المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌29 - باب التمييز - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌29 - باب التمييز

‌29 - باب التمييز

ويقال له أيضاً باب التبيين والتفسير والمميز والمبين والمفسر.

(وهو ما فيه معنى مِنْ) - أخرج الحال، فإنها تشارك التمييز فيما عدا ذلك من القيود التي تذكر.

(الجنسية) - أخرج: استغفرت الله ذنباً ونحوه، فهو مفعول لا تمييز، وإن كان على معنى مِنْ، لأنها غير الجنسية.

(من نكرة) - احترز به من المعرفة المنصوبة على التشبيه بالمفعول به.

نحو: هو حسنٌ وجهه، فإن فيه ما في: هو حسنٌ وجهاً إلا التنكير.

(منصوبة) - احتراز من النكرة المضاف إليها، وفيها معنى مِنْ الجنسية.

نحو: له رطلُ زيت.

(فضلةٍ) - أخرج اسم لا المحمولة على إن، نحو: لا خيراً من زيد فيها، وفيها ما في التمييز إلا الفضلية.

(غير تابع) - يُخرج صفة اسم لا المنصوبة، نحو: لا رجل ظريفاً، فإنها نكرة فضلة منصوبة بمعنى من الجنسية، لكنها تابع، ويخرج أيضاً، نحو: قبضت عشرة دراهم، ففي دراهم معنى مِنْ الجنسية، وهو نكرة منصوبة فضلة، لكنه تابع.

ص: 54

(ويميز إما جملة، وستبين) - أي في الفصل الذي يلي هذا.

(وإما مفرداً عدداً) - نحو: (ثلاثين ليلة).

(أو مُفْهِمَ مقدارٍ) - وهو الكيل نحو: إردب قمحاً، والوزن نحو: رطل زيتاً، والمساحة نحو: شبر أرضاً، وما أشبه ذلك كـ (مثقال ذرة خيراً).

وبعض النحويين يجعل المقدار متناولاً للعدد أيضاً، وعليه جرى ابن الضائع، وما فعله المصنف هو طريق الفارسي.

(أو مثليةٍ) - كقول بعضهم: ما لنا مثله رجلاً، ولنا أمثالُها إبلاً.

(أو غيرية) - نحو: لنا غيرُها شاء.

(أو تعجب) - نحو: ويْحَه رجلاً، وحسبك به فارساً، ولله دره إنساناً، و.

44 -

* يا جارتا ما أنتِ جاره*

ص: 55

وظاهر كلام المصنف أن هذا كله قياس، وبعض متأخري المغاربة قال: إن التمييز المنتصب عن تمام الاسم يفسر عدداً أو مقداراً أو شبيهاً بالمقدار نحو: عليه شعر كلبين ذنباً، أي مثل شعر، ولا يجيء بعد غير ذلك إلا قليلاً يُحفظ ولا يقاس عليه، ومثل لذلك بجميع المثل السابقة من قوله: أو مثلية إلى آخرها، وفيه نظر.

(بالنص على جنس المراد) - الباء متعلقة بيميز؛ وربما أفهم هذا منع التمييز بمثل، فلا يقال: لي عشرون مثله، وقد أجازه سيبويه، وحكى: لي ملءُ الأرض أمثالك.

وفي شرح الصفار أن الكوفيين لا يجيزون: لي عشرون مثله، لأن التمييز مبين ومثل مبهمة. انتهى.

والصواب الجواز في مثل هذا، لأن الإضافة بينت المراد؛ وكلام المصنف محمول على ما لا بيان فيه كشيءٍ، فلا تقول: عندي عشرون شيئاً، وعلى هذا اختار المصنف في هذا الكتاب في نعمَّا أن "ما" اسم تام مرفوع، وليس تمييزاً، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

(بعد تمام بإضافةٍ) - نحو: (ملءُ الأرض ذهباً)، و (عدلُ ذلك صياماً)، ولله دره إنساناً.

(أو تنوين) - ظاهراً كان نحو: رطل زيتاً، أو مقداراً نحو: خمسة عشر رجلاً.

(أو نون تثنية) - لي منوان عسلاً.

ص: 56

(أو جمع) - نحو: (بالأخسرين أعمالا)، قاله المصنف.

