الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]
قال المصنف رحمه الله: (القسم الثاني: ماء طاهر غير مطهر. وهو: ما خالطه طاهر فغيّر اسمه، أو غلب على أجزائه، أو طبخ فيه. فإن غيّر أحد أوصافه: لونه أو طعمه أو ريحه، أو استعمل في رفع حدث، أو طهارة مشروعة كالتجديد وغسل الجمعة، أو غَمَس فيه يدَه قائمٌ من نوم الليل قبل غسلها ثلاثًا فهل يسلب طهوريته؟ على روايتين).
أما كون القسم الثاني من أقسام المياه ماء طاهرًا غير مطهر فلما تقدم في كون المياه ثلاثة أقسام.
وأما كونه هو ما خالطه طاهر
…
إلى آخره فلما يأتي ذكره في مواضعه. وهو على ضربين:
أحدهما: متفق على طهارته وعدم تطهيره. وهو أنواع:
أحدها: ماء خالطه طاهر فغيّر اسمه. مثل: إن جعله صبغًا أو خبزًا فهذا طاهر غير مطهر؛ لأنه زال عنه اسم الماء أشبه الخل.
وثانيها: ماء خالطه طاهر فغلب على أجزائه. فهذا أيضًا طاهر غير مطهر؛ لأن المخالط إذا غلب يجب أن يكون الحكم له، والمخالط طاهر غير مطهر فوجب كون الماء مثله.
ولأن المخالط إذا غلب على أجزاء الماء زال معه الماء لأنه حينئذ لا يُطلب منه الإرواء. وإذا كان كذلك فقد سلب الماء خاصيته التي خلق لها فوجب سلب الطهورية عنه.
وثالثها: ماء طبخ فيه طاهر. مثل: الباقلاء والحمص ونحو ذلك. فهذا طاهر غير مطهر؛ لأنه صار طبيخًا وزال عنه مقصود الماء من الإرواء. أشبه ما لو صار خبزًا.
فإن قيل: الطبخ إن اعتبر فيه تغيّر الاسم أو غلبة الأجزاء كان كالنوعين قبله. فلا حاجة إلى ذكره، وإن لم يعتبر فيه ذلك (1) دخل فيه ما لو سلق في ماء بيض فإنه يسمى طبيخًا؛ بدليل ما لو حلف ليطبخن قدرًا بكيلجة ملح ولا يجد طعمه. فإنهم قالوا: يسلق فيها بيضًا. وطبيخ ما ذكر لا يسلب طهورية (2) الماء.
قيل: المراد الطبخ المعتاد. وما ذكر نادر فلا يحمل الكلام عليه. على أن قوله طبخ فيه لا عموم له.
الضرب الثاني: مختلف فيه. وهو أنواع:
أحدها: ماء خالطه طاهر فغير أحد أوصافه المذكورة. وفيه روايتان: إحداهما أنه طاهر غير مطهر؛ لأنه غيّر صفته. أشبه ماء الباقلاء المغلي.
والرواية الثانية: أنه طاهر مطهر؛ لقول الله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة: 6]. وهذا ماء فلا يجوز التيمم معه.
ومثله «قوله عليه السلام لأبي ذر: التراب كافيك ما لم تجد الماء» (3).
ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كانوا يسافرون وغالب أسقيتهم الأدم والظاهر تغيّر الماء فيها.
ولأنه طهور خالطه طاهر لم يسلبه اسم الماء ولا رقته ولا جريانه أشبه المتغير بالدهن.
والأولى أصح؛ لما تقدم.
ولأن الماء له صفتان الطهورية والطهارية. والمخالف له على نوعين مخالف في صفته وهو النجاسة فإذا تغير به سلبه الصفتين جميعًا.
والثاني: مخالف له في إحدى صفتيه فإذا تغير به وجب أن يسلبه ما خالفه فيه.
والآية والخبر مطلقان والمطلق من الأسماء ينصرف إلى المطلق من المسميات. والماء المطلق هو غير المضاف إلى قيد مخصص به. وهذا ماء يصح أن يقيد. فيقال: ماء زعفران ونحوه. ثم هما مخصوصان بماء الباقلاء المغلي فيخصصان بما ذكر قياسًا عليه.
(1) في ج التغيير.
(2)
في ب: طعمه.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 179 كتاب الطهارة، باب فرض الغسل.
والمخالط إن لم يسلبه اسم الماء فقد سلبه الإطلاق.
والقياس على المتغير بالدهن لا يصح لأنه تغير عن مجاورة بخلاف ما ذكر فإنه متغير عن مخالطة.
وثانيها: ماء استعمل في رفع حدث. وفيه أيضًا روايتان:
إحداهما: أنه طاهر غير مطهر: أما كونه طاهرًا فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم صب على جابر من وَضوئه» (1).
وأما كونه غير مطهر؛ فلأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران.
والثانية: أنه طهور؛ لأنه ماء طاهر لاقى أعضاءً طاهرة أشبه ما لو تبرد به.
والأولى أصح في المذهب؛ لما تقدم.
ولأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يسافرون وتضيق بهم المياه فكانوا يستعملون ما معهم من الماء استعمال إتلاف وإراقة. ولو جاز استعماله ثانيا لامتنعوا من إراقته واستعملوه ثانيًا. ولم ينقل عن أحد منهم حفظ الماء المستعمل وادخاره للوضوء.
وثالثها: ماء استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة وما أشبههما.
وفيه أيضًا روايتان:
إحداهما: أنه طهور؛ لأنه ماء ما استعمل في نجاسة ولا أزيل به مانع من الصلاة فوجب بقاؤه على ما كان عليه.
والثانية: أنه غير مطهر؛ لأنه استعمل في طهارة مشروعة أشبه المستعمل في رفع الحدث.
ورابعها: ماء غَمَس فيه يده قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثًا.
وفيه أيضًا روايتان مبنيتان على وجوب غسل يد القائم من نوم الليل، وفيه روايتان:
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5327) 5: 2139 كتاب المرضى، باب عيادة المغمى عليه.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1617) 3: 1236 كتاب الفرائض، باب ميراث الكلالة.
إحداهما: يجب؛ لقوله عليه السلام: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء. فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» (1).
وفي لفظ: «فلا يغمس يده في وَضوئه حتى يغسلها ثلاثًا» (2). رواه مسلم.
أمر والأمر للوجوب، ونهى والنهي للتحريم.
والثانية: لا يجب غسل يده؛ لقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]. ولم يذكر غسل اليدين.
والحديث محمول على الاستحباب بدليل أنه علل بوهم النجاسة.
قال: (وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيرًا أو قبل زوالها فهو نجس، وإن انفصل غير متغير بعد زوالها فهو طاهر إن كان المحل أرضًا. وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين. وهل يكون طهورًا؟ على وجهين).
أما كون الماء المزال به النجاسة نجسًا إذا انفصل متغيرًا؛ فلأن التغيير بالنجاسة يوجب التنجيس؛ لقوله عليه السلام: «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه وطعمه وريحه» (3). والواو هنا بمعنى أو كقوله تعالى: {من كان عدوًا لله وملائكته
…
الآية} [البقرة: 98].
وأما كونه نجسًا إذا انفصل قبل الحكم بزوال النجاسة مثل أن ينفصل في السادسة من ولوغ الكلب ونحو ذلك؛ فلأنه ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسًا كما لو وردت عليه.
وأما كونه طاهرًا إذا انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة إن كان المحل أرضًا فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يُصب على بول الأعرابي ذنوبًا من ماء» (4) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (160) 1: 72 كتاب الوضوء، باب الاستجمار وترًا.
وأخرجه مسلم في صحيحه (278) 1: 233 كتاب الطهارة، باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثًا. كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم في الموضع السابق.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (521) 1: 174 كتاب الطهارة باب الحياض. عن أبي أمامة.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (219) 1: 89 كتاب الوضوء، باب يهريق الماء عل البول.
وأخرجه مسلم في صحيحه (284) 1: 236 كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد
…
ولولا أنه يطهُرُ لكان تكثيرًا للنجاسة.
وأما كونه طاهرًا إذا انفصل غير متغير بعد زوالها إن كان المحل غير أرض. مثل أن ينفصل في السابعة من ولوغ الكلب في قصعة أو نحوها في أصح الوجهين فبالقياس على المنفصل عن الأرض.
ولأن البلل الباقي بعضُ المنفصل وهو طاهر فكان حكمُه حكمَه.
وأما كونه نجسًا في وجهٍ؛ فلأنه ماء يسير لاقى نجاسة فوجب أن ينجس كما لو وردت عليه.
وأما كونه طهورًا على وجهين فأصلهما المستعْمَل في رفع الحدث. وقد مضى توجيههما (1).
قال: (وإن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور. ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب).
أما كون الماء الذي خلت به امرأة طهورًا؛ فلأنه كان طهورًا ولم يوجد ما يسلبه ذلك فوجب بقاؤه على ما كان عليه.
وأما كون الرجل لا يجوز له الطهارة به في ظاهر المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» (2) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن.
وأما كونه يجوز في روايةٍ فلما روى مسلم «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بفضل ميمونة» (3).
(1) ر ص: 101.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (82) 1: 21 كتاب الطهارة، باب النهي عن ذلك.
وأخرجه الترمذي في جامعه (64) 1: 93 أبواب الطهارة، باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة.
وأخرجه النسائي في سننه (343) 1: 179 كتاب المياه، باب النهي عن فضل وضوء المرأة.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (373) 1: 132 كتاب الطهارة، باب النهي عن ذلك.
وأخرجه أحمد في مسنده (17898) 4: 213.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (323) 1: 257 كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل الرجل والمرأة في إناء.
ولأنه ماء طهور جاز للمرأة الطهارة به فجاز للرجل. أشبه فضل الرجل.
إذا علم مأخذ الروايتين فالواجب حمل النهي على إذا ما خلت المرأة بالماء، وحمل اغتساله صلى الله عليه وسلم من فضلة ميمونة على أنه شاهدها أو اغتسلا جميعًا جمعًا بين الأحاديث.
فإن قيل: ما معنى الخلوة؟
قيل: فيها أوجه:
أحدها: أن لا يشاهدها رجل. قاله القاضي.
وثانيها: هي ما تكون خالية به في النكاح. قاله الشريف.
وثالثها: هي أن لا يشاركها في الوضوء أحد.
فإن قيل: فما فائدة تخصيص الرجل بالذكر.
قيل: اختصاصه بالحكم المذكور فيجوز إذن للمرأة الطهارة لأن تخصيص الرجل بالنهي يدل على جوازه للمرأة وهو تعبد لا يعقل معناه حتى يتعدى. فيجب قصره على مَوْرِد النصّ.
وقيل: لا يجوز للمرأة أيضًا بالقياس عليه.