المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌38 - باب إعمال المصدر - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌38 - باب إعمال المصدر

‌38 - باب إعمال المصدر

(يعمل المصدرُ مُظهراً) - هذا قول جمهور البصريين، فلا يعمل في مجرور ولا ظرف ولا غيرهما وهو مضمر، وأجاز الكوفيون إعماله مضمراً، فيقولون: مروري بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح، فيعلقون الباء بهو، واستدلوا لذلك بقوله:

171 -

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ

وما هو عنها بالحديث المرجمِ

أي وما الحديث عنها، وخرجه الأولون على تعليق عن بمحذوف، أي أعني عنها، أو بالمرجم ضرورة، وأجاز أبو علي في رواية، والرماني وابن جني، إعماله في المجرور، وأجاز جماعة إعماله في الظرف، وأطلق النحويون النقل عن الكوفيين في إعمالهم ضمير المصدر، مع اختلاف النقل عنهم في إعمال صريحة.

(مكبراً) - فلا يقال: عرفتُ ضُريبك زيداً، لقوة جانب الاسمية بالتصغير، كما قوي بالإضمار؛ وشرط بعضهم في إعمال المصدر الإفراد، فلا يعمل مثنى ولا مجموعاً، ولم يشترطه بعضهم. ومن إعماله مجموعاً قولهم: تركته بملاحس

ص: 226

البقر أولادها. فملاحس جمع ملحس بمعنى لَحْس، أي تركته بحيث لا يدري أين هو، كقولهم: بمباحث البقر، أي بالمكان القفر، ويقال بحيث تلحس بقر الوحش أولادها، وقوله:

172 -

وقد وعَدتْك موعداً لو وفتْ به

مواعيدَ عُرقوب أخاه بيثرب

ص: 227

ومواعيد جمع موعد، وأجاز ابن العلج إعماله في التمييز، قال: لأن التمييز قابل لعمل الضعيف فيه كالأحوال والظروف نحو: عجبت من تصبباته عرقاً، قال: ويحتمل أن يكون منه قوله عليه السلام: "ألا أخبركم بأحبكم إليَّ وأقربكم مني مجالس؟ محاسنكم أخلاقاً"، فالمحاسن جمع محسن، لم يُتكلم له بواحد كمذاكير، وهو عامل في أخلاق، وعرقوب رجل من العمالة، ضربت به العرب المثل في الخلف، فقالوا: مواعيد عرقوب، وةذلك أن أخاه سأله شيئاً، فقال عرقوب: إذا أطلع نخلي. فلما طلع قال: إذا أبلح، فلما أبلح قال: إذا أزهر، فلما أزهر قال: إذا أرطب، فلما أرطب قال: إذا أتمر، فلما أتمر جذه من الليل ولم يعطه شيئاً.

(غير محدود) - أي بالتاء، فلا يقال: عجبت من ضربتك زيداً، وشذ قوله:

173 -

يُحابي به الجَلْدُ الذي هو حازم

بضربة كفيه الملا نفس راكب

ص: 228

أنشده الفارسي في التذكرة.

(ولا منعوتٍ قبل تمامه) - أي قبل أخذه ما يتعلق به من مجرور وغيره، لأن هذا المصدر مقدر بحرف مصدري والفعل، فهو كفعلٍ موصول به، فلا يجوز: عجبت من ضربك الكثير زيداً، ويجوز: من ضربك زيداً الكثير. وحكم بقية التوابع حكم النعت، فيمتنع: عجبت من شربك وأكلك اللبن، وقتالك نفسه زيداً، ومن إتيانك مشيك إلى زيد؛ وإن أخرت جاز. وقد رد الفارسي على السيرافي قوله في أنت، من قوله:

174 -

أرواح مودعٌ أم بكورُ

أنت فانظر لأي ذاك تصير

إنه فاعل للمصدر من جهة الوصف؛ وخرجه بعضهم على أنه فاعل فعل محذوف يفسره فانظر، وممن ذكر هذا سيبويه، وأجاز السيرافي والأعلم كونه مبتدأ خبره رواح، إما مبالغة، وإما على معنى ذو رواح.

