيبويه عن بعض العرب: يا قوم لا تفعلوا، ويا رب اغفر لي، ووجه هذه اللغة أنه لما حذف الياء، قدر كأن الاسم لا ياء معه، فبنى على الضم، وأجاز أبو عمرو وغيره استعمال هذه اللغة بدون نداء نحو: جاء غلام، ومنه:

374 -

ذريني إنما خطئي وصوبي

علي، وإنما أتلفت مال

أي مالي؛ ورده أبو زيد الأنصاري، وقال: المعنى: وإن الذي أتلفته مال لا عرض.

(وتفتح) - أي الياء.

(في الحالين) - أي النداء وغيره.

(بعد حرف اللين) - ألفاً كان أو واواً أو ياء.

(التالي حركة) - خرج نحو: دلو وظبي.

(ويدغم فيها) - أي في الياء.

ص: 377

(إن كان ياءً أو واواً) - وذلك بعد قلب الواو ياء، لاجتماعها ساكنة مع الياء نحو: قاضي واثني وابني ومصطفي وعشري في قاض واثنين وابنين ومصطفين وعشرين، وكذا بنون ومصطفون وعشرون.

(وإن كان ألفاً لغير تثنية، جاز في لغة هذيل القلب والإدغام) - نحو: عصي وفتي في عصاي وفتاي، وذكر سيبويه هذه اللغة، ولم يعزها لهذيل، فقال: وباشرت العرب يقولون: بشري وهدي، وحكاها عيسى بن عمر عن قريش، وليس القلب بمتحتم عندهم، أعني أصحاب اللغة المذكورة، بل يجيزون إقرار الألف، كما يفعل غيرهم من العرب، وقد فعل أكثر العرب فعلهم في الأكثر عنهم مع كلمتي: لدى وعلى الظرفية، فقالوا: لدي وعلي، فقلبوا، ومنهم من أقر الألف فقال: لداي وعلاي، فأما ألف التثنية فكل العرب يقرها نحو: غلاماي وفتياي ورامياي.

(وربما كسرت مدغماً فيها) - وهي لغة حكاها الفراء وقطرب، وبها قرأ حمزة:(وما أنتم بمصرخي)، ومنها:

375 -

قال لها: هل لك يا نافيِّ؟

قالت له: ما أنت بالمرضي

ص: 378

(أو بعد ألف) - كقول بعض العرب: عصاي، وهي لغة قليلة، أقل من كسرها مدغماً فيها، وبها قرأ الحسن وأبو عمرو في شاذه؛ وأما قراءة نافع:(ومحياي) بسكون الياء، فمن إجراء الوصل مجرى الوقف.

(ويجوز في أبي وأخي: أبي وأخي، وفاقاً لأبي العباس) - ووجه ما أجازه رد المحذوف في الإفراد، ويدل لذلك قوله:

376 -

كان أبي كرماً وسوداً

يلقي على ذي اللبد الجديدا

وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر، خلافاً للمبرد في إجازته في الكلام، وهو مذهب الكوفيين.

(وحذف ميم الفم مضافاً أكثر من ثبوته) - ومن ثبوته:

ص: 379

377 -

وطعن كفم الزق

غذا والزق ملآن

وكذا:

378 -

يصبح ظمآن وفي البحر فمه

و"لخلوف فم الصائم .. "، فلا يخص ذلك بالشعر، وقد سبقت المسألة أول الكتاب.

(وفي مع حذف الميم واجب) - لوجوب رد الواو التي هي عين، وقلبها بالإدغام، وتخفيف الياء ممتنع، لبقاء الاسم المعرب على حرف واحد، ولا نظير لذلك، فتقول: فيَّ رفعاً ونصباً وجراً، وهو قياس ذي إن أجيز إضافتها لمضمر، فتقول: ذي في الأحوال الثلاث، كما تقول فيَّ كذلك، والأصل: ذوي كفوي، فقلبت وأدغمت.

ص: 380