الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجماعة
قال المصنف رحمه الله: (وهي واجبة للصلوات الخمس على الرجال، لا شرط. وله فعلها في بيته في أصح الروايتين).
أما كون الجماعة واجبة للصلوات الخمس على الرجال؛ فلما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام. ثم أنطلق معي برجال معهم حزم حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم» (1) متفق عليه.
وفي قول المصنف رحمه الله: على الرجال؛ إشعار بأنها لا تجب على النساء. وهو صحيح؛ لأن الجماعة من شأنها الخروج إلى المسجد غالباً والمرأة لا يشرع لها ذلك. ولذلك كان صلاتها في بيتها أفضل.
وأما كونها ليست شرطاً لصحة الصلاة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة» (2) متفق عليه.
ولو كانت الجماعة شرطاً لما صحت صلاة الرجل وحده فضلاً عن أن يكون له فيها فضل.
وقال ابن عقيل: هي شرط؛ لما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض لم يقبل الله منه الصلاة التي صلى» (3) رواه أبو داود.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (618) 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (651) 1: 451 كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة
…
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (619) 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب فضل صلاة الجماعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (649) 1: 449 كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة
…
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (551) 1: 151 كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (793) 1: 260 كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، نحوه.
والصحيح الأول لما تقدم.
والحديث المروي عن ابن عباس من رواية أبو جناب واسمه يحيى بن أبي حية. قال يحيى القطان: متروك لا أستحل أن أروي عنه.
وعلى تقدير صحته لا يلزم من عدم القبول عدم الصحة فإنه قد روي «أن شارب الخمر لا يقبل الله صلاته أربعين يوماً» (1). ولو صلى بعد صحوه صحت صلاته.
وعلى تقدير دلالته على كون الجماعة شرطاً فما ذكرنا راجح لأن حديثنا صحيح متفق عليه. والعمل بالراجح متعين.
وأما كون من وجبت الجماعة عليه له فعلها في بيته في روايةٍ؛ فلقوله عليه السلام: «جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان» (2) متفق عليه.
وقد «صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفرض في بيته وهو مريض» (3) رواه البخاري.
وأما كونه ليس له ذلك في روايةٍ؛ فلأن حضور المسجد واجب في روايةٍ لقوله عليه السلام: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (4).
والأولى أصح لما تقدم.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1862) 4: 290 كتاب الأشربة، باب ما جاء في شارب الخمر.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (3377) 2: 1120 كتاب الأشربة، باب من شرب الخمر لم تقبل له صلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (21541) 5: 171.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (328) 1: 128 كتاب التيمم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (521) 1: 370 كتاب المساجد، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (772) 1: 277 كتاب صفة الصلاة، باب يهوي بالتكبير حين يسجد.
وأخرجه مسلم في صحيحه (411) 1: 308 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (2) 1: 420 كتاب الصلاة، باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه إلا من عذر.
قال: (ويستحب لأهل الثغر الاجتماع في مسجد واحد. والأفضل لغيرهم الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره. ثم ما كان أكثر جماعة. ثم في المسجد العتيق. وهل الأولى قَصْد الأبعد أو الأقرب؟ على روايتين).
أما كون أهل الثغر يستحب لهم الاجتماع في مسجد واحد فلما في ذلك من التكاثر في عين العدو، وإعلاء الكلمة، وتعظيم الإسلام، وحصول الهيبة في قلوبهم والرهبة.
وأما كون الأفضل لغير أهل الثغر الصلاة في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره؛ فلأن في حضوره تحصيلاً للجماعة وفي عدمه فواتاً لها بخلاف غير ذلك من المواضع.
وأما كون الأفضل بعد ذلك ما كان أكثر جماعة؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده. وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل. وما كان أكثر فهو أحب إلى الله» (1) من المسند.
وأما كون الأفضل بعد ذلك المسجد العتيق؛ فلأن البقعة الحلال من شرائط الصلاة. والمسجد العتيق أقرب إلى القرون المتقدمة. فيكون أقرب إلى الحل.
وأما كون الأولى قَصْد الأبعد على روايةٍ فلما فيه من فضيلة السعي وكثرة الخطا والحسنات. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا! أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد
…
مختصر» (2)[رواه مسلم](3).
وأما كون الأولى قصد الأقرب على روايةٍ؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (4).
ولأن له حق البر والصلة بالجوار فكذلك في حضور جماعته.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (554) 1: 151 كتاب الصلاة، باب في فضل صلاة الجماعة.
وأخرجه النسائي في سننه (843) 2: 104 كتاب الإمامة، الجماعة إذا كانوا اثنين.
وأخرجه أحمد في مسنده (20507) 5: 140.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (251) 1: 219 كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره.
(3)
زيادة من ج.
(4)
سبق تخريجه قريباً.
قال: (ولا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه. إلا أن يتأخر لعذر. فإن لم يعلم عذره انتظر وروسل ما لم يُخش خروج الوقت).
أما كون أحد لا يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إذا لم يأذن له ولم يتأخر لعذر؛ فلأن التقدم عليه بغير إذن ولا تأخر يسيء الظن به وينفر (1) الناس عن إمامته وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم إذ لا فائدة لكونه إمام حي إلا اختصاصه بالتقدم في ذلك المسجد.
وأما كونه يؤم فيه قبله إذا أَذِن له أو تأخر لعذر؛ فلأن ما ذكر لا يوجد في ذلك.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى صلح بني عوف. فقدّم الناس (2) أبا بكر فصلى» (3) فلما رجع لم ينكر لأنه تأخر صلى الله عليه وسلم لعذر.
و«فعل ذلك عبدالرحمن بن عوف مرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحسنتم» (4) رواه مسلم.
وأما كون الإمام يُنتظر ويُراسل إذا لم يُعلم عذره ما لم يُخش خروج الوقت؛ فلأن الائتمام بإمام الحي سنة وفضيلة فلا يترك مع الإمكان.
ولأن في نصب إمام (5) سواه افتياتاً عليه وعقداً للقلوب على البغضاء.
(1) في ب: وينفرد.
(2)
زيادة من ج.
(3)
سبق تخريجه ص: 340.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (274) 1: 317 كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم.
(5)
في ب: الإمام.
وقد روي أن بلالاً قال: «استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإقامة. فقال: أبرد. ثم استأذنته ثانياً. فقال: أبرد. ثم استأذنته ثالثاً. فقال: أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم» (1).
وفي تقييد الانتظار بعدم خشية خروج الوقت إشعار بأنه إذا خشي خروجه لا يُنتظر. وهو صحيح لئلا تفوت الصلاة وتصير قضاء.
