الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - باب كم وكأين وكذا
(كم اسم لعدد مبهم، فيفتقر إلى مميز) - ودليل اسميتها الإسناد إليها وعود الضمير عليها، ومثالها: كم رجلاً جاءك؟ ودخول حرف الجر عليها، والإضافة إليها، وتسليط عوامل النصب عليها نحو: كم كانت دراهمك؟ وكم يوماً صمت؟ وكم فرسخاً سرت؟ وهي في حالتها، أعني الاستفهامية والخبرية، أشد إبهاماً من اسم العدد، لأن اسمه يدل على العدد نصاً ولا يدل على جنس المعدود، والأمران في كم مبهمان، فافتقارها إلى مميز أشد من افتقار اسم العدد: وفي البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن كم الخبرية حرف للتكثير في مقابلة رب، ويرده ما سبق من دليل اسميتها.
والجمهور على بساطة كم، وقال الكسائي والفراء: هي مركبة من كاف التشبيه وما الاستفهامية، وحذف الألف كما في: لِمَ؟ وبِمَ؟ ولا بُعْدَ فيه، كما قالوا في كذا وكأين بالتركيب من كاف التشبيه واسم الإشارة وأي.
(ولا يحذف إلا لدليل) - نحو: كم مالك؟ أي كم درهماً أو ديناراً، وكم غلمانك؟ أي كم رجلاً؟ وكم سرت؟ أي فرسخاً أو يوماً؟ قال تعالى:(قال قائل منهم: كم لبثتم)؟
وكلامه يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين مميز الاستفهامية ومميز الخبرية، فنقول: كم قد أتاني زيد، وكم عند ضارب زيداً؛ ومنع بعضهم ذلك في
الخبرية، لأنه لا يقتصر على مضاف دون مضاف إليه، فلا يقال في: عندي ثلاثة أثواب: عندي ثلاثة، كذا لا يقال: كم لك، أي كم غلمان؛ وصرح ابن العلج وابن عصفور بجواز حذف مميز الخبرية، وقيل يقبح حذفه إلا أن يقدر منصوباً، ومن الحذف:
72 -
كم عمةٌ لك يا جرير وخالةٌ
…
فدعاء قد حلبت علي عشاري
73 -
كم بجود مقرفٌ نال العلا
…
وكريم بخله قد وضعه
في رواية من رفع عمة ومقرف.
(وهو إن استفهم بها كمميز عشرين وأخواته) - فيكون مفرداً منصوباً كما سبق، وهي صالحة لقليل العدد وكثيره؛ وفي البسيط أنها عند بعضهم للتكثير، قال: والظاهر الأول لصلاحية الجواب بالأقل نحو: ثلاثة واثنين في جواب: كم رجلاً جاءك؟ وحكى الأخفش عن العرب: كم مكث عبد الله؟ يوماً أو يومين؟
(لكن فصله جائز هنا في الاختيار، وهناك في الاضطرار) - فيفصل بين كم الاستفهامية ومميزها في سعة الكلام نحو: كم لك درهماً؟ وكم أتاك رجلاً؟ وكم
ضربت رجلاً؛ والاتصال هو الأصل والأقوى، ولا يجوز الفصل مع عشرين وأحد عشر وأخواتهما إلا في ضرورة الشعر كقوله:
74 -
على أنني بعد ما قد مضى
…
ثلاثون للهجر حولاً كميلا
وقوله:
75 -
في خمس عشرة من جمادي ليلةً
…
لا أستطيع على الفراش رقادي
وإنما فصل في كم اختياراً للزومها الصدر، بخلاف نظيرها من الأعداد المميزة بمنصوب، فجعل هذا القدر من التصرف عوضاً من ذلك التصرف الذي سلبته. قاله سيبويه.
(وإن دخل عليها حرف جر فجره جائز بمن مضمرة، لا بإضافتها إليه، خلافاً لأبي إسحاق) - قال سيبويه: وسألته، يعني الخليل، عن قولهم: على كم جذع بيتك مبني؟ فقال: القياس النصب، وهو قول عامة الناس، وأما الذين جروا فإنهم أرادوا معنى مِنْ، ولكنهم حذفوها تخفيفاً وصارت على عوضاً منها. انتهى.