(عملَ فعِله) - فإن كان فعله لازماً لزم المصدر، أو متعدياً تعدى على حسب تعديه، فتقول: عجبت من قيامك، ومن ضربك زيداً، ومن إعطائك زيداً درهماً، ومن ظنك عمراً قائما، ومن إعلامك زيداً عمراً منطلقاً؛ ولا يتقيد إعماله بما تقيد به إعمال اسم الفاعل، بل يعمل ماضياً كما في الحال والاستقبال، لأن عمله بالنيابة عن الفعل، لا بالشبه، وعن بعضهم منع إعماله ماضياً، وعزى

ص: 229

إلى ابن أبي العافية، وقول سيبويه: باب من المصادر جرى مجرى الفعل المضارع في عمله ومعناه، قيل معناه: مجرى الفعل المضارع له، ماضياً كان أو غيره، أي المشابه، وقد صرح آخر الباب بما يقتضي هذا، إذ قال: وتقول: عجبت من ضرب أخيه، يكون المصدر مضافاً، فعل أو لم يفعل، ويكون منوناً.

(والغالب، إن لم يكن بدلاً من اللفظ بفعله، تقديرهُ به بعد أن المخففة أو المصدرية أو ما أختها) - فلا يلزم تقدير المصدر غير البدل بواحد من الأحرف الثلاثة؛ وما اختاره المصنف من أن ذلك غالب وليس بلازم، استند فيه إلى مجيئه غير محتاج، بل غير سائغ فيه ذلك التقدير، ومنه قول العرب. سمع أذني زيداً يقول كذا، إذ لا يسوغ: أن تسمع أذني، فإن الحال لا يسد مسد خبر المبتدأ الذي هو حرف مصدري والفعل، وجعل المصنف مما هو غير مقدر بالحرف قول بعض العرب: اللهم إن استغفاري إياك مع كثرة ذنوبي للؤم، وإن تركي الاستغفار مع علمي بسعة عفوك لغيّ، ونوزع فيما ادعاه، فلا مانع من التقدير في هذا، وفي سمع أذني، ولا يلزم من صحة التقدير جواز النطق؛ وقال ابن العلج: اختلف، هل من شرط تقدير الفعل الحرف السابك أم لا، فمنه من يقدر نفس الفعل، ومنهم ن يقدره بأن، والأول قال: إنما يقدر الحرف حيث يكون المصدر معمولاً لشيء متقدم، لأنه إذا نزل منزلة الفعل لم يكن معمولاً فيقدر الحرف، وعند الابتداء به لا يحتاج إلى الحرف، قال: وهذا أصح قياساً وسماعاً، أما القياس فمن حيث أن الفعل إذا قُدر بالحرف كان معناه المصدر، فلم يقع المصدر موقع الفعل، بل موقع نفسه، وأما السماع فلجواز: ضربي زيداً قائماً، ومنع: أن أضرب زيداً قائماً، إلا بخبر، وإنما كان الحال خبراً مع ظهور

ص: 230

المصدر، لأن الحال كالزمان، والزمان يخبر به عن المصدر، فلما خرج عن لفظه منع. انتهى - وكلام المغاربة على اشتراط تقدير الحرف.

واحترز بقوله: بدلاً من اللفظ، من المصدر المبدل من فعله في الأمر ونحوه وسيأتي. وقوله: أو المصدرية يوهم أن المخففة غير المصدرية، وليس كذلك، وإنما أراد الاحتراز عن التفسيرية والزائدة، فخصها بذلك الاحتراز، مع ما عُلم من أن المخففة أصلها المثقلة، وقد سبق في باب الموصول عدُّها في الحروف المصدرية.

وقوله: أختها، أي أخت أن، وهي الموافقة لها في الدلالة على المصدرية مع الفعل، وقد سبق الكلام عليها بباب الموصول، واحترز من بقية أقسام ما، ولا يكون المقدر بأن الشأنية وضعاً إلا ماضي المعنى أو مستقبله، وأما المقدر بالأخريين فيكون للأزمنة الثلاثة.