قال: (فإن صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد استحب له إعادتها إلا المغرب. وعنه يعيدها ويشفعها برابعة. ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة).
أما كون من صلى ثم أقيمت الصلاة وهو في المسجد يستحب له إعادتها غير المغرب؛ فلما روى يزيد بن الأسود العامري «أن رجلين دخلا المسجد وأقيمت الصلاة. فجلسا في ناحية المسجد لم يصليا. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته دعا بهما. فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: صلينا في رحالنا. قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلا. إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد (2) جماعة فصليا. فإنها لكما نافلة» (3).
وأما كونه يعيد المغرب على روايةٍ؛ فلأنها نافلة والتنفل بالوتر غير مستحب.
وأما كونه يعيدها ويشفعها برابعة على روايةٍ؛ فلأن بذلك يخرج التنفل عن أن يكون وتراً. فيحصل الجمع بين إعادة الجماعة وعدم التنفل بالوتر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (514) 1: 199 كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في السفر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (616) 1: 431 كتاب المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر.
(2)
ساقط من ب.
(3)
سبق تخريجه ص: 448.
وأما كون إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة لا تكره؛ فلعموم صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» (1).
ومفهوم كلام المصنف رحمه الله: أنه يكره إعادة الجماعة في المساجد الثلاثة. ونص الإمام أحمد على كراهية ذلك في المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأقصى في معناهما. وإنما كره ذلك في الثلاثة لئلا يتقاعد الناس عن الحضور مع الإمام الراتب. وتعظيماً لهذه المواضع.
ولا بد أن يلحظ في الكراهية المذكورة عدم العذر فلو تأخر رجل من غير قصد التأخير لغفلة أو نسيان أو عدم العلم بالوقت فقصد المسجد فوجد الإمام الراتب قد صلى فصلى معه رجل لم يكره؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما دخل الرجل المسجد بعد صلاته: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه» (2).
قال: (وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. وإن أقيمت وهو في نافلة أتمها إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها. وعنه يتمها).
أما كون الصلاة إذا أقيمت لا صلاة إلا المكتوبة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة» (3) رواه مسلم.
ولأن الاشتغال بالفرض أولى وزمانه أشرف وأكثر ثواباً.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (619) 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب فضل صلاة الجماعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (650) 1: 450 كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة
…
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (574) 1: 157 كتاب الصلاة، باب في الجمع في المسجد مرتين.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (710) 1: 493 كتاب صلاة المسافرين، باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن.
ولأن حضور الجماعة واجب فكذلك أجزاؤها. وكما لا يجوز إخراج جزء منها عن الوقت مع الإمكان فكذلك في الجماعة الواجبة.
وأما كون المكتوبة إذا أقيمت وهو في نافلة يتمها إذا لم يخش فوات الجماعة؛ فلقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33].
وأما كونه يقطعها إذا خشي فوات الجماعة على المذهب؛ فلأنه انتقال إلى ما هو أفضل منها.
وأما كونه يتمها على روايةٍ؛ فلعموم النهي المتقدم.
فظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه أراد فوات جميع الصلاة.
وقال صاحب النهاية فيها: المراد بالفوات فوات الركعة الأولى. وكلٌّ متجه.
قال: (ومن كبر قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة. ومن أدرك الركوع أدرك الركعة وأجزأته تكبيرة واحدة، والأفضل اثنتان).
أما كون من كبرّ قبل سلام الإمام فقد أدرك الجماعة؛ فلأن إدراك الجزء من العبادة بمنزلة إدراك الركعة. دليله ما لو كبر ثم خرج الوقت.
ولأن المسافر لو اقتدى بمقيم في مثل ذلك لزمه الإتمام. فكذا تحصل له فضيلة الجماعة.
ولا بد أن يُلحظ في إدراك فضيلة الجماعة بالتكبير قعود المكبر في التشهد الأخير مع الإمام؛ لأنه لو كبر وهو قائم ثم سلم الإمام لم يكن مدركاً فضيلة الجماعة. كما لو كبر المأموم والإمام رافع ثم ركع المأموم فإنه لا يكون مدركاً للركعة.
وأما كون من أدرك الركوع أدرك الركعة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أدركتم الإمام في السجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً. ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة» (1) رواه أبو داود.
وأما كونه يجزئه تكبيرة واحدة عن تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع؛ فلأنه فِعْل زيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهما.
ولأنه اجتمع عبادتان من جنس واحد فأجزأ الأكبر عن الأصغر كطواف الزيارة عند الوداع فإنه مجزئ عنه وعن طواف الوداع.
وأما كون الأفضل اثنتين؛ فلأنه أتى بالذكر المشروع في الافتتاح والانحناء.
ولأنه اختلف في وجوب التكبير للانحناء فإذا أتى بتكبيرتين فقد خرج عن العهدة بيقين. وكان أفضل لتيقن براءته.
قال: (وما أدرك مع الإمام فهو آخر صلاته. وما يقضيه أولها. يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (893) 1: 236 كتاب الصلاة، باب في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع. نحوه
أما كون ما يدرك المأموم المسبوق مع الإمام آخر صلاته وما يقضيه أولها؛ فلما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» (1) متفق عليه.
والقضاء: فعل ما فات والذي فات أول الصلاة.
وعن الإمام أحمد رحمة الله عليه أن ما يقضيه آخر صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» (2).
والأول أصح لما ذكر.
ومعنى الحديث الثاني: فأتموا قضاء لما في ذلك من الجمع بين الحديثين.
وأما كونه يستفتح فيما يقضيه ويتعوذ ويقرأ السورة على القول بأنه أول صلاته؛ فلأن ذلك شأن أول الصلاة.
وعلى الرواية الأخرى لا يستفتح ولا يتعوذ ولا يقرأ السورة لأن ذلك شأن آخر الصلاة.
(1) الحديث بهذا اللفظ أخرجه النسائي في سننه (861) 2: 114 كتاب الإمامة، السعي إلى الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (7209) ط إحياء التراث. وأصله في الصحيحين، ولكن بلفظ:«وما فاتكم فأتموا» . وسيأتي تخريجه عندهما. وقد أخرج مسلم نحوه: «صل ما أدركت واقض ما سبقك» . (602) 1: 421 كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة
…
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (866) 1: 308 كتاب الجمعة، باب المشي إلى الجمعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (602) 1: 421 كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة
…
قال: (ولا تجب القراءة على المأموم. ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام، وما لا يجهر فيه، أو لا يسمعه لبعده. فإن لم يسمعه لطرش فعلى وجهين. وهل يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام؟ على روايتين).