فمذهب الخليل وسيبويه والجماعة، كما قال ابن خروف، أن الجر بمن
مضمرة، وخالف الزجاج وحده، فحكى النحاس عنه أنه كان يخفض هنا بكم ولا يحذف شيئاً، وهو ضعيف لالتزامهم حينئذ دخول حرف الجر عليها، ولو كان على الإضافة لم يلتزم ذلك، ولأنها بمنزلة عدد لا يكون ذلك فيه.
وقول ابن بابشاذ: إن الحذف ليس مذهب المحققين ضعيف، فقد رأيت كلام الخليل وتقرير سيبويه له، وهو نص كلام غيرهما؛ وقول من أجاز الجر بدون دخول حرف الجر عليها ضعيف لعدم القياس والسماع.
(ولا يكون مميزها جمعاً، خلافاً للكوفين) - وفاقاً للبصريين إلا الأخفش، إذ فصل، فأجاز كونه جمعاً عند قصد السؤال عن أصناف الجمع نحو: كم رجالاً عندك؟ على قصد السؤال عن عدد أصناف القوم الذين عنده، لا عن مبلغ أشخاصهم وتبعه فيه بعض المغاربة.
(وما أوهم ذلك فحال، والمميز محذوف) - نحو أن يقال: كم لك شهوداً؟ وكم عليك رقباء؟ فيكون التقدير: كم إنساناً لك شهوداً؟ وكم نفساً عليك رقباء؟ ولم يسمع من كلام العرب: كم غلماناً لك؟
وفي رؤوس المسائل: لا خلاف في جواز: كم لك غلمانا؟ وأما كم غلمانا لك؟ فجائز عند الكوفيين، ممتنع عند البصريين. انتهى. فاتفق على الأول لإمكان الحالية، وخالف البصريون في الثاني لأن الحال لا يتقدم على العامل المعنوي.
(وإن أخبر بكم قصداً للتكثير، فمميزها كمميز عشرة أو مائة) -فيكون جمعاً مجروراً كمميز عشرة نحو: كم غلمان ملكت! ومفردها مجروراً كمميز مائة نحو: كم ثوب لبست! وتمييزها بالمفرد أكثر من تمييزها بالجمع؛ بل قال بعض النحويين إن الجمع شاذ، وهي في الحالين للتكثير عند المبرد ومن بعده من
النحاة، وخالف أبو بكر بن طاهر وتلميذه ابن خروف فزعما أنها للتعليل والتكثير كرُبَّ، وقالا: إنه مذهب سيبويه والكسائي، واستدل له ابن عصفور بقول الفرزدق:
76 -
(مكرر 72) * كم عمة لك يا جرير وخالة*
إذ ما ذكره في البيت وما بعده يمنع التكثير، من كونهم فُدعا يَقذْن الفُصلان بالرجلين، حالبات لعشار الفرزدق، كلفات، وتوضحه رواية الرفع.
(مجروراً بإضافتها إليه) - كما في عشرة ومائة.
(لا بمِنْ محذوفةً، خلافاً للفراء) - وعزاه بعضهم للكوفيين، ويظهر من كلام الخليل الميل إليه، واستدل له بقول الأعشى:
77 -
* كم ضاحك مِنْ ذا ومِنْ ساخرِ *
فقوله: ومن ساخر، دليل على أن التقدير: كم من ضاحك، ورُدَّ بجواز معاملة كم ضاحك، معاملة كم من ضاحك؛ لتوافقهما في المعنى، فعطف مع مِنْ كذلك، ويؤيد الإضافة منع جره عند انفصاله في النثر.
(وإن فُصل نُصب، حملاً على الاستفهامية) - كقوله:
78 -
كم نالني منهم فضلاً على عدم
…
إذ لا أكاد من افقتار أجتمل
وزعم بعض قدماء النحاة أن الأصل في كم الاستفهامية والخبرية نصب المميز، وأن جره بمن مقدرة فيهما، وضعفه سيبويه بأن الأكثر في الاستفهام النصب فأول جرُّها، والأكثر هنا الجرُّ فلا تأويل.
