الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 - باب النعت
ويقال له: الوصف والصفة، والنعت عبارة الكوفيين، وربما استعملها البصريون.
(وهو التابع المقصود بالاشتقاق) - فخرج بالمقصود ما كان مشتقاً، ثم غلب حتى صار التعيين به أتم من العلم الموضوع أولاً، كالصِّديق تابعاً لأبي بكر، فهو عطف بيان لا نعت، لأن اشتقاقه حينئذ غير مقصود، بخلاف النعت، وخرج أيضاً سائر التوابع.
(وضعاً) - نحو: مررت برجل كريم.
(أو تأويلاً) - كرجل ذي مال.
(مسوقاً لتخصيص) - نحو: (والصلاة الوسطى)، (منه آيات محكمات).
(أو تعميم) - نحو: إن الله يرزق عباده، الطائعين والعاصين.
(أو تفصيل) - نحو: مررت برجلين: عربي وعجمي.
(أو مدح) - نحو: سبحان الله العظيم.
(أو ذم) - نحو: من الشيطان الرجيم.
(أو ترحم) - نحو: لطف الله بعباده الضعفاء.
(أو إبهام) - نحو: تصدقت بصدقة قليلة أو كثيرة.
(أو توكيد) - نحو: (ومناة الثالثة الأخرى).
(ويوافق المتبوع في التعريف والتنكير) - نحو: رأيت رجلاً كريماً، والرجل الكريم، أو رجلاً طويلاً ثوبه، والرجل الطويل ثوبه؛ وإنما قال المتبوع دون المنعوت، ليتناول المتبوع ما النعت له لفظاً ومعنى كالأول، أو لفظاً لا معنى كالثاني، بخلاف المنعوت، فإنه إنما يصدق حقيقة على الأول.
واشتراط هذا التوافق مذهب سيبويه وجمهور البصريين، فإن كان الموصوف بآل وليس لشخص بعينه، والصفة أفعل من، أو مثلك وأخواته نحو: ما يحسن بالرجل أفضل منك أو مثلك، فحكى سيبويه عن الخليل، أنه نعت للرجل، وقد سبقت المسألة أول الكتاب؛ وأجاز بعض الكوفيين نعت النكرة بالمعرفة، إذا كان النعت لمدح أو ذم، وجعلوا منه:(الذي جمع) صفة لهمزة، وأجاز الأخفش ذلك، إذا خصصت النكرة قبل ذلك بوصف، وجعل منه:(الأوليان) صفة لآخران، لسبق (يقومان)؛ وأجاز بعض النحاة وصف المعرفة بالنكرة، وشرط ابن الطراوة كون الوصف لا يوصف به إلا ذلك الموصوف، وجعل منه:
398 -
فبت كأني ساورتني ضئيلة
…
من الرقش في أنيابها السم ناقع
(وأمره في الإفراد وضديه) - وهما التثنية والجمع.
(والتذكير والتأنيث، على ما ذكر في إعمال الصفة) - وقد سبق الكلام على ذلك.
(وكونه مفوقاً في الاختصاص، أو مساوياً، أكثر من كونه فائقاً) - فالأول نحو: رأيت زيداً الفاضل، والثاني نحو: رأيت الرجل الشجاع، والثالث نحو: هذا رجل فصيح أو لحان؛ وهذا الثالث موجود في النكرات، وأما المعرفة، فنصوص جماهير أهل العربية على أن النعت فيها يكون في درجة المنعوت في التعريف أو دونه، لا يكون أعرف منه، وقد سبق بباب المعرفة والنكرة، بيان مراتب المعرفة، وحكم النعت مبني على ذلك؛ وقال بعض المتأخرين: يوصف كل معرفة بكل نكرة، كما يوصف كل نكرة بكل نكرة، وعليه جرى ابن خروف.