(أو شبهه) - أي شبه الجمع- نحو: (ثلاثين ليلة). ولا يقع التمييز بعد نون شبيه المثنى، فلا يقال: اثنان رجلاً، ولا اثنتان امرأة.

(وينصبُهُ مميزهُ لشبهه بالفعل) - نحو: هو مسرور قلباً، باشتعال رأسه شيباً، وسرعان ذا إهالة؛ فقلباً منصوب بمسرور، وشيباً باشتعال، وإهالة وهو الشحم بسرعان، وهو اسم فعل بمعنى سَرُع.

وهذا الذي ذكره المصنف مخالف لكلام المغاربة من جهة جعلهِ هذا من تمييز المفرد، وهم يعدونه من تمييز الجملة، نحو: طاب زيدٌ نفساً، ويخصون تمييز المفرد بما هو عدد أو مقدار من مكيل أو موزون أو ممسوح، فيقولون: التمييز ينتصب عن تمام الكلام، وهو الواقع لبيان إبهام حصل في الإسناد، سواء كان المسند فعلاً نحو: طاب زيدٌ نفساً، أو شبهه نحو: زيدٌ طيبٌ نفساً؛ وينتصب عن تمام الاسم، وهو الواقع لبيان إبهام اسم كالمعدود وما ذكر معه، فما اصطلح عليه المصنف من جعل تمييز الجملة مخصوصاً بما وقع بعد جملة فعلية، كما سيأتي، وجعل تمييز المفرد ما كان بخلاف ذلك مخالف لاصطلاحهم، ولا حجر في الاصطلاح، ولعل اصطلاحه أقرب إلى الصواب، وإن كان بعضهم نسب خلافه لسيبويه والنحويين، ولكن ليس هذا موضع تقريره، فإنه يحتاج إلى بسط.

(أو شبهه) - أي شَبَه شبهِ الفعل، كثلاثين ليلةً وبقية ما سبق من المثل بعده إلى: ما أنت جاره؛ فناصب التمييز في هذه كلها ما سبق من الأسماء تشبيهاً لها في طلبها ما بعدها باسم الفاعل العامل.

ص: 57

(ويجره بالإضافة إن حذف ما به التمام) - كما سيأتي بيانه؛ والذي به التمام هو المضاف إليه؛ والتنوين، ونون التثنية، ونون الجمع، ونون شبيه الجمع، فإذا حذف ما يسوغ حذفه من هذه جر المميز التمييز بالإضافة.

(ولا يُحذف إلا أن يكون تنويناً ظاهراً) - نحو: رطل زيتٍ، وإردب قمحٍ، وذراع ثوبٍ، وهو مسرور قلبٍ؛ والتنوين المقدر سيأتي حكمه.

(في غير: ممتلئ ماء، ونحوه) - وهو كل ما كان من المنون مقدر الإضافة إلى غير التمييز نحو: البيت ممتلئ بُرا، والكوز ممتلئ ماءً، أي ممتلئُ الأقطار؛ وكذا: زيدٌ متفقئ شحماً، أي متفقئ الأقطار؛ فلتقدير إضافته إلى غير التمييز امتنعت إضافته إلى التمييز، كما لا يضاف إليه المضاف صريحاً.

(أو مقدراً في غير؛ ملآن ماء، وأحد عشر درهماً، وأنا أكثر مالاً، ونحوهن) - فما لا تنوين فيه من غير هذه الثلاثة يجوز فيه الإضافة، نحو: زيدٌ أشعث رأساً، وهند شنباء أنياباً، فيجوز نصب رأس وأنياب وجرُّهما بالإضافة، بحذف التنوين المقدر، أي الذي منع من ظهوره شبه الاسم للفعل المقتضي منعه بالجر بالكسر، وأما التنوين المقدر في الثلاثة، فلا يقدر حذفه للإضافة؛ أما ملآن ماء ونحوه، فلأنه مقدر الإضافة إلى غير التمييز، أي ملآن الأقطار؛ وأما أحد عشر وبابه فللزوم تنوينه تقديراً، ولو صرح بالتنوين لم تمكن الإضافة إلى هذا المميز لإفراده؛ وأما أكثر مالاً ونحوه، فالمراد به أفعل التفضيل الواقع بعده سبي، فإنه يجب نصب السببي، ولا يجوز جره بالإضافة، إذ لا يضاف أفعل التفضيل إلا إلى ما كان المفضلُ بعضه؛ وعلامة السبي صلاحيته للفاعلية بعد

ص: 58

تصيير أفعل فعلاً، فتقدير أكثر مالاً: كثر ماله، فإن لم يصلح لذلك تعينت الإضافة نحو: زيدٌ أكرمُ رجلٍ.

