الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب النية
النية: العزم والقصد. يقال: نوى فلان كذا إذا قصده وعزم عليه. ومحل النية القلب. والتلفظ ليس بشرط؛ لأن الغرض جعل العبادة لله وذلك حاصل بالنية. لكن يستحب أن يَتلفظ بما نواه؛ لأن فيه تأكيد النية. فلو نوى صلاة وسبق لسانه إلى غيرها لم يضر؛ لأن الشرط النية وهي حاصلة.
قال المصنف رحمه الله: (وهي الشرط السادس للصلاة على كل حال).
أما كون النية الشرط السادس؛ فلأنه يلي الخامس.
وأما كونها شرطاً لصحة الصلاة؛ فلأن الله تعالى قال: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى» (1).
ولأن الصلاة قربة محضة فاشترطت لها النية كالصوم.
وأما قول المصنف رحمه الله: على كل حال؛ فمعناه والله أعلم أنها شرط مع العلم والجهل والذكر والنسيان وغير ذلك. ووجهه عموم ما تقدم.
ولأن مسلوب القصد في أي حالٍ كان شبيه بالمجنون فلم تصح عبادته بالقياس عليه.
قال: (ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة وإلا أجزأته نية الصلاة).
أما كون المصلي يجب عليه أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة كالظهر والعصر والوتر والضحى وما أشبه ذلك؛ فلأنها لا تُمَيَّز عن غيرها إلا بذلك.
وأما كونه يجزئه نية الصلاة في غير المعينة كالنافلة المطلقة؛ فلأنه إذا نوى الصلاة دخل في نيته مطلق الصلاة. ضرورة أن المطلق لا بد من وجوده في مسمى الصلاة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1) 1: 3 باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنية» .
قال: (وهل تشترط نية القضاء في الفائتة ونية الفرضية في الفرض؟ على وجهين).
أما كون نية القضاء في الفائتة تشترط على وجهٍ فلتتميز.
وأما كونها لا تشترط على وجهٍ؛ فلأنه لو تحرى في الوقت فصلى فبان بعد الوقت أجزأته صلاته وفاقاً. وهو قضاء لم ينوه.
وأما كون نية الفرضية في الفرض يشترط على وجهٍ وهو قول ابن حامد؛ فلأن الظهر مثلاً قد لا يكون فرضاً كظهر الصبي ومن أعاد الجماعة.
وأما كونها لا تشترط على وجهٍ؛ فلأن ظُهْر هذا لا يكون إلا فرضاً.
قال: (ويأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام. فإن تقدمت قبل ذلك بالزمن اليسير جاز).
أما كون المصلي يأتي بالنية عند تكبيرة الإحرام؛ فلأنها أول الصلاة. ومحل النية من كل عبادة أولها فكذا الصلاة.
وأما كون تقديمها قبل ذلك بالزمن اليسير يجوز؛ فلأنها عبادة يشترط لها النية فجاز تقديمها عليها كالصوم.
ولأن اشتراط المقارنة يشق وذلك منفي شرعاً.
قال: (ويجب أن يستصحب حكمها إلى آخر الصلاة. فإن قطعها في أثنائها بطلت الصلاة. وإن تردد في قطعها فعلى وجهين).
أما كون المصلي يجب عليه أن يستصحب حكم النية إلى آخر الصلاة؛ فلأن مقتضى الدليل وجوب النية في كلها. لكن لما شق ذلك وجب الاستصحاب. ضرورة أنه لو لم يستصحب النية لم تكن بقية الصلاة صحيحة لأنها غير منوية قصداً ولا حكماً.
ولأن كل عبادة يشترط لها النية يشترط استصحابها. دليله الصوم.
والمراد بالاستصحاب أنه إذا نوى العبادة لا ينوي قطعها بعد ذلك.
وأما كونه إذا قطع نية الصلاة في أثنائها تبطل؛ فلأن الاستصحاب شرط لما تقدم وقد فات فيلزم بطلان الصلاة. ضرورة فوات الشيء لفوات شرطه.
ولأنه قطع نية الصلاة قبل إتمامها أشبه ما لو سلم ونوى به الخروج منها.
وأما كونه إذا تردد في قطعها تبطل صلاته على وجهٍ؛ فلأن التردد ينافي الجزم المشترط. دليله المسلم إذا شك في الإسلام.
وأما كونها لا تبطل على وجهٍ؛ فلأنه لم يوجد قطع ولا تغيير.