(ولا يلزم ذكرُ مرفوعه) - بل يحذف مقتصراً على المصدر، لازماً أو متعدياً نحو: عجبت من قيامٍ حصل اليوم، أو ضرب، أو يذكر مع المفعول دون الفاعل كقوله تعالى:(أو إطعام في يوم ذي مسغبة، يتيماً).

والفرق بين المصدر والفعل وشبهه، حيث استغنى المصدر عن المرفوع ولم يستغنيا أن الفاعل كالجزء من الفعل، ولذا سكنوا له آخر الفعل نحو: ضربْت، والجزء لا يحذف، فكذلك شبهه، ثم حمل شبه الفعل على الفعل، ولم تثبت هذه الجزئية للمصدر، بل هو كالمنفصل، بدليل إضافته إلى الفاعل، وليس كحسن الوجه، لأن هذا يقبل الإضمار، والمصدر لا يقبله، لأنه بمنزلة أسماء الأجناس.

ص: 231

وذهب قوم إلى أن الفاعل مضمر في المصدر عند عدم ذكره لفظاً. قال ابن هشام الخضراوي: أهل البصرة متفقون على أن لا إضمار، وأهل الكوفة يضمرون الفاعل، ويقولون: لابد من ذلك، لأنه كاسم الفاعل، ويرده أن نحو: عجبت من أكل التفاحة، لا دليل فيه على فاعل يُجعل الإضمارُ له، والإضمار يستدعي عهداً، فهو محذوف لا محالة.

وأفهم قول المصنف: ولا يلزم، أنه يجوز ذكر مرفوعه، وهو قول البصريين، وقال الفراء: لا يجوز أن يلفظ بالفاعل بعد المصدر المنون، قال: لأنه لم يُسمع، ورُد عليه بقوله:

175 -

حرب ترددُ بينهم بتشاجر

قد كفرت آباؤها أبناؤها

فآباؤها مرفوع بكفرت، أي لبست الدروع، وأبناؤها مرفوع بتشاجر، ورُدَّ باحتمال كون آباؤها أبناؤها مبتدأ وخبراً، أي آباؤها مثل أبنائها في ضعف الحلوم، ويؤيده قوله قبلُ:

175 -

هيهات قد سفهت أمية رأيها

فاستجهلت، حلماؤها سفهاؤها

أي مثل سفهائها.

(ومعموله كصلة في منع تقديه وفصله) - لأن المصدر هنا مقدر بحرف

ص: 232

مصدري والفعل، والحرف المصدري موصول، كما سبق، والفعل صلته، فكما لا يتقدم معمول الصلة على الموصول، لا يتقدم المعمول على المصدر، لتضمنه الموصول والصلة، ولهذا أيضاً لا يفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، وهذا بمقتضى ما سبق منه محمول على ما ثبت له ذلك في هذا الباب، لقوله أوله: والغالب

إلى آخره.

(ويُضمر عاملٌ فيما أوهم خلاف ذلك، أو يُعدُّ نادراً) - فما أوهم التقديم قوله:

176 -

* وبعض الحلم عند الجهل للذلة إذعان *

فيقدر إذعان قبل قوله: للذلة، ويكون المصدر المذكور مفسراً له، هكذا قيل، أو يعد هذا في النادر، وقد سهل بعضهم في الجار والمجرور والظرف بجواز تقديمهما.

ومما يوهم الفصل: (إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر)، فظاهره نصب يوم برجع، وقد فصلا بقادر، فيضمر عامل في يوم، أي يرجعه يوم تبلى السرائر. أو يقال: يحتمل في المصدر المنسبك مالا يحتمل في الموصول، إذ هو غير صريح في الموصولية، وقد جوز الأخفش تقديم المفعول به على المصدر نحو: يعجبني عمراً ضربُ زيدٍ.