(أو يكون نون تثنية) - نحو: عندي رطلاً زيتٍ.

(أو جمع تصحيح) - نحو: هم حسنُوا وجوهٍ، ومنطلقو ألسنٍ.

وخرج بقوله: جمع تصحيح نون عشرين وأخواته، فلا يقال: عِشْرو درهمٍ، بل: عشرون درهماً. هذا هو المشهور، وحكى الكسائي أن من العرب من يقول: عِشْرو درهمٍ، وبعض النحويين قاس على هذا الشاذ، فأجاز ذلك في بقية العقود بعده.

(أو مضافاً إليه صالحاً لقيام التمييز مقامه) - فلو قلت: هو أشجع الناس رجلاً، جاز في إفادة هذا المعنى أن تحذف المضاف إليه، وتقيم الذي كان تمييزاً مقامه، فتقول: هو أشجع رجل. وضابطه صحة جعل ما ميزت به مقام أفعل التفضيل، كما في المثال، إذ يصح: زيدٌ رجلٌ؛ فإن لم يَجُز ذلك تعين بقاءُ الإضافة ونصبُ التمييز نحو: زيدٌ أكثر الناس مالاً.

علم من كلامه أن المضاف إليه لو لم يصلح للحذف، وإقامة التمييز مقامه لم يجز إلا نصب التمييز نحو: لله دره رجلاً. ويدخل فيه أيضاً: زيد أكثر الناس مالاً؛ إذ لا يصلح التمييز فيه لقيامه مقام المضاف إليه، ولا مقام أفعل التفضيل، فيتعين نصبه.

ص: 59

(في غير ممتلِئيْنِ أو ممتلِئينَ غضباً) - فلا إضافة هنا، إذ المميز مضاف إلى غير التمييز تقديراً، كما سبق تقريره في: ممتلئ، وملآن؛ ولو قدم هذا على قوله: أو مضافاً إليه كان أحسن.

(ويجب إضافته مُفْهِم المقدار إن كان في الثاني معنى اللام) - فإذا قلت: عندي ظرف عسل وكيس دراهم؛ فإن أردت ظرفاً يصلح للعسل وكيساً يصلح للدراهم تعينت الإضافة! والتقدير: ظرف للعسل وكيس للدراهم؛ وإن أردت عسلاً يملأ الظرف ودراهم تملأ الكيس، جاز أن تضيف فتجر، وأن تنون فتنصب.

(وكذا إضافة بعض لم تُغير تسميتُه بالتبعيض) - فتقول: عندي جوْز قطن، وحب رمان، وتمرة نخلة؛ بالإضافة لا غير.

(فإن تغيرت به) - أي تسميته بالتبعيض.

(رجحت الإضافة والجر على التنوين والنصب) - فتقول: عندي جُبة خز، وخاتمُ فضةٍ، وسوارُ ذهبٍ، بالجر والنصب، ولكن الجر أرجح لبُعدِ الناصب عن الفعل.

(وكونُ المنصوب حينئذ تمييزاً أولى من كونه حالاً، وفاقاً لأبي العباس) - فإذا نصبت خزاً وفضة وذهباً في المثل السابقة فسيبويه يعربها أحوالاً، والمبرد يقول: هي تمييز؛ ورجح المصنف قول المبرد بأنه لا يحوج إلى تأويل بمشتق؛ وصحح جماعة منهم ابن هشام الخضراوي قول سيبويه، ووجهه رفع هذه الأسماء الظاهرة والوصف بها، ولو قصد التمييز لكانت الإضافة هي الراجحة؛ وقد كثر

ص: 60

في كلامهم النصب؛ ومن رفعهم الظاهر قولهم: سرج خز صُفَّتُه، وكتاب طين خاتمه؛ فلو كان ما قبل هذا المنصوب معرفة رجحت الحالية؛ وقال المصنف في باب الحال: إنه لا يكون إلا حالا، لكنه قال في هذا الباب: إن الحالية راجحة.