قال: (وإن أحرم بفرض فبان قبل وقته انقلب نفلاً. وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلاً جاز. ويحتمل أن لا يجوز إلا لعذر مثل أن يحرم منفرداً فيريد الصلاة في جماعة).
أما كون من أحرم بفرض فبان قبل وقته انقلب نفلاً؛ فلأنه تعجيلٌ لعبادةٍ بدنية قبل وجوبها ووجود سببها وتحقق شرطها فلغت نية الفرضية. وصار كما لو صام شعبان معتقداً أنه رمضان بنية الفرض.
وأما كون من أحرم به في وقته ثم قلبه نفلاً يجوز على المذهب؛ فلأن نية النفل تضمنتها نية الفرضية.
وأما كونه يحتمل أن لا يجوز مع عدم العذر؛ فلأنه ما نوى ذلك عند الإحرام، ولا تضمن انتقاله مصلحة فيكون فعله عبثاً وذلك منهي عنه.
وأما كونه يجوز مع العذر المذكور؛ فلأنه ينتقل إلى أفضل من حاله وذلك مطلوب في نظر الشرع.
قال: (وإن انتقل من فرض إلى فرض بطلت الصلاتان).
أما كون الأولى تبطل؛ فلأنه قطع نيتها وأعرض عنها، واستدامة النية شرط لما تقدم.
وأما كون الثانية لا تصح؛ فلأن ابتداء النية وتعيينها لا بد منها ولم يوجد ذلك عند الإحرام.
وفي قول المصنف رحمه الله: بطلت الصلاتان؛ نظر، فإن الثانية لا توصف بالبطلان لكن توصف بعدم الصحة.
قال: (ومن شرط الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما. فإن أحرم منفرداً ثم نوى الائتمام لم يصح في أصح الروايتين. وإن نوى الإمامة صح في النفل ولم يصح في الفرض، ويحتمل أن يصح وهو أصح عندي).
أما كون الجماعة من شرطها أن ينوي الإمام والمأموم حالهما؛ فلأن الجماعة إنما انعقدت بالنية فيعتبر وجودها منهما. فلو نوى كل واحد الإمامة أو المأمومية لم يصح لعدم المأموم في الأولى والإمام في الثانية.
وأما كون من أحرم منفرداً ثم نوى الائتمام لا يصح على روايةٍ؛ فلأنه لم ينو الائتمام في ابتداء الصلاة وذلك شرط.
وأما كونه يصح على روايةٍ؛ فلأنه يجوز أن يجعل نفسه إماماً لما يأتي فجاز أن يجعلها مأموماً بالقياس عليه.
وأما كونه إذا نوى الإمامة في النفل يصح؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي في التهجد فجاء ابن عباس فأحرم معه وصلى به النبي صلى الله عليه وسلم» (1) متفق عليه.
وأما كونه إذا نواها في الفرض لا يصح على المذهب؛ فلأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة. أشبه ما لو أحرم في يوم الجمعة بعد الخطبة وكمال العدد ثم انفضوا فأحرم بالظهر ثم تكامل العدد وهو في الصلاة فنوى الجمعة.
وأما كونه يحتمل أن يصح؛ فلأن الفرض في معنى النفل.
وأما كون ذلك أصح عند المصنف رحمه الله؛ فلأنه قد ثبت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أن ابتداء النية للإمامة ليست شرطاً في النفل وذلك مقتضٍ لعدم اشتراطها في الفرض؛ لأن الأصل أن ما ثبت في النفل يثبت في الفرض ما لم يقم دليل على تخصيصه، ولم يقم.
قال: (فإن أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد لعذر جاز. وإن كان لغير عذر لم يجز في إحدى الروايتين).
أما كون من أحرم مأموماً ثم نوى الانفراد في أثناء صلاته لعذر يجوز فـ «لأن معاذاً رضي الله عنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يأتي قومه فيصلي بهم. فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة فصلى معه. ثم انصرف إلى قومه فصلى بهم. فافتتح سورة البقرة. ففارقه رجل فأتم صلاته. فقالوا له: نافقت! فقال: ما
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (181) 1: 78 كتاب الوضوء، باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره.
وأخرجه مسلم في صحيحه (763) 1: 525 كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
نافقت. ولكن لآتِيَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُخْبِره. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وذكر ذلك له. فقال صلى الله عليه وسلم: أفتان أنت يا معاذ مرتين
…
مختصر» (1) متفق عليه.
ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
وفي بعض ألفاظه: «يا رسول الله! إنا أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا» (2). إشارة إلى التعب والنصب.
والعذر المجوز هنا ما يجوز به ترك الجماعة. وكعذر من يلحقه مشقة من كبر أو ضعف أو تعب أو [فوات رفقة و](3) نحو ذلك.
وأما كونه إذا نوى ذلك لغير عذر لا يجوز في روايةٍ؛ فلقوله عليه السلام: «لا تختلفوا على أئمتكم» (4).
ولأنه ترك متابعة إمامه وانتقل من الأعلى إلى الأدنى لغير عذر. أشبه ما لو نقلها إلى النفل أو ترك المتابعة من غير نية الانفراد.
وأما كونه يجوز في روايةٍ؛ فبالقياس على المنفرد.
قال: (وإن نوى الإمامة لاستخلاف الإمام له إذا سبقه الحدث صح في ظاهر المذهب).
أما كون ما ذكر يصح في ظاهر المذهب؛ فـ «لأن عمر رضي الله عنه لما طُعِن أخذ بيد عبدالرحمن بن عوف فقدمه واستخلفه فما عاب ذلك عائب» (5). وكان ذلك بمحضر من الصحابة وغيرهم فيكون ذلك إجماعاً.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (673) 1: 249 كتاب الجماعة والإمامة، باب من شكا إمامه إذا طول.
وأخرجه مسلم في صحيحه (465) 1: 339 كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء.
(2)
أخرجه مسلم في الموضع السابق.
(3)
زيادة من ج.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (689) 1: 253 كتاب الجماعة والإمامة، باب إقامة الصف من تمام الصلاة. ولفظه: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه
…
».
وأخرجه مسلم في صحيحه (414) 1: 309 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام. مثل لفظ البخاري.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (3497) 3: 1353 كتاب المناقب، فضائل الصحابة، باب قصة البيع والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه. من حديث عمرو بن ميمون. وفيه قصة مقتل عمر رضي الله عنه.
وأما كونه لا يصح على روايةٍ - وقول المصنف رحمه الله: في ظاهر المذهب مشعر به؛ لأنه مشعر بالخلاف وخرج به في المغني ونقله عن الإمام أحمد رحمة الله عليه -؛ فلأن شرط صحة الصلاة فُقد في أثنائها فوجب بطلانها كما لو تعمد الحدث.
والأول هو المذهب؛ لما تقدم.
قال: (وإن سبق اثنان ببعض الصلاة فائتم أحدهما بصاحبه في قضاء ما فاتهما فعلى وجهين. وإن كان لغير عذر لم يصح).
أما كون فعل ما ذكر لعذر يصح على وجهٍ؛ فلأن المأموم منتقل إلى مثل حاله، والإمام منتقل من كونه مأموماً لتكميل الصلاة في جماعة وذلك أفضل من الانفراد في حقهما.
وأما كونه لا يصح على وجهٍ؛ فلأن كل واحد منهما يثبت له حكم الانفراد بسلام إمامه فصار كالمنفرد ابتداء.
وأما كونه لغير عذر لا يصح؛ فلأن مقتضى الدليل أن لا يصح مطلقاً لإحداثه في أثناء صلاته ما لم يكن في أولها. تُرك العمل به في موضع العذر على وجهٍ لمكان العذر فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.
قال: (وإن أحرم إماماً لغيبة إمام الحي. ثم حضر في أثناء الصلاة. فأحرم بهم وبنى على صلاة خليفته وصار الإمام مأموماً، فهل يصح؟ على وجهين).
أما كون ما ذكر يصح على وجهٍ؛ فلما روى سهل بن سعد قال: «ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم. فحانت الصلاة. فصلى أبو بكر. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة. فخلص حتى وقف في الصف وتقدم [النبي صلى الله عليه وسلم] (1) فصلى ثم انصرف» (2) متفق عليه.
وأما كونه لا يصح على وجهٍ؛ فلأنه لا حاجة إلى ذلك. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون خاصاً به؛ لأن أحداً لا يساويه.
(1) زيادة من ج.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (652) 1: 242 كتاب الجماعة والإمامة، باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الآخر أو لم يتأخر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (421) 1: 316 كتاب الصلاة، باب تقديم الجاعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم.