الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب أفعل التفضيل
(يصاغ للتفضيل موازن أفعَل اسماً) - وهذا لا خلاف فيه، واسميته واضحخة.
(مما صيغ منه في التعجب فعلاً على نحو ما سبق من اطراد وشذوذ ونيابة أشد وشبهه) - فمثل: أقمِنْ به هناك قولهم هنا: هو أقمن منه، أي أحق، ومثله أيضاً هنا قولهم: ألصُّ من شِظاظ، أي أكثر لصوصية، وهو رجل من بني ضبة، وفي بنائه من أفعل الخلاف السابق في التعجب؛ وقالوا: هو أعطاهم للدراهم، وهذا المكان أشجر، أي أكثر شجراً، يقال: أشجر المكان، أي صار ذا شجر؛ ولا شذوذ فيهما على ما سبق من الصحيح في أفعل. وقالوا: هذا أخصر من هذا، وهو من اختصر مبنياً للمفعول، وقالوا: أشغل من ذات النحيين، من شُغل مبنياً للمفعول؛ والكلام فيه كما سبق؛ وقالوا: أسود من حنَك الغراب؛ وكما قلت هناك: ما أشد دحرجته، وأشدد بدحرجته، تقول: هو أشدُّ دحرجةً، وكذا الباقي.
(وهو هنا اسم ناصبُ مصدر المحوج إليه تمييزاً) - فأشد ونحوه مما يتوصل به إلى التفضيل اسم ينصب مصدر الفعل المحوج إلى الإتيان به على التمييز، فتقول: هو أشد دحرجةً، وأصح تعليماً، وأكثر اقتراباً، وهو أقطع موتاً، وهو أقبح غوراً، وهو أحسن كحلاً.
(وغلب حذف همزة أخير وأشر في التفضيل، وندر في التعجب) - فيقال
في التفضيل: هو خير من كذا، وشر من كذا، ورفض أخير وأشر إلا نادراً؛ قرأ أبو قلابة:"مَنِ الكذابُ الأشر"، وقال:
110 -
* بلال خيرُ الناس وابنُ الأخير *
وشذ أيضاً حذفُ همزة أحب في التفضيل؛ قال الأحوص:
111 -
وزادني كلفاً بالحب أن مُنعتْ
…
وحَبُّ شيءٍ إلى الإنسان ما مُنعا
أي وأحبُّ. ويقال في التعجب: ما أخيره وما أشره، وندر حذف الهمزة، قالوا: ما خير اللبن للصحيح! . وما شره للمبطون! . وندر فيه أيضاً حذف همزة أشد، قال:
112 -
ما شد أنفسهم وأعلمهم بما
…
يحمي الذمار به الكريمُ المسلمُ
(ويلزم أفعلَ التفضيل عارياً) - أي من ال والإضافة.
(الإفراد والتذكيرُ) - سواء كان لمفرد أم لغيره، لمذكر أم لغيره نحو: زيد أفضل من عمرو، والزيدان أو الزيدون أفضل من عمرو، وهند أفضل من دعد، والهندان أو الهندات أفضل من دعد.
(وأن يليه أو معموله المفضول مجروراً بمن) - فالأول نحو: زيدٌ أفضل من عمرو، والثاني كقوله تعالى:(والنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين) وقوله:
113 -
فلأنت أسمح للعُفاة بسؤلهم
…
عد الشصائب من أب لبنينا
الشصائب جمع شِصْب بكسر الشين المثلثة وبعدها صاد مهملة ثم باء موحدة، وهو الشدة، شَصِبَ الأمر بالكسر اشتد، وشصَب العيش فالفتح يَشْصُبُ بالضم شُصوباً، وأشْصَبَ الله عيشه.
(وقد يسبقانه) - كقوله:
114 -
فقلت لها: لا تجزعي وتصبري
…
فقالت بحق إنني منك أصبرُ
فقلت لها: والله ما قلتِ باطلاً
…
وإني بما قد قلتِ لي منكِ أخبرُ
ولا يجوز ذلك إلا في نادر من الكلام.
