المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌47 - باب المعطوف عطف النسق - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٢

[ابن عقيل]

الفصل: ‌47 - باب المعطوف عطف النسق

‌47 - باب المعطوف عطف النسق

الكوفيون يقولون: باب النسق، وأكثر ما يقول سيبويه: باب الشركة.

(وهو المجعول تابعاً بأحد حروفه) - أي حروف العطف، وبالقيد خرج ما عدا عطف النسق من التوابع.

(وهي: الواو والفاء وثم وحتى وأم وأو وبل ولا) - وفي حتى وأم خلاف، أهما من حروف العطف أم لا؟ وسيأتي ذكره.

(وليس منها لكن، وفاقاً ليونس) - فهي عنده للاستدراك لا للعطف، والعطف بما قبلها من واو، ولم يسمع من كلام العرب استعمالها بغير واو فتقول: ما قام زيد، ولكن عمرو، وقول النحويين: لكن عمرو، من كلامهم لا من كلام العرب.

وقيل: لكن عاطفة، ولا تجوز الواو حينئذ، وهو قول أكثر النحويين، ومنهم الفارسي، وقيل: عاطفة، ولابد من الواو، وهي زائدة، واختاره ابن عصفور، وحمل عليه مذهب سيبويه والأخفش؛ وقيل: عاطفة، وأنت في الواو بالخيار، قاله ابن كيسان، وعلى أن العطف للواو، قيل: من عطف المفرد، وهو قول الأكثرين، وقيل: من عطف الجمل، والتقدير: ولكن قام عمرو، واختاره المصنف.

(ولا إما، وفاقاً له ولابن كيسان وأبي علي) - خلافاً للرماني، والكلام

ص: 441

في الثانية نحو: قام إما زيد وإما عمرو، والعطف عند الأولين للواو؛ وأطلق عليها سيبويه العطف توسعاً، إذ كانت صاحبة المعنى، ومخرجة للواو عن الجمع، وأما:

423 -

لا تتلفوا آبالكم

أيما لنا أيما لكم

فلا حجة فيه على أن العطف لإما، لأنه من الضرورات النادرة، والقائل إنها تعطف، لا يرى إخلاءها من الواو قياساً على هذا البيت.

(ولا إلا، خلافاً للأخفش والفراء) - وجعل الأخفش من ذلك:

(إلا الذين ظلموا منهم، فلا تخشوهم)، والفراء:(إلا ما شاء ربك) في الآيتين.

وخرجت الأولى على أن الذين مبتدأ خبره فلا تخشوهم، وإلا بمعنى لكن، وإلا ما شاء على الاستثناء، فلأهل النار أنواع من العذاب غير النار، ولأهل الجنة أنواع من النعيم غير الجنة.

ص: 442

(ولا ليس، خلافاً للكوفيين) - وكذا حكاه عنهم النحاس وغيره، وحكاه ابن عصفور عن البغداديين؛ وهي كـ لا في العطف، فيقولون: قام زيد ليس عمرو، كما يقال: لا عمرو، وفي صحيح البخاري، من قول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:

بأبي شبيه بالنبي

ليس شبيه بعلي

كذا ثبت برفع شبيه، وخرج على أن ليس على بابها، والخبر محذوف، أي ليسه.

(ولا أي، خلافاً لصاحب المستوفى) - وهو مذهب الكوفيين نحو: هذا الغضنفر أي الأسد، وخرج على أن أي حرف تفسير، وما بعدها عطف بيان، ويوضح أنها غير عاطفة اطراد حذفها؛ وأثبت هشام العطف بكيف بعد النفي نحو: ما مررت بزيد، فكيف عمرو، حكاه ابن عصفور عن الكوفيين، وقال سيبويه في: ما مررت بزيد فكيف أخيه: هذا رديء لا يتكلم به العرب؛ وأثبت الكسائي العطف بلولا ومتى نحو: مررت بزيد، فلولا عمرو أو فمتى عمرو، وأباه الفراء كالبصريين؛ وأثبت الكوفيون العطف بأين وهلا، مستدلين بقول العرب: هذا زيد فأين عمرو، ولقيت زيداً فأين عمراً، وجاء زيد فهلا عمرو، وحكى بعضهم عن البغداديين أن كيف وهلا وأين من أدوات العطف.

(فالستة الأوائل تشرك لفظاً ومعنى) - قيل: هذا هو الصحيح، والأكثرون على أن أم وأو تشركان لفظاً لا معنى، وهو ضعيف، فقائل: أزيد في

ص: 443

الدار أم عمرو؟ كل منهما عنده مشارك للآخر في جواز ثبوت الحكم له ونفيه عنه، وكذلك أو فيما يجاء بها له من شك أو غيره.

(وبل ولا، لفظاً لا معنى) - نحو: ما قام زيد بل عمرو، وجاء زيد لا عمرو.

(وكذا أم وأو، إن اقتضيا إضراباً) - كما سيأتي بيانه.

(وتنفرد الواو بكون متبعها في الحكم محتملاً للمعية برجحان، وللتأخر بكثرة، وللتقدم بقلة) - وهذا كلام مخالف لقول الناس، فسيبويه وأكثر النحويين على أنها محتملة للمعاني الثلاثة، ولا توجب الواو تقدم المتقدم ولا غيره؛ وحكى السيرافي وغيره إجماع أهل البصرة والكوفة على ذلك، لكن ليس الأمر على ذلك، فمذهب هشام وقطرب وثعلب والزاهد وغيرهم أنها تقتضي الترتيب عند اختلاف الزمان، فالمتقدم لفظاً هو المتقدم في الزمان، وممتنع عندهم تقديم المؤخر، والصواب خلافه؛ وقرأ بعض فصحاء العرب عند عمر بن عبد العزيز، فقدم آخر الزلزلة على ما قبله، فقال عمر: يقدم الله الخير وتؤخره؟ فأنشد:

425 -

خذا بطن هرشى أو قفاها فإنما

كلا جانبي هرشى لهن طريق

يعني أن التقديم والتأخير سواء، هكذا رد هذا المذهب، وفيه بحث ظاهر.

