الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
46 - باب البدل
هذا اصطلاح البصريين، وأما الكوفيون فنقل عنهم ابن كيسان تسميته تكريراً، ونقل الأخفش أنهم يسمونه الترجمة والتبيين.
(وهو التابع) - أي لفظاً أو تقديراً، وهو التابع على الموضع نحو:
411 -
أبني لبينى لستم بيد
…
إلا يداً ليست لها عضد
ومثل هذا يأتي في غير البدل من التوابع، حيث يراعى الموضع.
(المستقل بمقتضى العامل تقديراً) - فأخرج النعت وعطف البيان والتوكيد، واختلف في عامل البدل، فالأكثر أن العامل مقدر معه، وهو من جملة ثانية، ولذا ظهر العامل في:(للذين استضعفوا لمن آمن منهم)،
(من الذين فرقوا)، (لمن كان يرجو الله) وهو في حرف الجر كثير متفق عليه، ويجب في نحو: مررت بزيد به، واختلف في إظهار الرافع والناصب، والأكثر على المنع، وقيل: يجوز، واختاره ابن عصفور، وعليه خرَّج:(اتبعوا من لا يسألكم أجراً)، وهو قليل في الكلام، وشرطه قيام قرينة تؤمن من اللبس؛ وقال قوم منهم المبرد: ليس على التكرار، بل العامل هو الأول، وهو ظاهر قول سيبويه، واختاره ابن عصفور والمصنف في الشرح، وأيد بإبدالهم المجرور من المجرور بلا إعادة خافض، والفعل المنصوب من مثله، والمجزوم من مثله بلا إعادة، والجميع فصيح.
(دون متبع) - أخرج المعطوف ببل ولكن، لدخوله تحت المستقل المذكور، ولكن بمتبع وهو بل ولكن.
(ويوافق المتبوع ويخالفه في التعريف والتنكير) - فمثال الموافق: (الله الذي له) في قراءة الجر، (حدائق وأعنابا)، والمخالف بتعريفه:(صراط الله الذي)، وبتنكيره:(ناصية اذبة).
ولم يشترط البصريون في إبدال المعرفة من النكرة، والنكرة من المعرفة، اتحاد لفظ، ولا وجود وصف، ونقل ابن مالك عن الكوفيين أنهم لا يبدلون النكرة من المعرفة، إلا إن كانت من لفظ الأول؛ ونسب بعض النحويين هذا
لنحاة بغداد، ونقل عن الكوفيين أيضاً أنهم لا يفعلون ذلك وعكسه إلا بالشرط المذكور؛ وكلام الكوفيين على خلاف هذا، قال الكسائي والفراء في:(قتال فيه) أنه على نية عن وصرح بعن في قراءة عبد الله، وأجاز الفراء في:(هارون أخي)، كونه مترجماً لـ وزيراً، قال: فيكون نصباً للتكرير.
ونقل أيضاً عن الكوفيين والبغداديين اشتراط وصف النكرة المبدلة من المعرفة، وتابعهم السهيلي وابن أبي الربيع، ونقل عن بعض الكوفيين في إبدال النكرة من النكرة، اشتراط وصف المبدلة، ويدل للبصريين:(حدائق وأعناباً)، وقوله:
412 -
فألقت قناعاً دونه الشمس واتقت
…
بأحسن موصولين: كف ومعصم
وقوله:
413 -
فلا وأبيك خير منك إني
…
ليؤذيني التحمحم والصهيل
(ولا يبدل مضمر من مضمر) - نحو: رأيتك إياك.
(ولا من ظاهر) - نحو: رأيت زيداً إياه.
(وما أوهم ذلك جعل توكيداً) - كالمثالين السابقين. قال المصنف: ومثلت بهما جرياً على عادة المصنفين، والصحيح عندي أن نحو: رأيت زيداً إياه، لم يسمع في كلام العرب، نثره ونظمه، ولو استعمل كان توكيداً، وأما رأيتك إياك، فسبق الكلام فيه؛ وجعل الزمخشري من أمثلة البدل: مررت بك بك، وهذا توكيد لفظي، وإلا لم يكن للتوكيد اللفظي مثال يختص به.