(ويلزم ذلك إن كان المفضولُ اسمَ استفهام، أو مضافاً إليه) - فالأول نحو: ممن أنت أحلم؟ ومن أي رجل أنت أكرم؟ وممَّ قدُّك أعدل؟ والثاني نحو: من وجه مَنْ وجهُك أجمل؟ ذكر هذه المسألة الفارسي في التذكرة؛ قال المصنف: وهي من المسائل المغفول عنها. انتهى.
ويجب سبقُ مَنْ، والحالة هذه، ما كان أفعل خبراً له، كما مثل، ونحو: ممن كان زيدٌ أفضلً؟ وممن ظننت زيداً أفضل؟ ولا يجوز التوسط، فلا يقال: زيدٌ ممن أفضل؟ ولا كان زيدٌ ممن أفضل؟ ولا ظننت زيداً ممن أفضل؟
(وقد يُفصل بين أفعل ومِنْ بِلَوْ وما اتصل بها) - كقوله:
115 -
ولَفُوكِ أطيَبُ لو بذلت لنا
…
من ماء مَوْهَبَةٍ على خمر
ويروى: أشهى لو يحل لنا
…
وعلى شهد. والموهبة بفتح الميم والهاء وبينهما واو، وبعد الهاء ثانية الحروف نقرة في الجبل يستنقع فيه الماء، والجمع مواهب.
وجاء الفصل أيضاً بالنداء، قال جرير:
116 -
لم نلق أخبثَ يا فرزدقُ منكُم
…
ليلاً، وأخبثَ بالنهار نهارا
(ولا يخلو المقرون بمن، في غير تهكم، ) - احترز من قوله:
117 -
لأكلة من إقط بسمن
…
ألين مساً في حوايا البطن
من يثربياتٍ قذاذٍ خُشْن
قذاذ بقاف وذالين معجمتين جمع قُذ، وقُذ جمع أقذ، والأقذ السهم الذي لا ريش له.
(من مشاركة المفضل في المعنى) - نحو: العسل أحلى من التمر، ولا يقال: الماء أروى من الخبز.
(أو تقدير مشاركته) - كقولهم في الشرير: هذا خير من هذا؛ أي أقل شراً، قال تعالى:(قال رب السجنُ أحبُّ إليَّ)، وأما قول بعضهم: الصيف
أحرُّ من الشتاء، فقيل: هو بالنسبة إلى الأمزجة، فإن حرها في الصيف أشد، أو على معنى أن الشتاء يُتحيَّل فيه على الحر بموقيات البرد، والصيف لا يحتاج إلى تحيل، فحره أشد من حر الشتاء. ويجوز أن يكون على التهكم، وعن بعض أهل العلم أنه قال: العسل أحلى من الخل؛ قيل: وهو إما على إرادة معنى أطيب، لأن الخل يؤتدم به، فله من الطيب نصيب، إلا أنه دون نصيب العسل؛ وإما على معنى: حلي بعيني أي حسُن منظره، أو أراد بالخل العنب، كما يسمى العنب خمراً، والتهكم لا يمتنع.
(وإن كان أفعل خبراً حُذف، للعلم به، المفضول غالباً) - كقوله تعالى: ([قال: ] أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ )(ذلكم أقسط عند الله، وأقوم للشهادة، وأدنى ألا ترتابوا) - ودخل في الخبر ما أصله الخبر، قال تعالى:(إن ما عند الله هو خير لكم)، (تجدوه عند الله هو خيراً)، وقال:
118 -
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها
…
ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
أي أصبر منا، ولو لم يُعلم لم يجز حذفه. واستظهر بغالباً على ذكره، فهو جائز مع العلم به، (قل ما عند الله خير من اللهو).
