الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
48 - باب النداء
هو بكسر النون وضمها، وهو في اللغة الدعاء لعاقل أو غيره؛ وفي الاصطلاح الدعاء بيا وأخواتها، وهمزته بدل من واو، لقولهم: ندوت القوم ندوة جلست معهم في النادي، وهو المجلس الذي ينادي فيه بعضهم بعضاً.
(المنادى منصوب لفظاً) - نحو: يا عبد الله، ويا خيراً من زيد، ويا رجلاً خذ بيدي.
(أو تقديراً) - نحو: يا زيد، ويا رجل.
(بأنادي، لازم الإضمار) - فالمضاف والمطول والنكرة التي لم يقبل عليها، والعلم المفرد، والنكرة المقبل عليها، منصوبة بفعل مضمر، لا يجوز إظهاره، وهو للإنشاء كأعتقت وبعت؛ ويدل على حذف الفعل قولهم: يا إياك، فصلوا لحذف العامل، هذا قول جمهور البصريين، وقيل: ناصب المنادى يا، وهي على حرفيتها، وقيل: هي اسم فعل، وقيل: ناصبه معنوي.
(استغناء بظهور معناه، مع قصد الإنشاء، وكثرة الاستعمال، وجعلهم كعوض منه) - وكل منها كاف في اللزوم المذكور، ولاسيما قصد الإنشاء، فالإضمار معين على ذلك، فإن الإظهار يوهم الإخبار؛ وقول بعضهم: إن النداء بالصفة، نحو: يا فاسق، أو يا فاضل، خبر، إذ يحتمل التصديق والتكذيب، وبغيرها إنشاء، مردود؛ إذ يمكن أن يقال لمن نادى بيا زيد، من لم يسم به: كذبت، ليس زيداً.
(في القرب همزة) - نحو:
458 -
أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائراً
…
فقد عرضت أحناء حق فخاصم
(وفي البعد، حقيقة أو حكماً، يا) - والمراد بالحكم نداء الساهي والغافل؛ والاستعمال، بشهادة الاستقراء، يقتضي أن ينادى بها القريب والبعيد.
(أو أيا) - نحو:
459 -
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل
…
وبين النقا آأنت أمْ أمُّ سالم؟
والوعساء الأرض اللينة ذات الرمل، وجلاجل بفتح الجيم موضع، قال الجوهري: قال ذو الرمة: أيا ظبية الوعساء
…
البيت، قال: ويروى بالحاء مضمومة.
(أو هيا) - نحو:
460 -
هيا أم عمر هل لي اليوم عندكم
…
بغيبة أبصار الوشاة سبيل؟
(أوآ) - نحو: آزيد، حكاه الأخفش في الكبير، وجعلها ابن عصفور مرة للقرب كالهمزة؛ قال المصنف: ولم يذكرها إلا الكوفيون، وليس ما ذكر بجيد.
(أو أيْ) - نحو:
461 -
ألم تسمعي أي عبد في رونق الضحى
…
بكاء حمامات لهن هديل؟
وقال المبرد وجماعة من المتأخرين منهم الجزولي: هي للقريب، وكلام سيبويه يرد هذا، فروى عن العرب أن الهمزة للقريب، وغيرها للبعيد. وقد تستعمل ما للبعيد للقريب المقبل عليه، مبالغة في التنبيه والنداء.
(أو آيْ) - نحو ما حكاه الكسائي أنه سمع رجلاً يقول: آي إما؛ وعد ابن عصفور منها وا، والذي ذكره سيبويه والجمهور أنها لا تستعمل إلا في الندبة، وحكى بعضهم أنها تستعمل في غير الندبة قليلاً.
(ولا يلزم الحرف إلا مع الله، وفي بعض النسخ: والضمير) - نحو: يا الله، بقطع الهمزة ووصلها، فإن جئت بالميم فقلت: اللهم، لم يؤت بيا،
وسيأتي الكلام عليه؛ ونحو: يا إياك قد كفيتك؛ وهذا هو الأصل، إذ العامل محذوف، والمنادى مفعول، وأما:
462 -
يا أبجر بن أبجر يا أنتا
…
أنت الذي طلقت عام جعتا
فمن وضع المرفوع موضع المنصوب، وحسنه هنا كون الظاهر المعرفة على صورة المرفوع، فخلفه ضمير الرفع، كما أتبع بالرفع، وعكس هذا قراءة الحسن:(إياك تُعبد) بضم التاء، فناب ضمير النصب عن ضمير الرفع. قال ابن عصفور: ولا ينادى مضمر إلا نادراً، ونص على منع نداء ضمير المتكلم، نحو: يا أنا، وضمير الغيبة نحو: يا إياه أو يا هو؛ وقال في الرجز: إن منهم من جعل يا تنبيها، وأنت مبتدأ والثاني توكيد أو مبتدأ أو فصل أو بدل.
(والمستغاث) - نحو: يا لزيد.
(والمتعجب منه) - نحو: يا للماء! .
(والمندوب) - نحو: يا زيداه! .
(ويقل حذفه مع اسم الإشارة) - وخرج عليه: (ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم)؛ ومذهب البصريين المنع، وأجازه الكوفيون، واختاره المصنف، ومنه:
463 -
ذا، ارعواء، فليس بعد اشتعال الرأ
…
س شيباً إلى الصبا من سبيل
واختلف في جواز نداء اسم الإشارة مع الكاف، والمنع للسيرافي، وهو شبيه بمنع النحويين: يا غلامك، في غير الندبة، والجواز لسيبويه وابن كيسان.
(واسم الجنس المبني للنداء) - ومنه ما في الخبر: "اشتدي أزمة تنفرجي"، "وثوبي حجر"، وقولهم: أصبح ليل، وافتد مخنوق؛
والمغاربة يقولون: لا يأتي إلا شذوذاً أو ضرورة؛ وعلم من كلامه أن الحرف يحذف مع العلم غير الله، نحو:(يوسف أعرض عن هذا)، ومع المضاف، نحو: غلام زيد أقبل، والموصول، نحو: من لا يزال محسناً أحسن إلي، وأي، نحو:(أيها المؤمنون)، والمطول، نحو: خيراً من زيد أقبل، وفي النكرة التي لم يقبل عليها خلاف؛ وعنها احترز بقوله: المبني للنداء، فاختياره الجواز.
(وقد يحذف المنادى قبل الأمر والدعاء، فتلزم يا) - فالأمر كقراءة الكسائي: "ألا يا اسجدوا"، والدعاء نحو:
465 -
يا لعنة الله والأقوام كلهم
…
والصالحين على سمعان من جار
وقيل: يا فيهما للتنبيه كألا.