أما كون القراءة لا تجب على المأموم؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» (1)[رواه الدارقطني](2).
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يكفيك قراءة الإمام خافتَ أو جهر» (3).
ولأنه حال جهر الإمام مأمور بالإنصات وذلك ينافي وجوب القراءة عليه.
وأما كونه يستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وما لا يجهر فيه أو لا يسمعه لبعده؛ فلأن القراءة مشروعة في جميع الصلاة لأنها محل ذلك. وإنما تُرك ذلك في حق المأموم فيما يجهر فيه إمامه لأنه يشوش عليه ويمنعه من سماع القراءة. وهذا المعنى مفقود في هذه المواضع فيبقى على مقتضى الدليل.
ولأنه روي في بعض ألفاظ الحديث: «إذا أسررتُ بقرائتي فاقرؤا» (4).
وأما كونه إذا لم يسمعه لطرش يستحب له القراءة على وجهٍ؛ فلأنه لا يسمع فلا يكون مأموراً بالإنصات فشرع له القراءة كالذي قبله.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (1) 1: 323 كتاب الصلاة، باب ذكر قوله صلى الله عليه وسلم: من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة.
(2)
زيادة من ج.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (19) 1: 331 الموضع السابق. وقال: عاصم ليس بالقوي، ورفعه وهم.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (32) 1: 333 الموضع السابق. وقال: تفرد به زكريا الوقار، وهو منكر الحديث متروك.
وأما كونه يكره له على وجهٍ؛ فلما فيه من تشويش الصلاة على الإمام وعلى من يُنصت من بقية المأمومين.
وأما كونه يستحب له أن يستفتح ويستعيذ فيما يجهر فيه الإمام على روايةٍ؛ فلأن سماعه لقراءة الإمام قامت مقام قراءته بخلاف الاستفتاح والاستعاذة فإن الإمام يسر بهما فيسن قولهما للمأموم لئلا يترك الأصل وما قام مقامه.
وأما كونه يكره له ذلك على روايةٍ وهي الصحيحة؛ فلأن الاستفتاح والتعوذ تابعان للقراءة فإذا كره المتبوع كره التابع.
قال: (ومن ركع أو سجد قبل إمامه فعليه أن يرفع ليأتي به بعده. فإن لم يفعل عمداً بطلت صلاته عند أصحابنا إلا القاضي).
أما كون من ركع أو سجد قبل إمامه عليه أن يرفع ليأتي به بعده؛ فلأن إتيانه بعده واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به. فإذا ركع فاركعوا. وإذا سجد فاسجدوا» (1). أمر بذلك بعد فعل الإمام. وأمره للوجوب. ولا يمكن ذلك إلا بالرفع. وكذلك قال المصنف رحمه الله: ليأتي به بعده. والمراد بالبعدية هنا بعد شروع الإمام في الركن لا بعد فراغه منه.
وأما كونه إذا لم يرفع عمداً تبطل صلاته عند أصحابنا غير القاضي؛ فلأنه سابَقَ إمامه في الركوع والسجود (2) أشبه ما لو سابقه في السلام.
(1) سبق تخريجه ص: 395.
(2)
زيادة من ج.
ولأنه متى فعل ذلك متعمداً فقد ارتكب النهي وخالف الأمر. وذلك يقتضي الفساد.
ومقتضى هذا التعليل أنه متى سابقه عمداً في ركوع أو سجود أو رفع بطلت صلاته. ونقله ابن عقيل رواية.
وذكر المصنف رحمه الله في الكافي: أنه ظاهر كلام الإمام أحمد رحمة الله عليه لأنه قال: لو كان له صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب. إشارة منه إلى قوله عليه السلام: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار» (1) متفق عليه.
وأما كونها لا تبطل عند القاضي؛ فلأنه شارك إمامه في الركن المقصود وإنما فارقه في الانحناء وليس بمقصود لأنه وسيلة إلى المقصود والاتفاق في المقصود مع الافتراق في الوسيلة لا يضر كما لو سابقه في الأقوال.
قال: (فإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه عالماً عمداً فهل تبطل صلاته؟ على وجهين. وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل صلاته. وهل تبطل الركعة؟ على روايتين).
أما كون صلاة من ركع ورفع قبل إمامه مع علمه بكونه مبطلاً وعمده كذلك تبطل صلاته على وجهٍ؛ فلأنه سبق بركن كامل وهو معظم الركعة أشبه ما لو سبقه في السلام.
وأما كونها لا تبطل على وجهٍ فكما لو ركع أو رفع.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (659) 1: 245 كتاب الجماعة والإمامة، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام.
وأخرجه مسلم في صحيحه (427) 1: 320 كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما.
وأما كون صلاة من فعل ذلك مع جهله أو نسيانه لا تبطل؛ فلأن تحريمه بالصلاة صحيح ولم يوجد ما يبطله لأن فعل الجاهل والناسي يعذران فيه.
وأما كون الركعة تبطل على روايةٍ؛ فلأنه لم يجتمع مع إمامه في الركوع [أشبه ما لو أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع.
والثانية: لا تبطل لأنه معذور] (1) أشبه ما لو أحرم معه ثم ركع الإمام ورفع وهو قائم ظناً أن الإمام لم يركع بعد.
قال: (فإن ركع ورفع قبل ركوعه ثم سجد قبل رفعه بطلت صلاته. إلا الجاهل والناسي تصح صلاتهما وتبطل تلك الركعة).
أما كون صلاة غير الجاهل والناسي تبطل؛ فلأن ذلك مسابقة ومفارقة كثيرة.
وأما كون صلاة الجاهل والناسي تصح؛ فلصحة تحريمها وعذرهما.
وأما كون تلك الركعة تبطل؛ فلأنه لم يتابع إمامه في معظم الركعة.
ولأنه إذا سبق إمامه بالركوع وحدَه أبطل؛ لأنه عماد الركعة فهذا بطريق الأولى.
(1) ساقط من ب.
قال: (ويستحب للإمام تخفيف الصلاة مع إتمامها. وتطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية).
أما كون الإمام يستحب له التخفيف مع الإتمام؛ فلما روى أنس قال: «ما صليت خلف أحد أخف ولا أتم من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم» (1).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمّ أحدكم فليُخَفِّف. فإن فيهم الضعيف وذا الحاجة» (2).
ومعنى إتمام الصلاة: أن يفعل أدنى الكمال من التسبيح والقراءة وسائر أجزاء الصلاة. وهذا التخفيف مختص بمن لا تُؤْثِر جماعته التطويل فإن آثرته استحب؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالستين إلى المائة» (3)، و «بقاف» (4)، و «بالروم» (5)، و «بالمؤمنون (6» ) (7).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (676) 1: 250 كتاب الجماعة والإمامة، باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي.