(ويقلُّ ذلك إن لم يكن خبراً) - ومنه: (فإنه يعلم السر وأخفى) وقوله:
119 -
دونوتِ، وقد خلناكِ كالبدر، أجملا
…
فظل فؤادي في هواكِ مضللاً
أي دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك كالبدر؛ فأجمل حال عامله دنوت؛ وأجاز البصريون حذف المفضول للعلم به، إذا كان أفعل فاعلاً نحو: جاءني أفضلُ، أو اسم إن نحو: إن أكبر الله؛ ومنعه الكوفيون؛ وزعم الرماني أنه لا يجوز الحذف إلا في الخبر، ولا يجوز في الصفة نحو: مررت برجل أفضل من عمرو.
(ولا تصاحبُ مِن المذكورة) - أي التي للتفضيل، فإن لم تكن له صاحبت، كما إذا صيغ أفعل مما يتعدى بمن، فإنها تصاحبه مجرداً أو مضافاً أو بال، قال الكميت:
120 -
فهم الأقربون من كل خير
…
وهم الأبعدون من كل ذام
وإذا تجردت هذا قلت: زيدٌ أقرب من الخير من عمرو، وإن شئت: من عمرو
من الخير؛ وكذا لو كان الجار غير مِنْ نحو: زيد أضرب لعمرو من بكر، قال تعالى:(ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)، ونحو: زيدٌ أضرب من بكر لعمرو، فلو قلت: زيد أعلم بالنحو منه بالفقه، قال شيخنا: تعين تأخير المجرور الثاني، وامتنع: زيد أعلم منه بالفقه بالنحو، أو زيد أعلم بالفقه بالنحو منه؛ لأن المعنى: زيد يزيد علمه بالنحو على علمه بالفقه، وذلك يؤدي إلى تقديم معمول المصدر المتضمن عليه، وفيه نظر ظاهر، والأقرب أنه إن امتنع فلقبح توالي معمولين بحرفين بلفظ واحد؛ هذه المسألة مثل: هذا بُسراً أطيبُ منه رطباً، فعلى قياسها ينبغي أن يجوز: زيد بالنحو أعلم منه بالفقه، بل هذا أسهل لجواز: زيد بالفقه أبصر من عمرو، وامتناع: زيد قائماً أحسن من عمرو؛ وإنما جاز هذا لأن المجرور يتسع فيه أكثر من غيره، وقد سبق قوله:
(مكرر 114) - * وإني بما قد قلت لي منك أخبر *
وهو شاهد الجواز.
(غير العاري) - وهو المضاف نحو: أفضل الناس، وذو ال نحو: الأفضل.
(إلا وهو مضاف إلى غير معتد به) - كقوله:
121 -
نحن بغرس الودِيَّ أعلمنا
…
منا بركض الجياد في السدفِ
وأوَّل على نية طرح المضاف إليه، وهو معنى قوله: غير معتد به. والسدف الصبح وإقباله، ذكره الفراء، وأنشد البيت، والسدف أيضاً الليل.
(أو ذو ألف ولام زائدتين، أو دال على عارٍ متعلق به مِنْ، أو شاذ)
كقوله:
122 -
ولست بالأكثر منهم حصاً
…
وإنما العزةُ للكاثر
وأول على زيادة ال، أو على تعلق مِنْ بأكثر محذوفاً دل عليه المذكور، أي لست بالأكثر أكثر منهم، أو هو شاذ.
(فصل) - (إن قرن أفعل التفضيل بحرف التعريف، أو أضيف إلى
معرفة مطلقاً له التفضيل، أو مؤولاً بما لا تفضيل فيه، طابق ما هو له في الإفراد والتذكير وفروعهما) - فالأول كالأفضل، فتقول: زيد الأفضل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون أو الأفاضل، وهند الفضلى، والهندان الفضليان، والهندات الفضليات أو الفضل؛ وإنما طابق مع ال لأن دخولها عليه أبعد شبهه لأفعل التعجب، بخلاف المقرون بمن.
والثاني نحو: يوسف أحسن إخوته، أي الأحسَن من بينهم، فليس على معنى مِنْ، بل على اختصاص الموصوف بأفعل التفضيل، ولا يكون حينئذ بعضاً مما أضيف إليه.