(وإن وليها ليت أو رب أو حبذا، فهي للتنبيه لا للنداء) - نحو: (يا ليتني كنت معهم)؛
466 -
ويا رب سار بات ما توسدا
467 -
ويا حبذا جبل الريان من جبل
وإما كانت مع هذه للتنبيه، لأن الناطق بها قد يكون وحده، كقول مريم:(يا ليتني مت قبل هذا).
وقد يجمع بين ألا ويا توكيداً في نداء وغيره نحوه:
468 -
ألا يابن الذين فنوا وبادوا
…
أما والله ما ذهبوا لتبقى
ونحو:
469 -
ألا يا ليت أياماً تولت
…
يكون إلى إعادتها سبيل
(وقد يعمل عامل المنادى في المصدر) - نحو:
470 -
يا هند دعوة صب هائم دنف
…
مني بلطف، وإلا مات أو كربا
(والظرف) - نحو:
471 -
يا دار بين النقا والحزن ما صنعت
…
يد النوى بالألى كانوا أهاليك
(والحال) - نحو:
472 -
يا أيها الربع مبكياً بساحته
…
كم قد بذلت لمن وافاك أفراحا
واستقبح قوم، منهم المازني، الحال من المنادى، وأجازه قوم منهم المبرد، وقال: أناديه قائماً، ولا أناديه قاعداً، وأنشد:
473 -
يا بؤس للجهل ضراراً لأقوام
(وقد يفصل حرف النداء بأمر) - كقول بنت لطيفة لأمها:
474 -
ألا يا فابك تهياماً لطيفا
…
وأذري الدمع تسكاباً وكيفا
أي يا لطيفة، فرخمت وفصلت بالأمر.
(فصل): (يبنى المنادى، لفظاً أو تقديراً، على ما كان يرفع به لو لم يناد، إن كان ذا تعريف مستدام) - فاللفظ نحو: يا زيد، والتقدير: يا موسى؛ وكذا: يا هؤلاء، ويا سيبويه، ويا برق نحره، ولذا يتبع بالرفع نحو: يا هؤلاء الرجال.
ودخل في قوله: يرفع به، ما يرفع بالضم، كما مثل، وما يرفع بالألف نحو: يا زيدان، وبالواو نحو: يا زيدون؛ وتقول على مذهب سيبويه: يا اثنا عشر، بالألف، لأن عشر بمنزلة النون؛ والكوفيون يقولون: يا اثني عشر.
ونبه بقوله: لو لم يناد، على يا مكرمان ونحوه مما لا يستعمل إلا في النداء. وقوله: مستدام يريد به أن ما كان لزيد وما ذكر معه من التعريف باق مع النداء، وهو قول ابن السراج وصححه ابن عصفور مرة، ووجه بأن في المعارف ما لا يمكن سلب تعريفه، كاسم الإشارة والمضمر واسم الله؛ وقال المبرد والفارسي: سلب تعريف العلمية، وعرف بالإقبال، وصححه ابن عصفور مرة.
(أو حادث، بقصد وإقبال) - نحو: يا رجل ويا فتى ويا قاض؛ وقيل: تعريفه بال محذوفة، وناب حرف النداء منابها، وصححه ابن عصفور مرة؛ ومذهب سيبويه أن المنادى بني إجراء له مجرى الأصوات، يعني أنه بني لاختلاطه بالحرف، فصار كالصوت الذي يصوت به للبهيمة لما يراد منها نحو: عدس.
وذهب الفارسي وجماعة من البصريين إلى أنه بني لوقوعه موقع حرف الخطاب. وفي نداء النكرة غير المقصودة أقوال:
أحدها: جوازه، مقبلاً عليها وغير مقبل، وهو قول جمهور البصريين.
والثاني: المنع مطلقاً، وهو قول الأصمعي.
والثالث: إن كانت خلفاً من موصوف جاز نحو: يا ذاهباً؛ وإلا فلا، وهو قول الكسائي.
والرابع: إن كانت النكرة مقبلاً عليها جاز، وإلا فلا، وهو قول المازني، قال: ولا يتصور نداء نكرة غير مقبل عليها، وما جاء منوناً لحقه التنوين ضرورة نحو:
475 -
فيا راكباً إما عرضت فبلغن
…
نداماي من نجران أن لا تلاقيا
(غير مجرور باللام) - وهو المستغاث والمتعجب منه، نحو: يا لزيد، ويا للماء!
(ولا عامل فيما بعده) - يشمل المضاف نحو: يا غلام زيد، ويا أخا رجل، ويا رجل سوء؛ والمشبه بالمضاف، ويسمى المطول والممطول، من مطلت الحديدة مددتها، نحو: يا عظيماً فضله، ويا لطيفاً بالعباد، ويا ضارباً زيداً، ويا عشرين رجلاً؛ فهذا كله ينصب؛ وإنما يطول الاسم إذا لفظ بالمعمول، فلو كان مستتراً لم يحصل به طول إلا إن ظهر ما يقتضيه، فتقول: يا ضارب، بالضم، وإن كان فيه ضمير مستتر؛ فإن قلت: يا ضارب وزيد، ولم تقدر زيداً معطوفاً على الضمير المستتر في ضارب بينهما، لأنهما مناديان مفردان مقصودان بالنداء؛ وإن قدرت العطف نصبت ضارباً ونونت زيداً مرفوعاً للعطف على الضمير؛ ويتعين هذا الثاني في مشترك ونحوه، فتقول: يا مشتركاً وزيد.
(ولا مكمل قبل النداء بعطف نسق) - نحو: يا زيداً وعمراً، لمن سمي بهما؛ وقال الأخفش في ثلاثة وثلاثين. إن أردت جمعاً يبلغ هذا العدد نصبت الاسمين، أو ثلاثة على حدة، وثلاثين على حدة، بنيت ثلاثة وعطفت ثلاثين، كالحارث، أي ترفع وتنصب؛ وقال بعضهم في الثاني: إن قصد كل بالنداء بنيت، أو ثلاثة مبهمة في ذلك العدد نصبتهما؛ وقال الفارسي: إن سميت بثلاثة وثلاثين نصبت، أو ناديت جماعة هذه عدتها ضممت ثلاثة، وجاز في ثلاثين ما يجوز في الحارث.
