المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌39 - باب حروف الجر سوى المستثنى بها - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌39 - باب حروف الجر سوى المستثنى بها

‌39 - باب حروف الجرِّ سوى المستثنى بها

والكوفيون يسمونها: حروف الإضافة لإضافتها الفعل إلى الاسم، وحروف الصفات، لأنها تحدث صفة في الاسم. والمستثنى بها هي: خلا وعدا وحاشا، وقد مضى الكلام على شيء يتعلق بها هناك، وملخص ما يقال، أن سيبويه لم يعرف إلا الجر بحاشا، فهي عنده حرف جر لا غير، وقال الفراء: لا يكون إلا فعلاً، والجر بعدها بلام مقدرة، والأصل: قام القوم حاشا لزيد، وقال الأخفش والمبرد والزجاج وغيرهم: تكون حرفاً، وقد تكون فعلاً، وهو الصحيح، لثبوت النصب بها من كلام العرب، ولم يحفظ سيبويه إلا فعلية عدا وخلا، ونقل الأخفش الجر بهما، وقد سبق للمصنف في الظروف كون مذ ومنذ حرفي جر، إذا خفض ما بعدهما، وسيأتي في الباب الحوالة على ذلك.

(فمنها مِنْ، وقد يقال: مِنَا) - وهذا هو الأصل عند الكسائي والفراء، قالا: وحذفت الألف لكثرة الاستعمال، وأنشد الكسائي لبعض بني قضاعة:

190 -

بذلان مارن الخطي فيهم

وكل مُهندٍ ذكرٍ حُسامِ

مِنَا أن ذر قرنُ الشمس حتى

أغابَ شريدهم قترُ الظلام

ص: 245

والبصريون على أنها ثنائية وضعاً؛ وخرج البيت على أن مِنَا مصدر مَنى يتمنى قدر، وهو مصدر يستعمل ظرفاً لطلوع الشمس، أي تقدير إن ذر قرن الشمس إلى آخر النهار.

(وهي لابتداء الغاية مطلقاً على الأصح) - خلافاً لمن زعم أنها لا تكون كذلك في الزمان، وهو المنقول عن البصريين، وأجاز ذلك الكوفيون، فمثالها في المكان:(من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)، وفي الزمان:(من أولِ يومٍ أحقُّ أن تقوم فيه)، (لله الأمر من قبل ومن بعد)، وقال الأخفش في المعاني: قال بعض العرب: من الآن إلى غدٍ. انتهى. وهو كثير في لسان العرب، نثراً ونظماً، فالوجه اقتياسه، ومثالها في غيرها: قرأت من أول القرآن إلى آخره، وفي الحديث:"من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم".

(وللتبعيض) - وهو قول الفارسي والجمهور، وصححه ابن عصفور، وهو كثير في كلامهم:(منهم من كلم الله)، (فمنهم من يمشي على بطنه)، وعلامتها جواز إغناء بعضٍ عنها، وفي قراءة ابن مسعود:(حتى تنفقوا بعض ما تُحبون)، وفي البديع قيل إن مِنْ لأقل من النصف:(منهم المؤمنون، وأكثرهم الفاسقون). انتهى.

ص: 246

وزعم المبرد والأخفش الصغير والسيرافي وجماعة أنها لا تكون إلا لابتداء الغاية، وقالوا في: أكلت من الرغيف، إنه يرجع إلى الابتداء، لأنه إنما أوقع الأكل على جزء، فانفصل من الجملة، وهو ضعيف، لصحة وقوع بعض هنا، وعدم صحة وقوع ذلك في: سرت من الكوفة.

(ولبيان الجنس) - وهو قول جماعة من المتقدمين والمتأخرين، منهم النحاس وابن بابشاذ، وجعلوا منه:(فاجتنوا الرجس من الأوثان)، أي الرجس الذي هو الأوثان، (وعد الله الذين آمنوا منكم)، (خلق الإنسان من صلصال كالفخار)، وأنكره أكثر المغاربة. وكذا من قال: إنها لا تكون إلا لابتداء الغاية، وتكلفوا تأويل ما ظاهره ذلك.

(وللتعليل) - (أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف)، ومن لا يرى ذلك قال بالتضمين، أي خلصهم بالإطعام من جوع، وبالأمن من خوف.

(وللبدل) - (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)، (ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة).

(وللمجاوزة) - فتكون بمعنى عن (فويلٌ للقاسية قلوبُهم من ذكر الله) أي عن ذكر الله، وقالوا: حدثته من فلان أي عنه.

ص: 247

(وللانتهاء) - وأثبته الكوفيون، قال المصنف: وقد أشار سيبويه إليه، قال: وقتلو: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية رؤيتك. قال ابن السراج: وأثبته الكوفيون، قال المصنف: وقد أشار سيبويه إليه، قال: وتقول: رأيته من ذلك الموضع، فجعلته غاية رؤيتك. قال ابن السراج: وحقيقة المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي، فمِنْ لك، وإذا قلت: رأيت الهلال من خلل السحاب، فمن للهلال، والهلال غاية لرؤيتك، فلذا جع لسيبويه مِنْ غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع، وأنكر المغاربة ذلك، وقالوا: تكون لابتداء الغاية، وانتهائها في بعض المواضع، وحملوا كلام سيبويه على هذا.

(وللاستعلاء) - أثبته الأخفش والكوفيون وبعض اللغويين، واستشهد له بقوله تعالى:(ونصرناه من القوم)، وخرج على التضين، أي منعناه بالنصر من القوم.

(وللفصل) - وهي الداخلة على المتضادين ونحوهما: (والله يعلم المفسد من المصلح)، (حتى يميز الخبيث من الطيب)، ولا نعرف زيداً من عمرو.

(ولموافقة الباء) - وهو قول كوفي، وقاله بعض البصريين، ومنه:(ينظرون من طرفٍ خفي)، قال الأخفش: قال يونس: أي بطرف خفي، كما يقولون: ضربت في السيف، أي بالسيف، أي جعلوا من كالباء، كما جعلوا في كالباء.

ص: 248

(ولموافقة في) - وهو قول كوفي، وجعل منه:(أروني ماذا خلقوا من الأرض)، وقال عدي بن زيد.

191 -

عسى سائلٌ ذو حاجة إن منعته

من اليوم سؤلاً أن يُيَسَّرَ في غد

وخرج على أنها للتبعيض، والتقدير في البيت: من مسؤولات اليوم.

(وتزداد لتنصيص العموم) - نحو: ما قام من رجل، فقبل دخولها يحتمل الكلام نفي الوحدة، فلما دخلت تعين العموم.

(أو لمجرد التوكيد) - نحو: ما جاء من أحد، إذا الكلام قبل دخولها نص في العموم، وقيل: إن مذهب سيبويه أن مِنْ في الموضعين لتأكيد الاستغراق، ولم تدخل في: ما جاءني من رجل، إلا على أن المراد به الاستغراق.

(بعد نفي) - كما مثل، ولا فرق بين أداةٍ منه وأداةٍ.

(أو شبهه) - وهو النهي والاستفهام، وإنما يحفظ ذلك مع هل، ومنه:

ص: 249

(هل لنا من شفعاء)؟ ولو قلت: كيف تكرم من رجل أتاك؟ لم يَجْزُ.

(جارةٌ نكرة) - كما مثل؛ واشتراط النفي أو شبهه وكون المجرور نكرة قول جمهور البصريين، لكن في فصيح الكلام، وأجازوا في الضرورة زيادتها في الواجب والمعرفة والنكرة.

(مبتدأ) - نحو: (من شفعاء)، و (ما لكم من إله غيره)، ونحو:

192 -

* ألا لا مِنْ سبيلٍ إلى هندِ؟ *

وزيادتها فيه بعد لا قليلة، بخلاف ما.

(أو فاعلاً) - ومنه: (ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ)، ونحو: هل قام من أحد؟ ، ولا يقم من أحد، واسم كان كالفاعل، قال تعالى:(وما كان معه من إله)، وتقول: ليس من رجلٍ قائماً.

ص: 250

(أو مفعولاً به) - قال تعالى: (وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه)، و (هل تُحس منهم من أحدٍ)؟ وتقول: ما ضرب من أحد، والمتسع فيه كذلك نحو: ما ضُرب من ضرب شديد، وما سير من ميل، وما صيم من يوم، ولا تدخل على ثاني ظن، وثالث أعلم، وخبر كان، وتدخل على مفعوليْ أعطى، وأول مفعوليْ ظن وأعلم، وفي ثاني أعلم نظر.