(وربما نصب غير مفصول) - في ذلك خلاف، وقد حكى سيبويه الجواز لغة عن بعض العرب، ومنه:
[مكرر (76) (72)] * كم عمة لك يا جرير وخالة *
في رواية من نصب، وهي لغة قليلة، وقال بعضهم إنها لغة تميم؛ وظاهر كلام سيبويه والمبرد والفارسي جواز نصب الجمع كالمفرد مع الفصل ودونه، فتقول: كم ملكت غلماناً، وكم غلماناً ملكت، بالنصب، وإليه ذهب السيرافي، وذهب الشلوبين إلى المنع في الجمع، لأن التمييز يلزمه الإفراد إلا فيما استثني.
(وقد يُجر في الشعر مفصولاً بظرف أو جار ومجرور) - فالأول كقوله:
79 -
كم دون مية موماةٍ يُهال لها
…
إذا تيممها الخريت ذو الجلد
والثاني كقوله:
80 -
كم في بني بكر بن سعد سيد
…
ضخم الدسيعة ماجد نفاع
وفي هذه المسألة مذاهب:
أحدها: الجواز مطلقاً في الكلام، وهو قول الكوفيين، ويعزى ليونس.
والثاني: تخصيصه بالشعر مطلقاً، وهو مذهب جمهور البصريين.
والثالث: تخصيصه بالشعر إذا كان الظرف أو المجرور ناقصاً، نحو: كم بك مأخوذٍ أتاني، وكم اليوم جائع جاءني؛ ومنعه إذا كان تاماً، وهو مذهب يونس؛
ويرده قوله:
كم دون مية موماةٍ .....
وقوله:
81 -
كم دون سلمى فلواتٍ بيدِ
…
والموماة واحدة الموامي أي المفاوز، وأصلها موموة على فعللة، وهو مضاعف
قلبت واوه ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهاله الشيء يهوله أفزعه، والخريت الدليل الحاذق، والدسيعة العطية، يقال: فلان ضخم الدسيعة.
(لا بجملة) - فلا تقول: كم جاءني رجلٍ، بخفض رجل في الكلام ولا في الشعر، هذا مذهب البصريين، وأجازه الكوفيون في الكلام، ويقتضيه كلام المبرد، وأنشد:
82 -
* وكم قد فاتني بطل كمي *
البيت بالخفض، وقال: لولا أن القافية مخفوضة لاختير الرفع أو النصب، وروى سيبويه البيت بالرفع ولم يُجزْ فيه الجر.
(ولا بهما معاً) - أي ولا بالجملة والظرف أو المجرور؛ ومن منع في الجملة وحدها منع في الجملة والظرف أو المجرور بطريق الأولى، وحكى بعض النحويين جر فضل في قوله:
(مكرر 78) كم نالني منهمُ فضلاً
…
البيت.
فإن ثبت فهو شاذ لا يقاس عليه في نظم ولا نثر.
(فصل): (لزمت كم التصدير) - أي استفهامية كانت أو خبرية؛ ولهذا
امتنع النصب في: زيد كم ضربته؟ أو كم دراهم أعطيته؟ وهذا التصدير لكم في غير الجر كما سيأتي، على أنه قد جاء في الاستفهامية عند الاستثبات تقديم العامل عليها معطوفة؛ حُكِيَ من كلامهم: قبضت عشرين وكم؟ في استثبات قائل: قبضت عشرين كذا وكذا.
وتقديم العامل على الخبرية لغة حكاها الأخفش نحو: فككتُ كم عانٍ، وملكت كم غلام! . وهي لغة قليلة، ثم قيل: لا يقاس على ما سُمع للقلة، وقيل: يقاس، وهو الصحيح؛ لأنها لغة.
(وبُنيت في الاستفهام لتضمنها معنى حرفه) - وهو همزة الاستفهام، وبذلك علل النحويون بناءها؛ ويجوز أيضاً أن تعلل بمشابهتها الحرف في الوضع والجمود.