(وربما تبع في الجر غير ما هو له، دون رابط، إن أمن اللبس) - هذه مسألة الخفض على الجوار، والعلم في تمثيلها: هذا جحر ضب خرب، فحق خرب الرفع، لأنه نعت جحر، لكنه جر لمجاورته المجرور، مع العلم بأنه للجحر، وهذا المثال حكاه سيبويه وغيره عن العرب، وحكوا فيه الرفع والجر، ومن ذلك قراءة الأعمش وغيره:(ذو القوة المتين) بجر المتين؛ وكلام سيبويه يقتضي جواز ذلك قياساً مع أمن اللبس، ولم يسمع إلا في ذلك، وقال الفراء وغيره: هو سماع، وخرج السيرافي وابن جني المثال المذكور وغيره على معنى: خرب جحره،
أو الجحر منه، ثم رجع بعد الحذف إلى خرب، فهو جار على من هو له بهذا التقدير، والجمهور على الأول.
(وقد يفعل ذلك بالتوكيد) - أنشد أبو الجراح:
399 -
يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم
…
أن ليس وصل إذا انحلت عرى الذنب
خفض كلهم لجوار الزوجات؛ وأثبت بعض النحويين الإعراب على الجوار في العطف، وخرج عليه:(من نار ونحاس) في قراءة خفض: (ونحاس)، وقول امرئ القيس:
400 -
…
أو قدير معجل
وجرى على ذلك بعض الشافعية، وخرجوا عليه:(وأرجلكم إلى الكعبين) في قراءة الجر.
(فصل): (المنعوت به مفرد) - كرجل كريم.
(أو جملة) - نحو: رجل ضربته قائم؛ وفي البديع: الوصف بالفعلية أقوى من الاسمية، وأكثر الأفعال الماضي.
(كالموصول بها) - شبهها بهذه لا بالحالية، لجواز اقتران الحال بالواو، ولا بالخبرية، لجواز كون الخبر جملة طلبية؛ وتجويز الزمخشري اقتران الواقعة صفة بالواو مخالف لكلام الناس، وتوجيهه ذلك بإفادتها توكيد الارتباط بالمنعوت معكوس، فالواو حقها مغايرة ما بعدها لما قبلها، وعلم من التشبيه المذكور أنه لابد من ضمير للموصوف، كجملة الصلة؛ وأجاز الكوفيون إقامة الـ
مقام المضمر في جملة الصلة؛ وقد سبق الكلام في المسألة في المعرف بالأداة.
(منعوتها نكرة) - كما سبق.
(أو معرف بال الجنسية) - وجعل من ذلك: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار)، لكون الليل غير معين، فأشبه النكرة؛ ورد بأنه معرفة لفظاً، وعلى ذلك مدار النعت، ولهذا ينعت المذكور بالمعرفة، وأما هذه الجملة فحال أو تفسيرية لإبهام كونه آية، ونظيره:(كمثل آدم خلقه من تراب).
(وقد ترد الطلبية محكية بقول محذوف واقع نعتاً) - نحو:
401 -
جاؤوا بمذق، هل رأيت الذئب قط؟
أي مقول فيه، والمذق بالذال المعجمة، يقال: مذقت اللبن فهو ممذوق
ومذيق، إذا مزجته بالماء، وشبه اللبن للغبرة بلون الذئب.
(أو شبهه) - كقول أبي الدرداء: "وجدت الناس، اخبر تقله" أي مقولاً فيهم ذلك، فالجملة معمول مقولاً، وهو حال أو مفعول ثان، ويقال: قلاه يقلوه قلاً وقلاء أبغضه، فإن كسرت القاف قصرت، أو فتحت مددت، ويقلاه لغة طيئ.
(وحكم عائد المنعوت بها حكم عائد الواقعة صلة أو خبراً) - يعني في الذكر والحذف، وقد سبق بيان ذلك.
(لكن الحذف من الخبر قليل، ومن الصفة كثير، ومن الصلة أكثر) - فيكثر: جاء الذي ضربت، أي ضربته، ومنه:(عن الذي أوحينا إليك)، ودونه: مررت برجل ضربت، أي ضربته، ومنه:
402 -
وما شيء حميت بمستباح
ودون هذا: زيد ضربت، أي ضربته، وجامع العموم في قراءة ابن عامر:(وكل وعد الله الحسنى) أي وعده؛ وبعض أهل العربية يقول: إن حذف صدر الصلة مبتدأ إنما يجوز مع الطول في غير أي، فلا يشترط في الصفة طول، ومنه:
403 -
ورب قتل عار
أي هو عار.
(وتختص المنعوت بها اسم زمان، بجواز حذف عائدها المجرور بفي، دون وصف) - نحو: (واتقوا يوماً لا تجزي نفس) أي لا تجزي فيه؛ ثم قال سيبويه: حذفت فيه اعتباطاً، أي لأول وهلة، إذ يجوز مع الظرف ما لا يجوز مع غيره؛ وقال الأخفش والكسائي: حذفت تدريجاً، فحذف الحرف،
فاتصل الضمير بالفعل، فحذف وهو منصوب. وخرج بقوله: دون وصف نحو: لا تكره يوماً، تسوءك فيه راحتك، فلا يحذف لوقوعه وصف يوم؛ وخرج باسم زمان نحو: رأيت رجلاً رغبت فيه، فلا يحذف، ذكره ابن الدهان.
(ويجوز أيضاً حذف المجرور بمن، عائداً على ظرف أو غيره، إن تعين معناه) - نحو: شهر، صمت يوماً، مبارك، أي يوماً منه؛ وعندي بز، كر بدرهم، أي كر منه؛ وخرج بإن تعين: سرني شهر صمت منه، فلا يحذف، لاحتمال صمته.
(والمفرد مشتق لفاعل) - وهو اسم الفاعل، والمثال، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل.
(أو مفعول) - كاسم المفعول، وأفعل المفضل به المفعول نحو: هو أحن من زيد. وخرج بقوله: لكذا وكذا المشتق لمكان أو زمان أو آلة.
(أو جار مجراه أبداً) - وهي أوصاف تضمنت معنى الفعل، دون حروفه، واستديم النعت بها دون شرط، كلوذعي وجرشع وصمحمح وشمردل، فلوذعي جرى مجرى فطن، وجرشع مجرى غليظ، وصمحمح مجرى شديد، وشمردل، بدال غير معجمة، مجرى سريع، وهي كثيرة، ولذا قال: كلوذعي.
(وذي بمعنى صاحب، وفروعه) - والفروع: ذوا وذوي وذوو، بالواو والياء، وذات وذاتا وبالياء وذوات.
(وأولي) - بمعنى أصحاب نحو: (أولو الألباب).
(وأولات) - بمعنى صواحب نحو: (وأولات الأحمال).
(وأسماء النسب المقصود) - نحو: قرشي؛ وخرج بالمقصود: قمري ونحوه من الأسماء المنسوبة في الأصل، وغلبت على أجناس لا يعرض فيها لنسب.
(والجاري في حال دون حال، مطرد وغير مطرد) - فالمطرد أسماء الإشارة غير المكانية نحو: جاء زيد هذا. وخرج بالمكانية هنا ونحوه، فلا يوصف به على حد الوصف بهذا ونحوه، إلا أنه يقع ظرفاً في موضع الصفة، كأن يذكر مكان فيقال: مررت برجل هناك، أي كائن هناك.
وكون اسم الإشارة المذكور يوصف به هو قول البصريين، لتضمنه معنى المشار إليه، وقال الكوفيون والسهيلي: لا يوصف به لجموده، ولذا لا يتحمل ضميراً، وإنما جعل اسم الإشارة جارياً مجرى المشتق، في حال دون حال، لأن استعماله غير نعت أكثر من استعماله نعتاً، وكذا ما ينعت به من الموصولات.
(وذو الموصولة وفروعها) - أي في التأنيث والتثنية والجمع، ومنه قولهم: بالفضل ذو فضلكم الله به، وبالكرامة ذات أكرمكم الله به، أي الذي والتي.
(وأخواتها المبدوءة بهمزة وصل) - وهي الذي والتي وفروعهما من لفظهما كالذين، أو غير لفظهما كالألى واللاتي. وخرج بالمبدوءة من وما وأي الموصولات.
(ورجل بمعنى كامل) - نحو: مررت بزيد الرجل، أي الكامل في الرجولية، ولذا يرفع الظاهر نحو: أرجل عبد الله؟ مع العلم بأنه رجل، ووقوع رجل بهذا المعنى خبراً نحو: زيد الرجل، أكثر من وقوعه نعتاً.
(أو مضاف إلى صدق أو سوء) - نحو: هو رجلٌ رجلُ صدقٍ، أي صالح، أو رجل رجل سوء، أي فاسد.