وأخرجه مسلم في صحيحه (469) 1: 342 كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (671) 1: 248 كتاب الجماعة والإمامة، باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء.
وأخرجه مسلم في صحيحه (467) 1: 341 كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام.
وأخرجه أبو داود في سننه (795) 1: 211 كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (236) 1: 461 أبواب الصلاة، باب ما جاء إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف.
وأخرجه النسائي في سننه (823) 2: 94 كتاب الإمامة، ما على الإمام من التخفيف.
وأخرجه أحمد في مسنده (10311) 2: 486.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (522) 1: 201 كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (461) 1: 338 كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح. كلاهما من حديث أبي برزة الأسلمي.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (457) 1: 336 كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح. عن قطبة بن مالك.
(5)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (2730) 2: 117 كتاب الصلاة، باب القراءة في صلاة الصبح. عن عبدالملك بن عمير.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (881) 2: 301. من حديث الأغر المزني.
(6)
في ب: وبالمؤمنين.
(7)
أخرجه مسلم في صحيحه (455) 1: 336 كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح. عن عبدالله بن السائب.
وأما كونه يستحب له تطويل الركعة الأولى أكثر من الثانية؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الثانية على النصف مما قرأ به في الركعة الأولى» (1).
ولأنه إذا طول الأولى لحقه المأمومون ولم يفتهم من صلاة الجماعة شيء.
قال: (ولا يستحب انتظار داخل وهو في الركوع في إحدى الروايتين. وإذا استأذنت المرأة إلى المسجد كره منعها. وبيتها خير لها).
أما كون الإمام لا يستحب له انتظار الداخل في حال ركوعه في روايةٍ؛ فلأن انتظاره له يؤدي إلى التشريك في العبادة.
وأما كونه يستحب له في روايةٍ؛ فلما روى ابن أبي أوفى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم» (2) رواه أبو داود.
وروى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع سمع حساً خلفه لم يرفع حتى لا يسمع حساً» .
ولأنه نفعٌ للداخل من غير مشقة فشرع كتخفيف الصلاة إذا سمع بكاء الصغير تخفيفاً على أمه.
(1) لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج مسلم في صحيحه (451) 1: 333 كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر. بلفظ:«عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر. فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة ألم تنزيل - السجدة. وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك. وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر. وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك» .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (802) 1: 212 كتاب الصلاة، باب ما جاء في القراءة في الظهر.
ولا بد أن يلحظ في هذه الرواية عدم مشقة المأمومين فلو شق ذلك عليهم لم يستحب لما تقدم من قوله عليه السلام: «إذا أمَّ أحدكم فليخفّف فإن فيهم الضعيف وذا الحاجة» (1).
وأما كون المرأة إذا استأذنت إلى المسجد يكره منعها وبيتها خير لها؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ وبيوتُهن خيرٌ لهن» (2) رواه الإمام أحمد.
(1) سبق تخريجه ص: 464.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (4655) 2: 16، و (5468) 2:76.
فصل في الإمامة
قال المصنف رحمه الله: (السنة أن يَؤم القوم أقرؤهم. ثم أفقههم. ثم أسَنُّهم. ثم أقدمهم هجرة. ثم أشرفهم. ثم أتقاهم. ثم من تقع له القرعة).
أما كون السنة أن يؤم القوم أقرؤهم ثم أفقههم؛ فلما روى أبو مسعود البدري (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤم القوم أقرؤهم فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» (2).
وروى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اجتمع ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» (3) رواهما مسلم.
وأما كون السنة أن يؤمهم بعدَ ما ذكر أسنهم؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث وصاحبه: «إذا حضرت الصلاة فأذنا وليؤمكما أكبركما» (4) متفق عليه.
وفي بعض الحديث: «وكانت قرائتهما متقاربة» (5).
ولأن الكبير أخشع في صلاته وأقرب إلى إجابة الدعاء.
وقال ابن حامد: أولاهم بعد القراءة والفقه أشرفهم ثم أقدمهم هجرة ثم أكبرهم سناً.
(1) في ب: سعيد البدري.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (673) 1: 465 كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (672) 1: 464، الموضع السابق.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (605) 1: 226 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (674) 1: 465 الموضع السابق.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (674) 1: 466 الموضع السابق.
وظاهر كلام الإمام أحمد رحمة الله عليه أنهما إذا استويا في القراءة والفقه فأولاهما أقدمهما هجرة ثم أسنهما؛ لأن تكملة حديث أبي مسعود (1): «فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة. فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً» (2).
وأما كون السنة أن يؤم القوم بعد ما تقدم ذكره أقدمهم هجرة؛ فلما تقدم في حديث أبي مسعود (3).
ومعنى الأقدم هجرة أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام.
وأما كون السنة أن يؤم القوم بعد ذلك أشرفهم؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» (4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «قدموا قريشاً ولا تَقَدّموها» (5).
وأما كون السنة أن يؤمهم بعد ذلك أتقاهم؛ فلأنه أقرب إلى الإجابة. وقد جاء: «إذا أمَّ الرجلُ القومَ وفيهم من هو أفضلُ لم يزالوا في سِفَال» (6). ذكره الإمام أحمد رحمه الله في رسالته.
وأما كون السنة أن يؤمهم بعد ذلك من تقع له القرعة؛ فـ «لأن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أقرع بين الناس في التأذين حين تشاحوا فيه» (7) والإمامة مثله.
(1) في ب أبي سعيد. وهو تصحيف.
(2)
سبق تخريجه قبل قليل.
(3)
في ب: أبي سعيد.
(4)
أخرجه أحمد في مسنده (12923) 3: 183 من حديث أنس رضي الله عنه.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (926) 125 من حديث أبي برزة رضي الله عنه. و (2133) 284 من حديث أنس رضي الله.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 121 جماع أبواب صلاة الإمام وصفة الأئمة، باب من قال: يؤمهم ذو نسب إذا استووا في القراءة والفقه. من حديث أنس رضي الله عنه.
(5)
أخرجه الشافعي في مسنده (691) 2: 194 كتاب المناقب.
(6)
ذكره الهيثمي في المجمع 2: 64 باب الإمامة، بلفظ: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أم قوماً وفيهم من هو أقرأ لكتاب الله منه لم يزل في سفال إلى يوم القيامة» وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الهيثم بن عقاب. قال الأزدي: لا يعرف، قلت: ذكره ابن حبان في الثقات.
وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4: 355 بنحو لفظ الطبراني، وقال: الهيثم بن عقاب مجهول بالنقل. حديثه غير محفوظ، ولا يعرف إلا به. ر ص: 71 من رسالة أحمد.
