المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌34 - باب التعجب - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌34 - باب التعجب

‌34 - باب التعجب

(يُنصب المتعجبُ منه مفعولاً) - فزيداً في قولك: ما أحسن زيداً، مفعول عند سيبويه والبصريين؛ وزعم الفراء ومن وافقه من الكوفيين أنه انتصب بأفعل فرقاً بين الاستفهام والخبر؛ فالأصل زيدٌ أحسن من غيره، فأتوا بما، فقالوا: ما أحسن، على سبيل الاستفهام، ونقلوا الصفة مرة من زيد إلى ضمير ما فانتصب زيد للفرق.

(بموازن أفعل) - كأحسن وخير وشر في قولهم: ما خير اللبن للصحيح، وما شره للمبطون.

(فعلاً) - وهو مذهب البصريين، ودليله بناؤه على الفتح، ونصبه المفعول الصريح، والهمزة فيه للنقل.

(لا اسماً، خلافاً للكوفيين غير الكسائي) - وأبوالحسن بن عصفور، نقل ذلك عن الكوفيين، ولم يستثن الكسائي؛ واحتج على اسميته بعدم تصرفه، وبتعجبهم من الله، قالوا: ما أعظم الله! . ولا يصح شيءٌ أعظم الله. ورد الأول بأن عدم تصرفه للزومه طريقة واحدة كليس، فلا يحتاج إلى التصرف؛ والثاني بأنه محمول على السبب المعلم بالسبب الموجب، أي ما أعظم قدرة الله! .

(مخبراً به) - أي بموازن أفعل.

(عن ما متقدمة) - فلا يقال: أحسنَ زيداً ما، لأن الخبر إذا رفع ضميراً

ص: 147

مستتراً عائداً على المبتدأ وجب تقديمه، وهذا كذلك؛ ولأن ما أحسن زيداً جرى مجرى المثل في عدم التصرف فيه، والاتفاق على أن ما مبتدأ، وشذت رواية عن الكسائي أنها لا موضع لها من الإعراب.

(بمعنى شيء) - فتكون ما نكرة تامة، ومسوغ الابتداء معنى التعجب والخبر الفعل؛ وهذا مذهب الخليل وسيبويه وجمهور البصريين؛ ومعنى التمام في ما أنها لا تحتاج إلى صفة؛ ووجه هذا المذهب أن الموضع للإبهام لمناسبة التفخيم التعجب؛ فناسب النكرة المبهمة التي لا شيء أشد إبهاماً منها؛ ولذلك لم يضعوا موضعها شيئاً، فلا يقولون: شيء أحس زيداً في معنى: ما أحسن زيداً؛ لأن شيئاً لا يعطي إبهام ما نصاً. فإن قيل: فلا يفسر بشيء، وقد قلتم: بمعنى شيء، قيل هو تقريب للتعليم، وشيء لا ينافي إرادة ذلك الإبهام، وإن كان ليس نصاً فيه.

(لا استفهامية، خلافاً لبعضهم) - وهو قول الفراء وابن درستويه، ويعزى للكوفيين، قالوا: ما استفهامية دخلها معنى التعجب؛ وتأوله ابن درستويه على الخليل، واستدلوا بالإجماع على أن قولهم: أي رجل زيد؟ استفهام دخله معنى التعجب؛ ورد بأن الاستفهام المضمن تعجباً لا يليه غالباً إلا الأسماء نحو: (الحاقة؛ ما الحاقة) وما هذه مخصوصة بالأفعال، وقولهم باسمية أفعل قد بان بطلانه.

(ولا موصولة، خلافاً للأخفش في أحد قوليه) -بل في أحد أقواله؛ فعنه أنها نكرة تامة كقول الجمهور، وأنها نكرة موصوفة بأفعل، وأنها معرفة موصولة

ص: 148

به، والخبر على هذين محذوف وجوباً، وبالثالث قال طائفة من الكوفيين، ورد دعوى حذف الخبر بمخالفة النظائر، فلا يلتزم حذف الخبر دون شيء يسد مسده كما في لولا، فما اقتضى هذه الدعوى لزوماً باطل لبطلانها.

(وكأفعَل أفعِلْ) - في الدلالة على التعجب، إلا أنه لم يختلف في فعلية أفعِل كما اختلف في فعلية أفعَل، لأنه وزن لم يأت في الأسماء إلا قليلاً جداً كأصبع من لغات إصبع؛ وفي كلام ابن الأنباري ما يوهم أن هاسم.