ص: 233

(وإعماله مضافاً أكثر من إعماله منوناً) - وهذا مرجعه الاستقراء، والمعروف أنه لا خلاف بين البصريين والكوفيين في إعمال المضاف، وقيل: إن من الكوفيين من لا يُعمل لمصدر بحال، ويجعل ما وجد بعده من عمل لفعل مقدر. ومن إعمال المضاف في القرآن:(ولولا دفعُ الله الناس). قال الفراء: ولا يوجد المنون في كتاب الله إلا بفاصل نحو: (أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ، يتيماً).

(وإعماله منوناً أكثر من إعماله مقروناً بالألف واللام) - وعلى جواز إعمال المنون البصريون، فيقولون: عجبت من ضرب زيدٍ عمراً، أو عمراً زيدٍ، بالجمع بين الفاعل والمفعول، مقدماً ما شئت منهما؛ وعجبت من ضرب زيداً وعمراً، بالاقتصار على أحدهما. واختلف في جواز: عجبت من ضرب عمرو، برفع عمرو نيابة عن الفاعل. والجواز قول جمهور البصريين، والمنع للأخفش، واختاره الشلوبين، وصححه الخضراوي، وكان ابن خروف يقول: يجوز إذا لم يقع لبس نحو: عجبت من جنونٍ بالعلم زيدٌ. ومنع الكوفيون إعمال المنون، وقالوا إن العمل الموجود بعده لفعل، فقدروا في قوله تعالى:(أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة، يتيماً) يطعم يتيماً.

وأما المصدر المحلى بال فالمعروف أن الكوفيين يمنعون إعماله، ويجعلون ما جاء بعده من عمل لفعل مقدر، كما سبق عنهم في المنون، ونقل ابن أصبغ عن الفراء إجازة إعماله، لكن على استقباح، وأن البغداديين منعوه البتة، ومن قال من البصريين بالمنع ابنُ السراج، ومذهب سيبويه جواز إعماله بلا استقباح، فتقول: عجبت من الضرب زيد عمراً، وصححه بعض المغاربة، ونقل ابن أصبغ

ص: 234

أن مذهب سيبويه وكافة البصريين أنه مستقبح، وهذا معروف عن الفارسي وجماعة من البصريين.

وقال ابن الطراوة وأبو بكر بن طلحة: إن عاقبت ال الضمير جاز إعماله نحو: يا زيد عجبت من الضرب عمراً، تريد: من ضربك؛ وإن لم تعاقبه لم يجز، نحو: عجبت من الضرب زيد عمراً، وما أنشده سيبويه في إعماله:

177 -

ضعيفُ النكاية أعداءه

يخالُ الفرار يُراخي الأجل

وأنشد القالي في أماليه:

178 -

قل الغناءُ إذا لاقى الفتى تلفاً

قولُ الأحبة لا يبعُد وقد بَعُدا

أي قل أن يغني قول الأحبة شيئاً، إذا لاقى الفتى تلفاً. رفع به الفاعل، ونصب به الظرف، وحذف المفعول المنصوب وهو شيئاً. وقد جمع بين الفاعل والمفعول في قوله:

ص: 235

179 -

عجبت من الرزق المسيء إلهه

وللترك بعض الصالحين فقيراً

وما ذكر من الأكثرية يقتضي أن إعماله مضافاً أحسن من إعماله منوناً، وهو قول جماعة، ويعزى إلى الفراء، وذهب الزجاج والفارسي والشلوبين إلى أن أقوى عمله إذا كان منوناً، ونسب إلى الأكثرين؛ وقال ابن عصفور: المحلى بال إعماله أقوى من إعمال المضاف في القياس.

(ويضاف إلى المرفوع أو المنصوب، ثم يستوفي العمل؛ كما كان يستوفيه الفعل) فإذا أضيف إلى الفاعل، نصب بعد ذلك المفعول، كقوله تعالى:(كذكركم آباءكم) و (لولا دفعُ الله الناس)، وهو كثير في القرآن وغيره؛ وإذا أضيف إلى المفعول رفع بعد ذلك الفاعل، وليس بالكثير. وجاء عن ابن عامر انه قرأ:(ذكر رحمة ربك عبدُه زكرياءُ) بضم الدال والهمزة، قيل: ومنه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع). وإضافته إلى الفاعل عند وجوده مع المفعول أحسن، وقيل بالعكس، وليس في كلام سيبويه ترجيح.