(7)
سبق تخريجه ص: 268.
ولأن القرعة ترفع النزاع والتشاحن وتقطع الخصام.
قال: (وصاحب البيت وإمام المسجد أحق بالإمامة إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان).
أما كون صاحب البيت أحق من غيره بالإمامة إذا لم يكن بعضهم من في بيته ذا سلطان؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «صاحب الدار أحق بالدار» (1).
وقوله: «لا يُؤَمَّنّ الرجل في بيته» (2).
وأما كون إمام المسجد أحق من غيره بالإمامة إذا لم يكن بعض من في المسجد كذلك؛ فـ «لأن ابن عمر رضي الله عنها كان له مولى يصلي في مسجد. فحضر ابن عمر. فقيل له: تقدم. فقدم مولاه. وقال: أنت أحق بالإمامة في مسجدك» (3).
ولأن في تقديم غيره افتياتاً على من نصبه وكسراً لقلب (4) المولّى.
وأما كون السلطان أحق منهما؛ فلأن له ولاية عامة عليهما وعلى غيرهما.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمّ عتبان بن مالك وأنساً في بيوتهما» (5).
وذكر أبو الخطاب وجهاً أنهما أحق من السلطان لأن مرتبة السلطان لا تنقص بذلك وفيه جبر قلب صاحب (6) البيت والإمام الراتب. وزيادة في شرفه.
(1) لم أقف عليه هكذا. وقد أخرج الشافعي في مسنده (320) 1: 108 كتاب الصلاة، باب الجماعة وأحكام الإمامة. عن ابن مسعود قال:«من السنة أن لا يؤمهم إلا صاحب البيت» .
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (673) 1: 465 كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة.
وأخرجه أبو داود في سننه (582) 1: 159 كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة.
(3)
أخرجه الشافعي في مسنده (321) 1: 108 كتاب الصلاة، باب الجماعة وأحكام الإمامة.
(4)
سقط لفظ: لقلب من ب.
(5)
حديث عتبان أخرجه البخاري في صحيحه (804) 1: 288 كتاب صفة الصلاة، باب من لم ير رد السلام على الإمام، واكتفى بتسليم الصلاة.
وأما حديث إمامة النبي صلى الله عليه وسلم لأنس فقد أخرجه البخاري في صحيحه (833) 1: 296 كتاب صفة الصلاة، باب صلاة النساء خلف الرجال.
وأخرجه مسلم في صحيحه (658) 1: 457 كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة
…
(6)
في ب: لصاحب.
قال: (والحر أولى من العبد. والحاضر أولى من المسافر. والبصير أولى من الأعمى في أحد الوجهين).
أما (1) كون الحر أولى من العبد؛ فلأن الحر أشرف منه وأكمل في أحكامه. ويصلح لإمامة الجمعة (2) والعيد بخلاف العبد.
وقول المصنف رحمه الله: [أولى من العبد](3)؛ مشعر بصحة إمامة العبد وهو صحيح؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم» (4).
و«لأن عائشة رضي الله عنها صلت خلفَ غلام لها» (5).
و«صلى أبو سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد بأبي ذر وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهم» (6) رواه صالح بن الإمام أحمد رحمة الله عليهما في مسائله.
ولأنه أهلٌ للأذان فصلح أن يكون إماماً كالحر.
وأما كون الحاضر أولى من المسافر؛ فلأنه إذا أم حصل جميع الصلاة في جماعة بخلاف المسافر.
وأما كون البصير أولى من الأعمى في وجه؛ فلأنه أقدر على توقي النجاسات واستقبال القبلة باجتهاده.
وأما كونهما سواء في وجهٍ قاله القاضي؛ فلأن الأعمى أخشع من البصير فيكون ذلك مقابلاً لتوقي النجاسات.
(1) ساقط من ب.
(2)
مثل السابق.
(3)
مثل السابق.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (673) 1: 465 كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة.
(5)
أخرجه الشافعي في مسنده (314) 1: 106 كتاب الصلاة، باب الجماعة وأحكام الإمامة. عن ابن أبي مليكة «أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة رضي الله عنها. وأبو عمرو غلامها يومئذ لم يعتق قال: وكان إمام بني محمد بن أبي بكر وعروة».
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6111) 2: 31 كتاب الصلوات، في إمامة العبد. بنحوه.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6103) 2: 30 كتاب الصلوات، في إمامة العبد. وفيه أبو مسعود وأبو حذيفة بدل ابن مسعود وحذيفة.
قال: (وهل تصح إمامة الفاسق والأقلف؟ على روايتين. وفي إمامة أقطع اليدين وجهان).
أما كون إمامة الفاسق لا تصح على روايةٍ؛ فلقوله تعالى: {أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون} [السجدة: 18].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تَؤمن امرأة رجلاً. ولا فاجر مؤمناً إلا أن يقهره سلطان أو يخاف سوطه» (1)[رواه ابن ماجة](2).
وفي لفظ: «ولا فاسق مؤمناً» .
وقوله عليه السلام: «انتقدوا أئمتكم نقد الدينار» .
وأما كونها تصح على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ فقال: صل الصلاة في وقتها. فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» (3) رواه مسلم.
و«كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي وراء الحجاج» (4).
«والحسن والحسين رضي الله عنهما يصليان وراء مروان» (5).
وأما كون إمامة الأقلف لا تصح على روايةٍ؛ فلأنه حامل لنجاسة ظاهرة يمكنه إزالتها بإزالة المانع بالختان.
وأما كونها تصح على روايةٍ فلتعذر زوال النجاسة في الحال. والختان مختلف في وجوبه فلم تكن إزالتها واجبة لا محالة.
وأما كون إمامة أقطع اليدين لا تصح في وجه فلإخلاله بعضو من أعضاء السجود.
وأما كونها تصح في وجه؛ فلأنه لا يخل بركن من أركان الصلاة.
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1081) 1: 343 كتاب إقامة الصلاة، باب في فرض الجمعة.
(2)
زيادة من ج.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (648) 1: 448 كتاب المساجد، باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها
…
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 121 كتاب الصلاة، باب الصلاة خلف من لا يحمد فعله.
وأخرجه الشافعي في مسنده (323) 1: 109 كتاب الصلاة، باب الجماعة وأحكام الإمامة.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 122 كتاب الصلاة، باب الصلاة خلف من لا يحمد فعله.
وأخرجه الشافعي في مسنده (324) 1: 109 كتاب الصلاة، باب الجماعة وأحكام الإمامة.
وذكر المصنف رحمه الله في المغني هذين الوجهين روايتين.