(خبراً) - وإن كانت صيغته صيغة الأمر؛ وهو خبر بمعنى إنشاء التعجب، فمعنى أحسِنْ بزيدٍ، كمعنى: ما أحسن زيداً، والهمزة في أحسن للصيرورةن كما في أبقل المكان؛ والمعنى أحسن زيد أي صار ذا حُسن؛ وهو مذهب جمهور البصريين، وإنما جاؤوا به أمراً للمبالغة، يقولون: كن ما شئت؛ إذا أرادوا المبالغة.

(لا أمراً) - خلافاً للزجاج ومن وافقه، في زعمهم أنه أمر حقيقةً، ليس المراد به الخبر، والهمزة فيه على المشهور للنقل، وقالوا ذلك للمحافظة على حقيقة الصيغة، والأصل: حَسُن زيدٌ، ثم دخلت همزة النقل على معنى أحسن زيداً أمر ما، ثم جيء بصيغة الأمر على معنى: دُم أيها الأمر له، أو احكم أيها المخاطب له بذلك، وهذا أمر حقيقة، وهو ضعيف، إذ يلزم من ذلك أن لا يكون الناطق به متعجباً، ولا خلاف في أن الناطق به متعجب.

(مجروراً بعده المتعجب منه بباء زائدة) - كما مثل، وهو في زيادة الباء نظير قول العرب: كفى بالله، أي كفى الله.

(لازمة) - فلا تحذف؛ فلا يقال: أحسِنْ زيد، لا برفع زيد عند من

ص: 149

يراه الفاعل، ولا بنصبه عند من يراه مفعولاً، كما سيأتي. هكذا قيل، ولا ينبغي ذكر إطلاق هذا الثاني هنا؛ لأن الكلام على تقدير الزيادة؛ والقائل بالمفعولية لا يرى الزيادة إلا إن جعل الهمزة للنقل، ومن جعل من القائلين بالمفعولية الهمزة للصيرورة لم تكن الباء عنده زائدة، بل للتعدية، وهذا القول هو ما أشرت إليه بقولي قبل هذا: والهمزة فيه على المشهور للنقل.

(وقد تفارقه) - أي تفارق المتعجب منه الباء.

(إن كان أن وصلتها) - فيجوز في: أجْوِدْ بأن يكتب زيد: أجْوِدْ أن يكتب زيد، ومنه:

102 -

وقال نبي المسلمين تقدموا

وأحبب إلينا أن تكون المقدما

(وموضعه رفع بالفاعلية) - وهو قول جمهور البصريين، فزيد في قولك: أحس بزيد، في موضع فاعل صيغة الأمر، فلو اضطر شاعر فحذف الباء لرفع.

(لا نصب بالمفعولية، خلافاً للفراء والزمخشري وابن خروف) - وهو قول من يرى أن أفْعِلْ أمر حقيقةً، وقد سبق ذكره عن الزجاج، ولا حجة في دعوى النصب في قوله:

103 -

لقد طرقت رحال القوم ليلى

فأبعد دار مرتحل مزارا

ص: 150

بنصب دار، لاحتمال كون أبعد دعاء، أي أبعد الله دار مرتحل عن مزار محبوبته، كأنه يحث نفسه على الإقامة في منزل طروق ليلى، لأنه صار بطروقها مزاراً؛ والقائلون بمفعوليته يجعلون في الأمر مضمراً هو الفاعل؛ ثم قيل هو ضمير لمصدر الفعل الدال على الأمر؛ وقيل: هو ضمير للمخاطب. ورد القول الأول بقولهم: أسهل به، ولو كان الضمير كما زعم لقيل: اسهلي، لأن المصدر السهولة؛ والثاني بقولهم: أحسنْ بك، فلو كان الضمير المرفوع للمخاطب لزم كونه نظير: مر بك، وهو ممتنع.

(واستفيد الخبر من الأمر هنا) أي في: أحسن بزيد.

(وفي جواب الشرط) - نحو: (فليمدد له الرحمن)، و"ومن كذب

ص: 151

عليَّ متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار"، وفي رواية: فليلج النار، أي فيمد، وفيتبوأ أو فيلج.

(كما استفيد الأمر من مثبت الخبر) - نحو: (والمطلقات يتبرصن)، (والوالدات يرضعن) أي ليتربصن وليرضعن.