(وفي الخبرية لشبهها بالاستفهامية لفظاً ومعنى) - إذ هي لعدد مبهم كالاستفهامية؛ ويجوز أن يعلل البناء أيضاً بما سبق. وقال الشلوبين: بنيت لتضمنها معنى حرف الكثرة الذي كان حقه أن يوضع، وهو نظير ما قاله ابن مالك في أسماء الإشارة؛ ورد ابن هشام قول الشلوبين بأنه لا يُعرف لأحد، ولا نظير له في كلامهم، والقياس لا يعطيه، لأن التضمين فرع الوجود، فما لم يوجد لا تضمن كلمة معناه، ومثل هذا يأتي في اسم الإشارة.
(وتقع في حالتيها مبتدأ) - نحو: كم درهماً لك؟ ، (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة)، فلك خبر كم، وكذا غلبت؛ وأجاز العَبْدي في: كم رجل جاءني، كون جاءني خبراً، وهو كلام الناس، وكونه صفة أغنت عن الخبر، كما
أغنت عنه في قولهم: أقل رجل يقول ذلك إلا زيداً، وأقل صفة رجل أغنت عن خبر أقل، والفرق واضح.
(ومفعولاً) - أي مفعولاً به، إما لفعل متعد بنفسه نحو: كم جزءاً قرأت؟ وكم رجال صحبتُ! . وإما لمتعد بحرف الجر نحو: على كم مسكين تصدقت؟ أو تصدقتُ! .
(ومضاف إليها) - نحو: غلام كم رجلاً ضربت؟ ورقبة كم أسير فككتُ! .
(وظرفاً) - نحو: كم ميلاً سرت؟ وكم يومٍ صمتُ! .
(ومصدراً) - نحو: كم ضربةً ضربت زيداً؟ وكم طعناتٍ طعنتُ! .
(فصل): (معنى كأين وكذا كمعنى كم الخبرية) - فيفيدان من التكثير ما تفيده كم الخبرية، وهذا في كأين صحيح، فعليه استعمال العرب، وأما كذا فالظاهر أنها تكون للعدد قليلاً أو كثيراً؛ وكأين مركبة من كاف التشبيه وأي الاستفهامية، قيل: ويحتمل أن تكون بسيطة؛ وكذا مركبة من كاف التشبيه ومن ذا اسم إشارة.
(ويقتضيان مميزاً منصوباً) - كقوله:
83 -
وكائن لنا فضلاً عليكم ونعمة
…
قديماً، ولا تدرون ما مَن مُنعمُ
وقوله:
84 -
عد النفس نُعمى بعد بؤساك ذاكراً
…
كذا وكذا لطفاً به نُسيَ الجهدُ
ولا يجوز أن يضافا إلى المميز ولا إلى غيره، لأن المركب يحكي، والإضافة تقتضي نزع التنوين فتفوقت الحكاية، ولأن اسم الإشارة لا يضاف.
(والأكثر جرُّهُ بمنْ بعد كأين) - كقوله تعالى: (وكأين من آية)، (وكأين من نبي)، (وكأين من قرية).
وهي زائدة لتأكيد البيان، ولما كان أصله الاستفهام صار كأنه غير واجب، وإن جاء مجروراً بغير لفظ مِنْ فهو بمِنْ مقدرة؛ هذا قول الخليل وسيبويه والكسائي؛ وليس جره بالإضافة، خلافاً لابن كيسان، ولا يكون مميز كذا إلا منصوباً.
(وتنفرد من كذا بلزوم التصدير) - فلا تقول: رأيت كأين من رجل،
وتقول: رأيت كذا وكذا رجلاً؛ وتقع كأين مبتدأ ومفعولاً، قال في البسيط؛ وخبراً، والقياس يقتضي وقوعها ظرفاً ومصدراً وخبراً لكان مثل كم الخبرية في تمثيل ابن قتيبة دخول حرف الجر عليها نحو: بكأين تبيع ثوبك؟ والقياس لا يأباه كما في كم، ومثل به أيضاً ابن عصفور.
(وأنها قد يستفهم بها) - استشهد المصنف على هذا بما جاء من أن أبي بن كعب قال لعبد الله: كأين تقرأ سورة الأحزاب؟ أو كأين تُعد سورة الأحزاب؟ فقال عبد الله: ثلاثاً وسبعين. فقال أُبي: قط، أي ما كانت كذا قط. والذي ذكره غيره من النحويين أن كأين للخبر مثل كذا.