والتزم البصريون أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفةن لا يكون إلا بعض ما أضيف إليه؛ فمنعوا: أحسن إخوته، وأجازه الكوفيون. وقال زيادة الحارثي:
123 -
ولم أر قوماً مثلنا خير قومهم
…
أقل به منا على قومهم فخرا
فهذا مثل: أحسن إخوته، وما استعمل من أفعل التفضيل هذا الاستعمال
طابق ما هو له لزوماً، فتقول: الزيدان أحسنا إخوتهما
…
وكذا الباقي.
والثالث نحو: زيد أعلم المدينة، أي عالم المدينة، أي عالم المدينة، فهذا أيضاً يطابق لزوماً فتقول: الزيدان أعلما المدينة، أي عالماها
…
وكذا الباقي.
وكون أفعل ينسلخ عن معنى التفضيل أنكره كثيرون من النحويين، وأثبته أبو عبيدة والمبرد والمتأخرون، ومنهم الزمخشري والمصنف، واستشهدوا له بقوله تعالى:(هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض)، (وهو أهون عليه)، وهو كثير، وإن قبل التأويل بالرد إلى التفضيل، ومنه قول الشافعي:
124 -
تمنى رجال أن أموت، وإن أمت
…
فتلك سبيل لستُ فيها بأوحد
(وإن قيدت إضافته بتضمين معنى مِنْ جاز أن يطابق، وأن يستعمل استعمال العاري) - فالأول كقوله تعالى: (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها)، والثاني كقوله تعالى:(ولتجدنهم أحرص الناس)
واحترز بقوله: معنى من عما سبق من قصد إخلائه من معناها نحو: يوسف أحسن إخوته، وهذا ممتنع على تضمين معنى مِنْ؛ وإنما يجوز على تضمين معناها: يوسف أحسن أبناء يعقوب.
(ولا يتعين الثاني) - وهو أن يستعمل كالعاري فلا يطابق.
(خلافاً لابن السراج) - ورد عليه بالسماع، قال تعالى:(أكابر مجرميها)، (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا)، وإلى هذا ذهب أيضاً صاحب البديع، فأوجب فيما كان على معنى مِنْ عدم المطابقة كالمقرون بها، وأجاب عن الآيتين بأن أفعل لم يضمن معنى مِن، بل المقصود به المعروف بذلك، وعلى جواز الوجهين قال ابن الأنباري: الإفراد والتذكير أفصح؛
وقال أبو منصور الجواليقي: المطابقة أفصح، فرد على ثعلب في قوله: واخترنا أفصحهن، وقال: كان الأولى: فصحاهن، لأنه الأفصح، كما شرط في الكتاب.
(ولا يكون حينئذ) - أي حين إذ تفيد إضافته بتضمين معنى مِنْ له.
(إلا بعضَ ما أضيف إليه) - ولذلك امتنع: يوسف أحسن إخوته، على تضمين معنى مِنْ، وجاز: يوسف أحسن أبناء يعقوب، لأن يوسف ليس بعض إخوته، وهو بعض أبناء يعقوب؛ وهذا على مذهب البصريين؛ وأجاز
الكوفيون: يوسف أحسن إخوته، على معنى مِنْ، قالوا: كما لو صرحت بها، وقالوا: إن أفعل حينئذ لا يتعرف.
(وشذَّ: أظلمي وأظلمُهُ) - يشير إلى قول الراجز:
125 -
يا رب موسى أظلمي وأظلمُه
…
فاصبب عليه ملكا لا يرحمه
وكان القياس: أظلمنا.
(واستعماله عارياً دون مِنْ) - أي عارياً من الإضافة وال.
(مجرداً عن معنى التفضيل) - كما سبق ذكره عن أبي عبيدة ومن ذكر معه.
(مؤولا باسم فاعل) - نحو: (هو أعلم بكم) أي عالم.