(ويجوز إظهار مِنْ مع ما ذكر في هذا الفصل إن لم يميز عدداً، ولم يكن فاعل المعنى) - فتقول: لي ملء الكيس من ذهب، وإردب من قمح، وأمثالها من إبل، وغيرها من شاء، وويحه من رجل، ولله دره من فارس، وكذا الباقي، ولا تقول: أحد عشر من درهم، ولا: زيدٌ أكثر من مال، وطيب من نفس.

(فصل): (مميز الجملة) - وهو ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النسبة نحو: طاب زيدٌ نفساً، (وفجرنا الأرض عيوناً).

وإنما خص هذا النوع بكونه مميز الجملة، لأن لكل من جزأي الجملة فيه قسطاً من الإبهام يرفعه التمييز، بخلاف: لي مثله رجلاً، وزيد طيب نفساً، ونحوهما مما سبق في تمييز المفرد، فإن الإبهام في أحد جزأي الجملة، فأطلق على مميزه مميز مفرد، وعلى مميز هذا النوع: مميز جملة. وهذا، كما سبق، اصطلاح من المصنف يخالف اصطلاح المغاربة، فإنهم يجعلون نحو: زيدٌ طيبٌ نفساً، ومسرورٌ قلباً، من التمييز المنتصب عن تمام الكلام الذي سماه المصنف: تمييز الجملة، وقد سبق ذكره، وعلى هذا لا يختص تمييز الجملة بما وقع بعد جملة فعلية، كما ذكر المصنف، بل يكون بعدها وبعد الاسمية كما مثل، وبعد اسم الفعل نحو: سرعان ذا إهالة.

ص: 61

(منصوب منها بفعل) - فالناصب له الفعل الذي في الجملة التي يميزها، وهذا على اصطلاح المصنف في مميز الجملة، وأما على المشهور فناصبه الفعل أو ما في معناه، من اسم فاعل ونحوه، أو مصدر، أو اسم فعل.

وكون ناصب التمييز الواقع بعد تمام الكلام هو الفعل أو الفعل ونحوه هو مذهب سيبويه والمازني والمبرد والزجاج والفارسي؛ قال ابن عصفور: وذهب المحققون إلى أن العامل فيه هو الجملة التي انتصب عن تمامها، لا الفعل ولا الاسم الذي جرى مجراه، واختار ابن عصفور هذا القول.

(يقدر غالباً إسناده إليه مضافاً إلى الأول) - فإذا قلت: طاب زيدٌ نفساً قدرته بطابت نفس زيد. ويتناول الإسناد المذكور إسناد الفعل إليه على جهة المفعولية، نحو: غرست الأرض شجراً، فتقول: غرست شجر الأرض. ولم يختلف النحويون في إثبات التمييز المنقول من الفاعل، واختلفوا في المنقول من المفعول، فأثبته أكثر النحويين المتأخرين، وتبعهم ابن عصفور والمصنف، ونفاه الشلوبين والأُبَّدِي.

ص: 62

فأما قوله تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً)، فظاهر في إثباته، أي: فجرنا عيون الأرض، وخرجه من نفاه على الحال، أي محال أو حوامل للماء، أو البدلية، أي: فجرنا الأرض عيونها، أو على إسقاط الجار، أي: بالعيون. واحترز بقوله: غالباً من: امتلأ الكوز ماء، (وكفى بالله شهيداً)، ونحوهما.

(فإن صح الإخبارُ به عن الأول فهو له أو لملابسه المقدر) - فإذا قلت: كرم زيدٌ أباً، جاز أن تخبر بالأب عن زيد، فتقول: زيدٌ أبٌ، فإذا نصبت الأب تمييزاً احتمل وجهين، أحدهما: أن يكون لزيد، والمعنى أنه أب كريم، فلا يكون التمييز حينئذ منقولاً من الفاعل، ويجوز دخول مِنْ عليه، فتقول: من أبٍ، كما في: كرم زيدٌ رجلاً؛ والثاني أن يكون المقصود أن أباه كريم، فيكون حينئذ منقولاً من الفاعل، وتمتنع مِنْ، والأصل: كرم أبو زيد.