(ولا يمتنع تعريفه، ولا خلوه من نفي أو شبهه، وفاقاً للأخفش) - واختلف النقل عن الكوفيين، فقيل: يجيزون زيادتها في الواجب وغيره، بشرط تنكير المجرور، ونقل عن الكسائي وهشام القول بزيادتها في الواجب مع المعرف، ومنه:(ولقد جاءك من نبأ المرسلين)، (يغفر لكم من ذنوبكم)، (ولهم فيها من كل الثمرات)، وجاء منه مواضعُ كثيرة، وتكلف تأويلها لا يخفى، والأولى إسقاط التكلف.

(وربما دخلت على حال) - كقراءة زيد بن ثابت وأبي الدرداء وجماعة: (ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء) بضم النون وفتح الخاء، أي أولياء.

(وتنفرد مِنْ بجرِّ ظروف لا تتصرف، كقبل وبعد وعند ولدي ولدن ومع، وعن وعلي بعد اسمين: ) - وقال قوم: منْ زائدة مع قبل وبعد، وعليه

ص: 251

جرى المصنف، وقيل: هي لابتداء الغاية، فإذا قلت: جئت من قبل زيدٍ أو من بعده، اقتضى ذلك تعقيباً لا تقتضيه ولابد عن عدمه مِنْ، فلو جئت ظهراً وجاء عصراً أو بالعكس، لمي حسُنْ مجيء مِنْ لعدم الاعتقاب.

وقال المصنف أيضاً: إنها مع لدن وعن زائدة، والكلام فيه كما تقدم، وقال: إنها مع عند ولدى ومع وعلى لابتداء الغاية. وعن مع مِنْ بمعنى جانب، وعلى بمعنى فوق، قال جرير:

193 -

وإني لعَفُّ الفقر مُشتركُ الغنى

سريع إذا لم أرض داري انتقاليا

جريء جنان لاأهالُ من الردى

إذا ما جعلتُ السيف مِنْ شماليا

وقال آخر:

194 -

غدَتْ من عليه تنفُض الطل بعدما

رأت حاجب الشمس استوى فترفعا

وقال الفراء ومن وافقه من الكوفيين: عن وعلى مع مِنْ على ما كانا عليه من الحرفية.

ص: 252

(وتختص مكسورة الميم ومضمومتها في القسم بالرب) - فتقول: من ربي لأفعلن، بكسر الميم وضمها، ولا تضم إلا في القسم، ولا تجر إلا الرب فيه.

وللنحويين في المضمومة الميم قولان: أحدهما: حرف، واختاره المصنف؛ والثاني اسم مقتطع مع أيمن، لأنه لم يثبت ضم ميم مِنْ حرفاً، ورجح الأول بدخولها على الرب، وأيمن وما استعمل منها لا تدخل عليه، وبسكون النون، ولو كان بقية أيمن لأعرب.

(والتاءُ واللامُ بالله) - أي يختصان بالله، نحو:(وتالله لأكيدن أصنامكم)، ولله لا يبقى أحد.

(وشذ فيه: مُنُ اللهِ وتربي) - أي شذ في القسم دخول من على الله، رواه الأخفش، وأورده المبرد في المدخل إيراداً يشعر بعدم الشذوذ، وشذ أيضاً فيه دخول التاء على الرب نحو: تربى لأفعلن، وقالوا أيضاً: تربِّ الكعبة. وأطلق ابن عصفور في المقرب كون التاء تجرُّ الرب من غير تعرض لشذوذ، لكنه قال في شرح الجمل إنه قليل جداً، وقالوا أيضاً: تالرحمن وتحياتك.

(ومنها: إلى للانتهاء مطلقاً) - أي في الزمان والمكان آخراً وغيره نحو: سرت إلى آخر انلهار، وإلى آخر المسافة، وإلى نصف النهار، وإلى نصف المسافة، وإذا وجدت قرينة تدل على دخول ما بعدها في حكم ما قبلها، أو خروجه عمل بمقتضاها نحو: اشتريت الشقة إلى طرفها، فالطرف داخل، فلا يعهد شراء الشقة دونه، ونحو: اشتريت الفدان إلى الطريق، فالطريق خارج؛ وعند عدم القرينة قيل: يدخل، وقيل: إن كان من جنس ما قبله

ص: 253

احتمل الدخول، والأظهر أن لايدخل، قاله عبد الدايم القيرواني، وقيل: لا تدخل مطلقاً، وعليه أكثر المحققين ففي: اشتريت البستان إلى الشجرة الفلانية، الشجرة خارجة عن الشراء، لأنها للانتهاء، والشيء لا ينتهي ما بقي منه شيء، لكن يجوز فيُجعل القرب من الانتهاء انتهاء، فلابد من قرينة، وإن لم توجد أعملت الحقيقة.

(وللمصاحبة) - قاله الكوفيون وكثير من البصريين، كما قال الخضراوي: وعليه حمل المفسرون قوله تعالى: (مَنْ أنصاري إلى الله؟ )، (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم)؛ وخرجه من منع على تضمين معنى الإضافة، أي مَنْ يضيف نصرته، ولا تضيفوا أموالهم

قال الفراء: وإنما تجعل إلى كمع إذا ضممت شيئاً إلى شيء، لقول العرب: الذود إلى الذود إبل، فإن لم يكن ضم لم يجز، فلا يقال: إلى فلان مال، أي معه. والذود إلى الذود إبل، فإن لم يكن ضم لم يجز، فا يقال: إلى فلان مال، أي معه. والذود ما بين الثلاثة إلى العشرة، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها، ومعنى المثل: إذا جمع القليل مع القليل صار كثيراًز

(وللتبيين) - وهي المتعلقة في تعجب أو تفضيل بحب أو بغض، لتبيين فاعلية مصحوبها:(رب السجنُ أحبُّ إليَّ).

(ولموافقة اللام) - (والأمر إليك)، فاللام الأصل، كما قال تعالى:

ص: 254

(لله الأمر)، (هل لنا من الأمر من شيء؟ )، (إن الأمر كله لله)، وكذا:(يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) لقوله: (الذي هدانا لهذا)، (قل الله يهدي للحق)، (يهدي للتي هي أقوم).

(وفي) - وهو مذهب كوفي، وقال به العتبى، واستشهد له بقوله تعالى:(هل لك إلى أن تزكى؟ ) وقول النابغة:

195 -

فلا تتركني بالوعيد كأنني

إلى الناس مطليٌّ به القارُ أجربُ

وخرج على التضمين، أي أدعوك إلى أن تزكى، وكأنني مبغض إلى الناس، فإن الجمل الأجرب المطلي بالقطران مبغض.

(ومِنْ) - قاله الكوفيون والعتبى، واستشهد له بقول ابن أحمر:

196 -

تقول وقد عاليتُ بالكُور فوقها

أيُسقَى فلا يَرْوَى إليَّ ابنُ أحمرا؟

ص: 255

أي فلا يُروَى مني، وخرج على تقدير: فلا يَرْوَى ظمؤه إليّ.

(ولا تزاد، خلافاً للفراء) - وخَرَّج هو على ذلك قراءة من قرأ: (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم) بفتح الواو، ونظيرها باللام في:(ردف لكم).

قال المصنف: وأولى منه كون الأصل: تهوي بكسر الواو، لكن فتحت على لغة طييء في قولهم في رَضِيَ: رَضَى، وفي ناصية: ناصاة، ورد عليه بأنه ليس من لغة طيئ أن يقولوا في يجزي يجزي بالفتح، بل ذلك مخصوص عندهم بنحو رضي ونحو الناصية، وتخريج الآية على هذا تضمين تهوى بمعنى تميل.

(ومنها اللام للملك) - المالُ لزيدٍ.

(وشبهه) - أدوم لك ما تدوم لي.

(وللتمليك) - وهبت لزيد ديناراً.

(وشبهه) - (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة).

(وللاستحقاق) - الجلباب للجارية، والحبل للفرس.

(وللنسب) - لزيد عَمٌّ هو لعمرو خالٌ.

