المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب إخراج الزكاة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ١

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌باب إخراج الزكاة

‌باب إخراج الزكاة

قال المصنف رحمه الله: (لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه ونحو ذلك).

أما كون الزكاة لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكان إخراجها وعدم الضرر المتقدم ذكره فلأن النصوص الدالة على وجوب الزكاة مطلقة والأمر المطلق للفور.

ولأن ما وجب أداؤه وأمكن إخراجه لم يجز تأخيره. دليله الوديعة.

ولأن الزكاة عبادة متكررة فلم يجز تأخيرها إلى وقت دخول مثلها من غير عذر كالصلاة.

وكلام المصنف مشعر بأنه يجوز تأخيرها عن غير وقت وجوبها مثل أن يكون الحول لم يحل أو ما أشبه ذلك وهو صحيح لأنه تأخير لا عن وقت الوجوب.

وأما كونها يجوز تأخيرها مع عدم إمكان إخراجها مثل أن لا يوجد أحد من مستحقيها فلأنه لو لم يجز والحالة هذه لكان تكليفاً بما لا يطاق.

وأما كونها يجوز تأخيرها مع الضرر كما مثل المصنف من أن يخشى رجوع الساعي عليه ونحو ذلك فلأن في إلزامه الإخراج مع الخشية المذكورة ضرراً وذلك منفي شرعاً.

قال: (فإن جحد وجوبها جهلاً به عرف ذلك، فإن أصر كفر [وأخذت منه] (1) واستتيب فإن لم يتب قتل).

أما كون من جحد وجوب الزكاة جهلاً به مثل أن يكون قريب عهد ببادية يُعَرّف وجوبها فليرجع عن الخطأ.

(1) ساقط من ب.

ص: 761

وأما كون من أصر على الجحد بعد التعريف يكفر فلأنه مكذب لله ولرسوله.

وأما كونه يؤخذ منه مع الحكم بكفره فلأنها وجبت قبل كفره فلم تسقط به كالدين.

وأما كونه يستتاب ثلاثاً فقياس على المرتد.

وأما كونه يقتل إن لم يتب فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» (1).

وعن أبي بكر رضي الله عنه: «لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة» (2) متفق عليهما.

قال: (ومن منعها بخلاً بها أخذت منه وعزر، فإن غَيّب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت منه من غير زيادة.

وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله وإن لم يمكن أخذها استتيب ثلاثاً فإن تاب وأخرج وإلا قتل وأخذت من تركته. وقال بعض أصحابنا: إن قاتل عليها كفر).

أما كون من منع الزكاة بخلاً بها تؤخذ منه فلأنها حق واجب عليه فإذا امتنع من أدائه أُخذ منه قهراً كدين الآدمي.

وأما كونه يعزر فلتركه الواجب عليه.

وأما كون من غَيّب ماله أو كتمه أو قاتل دون الزكاة وأمكن أخذها تؤخذ من غير زيادة على المذهب فلأن أبا بكر لما منعته العرب الزكاة لم ينقل أنه أخذ منهم زيادة عليها.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (25) 1: 17 كتاب الإيمان، باب:{فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} .

وأخرجه مسلم في صحيحه (22) 1: 53 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1335) 2: 507 كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (20) 1: 51 كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله

ص: 762

وأما كونه يؤخذ منه وشطر ماله على قول أبي بكر فلما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن أبى فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا» (1). رواه أبو داود.

قال أحمد: وهو عندي صالح.

وأما كونه يستتاب ثلاثاً إذا لم يمكن أخذها منه فلأن الزكاة أحد مباني الإسلام فاستتيب تاركها ثلاثاً كتارك الصلاة.

وأما كونه يقتل إذا لم يتب ويُخْرِج فلعموم ما تقدم من الحديث وقول أبي بكر الصديق.

وأما كون الزكاة تؤخذ من تركته بعد قتله فلأن القتل لا يسقط ما عليه من دين الآدمي فكذا الزكاة.

وأما كون من قاتل عليها لا يكفر وهو ظاهر كلام المصنف هنا ورواية عن الإمام أحمد فلأن الصحابة رضي الله عنهم لما امتنعوا من قتال مانعي الزكاة لم يعتقدوا كفرهم واتفاقهم بعد على قتالهم لا يستلزم الكفر فبقي على ما كان عليه.

وأما كونه يكفر على قول بعض أصحابنا وهو رواية عن الإمام أحمد فلأن الله تعالى قال: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11] جعلهم إخواننا في الدين إذا آتوا الزكاة فدل على أنهم إذا لم يؤتوها لا يكونون كذلك.

ولأن أبا بكر الصديق قال لمانعي الزكاة: «لا حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار» (2).

قال القاضي: الصحيح من المذهب أنه لا يكفر بشيء من العبادات سوى الصلاة لأن النيابة فيها متعذرة بخلاف غيرها.

ولأن الزكاة المقصود الكلي منها دفع حاجة الفقير وهو حاصل بأدائها مع القتال.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1575) 2: 101 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8: 335 كتاب الأشربة، باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم من متاع المسلمين.

ص: 763

قال: (وإن ادعى ما يمنع الزكاة من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله عنه في بعض الحول ونحوه قبل قوله من غير يمين. نص عليه).

أما كون مدعي ذلك يقبل قوله فلأنه ادعى دعوى يعضدها الأصل لأن الأصل براءة ذمته من الزكاة.

وأما كون ذلك من غير يمين فلأن الزكاة عبادة وحق لله فلم يستحلف عليها كالصلاة.

قال: (والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما).

أما كون ولي الصبي يخرج عنه الزكاة من ماله فلأن الزكاة تجب في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اتجروا في أموال اليتامى كيلا تأكلها الصدقة» (1) أخرجه الترمذي. وفي إسناده مقال. وروي موقوفاً على عمر (2).

ولأن الزكاة وجبت مواساة والصبي من أهل المواساة ولهذا تجب عليه نفقة قريبه، ويعتق عليه ذو رحمه ليخرج عنه زكاة الفطر والعشر، وإذا كانت الزكاة تجب في ماله تعين الإخراج على الولي لأن الصبي غير مكلف والولي ينوب عنه في قضاء دين الآدمي فكذلك في زكاته.

وأما كون ولي المجنون يخرج عنه الزكاة من ماله فلأنه كالصبي معنى فكذا يجب أن يكون حكماً.

قال: (ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه، وله دفعها إلى الساعي، وعنه: يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى هو تفريق الباقي، وعند أبي الخطاب دَفْعُها إلى الإمام العادل أفضل).

أما كون الإنسان يستحب له تفرقة زكاته بنفسه على المذهب فلأنه إذا دفعها بنفسه كان على ثقة من دفعها إلى مستحقها.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (641) 3: 32 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة مال اليتيم. فيه المثنّى بن الصّبّاح يُضعَّف في الحديث.

(2)

أخرجه الدارقطني في سننه (4) 2: 110 كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة في مال الصبي واليتيم.

وأخرجه مالك في الموطأ (12) 1: 215 كتاب الزكاة، باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها.

ص: 764

وأما كونه له دفعها إلى الساعي فلما روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: «أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد إخراج زكاته وهؤلاء اليوم على ما ترى فما تأمرني؟ فقال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد فقالوا مثل ذلك» (1) رواه سعيد.

ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم.

وأما كونه يستحب أن يدفع العشر إلى الساعي ويفرق الباقي بنفسه على روايةٍ فلأن العلماء اختلفوا في العشر هل هو زكاة أو غيرها وغير الزكاة لا يتولاه الإمام أو نائبه ففي دفع العشر إلى الساعي خروج من الخلاف المذكور بخلاف غيره.

وأما كون دفعها إلى الإمام العادل أفضل على قول أبي الخطاب فلأنه أعلم بالمصارف، والدفع إليه أبعد من التهمة، ويبرأ به ظاهراً وباطناً.