(وأي مضافاً إلى نكرة تماثل المنعوت معنى) - نحو: مررت برجل أي رجل، أو أي فتى، والمعنى على الكمال. وسبقت له هذه المسألة في باب الموصول.
(وكل وجد وحق، مضافات إلى اسم جنس مكمل معناه للمنعوت) - نحو: زيد الرجل كل الرجل، وجد الرجل، وحق الرجل، وهو رجل كل رجل، وجد رجل، وحق رجل؛ والمقصود كماله في ذلك، فهذه المذكورات يطرد النعت بها، ولا يتوقف على سماع.
(وغير المطرد النعت بالمصدر) - فالنعت بالمصدر وما ذكره بعده مقصور على السماع، وللمصدر مزية بقارب بها الاطراد، ومنه قولهم: رجل رضىً وعدل وزور وصوم وفطر، فإن أردت المبالغة، على معنى جعل الموصوف المصدر، لكثرة وقوعه منه فهو مجاز، وإن لم تردها فهو على حذف مضاف، أي ذي رضى، وعزي إلى البصريين؛ أو على التأويل بوصف، أي راض، ونسب إلى الكوفيين.
(والعدد) - نحو: أخذ بنو فلان من بني فلان إبلاً مائة، حكاه سيبويه، وأنشد:
404 -
لئن كنت في جب ثمانين قامة
…
ورقيت أسباب السماء بسلم
(والقائم بمسماه معنى لازم، ينزله منزلة المشتق) - نحو: لبست ثوباً خزاًّ ملمسه، أي شديد الليونة؛ وشربت ماء عسلاً طعمه، أي شديد الحلاوة؛ فإن أردت أن في الثوب خزاًّ، وفي الماء عسلاً، لم يجز النعت.
(وينصب أي المنعوت به) - أي الصالح للنعت به.
(حالاً بعد معرفة) - نحو:
405 -
فلله عينا حبتر أيما فتى
وسبقت له المسألة في باب الموصول.
(وما في نحو: رجل ما شئت من رجل، شرطية محذوفة الجواب، مصدرية منعوت بها، خلافاً للفارسي) - إذ التقدير: ما شئت من رجل فهو ذلك، والجملة من الشرط والجواب صفة رجل، ويوضح شرطيتها وقوع من بيانية بعدها، كما وقعت في:(وما تفعلوا من خير يعلمه الله)، يبطل مصدرية أن المصدر المقدر هنا معرفة، لأن فاعل الصلة كذلك، ولا تنعت نكرة بمعرفة، ولو جاز ما أجازه الفارسي لم يمتنع: مررت برجل أن يرضى، كما لم يمتنع: مررت برجل رضى.
(فصل): (يفرق نعت غير الواحد بالعطف إذا اختلف) - نحو: مررت برجلين: كريم وبخيل، وبالزيدين القرشي والتميمي، ونص سيبويه والمبرد والزجاج وغيرهم على منع: مررت بهذين: القصير والطويل؛ قال الزيادي: وقد يجوز على البدل وعطف البيان، أي على حد ما أجاز سيبويه وغيره: هذان زيد وعمرو.
(ويجمع إذا اتفق) - نحو: مررت برجلين كريمين، وبالرجلين القرشيين.
(ويغلب التذكير والعقل عند الشمول وجوباً) - نحو: مررت برجل وامرأة صالحين، وبزيد وهند الصالحين، واشتريت عبداً وفرساً مختارين.
(وعند التفصيل اختياراً) - نحو: مررت باثنين: صالح وصالح، ويجوز: صالح وصالحة، وباثنين: ذي عذار وذي عذرة، ويجوز ذي عذار وذات عذرة، وانتفعت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين، ويجوز سابقين وسابقات.
