الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة الفطر
قال المصنف رحمه الله: (وهي واجبة على كل مسلم تلزمه مؤونة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع، وإن كان مكاتباً، وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين).
أما كون زكاة الفطر واجبة في الجملة فالأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب فقوله تعالى: {قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى} [الأعلى: 14 - 15] وعموم قوله: {وآتوا الزكاة} [البقرة: 43].
وأما السنة فما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» (1) متفق عليه.
وأما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض.
وأما كونها واجبة على كل مسلم إلى آخره فلأنه داخل فيما تقدم، وتقييد كونها واجبة بما ذكر مشعر بأنه يشترط لوجوبها شروط:
أحدها: الإسلام لأن من شرطها النية ولا تصح من كافر.
ولأنها زكاة فكان من شرطها ذلك كزكاة المال.
الثاني: أن يكون ممن تلزمه مؤونة نفسه لأن قوله عليه السلام: «أدوا الفطرة عمن تمونون» (2) يدل على عدم وجوب الفطرة على من لا يمون نفسه لأنه خاطب بالوجوب غيره، ولو وجبت عليه لخاطبه به كسائر من تجب عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1432) 2: 547 أبواب صدقة الفطر، باب فرض صدقة الفطر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (984) 2: 667 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير.
(2)
لم أقف عليه هكذا، وقد أخرج الدارقطني في سننه عن ابن عمر قال:«أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد، ممن تمونون» (12) 2: 141 كتاب زكاة الفطر. قال الدارقطني: رفعه القاسم وليس بقوي، والصواب موقوف.
فإن قيل: الكلام في لزوم الفطرة لا في نفسها؟
قيل: المراد بالحديث لزوم المؤونة لما يأتي إن شاء الله تعالى.
الثالث: أن يفضل عنده عن قوته [وقوت](1) عياله يوم العيد وليلته صاع لأن قوته وقوت عياله أهم فيجب تقديمه لقوله صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك» (2) رواه مسلم.
وفي لفظ: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» (3).
وأما قول المصنف رحمه الله: على كل مسلم؛ فيعم الغني والفقير القادر على الصاع بعد ما ذكر، وهو صحيح؛ لعموم حديث ابن عمر:«على كل صغير وكبير حر وعبد» (4).
ولما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر» (5) رواه أبو داود.
وأما قوله رحمه الله: وإن كان مكاتباً فمعناه أن المكاتب تجب عليه زكاة الفطر إذا اجتمع فيه ما ذكر لدخوله في الخبر.
ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته فطرته كالحر.
وأما كون من فضل عنده بعض صاع يلزمه إخراجه على روايةٍ فلأن الفطرة طهرة فوجب منها ما قدر عليه كالطهارة بالماء.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (997) 2: 692 كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة.
وأخرجه النسائي في سننه (4652) 7: 304 كتاب البيوع، بيع المدبر.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (5041) 5: 2048 كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، ولفظه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الصدقة ما كان على ظهر غنى، وابدأ بمن تعول» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (1042) 2: 721 كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس. ولفظه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «
…
فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى وابدأ بمن تعول».
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (1619) 2: 114 كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من قمح.
ولأن البعض من الصاع يخرج عن العبد المشترك فجاز أن يخرج عن الحر كالصاع.
وأما كونه لا يلزمه ذلك على روايةٍ فلأن الفطرة طهرة فلا تجب على من لا يملك جميعها كالكفارة.
قال ابن عقيل: هذا هو الصحيح.
قال: (ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالأقرب فالأقرب في الميراث).
أما كون من يمون (1) أحداً من المسلمين يلزمه فطرته فلأن في بعض روايات ابن عمر «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن (2) تمونون» (3).
وفي تقييد المصنف رحمه الله لزوم الفطرة بكون المخرج عنه من المسلمين مشعر بأنه لا يلزمه فطرة من يمونه من الكفار وهو صحيح لأن الفطرة طهرة للمفعول عنه والكافر لا يقبل الطهرة لأنه لا يطهره إلا الإسلام.