ص: 444

والوجه الاعتماد على نقل الحذاق من أئمة اللغة، أنها لا تفيده بعينه، بل بواسطة الاستقراء، وقائلو ذلك أعلم وأثبت من المخالفين، وليس لمن خالف ما فيه روح.

(وبعدم الاستغناء عنها في عطف ما لا يستغنى عنه) - نحو: هذان زيد وعمرو، وإن إخوتك زيداً وعمراً وبكراً لنجباء، وسواء عبد الله وبشر، وأجاز الكسائي في: ظننت عبد الله وزيداً مختصمين، ثم والفاء وأو، وأوجب البصريون والفراء الواو، وقال الفراء: رأيت رجلاً يقول: اختصم عبد الله فزيد.

(وبجواز أن يعطف بها بعض متبوعها تفضيلاً) - نحو: (وجبريل وميكال)، (والصلاة الوسطى)، وزعم الفارسي وابن جني أن المعطوف عليه أريد به غير المعطوف.

(وعامل مضمر على عامل ظاهر، يجمعهما معنى واحد) - نحو: (تبوؤوا الدار والإيمان) أي اعتقدوا الإيمان، لأن في تبوؤوا واعتقدوا معنى لازموا، وكذا قوله:

426 -

وزججن الحواجب والعيونا

ص: 445

أي وكحلن العيونا، إذ يجمعهما معنى حسن. وهذان مذهبان في المسألة جمعهما المصنف، أحدهما إضمار عامل موافق، والثاني تضمين الأول معنى يصلح للمعمولين.

(وإن عطفت على منفي غير مستثنى، ولم تقصد المعية، وليتها لا مؤكدة) - نحو: ما قام زيد ولا عمرو؛ فبذكر لا، يعلم نفي القيام عنهما مطلقاً، أي في حال افتراق واجتماع، ولو تركت لاحتمل إرادة نفي الاجتماع فقط.

واحترز بغير مستثنى من: قاموا إلا زيداً وعمراً، فلا يجوز: ولا عمراً، وإن كان معنى إلا زيداً لا زيداً، لكن لا تعرض فيه ذلك اللبس، فاستغنى عنها، بخلاف المثال الأول، ومثله:(وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم).

(وقد تليها زائدة إن أمن اللبس) - وهو عند فهم المعية ببعض الجملة،

ص: 446

وتكون لا زائدة لتأكيد النفي السابق، نحو:(ولا المسيء)، (ولا النور)، (ولا الحرور)، (ولا الأموات).

(ويقال في: ثم فم وثُمَّتْ وثُمَّتَ) - فأبدلوا من الثاء فاء، كما قالوا في جدث جدف، والحقوا ثم التاء ساكنة ومتحركة، كما تلحق برب، قال الأسود بن يعفر:

427 -

بدلت شيباً قد علا لمتي

بعد شباب حسن معجب

صاحبته ثمت فارقته

ليت شباباً زال لم يذهب

(وتشركها الفاء في الترتيب، وتنفرد ثم بالمهلة) -

(والفاء العاطفة جملة أو صفة بالسببية غالباً) - نحو: (فتاب عليه)، (فقضى عليه)، (فاستغفر ربه).

ص: 447

(وقد يكون معها مهلة) - نحو: (فتصبح الأرض مخضرة).

(وتنفرد أيضاً بعطف مفصل على مجمل، متحدتين معنى) - نحو: (فقالوا: أرنا الله جهرة)، (فجعلناهن أبكارا).

(وبتسويغ الاكتفاء بضمير واحد، فيما تضمن جملتين من صلة) - نحو: الذي يطير، فيغضب زيد، الذباب، والذي تقوم هند، فيغضب، عمرو.

(أو صفة) - نحو: مررت برجل يبكي، فيضحك عمرو، وبامرأة يبكي زيد فتضحك.

(أو خبر) - نحو: خالد يقوم، فيقعد عمرو، وهند يقوم عمرو فتقعد. ولو جيء في هذه المسائل بغير الفاء لم يجز، لأن الفاء بما فيها من السببية تجعل ذلك كلاماً واحداً نحو: الذي إن يطر فيغضب زيد الذباب.

(وقد تقع موقع ثم) - نحو: (فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً). ومذهب جمهور البصريين أن الفاء ترتب مطلقاً، وقال الجرمي: إلا في الأماكن والمطر، فيقال: عفا مكان كذا فمكان كذا، ونزل المطر بمكان كذا فمكان كذا، وإن كان الوقت واحداً؛ وأثبت

ص: 448

الفراء تقدم ما بعد الفاء، وجعل منه:(فجاءها بأسنا) ونحوه، وقال أيضاً: إن الفعلين الواقعين معاً، إذا رجعا إلى معنى واحد، عطفت أيهما شئت بالفاء، نحو: أحسنت إلي فأعطيتني، وبالعكس.

(وثم موقعها) - كقوله:

428 -

كهز الرديني تحت العجاج

جرى في الأنابيب ثم اضطرب

أي فاضطرب.

وقيل إن ثم كالواو، لا ترتب، ونسب إلى الأخفش والفراء وقطرب أيضاً، وجعل منه:(ثم جعل منها زوجها)، (ثم قلنا للملائكة اسجدوا).