(وإن تعدد العامل، واتحد عمله ومعناه ولفظه أو جنسه، جاز الإتباع مطلقاً) - فاللفظ نحو: هذا زيد وهذا بشر، أو ذهب زيد وذهب بشر العاقلان؛ ورأيت زيداً ورأيت عمراً الشجاعين؛ ومررت بزيد ومررت بعمرو الصالحين، فالجمهور على جواز الإتباع والقطع، وقال ابن السراج: إن قدرت الثاني عاملا فالقطع، أو توكيداً والعامل الأول جاز الإتباع؛ والجنس نحو: هذا زيد وذاك بكر، أو ذهب زيد وانطلق بكر العاقلان، ورأيت زيداً وأبصرت بكراً الشجاعين، وسيق المال إلى زيد وبلغ به إلى بكر الماجدين؛ فمذهب سيبويه والكسائي والمبرد جواز الإتباع والقطع، وقال ابن السراج: يجب القطع.
(خلافاً لمن خصص ذلك بنعت فاعلي فعلين، وخبري مبتدأين) - وفي كلام سيبويه ما يوهم ذلك، لكنه مؤول، ويؤيد التأويل قوله: وتقول: هذا عبد الله وذاك أخوك الصالحان، لأنهما ارتفعا من وجه واحد، وكذا قوله: مضى عبد الله وانطلق أخوك الصالحان، لأنهما ارتفعا بفعلين، فقوله: من وجه واحد، وبفعلين، يقتضي أن المنتصبين من وجه واحد أو بفعلين كذلك المثال، والمجرورين من وجه واحد يصح فيهما الإتباع، فلا يتقيد الإتباع بما فهم بعض النحويين من خصوص الصورتين المذكورتين، وإلى هذا أشار بقوله قبل: مطلقاً.
(فإن عدم الاتحاد وجب القطع) - وذلك إما في العمل نحو: مررت بزيد ولقيت عمراً الكريمين، فيقطع النعت عند الجمهور، وذهب الكسائي وابن الطراوة إلى جواز الإتباع بصفة الآخر، لأنه أقرب؛ وأجاز الفراء أيضاً الإتباع، وقال: يتبع الأول فيه.
وإما في المعنى والجنس نحو: مررت بزيد، وانتفعت بعمرو، ومررت بزيد أمام عمرو، فيقطع عند الجمهور، وأجاز الأخفش والجرمي الإتباع، وإذا كان العامل واحداً، وكذا العمل، فالإتباع والقطع جائزان نحو: جاء زيد وعمرو العاقلان؛ فإن اختلف العمل والنسبة نحو: ضرب زيد عمراً العاقلان، فالقطع، فإن اتحدت النسبة فالقطع عند البصريين، وأجاز الكسائي وغيره الإتباع، وقال الفراء: يغلب المرفوع، وخير ابن سعدان، فتقول: خاصم زيد عمراً العاقلان أو العاقلين. وأصل هذا الخلاف في المسألة، أعني مسألة القطع والإتباع، الخلاف في عامل النعت؛ ومذهب الخليل وسيبويه والأخفش والجرمي وأكثر المحققين أنه تبعية للمنعوت، وصححه المغاربة، وقال المبرد وابن السراج وابن كيسان: عامل المنعوت.
(بالرفع على إضمار مبتدأ) - نحو: مررت بالزيدين الخياطان، أو الكريمان، أي هما.
(أو بالنصب على إضمار فعل لائق) - فيقدر في المدح أمدح، وفي الذم أذم، وفي الترحم أرحم، وفي التخصص أعني.
(ممنوع الإظهار في غير تخصيص بوجهيه) - فيجب إضمار المبتدأ والفعل في نعت غير التخصيص، وهو المذكور قبل ذكره، وأما التخصيص فيجوز معه
إظهار الرافع والناصب نحو: مررت بزيد الخياط، وإن شئت: هو الخياط أو الخياط، وإن شئت: أعني الخياط.
(في نعت غير مؤكد) - نحو: (إلهين اثنين)، و (نفخة واحدة).
(ولا ملتزم) - كالشعرى العبور، وقد سبق ما فيه.
(ولا جار على مشار به) - نحو: مررت بذلك الرجل، فيجوز، فيما عدا الثلاثة المذكورة، الإتباع والقطع، اتحد العامل أو تعدد، على ما سبق من البيان.
(وإن كان لنكرة، فيشترط تأخره عن آخر) - كقول أبي الدرداء، رضي الله عنه: نزلنا على خال لنا ذو مال وذو هيئة، فإن لم يتقدم آخر، لم يجز القطع إلا في الشعر، وهذا هو المشهور، وعن سيبويه جواز القطع.