(وإن دل الثاني على هيئة، وعُني به الأول، جاز كونه حالاً؛ والأجود استعمال مِنْ معه عند قصد التمييز) - مراده بالثاني ما صح الإخبار به عن الأول، وذلك نحو: كرم زيد ضيفاً، فيجوز الإخبار بضيف عن زيد، فتقول: زيدٌ ضيفٌ، فإذا نصبت ضيفاً وقصدت به زيداً، جاز فيه وجهان: الحالية لدلالته على هيئة، والتمييز لصحة دخول مِنْ عليه؛ والأجود عند قصد التمييز قرْنُه بمِن، رفعاً لتوهم الحالية؛ هذا إذا قصدت بضيف زيداً، وإن أردت غير زيد تعين كونه تمييزاً؛ وامتنعت حينئذ مِنْ، لأنه تمييز منقول من الفاعل، والأصل: كرم ضيفُ زيدٍ.

(ولمميز الجملة من مطابقة ما قبله، إن اتحدا معنى، ما له خبراً) فتقول:

ص: 63

كرم زيدٌ رجلاً، والزيدان رجلين، والزيدون رجالاً؛ كما تقول: زيدٌ رجل، والزيدان رجلان، والزيدون رجال؛ فأما (وحسن أولئك رفيقاً) فأفرد لأن رفيقاً وخليطاً وصديقاً يستغنى بمفردها عن جمعها كثيراً في الإخبار وغيره، أو لأن التقدير: وحسن رفيق أولئك رفيقاً، فحذف المضاف وجاء التمييز على وفقه.

(وكذا إن لم يتحدا، ولم يلزم إفراد لفظ المميز لإفراد معناه، أو كونه مصدراً لم يُقصد اختلافُ أنواعه) - وذلك نحو: حَسُن الزيدون وجوها، وطَهُروا أعراضاً؛ فإن كان معنى التمييز مفرداً تعين إفراد لفظه، كقولك في أبناء رجل واحد: طاب الزيدون أصلاً، وكرُموا أباً، وكذا إذا لم يقصد اختلاف أنواع المصدر نحو: زكا الأتقياء سعياً، وجاد الأذكياء وعياً؛ فلو قصد اختلاف أنواع المصدر لاختلاف محاله جازت المطابقة نحو: تخالفا الناسُ آراء، وتفاوتوا أذهانا، ونحوه:(بالأخسرين أعمالاً).

(وإفراد المباين بعد جمع، إن لم يوقع في محذور، أولى) - فطاب الزيدون نفساً، وقروا عيناً، أولى من أنفس وأعين، لإفادته المقصود باختصار.

قال تعالى: (فإن طِبنَ لكم عن شيءٍ منه نفساً)، فإن أوقع الإفراد في محذور تعين تركه فيجمع وإن كان بعد مفرد، فتقول: كرم الزيدون آباء، لقصد ما أكرمهم من آباء، وما أكرم آباءهم؛ ولو أفردت لأوْهَم أن المقصود: كرم أبو الزيدين وهو واحد؛ وكذا تقول: نظف زيدٌ ثياباً، لأنك لو قلت: ثوباً، لأوهم أنه ثوب واحد.

ص: 64

(ويعرض لمميز الجملة تعريفه لفظاً) - إما بأل كقوله:

46 -

علام مُلئت الرعب؟ والحربُ لم تَقِدُ

لظاها، ولم تُستعمل البيضُ والسمر

أو بالإضافة نحو قولهم: غَبِنَ فلانٌ رأيه، ووجِع بطنه، وسَفِه نفسَه.

وليس المراد من قوله: مميز الجملة، الاحتراز من مميز المفرد بأنه لم يَعرض ذلك فيه، بل يحتمل أن يكون المقصود أن ذلك كثير في مميز الجملة، بخلاف المفرد، والسماع جاء في كل منهما؛ ومن المفرد رواية البغداديين أن من العرب من يقول: قبضت الأحد عشر الدرهم؛ وحكاية المصنف هذا تبين ما ذكرت من تأويل كلامه، ويحتمل أن يكون ذكر الجملة لأجل ما سيأتي من التأويلات، فإنها جميعها لا تأتي إلا في مميز الجملة.

