الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فرض الوضوء وصفته:
الوضوء: بالضم اسم للفعل وبالفتح اسم للماء. قاله ابن الأنباري. وقيل بالفتح اسم للفعل أيضًا.
قال المصنف رحمه الله: (وفروضه ستة: غسل الوجه، والفم، والأنف منه، وغسل اليدين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، وترتيبه على ما ذكر الله تعالى، والموالاة على إحدى الروايتين. وهو (1) أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله).
أما كون فروض الوضوء ستة؛ فلأنها غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين وترتيب ذلك وموالاته. وسيأتي دليل ذلك كله في مواضعه.
وأما كون غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين من فروضه فلقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلَكم إلى الكعبين} [المائدة: 6].
فإن قيل {وأرجلِكم} معطوف على {برءوسِكم} وذلك دليل جواز المسح لا وجوب الغسل.
قيل: قد قرئ {وأرْجُلَكم} بالفتح عطفًا على {وجوهَكُم وأيديَكُم} . ويؤيد ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «ويل للأعقاب من النار» (3).
(1) في المقنع: وهي.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (420) 1: 145 كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثاً.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (60) 1: 33 كتاب العلم، باب من رفع صوته بالعلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (240) 1: 213 كتاب الطهارة، باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما.
وقول عائشة رضي الله عنها: «لأن يُقطعا أحب إليّ من أن أمسح القدمين» (1).
و«قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل ترك موضع ظفر من قدمه: ارجع فأحسن وضوءك» (2).
وإنما عطف الأرجل على الممسوح على القراءة المشهورة لأنها في مظنة الإسراف في الماء فنبه بعطفها على الممسوح على تقليل الماء.
وأما كون الفم والأنف من الوجه؛ فلأنهما في حكم الظاهر بدليل أحكام يأتي ذكرها في المضمضة والاستنشاق في صفة الوضوء.
وأما كون ترتيب الوضوء على ما ذكر الله تعالى من فروضه على المذهب؛ فلأن الله تعالى أدخل الممسوح بين المغسولات وقَطَع النظير عن النظير. والفصحاء لا يفعلون ذلك إلا لفائدة. ولا نعلم فائدة سوى الترتيب.
وأما كونه من سننه لا من فروضه على روايةٍ: أما الأول فلما فيه من الكمال والخروج من الخلاف.
وأما الثاني؛ فلأن الله تعالى ذكر الأعضاء المنصوص عليها بالواو التي للجمع المطلق.
والأول أصح لما ذكرنا.
و«لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ. وقال: هذا الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به» (3). فنقول ذلك للوضوء إن كان مرتبًا فهو المطلوب وإن كان منكسًا كان التنكيس شرطًا وهو خلاف الإجماع فوجب أن يكون مرتبًا.
(1) ذكره ابن حجر في تلخيصه وقال: هو باطل عنها. وقال ابن حبان: محمد بن مهاجر -أحد رواة الحديث- كان يضع الحديث. التلخيص 1: 279 - 280.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (243) 1: 215 كتاب الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (419) 1: 145 كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا.
وقول المصنف رحمه الله: على ما ذكر الله معناه أن يغسل الوجه ثم اليدين ثم يمسح برأسه ثم يغسل الرجلين لأن الله تعالى هكذا ذَكَر.
وأما كون الموالاة من فروضه على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره بإعادة الوضوء والصلاة» (1) رواه أحمد وأبو داود.
ولو كانت الموالاة ليست فرضًا لأجزأه غسل اللمعة.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين غسل أعضائه وأمر بالتأسّي به.
وأما كونها من سننه لا من فروضه على روايةٍ: أما الأول فلما ذكر في الترتيب.
وأما الثاني؛ فلأن الفرض الغسل للآية وقد أتى به.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه توضأ فترك مسح خفيه حتى دخل المسجد فدعي لجنازة فمسح عليهما وصلى» (2).
وقول المصنف رحمه الله: وهو أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله فبيان لمعنى الموالاة. والعبرة في نشاف العضو بالزمان المعتدل لا بالزمان البارد لأن نشاف العضو لا يحصل إلا بعد مدة، ولا بالزمان الحار لأن نشاف العضو يحصل بسرعة.
قال: (والنية شرط لطهارة الحدث كلها، وهي: أن يقصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها).