(ويجوز نصب ما وصف من معرفة بقصد وإقبال) - قال الفراء: النكرة المقصودة الموصوفة المناداة تؤثر العرب نصبها، يقولون: يا رجلاً كريماً أقبل، فإذا أفردوا رفعوا أكثر ما ينصبون، انتهى. وفي الخبر من قوله عليه السلام في سجوده:"يا عظيماً يرجى لكل عظيم"؛ وفي رؤوس المسائل: إذا جيء بعد النكرة بفعل أو ظرف أو جملة، وجب نصبها عند البصريين، قصدت واحداً بعينه أو لا؛ وأجاز الكسائي الرفع أيضاً؛ وفصل الفراء، فأوجب النصب مع ضمير الغيبة، والرفع مع ضمير الخطاب. انتهى.
فتقول: يا رجلاً ضرب زيداً، ويا رجل ضربت زيداً؛ ومن النصب وهي مفردة: أيا راكباً .. البيت. وليست جملة الشرط صفة، لاشتمالها على الأمر، ومنه مع الصفة:
مكرر 456 ألا يا نخلة من ذات عرق
…
عليك، ورحمة الله، السلام
(ولا يجوز ضم المضاف الصالح للألف واللام، خلافاً لثعلب) - نحو: يا حسن الوجه، وهو ضعيف، لأن الضم للبناء، ومقتضيه في المفرد مفقود في المضاف، ولو كانت إضافة مجازية؛ وأما رواية الفراء عن بعض العرب في مشبه المضاف: يا مهتم بأمرنا لا تهتم، بضم مهتم، فتأويله أن بأمرنا متعلق بمهتم، ومهتم مفرد، لا مشبه بالمضاف.
(وليس المبني للنداء ممنوع النعت، خلافاً للأصمعي) - وعلته شبهه بالمضمر أو بالأصوات؛ وقال به أيضاً قوم من الكوفيين؛ ومذهب سيبويه والخليل وأكثر النحويين الجواز، وقال الفارسي: يجوز، والقياس المنع؛ وزعم الأصمعي أنه طالع أشعار العرب وكلامها، فلم يجد منادى منعوتاً، وما وقع منه شاذ يتأول على القطع، على أعني، أو على الابتداء، نحو:
476 -
…
يا عمر الجوادا
أي أعني؛ و
477 -
يا حكم الوارث عن عبد الملك
أي أنت الوارث؛ وأما
478 -
يا حكم بن المنذر بن الجارود
فعلى نداء ثان.
واحتج المجوزون بقول العرب: يا زيد بن عمرو، بفتح الدال، ولو كان ابن معمول فعل مضمر لم يكن لفتحها وجه.
(ويجوز فتح ذي الضمة الظاهرة إتباعاً، إن كان علماً، ووصف بابن متصل مضاف إلى علم) - نحو: يا زيد بن عمرو، بضم الدال وفتحها، وقال المبرد: الضم أجود، وقال ابن كيسان: الفتح أكثر في كلامهم، والضم القياس؛ وقال: البصريون كلهم يختارون الفتح، ويجيزون الضم، ومن الفتح.
مكرر 478 يا حكم بن المنذر بن الجارود
…
سرادق المجد عليك ممدود
وهو على المشهور إتباع لحركة ابن، فالساكن حاجز غير حصين؛ وإذا ضممت
فالأحسن كون ابن نعتاً، ويجوز عطف البيان والبدل، وكونه منادى أو معمول فعل؛ وإذا فتحت فالنعت لا غير؛ وفي البسيط: إذا فتحت فإتباع عند سيبويه، وقيل: ابن مقحم.
واحترز بالظاهرة من المقدرة نحو: (يا عيسى بن مريم) فلا فائدة في نية الفتح؛ وأجاز الفراء تقدير الضمة والفتحة.
وخرج بعلم خلافه نحو: يا غلام ابن زيد؛ وبوصفه بابن، من كون ابن بدلاً أو عطف بيان، أو منادى، أو مفعولاً، فلا يجوز حينئذ إلا ضم المنادى.
واحترز بمتصل من الفصل نحو: يا زيد الفاضل بن عمرو؛ وقال ابن عصفور: فإن قلت: يا زيد وعمرو بن عبد الله، إن جعلت ابنا صفة لعمرو ضممته وفتحته، ولزيد الضم لا غير؛ أو صفة لزيد، لم يجز فيهما إلا الضم. انتهى. وفيه تقديم النسق على النعت.
وخرج بمضاف إلى علم: يا زيد ابن أخينا ونحوه، فالضم لا غير.
(لا إن وصف بغيره) - أي بغير ابن، نحو: يا زيد الكريم.
(خلافاً للكوفيين) - في إجازتهم فتح المبني على الضم إذا وصف بمفرد نحو:
يا زيد الكريم؛ وقالوا: إن العرب تفعل ذلك، إذا نصبت النعت إتباعاً، ورووا بيت جرير:
مكرر 476 فما كعب بن مامة وابن سعدى
…
بأجود منك يا عمر الجوادا
بفتح راء عمر؛ وقال ابن كيسان: سببه جعل الاسم والنعت كالشيء الواحد؛ وخرَّج المانعون البيت على حذف الألف للساكن بعدها، والأصل: يا عمرا، بناءً على أن الألف تلحق غير المندوب والمتعجب فيه والمستغاث؛ أو على أنه نصب المنون من المنادى اضطراراً، نحو:
479 -
يا عدياً لقد وقتك الأواقي
ثم حذف التنوين على حد:
480 -
عمرو الذي هشم الثريد لقومه
ولا يخفى ما في التأويلين من التكلف، فالوجه أن يجعل ذلك شاذاً ولا يقاس عليه.
(وربما ضم الابن إتباعاً) - رواية الأخفش عن بعض العرب: فأتبعوا ابناً للمنعوت، ونظيره قراءة من قرأ:(الحمد لله) بضم اللام.
(ويلحق بالعلم المذكور نحو: يا فلان بن فلان، ويا ضل بن ضل، ويا سيد بن سيد) - وكذا ما أشبهه، مما كان المنادى فيه غير علم، ووصف بابن مضاف إلى غير علم، وهو موافق للفظ المنادى نحو: يا فاضل بن فاضل، ويا شريف بن شريف، ويا كلب بن كلب؛ وكذا لو عرفت الثاني فقلت: ابن الفاضل، وابن الشريف، وابن الكلب؛ وذكر المغاربة أن البصريين يضمون في هذا كله المنادى وينصبون ابنا، والكوفيون وابن كيسان يجوزون ضم المنادى وفتحه، ويحذفون في غير النداء التنوين من الموصوف، قال الكميت:
481 -
تناولها كلبُ بن كلبٍ فأصبحت
…
ترامى بها الأطواد لهفاً على لهف
ومجوز فتح ذي الضمة في النداء، موجب في غيره حذف تنوينه لفظاً) - نحو: جاء زيد بن عمرو، فيحذف تنوين زيد للساكن وكثرة الاستعمال، وكذا فلان بن فلان وما ذكر معه، وقد سبق؛ ويظهر من كلام سيبويه أن العرب لا تحذف من فلان بن فلان شيئاً، وكلام الناس على خلافه، وقال المبرد: لا خلاف في حذف التنوين من فلان بن فلان، وحكوا سماعه عن العرب، وشرط بعض المتأخرين في العلمين التذكير، وغلط، وإنما هو شرط ابن، وقال بعض المغاربة: شرط التذكير فيهما صحيح، فنسبة الرجل إلى أمه عار عندهم، فتقول: زيد ابن فاطمة بتنوين زيد، وإنما حذفوا في عمرو بن هند الملك، وهي أمه للكثرة.