وأما كونه يبدأ بنفسه إذا لم يجد ما يؤدي عن جميع من يلزمه مؤنته فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك» (4).
ولأن الفطرة تبنى على النفقة، ونفقة نفسه مقدمة على كل أحد فكذلك فطرته.
وأما كونه يبدأ بعد نفسه بفطرة امرأته فلأن نفقتها آكد لأنها تجب مع اليسار والإعسار وتجب على سبيل المعاوضة.
وأما كونه يبدأ بعد امرأته بفطرة رقيقه فلأن نفقته تجب أيضاً مع اليسار والإعسار بخلاف الأقارب.
فإن قيل: فلم قدمت فطرة المرأة عليه؟
قيل: لأن نفقتها آكد لأنها معاوضة.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (12) 2: 141 كتاب زكاة الفطر.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كونه (1) يبدأ بعد رقيقه بفطرة ولده فلأن نفقة الولد الصغير متفق عليها بخلاف الوالد.
وأما كونه يبدأ بأمه بعده فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدمها في البر حين سأله الأعرابي من أبر؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. وقال في الثالثة أو الرابعة ثم أباك» (2).
ولأنها ضعيفة عن الكسب والعمل.
وأما كونه يبدأ بأبيه بعد ذلك فلما ذكر من الحديث.
وأما كونه يبدأ بالأقرب فالأقرب في الميراث فلأن الأقرب أولى من غيره كالميراث.
قال: (ويستحب أن يخرج عن الجنين ولا يجب).
أما كون الجنين يستحب أن يخرج عنه فـ «لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين» (3).
ولأنه يشبه من تجب عليه الفطرة في الآدمية والميراث والوصية له وبه.
وأما كون ذلك لا يجب فلأن الفطرة لو تعلقت بالجنين قبل ظهوره لتعلقت الزكاة بأجنة البهائم قبل ظهورها وليس كذلك.
وذكر أبو الخطاب رواية أنها واجبة لما ذكرنا من الشبه في الميراث والوصية.
قال المصنف في المغني: والأول أصح.
قال: (ومن تكفل بمؤونة شخص في شهر رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب. والمنصوص أنها تلزمه).
أما كون من تكفل بمؤونة شخص في شهر رمضان، ومعناه: أنه مانه على وجه التبرع شهر رمضان كله لا تلزمه فطرته عند أبي الخطاب؛ فلأن الفطرة تتبع النفقة ونفقة من ذكر غير واجبة فكذلك فطرته.
(1) في ب كونها.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (5626) 5: 2227 كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (2548) 4: 1974 كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10737) 2: 432 كتاب الزكاة، في صدقة الفطر عما في البطن.
وأما كونها تلزمه على منصوص الإمام أحمد رحمه الله عليه؛ فلعموم قوله: «ممن تمونون» (1).
ولأنه شخص منفق عليه فتجب عليه فطرته كالعبد.
والمعتبر مؤونة جميع الشهر.
وقال ابن عقيل: قياس المذهب أنها على من مانه قبل غروب الشمس بليلة.
فإن مانه جماعة فقال المصنف رحمه الله في المغني: لا أعلم فيها قولاً للأصحاب، ويحتمل أن لا يجب شيء؛ لأن السبب مؤونة الشهر ولم يوجد، واحتمل أن يجب بالحصص كالعبد المشترك.
وقول أبي الخطاب أصح عند المصنف رحمه الله. ذكره في المغني لأن الحديث المذكور محمول على من تلزمه مؤونته لا على حقيقة المؤونة بدليل وجوبها على الآبق والمملوك عند الغروب ولم يمنهما وسقوطها عمن مات أو عتق قبل الغروب وقد مانهما (2).
قال: (وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع. وعنه: على كل واحد صاع، وكذلك الحكم فيمن بعضه حر).
أما كون العبد إذا كان بين شركاء عليهم صاع واحد على المذهب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على العبد صاعاً واحداً» (3) وهذا عام في المشترك وغيره.