(أو صفة مشبهة) - نحو: (وهو أهون عليه)، أي هين، إذا لا تفاوت في نسبة المعلومات والمقدورات إلى الله تعالى.
(مطرد عند أبي العباس) - وعليه المتأخرون، وحكى ابن الأنباري الجواز عن أبي عبيدة، والمنع عن النحويين.
(والأصح قصره على السماع) - قيل لقلة ما ورد من ذلك، وفيه نظر ظاهر، ولعل وجهه أن الوارد قابل للتأويل، إلا أن في بعض التأويل تكلفاً وموضع التكلف قليل، ومنه:(هؤلاء بناتي هُن أطهرُ لكم) أي طاهرات، (لا يصلاها إلا الأشقى) أي الشقي؛ والوجه أن ذلك مطرد، والله أعلم.
(ولزوم الإفراد والتذكير فيما ورد كذلك) - أي عارياً كما تقدم.
(أكثر من المطابقة) - فالإفراد نحو: (خير مستقراً وأحسن مقيلا)، (نحن أعلم بما يستمعون به)، والمطابقة نحو:
126 -
إذا غاب أسودُ العين كنتمُ
…
كراماً، وأنتم ما أقام ألائمُ
أي لئام، فألائم جمع ألأم بمعنى لئيم، وإذا صح جمع أفعل العاري المجرد عن معنى التفضيل إذا جرى على جمع، جاز تأنيثه إذا جرى على مؤنث، وعلى هذا يكون قول ابن هانئ:
127 -
* كأن صغرى وكبرى من فقاقعها*
صحيحاً لأنه تأنيث أصغر وأكبر بمعنى صغير وكبير، لا بمعنى التفضيل.
(ونحو: هو أفضل رجل، وهي أفضل امرأة، وهما أفضل رجلين أو امرأتين، وهم أفضل رجال، وهن أفضل نسوة، معناه ثبوت المزية للأول على المتفاضلين، واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو جماعة جماعةُ) - فيجب عند إضافة أفعل إلى نكرة إفراد أفعل، إذ معنى: أفضل رجل: أفضل من كل رجل قيس فضله بفضله، وكذا الباقي، فحذفت: من كل، وأضيف أفعل إلى ما كان كل مضافاً إليه؛ ويجب مطابقة النكرة في هذا لما أسند إليه أفعل، كما سبق تمثيله، ولا يجوز عدم المطابقة، فلا يقال: الزيدون أفضل رجل، ويجب أيضاً كون النكرة مما يصدق على المسند إليه أفعل، فلا يجوز: زيد أفضل امرأة.
(وإن كان المضاف إليه مشتقاً جاز إفراده، مع كون الأول غير مفرد) -
كقوله تعالى: (ولا تكونوا أول كافر به) إذ المعنى أول من كفر، وتضمن الإفراد والمطابقة ما أنشده الفراء:
128 -
وإذا هُم طعموا فألأم طاعم
…
وإذا هُم جاعوا فشَرُّ جياع
وأما قوله تعالى: (ثم رددناه أسفل سافلين) فجمع، وإن كان ما قبله بلفظ مفرد وهو الإنسان، لأن المقصود به الجنس بدليل الاستثناء. ومقتضى عبارة المصنف جواز: الزيدان أفضل مؤمن أو مؤمنين.
(وألحق بأسبق مطلقاً أولُ صفةً) - فيجري مجرى أفعل التفضيل في جميع ما تقدم، فيكون بال ومجرداً ومضافاً إلى معرفة أو نكرة، وتثبت له تلك الأحكام كلها؛ وإنما أفرده بالذكر لأنه قد يخرج عن الوصفية كما سيأتي؛ ويثبت له مع الوصفية أيضاً ما لم يثبت لأفعل التفضيل، كما يذكر أيضاً، ومثاله بال: الأول، فيثنى ويجمع ويؤنث، ومثاله مضافاً إلى نكرة:(إن أول بيتٍ) وإلى معرفة: (وأنا أول المؤمنين). وتقول: ما رأيته مذ أول من أمس، أي مذ يوم أول من أمس. ويلزمه مع الإضافة إلى النكرة ومع مِن الإفرادُ.