(وألف ابن في الحالين خطأ) - أي حال النداء، وحال غير النداء، وعلى شرط التذكير، تثبت الألف في: زيد ابن فاطمة؛ وقال الخدب في: زيد بن عمرو ونحوه: يجوز، إن حذف الساكن، إثبات الألف؛ قال: والحذف أحسن لمصاحبة الكثرة.
(وإن نون فللضرورة) - نحو:
482 -
جارية من قيس ابن ثعلبه
قال ابن عصفور: وأنشده سيبويه على الضرورة؛ وقال ابن الباذش: فإذا كان بدلاً نونت؛ وأما (عزير ابن الله) في قراءة حذف التنوين، فقيل فيه: حذف التنوين للوصف بابن، والخبر أو المبتدأ محذوف، أي معبودنا؛ وقيل: ابن خبر، وحذف التنوين لأنه ممنوع الصرف، وهو ضعيف، لثبوت تنوينه.
(وليس مركباً، فيكون كمرء في إتباع ما قبل الساكن ما بعده، خلافاً للفارسي) - قال ابن برهان: مذهب الفارسي في نحو: زيد بن عمرو، أنهم بنوا الصفة مع الموصوف، والدال تابعة للنون، كالميم في: هذا مرء، ورأيت مرءاً، ومررت بمرء، فلما صارت الدال غير حرف إعراب لم تنون، فالتنوين لا يكون وسطاً، وهو منتقض بالإجماع على فتح المجرور الذي لا ينصرف نحو: صلى الله على يوسف بن يعقوب.
(والوصف بابنة كالوصف بابن) - وحكى ابن كيسان خلافاً في: يا هند ابنة زيد، أيعامل معاملة ابن؟
ومنهم من أجاز قياساً، ومنهم من منع، لأن السماع في ابن، وهو خارج عن القياس، فلا يتجاوز؛ واختار ابن كيسان القياس، فيجوز ضم دال هند وفتحها، وعلى الآخر تضم لا غير، وأما ابنة فينصب، وعلى ما اختار ابن كيسان تقول: جاءتني هند ابنة زيد، بحذف التنوين، في لغة من صرف هنداً.
(وفي الوصف ببنت في غير النداء وجهان) - فتقول في لغة من صرف هنداً: هذه هند بنت عاصم، بالتنوين وتركه؛ وترك لكثرة الاستعمال، ذكره سيبويه.
(ويحذف تنوين المنقوص المعين بالنداء، وتثبت ياؤه عند الخليل
وسيبويه، لا عند يونس) - فتقول: يا قاضي، بإثبات الياء، لذهاب التنوين بالبناء، ووجه حذفها أن النداء دخل على منون محذوف الياء، مع أن النداء مكان تخفيف، فإن أريد غير معين ثبتت، نحو: يا عاصياً تُب قبل الموت.
(فإن كان ذا أصل واحد، ثبتت الياء بإجماع) - نحو: يا مُري، ويا تَفِي لمن سمي به؛ والأصل: يا مُرئي، فردت اللام في النداء، ولو لم ترد لبقي على حرف واحد، لأن العين محذوفة، وكذلك تفي ترد لامه، وإلا يبق على حرف، لأن فاءه محذوفة.
(ويترك مضموماً أو ينصب ما نوِّن اضطراراً من منادى مضموم) - فالأول قول الخليل وسيبويه والمازني، وهو الأكثر، حتى أن سيبويه قال في النصب: لم نسمع عربياً يقوله، ولكن حفظه غيره.
والثاني قول أبي عمرو وعيسى بن عمر ويونس والجرمي والمبرد؛ ومن الضم قول الأحوص:
483 -
سلام الله يا مطر عليها
…
وليس عليك يا مطر السلام
ومنه في النكرة المقصودة:
484 -
ليت التحية كانت لي فأشكرها
…
مكان يا جمل حييت يا رجل
الرواية المشهورة: يا جمل بالضم؛ ومن النصب:
مكرر 479 ضربت صدرها إلي وقالت
…
يا عدياً لقد وقتك الأواقي
وفي النكرة البيت السابق في رواية نصب جمل؛ ويظهر أثر الخلاف في المقصور نحو: يا فتى، فيجوز في نعته على الأول الرفع والنصب، ويتعين على الثاني النصب.
(فصل): (لا يباشر حرف النداء في السعة ذا الألف واللام) - فلا يقال: يا الغلام إلا في شعر كما سيأتي.
(غير المصدر بهما جملة مسمى بها) - نحو: يا الرجل قائم، لمن هذا اسمه، قال سيبويه: وجاز لأن معناه: يا مقولاً له ذلك، وقاس على ذلك المبرد ما سمي به من موصول ذي آل نحو: يا الذي قام، لمسمى به؛ ونص سيبويه على المنع، وفرق بأنه بمنزلة مفرد فيه ال كالحارث، وإذا أريد نداء هذا، فقيل: تقول: يا حارث، وقيل: يا أيها الحارث، وقيل: يا من هو كالحارث، وهو الصحيح.
(أو اسم جنس مشبه به) - نحو: يا الأسد شدة، ويا الخليفة جوداً؛ أجاز
ذلك محمد بن سعدان؛ ووجهه أنه في تقدير: يا مثل الأسد، ويا مثل الخليفة.
(خلافاً للكوفيين، في إجازة ذلك مطلقاً) - كان مما سبق أو من غيره؛ واحتج الكوفيون بقوله:
485 -
فيا الغلامان اللذان فرا
…
إياكما أن تكسبانا شرا
وقوله:
486 -
عباس يا الملك المتوج والذي
…
عرفت له بيت العلا عدنان
والبصريون جعلوا ذلك ضرورة.