(إن لم يفد إضراباً) - نحو: إياك إياي قصد زيد، وما مثل به من بدل المضمر من المضمر أو الظاهر، هو بدل الشيء من الشيء، وأما بدل الاشتمال وبدل البعض فنحو: حسن الجارية أعجبتني هو، وثلث التفاحة أكلتها إياه، وحسن الجارية أعجبتني الجارية هو، وثلث التفاحة أكلت التفاحة إياه؛ وفيهما ما تقدم، وفي الصور خلاف من جهة الربط بتقدير البدلية، فمن جعل البدل معمولاً لعامل المبدل منه أجاز، ومن جعله على التكرير، منهم من منع، لخلو الخبر عن الربط، ومنهم من أجاز نظراً إلى المعنى، كما في: زيد نعم الرجل، وأفهم كلام المصنف جواز إبدال ظاهر من مضمر، وستأتي المسألة.
(فإن اتحدا معنى سمي بدل كل من كل) - هكذا عبر الجمهور، ولا يطرد، لوقوعه حيث لا يصدق ذلك، نحو:(إلى صراط العزيز الحميد الله)، والجيد أن يقال: بدل موافق من موافق؛ وبعض المغاربة يقول: بدل الشيء من الشيء، والمقصود إبدال لفظ من لفظ، مع كونهما لمعنى واحد، إما حقيقة نحو: رأيت أخاك زيداً، أو مجازاً نحو:
414 -
أحب ريا ما حييت أبداً
…
ولا أحب غير ريا أحدا
فأبداً في معنى ما حييت تجوزاً.
(ووافق أيضاً في التذكير والتأنيث) - نحو: رأيت أخاك زيداً، أو جاريتك هنداً.
(وفي الإفراد وضديه) - وهما التثنية والجمع نحو: عرفت ابنيك المحمدين، وأصحابك الزيدين.
(ما لم يقصد التفصيل) - فلا يطابق نحو: "فاذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف"، قال:
415 -
وكنت كذي رجلين: رجل صحيحة
…
ورجل رمى فيها الزمان فشلَّت
وقد يقع التفصيل بلفظ بعض، نحو: ضربت الناس، بعضهم قائماً،
وبعضهم قاعداً، ولم يطابق أيضاً مع المصدر، قال تعالى:(مفازاً، حدائق وأعنابا).
(وقد يتحدان لفظا، إن كان مع الثاني زيادة بيان) - كقراءة يعقوب: (وترى كل أمة جاثية، كل أمة تدعى إلى كتابها)، قال ابن جني: أبدل الثانية من الأولى، لأن الثانية ذكر سبب الجثو.
(ولا يتبع ضمير حاضر، في غير إحاطة، إلا قليلا) - فالإحاطة نحو: (تكون لنا عيداً، لأولنا وآخرنا)، ونحو: أكرمتكم أصاغركم وأكابركم، وأما غيرها فالبصريون، إلا الأخفش، على المنع، والكوفيون على الجواز، واحتج بقوله تعالى:(الذين خسروا أنفسهم)، وقول حميد:
416 -
أنا سيف العشيرة فاعرفوني
…
حميداً قد تذريت السناما
فالذين بدل من ضمير الخطاب في: (ليجمعنكم)، وحميداً بدل من الياء؛ وأفهم قوله: ضمير حاضر، جواز ذلك مع الغائب كثيراً، وهو كما ذكر، ومنه.
417 -
على حالة لو أن في القوم حاتماً
…
على جوده لضن بالماء حاتم
فحاتم بدل من الهاء في: جوده؛ وحكى سيبويه عن الخليل: مررت به المسكين.
(ويسمى بدل بعض إن دل على بعض الأول) - نحو: مررت بقومك ناس منهم؛ والبصريون يرون وقوع بعض الشيء، على أقله ونصفه وأكثره، والكسائي وهشام يوقعانه على ما دون نصف الشيء، وقال ابن الأعرابي: العرب تسمى النصف بعضاً، فعلى الأول يجوز: قبضت المال نصفه أو ثلثيه، على أنه بدل بعض، وعلى الثاني ليس من بدل البعض؛ وشرط بعض المغاربة في بدل بعض صحة الاستغناء بالمبدل منه، فيجوز لذلك: جدع زيد أنفه، ويمتنع: قطع زيد أنفه.
(وبدل اشتمال، إن باين الأول، وصح الاستغناء به عنه، ولم يكن بعضه) - فخرج بالمباينة البدل الموافق، وبالاستغناء بدل الإضراب والغلط، والقصد صحة الاستغناء بالأول، وبالثالث بدل بعض، وذلك نحو: عجبت من
زيد، حلمه أو قراءته، ونحو:(عن الشهر الحرام، قتال فيه)، ودعي زيد إلى الطعام، أكله، و (قتل أصحاب الأخدود، النار)؛ ولابد من صحة الاستغناء بالأول، فلو كان الملابس لا يغني عنه الأول كالأخ والعم، وجيء به بدلاً، فهو بدل إضراب أو غلط، قاله المصنف، وحكى البصريون عن الكوفيين إجازة: مررت بزيد ابنه، كما جاز: سلب زيد ثوبه، وخطؤوهم في ذلك، للفرق، بأن في سلب دلالة على المسلوب.
(وبدل إضراب أو بداء، إن باين الأول مطلقاً وقصداً) - عنى بمطلقاً أنه ليس موافقاً ولا ملابساً بوجه؛ فخرج بدل الشيء، وبدل بعض وبدل اشتمال؛ وخرج بقصداً بدل الغلط؛ وهذا البدل يجري مجرى المعطوف ببل، ويقال له: بدل الإضراب، وبدل البداء نحو: أعط السائل رغيفاً درهما، أمرت برغيف ثم رق قلبك فأضربت وأبدلت الدرهم، ولو جيء ببل لحسن، لكن يزول اسم البدل، ومنه ما حكى أبو زيد: أكلت لحماً سمكاً تمراً، وأنكره بعضهم، ويجعل هذا على حذف العاطف؛ ويشهد لصحته قوله عليه السلام:"إن الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها إلى عشرها" وقد ذكر سيبويه بدل البداء.
(وإلا فبدل غلط) أي وإلا يقصد، بل قصد الثاني فقط نحو: مررت برجل حمار، أردت أن تقول: مررت بحمار، فغلطت أو نسيت، ذكره سيبويه، وقال خطَّاب الماوردي: لا يوجد هذا في كلام العرب، لا نثرها ولا نظمها، وقال: إنه عني بطلب ذلك في الشعر والكلام فلم يجده، وإنه طالب به غيره فلم يعرفه؛ وقال ابن السيد وغيره إنه وجد في الشعر، وجعلوا منه قول ذي الرمة:
418 -
لمياء، في شفتيها حوة لعس
…
وفي اللثات وفي أنيابها شنب
فالحوة السواد، واللعس سواد مشرب بحمرة، وخرج على التقديم والتأخير، أي في شفتيها حمرة، وفي اللثات لعس، وفي أنيابها شنب، وأيد بأن ذا الرمة يوجد في شعره التقديم والتأخير كثيراً، وقال المبرد: لا يأتي في كلام مستقيم، بل في لفظ الغلاط.
(ويختص بدلا البعض والاشتمال باتباعهما ضمير الحاضر كثيراً) - نحو:
419 -
وهم ضربوك ذات الرأس حتى
…
بدت أم الدماغ من العظام
ونحو:
420 -
ذريني إن أمرك لن يطاعا
…
وما ألفيتني حلمي مضاعا
وأفاد بذكر الاختصاص أن إبدال الظاهر من ضمير الغائب يكون فيهما، وفي بدل الشيء نحو: مررت به أبي عبد الله، وقد سبق ذلك، ونحو: زيد عجبت منه حسنه، والقوم ضربت وجوهها أولها.
(وبتضمن ضمير أو ما يقوم مقامه) - نحو: ضربت زيداً رأسه، وأعجبتني الجارية حسنها؛ ويقدر الضمير للدلالة نحو:(من استطاع إليه سبيلا) أي منهم، ويقوم آل مقام الضمير، ومنه:(النار ذات الوقود).
(فصل): (المشتمل في بدل الاشتمال هو الأول) - هذا مذهب الفارسي والرماني وخطاب الماوردي.
(خلافاً لمن جعله الثاني) - وهو قول الفارسي في الحجة.
(أو العامل) - وهو قول المبرد والسيرافي وابن خروف؛ قال المصنف:
والصحيح الأول، والآخران لا يطردان؛ فمن الاشتمال: أعجبني زيد كلامه،
والثاني غير مشتمل على الأول، ومنه:(قتال فيه) والعامل غير مشتمل على البدل، كذا قال، وفي الثاني نظر.
(والكثير كون البدل معتمداً عليه) - نحو: إن هنداً حسنها فايق، وإن زيداً نجابته بينة، وإن زيداً عينه حسنة، وإن هنداً طرفها غنج، وقال تعالى:(ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) في قراءة من نصب، فمسودة حال من البدل، وكل اسم صح كونه بدلاً، وكونه مبتدأ خبره ما بعده، فالرفع بالابتداء أقيس، قاله سيبويه، وقال: إنه الأكثر في كلامهم، ومنه:(وجوههم مسودة) بالرفع، قراءة السبعة.