والحكم في أقطع الرجلين أو إحداهما أو إحدى اليدين كالحكم في أقطع اليدين لاتحاد الكل في الإخلال بعضو وعدمه بما هو ركن.
قال: (ولا تصح الصلاة خلف كافر، ولا أخرس، ولا من به سلس البول، ولا عاجز عن الركوع والسجود والقعود).
أما كون الصلاة لا تصح خلف كافرٍ؛ فلأن الصلاة تفتقر إلى النية وكذا الوضوء. والنية فيهما لا تصح من الكافر. وسواء عَلم بكفره في الصلاة أو بعد الفراغ منها لأن أمارات الكفر لا تخفى غالباً فكأنه إذا لم يَعلم يعد مقصراً.
وأما كونها لا تصح خلف أخرس؛ فلأنه مأيوس من قرائته فقد فات ركن من أركان الصلاة على وجهٍ لا يرجى وجوده فلم تصح الصلاة خلفه كالعاجز عن الركوع والسجود.
فعلى هذا لا فرق بين كون المأموم أخرس أو ناطقاً لما ذكر من فوات الركن الذي هو القراءة.
وذكر المصنف رحمه الله في الكافي أنه يصح إمامة الأخرس بمثله لاستوائهما في فوات الركن. أشبه إمامة الأمي بمثله.
وأما كونها لا تصح خلف من به سلس البول؛ فلأن في صلاته خللاً غير مجبور ببدل.
ولأنه محدث حامل للنجاسة أشبه ما لو صلى خلف محدث يعلم بحدثه.
فإن قيل: فلم صحت صلاته في نفسه؟
قيل: للضرورة.
وأما كونها لا تصح خلف عاجز عن الركوع والسجود والقعود؛ فلأنه أخل بركن لا يسامح به في النافلة فلم يجز للقادر عليه الائتمام به كالقارئ بالأمي.
قال: (ولا تصح خلف عاجز عن القيام إلا إمام الحي المرجو زوال علته. ويصلون وراءه جلوساً. فإن صلوا قياماً صحت صلاتهم في أحد الوجهين. وإن ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس أتموا خلفه قياماً).
أما كون صلاة القادر على القيام لا تصح خلف عاجز عنه غير إمام الحي المذكور؛ فلأنه عجز عن ركنٍ من أركان الصلاة فلم يصح الاقتداء به كالعاجز عن القراءة.
وأما كونها تصح خلف إمام الحي المذكور؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً مرتين أو ثلاثاً وصلى الناس خلفه» (1).
وإنما اشترط في صحة صلاة القائم خلف العاجز عن القيام أن يكون العاجز إمام حي وأن تكون علته مرجوة الزوال لأن مقتضى الدليل أن لا يصح مطلقاً لما تقدم في صلاة القادر على الركوع خلف العاجز عنه. تُرك العمل به فيما ذكر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكان موصوفاً فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.
وأما كون من وراءه يصلون جلوساً إذا لم يبتدأهم الصلاة قائماً؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به. فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً. وإن صلى جالساً فلا تقوموا وهو جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها» (2) رواه مسلم.
ولقوله: «وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين» (3) متفق عليه.
ولأنها حالة قعود للإمام فوجب متابعته كالتشهد.
وأما كون صلاتهم تصح إذا صلوا قياماً؛ [فلأن النبي صلى الله عليه وسلم](4) لم يأمرهم بالإعادة.
أخرجه البخاري في صحيحه (656) 1: 244 كتاب الجماعة والإمامة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به.
وأخرجه مسلم في صحيحه (412) 1: 309 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (413) 1: 309 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
وأخرجه أبو داود في سننه (602) 1: 163 كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود.
(3)
سبق تخريجه في الحديث قبل السابق.
(4)
زيادة يقتضيها السياق.
وأما كونها لا تصح في وجهٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالجلوس» وأمره للوجوب. و «نهى عن القيام» والنهي يقتضي الفساد.
وقيل: هذان الوجهان روايتان.
وأما كونهم يتمون خلفه قياماً إذا ابتدأ بهم الصلاة قائماً ثم اعتل فجلس؛ فـ «لأن أبا بكر ابتدأ بالصحابة الصلاة قائماً. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة بهم جالساً. وأتم من خلفه قياماً» (1).
ولأن القيام هو الأصل فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها كمن شرع في صلاة وهو مقيم ثم خرجت به السفينة في أثناء الصلاة فلم يجز له القصر.
وفي هذا جمع بين أمره بالقعود وبين إقراره على تركه آخر أمره لأنا حملنا قوله: «وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين» (2) ونحو ذلك على ما إذا ابتدأ الصلاة جالساً، وإقرارَه على القيام في آخر أمره على ما إذا ابتدأ الصلاة قائماً ثم اعتل؛ لأن إمامة النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء صلاة أبي بكر كاعتلال أبي بكر رضي الله عنه. ولا شبهة أن ذلك أولى من النسخ لا سيما مع ظهور الفرق بين ابتدائه الصلاة معتلاً وبين اعتلاله في أثنائها.
قال: (ولا تصح إمامة المرأة والخنثى للرجال ولا للخناثى. ولا إمامة الصبي لبالغ إلا في النفل على إحدى الروايتين).
أما كون إمامة المرأة للرجال لا تصح؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تؤمن امرأة رجلاً» (3).
ولأن المرأة لا تُؤَذّن للرجال فلا تكون إمامةً لهم كالمجنون.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (681) 1: 251 كتاب الجماعة والإمامة، باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (418) 1: 311 كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس
…
(2)
سبق تخريجه ص: 473.
(3)
سبق تخريجه ص: 471.
ونقل أبو الخطاب عن أصحابنا: أنه (1) يجوز أن تكون المرأة إمامة للرجال في التراويح خاصة؛ لما روى عبدالرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت عبدالله بن الحارث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لها مؤذناً يُؤذن لها. وأمرها أن تؤم أهل دارها» (2) رواه أبو داود.
وهذا عام في الرجال والنساء.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أنه لا يجوز أن تؤم في ذلك ولا في غيره. وصرح به في المغني. وأجاب عن حديث أم ورقة أن في روايةٍ الدارقطني «أن تؤم بنساء أهل دارها» (3). فيحمل المطلق على المقيد.
وذكر صاحب النهاية فيها «أن أم ورقة قالت: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم إني امرأة أصلي بأهل بيتي لأني أحفظ القرآن وهم لا يحفظون. فقال: قدمي الرجال أمامك وقومي فصلي بهم من ورائهم. وقومي مع النساء» وهذا تصريح بإمامة المرأة للرجل لا احتمال فيه ولا إطلاق.