(ويوصف بمصحوبهما الجنسي مرفوعاً، أو بموصول مصدر بهما أو باسم إشارة أي مضمومة متلوة بهاء التنبيه) - فأخرج بالجنسي نحو: الفرزدق والحارث
والصعق، مما ال فيه للمح الصفة أو للغلبة؛ فلا يقال: يا أيها الفرزدق، وكذا الباقي؛ على أن الجرمي أجاز: يا أيها الحارث، وكذا لا يوصف بنحو: الزيدين والزيدين، فلا يقال: يا أيها الزيدان، ولا يا أيها الزيدون، ومثال الجائز: يا أيها الرجل، ومثال الموصول:(يا أيها الذي نزل عليه الذكر)؛ وفي كتاب سيبويه منع: يا أيها الذي رأيت؛ وهو محمول على ما إذا سمي به، وتعليله يرشد إليه، قال: لأنه اسم غالب، كما لا يجوز: يا أيها النضر، وأنت تريد الاسم الغالب. ومثال اسم الإشارة قول طرفة:
487 -
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
…
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟
وقيده المصنف في الشرح بالخلو من الكاف، فلا يجوز: يا أيها ذلك الرجل؛ وأجازه ابن كيسان، قال: وهو أقل من العاري منها، لشبه المتصل بها بالمضاف، حتى قال بعضهم: ياذينك الرجلين بالنصب، وقضية كلام المصنف جواز: يا أيهذا بدون وصف لذا، وصرح هو وابن عصفور بالجواز، وشاهده:
488 -
أيهذان كلا زاديكما
…
ودعاني واغلاً فيمن وغل
وصرح ابن الضائع باشتراط نعت اسم الإشارة؛ وضعف الجرمي والفارسي وغيرهما نعت أي باسم الإشارة.
وإطلاق الوصف على الواقع بعد أي هو مذهب سيبويه، وقال ابن السيد: الظاهر أنه عطف بيان، لعدم اشتقاقه؛ ويرده التزامه، واللزوم يكون في الصفات نحو: الجماء الغفير، وعطف البيان كالبدل، لا يكون لازماً، واتفق على أن هذا غير بدل.
وتقييده بالمرفوع للتنبيه على انه لا يجوز في هذه الصفة ما يجوز في صفة غيرها من المنادى المفرد المعرفة، بل يلزم رفعها، كما سيأتي تقريره؛ وقال: مضمومة، ليعلم أن حق أي الضم كالمنادى المفرد المعرفة؛ ولا يقبح، وإن كانت ها التنبيه عوضاً من الإضافة، إذ لا تتحقق العوضية لولا الإفراد؛ وإنما عوضوا لأن أياً لا تستعمل في غير النداء إلا مضافة، لفظاً أو نية، وكان التعويض بها لما فيها من تأكيد معنى النداء.
وإذا وقع بعدها اسم إشارة فتحت الهاء لزوماً؛ ومع غيره يجوز ضمها أيضاً، وعليه قراءة:(يا أيه الساحر) بضم الهاء؛ وقال الفراء: لغة العرب فتحها، وبعض بني مالك من بني أسد يضمون؛ وقال الكوفيون وابن كيسان: ها متصلة
باسم الإشارة، لفظاً أو تقديراً، فيا أيها الرجل أصله: يا أيهذا الرجل؛ وأجاز ابن كيسان: يا أي الرجل، بدون ها، ومنعه الكوفيون والبصريون، وليس مسموعاً.
(وتؤنث لتأنيث صفتها) - نحو: (يا أيتها النفس المطمئنة)؛ ولا تثنى ولا تجمع، قال تعالى:(أيها الثقلان)، (أيها المؤمنون)؛ وفي البديع أنها تكون بلفظ واحد للاثنين والواحد والجماعة والمؤنث، قال: والاختيار في المؤنثة إثبات التاء.
(وليست موصولة بالمرفوع، خبراً لمبتدأ محذوف، خلافاً للأخفش، في أحد قوليه) - فالمرفوع عنده جزء الصلة، وهو خبر لمبتدأ محذوف؛ ورد بأنه لم يظهر قط، فلا يقال: يا أيها هو الرجل؛ وبأنه لو كانت موصولة لوصلت بالظرف والمجرور والجمل الفعلية كغيرها؛ قال هذا المازني؛ وبأنه لا يبنى في النداء ما يوصل، وإنما ينصب، نحو: يا خيراً من زيد؛ قاله الزجاج.
(ولا جائزاً نصب صفتها) - بل يجب رفعها، وهو قول الجمهور من البصريين؛ لأنها هي المنادى في المعنى، والمرفوع بعد أي صفة أي عند سيبويهح عطف بيان عند ابن السيد؛ خبر مبتدأ محذوف، واي موصولة، وهو أحد قولي الأخفش؛ صفة خبر مبتدأ محذوف، والأصل: يا أي هو هذا الرجل، فجاء بأي يلتمس اسمه، ثم استأنف بقوله: هو هذا الرجل، لبيان أي، وهو قول
الكوفيين؛ نعت لاسم إشارة ملفوظ به أو مقدر، واسم الإشارة تبيين لأيّ، وهو قول ابن كيسان.
(خلافاً للمازني) - لعدم سماع ذلك، والقياس يأباه، لما تقدم؛ على أن ابن الباذش قال: إن النصب مسموع عن بعض العرب؛ وقال الزجاج: لم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبل المازني، ولا تابعه أحد، وهو مطرح، لمخالفته كلام العرب؛ فالكلام فيما يلي أياً، فإن جيء بعد الوصف له رفع، وإن أضيف نحو: يا أيها الرجل ذو الجمة، أو لأي نُصِب مضافاً نحو: ذا الجمة؛ ورفع على اللفظ، ونصب على الموضع إن أفرد، نحو: يا أيها الرجل الطويل، وهو اتفاق.
(ولا يستغنى عن الصفة المذكورة) - فلا يقال: يا أيها، دون وصف بأحد الثلاثة السابقة.
(ولا يتبعها غيرها) - أي لا يتبع غير الثلاثة المذكورة أياً، فلا يقال: يا أيها صاحب الفرس، ولا أخا عمرو؛ لأن هذا مستفاد مما تقدم، ومحله في الوصف الأول، فأما الثاني فلا يمتنع ذلك فيه؛ والصواب أنه أراد: ولا يتبعها غيرها من التوابع؛ فلا يقال: يا أيها الرجل وزيد أقبلا؛ وفي البسيط: لا يجوز العطف، لو قلت: يا أيها الطويل والقصير، لم يجز إلا على تأويل: والقصير أدعوه؛ وكلامه في الشرح على هذا.