(وللتعليل) - (لتحكم بين الناس بما أراك الله)، وكذا الجارة اسم من

ص: 256

غاب حقيقة أو حكماً، عن قائل قول متعلق به، نحو:(وقال الذين كفروا للذين آمنوا: لو كان خيراً ما سبقونا إليه)، (الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا).

(وللتبليغ) - وهي الجارة اسم سامع قول أو ما في معناه، نحو: قلت له، وبنيت له، وشكرت له، ونصحت له.

(وللتعجب) -:

197 -

فلله عيناً من رأى من تفرق

أشَت وأنأى من فراق المحصب

(وللتبيين) - وهي الواقعة بعد أسماء الأفعال والمصادر التي تشبهها، مبينةً صاحب معناها، نحو:(هَيْتَ لك)، وسُقْيا لزيد، والمتعلبة بحب في تعجب أو تفضيل مبينة مفعولية مصحوبها، نحو: ما أحبُّ زيداً لعمرو، (ولذين آمنوا أشد حباً لله).

(وللصيرورة) - (فالتقطه آلُ فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا).

(ولموافقة في) - (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة)، (لا يُجَلِّيها

ص: 257

لوقتها إلا هو).

(وعند) - كقراءة الجحدري: (بل كذبوا بالحق لما جاءهم) قال أبو الفتح: أي عند مجيئه إياهم، نحو: كتب لخمس خَلَوْنَ.

(وإلى) - (سُقناه لبلد)، (كُل يجري لأجل).

(وبَعْدَ) - (أقم الصلاة لدلوك الشمس) أي بعد زوالها.

198 -

فلما تفرقنا كأنين ومالكاً

لطول اجتماع لم نَبِتْ ليلةً معاً

أي بعد طول.

(وعلى) - (يخرون للأذقان)، (دعانا لجنبه)، (وتله للجبين).

(ومِنْ) -:

199 -

لنا الفضل في الدنيا وأنفُك راغم

ونحن لكم يوم القيامة أفضلُ

أي ونحن منكم.

ص: 258

وكون اللام للصيرورة هو قول الأخفش، ومن منع ذلك ردها إلى التعليل بحذف السبب وإقامة المسبب مقامه، وكونها بمعنى مِنْ وما بعده هو قول الكوفيين والقتبي.

(وتزاد مع مفعول ذي الواحد قياساً في نحو: للرؤيا تعبرون) - وهو كل عامل ضعُف بالتأخير، نحو: لزيدٍ ضربت. واحترز بالواحد من المتعدي إلى اثنين، فلا تزاد مع معموله، كذا قال المصنف، وقد جاء السماع بخلافه، قال الشاعر:

200 -

أحجاجُ لا تعطي العُصاةَ مناهُم

ولا الله يعطي للعصاة مُناها

وإذا زيدت معه في التأخير عن العامل ففي التقديم أولى.

و((إن ربك فعال لما يريد)) - وهو العامل الفرعي، ومنه:(مصدقاً لما معهم)، والقياس على هذين النوعين سائغ.

(وسماعاً في نحو: (ردف لكم)) - ومنه:

201 -

وملكت ما بين العراق ويثرب

ملكاً أجار لمسلم ومعاهد

ص: 259

أي ردفكم، وأجار مسلماً. ولم يذكر سيبويه زيادة اللام، وذهب إليه المبرد.

(وفتحُ اللام مع المضمر لغةُ غير خزاعة) - فيقول غيرهم من العرب: لكم ولنا ولها وله، بفتح اللام، وأما خزاعة فيكسرون اللام مع المضمر، كما فعل هم وغيرهم مع المظهر، وهذا في غير الياء والمستغاث.

(ومع الفعل لغة عكل وبَلْعَنْبر) - ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير: (وإن كان مكرُهم لتزول منه الجبال) بفتح اللام، وحكى أبو زيد أنه سمع من يقول:(وما كان الله ليعذبهم).

بفتح اللام.

(وتساوي لامُ التعليل معنى وعملاً كي مع أنْ) -:

202 -

فقالت: أكل الناس أصبحت مانحاً

لسانك كيما أنْ تَغُرَّ وتخدعاً؟

فمعنى كي فيه التعليل، وعملها الجر، وظهور أن بعدها كما في البيت شذوذ.

ص: 260

(وما أختها) - أي أخت أن، وهي المصدرية:

203 -

إذا أنت لم تنفع فضُرَّ فإنما

يُرادُ الفتى كيما يضرُّ وينفع

(والاستفهامية) - كقولك سائلاً عن العلة: كي مَ فعلته؟ وفي الوقف: كيمه؟ كما تقول: لم فعلت؟ ولمه؟

(ومنها الباء للإلصاق) - نحو: وصلت هذا بهذا، ونحو: مررت بزيد؛ والإلصاق في هذا مجاز، لما ألزق المرور بمكان بقرب زيد، جعل كأنه ملزق به، ونحو: أمسكت بزيد، أي باشرت إمساكه؛ وهذا لا يعطيه أمسكت زيداً، وإنما يعطي منعه التصرف بوجهٍ ما؛ ولم يذكر سيبويه للباء معنى غير الإلصاق؛ وحركة الباء الكسر، وربما فتحت مع الظاهر فقالوا: بزيدٍ، حكاه أبو الفتح عن بعضهم.

(وللتعدية) - وهي الداخلة على الفاعل فيصير مفعولاً، نحو:(ذهب الله بنورهم)، ودفعت بعض الناس ببعض، وصككت الحجر بالحجر.

ص: 261

(وللسببية) - قال المصنف: وهي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازاً، نحو:(فأخرج به من الثمرات)، و (تُرهِبون به عدو الله)، وكتبت بالقلم؛ قال: والنحويون يعبرون عنها بالاستعانة، واخترت السببية لأجل الأفعال المنسوبة إليه تعالى؛ إذ يجوز أن تستعمل فيها السببية دون الاستعانة. انتهى.

والمغاربة فرقوا بينهما، فقالوا: السببية هي الداخلة على سبب الفعل، نحو: عنفته بذنبه؛ وباء الاستعانة هي الداخلة على آلة الفعل، نحو: كتبت بالقلم.

(وللتعليل) - وهي التي تحسن غالباً في موضع اللام، نحو: فبظلم من الذين هادوا). واحترز بغالب من قولهم: غضبت لفلان، إذا غضبت من أجله وهو حي، وغضبت بفلان، إذا غضبت من أجله وهو ميت، وهذه هي التي عبر عنها المغاربة بباء السبب.

(وللمصاحبة) - وهي التي تحسن في موضعها مع، ويغني عنها وعن مصحوبها الحال نحو:(قد جاءكم الرسول بالحق)، أي مع الحق، أو مُحقاً، (اهبط بسلام)، أي مع سلام أو مسلماً؛ ولمساواة هذه الباء مع، قد يعبر سيبويه عن المفعول معه بالمفعول به.

ص: 262

(وللظرفية) - وهي التي يحسن مكانها في: (ولقد نصركم الله ببدر)، (نجيناهم بسحر).

(وللبدل) - وهي التي يحسن مكانها بدل، كقول رافع بن خديج: ما يسرني أني شهدت بدراً بالعقبة؛ وقوله:

204 -

فليت لي بهم قوماً

البيت

(وللمقابلة) - وهي الداخلة على الأثمان والأعواض، نحو: اشتريت الفرس بألف، وكافأت الإحسان بضعف؛ وقد تسمى باء العوض.

(ولموافقة عن) - (ويوم تشقق السماء بالغمام)، (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم)؛ قال الأخفش: ومثله: فاسأل به خبيراً)؛ وأثبت هذا المعنى لها الكوفيون بعد السؤال، وذكروا الآية، وبيت علقمة:

205 -

فإن تسألوني بالنساء

البيت.

ص: 263

(وعلى) - قال الأخفش في قوله تعالى: (مَنْ إنْ تأمنه بقنطار

) و (مَنْ إن تأمنه بدينار) أي على قنطار، وعلى دينار، لقوله تعالى:(هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكُم على أخيه). وأثبت لها ذلك الكوفيون أيضاً.