(والنهي من منفيه) - نحو: (لا تُضار والدة بولدها) في قراءة الرفع، أي لا تضارِرُ.

(وربما استفيد الأمر من الاستفهام) - نحو: (أأسلمتم)؟ ، (فهل أنتم منتهون)؟ أي أسلموا، وانتهوا.

(ولا يُتعجب إلا من مختص) - بتعريف أو نحوه؛ لأن المتعجب منه مخبر عنه في المعنى، فيجوز: ما أحسن زيداً، وما أسعد رجلاً اتقى الله؛ ويمتنع: ما أحسن غلاماً، وما أسعد رجلاً من الناس.

(وإذا عُلم جاز حذفه مطلقاً) - أي معمولاً لأفعل، كقوله:

104 -

جزى الله عنا، والجزاء بفضله

ربيعة خيراً، ما أعف وأكرما

ص: 152

أي ما أعفهم وأكرمهم؛ أو لأفعِلْ كقوله تعالى: (أسمع بهم وأبصر) أي وأبصر بهم؛ وعلى قول الجمهور إن المجرور في موضع رفع بأفعل إنما جاز حذفه؛ لأنه في المعنى كمعمول أفعل فحمل عليه؛ والفارسي وقوم على أنه لم يحذف بل حذف الحرف فاستتر الضمير. ورد بعدم بروزه، فلا يقال: أسمع بالزيدين وأبصروا.

(وربما أكد أفْعِل بالنون) - كقوله، أنشده ابن الأعرابي:

105 -

ومُستبدِلٍ من بعد غضبي صُريمةً

فأحْرِ به بطول فقر وأحريا

ص: 153

أراد أحريَنْ بنون التوكيد الخفيفة، فأبدلها ألفاً في الوقف؛ وغَضْبَى اسم مائة من الإبل، وهي معرفة لا تنون ولا تدخلها الألف واللام، والصريمة تصغير الصرمة، وهي القطعة من الإبل نحو الثلاثين.

(ولا يؤكدُ مصدر فعل تعجب) - فلا يقال: ما أحسن زيداً إحساناً، ولا أحسِنْ به إحساناً؛ لاستغنائه عن ذلك بما فيه من المبالغة؛ وهذا قول الجمهور، وأجاز ذلك الجرمي.

(ولا أفعلَ تفضيل) - كما سبق في فعل التعجب؛ ولا خلاف في منع هذا.

(فصل): (همزة أفعلَ في التعجب لتعدية ما عدم التعدي في الأصل أو الحال) - فالأول نحو: ما أحسن زيداً وما أصبره، فحسُن وصبر لازمان، فتعدياً بالهمزة؛ والثاني نحو: ما أعرف زيداً بالحق؛ فعرف قبل الهمزة متعد إلى الحق بنفسه، فلما قصد به المبالغة ضمن معنى مالا يتعدى من أفعال الغرائز كقوي وكمل، فقصر عن نصب مفعوله، فوصل إليه بالباء، كبصُر ونحوه من غير المتعدي.

(وهمزة أفعِل للصيرورة) - وقد سبق تقرير ذلك عند الكلام على أفعِلْ، وهذا على قولنا إن المجرور بالباء فاعل، وأما على أنه مفعول فقد سبق أنه قيل: إنها كذلك، وقيل للنقل، وهو المشهور.

ص: 154

(ويجب تصحيح عينيهما) - نحو: ما أبين الحق وما أنوره، وأبين به وأنوِرْ، وكان حقهما الإعلال، كما في أقام وأقم، لكن حمل فعل التعجب على أفعل في التفضيل؛ لأنهما من وادٍ واحد؛ والتصحيح في أفعَل وأفعِل قول الجمهور والمسموع من العرب، وأجاز الكسائي الإعلال في أفعِلْ فيقول: أطوِلْ بهذه النخلة وأطِلْ بها، بمعنى ما أطولها.

(وفكُّ أفعِلْ المضعف) - نحو أعزز بزيد وأجلل؛ وهذا قول الجمهور والمسموع؛ وأجاز الكسائي الإدغام فيقول: أجِلَّ بزيد؛ ولو كان أجل ونحوه لغير التعجب لم يلزم فيه الفك، لأن ثانيه معرض للحركة، نحو: أجلل الله، بخلاف ثاني المستعمل في التعجب فإنه لا يكون إلا ساكناً؛ لأنه لا يأتي بعده ساكن فيحرك له، إنما تأتي بعده الباء وهي متحركة.