(ما لم يكن الباقي فاعلً، فيستغنى عنه غالباً) - بل قال بعضهم: لا يجوز إلا في الشعر، وقال ابن أبي الربيع: جاء في الشعر، وفي قليل من الكلام، وقد

ص: 236

نص سيبويه على جوازه في الكلام.

(وقد يضاف إلى ظرف فيعمل بعده عمل المنون) - فتقول: عرفت انتظار يوم الجمعة زيدٌ عمراً. ذكره سيبويه، ومن منع ذكر الفاعل والمصدر منون، منع هذه.

(ويُتْبَعُ مجروره لفظاً ومحلاً) - فيجر أو يرفع أو ينصب، فتقول: عجبت من أكل زيدٍ الظريف الطعام، بجر الظريف، وكذا باقي التوابع، وعجبت من شرب اللبن الصرف زيد، بجر الصرف، وكذا باقيها؛ وإن شئت رفعت الظريف ونصبت الصرف، وكذا الباقي.

وعلى رأي من يضيفه إلى المفعول القائم مقام الفاعل، ومنهم المصنف، يجوز: عجبت من شرب اللبن الصرف، بالجر والرفع، إذا لم يذكر الفاعل، وكذا الباقي، وستأتي المسألة.

وما أجازه من الإتباع على المحل هو مذهب جماعة من البصريين، ومذهب المحققين منهم المنع، وهو قول سيبويه، وذهب أبو عمرو إلى الجواز في العطف والبدل، والمنع في النعت والتأكيد؛ وبالجواز قال الكوفيون، لكن إذا أضفت إلى المفعول وراعيت المحل، فلابد من الفاعل عندهم نحو: عجبت من شرب الماء واللبن زيدٌ، وللمجيز قراءة الحسن:(أن عليهم لعنة الله والملائكةُ والناسُ أجمعون)، وقال:

180 -

ما جعل امرأٌ القومُ سيداً

إلا اعتيادُ الخلُقِ الممجدا

ص: 237

وهو شاهد على الكوفيين، ومن أجاز اعتبار المحل من البصريين، فالاختيار عنده إتباع اللفظ.

(ما لم يمنع مانع) - فتقول: يعجبني إكرامك زيد وعمراً بنصب عمرو عطفاً على محل الكاف، ولا تجر بدون إعادة المضاف، قال ابن الأنباري: وليس بمستحيل، لأن بعض العرب قاله، وقرأ قارئون:(تساءلون به والأرحام) عطفاً على الهاء.

(فإن كان مفعولاً ليس بعده مرفوعٌ بالمصدر، جاز في تابعه الرفعُ والنصبُ والجرُّ) - فيجوز عند إضافة المصدر إلى المفعول الظاهر، وعدم ذكر الفاعل، في التابع مطلقاً ثلاثة أوجه، فتقول: عجبت من تطليق المرأة وضربها، بالجر على اللفظ، وبالرفع على تقدير الفعل النائب، وبالنصب على تقدير فعل الفاعل.

(ويعمل عمله اسمه غيرُ العلم) - ومنه حديث الموطأ: "من قبلة الرجل امرأته الوضوء"، وقوله:

181 -

إذا صح عونُ الخالقِ المرء لم يجد

عسيراً من الآمال إلا مُيسرا

وإنما لم يعمل العلم من أسماء المصادر لمخالفته المصدر في عدم قصد الشياع، وأنه لا يضاف، ولا يقبل ال، ولا يقع موقع الفعل، وذلك نحو: برة للمبرة، وفجار للفجرة، مما دل على معنى المصدر دلالة مغنية عن ال، لتضمن الإشارة إلى

ص: 238

الحقيقة، وأما غير العلم من أسماء المصادر فإنه يساوي المصدر في المعنى والشياع وقبول ال والإضافة والوقوع موقع الفعل، ولذلك عمل عمله.