(وقد يحكم على الفاء وعلى الواو بالزيادة، وفاقا للأخفش) - في نحو:

ص: 449

429 -

أراني إذا ما بِتُّ بِتُّ على هوى

فثم إذا أصبحت أصبحت غاديا

وقال الأخفش: زعموا أنهم يقولون: أخوك فوجد، يريدون: أخوك

ص: 450

وجد؛ وقال أيضاً في المسائل الصغرى: تقول: كنا ومن يأتنا نأته، يزيدون الواو في باب كان، ولا يحسن زيادتها، أي لا يطرد في غير ذلك، وخرج عليه أيضاً:(وفتحت أبوابها). وأثبت بعضهم زيادة ثم، ونسبه للأخفش والكوفيين، وخرج عليه:(ثم تاب عليهم ليتوبوا).

(وقد تقع ثم في عطف المقدم بالزمان، اكتفاء بترتيب اللفظ) - قال الفراء: العرب تستأنف بثم فعلاً وقع قبل الفعل الأول، تقول: قد أعطيتك ألفاً، ثم قد أعطيتك قبل ذلك ألفاً؛ قال المصنف: ويمكن أن يكون منه: (ثم آتينا موسى الكتاب) وقبله: (ذلك وصاكم به) والوصية لنا بعد إيتاء موسى.

(فصل): (المعطوف بحتى بعض متبوعه) - بأن يكون واحداً من جمع نحو: ضربت القوم حتى زيداً، أو جزءاً من أجزاء نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، فلا يجوز: ضربت الرجلين حتى أفضلهما، لأن المعطوف بها ليس واحداً من المذكورين.

ص: 451

(أو كبعضه) - وهو المختلط به نحو: خرج الصيادون حتى كلابهم، والجند حتى أثقالهم. قال سيبويه: ولو قلت: كلمت العرب حتى العجم، لم يجز، ويختبر شبه بعض بإلا، ولذا جاز: أعجبتني الجارية حتى حديثها، وامتنع: حتى ابنها؛ وقال الفراء في كتاب الحدود: يقال: أتصيد بكلبك الأرانب؟ فتقول: نعم، حتى الظباء، لأنهن من الصيد. قال الصفار: وهذا خطأ عند البصريين، وقال المصنف: قد يقدر المباين بعضاً بالتأويل نحو:

مكرر 217 ألقى الصحيفة كي يخفف رحله

والزاد، حتى نعله ألقاها

أي ألقى ما يثقله.

(وغاية له في زيادة أو نقص) - وهذا هو معنى قول النحويين: إن المعطوف بها لا يكون إلا عظيماً أو حقيراً أو قوياً أو ضعيفاً؛ ووجهه أن حتى لما تتناهى إليه الأشياء، قال المصنف: ودخل في الزيادة الأقدم والأعظم والأكثر، وفي النقص الأصغر والأحقر والأقل، وقد اجتمع الضعف والقوة في قوله:

431 -

قهرناكم حتى الكماة فإنكم

لتخشوننا حتى بنينا الأصاغرا

ص: 452

(مفيد ذكرها) - فلا يجوز: أتيتك الأيام حتى يوماً، كما لا يجوز: إلا يوماً، فإن عين وقت جاز نحو: حتى يوم الجمعة، أو إلا يوم الجمعة؛ وهذا القيد ذكره الفراء، قال: لابد أن يكون الاسم بعد حتى مخصوصاً كما في الاستثناء، وأما (حتى حين) فالمراد به الموت.

(وإن عطفت على مجرور لزم إعادة الجار، ما لم يتعين العطف) - نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره، وإنما أعيد لئلا يتوهم أن حتى جارة؛ وبما أجاب به من اللزوم أجاب ابن الخباز، وقال ابن عصفور: الأحسن إعادة الخافض، ومثل المصنف لتعين العطف بقوله:

432 -

جود يمناك فاض في الخلق حتى

بائس دان بالإساءة دينا

وقال الخضراوي: لا يجوز العطف إلا حيث يجوز الجر، ولذا لا يعطف المضمر، فلا تقول: ضربت القوم حتى إياك.

(ولا تقتضي ترتيباً على الأصح) - فحتى كالواو في إفادة الجمع من غير

ص: 453

تعرض لترتيب ولا مهلة، قال عليه السلام:"كل شيء بقضاء وقدر، حتى العجز والكيس" قال الشاعر:

433 -

لقومي حتى الأقدمون تمالؤوا

على كل أمر يورث المجد والحمدا

وقال الزمخشري: الفاء وثم وحتى تقتضي الترتيب، وأول كلامه في حتى؛ وكون حتى من حروف العطف هو قول البصريين، والكوفيون لم يثبتوا ذلك، وروى سيبويه وأبو زيد وغيرها العطف بها، إلا أنها لغة ضعيفة غير مشهورة؛ وقال الأخفش في الأوسط: زعموا أن قوماً يقولون: ضربت القوم حتى أخاك، وليس بالمعروف.

(وأم متصلة) - سموها بذلك، لأنها لا يستغنى بما قبلها عما بعدها.

(ومنقطعة) - وسميت بذلك لاستقلال الجملة بعدها.

(فالمتصلة المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي) - نحو: (ألهم أرجل يمشون بها)، الآية، (أفي قلوبهم مرض) الآية؛ ويدل على تقدير أم والهمزة بأي، إبدال ما في حيز أم والهمزة من أي نحو:

434 -

وما أدري إذا يممت أرضاً

أريد الخير، أيهما يليني

ص: 454

أألخير الذي أنا أبتغيه

أم الشر الذي هو يبتغيني

(وربما حذفت ونويت) - نحو:

435 -

لعمرك ما أدري، وإن كنت دارياً

بسبع رمين الجمر أم بثمان

وقرأ ابن محيصن: (وسواء عليهم أنذرتهم) بهمزة واحدة.

(والمنقطعة ما سواها) - وهي ما لم يتقدمها لفظ الهمزة، ولا يتقدر الكلام معها بأي، ومن مجيئها بعد الجملة الخبرية:(وجعلوا له من عباده جزءاً) الآية.