ولأن نفقته تقسم عليهم فكذلك فطرته.
ولأنه شخص واحد فلا يجب بسببه أكثر من صاع واحد كما لو كان لواحد.
وأما كون كل واحد عليه صاع على روايةٍ فلأن الفطرة طهرة فتعددت على من هي عليه بحسب عدده ككفارة القتل، أو فلا تتبعض ككفارة القتل.
والأولى أصح لما تقدم. وقياس الفطرة على كفارة القتل لا يصح لأن الكفارة آكد، ودعوى عدم التبعيض غير مسلمة فإنها متبعضة حقيقة.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
في ب: وقد منهما.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كون حكم من بعضه حر كحكم العبد المشترك فلأنه يساويه معنى فوجب أن يساويه حكماً.
قال: (وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها، أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها، ويحتمل أن لا تجب).
أما كون الفطرة على الزوجة الحرة أو على سيد الأمة المزوجة إذا كان الزوج عاجزاً عنها على المذهب فلأن العاجز كالمعدوم ولو لم يكن للزوجة المذكورة زوج كان على الحرة أو على سيد الأمة الفطرة فكذا هاهنا.
وأما كونه يحتمل أن لا يجب فلأن من تجب عليه الفطرة عاجز فلم تجب كما لو كانت الزوجة والسيد عاجزين.
قال: (ومن كان (1) له غائب أو آبق فعليه فطرته إلا أن يشك في حياته فتسقط، وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى).
أما كون من له غائب عليه فطرته إذا لم يشك في حياته فلأن فطرة الغائب المذكور لا تسقط بغيبته لأنها تبع لنفقته ونفقته لا تسقط بغيبته فكذا فطرته.
وأما كون من له آبق عليه فطرته إذا لم يشك في حياته فلأن نفقته تجب عليه بدليل أن من أنفق عليه رجع بالنفقة على السيد.
وأما كون فطرتهما تسقط إذا شك في حياتهما فلأن الذي لا يعلم بقاؤه لا ينزل منزلة الذي يعلم بقاؤه بدليل لو أعتق السيد العبد الذي لا يعلم خبره عن كفارته فإنه لا يجزئ.
وأما كون من علم حياة الغائب والآبق بعد ذلك يخرج لما مضى فلأنه بان له سبب الوجوب في الزمن الماضي فوجب الإخراج كما لو سمع بهلاك ماله الغائب ثم بان سالماً.
(1) ساقط من ب.
قال: (ولا يلزم (1) الزوج فطرة الناشز. وقال أبو الخطاب: تلزمه.
ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه فهل يجزئه؟ على وجهين).
أما كون الزوج لا يلزمه فطرة زوجته الناشز. وهو قول القاضي فلأن نفقتها غير واجبة والفطرة تابعة لها.
وأما كونه تلزمه وهو قول أبو الخطاب فلبقاء النكاح وسقوط النفقة لعارض لا يؤثر في سقوط الفطرة.
ولأن الفطرة تجب على الآبق فكذلك الناشز.
وأما كون من لزم غيره فطرته فأخرجها عن نفسه بغير إذنه هل يجزئه؟ ففيه وجهان أصلهما أن الفطرة التي تجب على غيره بسببه هل وجبت عليه ابتداء ثم تحملها عنه ذلك الغير أو وجبت على ذلك الغير ابتداء؟ ظاهر المذهب أنها تجب عليه ابتداء ثم تحملها الغير تحملاً شرعياً.
أما كونها تجب عليه ابتداء فلأنها زكاة فوجب أن تجب على المخرج عنه كسائر الزكوات.
أما كون الغير يتحملها فلأنها تابعة للنفقة والنفقة يتحملها من تقدم ذكره فكذلك ما يتبعها فعلى هذا إذا أخرج بغير إذن الغير يجزئه لأنه أدى ما وجب عليه ابتداء فسقط عن الغير كالنفقة.
وقيل: تجب على الغير ابتداء لأن ظاهر قوله عليه السلام: «أدوا الفطرة عمن تمونون» يدل عليه.