فعلى قول المصنف رحمه الله لا كلام فيه (4)، وعلى نقل أبي الخطاب: يشترط في المأموم أن يكون ممن يجوز له سماع كلامها. ذكره صاحب النهاية فيها لأن المأموم إذا كان أجنبياً حرم عليه سماع كلامها. والإمام لا مندوحة له عن الكلام إما في التكبير وإما في القراءة.
وأما كون إمامة المرأة (5) للخناثى لا تصح فلجواز أن يكونوا رجالاً وقد تقدم أنه لا يصح إمامة المرأة للرجال.
وأما كون إمامة الخنثى للرجال لا تصح؛ فلجواز كون الإمام امرأة والمأموم رجلاً [وقد تقدم أنه لا يصح أن تكون المرأة إماماً للرجل.
(1) زيادة من ج.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (592) 1: 161 كتاب الصلاة، باب إمامة النساء.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (1) 1: 403 كتاب الصلاة، باب صلاة النساء جماعة وموقف إمامهن.
(4)
ساقط من ب.
(5)
مثل السابق.
وأما عدم جواز صلاة الخنثى بالخنثى؛ فلجواز كون الإمام امرأة والمأموم رجلاً] (1).
وأما كون إمامة الصبي لبالغ في الفرض لا تصح؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا صبيانكم» (2).
ولأن الإمامة حالُ كمال والصبي ليس من أهله أشبه المرأة. بل آكد لأنه نقص يمنع التكليف وصحة الإقرار.
ولأن الإمام ضامن يتحمل عن المأمومين والصبي ليس من أهل الضمان.
وأما كونها تصح في النفل على روايةٍ؛ فلأنها نافلة في حقه فيقتدي به من هو متنفل مثله.
وأما كونها لا تصح على روايةٍ؛ فبالقياس على الفرض.
والأولى أصح؛ لما تقدم.
وقالت عائشة رضي الله عنها: «كنا نأخذ الصبيان من الكُتّاب فيصلوا بنا التراويح. ويعملوا (3) لنا الخشكنان» .
ولأنها أخف حالاً من الفرض يسقط فيها بعض أركان الصلاة من استقبال القبلة والقيام.
وذكر أبو الخطاب في صحة إمامة الصبي في الفرض روايةً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: «يؤم القوم أقرؤهم. قال عمرو بن سلمة: كنت أقرؤهم وكنت أصلي بهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين» (4) رواه أبو داود.
وهذا الحديث كان الإمام أحمد يضعفه.
قال الخطابي: وعلى تقدير صحته لا يصح الاحتجاج به إلا إذا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأقره [عليه.
(1) ساقط من ب.
(2)
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (20390) 7: 588 الفصل الثاني في الإمامة وما يتعلق بها. وعزاه إلى الديلمي عن علي.
(3)
في ب: ويعلموا.
(4)
سبق تخريجه ص: 301.
ويمكن الجواب عنه بأن الظاهر من حاله أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عليه فأقره] (1). والعمل بالظاهر متعين.
قال: (ولا تصح إمامة محدِث ولا نجس يعلم ذلك. فإن جهل هو والمأموم حتى قضوا الصلاة صحت صلاة المأموم وحده).
أما كون إمامة المحدث والنجس العالمين بحالهما لا تصح؛ فلأن الطهارة من الحدث والنجس شرط لصحة الصلاة فضلاً عن الإمامة وهو مفقود هنا فلم يصح لفوات الشرط.
وأما كون المأموم تصح صلاته إذا جهل هو والإمام (2) إلى فراغ صلاته؛ فلما روى البراء بن عازب قال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم وليس هو على وضوء فتمت للقوم وأعاد النبي صلى الله عليه وسلم» (3).
وروى البراء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى الإمام بالقوم وهو على غير وضوء أجزأت صلاة القوم ويعيد» (4).
وأما قول المصنف رحمه الله: وحده؛ ففيه تنبيه على أن صلاة الإمام لا تصح وهو صحيح. صرح به في المغني وغيره.
ووجهه ما تقدم من الحديث في قوله: «وأعاد النبي صلى الله عليه وسلم» وفي قوله: «ويعيد» .
(1) ساقط من ب.
(2)
في ب: الإمام.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 400 كتاب الصلاة، باب إمامة الجنب.
وأخرجه الدارقطني في سننه (6) 1: 363 كتاب الصلاة، باب صلاة الإمام وهو جنب أو محدث. من رواية جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن البراء. وفيه عيسى بن عبدالله وجويبر ضعيفان. وسنده منقطع لأن الضحاك لم يلق البراء.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (7) 1: 363 كتاب الصلاة، باب صلاة الإمام وهو جنب أو محدث.
قال: (ولا تصح إمامة الأمي. وهو: من لا يحسن الفاتحة أو يدغم حرفاً لا يُدْغَم، أو يبدل حرفاً، أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إلا بمثله. فإن قدر على إصلاح ذلك لم تصح صلاته).
أما كون إمامة الأمي بالقارئ لا تصح؛ فلأنه عجز عن ركن من أركان الصلاة أشبه إمامة القاعد بالقائم.
ولأن القراءة يتحملها الإمام عن المأموم عندنا وعن المسبوق عند المخالف. والأمي ليس أهلاً للتحمل.
وأما كون إمامة الأمي بمثله تصح؛ فلأنهما استويا فصح اقتداء أحدهما بالآخر كالمرأة.
وأما قول المصنف رحمه الله: وهو من لا يحسن الفاتحة .. إلى آخره؛ فبيان للأمي شرعاً. وأما في اللغة: فهو الباقي على أصل خلقته.
والمراد بمن لا يحسن الفاتحة من لا يحفظها، وبمن يدغم حرفاً لا يُدْغَم من يدغم حرفاً في غير مثله وغير ما يقاربه في المخرج، وبمن يبدل حرفاً بغيره من يبدل مثلاً القاف بالكاف فيقول: اهدنا الصراط المستكيم، وبمن يلحن لحناً يحيل المعنى [مثل أن يكسر الكاف في إياك، ويضم التاء من أنعمت.
وفي تقييد اللحن بتغيير المعنى] (1) دليل على أنه لو لحن لحناً لا يحيل المعنى لا يكون أمياً. وهو صحيح وصرح به غير المصنف من أصحابنا لأن المعنى المقصود حاصل وإن أساء في العبادة. ومن اللحن الذي لا يحيل المعنى فتح دال {نعبد} ونون {نستعين} [الفاتحة: 5] وهذه المسامحة مختصة بغير التعمد فإن تعمد ذلك لم تصح صلاته لأنه مستهزئ ومتعد (2).