وإعمال اسم المصدر الذي ليس بعلم مذهب الكوفيين والبغداديين، وقال البصريون: لا يعمل إلا في ضرورة، وهذا الخلاف في غير مفعل ونحوه من أسماء المصادر، فهذه تعمل بلا خلاف، ومنه:

182 -

ألم تعلم مُسَرحي القوافي

فلا عيا بهن ولا اجتلابا

وقول ابن عصفور في قوله:

183 -

أظلوم إن مصابكم رجلاً

أهدى السلام تحيةً ظُلْمُ

إنه من اسم المصدر الذي لا يعمل إلا حيث سُمع وهْمٌ.

(وهو ما دل على معناه) - أي اسم المصدر الذي يعمل هو ما دل على معنى المصدر، وخرج بهذا ما لا يدل على ذلك، وقد يطلق عليه اسم مصدر لاشتماله

ص: 239

على حروفه ودلالته على ما يتعلق به كاسم ما يُفعَل به كالدهن، أو يُفعل فيه ككفات، أو يُفعل كالطحن.

(وخالفه) - أي خالف المصدر.

(بخلوه، لفظاً وتقديراً، دون عوض، من بعض ما في فعله) - كقبلة وعَوْن ووضوء وغسل، فهي تدل على ما دل عليه تقبيل وإعانة وتوضؤ واغتسال، لكن خلت من بعض ما في الأفعال، وحق المصدر تضمن ما في الفعل بمساواة كتوضأ توضؤاً، أو بزيادة كاغتسل اغتسالاً.

واحترز بقوله: لفظاً وتقديراً من قتال، فهو مصدر وإن خلا من المدة التي في قاتل، لأنها مقدرة، وقد أثبتها بعضهم فقال: قيتالاً؛ وبدون عوض، من عدة، فهو مصدر وعد، ولا واو فيه، لكن التاء عوض عنها، وكذا تعليم مصدر علم، والتاء في أوله عوض التضعيف؛ ولذا إذا ضُعف المصدرُ لم يجيء نحو: كذب كذاباً؛ ولم ينسب التعويض للمدة قبل الميم لأنها كألف انطلاق، مما زيد لترجيح لفظ المصدر على لفظ الفعل الزائد على ثلاثة، دون حاجة لتعويض.

(فإن وُجد عمل بعد ما تضمن حروف الفعل من اسم ما يُفعل به أو فيه فهو لمدلول به عليه) - كما روى عن بعض العرب من نحو: أعجبني دهْنُ زيدٍ لحيته، وكحْلُ هندٍ عينها، وكقوله تعالى:(ألم نجعل الأرض كفاتا. أحياء وأمواتاً) فالدهن ما يُدهن به، وكذا الكحل ما يُكحل به، والكفات ما

ص: 240

تكفت فيه الأشياء، أي تجمع وتحفظ، فالمنصوب بعد هذه ونحوها عامله محذوف دل عليه المذكورُ، أي دهن وكحلت وتكفت.

واعلم أن كلام المصنف يقتضي خلاف قول البصريين والبغداديين والكوفيين، فإنه أعطى تفرقة بين هذه وغيرها من أسماء المصادر، فلا تعمل هذه عنده ويعمل غيرها، وكلام البصريي على المنع مطلقاً إلا في الشعر، وكلام غيرهم في الجواز. وقالوا في تحقيق الخلاف إن ما كان مما أخذ من مواد الأحداث أصل وضعه لغير المصدر كالثواب لما يثابُ به، والعطاء لما يُعطى، والدهن لما يدهن به، والطحن لما يطحن، والكلام للجمل المقولة، والكفات لما يكفت فيه؛ هل يجوز أن يعبر به عن المصدر تجوزاً أو يعمل عمله أم لا؟

فالبصريون يمنعون، والكوفيون والبغداديون يجوزون، واستثنى الكسائي ثلاثة ألفاظ: الخبز والدهن والقوت، فلم يُجز: عجبت من خبزك الخبز، ولا من دهنك رأسك، ولا من قوتك عيالك، وأجازها الفراء، وقال هشام: لا تمتنع في القياس.