فعلى هذا إذا أخرج من وجبت بسببه الفطرة بغير إذن من وجبت عليه لا تجزئه لأنه أدى ما وجب على غيره بغير إذنه فلم يجزئه كما لو أدى عن شخص آخر بغير إذنه.
قال: (ولا يمنع الدين وجوب الفطرة إلا أن يكون مطالباً به).
أما كون الدين لا يمنع وجوب الفطرة إذا لم يكن مطالباً به كما يمنع زكاة المال؛ فلأنها آكد بدليل وجوبها على الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها.
(1) في ب: ويلزم.
ولأن زكاة المال تجب بالملك والدين يؤثر فيه فأثر فيها. بخلاف الفطرة فإنها تجب على البدن والدين لا يؤثر فيه.
وأما كونه يمنع إذا كان مطالباً به؛ فلوجوب أدائه عند المطالبة وتأكده من حيث أنه حق آدمي لا يسقط بالإعسار بخلاف حق الله.
قال: (وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبداً أو زوجة أو وُلِد له وَلَدٌ لم تلزمه فطرته، وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت).
أما كون الفطرة تجب بغروب الشمس من ليلة الفطر؛ فلما روى ابن عباس «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر أو قال: رمضان طُهْرَةً للصائم من الرفث وطُعْمَةً للمساكين» (1). أضاف الصدقة إلى الفطر فكانت واجبة لأن الإضافة دليل الاختصاص والسببية وأول فطر يقع من جميع رمضان مغيب الشمس من ليلة الفطر.
وقوله: «طُهْرَةً للصائم» يدل على ذلك أيضاً؛ لأن من لم يدرك شيئاً من رمضان وأدرك طلوع فجر يوم الفطر لم يدرك شيئاً من زمن الصوم الذي الفطرة طهرة له.
وأما كون من أسلم بعد ذلك أو ملك عبداً أو تزوج زوجة أو وُلد له وَلَد لا تلزمه فطرته؛ فلأنه لم يوجد سبب الوجوب.
وأما كون من أسلم أو ملك عبداً أو تزوج زوجة أو وُلد له ولد قبل الغروب تجب عليه فطرته؛ فلوجود السبب المذكور.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1609) 2: 111 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1827) 1: 585 كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر.
وأخرجه الحاكم في المستدرك (1488) 1: 568 كتاب الزكاة. وقال: على شرط البخاري.
قال: (ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة وتجوز في سائر اليوم فإن أخرها عنه أثم وعليه القضاء).
أما كون إخراج الفطرة قبل العيد بيومين يجوز؛ فلما روى ابن عمر قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر وقال في آخره: وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين» (1) رواه البخاري.
وهذا إشارة إلى جميعهم فكان إجماعاً.
وأما كون إخراجها يوم العيد قبل الصلاة أفضل؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» (2) فأدنى أحوال الأمر الاستحباب.
وفي حديث ابن عباس: «من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (3).
وأما كون إخراجها يجوز في سائر اليوم؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» (4).
وأما كون من أخر الفطرة عن يوم العيد يأثم؛ فلفوات المقصود من قوله: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» .
ولأنه أخر الواجب عن وقته فأثم به كما لو أخر حق الآدمي مع طلبه والقدرة على أدائه.
وأما كونه عليه القضاء؛ فلأن الفطرة عبادة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة.
ولأنها يجب إخراجها في زمن مخصوص. فإذا فات زمن الوجوب بقي نفس الفطرة فيجب فعلها، كما لو وجب على شخص شيئان فتعذر أحدهما وبقي الآخر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1440) 2: 549 أبواب صدقة الفطر، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1432) 2: 547 أبواب صدقة الفطر، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك. من حديث ابن عمر.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (67) 2: 152 كتاب زكاة الفطر. بلفظ: «أغنوهم في هذا اليوم» .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 175 كتاب الزكاة، باب وقت إخراج زكاة الفطر. كلفظ المؤلف.