(واسم الإشارة، في وصفه بما لا يستغنى عنه كأي) - فإذا قدر اسم الإشارة وصلة لنداء ما فيه ال، وجب رفع النعت، وكونه مصحوباً بال الجنسية، نحو يا ذا الرجل، وأنشد بعضهم في ذلك قوله:
489 -
يا ذا المخوِّفنا بقتل أبيه إذلالاً وحينا
وإن قدرت الاكتفاء باسم الإشارة جاز في الصفة الرفع والنصب، وإجازة النصب بالقياس ولم يسمع؛ وأوجب بعضهم رفع ذي ال بعد اسم الإشارة مطلقاً، وقال: إنما يكتفى باسم الإشارة إذا أتبع بغير ذي ال، وقال: إنه المفهوم من كلام سيبويه.
(وكغيرها في غيره) - قال في الشرح: يساوي اسم الإشارة أياً في وجوب رفع صفته، واقترانها بال الجنسية، ويخالفها بجواز استغنائه عن الوصف، وأن يتبع بغير وصف؛ وهذا هو ما سبقت الإشارة إليه من كلامه: فلا تتبع أي إلا
بوصف، ولا يستغنى عن الوصف، واسم الإشارة يخالفها في الأمرين، هذا كلامه في شرحه.
قال المبرد في المدخل: إن قلت: يا هذا الرجل، فأخرجته مخرج أي، لم يكن إلا رفعاً، وإن أردت أن تقف عليها ثم تنعت، كان الرفع والنصب؛ وقال الخليل: إذا قلت: يا هذا، وأنت تريد أن تقف عليه، ثم تؤكده باسم يكون عطفاً، فإن شئت رفعت، وإن شئت نصبت، نحو: يا هذا زيد؛ وزيداً، كقولك: يا تميم أجمعون، وأجمعين، وكذا يا هذان زيد وعمرو، أو زيداً وعمراً؛ فمعنى قوله: وكغيرها في غيره: وكغير أي من المناديات، في غير ما لا يستغنى عنه من الأوصاف، فيوصف حينئذ بذي ال، ولا يتعين الرفع، كما تقدم، وبالمضاف أيضاً، وفي غيره من التوابع، فيتبع بكل تابع.
(وقيل: ياألله، وياالله) - يعنى بقطع الهمزة ووصلها، وجمع بين يا وال لأنها عوض عن الهمزة، والأصل: إلاه، على وزن فعال؛ ومن القطع:
490 -
مبارك هو ومن سماه
…
على اسمك اللهم ياألله
(والأكثر: اللهم) - أي الأكثر في نداء هذا الاسم الشريف: اللهم، دون ياألله، والميم المشددة زائدة عند البصريين، وهي عوض من حرف النداء؛ وقال
الكوفيون: هي بقية: أمنا بخير؛ ولا يستعمل اللهم في غير النداء؛ قيل: وشذ قوله:
491 -
كحلفة من أبي رياح
…
يسمعها لاهم الكبار
وفيه رواية اخرى: لاهه الكبار.
وشذ أيضاً حذف ال منه، نحو:
492 -
لاهمَّ إن الحارث بن جبله
…
زنى على أبيه ثم قتله
ومذهب الخليل وسيبويه أنه لا يوصف، لكونه مع الميم كالصوت، أي غير متمكن في الاستعمال؛ وقال المبرد والزجاج: يوصف على اللفظ والموضع، وخرجا على ذلك:(اللهم مالك الملك)، (اللهم فاطر السموات)؛ وعلى الأول هو نداء ثان، بدليل أنه لم يسمع في الكلام: اللهم الرحيم ونحوه؛ وأما: (لاهم الكبار)، فقيل فيه: لما كان غير منادى وصف؛ وقيل: رفع على القطع.
(وشذ في الاضطرار: يااللهم) - وهذا قول البصريين؛ إذ فيه عندهم الجمع بين العوض والمعوض، قال:
493 -
إني إذا ما حدث ألما
…
أقول: يااللهم يااللهما
وأجاز ذلك الكوفيون في الكلام، لأن الميم عندهم ليست عوضاً.
(فصل): (لتابع غير أي واسم الإشارة من منادى كمرفوع، إن كان غير مضاف، الرفع والنصب) - فيشمل التابع النعت والأربعة الباقية من التوابع؛ وخرج بقوله: كمرفوع، المنصوب، وهو المنادى المضاف والمطول والنكرة غير
المقصودة؛ وبقي المفرد العلم والنكرة المقصودة؛ فينصب صفة ما عداهما، نحو: يا عبد الله الكريم، ويا خيراً من زيد الكريم، إن كان علماً أو نكرة مقصودة، وإلا وصفته بالنكرة، نحو: يا خيراً من زيد كريماً، كما تقول: يا رجلاً كريماً، لغير مقصود؛ وخرج المضاف من الصفة، وسيأتي حكمه.
فيجوز في تابع هذين، أعني العلم المفرد، والنكرة المفردة المقصودة، الرفع والنصب، إذا كان غير مضاف، وغير ما سيأتي استثناؤه؛ والسماع ورد بالأمرين، نحو:
494 -
ألا يا زيد والضحاك سيرا
…
فقد جاوزتما خمر الطريق
و(يا جبال أوبي معه والطير) بالرفع والنصب، وكذا الباقي، ومنه: يا حكم الوارث عن عبد الملك، ويا عمر الجوادا.
(ما لم يكن بدلاً أو منسوقاً، عارياً من ال، فلهما تابعين، ما لهما مناديين) - فإن كان البدل مفرداً نكرة نصبت ونونت نحو: يا زيد رجلاً صالحاً، أو معرفة نحو: يا زيد بطة، ضممت ولم تنون؛ لأنه على تقدير تكرير حرف النداء النائب مناب العامل؛ ولهذا امتنع البدل بالنكرة المقبل عليها، واسم الإشارة نحو: يا زيد رجل، ويا زيد هذا؛ إذ لا يحذف حرف النداء منهما؛ وامتنع أيضاً: يا زيد الرجل، على البدل؛ إذ لا يدخل يا على مثله.
وإن كان امنسوق نكرة غير مقصودة نصبت ونونت نحو: يا زيد وغلاماً؛ وكذا إن كان مضافاً نحو: وغلام عمرو، وشبه ذلك؛ وإن كان نكرة مقصودة أو علما بنيت على الضم، نحو: يا زيد ورجل، أو يا زيد وعمرو؛ ومنع الأولى الأخفش، وأجازها المبرد.
(خلافاً للمازني والكوفيين، في تجويز: يا زيد وعمراً) - وأجازوا ذلك قياساً على ما فيه ال؛ وغيرهم يوجب الضم بلا تنوين.
وزعم الكسائي ومن أخذ بقوله من الكوفيين، أن الضمة في: يا زيد، ضمة إعراب؛ ولعل صاحب رؤوس المسائل قال لهذا: إن قياس قول الكوفيين جواز: يا زيد وعمرو، بالرفع والتنوين.