(وتقتضي إضراباً مع استفهام) - نحو: (أم خلقوا من غير شيء)، وكذا ما بعده، وهي بتقدير بل والهمزة، أي بل أخلقوا؟ ويكون الإضراب على جهة الإبطال، وعلى الترك بلا إبطال؛ ومن الثاني:(أم يقولون افتراه، بل هو الحق من ربك)، فهي للإضراب عن الإيجاب السابق من غير إبطال، ويستأنف السؤال عما بعدها على جهة الإنكار.

(ودونه) - فتقتضي إضراباً بلا استفهام، فتقدر ببل وحدها، بخلاف الأول

ص: 455

فإنها تقدر ببل والهمزة؛ وخرِّج على الإضراب فقط: (أم ماذا كنتم تعملون؟ )، (أم من هذا الذي هو جند لكم؟ ) ومذهب البصريين أنها تقدر ببل والهمزة مطلقاً، وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل، وما ذكره المصنف من التفرقة حسن، فدخولها على الاستفهام يبعد تقديره.

(وعطفها المفرد قليل) - يعني أم المنقطعة، ومنه: إنها لإبل، أم شاء؟ وأم أيضاً لمجرد الإضراب، وهي عاطفة ما بعدها على ما قبلها؛ والمغاربة يقولون: إنها لا تعطف إلا الجمل، ويتكلفون الرجوع إلى ذلك فيما أعطى خلافه.

(وفصل أم مما عطف عليه أكثر من وصلها) - يعني أم المتصلة، نحو:(أذلك خير أم جنة الخلد)؟ ومن الوصل: (أقريب أم بعيد ما توعدون)؟ ونحوه: أعندك زيد أم عمرو؟ وقال سيبويه: أزيداً لقيت أم بشراً؟ بتقديم الاسم أحسن، قال: ولو قلت: ألقيت زيداً أم عمراً؟ كان جائزاً حسناً، وقال في تقديم الاسمين: إنه أضعف. قال المصنف: ومن ادعى امتناع وصلها أو ضعفه فمخطئ؛ وأثبت أبو زيد الأنصاري زيادة أم، وخرَّج عليه:(أم أنا خير)؟ وقال الأخفش: قال قوم: إنها لغة يمانية، يزيدون

ص: 456

أم في الكلام؛ وقال سيبويه في الآية: (أفلا تبصرون)؟ أم أنتم بصراء؟ ونحوه قول الأخفش: أم تبصرون؟ وليست ميم أم بدلاً من واو، وأصلها أو، خلافاً لابن كيسان.

(وأو لشك) - نحو: قام زيد أو عمرو، وأقام زيد أو عمرو، ومنه قوله تعالى:(قال: لبثت يوماً أو بعض يوم).

(أو تفريق مجرد) - أي من الشك والإبهام والتخيير، نحو:

436 -

فقالوا: لنا ثنتان، لابد منهما

صدور رماح أشرعت أو سلاسل

(أو إبهام) - نحو: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).

(أو إضراب) - كقراءة أبي السماك: (أو كلما عاهدوا)، وخرَّج عليه الفراء وأبو عبيدة:(أو يزيدون)؛ وحكى الفراء: اذهب إلى زيد أو دع

ص: 457

ذاك فلا تبرح اليوم، وحكاه ابن برهان عن أبي علي، وذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعيد العامل نحو: لست بشراً أو لست عمراً، ولا تضرب زيداً أو لا تضرب عمراً؛ وخصه ابن عصفور بذلك، ومنع مجيئها للإضراب في غيره.

(أو تخيير) - نحو: (أو كسوتهم أو تحرير رقبة)، (أو صدقة أو نسك)؛ وإذا نهيت عن المخير فيه فقال ابن كيسان: يجوز كون النهي عن واحد وكونه عن الجميع، وقال السيرافي: هو للجميع فقط.

(وتعاقب الواو في الإباحة كثيراً) - نحو: (أو آبائهن أو آباء بعولتهن) الآية، ومن علامتها استحسان مجيء الواو في موضعها نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، أو جالسه وابن سيرين، قاله المصنف، والمغاربة فرقوا بينهما، فمع أو له أن يجالس أحدهما دون الآخر، ومع الواو ليس له ذلك؛ وإذا نهيت عن المباح استوعب النهي جميع ما كان مباحاً باتفاق.

(وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلاً) - فالأول كقول قطري بن الفجاءة:

437 -

حتى خضبت بما تحدر من دمي

أكناف سرجي أو عنان لجامي

ص: 458

وقال غيره في البيت إن أو لإيجاب أحد الشيئين، في وقت دون وقت، نحو: إنما أنت طعن أو ضرب، أي تارة كذا، وأخرى كذا، ومن أحسن شواهد ما ذكر المصنف، قوله، صلى الله عليه وسلم:"اسكن حراء، فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد"؛ والثاني نحو: (ومن يكسب خطيئة أو إثماً)، وذهب الأخفش والجرمي والأزهري وجماعة من الكوفيين إلى أن أو تأتي بمعنى الواو، وخرج على ذلك:(أو يزيدون)، قال الجرمي: ومنه: وكل حق لها داخل فيها أو خارج عنها، وكل حق سميناه في كتابنا هذا، أو لم نسمه، قال: وإن شئت بالواو، وأنشد لابن أحمر:

438 -

ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث

إلى ذاكما ما غيبتني غيابيا

وقال النحاس: هذا خطأ عند الخليل وسيبويه وأكثر البصريين.

(وتوافق ولا بعد النهي والنفي) - نحو: (أو كفورا) أي ولا كفورا، ونحو:(ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم) أي ولا بيوت آبائكم.

ص: 459

(والمعنى مع إما شك) - نحو: لزيد من العبيد إما تسعة وإما عشرة، ومنه:

439 -

سأحمل نفسي على حالة

فإما عليها وإما لها

(أو تخيير) - نحو: (إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً).