(وإن نُويت إضافته بُني على الضم) - قال سيبويه: وتقول: ابدأ بهذا أولُ، أي بالضم، والمعنى: أولُ الأشياء، فقطع عن الإضافة ونوُيت وبُني على الضم كما في: قبلُ وبعدُ. ولا يكون هذا في أفعل التفضيل غيره؛ لا يجوز: ابدأ
بهذا أسبقُ، تريد: أسبق الأشياء؛ وحكى الفارسي في المثال ضمُ اللام، ووجهه ما سبق، وفتحها، وهو غير منصرف للوصف والوزن.
(وربما أعطي مع نيتها ما له مع وجودها) - كما حكى الفارسي في المثال أيضاً من كسر اللام بلا تنوين، بتقدير الإضافة إلى مقدر الثبوت، نحو:
129 -
* خلط من سلمى خياشيم وفا *
(وإن جُرِّد عن الوصفية جرى مجرى أفكل) - فيصير اسماً مصروفاً، إذ ليس فيه غير وزن الفعل كأفكل، وهو الرعدة، نحو: ما له أول ولا آخر، فلو سمي به منع للعلمية والوزن.
(وألحق آخَر بأول غير المجرد) - أي من الوصفية، فألحق بأول الوصفِ
(فيما له من الإفراد والتذكير وفروعهما من الأوزان) - فتقولك الآخر والآخران والآخرون والأواخر والأخرى والأخريان والأخر.
(إلا أن آخر يطابق في التنكير والتعريف ما هو له) - فإن جرى على نكرة كان نكرة، وهو في المطابقة كالمعرف الجاري على معرفة، تقول: مررت بزيد ورجل آخر، ورجلين آخرين، وكذا في التأنيث، فخالف في مطابقته في التنكير أفعل التفضيل، فإنه يلازمه في التنكير لفظ الإفراد والتذكير كما سبق، فعدل به عما هو به أولى، ويمنع آخر من الصرف للصفة والعدل كثلاث.
(ولا تليه مِنْ وتاليها) - لأنه لا يدل على التفضيل بنفسه، ولا بتأويل كتأويل أول بأسبق، وألص بأسرق.
(ولا يضاف، بخلاف أول) - فيقال: أول فارس، وأول الفرسان، وأول أصحابك؛ ولا يجوز: آخر رجل، ولا آخر الرجال، ولا آخر أصحابك؛ وبهذا يرد قول من ذهب من المتأخرين من الفقهاء في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الولوغ:"أخراهن بالتراب"، إلى أن أخرى في الخبر تأنيث آخر بفتح الخاء، لا تأنيث آخر بكسرها، وفُعِل ذلك توفيقاً بين الخبر على هذه الرواية، وبين خبر، "وعفروه الثامنة بالتراب".
(وقد تنكر الدنيا والجلي لشبههما بالجوامد) - قال الراجز:
130 -
* في حب دنيا طال ما قد مدتِ *
وقال الآخر:
131 -
* وإن دعوتِ إلى جُلي ومكرمة *
والدنيا تأنيث الأدنى، والجلي تأنيث الأجل، وكان حقهما إذا نكرا أن يذكرا، لكن كثر استعمالهما استعمال الأسماء، فلذلك جاز هذا فيهما.
(وأما حُسْنَى وسُوءَى فمصدران) - قرئ في الشاذ: (وقولوا للناس حسنى)، وهو مصدر على فُعلى كالرجعي، فالحسن والحسنى على الفُعل والفُعلى مصدران كالعُذر والعُذرى، والسُّوء والسُّوءَى.
(فصل): (لا يرفع أفعل التفضيل في الأعرف ظاهراً) -فلا يقال: مررت برجل أفضل منه أبوه، برفع الأب بأفضل، إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه وغيره، وذلك لشبهه في التنكير بأفعل في التعجب، فلزم التذكير ورفع المضمر.