(ورفع المنسوق المقرون بال راجح عند الخليل وسيبويه والمازني، ومرجوح عند أبي عمرو ويونس وعيسى والجرمي) - ووجه الأول المشاكلة، وقال سيبويه إنه أكثر ما سمعه من العرب؛ ووجه الثاني أن ما فيه ال لم يل حرف النداء ولا يليه، فلا يكون مثل ما وليه.
(والمبرد في نحو: الحارث، كالخليل، وفي نحو الرجل، كأبي عمرو) - فيرجح في الحارث الرفع، لشبهه بالمجرد، من حيث لم يتأثر بال في التعريف؛ ويرجح في الرجل النصب لتأثره بال، فأشبه المضاف؛ وهكذا نقل عن المبرد ابن السراج في أصوله؛ والذي في المقتضب للمبرد اختيار مذهب أبي عمرو، وهو النصب مطلقاً.
(وإن أضيف تابع المنادى وجب نصبه مطلقاً) - فتقول: يا زيد أخا عمرو، ويا رجل صاحب الغلام، كما تقول: يا غلام زيد صاحب عمرو، ويا طالعاً جبلاً صاحب فرس، ويا رجلاً صاحب ثوب؛ وكل تابع من نعت وغيره كذلك؛ قال سيبويه: قلت له، يعني للخليل: أفرأيت قول العرب كلهم:
495 -
أزيد أخا ورقاء
…
لأي شيء لم يجز فيه الرفع كما جاز في الطويل؟ قال: لأن المنادى إذا
وصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان في موضعه.
(ما لم يكن كالحسن الوجه، فله ما للحسن) - يعني مثله في أن إضافته غير محضة، فيكون له ما للحسن من الرفع والنصب إذا كان المنادى مضموماً نحو: يا زيد الحسن الوجه، ويا زيد الضارب الرجل، إلا أن يتبع أياً، فلا يجوز فيه عند الجمهور إلا الرفع نحو: يا أيها الحسن الوجه، وقال:
496 -
يا صاح يا ذا الضامر العنس
…
والرحل والأقتاب والحلس
فالضامر العنس كالحسن الوجه، فإن قدرت اسم الإشارة مكتفى به رفعت أو نصبت، وإن جعلته كأي فالرفع؛ خلافاً للمازني في تجويز النصب أيضاً.
(ويمنع رفع النعت في نحو: يا زيد صاحبنا، خلافاً لابن الأنباري) - والمراد ما كان إضافته محضة؛ وقد سبق عن سيبويه أن العرب كلهم تنصب: أخا ورقاء؛ وسبق ابن الأنباري إلى ما أجازه من الكوفيين أبو عبد الله الطوال والكسائي والفراء؛ وأجرى الفراء التوكيد بالمضاف مجرى النعت المذكور، فأجاز: يا زيد نفسُه ونفسَه؛ ومذهب سيبويه والجمهور وجوب النصب؛ وقد سبق توجيهه عن الخليل.
(وتابع نعت المنادى محمول على اللفظ) - فتقول: يا زيد الطويل الجسيم، برفع الجسيم نعتاً للطويل؛ وكذا ترفع لو نعته بمضاف نحو: ذو الجمة؛ فلو جئت بالواو في المضاف فقلت: وذو الجمة، فالجمهور على وجوب النصب، عطفته على النعت أو على المنادى؛ وقال المازني: إن عطفت على النعت رفعت كما في الصفة.
(وإن كان مع تابع المنادى ضمير جيء به دالاً على الغيبة باعتبار الأصل، وعلى الحضور باعتبار الحال) - فتقول: يا زيد فنسه، ويا تميم كلهم، بالغيبة الكائنة قبل النداء، كأنك قلت: أدعو زيداً وتميماً؛ وتقول: نفسك وكلكم، بالحضور المتجدد بالنداء، كأنك قلت: أدعوك أو أدعوكم؛ ومنع الأخفش
الخطاب، والحجة عليه قول العرب؛ يا تميم كلكم؛ وقوله فيما جاءت به الرواية، وهو الرفع، على تقدير: كلكم مدعو، بعيد؛ وكذا إجازته النصب على تقدير: كلكم دعوت.
(والثاني في نحو: يا زيد زيد، مضموم أو مرفوع أو منصوب) - فالضم على نداء ثان، والرفع عطف بيان على اللفظ، والنصب عطف بيان على الموضع؛ ويروى في قول رؤبة:
497 -
إني واسطار سطرن سطرا
…
لقائل: يا نصرُ نصرٌ نصْرا
بضم الثاني بلا تنوين، وبضمه وتنوينه، وبنصبه.
وجعل المضموم على نداء ثان، مؤكداً للأول، هو قول سيبويه، وحكاه عن أبي عمرو؛ وأكثر النحويين يجعلونه بدلاً، ورده المصنف بأن حق البدل مغايرة المبدل منه، إذ لا معنى لإبدال الشيء من نفسه، فهو نداء ثان يؤكد الأول.
(والأول في نحو: يا تيمُ تيم عَديّ، مضموم أو منصوب، والثاني منصوب لا غير) - فالضم لأنه منادى مفرد معرفة، وحينئذ يكون الثاني منادى مستأنفا، أو منصوباً بأعني أو عطف بيان أو بدلاً، قال المصنف: أو توكيداً، وفيه نظر. وأما نصبه فعلى نية الإضافة لمثل ما أضيف إليه الثاني، والأصل: يا تيم عدي تيم عدي وهذا قول المبرد، والثاني حينئذ منصوب توكيداً أو عطفاً أو بدلاً أو منادى مستأنفاً، أو على أن يجعل الأول والثاني اسماً واحداً بالتركيب، كما فعل في: لا رجل ظريف، بفتح الصفة والموصوف، والفتحة في الأشهر للبناء، وهما بعد التركيب مضافان إلى عديّ، كقولهم: ما فعلت خمسة عشرك، ومجموع الاسمين في موضع نصب، وهذا قول الأعلم، أو على ان تيم الأول مضاف إلى عديّ المذكور، والثاني مقحم بين المضاف والمضاف إليه، وهو قول سيبويه، ثم قيل: الأصل عنده: يا تيم عدي تيمه، فحذفت الهاء وأقحم تيم، وقيل: الأصل: يا تيم عدي تيم عدي، فحذفت عدي، ثم حصل الإقحام.
ورد الأول بأن العرب لا تقول: يا زيد عمرو زيده، كما لا تقول: زيد قطع الله يد ورجله، ذكره الفراء؛ وهذا إن ثبت يدل على بطلان ذلك التقرير، ويدل على بطلان الإقحام؛ لأنه لولاه لم يمتنع ذلك، إلا أن في منع
ذلك نظراً؛ إذ لا تختص المسألة بالعلم كما مثل، بل يكون في غيره، نحو: يا رجل رجل القوم، ومن أمثلة النحويين: يا رجل رجلنا.
وفي البسيط: الجواز في غير باب النداء، حتى تقول: لا غلام غلام رجل، وفيه نظر، وفيه أيضاً يجوز: يا زيد زيدنا، وفي جواز: يا زيد زيدي نظر، لشدة اتصال الياء، لذا كسر لها ما قبلها، فغير كما غير ضربت لاتصال الفاعل؛ والمثال الذي في الأصل هو من قوله:
498 -
يا تيم تيم عدي لا أبالكم
…
لا يلقينكم في سوءة عمر
وقال آخر:
499 -
يا زيدُ زيدَ اليعملات الذبل
…
تطاول الليل عليك فانزل
(فصل): (حال المضاف إلى الياء، إن أضيف إليه منادى، كحاله إن أضيف إليه غيره) - فإذا قلت: يا غلام غلامي، فحكمه حكم: قام غلام غلامي؛ وقد تقدم في آخر باب الإضافة الكلام فيما يضاف إلى الياء، ولا فرق بين أن يضاف إليه شيء أو لا؛ وقال هناك، وقد ذكر حذف الياء وقلبها ألفاً والاستغناء عنها بالفتحة في النداء؛ وربما وردت الثلاثة دون نداء، وقال هنا: إن قلب الياء ألفاً وحذفها شذوذ؛ وقد سبق تمثيل ذلك كله.
(إلا الأم والعم المضاف إليهما ابن، فاستعمالهما غالباً بفتح الميم أو كسرها دون ياء) - وحكم ابنة وبنت كحكم ابن؛ واحترز بغالباً من بقية اللغات، وستأتي؛ والفتح والكسر لغتان فصيحتان، وقرئ بهما في السبعة في:"يابن أم"، فالفتح على جعل الاسمين واحداً بالتركيب كبعلبك، وهو قول سيبويه.
وقيل: لأن الأصل: أما بفتح ما قبل الياء، فقلبت ألفا وحذفت؛ وقال ابن الضائع: الاجتزاء بالألف عن الفتحة ضعيف؛ وأما الكسر فعلى حذف الياء، والاجتزاء بالكسرة عنهما؛ وهو ظاهر كلام الزجاجي، وعليه جرى المصنف، والأصل: يابن أمي بلا تركيب، فحذفت الياء؛ وكلام المغاربة على أنه مركب، فهو كأحد عشر مضاف إلى الياء.
(وربما ثبتت) - أي ياء المتكلم؛ قال:
500 -
يابن أمي ويا شقيق نفسي
…
أنت خليتني لدهر شديد
وتسكن وتحرك.
(أو قلبت ألفاً) - نحو:
501 -
يابنة عما لا تلومي واهجعي
(وتاء يا أبت عوض من ياء المتكلم) - وكذا التاء في: يا أمت، ولذا لم يجتمعا إلا في ضرورة، نحو:
502 -
أيا أبتي لا زلت فينا فإنما
…
لنا أمل في العيش ما دمت عائشا
وكون اجتماعهما مخصوصاً بالضرورة هو قول البصريين، وأجاز ذلك في الكلام كثير من الكوفيين.
(وكسرها أكثر من فتحها) - وقرئ بهما في السبعة، إلا أن أكثرهم على الكسر؛ وقال سيبويه: وزعم- يعني الخليل- أنه سمع من العرب من يقول: يا أمة لا تفعلي، بالضم؛ وذكر سيبويه: يا أبت أيضاً بالضم؛ وعلى إجازة ذلك الفراء والنحاس، ومنعه الزجاج.
(وجعلهما هاء في الخط والوقف جائز) - ولم تكتب في المصحف إلا بالتاء، وكتبها هاء دون ذلك، وبالتاء وقف عليها في السبعة، وبعضهم بالهاء، وكلاهما صحيح فصيح؛ وقول المغاربة: إن الوقف بالهاء للبصريين، وبالتاء للفراء ضعيف؛ ووقف أبو عمرو بالتاء، وهو من رؤوس البصريين.
(فصل): (يقال للمنادى غير المصرح باسمه في التذكير: ياهن وياهنان وياهنون) - وسبق في العلم أن هناً كناية عن اسم جنس غير علَم؛ وقال ابن عصفور: هو كناية عن نكرة من يعقل، وقد يكنى به عن معرفة من يعقل. وأصل هن: هنو لقولهم: هنوات، فحذفت لامه.
(وفي التأنيث: ياهنت وياهنتان وياهنات) - وهنت بسكون النون
وفتحها، كما سبق في العلم؛ وتاؤه للإلحاق والتأنيث، كهي في أخت وبنت؛ وسبق في العلم ايضاً أنه في الكناية كهن.
(وقد يلي أواخرهن ما يلي آخر المندوب) - وهو الألف وهاء السكت، فتقول: ياهناه وياهنانيه وياهنوناه وياهنتاه وياهنتانيه وياهناتوه. نقل أبو علي القالي في الأمالي عن ابي حاتم أن العرب تقول ذلك.
(ومنه: ياهناه بالكسر والضم) - فالكسر لالتقاء الساكنين، والضم تشبيها بها الضمير؛ وبالضم روي قوله:
503 -
وقد رابني قولها: ياهنا
…
هـ ويحك ألحقت شراً بشر
(وليست الهاء بدلاً من اللام، خلافاً لأكثر البصريين) - والأصل على هذا القول: هناو، فالمادة: هـ ن و، فتعاور على اللام الهاء والواو؛ وإنما قالوا ذلك لأن معنى ياهن وياهناه واحد، وليس الهاء للسكت، كما زعم القائل الأول، لثبوتها وصلاً؛ ورد هذا القول بأنها جاءت مكسورة؛ ولو كان الأمر كما زعموا لوجب الضم؛ وهاء السكت ثبت فيها الضم والكسر في الوصل بلا خلاف؛ وقال الفراء: يقال: يا حسرتاه، بكسر الهاء وضمها، والكسر أكثر؛ وأما ثبوتها وصلاً فقد جاء ذلك كما تقدم، وفي القرآن، قال تعالى:(ماليه. هلك عني سلطانيه)، أثبتها في الوصل من السبعة غير حمزة؛ وهذا القول الذي اختاره المصنف هو قول الفراء، واختاره ابن عصفور أيضاً، ونسب للأكثرين.