قال: (ولا يجوز إخراجها إلا بنية، إلا أن يأخذها الإمام منه قهراً.

وقال أبو الخطاب: لا تجزئه أيضاً من غير نية؛ وإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية من الموكِّل دون الوكيل).

أما كون إخراج الزكاة من غير نية إذا لم يأخذها الإمام منه قهراً لا يجوز والمراد به لا يجزئ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات» (2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس للمرء من عمله إلا ما نواه» (3).

ولأن الزكاة أحد مباني الإسلام فافتقر إلى النية كالصلاة.

ولأنها عبادة محضة أشبهت الصوم.

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10189) 2: 384 كتاب الزكاة، من قال: تدفع الزكاة إلى السلطان.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1) 1: 3 باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1907) 3: 1515 كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنية» .

(3)

لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن أنس مرفوعا: «لا عمل لمن لا نية له» 1: 41 كتاب الطهارة، باب الاستياك بالأصابع.

ص: 765

والأولى أن تقارن الدفع فإن تقدمت بزمن يسير فلا بأس قياساً على الصلاة.

وأما كونها تجزئ من غير نية إذا أخذها الإمام منه قهراً على المذهب فلأنها تؤخذ من الممتنع فلو لم تُجز عنه لما أخذت منه.

وأما كونها لا تجزئه أيضاً من غير نية فلأن الساعي إن كان نائبه فلا بد من نية رب المال لأنه الموكل، وإن كان نائب الفقراء لم تبرأ ذمة رب المال لأنه (1) [لو أخذها الفقير منه بغير نية لم تبرأ، فكذلك إذا أخذها وكيله.

وأما] (2) كون النية تفتقر في الموكل دون الوكيل إذا دفع الزكاة إلى وكيله فلأن الموكل هو الذي وجبت عليه الزكاة فاعتبرت نيته دون غيره.

وقال القاضي وابن عقيل: هذا مع قرب الزمن فإن بعد فلا بد من نية الوكيل أيضاً لأن الوكيل إذا لم ينو يحصل الأداء من غير نية قريبة ولا مقارنة.

وهذا بخلاف الساعي فإنه لو نوى رب المال دون الساعي أجزأ بَعُدَ الزمان أو قَرُب والفرق بينهما أن الساعي وكيل الفقراء بخلاف الوكيل بدليل أن الساعي لا يلزم رب المال بدلها إذا تلفت في يده وأن الوكيل يلزم رب المال بدلها إذا تلفت في يده.

قال: (ويستحب أن يقول عند دفعها: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً، ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهوراً).

أما كون الدافع يستحب أن يقول عند دفع الزكاة: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً» (3) أخرجه ابن ماجة.

ولأن ذلك دليل على الإخلاص وطيب النفس بأدائها.

وأما كون الآخذ يستحب أن يقول: آجرك الله إلى آخره فلأنه دعاء للدافع وذلك مأمور به لأن الله تعالى قال: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم} [التوبة: 103] أي ادع لهم.

(1) في ب لأنها.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1797) 1: 573 كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة. قال في الزوائد: في إسناده الوليد بن مسلم الدمشقي، وكان مدلساً، والبختري متفق على ضعفه.

ص: 766

وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى» (1) رواه النسائي وأبو داود.

قال: (ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة، فإن فعل فهل تجزئه؟ على روايتين. إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه فيفرقها في أقرب البلاد إليه).

أما كون نقل الصدقة إلى بلد تقصر إليه الصلاة لا يجوز فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» (2).

وجه الحجة: أن الضمير في أغنيائهم عائد إلى أهل اليمن فكذلك الضمير في فقرائهم وذلك يقتضي أن لا ينقل إلى غيرهم.

فإن قيل: الحديث لا يقتضي منع النقل إلى بعض بلاد اليمن فلا يتم المقصود؟

قيل: إذا ثبت أنه لا يجوز النقل إلى غير اليمن ثبت أنه لا يجوز النقل إلى بلد بعيد من موضع وجوب الزكاة من بلد اليمن لعدم القائل بالفرق.