(ومن التبعيضية) - أثبته الكوفيون والقتبي، وذكره الفارسي في التذكرة، وروى عن الأصمعي في قوله:

206 -

شَرِبْن بماء البحر ثم ترفعتْ

متى لُجَجٍ خُضْرٍ لهن نئيجُ

واستدل الكوفيون بقوله تعالى: (يشربُ بها عبادُ الله)

(وتُزادُ مع فاعلٍ) - نحو: (كفى بالله شهيداص)، وأحْسنْ بزيدٍ.

(ومفعول) - نحو: (ولا تلقوا بأيديكم)، (وهُزي إليك بجذع النخلة).

(وغيرهما) - نحو: بحسبك درهم، وما زيدٌ بقائمٍ.

ص: 264

(ومنها: في للظرفية، حقيقةً) - نحو: زيدٌ في البيت والمالُ في الكيس.

(أو مجازاً) - نحو: نظرت في العلم، (ولكم في القصاص حياة)

(وللمصاحبة) - أثبته الكوفيون والقُتَبيّ، وتبعهم المصنف، ومذهب سيبويه والمحققين أنها لا تكون إلا للدعاء حقيقةً أو مجازاً، واحتج للمصاحبة بقولهم: فلان عاقل في حلم، وقوله تعالى:(قال ادخلوا في أمم)، (فخرج على قومه في زينته)، والظرفية المجازية ممكنة.

(وللتعليل) - (لمسكم فيما أخذتم)، (فذلكُن الذي لمتنني فيه)

(والمقايسة) - وهي الداخلة على تالٍ بقصد تعظيمه وتحقير متلوه نحو: (فما متاعُ الحياة الدينا في الآخرة)، و"ما أنتم في سواكم من الأمم".

(ولموافقة على) - أثبته الكوفيون والقُتَبي، وجعل منه:(في جذوع النخل)، وحكي يونس أن العرب تقول: نزلت في أبيك أي على أبيك.

ص: 265

(والباء) - أثبته المذكور أيضاً، وجعل منه:(يذرؤكم فيه) أي به، وحكى يونس عن بعض العرب: ضربته في السيف.

(ومنها: عن للمجاوزة) - وهو الأكثر فيها نحو: صدَّ عنه، وأعرض عنه، وسقاه عن ظمأ، وتوافقها فيه مِنْ، ولذا تعاقباً في بعض الأفعال، وقرئ:(الذي أطعمهم عن جوع)، وقالوا: كساه عن عري، ومن عري، ومنعه عن الشيء، ومنه.

(وللبدل) - كقولهم: حج فلان عن فلان، وقال تعالى:(واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئاً).

(وللاستعلاء) - أثبته الكوفيون والقتبي، مستدلين بقوله:

207 -

لاهِ ابنُ عمك لا أفضلت في حسبٍ

عني ولا أنت دياني فتخزوني

أي لا أفضلت عليَّ، ولا أنت مالكي فتسوسني، وخرج على تضمين معنى الانفراد.

ص: 266

(وللاستعانة) - أثبته من سبق، وجعلوا منه:(وما ينطق عن الهوى)، وحكى الفراء: رميت عن القوس، وبالقوس، وحكى أيضاً: على القوس.

(وللتعليل) - أثبته الكوفيون، وجعلوا منه قولهم: أطعمته عن جوع، ووافقهم ابن السراج، وخرج المصنف على ذلك:(وما كان استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة)، (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك).

(ولموافقة بعد) - أثبته الكوفيون والقتبي، وجعلوا منه:(لتركبن طبقاً عن طبق) وقوله:

208 -

* ومَنْهَلٍ وردْتُه عن منهل *

(وفي) - كقوله:

209 -

وآسِ سراةَ الحي حيث لقيتهم

ولا تك عن حَمْل الرباعة وانيا

أي في حمل، كقوله تعالى:(ولا تنيا في ذكري)، قاله المصنف.

ص: 267

والرباعة نحو من الحمالة، والحمالة بالفتح ما يحمل عن القوم من دية وغرامة.

(وتزاد هي) - كقوله:

210 -

أتجزع إنْ نفسٌ أتاها حمامُها

فهلا التي عن بين جنبيك تدفع؟

قال ابن جني: أراد: فهلا عن التي بين جنبيك تدفع؟ فحذف عن وزادها بعد التي عوضاً.

(وعلى) - كقول الراجز:

211 -

إن الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد يوماً على من يتكل

قال ابن جني: أراد: من يتكلم عليه، فحذف عليه، وزاد على عوضاً.

(والباء) - كقوله:

212 -

ولا يواتيك فيما ناب من حدثٍ

إلا أخو ثقة، فانظر بمن تثق

أي من تثق به، فحذف به، وزاد الباء قبل مِنْ عوضاً عن المحذوفة.

(عوضاً) - كما سبق تمثيله.

ص: 268

(ومنها على) - ومذهب ابن طاهر وتلميذه ابن خروف وغيرهما أنها لا تكون إلا اسماً، وهو أحد قولي الشلوبين، ونسبوه إلى سيبويه، لقوله في باب عدة ما يكون عليه الكلم: وهو اسم ولا يكون إلا ظرفاً، ومشهور قول البصريين أنها حرف، إلا إن جُرَّتْ بمن، واستدل الأخفش بقولهم: سويتُ علي ثيابي، على اسميتها، إ ذلا يجوز: فرحت بي، وعنه قال ابن عصفور: إنها تكون اسماً في: هون عليك، ونحوه، وإذا كانت اسماً فقيل: مبنية، كما بنيت عن اسماً، وقيل: معربة، لأنه الأصل في الأسماء.

(للاستعلاء حسا) - (وعليه وعلى الفُلك تُحملون).

(أو معى) - (ولهن مثل الذي عليهن).

(وللمصاحبة) - أثبته الكوفيون والقتبي، وخرج المصنف عليه:(وآتى المال على حبه)، (لذو مغفرة للناس على ظلمهم).

(وللمجاوزة) - أثبته من تقدم، مستدلين بقوله:

213 -

إذا رضيت علي بنو قشير

لعمرُ الله أعجبني رضاها

ص: 269

(وللتعليل) - (ولتكبروا الله على ما هداكم)، وقال الكوفيون والقتُبى: تكون بمعنى اللام، وأنشدوا:

214 -

رعتْه أشهراً وخلا عليها

فطار النَّيُّ فيها واستعارا

أي وخلالها، يصف إبلاً سمنت، والنيُّ الشحم، واستغار استفعل من السعير، أشبع الفتحة فتولدت الألف.

(وللظرفية) - (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان)، (ودخل المدينة على حين غفلة)، وأثبته من تقدم.

(ولموافقة مِنْ) - أثبته أولئك أيضاً، مستدلين بقوله تعالى:(إذا اكتالوا على الناس)، (إلا على أزواجهم).

ص: 270

(والباء) - وهو قولهم أيضاً، واستدلوا بقوله تعلى:(حقيق على أن لا أقول)، وقالوا: اركب على اسم الله.

(وقد تُزاد دون تعويض) - كقول حميد بن ثور:

215 -

أبي الله إلا أن سرحةَ مالك

على كل أفنان العضاه تروقُ

أ] تروق كل أفنان، وراق كأعجب متعد بنفسه، راقني حسن الجارية؛ وفي الحديث: "مَن حلف على يمين

"، والذي نص عليه سيبويه أن على وعن لا تزادان.

(ومنها حتى لانتهاء العمل بمجرورها أو عنده) - قال المصنف: فتقول: ضربت القوم حتى زيدٍ، فيحتمل كون زيد مضروباً انتهى الضرب به، وكونه غير مضروب انتهى الضرب عنده، فهو كالمجرور بإلى، أشار إلى هذا سيبويه والفراء وثعلب، وبعضهم يقول، وعليه جرى المغاربة: إن دلت قرينة على الثاني عمل بمقتضاها، وإلا فهو داخل؛ ومن الخارج للقرينة:

ص: 271

216 -

سقى الحيا الأرض حتى أمكُن عُزيت

لهم فلا زال عنها الخير محدوداً

وفي الإفصاح أن مذهب المبرد والفارسي وابن السراج أنه داخل، ومذهب الفراء والزجاجي وجماعة أنه داخل، ما لم يكن غير جزء، نحو قولهم: إنه لينام الليل حتى الصباح. والذي يقتضيه ظاهر كلام سيبويه وتمثيله أنه داخل إذا كان بعضاً، ولا شك في حمل هذا على ما إذا لم توجد قرينة تقتضي الخروج كالبيت.