(أو إبهام) - كقولك، مع علمك بمن لقيت: لقيت إما زيداً وإما عمراً، ومنه:(إما يعذبهم، وإما يتوب عليهم).

(أو تفريق مجرد) - نحو: (إما شاكراً وإما كفوراً)، ومنه:

440 -

البس لكل حالة لبوسها

إما نعيمها وإما بوسها

وهو المقصود من قول غيره: التفصيل، وذكروا أيضاً أنها للإباحة نحو: جالس إما الحسن وإما ابن سيرين؛ وفي المنتخب للزجاج: لا يجوز: لا تضرب إما زيداً وإما عمراً، لأنها تخيير، وقد نهيت عن الفعل، فالكلام مستحيل، قيل: وتعليله يقتضي منع النفي أيضاً.

ص: 460

(وفتح همزتها لغة تميمية) - وهي أيضاً لغة قيس وأسد، ولغة أهل الحجاز ومن جاورهم فتح الهمزة وكسرها.

(وقد تبدل ميمها الأولى ياء) - وقد جاء ذلك مع فتح الهمزة وكسرها، فمع الكسر نحو:

مكرر 424 - يا ليتما أمُّنا شالت نعامتها

إيما إلى جنة إيما إلى نار

ومع الفتح قول بعضهم في فرس ضاع له: هو أيما مفتوق اللسان، وأيما مرضوض.

(وقد يستغنى عن الأولى بالثانية) - نحو:

441 -

تهاض بدار قد تقادم عهدها

وإما بأموات ألم خيالها

وقال الفراء: يقولون: عبد الله يقوم، وإما يقعد، وذكر نحوه ثعلب، وقال النحاس: لا يجيز البصريون فيها إلا التكرير.

ص: 461

(وبأو عن وإما) - كقراءة أبي: (وإنا أو إياكم لإما على هدى أو في ضلال مبين)، وأنشد ابن خالويه:

442 -

يعيش الفتى في الناس إما مشيعاً

على الهم أو هلباجة ميتاً غما

(وربما استغنى عنها بـ وإلا) - كقول العبدي:

443 -

فإما أن تكون أخي بصدق

فأعرف منك غثي من سميني

وإلا فاطرحني واتخذني

عدواً أتقيك وتتقيني.

(وربما استغني عن واو وإما) - كقوله:

مكرر 423 - لا تفسدوا آبا لكم

أيما لنا أيما لكم

فتح الهمزة وأبدل من الميم ياء.

ص: 462

(والأصل: إن ما، وقد تستعمل اضطراراً) - كقوله:

444 -

لقد كذبتك نفسك فاكذبنها

فإن جزعا وإن إجمال صبر

وما ذكره من تركيب إما هو مذهب سيبويه، وأنكر ذلك غيره، وقال: لا معنى لإن هنا.

(والمعطوف ببل مقرر بعد تقرير نهي) - أي ممكن فيما يراد به نحو: لا تضرب خالداً بل بشراً؛ فخالد قد قرر النهي عن ضربه، وبشر قد قرر الأمر بضربه، ومنه:(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء).

(أو نفي صريح) - نحو: ما قام زيد بل عمرو؛ فزيد قد تقرر نفي القيام عنه، وعمرو وقرِّر إثبات القيام له؛ ووافق المبرد على هذا في الصورتين، وأجاز مع ذلك كون بل ناقلة حكم النهي والنفي لما بعدها، وتابعه أبو الحسين بن

ص: 463

عبد الوارث، وهو ابن أخت الفارسي، وهو خلاف الواقع في لسان العرب.

(أو مؤول) - نحو: زيد غير قائم بل قاعد، قال تعالى:(لو يعلم الذين كفروا) الآية، ثم قال:(بل تأتيهم بغتة)، وقال:(أغير الله تدعون إن كنتم صادقين، بل إياه تدعون).

(أو بعد غيجاب لمذكور موطأ به) - نحو: (إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل).

(أو مردود) - نحو: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً، سبحانه، بل عباد مكرمون)، (أم يقولون به جنة، بل جاءهم بالحق).

(أو مرجوع عنه) - لكونه غلطاً في اللفظ، نحو: أنت عبدي، بل سيدي؛ أو في الإدراك نحو: سمعت رغاء، بل صهيلاً؛ أو نسياناً نحو: له علي درهمان، بل ثلاثة؛ أو لتبدل رأي نحو: ادع لي زيداً، بل عمراً، وكون بل تأتي بعد الإيجاب هو قول البصريين، وقال الكوفيون: لا تقع نسقاً إلا بعد نفي أو جار مجراه.

ص: 464

(وقد تكرر بل رجوعاً عما ولي المتقدمة) - نحو: (بل قالوا أضغاث أحلام، بل افتراه؛ بل هو شاعر).

(أو تنبيهاً على رجحان ما ولي المتأخرة) - نحو: (بل ادارك علمهم في الآخرة، بل هم في شك منها، بل هم منها عمون).

(وتزاد لا قبل بل تأكيداً لتقرير وغيره) - فالأول نحو: جاء زيد، لا بل عمرو، وخذ هذا، لا بل ذاك، فلا زائدة لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم للأول؛ ومنه:

446 -

وجهك البدر، لا بل الشمس لو لم

يقض للشمس كسفة وأفول

ومثال الثاني: ما قام زيد، لا بل عمرو، ولا تضرب خالداً، لا بل بشراً، فهي زائدة لتأكيد بقاء النفي والنهي، ومنه:

ص: 465

447 -

وما سلوتك، لا بل زادني شغفاً

هجر وبعد تمادى لا إلى أجل

وقوله:

448 -

لا تملن طاعة الله، لا، بل

طاعة الله ما حييت استديما

ويقال في: لا بل: نابن، بإبدال اللامين نوناً، ونابل، ولابن، بإبدال أحد اللامين.