وأما كون من فعل ذلك وفي بلد الزكاة فقراء يجزئه على روايةٍ وهي اختيار أبي الخطاب فلقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: 60] والمدفوع إليهم فقراء.

وأما كونه لا يجزئه على روايةٍ فلأنه حق واجب لأصناف بلد فلم يجز إعطاؤه لغيرهم كالوصية لأصناف بلد.

وأما كون من فعل ذلك ولا فقراء في بلد الزكاة يجزئه فلما روي «أن معاذاً بعث إلى عمر صدقة من اليمن فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية ولكن

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5998) 5: 2339 كتاب الدعوات، باب هل يصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1078) 2: 756 كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة.

وأخرجه أبو داود في سننه (1590) 2: 106 كتاب الزكاة، باب دعاء المصدق لأهل الصدقة.

وأخرجه النسائي في سننه (2459) 5: 31 كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام على صاحب الصدقة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1796) 1: 572 كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 767

بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني» (1) رواه أبو عبيد في الأموال.

وأما كون الزكاة فيما ذكر يفرق في فقراء أقرب البلاد إليه فلأنهم أولى وأقرب.

قال: (وإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده، وفطرته في البلد الذي هو فيه).

أما كون من ذكر يخرج زكاة المال [في بلد المال](2) فلئلا تنقل الصدقة عنه.

ولأن المال سبب الزكاة فوجب إخراجها حيث وجد السبب.

وأما كونه يخرج فطرته في البلد الذي هو فيه فلأن بدنه سببها فوجب إخراجها حيث وجد سببها.

قال: (وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم الإبل في أفخاذها والغنم في آذانها، فإن كانت زكاة كتب: "لله" أو "زكاة" وإن كانت جزية كتبت: "صغار" أو "جزية").

أما كون الإمام يستحب له وسم الإبل والغنم؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمها» (3).

ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتميز عن الضوال، ولترد إلى مواضعها إذا شردت.

وأما كون وسم الإبل في أفخاذها فلأنه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتظهر السمة.

وأما كون وسم الغنم في آذنها فلضعفها عن الوسم في الفخذ.

وأما كون الزكاة يكتب فيها: "لله" أو "زكاة" والجزية "صغار" أو "جزية" فلتحصل التفرقة.

(1) أخرجه أبو عبيد في الأموال (1911) 528 باب قسم الصدقة في بلدها وحملها إلى بلد سواه

(2)

ساقط من ب.

(3)

عن أنس بن مالك قال: «غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم

فوافيتُه في يده المَيسم، يَسمُ إبل الصدقة».

أخرجه البخاري في صحيحه (1431) 2: 546 كتاب الزكاة، باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2119) 3: 1674 كتاب اللباس والزينة، باب جواز وسم الحيوان

بنحوه. فذكر فيه وسم الإبل وفي آخر الغنم.

ص: 768

فصل [في تعجيل الزكاة]

قال المصنف رحمه الله: (ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب، ولا يجوز قبل ذلك. وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان).

أما كون تعجيل الزكاة عن حول بعد كمال النصاب يجوز فلما روي «أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له» (1) رواه أبو داود.

ولأنه حق مالي أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين.

وأما كون تعجيلها قبل كمال النصاب لا يجوز فلأنه سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف.

وأما كون تعجيلها لأكثر من حول فيه روايتان فلأن كون النص لم يرد بالتعجيل لأكثر من حول واحد يقتضي المنع لأنها عجلها قبل انعقاد حولها أشبه لو عجلها قبل نصابها، وكون ملك النصاب قد وجد يقتضي الجواز لأنه عجلها بعد سببها.

وظاهر كلام المصنف أن الروايتين جاريتان في العام الثالث والرابع وهلم جرا. وليس كذلك لأن أبا الخطاب وصاحب المحرر صرحا بأن الروايتين في الحول الثاني وأنه لا يجوز لأكثر من ذلك لأن العام الثاني قريب الشبه بالأول فيصح إلحاقه به بخلاف ما عداه فيمتنع إلحاقه به. وكذلك أصلح بعض من أذن له المصنف في الإصلاح لأكثر من حول بعامين.