(ومجرورها إما بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاماً صريحاً) - كرجال وقوم.

(أو غير صريح) - وهو ما دل على الجمع بغير لفظ موضوع له نحو: (ليسجننه حتى حين)، فمجرور حتى منتهى أحيانٍ مفهومة لم يصرح بذكرها.

(وإما كبعض) - كقوله:

217 -

ألقى الصحيفة كي يُخفف رحله

والزاد، حتى نعله ألقاها

أي ألقى ما يثقله، ويروى نعله بالأوجه الثلاثة.

ص: 272

(ولا يكون ضميراً) - هذا مذهب سيبويه، وأجاز الكوفيون ذلك، فتدخل على المضمرات المجرورات كلها، واستدلوا بقوله:

218 -

فلا والله لا يلفي أناسٌ

فتىً حتاك يا بن أبي زياد

وهو عند البصريين ضرورة.

(ولا يلزم كونُه آخر جزء، أو ملاقى آخر جزء، خلافاً لزاعم ذلك) - هو

ص: 273

كما قال المصنف: الزمخشري، وهو قول المغاربة، فلا يجوز عندهم: سرت البارحة حتى نصف الليل، بل يؤتي حينئذ بإلى، ويجوز، أكلت السمكة حتى رأسها، وسرت النهار حتى الليل؛ ورُد عليهم بقوله:

220 -

إن سلمى من بعد يأسى همتْ

بوصالٍ لوصح لم يُبق بوسا

عينتْ ليلةً فما زلت حتى

نصفها راجياً فعدتُ يؤوسا

وفيه بحث.

(ويختص تالي الصريح المنتهي به بقصد زيادةٍ ما) - فإذا قلت: ضربت القوم حتى زيد، وكان الضرب انتهى به، ففي ذكر القوم غني عنه، لكن يقصد بذكره التنبيه على أن فيه زيادة ضعف أو قوة أو تعظيم أو تحقير.

(وبجواز عطفه) - وهي لغة ضعيفة، ويأتي الكلام فيها بباب العطف إن شاء الله تعالى، وإن وجدت قرينة تقتضي العطف تعين نحو: ضربت القوم حتى زيداً أيضاً؛ إذ المعنى: ضربت القوم حتى ضربت زيداً أيضاً، وهذا لا يعطيه إلا العطف.

ص: 274

(واستئنافه) - قال المصنف: فتقول: ضربت القوم حتى زيدٌ، برفع زيد على الابتداء، والخبر محذوف؛ وروي بالأوجه الثلاثة قوله:

221 -

عممْتَهم بالندى حتى غُواتهمُ

فكنت مالك ذي غي وذي رشد

وجوازُ كون هذا ونحوه مبتدأ قولُ بعض الكوفيين، وشرط البصريون ذكر ما يصلح خبراً نحو: حتى نعله ألقاها، وحتى غواتهم حجة عليهم.

(وإبدال حائها عيناً لغةٌ هذيلية) - وفي قراءة ابن مسعود: (ليسجننه عتى حين)، وسمع عمرو رجلاً يقرأ كذا، فقال: من أقرأك؟ قال: ابن مسعود. فكتب إليه: إن الله أنزل هذا القرآن عربياً، وأنزله بلغة قريش، فلا تقرئهم بلغة هذيل، والسلام.

(ومنها الكاف للتشبيه) - ودليل حرفيتها وصلهم بها في السعة نحو: جاء الذي كزيد، وكونها على حرف واحد، وليس هذا شأن الأسماء الظاهرة، وعلى حرفيتها لابد من متعلق كغيرها من حروف الجر؛ وذهب الأخفش وابن عصفور في بعض كتبه، والزمخشري في مطول الكشاف إلى أنها لا تتعلق بشيء

(ودخولها على ضمير الغائب المجرور قليل) - كقوله:

223 -

* وأم أوعال كها أو أقربا *

ص: 275

والمغاربة يخصونه بالضرورة، وقد شذ دخولها على ضمير المتكلم والمخاطب في قول الحسن: أنا ككَ وأنت كيْ.

(وعلى أنت وإياك وأخواتِهما أقل) - قالوا: ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا، وقالوا: أنت كهو، وأنكر ذلك الكوفيون. والمراد بأخواتهما ضمائر الرفع المنفصلة وضمائر النصب المنفصلة، ونوزع في كون كأنت ونحوه أقل من كها، فقيل: إن لم يكن أكثر منه فلا أقل من كونهما سييْن.

(وقد توافق على) - أثبته الكوفيون والأخفش، وحكى هو عن بعض العرب أنه قيل له: كيف أنت؟ فقال: كخير؛ وحكى الفراء: كيف أصبحت؟ فقال: كخير، أي على خير وخرج الأخفش على هذا قولهم: كن كما أنت، والتقدير: كن على الحال الذي أنت عليه، وما موصولة، وأنت مبتدأ محذوف الخبر، والجملة الصلة، ومما خرج غيره عليه هذا، أن أنت فاعل فعل مضمر، أي كن كما كنت، والكاف على بابها، والمعنى: كن في المستقبل مشبهاً ما كنت عليه؛ وأول قولهم: كخير على معنى كصاحب خير.

(وقد تزاد إن أمن اللبس) - وجعل منه: (ليس كمثله شيء)، وقيل: الزائد مثل، وقيل: مثل بمعنى الصفة، ولا زيادة؛ وخرج على زيادة الكاف:(كأمثال اللؤلؤ المكنون). وقد تزاد خالية من معنى التشبيه،

ص: 276

حكى الفراء أنه قيل لبعض العرب: كيف تصنعون بالإقط؟ فقال: كهَيِّن، أي هيِّناً.

(وتكون اسماً) - أي في الكلام، وهو قول الأخفش، وظاهر قول الفارسي؛ وذهب سيبويه إلى أنها لا تكون اسماً إلا في الضرورة، وقال أبو جعفر ابن مضاء: الأظهر كونها اسماً أبداً، لكونها بمعنى مثل، وما كان بمعنى اسم فهو اسم.

(فتُجَرُّ) - كقوله:

222 -

تيم القلب حبُّ كالبدر، لا، بل

فاق حُسناً من تيم القلب حُبا

(ويُسندُ إليها) - نحو:

224 -

أتنتهون؟ ولن ينْهَى ذوي شطط

كالطعن يذهب فيه الزيتُ والقتُل

ص: 277

(وإن وقعت صلة فالحرفية راجحة) - ولذلك استدل به على الحرفية ومنه:

225 -

ما يُرتجى وما يُخاف جمعا

فهو الذي كالليث والغيث معا

واحتمال كونها اسما، وصدر الصلة محذوف، أي الذي هو مثل الغيث، بعيد لما تقرر في الموصولات.

(وتزاد بعدها ما كافة) - كقوله:

226 -

أخٌ ماجدٌ لم يُخْزِني يوم مشهدٍ

كما سيفُ عمرو لم تخنه مضاربُه

وإن أجَزْنا وصل ما المصدرية بالجملة الاسمية، احتمل كون ما في البيت مصدرية جارة.

ص: 278

(وغير كافة) - أنشد القالي:

227 -

وننصر مولانا ونعلم أنه

كما الناس، مجروم عليه وجارمُ

وقالوا: هذا حقٌ، كما أنك ذاهبٌ، وخرجه الخليل على زيادة ما، وجر الكاف ما بعدها، ذكره سيبويه.

(وكذا بعد رُب والباء) - أي تزداد ما كافة وغير كافة؛ فالكافة بعد رُب نحو:

228 -

رُبما الجاملُ المؤبلُ فيهم

وعناجيجُ بينهن المهارُ

وغير الكافة نحو:

229 -

مساوي يا رُبتما غارةٍ

شعواء كاللذعة بالميسم

ص: 279

والكافة بعد الباء نحو:

230 -

فلئن صبرت لا تحير جواباً

لبما قد تُرى وأنتَ خطيبُ

وغير الكافة: (فبما رحمةٍ من الله)، (فبما نقضهم). والجامل القطيع من الإبل مع رعاته وأربابه، وإذا كانت الإبل للقنية فهي إبل مؤبلة، وإذا كانت مهملة فهي إبل أُبل، والعناجيج جياد الخيل واحدها عنجوج، والمهار جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرةن والجمع مُهَر، ويقال: غارة شعواء: أي فاشية، ولذعته النار لذعاً أحرقته، والميسم المكواة، وأصل الياء

ص: 280

واو فتجمع مياسم على اللفظ، ومواسم على الأصل، ويقال، كلمته فما أحار لي جواباً، أي ما ردَّه.