(فصل): (يجيء المصدر الكائن بدلاً من الفعل معمولٌ) - نحو: ضرباً زيداً، وفي ناصب هذا المصدر من الأمر قولان؛ أشهرهما فعل من لفظه ناب هو منابه، أي اضرب، والثاني: التزم، فلا يكون ضرباً مصدراً، بل مفعولاً، ونسبه الخضراوي لسيبويه، وعلى القولين لا يجوز إظهار ناصبه.

واختلف في اقتياس وقوع المصدر بدلاً من الفعل، فنقل أكثر المتأخرين عن سيبويه منعه وقصره على السماع؛ وقيل يقاس في الأمر والدعاء والاستفهام بتوبيخ وغيره، وفي التوبيخ بغير استفهام، وفي الخبري المقصود به إنشاء أو وعد،

ص: 241

وعزي إلى الأخفش والفراء، واختاره المصنف، وقال: إن كلام سيبويه دلالة على اقتباسه فيما كان أمراً أو دعاء أو توبيخاً أو إنشاء؛ وقيل: يقاس في الأمر والاستفهام فقط، وعزي إلى الأخفش والفراء، واختاره بعض متأخري المغاربة. فالأمر كقوله:

184 -

على حين ألهى الناس جل أمورهم

فندلا زريقُ المال ندل الثعالب

أنشده سيبويه؛ والدعاء:

185 -

يا قابل التوب غفراناً مآثم قد

أسلفتُها، أنا منها خائفٌ وجلُ

ص: 242

والاستفهام بتوبيخ:

186 -

أعَلاقةُ أم الوليد بعد ما

أفنانُ رأسك كالثغام المخْلِس؟

والتوبيخ بغير استفهام:

187 -

وفاقاً بني الأهواء والغي والونَى

وغيرُك معنىُّ بكل جميل

والخبري للإنشاء:

188 -

حمداً الله ذا الجلال وشكراً

وبداراً لأمره وانقيادا

وفي الخبري للوعد:

189 -

قالت: نعم، وبلوغاً بُغيةً ومُنى

فالصادقُ الحب مبذولُ له الأملُ

(عامله على الأصح البدل، لا المبدول منه، وفاقاً لسيبويه والأخفش)

ص: 243

وهو أيضاً قول الزجاج والفارسي، وذهب المبرد والسيرافي وجماعة إلى أن عامله ناصب المصدر المبدل من لفظه، والصحيح الأول، بدليل إضافة المصدر إليه، قال تعالى:(فضرب الرقاب).

وفي بعض نسخ التسهيل بعد هذا:

(والأصح أيضاً، مساواة هذا المصدر اسم الفاعل، في تحمل الضمير، وجواز تقديم المنصوب به، والمجرور بحرف يتعلق به) - وهذا مبني على أن العمل للبدل أو المبدل منه، فإن قلنا إنه للمبدل منه، فلا ضمير في المصدر، بل هوف ي ذلك الفعل، وإن قلنا للبدل ففيه الضمير؛ وأما جواز تقديم المنصوب على المصدر فمبني على هذا الخلاف، فعلى أن العمل للمبدل منه يقدم، فنقول: زيداً ضرباً، وعلى أنه للبدل، قالوا: لا يقدم، حكم المجرور بالحرف حكم المفعول الصريح، على أن بعضهم قال بجواز التقدم مع القول بأن العمل للبدل، وعلى ذلك كلام المصنف؛ والتحقيق أنه إن قيل: العمل للمبدل منه جاز التقديم، وإن قيل للبدل، فإن قلنا بالمشهور، وهو أن المذكور مصدر ناصبه فعل قام هو مقامه، فكذلك يجوز التقديم، وإن قلنا ما نسب إلى سيبويه، من أنَّ ضرباً وبابه منصوب بالتزمْ، فالظاهر على هذا كون ضرباً في معنى أن يضرب، وهو الناصب لزيد، وحينئذ لا يجوز التقديم.

* * *

ص: 244