(إلا قبل مفضولٍ هو هو مذكورٍ أو مقدرٍ) - فإنه في هذا يرفع الظاهر عند جميع العرب. والعلم في هذه المسألة: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد. وهذا مثال المفضول المذكور، فضمير منه هو المفضول، وهو عائد
على الكحل المرفوع بأحسن، والمفضول هو الكحل، والكحل هو الزائد في الفضل فالكحل فاضل مفضول، فالمفضول هو الفاضل، لكن اختلف محله، ففضل في محل، على نفسه في محل آخر؛ ومثال المفضول المقدر: ما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل من عين زيد، أو من زيد، والتقدير: من كحل عين زيد، فحذف في الأول مضاف، وفي الثاني اثنان، والأصل؛ منه في عين زيد، لكنه اختصر للدلالة، إذ المقصود بذلك واضح.
(وبعد ضمير مذكور أو مقدر، مفسر بعد نفي أشبهه، يصاحب أفعل) - فالمذكور نحو ما سبق في المثال، وهو ضمير في عينه، فالكحل وهو المرفوع بأفعل قبله هذا الضمير، ومفسره رجل الموصوف بأحسن، فهو بعد ضمير صفته ذلك، وبعد الكحل ضمير هو المفضول، وهو عين المفضل، فالكحل قبل مفضول هو هو.
ومثال المقدَّر قول بعض العرب: ما رأيت قوماً أشبه بعض ببعض من قومك. والأصل: ما رأيت قوماً أبين فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك. ثم حذف منه العائد على شبه، وأدخلت مِنْ على شبه مضافاً لبعض وما يقتضيه، فصار التقدير: ما رأيت قوماً أبين فيهم شبه بعض ببعض من شبه بعض قومك ببعض، ثم حذفت شبه، وما يضاف إليه، وما يقتضيه، فصار: ما رأيت قوماً أبين فيهم شبهُ بعض ببعض من قومك؛ ثم فيهم وأبين مع مرفوعه، معوضاً عنه أشبه فصار: ما رأيت قوماً أشبه بعض ببعض من قومك.
وهذا التقدير كله يرشد إليه المعنى مع العلم بأصل التركيب الذي يعطيه. قال المصنف: ولم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل التفضيل إلا بعد
نفي، ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي نحو: لا يكن غيُرك أحبَّ إليه الخيرُ منه إليك، وهل في الناس رجلٌ أحقُّ به الحمدُ منه بمحسنٍ لا يَمُنُّ؟
(ولا ينصب مفعولاً به) - فلا يقال: زيدٌ أضْرَبُ من عمرو بكراً، بنصب بكر بأضرب، بل إن كان مما يتعدى لواحد، وليس مفهم علم أو جهل عُدِّيَ إليه باللام، فتقول: لبكر، وإن أفهم ما ذكر فبالباء، نحو: زيدٌ أعرف بالنحو وأجهل بالفقه.
(وقد يدل على ناصبه) - نحو:
132 -
فما ظفرت نفسُ امرئٍ يبتغي المنى
…
بأبذل من يحيى جزيل المواهب
أي يبذل جزيل المواهب.
(وإن أول بما لا تفضيل فيه جاز على رأي أن ينصبه) - لأنه حينئذ كاسم الفاعل، وعليه:(الله أعلم حيث يجعل رسالاته)، والمانع يقول: صورته
صورة أفعل التفضيل، فلا يعمل كهو، ولذا كان الأكثر فيه الإفراد والتذكير دون المطابقة، كما سبق، حيث في الآية ناصبه مقدر، أي يعلم حيث
…
(وتتعلق به حروف الجر على نحو تعلقها بأفعل المتعجب به) - وهو ما سبق في قوله: ويجر ما تعلق بهما
…
إلى آخره، فتقول: زيدٌ أحب إليَّ من عمرو، وأعلم بالفقه من خالد، وأضرب لبكر من غيره، وأرغب في الخير من عمرو، ومحمد أرأف بنا من غيره.