فصل [في الواجب في الفطرة]
قال المصنف رحمه الله: (والواجب في الفطرة صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الأقط في إحدى الروايتين، ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد، وعند أبي بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص).
أما كون الواجب في الفطرة صاعاً من بر أو شعير أو تمر أو زبيب أو أقط عند وجوده فلما روى أبو سعيد الخدري قال: «كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية المدينة فتكلم فكان فيما كلم الناس: إني أرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه» (1) متفق عليه.
وأما كون دقيق البر والشعير وسويقهما كحبهما فيما ذكر فلأن في بعض حديث أبي سعيد: «صاعاً من دقيق» (2) رواه النسائي.
ولأن الدقيق أجزاء الحب متفرقاً وقد كفي الفقير مؤونة طحنه فهو كما لو نزع نوى التمر ثم أخرجه.
وأما كون الأقط لا يجزئ في رواية فلأنه جنس لا تجب فيه الزكاة فلا يجزئ إخراجه كاللحم.
والأول أصح للخبر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1437) 2: 548 أبواب صدقة الفطر، باب صاع من زبيب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (985) 2: 678 كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير.
(2)
أخرجه النسائي في سننه (2514) 5: 52 كتاب الزكاة، الدقيق.
وأما كون غير أحد الأشياء المتقدم ذكرها لا يجزئ مع وجوده فلأنه إخراج لغير الواجب مع القدرة عليه فلم يجز كإخراج البقر عن الإبل.
وأما كون من عدم ذلك يخرج مما يقتات وإن لم يكن من جنس المنصوص عليه كلحوم الحيتان والأنعام عند ابن حامد فلأن المقصود من الأشياء المنصوص عليها الاقتيات وحصول الغنى عن الطلب وهو حاصل بذلك.
وأما كونه يخرج ما يقوم مقام المنصوص عليه وهو ما كان مطعوماً مكيلاً عند أبي بكر وهو أقيس فلأن المنصوص عليه يشتمل على الكيل والطعم فإذا تعذر عينه وجب ما يكون أقرب شبهاً به.
قال: (ولا يخرج حباً معيباً ولا خبزاً. ويجزئ إخراج صاع من أجناس).
أما كون من وجبت عليه الفطرة لا يخرج حباً معيباً كالمسوس والمبلول فلأن السوس يأكل جوف الحب والبلل ينفخه والمخرج لصاع من ذلك ليس مخرجاً صاعاً حقيقة.
وأما كونه لا يخرج خبزاً فلأنه لا يدخله الكيل مع نقصان المنفعة به عن الأصناف المنصوصة، واعتباره بالوزن لا يصح لما خالطه من الماء أشبه الحنطة المبلولة، وفيه شبه بإخراج القيمة وهو غير جائز.
وأما كون إخراج صاع من أجناس تجزئ فلأنه مخير بين أي الجنسين شاء فكذلك في البعض.
ولأنه لو كان عليه فطرة عامين فأخرجهما من جنسين جاز فكذلك العام الواحد.
قال: (وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده، ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة).
أما كون أفضل المخرج التمر فلما روى مجاهد قال: «قلت لابن عمر: إن الله قد أوسع، والبُرّ أفضل. قال: إن أصحابي قد سلكوا طريقاً وإني أحب أن أسلكه» (1).
وأما كون الأفضل بعد ذلك ما هو أنفع للفقراء والمراد به البر. صرح به المصنف في المغني والكافي فلأن الاعتماد في تفضيل التمر اتباع الصحابة والاقتداء بهم وهو غير موجود في غير البر وهذا هو اختيار المصنف.
والأفضل عند الأصحاب بعد التمر الزبيب لمشاركته له في القوت والحلاوة.
وأما كون الجماعة يجوز أن تعطى ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة فلأن الفطرة زكاة فجاز ذلك فيها كزكاة المال.
(1) لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي مجلز عن ابن عمر: «أنه كان يستحب التمر في زكاة الفطر» (10366) 2: 398 كتاب الزكاة، من قال: صدقة الفطر صاع من شعير أو تمر أو قمح.