(وشذ تصغير أفعَل) - لأنه فعل، والتصغير وصف في المعنى، والأفعال لا توصف، لكن شبهه بعض العرب بأفعل التفضيل؛ قال المصنف: وهو في غاية الشذوذ، فلا يقاس على قوله:

106 -

ياما أمَيْلحَ غِزْلاناً شدن لنا

من هؤليائكن الضال والسمر

ص: 155

(خلافاً لابن كيسان في اطراده) - وذلك للشذوذ والخروج عن القياس، وهذا على القول بالفعلية؛ فأما الكوفيون الصائرون إلى الاسمية، فلا يرون التصغير فيه شاذاً ولا خارجاً عن القياس، بل ظاهر كلام المغاربة اطراد ذلك أيضاً مع القول بالفعلية، وفي كلام سيبويه إيماء إليه.

(وقياس أفعِل عليه) - فتقول عند ابن كيسان في أحسِن بزيد: أحَيْسِنْ بزيد، بالتصغير، قياساً على تصغيرهم ألإعل، وهو ضعيف؛ فإن الخارج عن القياس لا يكون أصلاً في القياس.

(ولا يتصرفان) - فلا يكون أفعَل إلا على صيغة الماضي، ولا أفعِل إلا على صيغة الأمر؛ وعلة ذلك تضمنهما معنى التعجب، فأشبها الحرف، لأن الموضوع للدلالة على المعاني الحروفُ؛ وقال المصنف إنه لا خلاف في أنهما لا يتصرفان. انتهى.

وقد ذهب هشام بن معاوية الضرير من أئمة الكوفيين إلى جواز تصرف أفعل إلى المضارع، قال: فتقول: ما يُحسِنُ زيداً! . عند إحاطة العلم بأنه يكون.

ص: 156

(ولا يليهما غير المتعجب منه إن لم يكن يتعلق بهما) - فلا يفصل بين أفعلَ ومنصوبه، ولا بين أفعِلْ والباء مماي تعلق بمعموليهما مثلا، فلا يقال: ما أحسن بمعروف أمراً، ولا أحسِنْ بمعروف بأمر، وذلك لعدم تصرفهما فلا يقويان على هذا الفصل كالحرف؛ قال المصنف: ولا خلاف في ذلك.

(وكذا إن تعلق بهما) - أي بأفعَل وأفعِل.

(وكان غير ظرفِ أو حرفِ جر) - فلا يجوز: ما أحسنَ مُقبلاً زيداً، ولا أكرِمْ رجلاً بزيد. قال المصنف: بإجماع؛ يعني فيهما؛ وقد أجاز الجرمي وهشام الفصل بالحال؛ وقال ابن المصنف: إن الفصل بالنداء كالفصل بالحال، لا يجوز بلا خلاف؛ وذكر والده في شرح هذا الكتاب، قول علي رضي الله عنه، وقد مر بعمار بن ياسر، رضي الله عنه، لما قتل: أعزز عليَّ أبا اليقظان أن أراك صريعاً مُجدلاً، أن هذا يصحح الفصل بالنداء.

(وإن كان أحدهما) - أي وإن كان المتعلق بهما الظرف أو حرف الجر.

(فقد يلي وفاقاً للفراء والجرمي والفارسي وابن خروف والشلوبين) - وإليه ذهب أيضاً المازني والزجاج؛ وذهب المبرد وأكثر البصريين، ومنهم الأخفش في المشهور عنه إلى المنع، ونسبه الصيمري إلى سيبويه، وقال الشلوبين إن الجواز هو الصواب، وإنه المشهور المنصور، وكلام سيبويه قابل للتأويل؛ فقوله: ولا يزيل شيئاً عن وضعه، قال فيه السيرافي: إنما أراد بذلك أنك تقدم ما وتوليها الفعل، ويكون المتعجب منه بعد الفعل؛ ولم يتعرض للفصل بين الفعل والمتعجب منه. انتهى.

وعلى قول هؤلاء المجوزين هو فصيح، ومن المسموع في ذلك ما سبق من كلام علي رضي الله عنه، ففيه الفصل بالجار والمجرور؛ وقول عمرو بن معدي كرب:

ص: 157

لله در بني سليم، ما أحسن في الهيجا لقاها، وأكثر في اللزبات عطاها، وأثبت في المكرمات مقامها. وقال:

107 -

أقيمُ بدار الحزم ما دام حزمُها

وأحْرِ إذا حالت بأن أتحولا

وذهب بعض إلى إجازة الفصل بقبح؛ فحصلت ثلاثة أقوال: المنع، والجواز بقبح، والجواز فصيحاً هو الصحيح.

(وقد يليهما عند ابن كيسان لولا الامتناعية) - فتقول: ما أحسنَ، لولا بخلُه، زيداً؛ وأحسِنْ، لولا بخلُه، بزيدٍ- ولا حجة له على ذلك.

(ويُجَرُّ ما تعلق بهما من غير ما ذكر) - وهو المتعجب منه، والظرف، والحال، وكذا التمييز.

(بإلى إن كان فاعلاً) - أي في المعنى نحو: ما أحب زيداً إلى عمرو، والمعنى: يحب عمرو زيداً حباً بليغاً، وكذا: أحبب بزيد إلى عمرو.

ص: 158

(وإلا فبالباء، إن كانا من مفهم علما أو جهلا) - أي وإلا يكن فاعلاً في المعنى، فيجر بالباء إن كان مما ذكر نحو: ما أعرف زيداً بعمرو، وما أجهله ببكر، وما أبصر خالداً بالشعر، وأبصر بعمرو بالفقه، وأجهِلُ بخالد به.

(وباللام إن كانا من متعد غيره) - أي إن كان أفعلَ وأفعِلُ مما كان يتعدى بنفسه، غير المفهم المذكور نحو: ما أضرب زيداً لعمرو، وما أنصرني له؛ وأضرب بزيد لعمرو، وأنصِرْ بي له.

(وإن كانا من مُتعدِّ بحرف جر فبما كان يتعدى به) - نحو: ما أزهد زيداً في الدنيا، وما أبعده عن الشر، وما أصبره على الأذى؛ وكذلك أفعِلْ.

(ويقال في التعجب من: كسا زيدٌ الفقراء الثياب، وظن عمر بشراً صديقاً: ما أكسى زيداً للفقراء الثياب، وما أظن عمراً لبشرٍ صديقاً؛ وينصب الآخر بمدلول عليه بأفعل، لا به، خلافاً للكوفيين) - أي وفاقاً للبصريين؛ وهذا النقل عن البصريين والكوفيين ذكره ابن كيسان في المهذب، فعلى قول الكوفيين يكون أفعل الواقع بعدما هو الناصب للثياب والصديق، وعلى قول البصريين الناصب لكل منهما عامل مدلول عليه بالذي بعد ما، أ] يكسوهم الثياب، ويظنه صديقاً.

وقضيته أن التركيب جائز عند الفريقين من غير شرط؛ وإنما اختلف في التخريج؛ والذي نقله غيره أن باب كسا إذا بنى منه أفعل للتعجب، فمذهب البصريين والكوفيين نصب ما كان فاعلاً بأفعل؛ ثم قال البصريون: ويجوز تعديته إلى أحد مفعوليه باللام، فتقول: ما أكساك لعمرو، أو للثياب؛ وإن

ص: 159

جاء من كلامهم؛ ما أكساك لعمرو الثياب، فعلى تقدير عامل، أي: يكسوهم الثياب؛ وقال الكوفيون: تعدى أفعل بعد نصبه ما كان فاعلاً إلى الأول باللام، وإلى الثاني بنفسه. وأما باب ظن، فقال البصريون: يقتصر فيه على الفاعل، فينصب بأفعل، ولا يُعدى إلى شيء من المفعولين، لا بحرف، ولا بنفسه؛ وقال الكوفيون: يذكر المفعولان، ثم إن لم يلبس عُدَّيَ باللام للأول، وبنفسه للثاني، كالمثال السابق، وإن ألبس عُدَّي لكل باللام نحو: ما أظن زيداً لأخيك لأبيك؛ أصله: ظن زيدٌ أخاك أباك.

(فصل): (بناء هذين الفعلين) - أفعلَ وأفعِلْ.

(من فِعْلٍ) - فمن قال ما أكلبه من الكلب، وما أحمره من الحمار، فقد أخطأ؛ وشذ قولهم: أقِمنْ به، أي أحقق، من قولهم: هو قِمنَ بكذا، أي حقيق، فبنوا أفعل من وصف لا فعل له شذوذاً.