(ولكن، قبل المفرد، بعد نفي أو نهي كبل) - نحو: ما قام زيد، لكن عمرو، ولا تضرب زيداً، لكن بكراً؛ وما ذكره هو مذهب البصريين، وقال الكوفيون: يعطف بها بعد الإثبات كبل؛ هكذا نقل عنهم صاحب اللباب، ونقل غيره عنهم أن بل لا تكون في الإثبات، وقد تقدم؛ فإن وقعت لكن بعد جملة فليست عاطفة عند الجمهور، بل هي حرف ابتداء، وأجاز ابن أبي الربيع وغيره، كونها عاطفة للجملة؛ قال ابن أبي الربيع، وقد أنشد بيت زهير:

ص: 466

450 -

إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره

لكن غوائله في الحرب تنتظر

على مجيئها بغير واو: يظهر لي أنها عاطفة للجملة وللمفرد، إذا كانت بغير واو، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ وتقع حينئذ بعد الإيجاب والنفي والنهي والأمر، ولا تقع بعد الاستفهام، لا يجوز: هل قام زيد؟ لكن عمرو لم يقم.

(ويعطف بلا بعد أمر) - نحو: اضرب زيداً لا عمراً، وغفر الله لزيد لا لفلان، وهلا تضرب زيداً لا عمراً.

(أو خبر مثبت) - نحو: زيد قائم لا قاعد، أو لا عمرو، ويقوم زيد لا عمرو، وقام زيد لا عمرو، وضربت زيداً لا عمراً، ومررت بزيد لا عمرو؛ وقال الكسائي: لا يكادون يقولون ذلك حتى تكرر، يعني الباء، ونص سيبويه على جوازه؛ ومنع قوم منهم الزجاج العطف بلا بعد الماضي؛ وشرط

ص: 467

العطف بها عدم صدق ما قبلها على المعطوف، فلا يجوز: قام رجل لا زيد، بل يأتي بغير.

(أو نداء) - نحو: يا زيد لا عمرو، ونص على جوازه سيبويه، وقال ابن سعدان: ليس هذا في كلام العرب، وأجاز الفراء: لعل زيداً لا عمراً قائم، كما جاز: إن زيداً لا عمراً قائم، وإذا كانت الجملة في محل مفرد عطفت بلا نحو: زيد يقوم لا يجلس، وكذا زيد قام لا قعد، وفيه ما سبق، والصحيح الجواز؛ وأجاز الكسائي والفراء كون (لا تضار والدة) بالرفع منسوقاً على (لا تكلف نفس)، والصحيح أنه مستأنف، فلا يعطف بها بعد نفي، فلا يقال: لن يقوم زيد لا يقعد، بالنصب، بل يرفع على القطع. وقد يحذف المعطوف عليه بها نحو: أعطيتك لا لتظلم، أي لتعدل لا لتظلم.

(فصل): (لا يشترط في صحة العطف، وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه) - ولذلك جاز: قام زيد وأنا، ورب رجل وأخيه، ومررت برجل قائم أبواه لا قاعدين.

(ولا تقدير العامل بعد العاطف) - بل منه ما يمتنع تقديره نحو: اختصم زيد وعمرو، ومن يأتني ويسلني أعطه.

(بل يشترط صلاحية المعطوف، أو ما هو بمعناه، لمباشرة العامل) - نحو تخاصم زيد وعمرو، وإن شئت قدمت عمراً؛ ونحو: قام زيد وأنا، إذ يجوز: قمت؛ ونحو: رب أخي رجل ورجل، في: رب رجل وأخيه؛ فإن لم يصلح لمباشرة العامل، ولا هو بمعنى ما يصلح لذلك، أضمر له عامل، ويكون من

ص: 468

عطف الجمل، نحو:(اسكن أنت وزوجك)، وأقوم أنا وزيد، و (ولا نخلفه نحن ولا أنت)، و (لا تضار والدة بولدها، ولا مولود له)، أي: ولتسكن زوجك، ويقوم زيد، ولا تخلفه أنت، ولا يضار مولود له، وكذا حكم البدل نحو: ادخلوا أولكم وآخركم، أي ليدخل، نص على هذا المعنى سيبويه، فيكون من إبدال الجمل بعضها من بعض. وكلام غير المصنف على أنه من عطف المفردات، وهو ظاهر كلام سيبويه في العطف.

(ويضعف العطف على ضمير الرفع المتصل، ما لم يفصل بتوكيد أو غيره) - نحو: (لقد كنتم أنتم وآباؤكم)، (لقد وعدنا نحن وآباؤنا)،

451 -

ذعرتم أجمعون ومن يليكم

برؤيتنا وكنا الظافرينا

ونحو: (يدخلونها ومن صلح)، وقال:

452 -

لقد نلت عبد الله وابنك غاية

من المجد من يظفر بها فاق سوددا

فصل بالنداء، وجعل المصنف: قمت وزيد، ضعيفاً، ومنه قول بعض

ص: 469

العرب: مررت برجل سواء والعدم، ونص سيبويه والخليل على قبحه، وبعض النحويين خصه بضرورة الشعر؛ وعطف المنفصل كعطف الظاهر، وفي كتاب سيبويه: كنا وأنتم ذاهبين، وحُمل على أنه أجازها بشرط المصحح.

(أو يفصل العاطف بلا) - نحو: (ولا آباؤنا)، وعن الفارسيّ أن العطف على المرفوع المتصل جائز بلا طول، بدليل الآية.

(وضمير النصب المتصل في العطف عليه كالظاهر) - فيعطف عليه الظاهر والمضمر بلا شرط، نحو: زيد رأيته وعمراً، ورأيته وإياك، كما تقول: رأيت زيداً وعمراً، ورأيت زيداً وإياك؛ ولا خلاف في هذه؛ ومنع الأبدي الأخيرة من جهة المقدرة على الاتصال نحو: رأيتك وزيداً، مردود، قال تعالى:(يخرجون الرسول وإياكم)، (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم).