(فيقدَّرُ تنكيرُه) - فتقدر زيادة ال، وينوي بالإضافة الانفصال، ويحكم بتنكير المضاف، كما قال سيبويه في قولهم: كل شاة وسخلتها بدرهم، أن المراد: كل شاة وسخلة لها، قاله المصنف، وفي الثاني بحث.

(أو يؤول ناصبه بمتعد بنفسه) - نحو: سوأ رأيه، أي جعله سيئاً، وشكا بطنه، وأهلك نفسه.

ص: 65

(أو بحرف جر محذوف) - والأصل: في رأيه، وفي بطنه، وفي نفسه، ثم أسقط الحرف، وتعدى الفعل فنصب.

(أو يُنصب على التشبيه بالمفعول به) - فيحمل الفعل اللازم على المتعدي، كما حمل اسم فاعله على اسم فاعله، إلا أنه شاذ في الأفعال، مُطرد في الصفات، وجعل من تشبيه الفعل: أن امرأة كانت تهراق الدماء.

(لا على التمييز، محكوماً بتعريفه، خلافاً للكوفيين) - ووافقهم ابن الطراوة؛ وحجتهم ما سبق مما صورته التعريف بال أو بالإضافة. وقال البصريون: لا حجة فيه لاحتمال ما سبق من التأويل.

(ولا يُمنع تقديم المميز على عامله، إن كان فعلاً متصرفاً، وفاقاً للكسائي والمازني والمبرد) - خلافاً لسيبويه والفراء وأكثر البصريين والكوفيين وأكثر متأخري المغاربة.

وحجة من أجاز القياس على غير التمييز من الفضلات المنصوبة بفعل متصرف والسماع، قال:

48 -

ضيعت حزمي في إبعادي الأملا

وما ارعويت، وشيباً رأسي اشتعلا

وهو كثير. ويستثنى من ذلك: كفى بزيد رجلا، ونحوه من التمييز الذي ليس بمنقول، فلا يجوز بإجماع: رجلاً كفى بزيد، وهو عند المصنف من مميز الجملة؛ وعند غيره من مميز المفرد.

وقياس قول المصنف أن نحو: زيدٌ طيبٌ نفساً من مميز المفرد، مَنْعُ التقديم لكنه صرح في غير هذا الكتاب بأن الوصف المشبه به المتصرف كالفعل المتصرف

ص: 66

في جواز تقديم التمييز عليه، وهذا يقتضي تفصيلاً عنده في المنتصب عن تمام الاسم، جميعاً بين كلاميه.

وقياس من جعل هذا منتصباً عن تمام الجملة إجازة التقديم، فتقول: زيدٌ نفساً طيب؛ فإن كان الوصف لا يشبه المتصرف امتنع التقديم، فلا تقول: زيدٌ وجهاً أحسن من عمرو.

(ويُمنع إن لم يكنه بإجماع) - أي إن لم يكن الفعل المتصرف. وقضية ما سبق أن يكون المعنى: إن لم يكن الفعل المتصرف ولا ما أشبهه. ويدخل في هذا التمييز المنتصبُ بعد أفعل التفضيل، كما سبق تمثيله، وكل تمييز بعد مفرد كمثل ونحوها، نحو: لي مثلُه رجلاً، وكذا ما أشبه ذلك، إلا ما اقتضاه الجمع بين كلامي المصنف، من تخصيص بعض ذلك، كما مر.

وأجاز الفراء التقديم فيما انتصب فيه التمييز بعد اسم مشبه به الأول في نحو: زيدٌ القمرُ حسناً، وثوبُك السلقُ خضرةً، فتقول: زيدٌ حسناً القمر، وثوبك خضرة السلقُ. وهذا يقدح فيما ذكر المصنف من إطلاق الإجماع؛ وشرطه عند الفراء أن يكون المشبه به خبراً، فإن جعلته في المثال مبتدأ امتنع التقديم، وكذا لو قلت: مررت بعبد الله القمر حُسناً، لم يجز: حُسناً القمر، لأن القمر غير خبر.

(وقد يُستباحُ في الضرورة) - كقوله:

49 -

ونارُنا لم يُر ناراً مثلُها

قد علمت ذاك معد كلها

الأصل: لم يُرَ مثلُها ناراً، فمثل عامل غير متصرف، وقدم تمييزُه عليه، وخرج البيت على أن يرى علمية، وناراً المفعول الثاني، وفيه نظر.

ص: 67