(ثلاثي) - فلا يبنى أفعلَ ولا ألإعِل من دحرج ولا من تدحرج ونحوهما، لما فيه من هدم بنية الفعل.

(مجرد) - احترز من ثلاثي زيد فيه كعلم وتعلم وقارب واقترب وسيأتي تمام هذا.

(تام) - أخرج الناقص ككان وكاد؛ وهذا مذهب الجمهور، فلا تقول: ما أكون زيداً قائماً، لأنه لا فائدة فيه؛ وأجازه الفراء وابن الأنباري.

ص: 160

(مثبت) - قال المصنف: فلا يبنيان مما نفي لزوماً نحو: لم يَعِج، أو جوازاً نحو: لم يَعُج. انتهى. فالأول بمعنى انتفع، والثاني بمعنى مال، وعاج يعيج لازم النفي كما قال المصنف، وهو المشهور، وعاج يعوج لا يلزمه، وقد جاء عاج يعيج في إثبات، ولكن المعنى على النفي، أنشد القالي في نوادره عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:

108 -

ولم أر شيئاً بعد ليلى ألذُّه

ولا مشرباً أروى به فأيعج

وإنما شرط الثبوت لأن فعل التعجب مثبت.

(متصرف) - أخرج يذر ويدع ونحوهما؛ وشذ ما أعساه وأعْسِ به، أي ما أحقه وأحقق به.

(قابل معناه للكثرة) - ذكره الفراء، وهو صحيح، فما لا يقبل الزيادة لا يتعجب منه نحو: مات وفني وحدث، وشذ ما أحسنه، وما أقبحه في ألفاظ؛ ولهذا لا يتعجب من صفات الله تعالى، فلا يقال: ما أعلم الله، لأن علمه لا يقبل الزيادة، وقالت العرب: ما أعظم الله وأجله؛ وقال:

109 -

ما أقدر الله أن يُدني على شحط

منْ دارُه الحزْنُ ممن دارُه صُولُ

ص: 161

(غير مبني للمفعول). فلا يقال في ضُرب زيدٌ: ما أضرب زيداً؛ لإيهامه أن التعجب من الفاعل.

(ولا معبرٍ عن فاعله بأفعل فعلاء) - سواء كان عيباً كبرص وحول، أو من المحاسن كشهل وهيف؛ لأنه وإ كان ثلاثياً فأصله أن يكون على أفعل، ولذا صحتْ العين في حول وهيف؛ وحق ما يبني منه فعل التعجب أن يكون ثلاثياً محضاً، وفي ما كان مما يعبر عن فاعله بأفعل فعلاء عاهةٌ قولان: المنع لجمهور البصريين، والجواز للأخفش وبعض الكوفيين، ومنهم الكسائي وهشام، فأجازوا: ما أعوره! . وما كان لوناً منع التعجب منه البصريون، وأجازه الكسائي وهشام، وقال بعض الكوفيين: يجوز في السواد والبياض دون غيرهما من الألوان؛ وروى الكسائي أنه سمع: ما أسود شعره.

(وقد يُبنيان من فعل المفعول إن أمن اللبسُ) - قالوا: ما أشغله من شُغلن وما أجنَّه من جُنَّ، في ألفاظ؛ وهو في التفضيل أكثر من التعجب كأزهى من ديك، وأشهر من غيره، وأشغل من ذات النحيين. واختار

ص: 162

المصنف أن نحو هذا، وهو ما لا يُلبس لا يقتصر فيه على السماع، وهو مذهب خطاب الماردي، والمصحح أنه لا يجوز إلا حيث سُمع، وهو قول الجمهور.

(ومن فِعل أفعَل مُفهِمَ عسر أو جهل) - كحمق ورعن ولُدَّ إذا كان عسر الخصومة، وإن كان مذكرها على أفعل ومؤنثها على فعلاءن ناسبت في المعنى جهل وعسر فجرتْ في التعجب والتفضيل مجراها، فقيل: ما أحمقه وأرعنه وألده، وهو أحمق منه وأرعن وألدُّ؛ وأكثر المغاربة عدوا هذا في الشواذ، وما ذكره المصنف ذكره خطاب الماردي، وقال بعض المغاربة: إنه يظهر من كلام سيبويه.

(ومن مزيد فيه) - قالوا: ما أشوقه من اشتاق، وما أخصرهُ من اختُصِر، وفي هذا أيضاً البناء من فعل المفعول؛ وعد الفارسي من هذا ما أحياه من استحيا، ورد بسماع حي بمعنى استحيا، وعد سيبويه ما أفقره وما أغناه من افتقر واستغنى، ورد بسماع فَقُر وفَقِر بمعنى افتقر، وغني بمعنى استغنى؛ واعتذر عن سيبويه بأنه إنما ذكر ما جاء على الفصيح والذين يقولون: افتقر واستغنى يقولون: ما أفقره وما أغناه، ومثل هذا يقال في: ما أحياه من استحيا.

(فإن كان أفعل قيس عليه، وفاقاً لسيبويه) - والمحققين من أصحابه، ولا فرق بين ما همزته للنقل كأعطى، أو لغيره كأغفى أي نام، فيقال: ما أعطاه وما أغفاه، وهذا ظاهر كلام سيبويه، قال: وبناؤه أبداً من فعل

ص: 163

وفَعِل وفعُل وأفعل، وهو محكي عن الأخفش أيضاً؛ وقال ابن هشام الخضراوي: إنه الصحيح، وقال الصفار: إنه الصحيح الذي يعضده النظر؛ وذهب المازني والمبرد وابن السراج والفارسي إلى المنع مطلقاً، وحخكى عن الأخفش، وفصل بعضهم بين ما همزته للنقل فلا يجوز، أو لغيره فيجوز، وصححه ابن عصفور، ونسبه إلى سيبويه.

(وربما بنيا من غير فعل) - سبق تمثيل بناء أفعِلْ من غير فعل بما شذ من قولهم: أقِمنْ به، ومثل المصنف لأفعل بما شذ، كما قال، من قولهم: ما أذْرعَ فلانة، أي ما أخفها في الغزل، وهو من قولهم: امرأة ذرع أي خفيفة اليد في الغزل، ولم يسمع منه فعل، ورد عليه بأن ابن القطاع حكى: ذرعت المرأة خفت يداها في العمل، فهي ذراع، فلا يكون ما أذرعها شاذاً.

(أو فعل غير متصرف) - وقد سبق تمثيله.

(وقد يغني في التعجب فعل عن فعل مستوفٍ للشروط، كما يغني في غيره) - قالوا في قعد وجلس ضدي قام: ما أكثر قعوده وجلوسه، ولم يقولوا: ما أقعده وأجلسه، ذكره ابن برهان.

(ويتوصل إلى التعجب بفعل مثبت متصرف مصوغ للفاعل، ذي مصدر مشهور، إن لم يستوف الشروط، بإعطاء المصدر ما للمتعجب منه، مضافاً إليه بعد: ما أشد أو أشدد ونحوهما) - فيقال: ما أشد دحرجته وانطلاقه، وما أشد كون زيد صديقك، وما أفظع موت زيد، وأقْبح عَوَرَ عمرو، وأشدد بدحرجته

إلى آخرها.

ص: 164

واحترز بقوله: مشهور من يذر ويدع، فليس لهما مصدر، وقد روي لهما الوذَر والودْع، فلا يعطى هذا المصدر ذلك الحكمن وإنما يتعجب منهما بجعل الفعل صلة لما المصدرية نحو: ما أكثر ما يذر أو يدع زيدٌ الشر، وأكثر بما يذر أو يدع زيدٌ الشر.

(وإن لم يَعدم الفعلُ إلا الصوغَ للفاعل جيء به صلة لما المصدرية آخذة ما للمتعجب منه بعد: ما أشد أو أشدد ونحوهما) - نحو: ما أكثر ما ضُرب زيدٌ، وأكثر بما ضُرب زيدٌ؛ ولا يؤتى بالمصدر للإلباس؛ فإن لم يُلبس جاز نحو: ما أكثر شغل زيد، وأكثر به؛ ولو كان المانع النفي جُعل الفعلُ المنفيُّ صلة لأنْ نحو: ما أقبح أن لا يأمر بالمعروف، وأقبح بأن لا يأمر. وأجاز البغداديون: ما أحسن ما ليس يذكرك زيد، وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد، وتابعهم ابن السراج؛ وما لا يقع صلة لما ولا لأن لا يأتي ذلك فيه كنعم وبئس، ثم هذا العمل لا يختص بما عدم الشروط، بل يأتي في المستوفي للشروط، وهو واضح.

* * *

ص: 165