(ومثلُه في الحالَين) - أي ومثل الظاهر في حال عطفه والعطف عليه.

(الضميران المنفصلان) - نحو: زيدٌ وأنا قائمان، أو أنا وزيدٌ؛ وزيداً وإياك أكرمت، أو إياك وزيداً.

(وإن عُطف على ضمير جر اختير إعادةُ الجار ولم تلزم، وفاقاً ليونس والأخفش والكوفيين) - واختاره الشلوبين؛ ومذهب جمهور البصريين اللزوم إلا في الضرورة؛ وقال الجرمي والزيادي: يجوز في الكلام إن أكد الضمير؛ والصحيح الجواز مطلقاً، قال تعالى:(وكفر به والمسجد الحرام)،

ص: 470

(تساءلون به والأرحام)، ومن كلام العرب: ما فيها غيره وفرسه، يجر فرس.

(وأجاز الأخفش العطف على عاملين، إن كان أحدهما جاراً، واتصل المعطوفُ بالعاطف) - نحو: إن في الدار زيداً، والحجرة عمراً؛ وهذا أحد قولي الأخفش في المسألة، وشرط حينئذ أن يتقدم المجرور المعطوف، تقدم المجرور المعطوف عليه أو تأخر، فلو قلت: وعمراً الحجرةِ، لم يجز؛ والقول الآخر عن الأخفش المنع، كما هو المعروف عن سيبويه، وغير المعروف ما نقل عنه النحاس من الجواز بالشرط المذكور؛ ومن النحويين من أجاز ذلك مع كل عامل، ذكره الفارسي، ونسب للأخفش، فيجوز على هذا: كان أكلا طعامك زيد وتمراً عمرو، أي وكان أكلا تمراً، ونقل المصنف الإجماع على منع ذلك غير جيد؛ وأجاز بعضهم مع المجرور فقط، بشرط تقدم المجرور في المتعاطفين. فحصل في المسألة أقوال: المنع مطلقاً، وهو المعروف عن سيبويه وقول المبرد وابن السراج وغيرهما؛ والجواز مطلقاً، ونسب للأخفش؛ والجواز مع المجرور، تقدم أو تأخر، بشرط تقدم المجرور المعطوف، وهو المشهور عن الأخفش وقول الكسائي والفراء والزجاج وغيرهم، والجواز بشرط تقدم المجرور في المتعاطفين، وحجة من أجاز ظاهر السماع، ومنه:(وتصريف الرياح آيات)، في قراءة من نصب (آيات)، وقوله:

مكرر 353 - أكل امرئ تحسبين امرأ

ونار توقد بالليل نارا؟

ص: 471

وحجة المنع أن العاطف لو ناب عن عاملين لناب عن أكثر، ولا يجوز ذلك بإجماع، ذكره ابن السراج، ومثاله: جاء من الدار إلى المسجد زيد والحانوت البيت عمرو، ذكره في البسيط أي وجاء من الحانوت إلى البيت عمرو، وما ذكره من الاتصال أخرج الانفصال بغير ما سنذكره، فلا يجوز: ضربت أمس زيداً بسوط، واليوم عود عمراً، ولابد من كون المتصل بالعاطف المجرور كما سبق، هكذا مذهب الأخفش.

(أو انفصل بلا) - نحو: ما في الدار زيد، ولا الحجرة عمرو.

(والأصح المنع مطلقاً) - لقبول ما استدل به التأويل.

(وما أوهم الجواز، فجره بحرف مدلول عليه بما قبل العاطف) - ولو قال: بجار لشمل الاسم، كما في: ونار توقد

إذ التقدير: وكل نار، لكان حسنا.

(فصل): (قد تحذف الواو مع معطوفها) - نحو: (سرابيل تقيكم

ص: 472

الحر) أي والبرد، (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح) أي ومن أنفق بعده وقاتل، (لا نفرق بين أحد من رسله) أي وأحد.

(ودونه) - نحو ما في الحديث: "تصدق الرجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره" أي ومن درهمه إن كان ذا درهم، وكذا الباقي، ومنه:

453 -

كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ مما

يزرع الود في فؤاد لكريم

أي وكيف أمسيت؟

ص: 473

وما ذكره المصنف قول الفارسي، واختاره ابن عصفور، ومنع ذلك ابن جني والسهيلي واختاره ابن الضائع؛ وخرج الخبر على بدل البداء، وأما البيت فعلى معنى الاستمرار على هاتين الكلمتين، مما يزرع، ولو قدر عاطف لانحصر في الكلمتين من غير مواظبة، فهو نحو: قرأت ألف باء، ترجمة عن الجميع، ولو عطفت لأشعر بانقضاء المقروء عند الباء، قاله ابن الضائع، وفيه نظر.

(ويشاركها في الأول الفاء وأم) - نحو: (اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم) أي فذهب فألقاه؛ (فأرسلون. يوسف) أي فأرسلوه فأتاه فقال؛ ونحو قول أبي ذؤيب:

454 -

دعاني إليها القلب إني لأمره

سميع، فما أدري أرشد طلابها؟

أي أم غي؟

(وفي الثاني أو) - كقول عمر: صلى رجل في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء؛ أي ليصل رجل في كذا أو كذا؛ وحكى أبو الحسن في المعاني: أعطه درهماً درهمين ثلاثة، أي أو درهمين أو ثلاثة.

ص: 474

(ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيراً) - نحو: بلى وعمراً، لقائل: ألم تضرب زيداً؟ أي بلى زيداً وعمراً، ونعم وخالداً، لقائل: ألقيت سعيداً؟ وكقول بعض العرب: وبك وأهلاً وسهلاً، لمن قال: مرحباً بك.