أما كون النية شرطًا لطهارة الحدث كلها فلقوله عليه السلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى» (3) متفق عليه.
فإن قيل: ما وجه الحجة من ذلك؟
(1) أخرجه أبو داود في سننه (175) 1: 45 كتاب الطهارة، باب تفريق الوضوء.
وأخرجه أحمد في مسنده (15532) 3: 424.
(2)
أخرجه الشافعي في الأم 1: 31.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1) 1: 3 بدء الوحي باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنية» .
قيل: وجهها أنه نفى العمل وهو موجود فيكون ظاهرًا في نفي المشروعية لأنه أقرب إلى نفي الحقيقة. ويمكن أن يقال النفي داخل على الحقيقة الشرعية لأنه داخل على عمل شرعي وبدون النية لا وجود للعمل الشرعي.
وقول المصنف رحمه الله: وهي أن يقصد رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها بيان لمعنى النية.
فإن قيل: ما محلها؟
قيل: القلب.
فإن قيل: إذا قصد رفع الحدث لا شبهة فيه فَلِمَ يكون كذلك إذا قصد الطهارة لما لا يباح إلا بالطهارة كالصلاة والطواف وشبههما؟
قيل: لأن ذلك يستلزم رفع الحدث ضرورة أن صحة ذلك لا يجتمع معه.
قال: (فإن نوى ما تسن له الطهارة أو التجديد فهل يرتفع حدثه؟ على روايتين).
أما كون ما يسن له الطهارة كقراءة القرآن واللبث في المسجد يرتفع حدثه على روايةٍ؛ فلأنه نوى المسنون فيجب أن يحصل ولا يحصل إلا بارتفاع الحدث.
وأما كونه لا يرتفع على روايةٍ؛ فلأن القراءة وشبهها يصح مع الحدث فلا يستدعي ذلك رفع الحدث.
وأما كون من نوى تجديد وضوءه يرتفع حدثه ففيه روايتان أيضًا وجههما ما ذكر فيمن نوى ما يسن.
قال: (وإن نوى غسلاً مسنونًا فهل يجزئ عن الواجب؟ على وجهين).
أما كون نية الغسل المسنون كغسل الجمعة أو العيدين أو ما أشبههما يجزئ عن الغسل الواجب كغسل الجنابة أو الحيض أو ما أشبههما ففيه وجهان مُخَرجان على الروايتين في رفع حدث من نوى التجديد. وقد تقدم ذكرهما وتعليلهما قبل.
وأما مراد المصنف رحمه الله بقوله: فهل يجزئ؟ على وجهين. فهو أنه هل يرتفع عنه الغسل الواجب؟ على وجهين.
قال: (وإن اجتمعت أحداث توجب الوضوء أو الغسل فنوى بطهارته أحدها فهل يرتفع سائرها؟ على وجهين).
أما كون سائر الأحداث يرتفع بما ذكر على وجه؛ فلأن الحدث غير متعدد بل هو عبارة عن المنع من الصلاة وقد قصد رفع سبب من أسبابه فيجب أن يرتفع الحدث.
وأما كونه لا يرتفع به على وجه؛ فلأن ذلك غير منوي فلم يرتفع لقوله: «إنما الأعمال بالنيات» (1).
فإن قيل: السائر هنا بمعنى الكل أو الباقي.
قيل: بمعنى الباقي؛ لأن المنوي لا خلاف في ارتفاعه لأنه منوي.
فإن قيل: ما فائدة ارتفاعه؟
قيل: فائدته أنه لو نوى بعد ذلك رفع الحدث من باقي الأسباب ارتفع حدثه على الوجهين معًا.
قال: (ويجب تقديم النية على أول واجبات الطهارة، ويستحب تقديمها على مسنوناتها، واستصحاب ذكرها في جميعها، وإن استصحب حكمها أجزأه).
أما كون تقديم النية على أول واجبات الطهارة يجب فلئلا يخلو واجب عن نية.
وأما كون تقديمها على مسنوناتها يستحب فلتشمل مسنون الطهارة ومفروضها.
وأما كون استصحاب حكمها ومعناه أن ينوي المتطهر في أول الطهارة ولا ينوي قطع النية بجزئ؛ فلأن النية في أول الطهارة تشمل جميع أجزائها فأجزأ استصحاب حكمها كالصوم.
(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.