(وإن كثرت نعوت معلوم أو منزل منزلته، أتبعت أو قطعت، أو أتبع بعض دون بعض) - فأما المجهول فيتبع بما يميزه منها، حتى لو لم يميز إلا بجميعها أتبعت جميعها؛ قال ابن خروف: وربما قطع بعض النكرة وبعض المعرفة في الضرورة؛ قال السهيلي: أو في ضعيف من الكلام. ومثل المصنف للمنزَّل منزلة المعلوم لتعظيم أو غيره بقول الخرنق:
406 -
لا يبعدن قومي الذين هم
…
سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك
…
والطيبون معاقد الأزر
(وقدم المتبع) - قال ابن أبي الربيع: ولا يعكس؛ هذا هو الصحيح الثابت من كلام العرب، وفيه خلاف؛ وقال ابن العلج: كذا قال بعض النحويين، والصحيح جوازه، لأن القطع عارض، فلا حكم له؛ ويروى بيت الخرنق برفعهما، ونصبهما، ورفع الأول ونصب الثاني، وبالعكس.
(وقد يلي النعت لا أو إما، فيجب تكريرهما، مقرونين بالواو) - نحو: (لا بارد ولا كريم)، (لا ظليل ولا يغني)، وفي البسيط: قيل: لا يلزم تكريرها في الوصف، ونحو: لابد من حساب إما شديد، وإما يسير.
(ويجوز عطف بعض النعوت على بعض) - قال ابن خروف: إذا كانت النعوت مجتمعة على المنعوت في حالة واحدة، لم يعطف إلا بالواو، وإلا جاز العطف بحروف العطف إلا حتى. انتهى؛ وفي التباعد ظهور الواو حسن نحو:
(هو الأول والآخر)، وعند التقارب يختار ترك العطف نحو:(هو الله الخالق البارئ المصور).
(فإن صلح النعت لمباشرة العامل، جاز تقديمه، مبدلاً منه المنعوت) - نحو: (إلى صراط العزيز الحميد، الله)، ومنه:
407 -
ولكني بليت بوصل قوم
…
لهم لحم ومنكرة جسوم
أي وجسوم منكرة. قال ابن عصفور: ويؤخذ من هذا وجهان: أحدهما أنه وصف مقدم، والثاني جعل الثاني بدلاً.
(وإذا نعت بمفرد وظرف وجملة، قدم المفرد وأخرت الجملة غالباً) - فالأقيس تقديم المفرد، وتوسيط الظرف أو شبهه، وتأخير الجملة نحو:(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه)، وقد تقدم الجملة نحو:(يحبهم ويحبونه أذلة)، وخرِّج عليه الفارسي:(وهذا كتاب أنزلناه إليك مبارك). وقال ابن عصفور مرة لا يجوز ذلك إلا في ضرورة، أو نادر من الكلام، وقال مرة: إلا في قليل من الكلام، أو في الشعر؛ قال ابن جني: وإن كانت صفة رافعة ظاهراً، وأخرى لم ترفعه، قدمت هذه على الرافعة، نحو: مررت برجل قائم عاقل أبوه، ثم الظرف بعد الرافعة، ثم الجملة.
(فصل): (من الأسماء ما ينعت به وينعت، كاسم الإشارة) - نحو: (كبيرهم هذا)، (ابنتي هاتين)، (أهذا الذي بعث الله رسولا)؟ (أهذا الذي يذكر)؟ وهذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: لا ينعت به ولا ينعت، وتابعهم السهيلي، ونقل عن الزجاج؛ ويخرَّج ما ظاهره ذلك على البدل أو عطف البيان، وإنما قال: كاسم الإشارة، لينبه على أن غيره كذلك، وهو المشتق الجائز أن يبدأ به، والذي والتي وفروعهما من لفظهما.
(ونعته مصحوب ال خاصة) - قال النحاس: وأجمعوا على أنه لا ينعت بالمضاف، وحكى عن الكسائي: هذا عبد الله قائم، فتأوله قوم على النعت، وأنكره الفراء وقال: من قال: هذا الرجل عاقل، لم يقل: هذا غلام الرجل عاقل. ووجه ذلك أن المراد بيان جنسه، والإضافة بغير من الجنسية، لأن المضاف ليس بجنس، فكل من كان رجلاً ليس بصاحب الرجل ولا أخي الرجل، قاله الفراء.