(وتحدث في الباء المكفوفة معنى التقليل) - فمعنى لبما قد ترى وأنت خطيب: لربما.

(وقد تُحدثُ في الكاف معنى التعليل) - قاله الأخفش في قوله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم)، أي فاذكروني كما فعلت هذا، وحكى سيبويه: كما أنه لا يعلم، فتجاوز الله عنه، أي لأنه.

(وربما نصبت حينئذ مضارعاً) - نحو:

231 -

وطرفك إما جئتنا فا حبسنَّه

كما يحسبوا أن الهوى حيث تنظر

والأكثر عدم النصب، ومن كلامهم: انتظرني كما آتيك.

ص: 281

(لا لأن الأصل كيما) - كما زعم الكوفيون والفارسي، فحذفت الياء، بل لشبهها بكي، ولا يتكلف دعوى الحذف.

(وإن ولي ربما اسم مرفوع فهو مبتدأ بعده خبرُه، لا خبر مبتدأ محذوف، وما نكرة موصوفة بهما) - فقوله: ربما لاجامل

البيت، ما: فيه كافة هيأت رُب للدخول على الجملة الاسمية، كما هيأتها للفعلية نحو:(ربما يودُّ)، وهذا قول المبرد، قال: تليها الاسمية والفعلية كإنما، تقول: ربما قام زيدٌ، وربما زيدٌ قائم؛ وذهب الفارسي والجمهور؛ ومنهم ابن عصفور، إلى أن رُبَّ ل تدخل على الجملة الاسمية، فما في البيت نكرة موصوفة. بمبتدأ مضمر وخبر مظهر.

(خلافاً لأبي علي في المسألتين) - يعني مسألة: كما يحسبوا، ومسألة: ربما الجامل.

(وتزاد ما غير كافة بعد مِنْ وعَنْ) - نحو: (مما خطيئاتهم)، (قال: عما قليل).

(ومنها: مذ ومنذ، وقد ذكرا في باب الظروف) - وسبق الكلام عليهما هناك.

(ومنها: رُبَّ) - وسيأتي ذكر الخلاف في اسميتها.

ص: 282

(ويقال: رُبَ ورَبْ) - وذكر المصنف في الشرح فيها عشر لغات: منها أربع بتشديد الباء، والباقي بتخفيفها، وهي: رُبَّ ورُبَّت ورَبَّ ورُبَّت

ص: 283

ورَبَّت، ورُبَ ورُبَت ورَبَ ورَبَت ورُبْ ورَبُ، وزاد غيره ربتا، وبعض المصنفين قال: إن فتح الراء في الجميع شاذ، وأن فتح الراء وتخفيف الباء مفتوحة بلا تاء ضرورة؛ والوقف على ما فيه التاء فيها بالتاء، وقيل بالهاء.

(وليست اسماً، خلافاً للكوفيين والأخفش في أحد قوليه) - وإليه صار ابن الطراوة، واستدلوا بقول الشاعر:

223 -

إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن

عاراً عليك، ورُبَّ قَتْل عارُ

فرب عندهم مبتدأ، وعار خبره؛ ومذهب جمهور البصريين أنها حرف، والبيت مُحتمل لكون عار خبر مبتدأ محذوف، أي هو عار، وكون قتل مبتدأ مجروراً برب كما جُر بالباء حَسْبُ في: بحسبك درهم، ولو كانت رُبَّ اسماً لجاز: بِرُبَّ رجلٍ مررت كما تقول: بزيدٍ مررت.

(بل هي حرف تكثير، وفاقاً لسيبويه) - وكذا قال ابن خروف إن هذا

ص: 284

مذهب سيبويه، وكلام سيبويه في باب كم يقتضي ذلك، ولا معارض له في كتابه، لكن الأكثرون على أنها للتقليل، وهو المنسوب عند كثيرين لسيبويه وغيره من أكابر البصريين والكوفيين، كأبي عمرو والخليل والكسائي والفراء؛ وحاصل ما قيل فيها أنها للتقليل، أو للتكثير مطلقاً، أو له في مواضع الافتخار، أو للتقليل والتكثير، أو لا دلالة لها على واحد منهما، وإنما يُفْهَم من خارج؛ فمما أفهم التقليل:

234 -

ألا رُبَّ مولود وليس له أبٌ

وذي ولدٍ لم يلده أبوان

ومما أفهم التكثير قوله عليه السلام: "يا ربَّ كاسيةٍ في الدنيا، عاريةٌ يوم القيامة" وقول الأعرابي الذي سمعه الكسائي يقول: رُبَّ صائمه لن يصومه، وقائمه لن يقومه.

(والتقليل بها نادر) - ومن تتبع كلام العرب نثراً ونظماً عرف ذلك.

هذا معنى كلام المصنف، والمغاربة يقولون: هي لتقليل جنس الشيء أو تقليل نظيره، وما زعم المصنف أنه نادر، قال بعض المغاربة: إنه أكثر ما يقع فيها، والأقرب أنها تستعمل لهما.

(ولا يلزم وصفُ مجرورها) - وهو ظاهر مذهب سيبويه، وعليه نصَّ

ص: 285

الأخفش، وقاله أيضاً الزجاج والفراء وابن طاهر وغيرهم، واختاره ابن عصفور، ووجه بأن ما فيها من معنى القلة أو الكثرة يغني عن الوصف كما في كم الخبرية، واحتج له بقول أم معاوية:

235 -

يا رُبَّ قائلةٍ غداً

يا لهف أم معاويهْ! .

وقوله: ألا رُبَّ مولدٍ

البيت.

(خلافاً للمبرد ومن وافقه) - كابن السراج والفارسي، وعليه أكثر المتأخرين ومنهم الشلوبين، وفي البسيط أنه رأى البصريين، واحتج له بأن عاملها يحذف غالباً، فجعل التزام الوصف كالعوض، ورد بأن الغالب ذكره، ويجتمعان نحو: رُبَّ رجلٍ عالم لقيت، فلا عوضية؛ وفي حذفه وذكره مذاهب:

- نادر الحذف، وهو قول الخليل وسيوبيه؛ - كثيره، قول الفارسي والجزولي؛ - مُمتنعه، قول كلدة الأصفهاني؛ - لازمُه، حكاه الضياء في البسيط: إن لم تقم دلالة وجب ذكره، كقولك ابتداء: رُبَّ رجلٍ عالمٍ لقيت، وإن قامت ونابت الصفة منابه لم يجز أن يظهر نحو: رُبَّ رجل يفهم هذه المسألة، لمن قال: فهمتها، والتقدير: وجدت؛ وإلا جاز الأمران، نحو أن يقال: ما لقيت رجلاً عالماً، فلك أن تقول: رُبَّ رجلٍ عالم لقيت، ولك حذف لقيت، قاله ابن أبي الربيع، وسيأتي قول آخر للمذكور عنه.

ص: 286

(ولا مُضيُّ ما يتعلقُ به) - خلافاً للمبرد والفارسي، وهو المشهور، واختاره ابن عصفور؛ بل يكون ماضياً وحالاً ومستقبلاً، إلا أن المضي أكثر، وهو قول بعض النحويين، واختاره المصنف، وقصر ابن السراج المنع على الاستقبال؛ واحتج الأول بقوله:

مكرر 236 فإن أهلكْ فرُب فتى سيبكي

علي مخضبٍ رخصِ البنان

وخُرِّج على أن سيبكي صفة والعامل ماضٍ محذوف، أي لم أقض حقه، بدليل قوله بعد:

بقية 236 - ولم أك قد قضيت حقوق قومي

ولا حق المهند والسنان

على أن هذا إنما هو على قول الجمهور في أن رُبَّ تحتج إلى ما تتعلق به، وذهب الرماني وابن طاهر إلى أنها لا تتعلق بشيء، كالباء في بحسبك درهم، ولولا ولعل في لغة من جر بهما، وإنما هي خافضة لمبتد، وعلى والتعليق، قيل موضع مجرورها نصبٌ أبدا، وهو مذهب الزجاج، ورد بقولهم: رُب رجلٍ عالم قد لقيته، إذ يؤدي إلى تعدي الفعل إلى الظاهر ومضمره، وقيل: يكون محله النصب والرفع، على حسب العامل، وهي زائدة في الإعراب، ويجوز الاشتغال عند وجود الضمير، وهو قول الأخفش والجرمي، وأقرب شبه لها على هذا اللام المقوية في: لزيد ضربت.