(وبالفاء قليلاً) - نحو: (فانفجرت)، (فانفلق) أي فضرب فانفجرت، فضرب فانفلق، وكذا:(فعدة) أي فأفطر فعدة.

(وندر ذلك مع أو) - كقول أمية الهذلي:

455 -

فهل لك أو من والد لك قبلنا.

أي فهل لك من أخ أو من والد؟

(وقد يقدم المعطوف بالواو للضرورة) - نحو:

456 -

ألا يا نخلة من ذات عرق

عليك، ورحمة الله، السلام

أنشده الكوفيون؛ وذكر المغاربة للمسألة شروطاً لم يذكر المصنف منها إلا

ص: 475

كون العطف بالواو، وهذا قول البصريين، وأجاز هشام وثعلب ذلك مع الفاء وثم وأو ولا.

الثاني: أن لا يقع العاطف صدراً نحو: وعمرٌ وزيدٌ قائمان.

الثالث: أن لا يباشر العاطف عاملاً لا يتصرف نحو: إن وزيداً عمراً قائمان، وما أحسن وزيداً عمراً.

الرابع: كون المعطوف غير مخفوض نحو: مررت وزيد بعمرو، ومع الشروط، مذهب البصريين اختصاصه بالشعر، ومذهب الكوفيين جوازه في الكلام، وهو عند البصريين في المنصوب أقبح منه في المرفوع؛ ومنع هشام التقديم فيما لا يستغنى، نحو: اختصم زيد وعمرو، وقال النحاس: هو مذهب البصريين، فالشروط حينئذ خمسة، وأجاز ذلك ثعلب.

(وإن صلح لمعطوف ومعطوف عليه مذكور بعدهما، طابقهما بعد الواو) - نحو: زيد وعمرو منطلقان، ومررت بهما؛ قال ابن عصفور: ولا يفرد الخبر إلا حيث سمع، وهو على الحذف من الأول نحو:(والله ورسوله أحق أن يرضوه) أي والله أحق أن يرضوه، ورسوله أحق أن يرضوه؛ وقال مرة أخرى: الأحسن أن لا يفرد؛ وقال الخضراوي: قيل: حذف خبر الأول، وقيل: خبر الثاني؛ وقيل: أنت مخير، وهو الصحيح.

وحكم حتى حكم الواو.

(وطابق أحدهما بعد لا وأو وبل ولكن) - والذي يظهر في لا كون الحكم

ص: 476

للأول نحو: زيد، لا هند، قائم؛ وفي بل ولكن للثاني نحو: هند، بل عمرو، ذاهب، وما هند، لكن عمرو ذاهب؛ ونقل الأخفش عن العرب كون الحكم مع أو للأول أو للثاني نحو: زيد أو هند منطلق أو منطلقة.

(وجاز الوجهان بعد الفاء وثم) - أي المطابقة، ومراعاة أحدهما نحو: زيد فعمرو منطلقان، أو منطلق؛ ومررت بهما أو به؛ وكذلك ثم، والإفراد مع ثم أحسن.

(ويعطف الفعل على الاسم) - نحو: (صافات ويقبضن)، (فالمغيرات صبحا، فأثرن).

(والاسم على الفعل) - نحو: (يخرج الحي من الميت، ومخرج الميت من الحي)، وقوله:

457 -

بات يعشيها بعضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر

(والماضي على المضارع، والمضارع على الماضي، إن اتحد جنس الأول والثاني بالتأويل) - نحو: (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت)، (تبارك الذي إن شاء جعل .. ) ثم قال:(ويجعل لك قصورا).

ص: 477

(وقد يفصل بين العاطف والمعطوف، إن لم يكن فعلاً، بظرف أو جار ومجرور) - نحو: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، (ومن الأرض مثلهن)؛ فإن كان المعطوف فعلاً لم يفصل؛ فلا يجوز: قام زيد وفي الدار قعد، ولا زيد يقوم وعندك يقعد.

وإطلاق المصنف يقتضي أنه لا فرق بين عاطف على حرف واحد وبين غيره؛ والمغاربة يقولون: إن كان على أكثر من حرف جاز الفصل بالمذكورين وبالقسم نحو: قام زيد ثم والله عمرو؛ وإن كان على حرف لم يجز إلا في ضرورة الشعر؛ ولم يفرقوا في الأمرين بين الفعل والاسم.

(ولا يخص بالشعر، خلافاً لأبي علي) - وكلامه يقتضي أنه لا فرق بين ما هو على حرف واحد وغيره؛ فما نقله عن أبي علي يوافق المغاربة من وجه دون وجه؛ وتعليل الفارسي يرشد إلى ذلك، حيث قال: إن حرف العطف شديد الاتصال بمعطوفه، وهو نائب مناب العامل، ولا يفصل بين العامل ومعموله، فالنائب أولى، والراجح الجواز؛ فتأويل الاثنين متكلف.

(وإن كان مجروراً أعيد الجار) - نحو: مر بكر بزيد، وأمس بعمرو، ولا يجوزك وأمس عمرو، بالجر، بدون ذكر الحرف، عند سيبويه وغيره من البصريين؛ وكذا: ومن بعده عمرو؛ وأجاز الفراء كون "يعقوب" في قراءة من فتح الباء في قوله: (ومن وراء إسحاق يعقوب) مجروراً.

ص: 478

(أو نصب بفعل مضمر) - وعلى ذلك خرَّج القراءة المذكورة أبو علي وابن جني وغيرهما، أي: ووهبنا لهما يعقوب؛ وكذا تقول: مر اليوم بزيد وغداً عمراً، التقدير: والق غداً عمراً، كما أن مررت بزيد وعمراً، عند سيبويه، على تقدير: ولقيت عمراً.

ص: 479