(وإن كان جامداً محضاً، فهو عطف بيان على الأصح) - فالرجل في نحو: مررت بهذا الرجل، عطف بيان، كما هو في: رأيت شخصاً رجلاً، وإليه ذهب الزجاج وابن جني والسهيلي وابن السيد، وجوز ابن عصفور الوجهين، وحكاه عن النحويين وقال: إن ال على النعت للعهد، وعلى العطف للحضور، والبدلية أيضاً جائزة، وذكرها الزجاج.
(ومنها ما لا ينعت ولا ينعت به كالضمير مطلقاً) - أي لمتكلم أو مخاطب أو غائب، وقال: كالضمير ليشير إلى ما هو مثله في ذلك، كما التعجبية وقبل وبعد والمصدر الذي بمعنى الأمر والدعاء كسقيا لك، واللام في ذلك متعلقة بأعني، أو في موضع خبر مبتدأ محذوف، أي الدعاء لك.
(خلافاً للكسائي في نعت ذي الغيبة) - ونقل غير المصنف عن الكسائي تقييد ذلك بنعت المدح أو الذم أو الترحم، واحتج الكسائي بقولهم: اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم، وقوله:
408 -
فلا تلمه أن ينام البائسا
وخرجه غيره على البدلية، وأجاز بعضهم نصب البائس بأعني.
(ومنها ما ينعت ولا ينعت به كالعَلَم) - ونحوه أسماء الأجناس كرجل.
(وما ينعت به ولا ينعت كأي السابق ذكرها) - وكذا كل وجد وحق، وفي البسيط أن الكوفيين قالوا إن كلاًّ توصف ويوصف بها، وقال بعض النحويين: إن البصريين لا يصفون بها؛ ومما ينعت به ولا ينعت ما لا يستعمل إلا تابعا كبسن وليطان من قولهم: حسن بسن وشيطان ليطان.
(فصل): (يقام النعت مقام المنعوت كثيراً إن علم جنسه) - إما باختصاص النعت به، كمررت بكاتب راكب صاهلاً، أو بمصاحبته ما يعينه نحو:(أن اعمل سابغات)، و (فليضحكوا قليلاً، وليبكوا كثيراً)، حذف المنعوت للعلم به، مع قبول النعت لمباشرة ما كان يباشره المنعوت.
(ونعت بغير ظرف وجملة) - كما سبق تمثيله، وذلك لأن الجملة وشبهها لا يصلحان لمباشرة ما يباشره المنعوت.
(أو بأحدهما، بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن أو في) - نحو: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به)، ونحو قوله:
409 -
لو قلت ما في قومها لم تيثم
…
يفضلها في حسب وميسم
أي أحد يفضلها، والميسم الجمال، قال المصنف: ومثل هذا لو استعمل في غير الشعر لحسن، نحو: ما في الناس إلا يشكر أو يكفر، وجعل ابن عصفور البيت من ضرورة الشعر، ومثال الظرف: ما في بني تميم، إلا فوق ما تريد.
(فإن لم يكن كذلك، لم يقم الظرف والجملة مقامه إلا في الشعر) - فما ليس بعضاً نحو: ما من البصرة إلا يسير إلى الكوفة، أي رجل يسير، وما في الدار إلا يسكنها، أي رجل يسكنها، وما في الدار إلا فوقها، أي رجل فوقها؛ وما هو بعض وليس مجروراً بأحدهما نحو: كان القوم فريقين، يضربون الأعناق، وآخرين يأسرون، أي فريقاً يضربون.
(واستغني لزوماً عن موصوفات بصفاتها، فجرت مجرى الجوامد) - نحو: دابة وأبطح وحسنة وسيئة.
(ويعرض مثل ذلك لقصد العموم) - نحو: (ولا رطب ولا يابس)، (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة).
(وقد يكتفى بنية النعت عن لفظه للعلم به) - نحو: (وكذب به قومك) أي المعاندون، (تدمر كل شيء) أي أمرت بتدميره، (لرادك إلى معاد) أي تحبه.