(بل يلزمُ تصديرها) - أي على ما تتعلق به، فليس في كلام العرب: لقيتُ رُبَّ رجلٍ عالمٍ، ولا يلزم تصديرها أول الكلام، قال:

ص: 287

237 -

تيقنتُ أنْ رُب امرئ خيل خائناً

أمينٌ، وخوانٍ يُخال أمينا

وقال:

238 -

أماوي إني رُبَّ واحدِ أمه

وجدتُ فلا قتل لدي ولا أسرُ

(وتنكيرُ مجرورها) - أي الظاهر الذي يليها نحو: رُبَّ رجلٍ لقيت؛ وأجاز بعض النحويين تعريفه بال، وأنشدوا:

مكرر 228 - * ربما الجامل المؤبل فيهم

*

البيت بالجر، وخرج على زيادة ال، إن صحتْ هذه الرواية.

(وقد يُعطفُ على مجرورها وشبهه مضافٌ إلى ضميريهما) - نحو: رُبَّ رجلٍ وأخيه أكرمت؛ والمراد بشبهها كم وأي وكل نحو: كم عبدٍ وأخيه أعتقت،

ص: 288

وأي فتى هيجاء أنت وجارها، وكل شاة وسخلتها بدرهم، وهو على نية جعل ضمير النكرة في حكم النكرة، والغالبُ أن العرب لا تفعل ذلك إلا بعد ما تطلب التنكير كرُبَّ، وما ذكر بعد سبق لفظ النكرة كما مثل؛ قال سيبويه: وهو على جوازه ضعيف، وقاسه الأخفش، وحكى الأصمعي أنه قال لامرأة: ألفلان أبٌ وأخٌ؟ فقالت: رُبَّ أبيه رب أخيه؛ وهو أضعف مما قبلُ؛ وشرط ما قبلُ أيضاً كونه في العطف بالواو، وفي سلوك هذا مع غير رب ونحوها خلاف، وصححوا الجواز نحو: هذا رجلٌ وأخوه، تريد التنكير أي وأخ له، إلا أن هذا مع رب ونحوها نص، بخلاف هذا.

(وقد تجر ضميراً) - نحو:

239 -

رُبَهُ امرأ بك نال أمنع عزةٍ

وغني بُعيد خصاصةٍ وهوان

وقضية قوله: وقد، أن ذلك قليل، وقد صرح بالقلة في غير هذا الكتاب، ومرة قال: شاذ، فإن عنى القلة بالنسبة إلى جر الظاهر، والشذوذ من حيث القياس، فذلك صحيح، والنحويون أوردوا هذا على أنه جائز فصيح، وكثير من النحويين، ومنهم الفارسي، على أن هذا الضمير معرفة، وقال قوم منهم ابن عصفور نكرة.

(لازماً تفسيرُه) - نحو: رُبَّهُ رجلاً، ولا يُحذف، وإن دل الكلام عليه،

ص: 289

فلا تقول في جواب: هل رأيت رجلاً عالماص؟ رُبَّهُ رأيت، بخلاف: نعم رجلاً زيدٌ.

(بمتأخرٍ) - وجرى تفسيرُ الضمير المتقدم بالظاهر المتأخر هنا، مجرى التفسير في: نعم رجلاً، لتقاربهما معنى، قال الزجاج: رُبَّه رجلاً معناه: أقلل به في الرجال. انتهى. وهو أمدح من رُبَّ رجلٍ.

(منصوبٍ على التمييز) - كما تقدم، وسُمع جره شذوذاً، رُوي:

مكرر 232 واهٍ رأبْت وشيكاً صدْعَ أعظمِه

ورُبِّهُ عطباً أنقذت من عطبه

بالجر، والمشهور فيه النصْبُ، ووجه الجر نيةُ مِنْ، أي مِنْ عَطِبِ، كقولهم: نعم مِنْ رجلٍ.

(مطابقِ للمعنى) - المقصود للمتكلم لا للفظ المضمر في الغلب، نحو: رُبَّه امرأة ورجلين، وكذا الباقي.

ص: 290

(ولزومُ إفراد الضمير وتذكيره، عند تثنية التمييز وجمعه وتأنيثه، أشهرُ من المطابقة) - والإفراد مذهب البصريين؛ فتقول: رُبَّهُ رجلاً ورجلين ورجالاً وامرأة وامرأتين ونساء، والمطابقة قولُ الكوفيين، قال ابن عصفور: قالوه قياساً، والصواب أنهم قالوه سماعاً، فحكوا عن العرب: رُبَّها امرأة، ورُبَّهما رجلين، أو امرأتين، ورُبَّهم رجالاً، ورُبَّهنَّ نساءُ؛ ومن التزم وصف مجرور رُبَّ، لم يقُلْ ذلك في: رُبَّهُ رجلاً.

قال ابن أبي الربيع: استغنى بدلالة الإضمار على التفخيم عن الوصف، فرُبَّهُ رجلاً بمنزلة: رُبَّ رجلٍ عظيم لا أقدر على وصفه، وقال أيضاً: إنه يلزم حذف ما تتعلق به رُبَّ هنا، لما فيه من زيادة التعظيم، وفيه نظر، وقد ذُكِرَ في قوله:

240 -

رُبَّهُ فتية دعوت إلى ما

يورث الحمد دائماً فأجابوا

ص: 291

وقوله:

مكرر 239 - * رُبَّهُ امرأٌ بك نال أمنع عزة *

وقوله:

مكرر 233 - * ورُبَّه عطباً أنقذت من عطبه *

(فصل): (قد يلي - عند غير المبرد، لولا الامتناعية، الضمير الموضوع للنصب والجر) - أشار بقد إلى قلة ذلك، بالنسبة إلى ما هو حقها من وقوع ضمير الرفع بعدها، لأنه عبارة عن الظاهر، والظاهر بعدها مرفوع، وعلى ماهو حقها جاء قوله تعالى:(لولا أنتم لكنا مؤمنين)، وهو أكثر كلام العرب، ويجوز في لغة: لولاك ولولاكِ ولولا كما ولولاكم ولولاكن ولولاي إلى آخره، وأنكر ذلك المبرد، وقال في قوله:

241 -

وكم موطنٍ لولاي طِحْتَ كما هوى

بأجرامه من قُلَّةِ النيقِ مُنْهوي

- أنشده سيبويه - إن في القصيدة لحناً كثيراً، وقال الشلوبين: اتفق أئمة

ص: 292

البصريين والكوفيين كالخليل وسيبويه والكسائي والفراء على رواية: لولاك عن العرب، قال: فإنكار المبرد هذيان، وقال رؤبة:

242 -

* لولا كما لخرجت نفساكما *

وأنشد الفراء:

243 -

أتطمعُ فينا من أراق دماءنا

ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسنْ

واحترز بالامتناعية من التحضيضية، فإنما يليها الفعل ظاهراً أو مضمراً أو معموله. ويقال: طاح يطوح ويطيح هلك وسقط، وكذلك إذا تاه في الأرض، وطوحه توهه وذهب به ههنا وههنا، وهوى بالفتح يهوي هوياً سقط إلى أسفل، وكذلك الهُويُّ في السير إذا مضى، وهوى وانهوى بمعنى، وقد جمعهما يزيد بن الحكم الثقفي في قوله:

* وكم موطن لولاي

البيت*

ص: 293

والقُنَّة بالضم أعلى الجبل مثل القُلَّة، والنِّيق أرفع موضع في الجبل، والجمع نياق.

(مجرور الموضع عند سيبويه) - لامتناع النصب، إذ لم يأتوا بنون الوقاية في لولاي، والرفع، لأنه ليس من ضمائره.