قال: (وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأه عن النصاب دون الزيادة، وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزئه).

أما كون من عجل الزكاة عن النصاب يجزئه عنه فلما تقدم.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1624) 2: 115 كتاب الزكاة، باب في تعجيل الزكاة.

ص: 769

وأما كونه لا يجزئه عن الزيادة فلأنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يجزئه كما لو عجل قبل ملك النصاب.

وأما كون من عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لا يجزئه فلأن الثمرة إن كان لها سبب واحد فالتعجيل إنما يكون فيما له سببان وإن كان لها سببان فالتعجيل هنا يكون قبل السببين وذلك غير جائز.

وفي تقييد المصنف رحمه الله عدم الإجزاء قبل طلوع الطلع دليل على أنه يجزئ التعجيل بعده وهو صحيح نقله في الكافي عن أبي الخطاب لأن ظهور الثمرة كملك النصاب، وبدء الصلاح كتمام الحول فجاز تعجيل زكاة ذلك كالتعجيل بعد ملك النصاب وقبل الحول.

وظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز تعجيل ذلك لأنه يجب بسبب واحد وهو بدء الصلاح فلم يجز تعجيل زكاته لأنه بمنزلة التعجيل على سببيه.

قال: (فإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز، وإذا عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمه شاة ثالثة).

أما كون من عجل زكاة نصاب فتم حوله وهو ناقص قدر ما عجل يجوز فلأن ما عجله حكمه حكم الموجود حقيقة أو تقديراً.

وأما كون من عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول يلزمه شاة ثالثة فلما ذكر من أن المعجل حكمه حكم الموجود فيكون ملكه مائتين وواحدة وفرض ذلك ثلاث شياه فإذا أدى اثنتين بقي عليه واحدة.

قال: (فإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه، وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم تجزئه).

أما كون من عجل زكاته فدفعها إلى مستحقها ثم خرج عن الاستحقاق بموت أو ارتداد أو استغناء يجزئ عنه فلأن المعتبر حالة الأداء والمدفوع إليه حينئذ أهل للدفع إليه.

ولأن الفقير لو اتجر بما أخذه فاستغنى لم يرجع عليه وفاقاً فكذلك إذا استغنى بغير الصدقة.

ص: 770

وأما كون من دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لا يجزئه فلأنه لم يدفعها لمستحقها (1) لما تقدم من أن المعتبر حالة الدفع.

قال: (وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المسكين.

وقال ابن حامد: إن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه).

أما كون من ذكر لا يرجع على المسكين إذا هلك المال قبل الحول على المذهب فلأن المعجل صدقة وصلت إلى المسكين بإذن ربها فوجب أن ينقطع حقه عنها كغير المعجلة وكما لو ظن أن عليه زكاة واجبة فبان بخلافه.

وأما كون من أعلم المسكين بذلك كمن أطلق على المذهب فلما ذكر من أن الموجب لانقطاع حقه وصول ذلك إلى المسكين بإذنه.

وأما كونه يرجع بذلك عليه على قول ابن حامد فلأنه دفعها عما يستحقه القابض في الحال الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى، وكما لو قال: أعتقت هذا العبد عن كفارة يميني التي لم أحنث فيها بعد فيئس من الحنث فيها، أو عن كفارة القتل بعد الجرح فاندمل الجرح ولم يمت المجروح.

وأما كون الرجوع مختصاً بكون الدافع الساعي، أو بكون الدافع أعلم المسكين أنها زكاة معجلة فلأنه إذا انتفى كل واحد منهما يتهم رب المال في دعواه ذلك لمخالفته الظاهر، والمتهم لا يرجع بما يتهم فيه.

(1) في ب: فلأنه دفعها إلى غني مستحقها.

ص: 771