(وقد يكون في حكم الملغى) - كقوله:
421 -
إن السيوف، غدوها ورواحها
…
تركت هوازن مثل قرن الأعضب
جعل الخبر للسيوف، وألغى البدل، ولولا ذلك لقال: تركا.
(وقد يستغنى في الصلة بالبدل عن لفظ المبدل منه) - نحو: أحسن إلى الذي صحبت زيداً، بنصب زيداً بدلاً من الهاء المقدرة، أي صحبته، ويجر بدلاً من الذي، ويرفع خبر مبتدأ؛ وقال السيرافي وغيره: ينوى بالبدل حلوله محل المبدل منه، وفرع على ذلك أنه لا يحسن: جاء الذي ضربت سعيداً، بنصب سعيداً، بدلاً من الهاء المقدرة، وضعف بأن البدل من جملة أخرى.
(ويقرن البدل بهمزة الاستفهام، إن تضمن متبوعه معناها) - نحو:
كيف زيد؟ أصحيح أم سقيم؟ ومن في الدار؟ أزيد أم عمرو؟ ومتى تجيء؟ أيوم الجمعة أم يوم السبت؟ . واقتضى كلامه أنه إن صرح بالأداة لم يقرن نحو: هل أحد جاءك؟ زيد أم عمرو؟ واسم الشرط كاسم الاستفهام، فيقرن البدل بإن نحو: متى تقم، إن ليلاً أو نهاراً أقم، ومن تضرب، إن رجلاً أو امرأة أضرب.
(وقد تبدل جملة من مفرد) - نحو: عرفت زيداً أبو من هو، فالجملة بدل من زيد، أي أبوته؛ وفي البسيط منع إبدال الجملة من المفرد، وفي المثال المذكور قولان آخران: الحالية والمفعولية، بتضمين عرفت معنى علمت المتعدية إلى اثنين وخرج على إبدال الجملة من المفرد قوله:
422 -
لقد كلمتني أم عمرو بكلمة
…
أتصبر يوم البين أم لست تصبر
(ويبدل فعل من فعل موافق في المعنى، مع زيادة بيان) - نحو:
(يضاعف له العذاب)، وفي البسيط: اتفقوا على بدل الشيء، وأما الاشتمال فقيل: ممتنع، والفعل لا يشتمل على الفعل، وقيل جائز، ومنه:(يضاعف له العذاب)، وبدل الغلط أجازه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه، وبدل البعض ممتنع، فالفعل لا يتبعض.
(وما فصِّل به مذكور، وكان وافياً، ففيه البدل والقطع) - نحو: مررت بالرجال: زيد وعمرو وخالد، وثلاثة: قرشي وتميمي وأسدي. والمراد بالوافي ما يصح إطلاقه على المذكور؛ وجاز القطع في هذا كما جاز في الواحد نحو: مررت بزيد أخيك، نص سيبويه على جواز الإبدال فيه والقطع، وكذلك الأخفش، وهو قبيح عند أصحابه، إلا في الطول نحو:(بشر من ذلكم النار).
(وإن كان غير واف تعيَّن قطعه، إن لم ينو معطوف محذوف) - كما في الحديث: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر
…
" أي منهن، وكذا: (مقام إبراهيم) أي منها، ولقيت ثلاثة: زيد وعمرو، أي منهم؛ والبدل ممتنع، إلا إذا نوي معطوف محذوف، كما في الخبر المذكور، من رواية: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر .. " بالنصب على تقدير: وأخواتهما، لما ثبت في الخبر، أن الموبقات سبع، واقتصر على اثنتين هنا، تنبيهاً على أنهما أحق بالاجتناب.
(ويبدأ عند اجتماع التوابع بالنعت، ثم بعطف البيان، ثم بالتوكيد، ثم
بالبدل، ثم بالنسق) - نحو: مررت بأخيك الكريم محمد نفسه رجل صالح ورجل آخر، وذلك لأن النعت كجزء من متبوعه، وعطف البيان جار مجراه، والتوكيد كعطف البيان في جريانه مجرى النعت، والبدل تابع كلا تابع، لأنه كالمستقل، وأخر النسق لتخلل الواسطة.