(ويقال: كيءٍ) - بياء ساكنة بعد الكاف وهمزة مكسورة منونة، وهذه اللغة حكاها المبرد، والأصل: كيء بتقديم الياء المشددة على الهمزة، ثم حُققت كميِّتٍ.
(وكاءٍ) - بالألف بعد الكاف، وهمزة مكسورة منونة؛ والألف بدل من الياء المخففة، وبهذا قرأ ابن كثير.
(وكإ) - بحذف الألف، وهمزة مكسورة منونة بعد الكاف.
(وكأيٍ) - وهي مقلوبة من كيءٍ المذكورة أولاً بعد الأصلية التي هي كأين، وبهذه قرأ ابن مُحَيْصِن والأشهب، وحكاها ابن كيسان والأعلم؛ وزعم ابن خروف أن الأعلم غلط فيها، وهي كاي بألف ثم ياء، ورُد بأن غير الأعلم قد ضبطها كما سبق، لا كما ذكر ابن خروف، وبأن ما ذكره ابن خروف لم يحكه غيره، قال ابن عصفور: وهو جائز في القياس، كما قالوا في رأس راس بألف جاز في كأي كاي؛
وأفصح لغاتها الأصل، وبها قرأ الجمهور؛ ثم ما قر به ابن كثير، وهي كثيرة في كلام العرب، خصوصاً في الشعر.
(وقل ورود كذا مفرداً أو مكرراً بلا واوا) - الذي وجد في لسان العرب أن كذا إذا كني بها عن غير عدد أفردت نحو: نزلت بمكان كذا، أو عطفت نحو: بمكان كذا وكذا، وإذا كني بها عن عدد عطفت نحو: عندي كذا وكذا درهماً، والمميز منصوب مفرد؛ قيل: فإن وردت مفردة في العدد حمل على حذف المعطوف، أو مكررة فيه أو في غيره بلا عطف، حمل على حذف العطف، كما قالوا في كيت وكيت: كيت وكيت.
(وكنى بعضهم بالمفرد المميز بجمع عن ثلاثة وبابه، وبالمفرد المميز بمفرد عن مائة وبابه، وبالمكرر دون عطف عن أحد عشر وبابه، وبالمكرر مع عطف عن أحد وعشرين وبابه) - هذا شيء ذكره الكوفيون، ووافقهم فيه الأخفش والمبرد وابن كيسان والسيرافي وابن الدهان وأبو علي الفارسي في أحد قوليه؛ فتقول على هذا: مررت بكذا رجالٍ، بجر رجال، قيل على الإضافة، وقيل على البدلية، فيكون متردداً بين كونهم ثلاثة وما فوق ذلك إلى التسعة؛ ومررت بكذا رجلٍ بجر رجل على ما سبق، فيكون كناية عن مائة أو ألف، وكذا الكلام في الباقي.
والحاصل أنها تعامل معاملة ما كني به عنه في اللفظ والتمييز، فتفرد أو تركب أو تعطف، ويفرد التمييز أو يجمع، ويجر أو ينصب على حسب لفظ
المكنى عنه وتمييزه، وليس لهم في هذا سماع، وإنما استندوا إلى الرأي لا الرواية؛ ووافقهم ابن عصفور، إلا أنه قال فيما يقتضي جر التمييز: إنه يُجر بمِنْ، ويُعرف ويُجمع فتقول: عندي كذا من الرجال، قاصداً من ثلاثة إلى تسعة، وكذا من الدراهم قاصداً مائة وبابه؛ ومذهب جمهور البصريين أن التمييز لا يكون إلا مفرداً منصوباً، كيف كانت كذا، أريد بها عدد قليل أو كثير، وإليه ذهب الفارسي مرة، وزعم ابن عصفور أن ما اختاره مذهب البصريين؛ وسبقه إلى مثله ابن السيد، فزعم أن الكوفيين والبصريين اتفقوا على أن كذا وكذا كناية عن الأعداد المعطوفة، وأن كذا كذا كناية عن الأعداد المركبة؛ والصواب ما تقدم.