(مرفوعه عند الأخفش والكوفيين) - ووضع ضمي رالجر موضع ضمير الرفع، كما عكس ذلك في: ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا، وفيه إقرار لولا على ما ثبت لها، وعدم مخالفة الأصل، بعدم تعلق الجار، على أنه قد قيل: إنها تتعلق بمحذوف واجب الإضمار، أي لولاي حضرت؛ ورُدَّ بلزوم تعدي فعل المضمر المتصل إلى مضمره؛ والأقرب على الجر أنها لا تتعلق كما في علل على الجر.

(ويُجَرُّ بلعلَّ وعلَّ في لغة عُقيل) - حكى ذلك عنهم أبو زيد، وأنكر بعض النحويين ذلك، وخرج:

244 -

* لعل أبي المغوار

* البيت

ص: 294

ونحوه، على حذف مضاف، وهو ضعيف، فهي لغة ثابتة، وممن حكاها أيضاً الأخفش والفراء.

(وبمتى في لغة هُذيل) - قال المصنف وغيره: فتكون بمعنى مِنْ، وحكوا من كلامهم: أخرجها متى كُمِّهِ، أي مِنْ كُمِّهِ؛ وقال بعض النحويين: إن متى تكون بمعنى وسط، فتجر ما بعدها، وحكى: وضعها متى كُمِّهِ، أي وسطه.

(فصل): (في الجر بحرف محذوف):

(يُجَرُّ برُبَّ محذوفة بعد الفاء كثيراً) - نوزع في قوله: كثيراً، لقلة ما ورد من ذلك، ومنه:

245 -

فحُورٍ قد لهوتُ بهن عينِ

نواعم في المروط وفي الرياط

المروط جمع مرط يكسر الميم، وهو كساء من صوف أو خز يؤتزر به، والرياط والرَّيْطُ جمع ريطة، وهي الملاءة إذا كانت قطعة واحدة ولم تكن لفقين.

(وبعد الواو أكثر) - ودواوين العرب مشحونة بذلك.

ص: 295

(وبعد بَلْ قليلاً) - نحو:

247 -

بل جَوْزِ تَيْهاءَ كظهر الجحفتْ

جوْز كل شيء وسطه.

(ومع التجرد أقلُّ) - أي التجرد من الواو والفاء وبل نحو قول جميل:

248 -

رسم دارٍ وقفت في طلله

كدت قضي الحياة من جللهِ

أي من أجله، ويقال: من عظمه في عيني-

(وليس الجرُّ بالفاء وبل باتفاق) - وكذا نقل الاتفاق ابن عصفور، فمن عد الفاء وبل من حروف الجر فهو واهم أو متجوز.

ص: 296

(ولا بالواو، خلافاً للمبرد ومن وافقه) - بل هي عاطفة، والجرُّ برُبَّ، ولهذا لا يصحبها العاطف، وقال المبرد وبعض الكوفين: الجرُّ للواو، قالوا: ويدل على أنها ليست للعطف، مجيئها في أول القصيدة نحو:

249 -

* وقاتم الأعماق خاوي المخترقن *

والأقرب الأول، وهو قول البصريين، والعطف أول القصائد لعله على ما في النفس، كما قال زهير أول قصيدته:

250 -

* دَعْ ذا وعَدِّ القولَ في هرمِ *

ولم يسبق في اللفظ ما يشار إليه، وإنما عادتهم الغزل أول القصائد، وذكر الأطلال ونحو ذلك، فإذا ترك هذا في أول قصيدة، عطفوا أو أشاروا إلى ما يقدرون من ذلك المفهوم، بمقتضى كثير من استعمالهم أو أكثره.

ص: 297

(ويُجَرُّ بغير رُبَّ أيضاً محذوفاً في جواب ما تضمن مثله) - نحو: زيدٍ، في جواب من قال: بمن مررت؟ ومنه ما في الخبر أنه عليه السلام قال: "أقربهما بابا" جواباً لقائل: فإلى أيهما أهدي؟

(أو في معطوفٍ على ما تضمنه بحرفٍ متصل) - نحو: لك مما يداك تجمع ما تنفقه، ثم غيرك المخزونُ؛ أي ثم لغيرك.

(أو منفصل بلا) - نحو:

251 -

ما لمحب جلدٌ إن هُجرا

ولا حبيبٍ رأفةٌ فيَجْبُرا

(أو لو) - حكى الأخفش في المسائل أنه يقال: جيء بزيدٍ أو عمرو ولو كليهما: وأجاز في كليهما الجرِّ بتقدير: ولو بكليهما، والنصب بإضمار ناصب، والرفع بإضمار رافع، وقال الشاعر:

252 -

متى عُذْتُمْ بنا، ولو فئةٍ منا

كُفيتُم، ولم تخْشَوْا هواناً ولا وهنا

وجوَّز سيبويه في قولهم: ائتني بدابةٍ، ولو حماراً، الجرَّ على ضعف.

ص: 298

(أو في مقرونٍ، بعد ما تضمنه، بالهمزة) - نحو أن يقال: مررت بزيدٍ، فتقول: أزيد بن عمرو؟ أي أبزيد؟

(أو هلا) - يقال: جئت بدرهم، فتقول هلا دينارِ؟ حكى هذين الأخفش في المسائل، ثم قال: وهذا كثير.

(أو إن، أو الفاء الجزائيتين) - كقولهم: مررت برجل، إن لا صالح فطالح؛ أي إن لا أمر بصالح، فقد مررت بطالح؛ حكاه يونس؛ وأجاز: امرر بأيهم هو أفضل؛ إن زيدٍ وإن عمرو، بتقدير: إن مررت بزيد وإن مررت بعمرو، وقال سيبويه: هو قبيح، لكنه جعل إضمار الباء بعد إن لتضمن ما قبلُ لها، أسهل من إضمار رُبَّ بعد الواو؛ وهذا يقتضي اطراده عنده.

(ويقاس على جميعها؛ خلافاً للفراء في جواب نحو: بمن مررت؟ ) - قال المصنف: والصحيح جوازه، لقول العرب: خير بالجر، لمن قال: كيف أصبحت؟ لأن معنى كيف؟ بأي حال؟ فإذا جعلوا معنى الحرف دليلاً، كان لفظه أولى. انتهى.

والمغاربة جعلوا قولهم: خير بالجر، في المثال المذكور، من النادر الذي لا يقاس عليه، وكلامهم يقتضي المنازعة في اقتياس باقي ما ذكر المصنف.

(وقد يُجر بغير ما ذكر محذوفاً) نحو:

253 -

إذا قيل: أيُّ الناس شرُّ قبيلةٍ

أشارت كليبٍ بالأكف الأصابعُ

أي إلى كليب.

(ولا يقاس منه إلا على ما ذكر في باب كم) - وهو جرُّ مميز كم الاستفهامية بمن مضمرة، إذا دخل على كم حرفُ جرٍ.

ص: 299

(وكان) - مثل له المصنف في بيت زهير:

254 -

بدا لي أني لست مدرك ما مضى

ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائياً

أي ولا بسابق، وهذا من عطف التوهم، وهو لا ينقاس.

(ولا المشبهة بإنَّ) - مثل له المصنف بقوله:

255 -

* ألا رجل جزاه الله خيراً *

البيت،

أي ألا من رجل

وهذا من الشذوذ بحيث لا يقاس عليه.

(وما يذكر في باب القسم) - وهو جَرُّ الجلالة دون عوض.

ص: 300

(وقد يُفصَل في الضرورة بين حرف جر ومجرور بظرف) - أنشد أبو عبيدة:

256 -

إن عمراً، لا خير في، اليوم، عمرو

وإن عمراً مخبرُ الأحزان

(أو جار ومجرور) - كقوله:

257 -

رُبَّ في الناس مُوسرٍ كعديمٍ

وعديمٍ يُخالُ ذا إ] سار

(وندر في النثر الفصلُ بالقسم بين حرف الجر والمجرور) - حكى الكسائي:

اشتريته بوالله درهمٍ، وأجاز عليّ بن المبارك الأحمر - تلميذ الكسائي، ورفيق الفراء في مناظرة سيبويه-: رُبَّ والله رجلٍ عالمٍ لقيتُ؛ ونسبة ابن عصفور هذا لخلف الأحمر البصري وهْمّ.

(والمضاف والمضاف إليه) - حكى الكسائي: هذا غلامُ - والله - زيدٍ، وحكى أبو عبيدة: إن الشاة تعرف ربها، حين تسمع صوت- والله - ربها.

* * *

ص: 301