وأما كون صلاته في نفسه لا تصح إذا قدر على إصلاح الفاتحة؛ فلأنه ترك ركناً مع القدرة على الإتيان فلم تصح صلاته كما لو ترك الركوع والسجود عمداً.
(1) ساقط من ب.
(2)
في ب: ومعتد.
قال: (وتكره إمامة اللحّان والفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء، ومن لا يفصح ببعض الحروف. وأن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن، أو قوماً أكثرهم له كارهون).
أما كون إمامة اللحّان وهو كثير اللحن، والفأفاء وهو من يكرر الفاء، والتمتام وهو من يكرر التاء، ومن لا يفصح ببعض الحروف كالبدوي الذي لا يفصح بالقاف تكره فلأن (1) في قراءتهم نقصاً عن حال الكمال بالنسبة إلى من لا يفعل ذلك فكره لتضمنها النقصان.
وقول المصنف رحمه الله: تكره؛ مشعر بصحة إمامتهم وهو صحيح؛ لأنهم يأتون بالحروف الواجبة، وإنما تزداد حركة أو فاء أو تاء وذلك غير مؤثر؛ كتكرير الآية.
وأما كون الإمام يكره له أن يؤم نساء أجانب لا رجل معهن؛ فلما فيه من الخلوة بالأجنبيات ومخالطة الوسواس. ولو كانت الخلوة بامرأة واحدة حرمت الخلوة بها.
وأما كونه يكره له أن يؤم قوماً أكثرهم له كارهون؛ فلما روى أبو أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون» (2) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
ولو استوى الكاره والراضي فوجهان للتعارض.
ولو كانت الكراهة لأنه صاحب سنة أو نحو ذلك لم يكره؛ لأن الذنب لهم.
قال: (ولا بأس بإمامة ولد الزنا والجندي إذا سَلِم دينهما).
أما كون ولد الزنا لا بأس بإمامته إذا سَلِم دينه؛ فلما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤمكم أقرؤكم وإن كان ولد زنا» (3).
و«صلى التابعون خلف زياد بالبصرة» وهو ممن في نسبه نظر.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه (360) 2: 193 أبواب الصلاة، باب ما جاء فيمن أم قوماً وهم له كارهون.
(3)
ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (20381) 7: 587 الفصل الثاني في الإمامة وما يتعلق بها. وعزاه إلى ابن حزم في كتاب الأعراب، وإلى الديلمي عن ابن عمر.
وأما كون الجندي لا بأس بإمامته إذا سلم دينه؛ فلدخوله في عموم الأدلة الدالة على صحة الإمامة.
ولأن كل واحد [من ولد الزنا](1) والجندي حر عدل تقبل روايته فلم تكره الصلاة خلفه قياساً على غيره.
قال: (ويصح ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها. ويصح ائتمام المفترض بالمتنفل. ومن يصلي الظهر بمن يصلي العصر في إحدى الروايتين. والأخرى لا تصح فيهما).
أما كون ائتمام من يؤدي الصلاة بمن يقضيها تصح؛ فلأن الاختلاف ليس في (2) النية ولا في التعيين ولكن في الوقت وذلك لا تتوقف صحة الصلاة عليه. بدليل صحة صلاة من ظن خروج الوقت فصلى بنية القضاء ثم بان أن الوقت لم يخرج، وصحة صلاة من ظن بقاء الوقت فصلى بنية الأداء فبان أن الوقت قد خرج.
قال الخلال (3): يصح ائتمام من يؤدي بمن يقضي رواية واحدة لما ذكر.
وقال ابن عقيل: فيه روايتان:
إحداهما: تصح لما ذكر.
والثانية: لا تصح لنقصان القضاء عن الأداء. فصحة الأداء خلفه نقص لرتبته.
ولأن صلاة الائتمام لا بد وأن تكون متضمنة لصلاة المأموم، والقضاء لا يتضمن الأداء.
ولا بد أن يلحظ في هذه المسألة اتحاد الصلاة كظهر خلف ظهر وعصر خلف عصر؛ لأن صلاة الظهر خلف عصر سيأتي بعد إن شاء الله تعالى.
ولأن الغرض هنا بيان أن اختلاف النية في القضاء والأداء لا يؤثر. ولو قدر في المسألة أنها ظهر خلف عصر لكان الكلام في شيئين:
أحدهما: اختلاف النية في القضاء والأداء.
(1) ساقط من ب.
(2)
مثل السابق.
(3)
مثل السابق.
وثانيهما: اختلافها في الظهرية والعصرية.
وأما كون ائتمام المفترض بالمتنفل يصح في روايةٍ؛ فبالقياس على المسألة المذكورة قبل.
وأما كونه لا يصح في روايةٍ وهي الصحيحة في المذهب قاله ابن عقيل؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» (1) ظاهره وإطلاقه يقتضي متابعته ظاهراً وباطناً فإذا اختلفت نيتهما (2) كان متابعاً من وجه دون وجه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تختلفوا على أئمتكم» (3).
ولأن الفرض أكمل من النفل فإذا اقتدى المفترض بالمتنفل فقد أسقط فضيلة الفريضة حيث جعلها تبعاً لما هو دونها.
والأولى أصح عند المصنف رحمه الله «لأن معاذاً كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة» (4) متفق عليه.
والظاهر من حاله أنه لم يكن يترك الأداء خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال فجاز ائتمام المفترض بالمتنفل كالعكس.
وأما كون ائتمام من يصلي (5) الظهر بمن يصلي العصر يصح في روايةٍ ولا يصح في روايةٍ؛ فلأن الاختلاف في الصفة كالاختلاف في الموصوف فيجب أن تكون الصحة وعدمها كالذي تقدم.
(1) سبق تخريجه ص: 395.
(2)
في ب: بينهما.
(3)
سبق تخريجه ص: 339.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (673) 1: 249 كتاب الجماعة والإمامة، باب من شكا إمامه إذا طول.
وأخرجه مسلم في صحيحه (465) 1: 339 كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء.
(5)
ساقط من ب.
فصل في الموقف
قال المصنف رحمه الله: (السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام. فإن [وقفوا] (1) قدامه لم تصح. وإن وقفوا معه عن يمينه أو عن جانبه صح).
أما كون السنة أن يقف المأمومون خلف الإمام؛ فلأن الصحابة رضي الله عنهم كذا كانوا يقفون خلف النبي صلى الله عليه وسلم. نقله الخلف عن السلف.
وأما كونهم إذا وقفوا قُدّامه لا تصح صلاتهم؛ فلأنه ليس موقفاً لأحد من المأمومين بحال. فلم تصح صلاتهم كما لو صلوا في بيوتهم بصلاة الإمام في المسجد.
ولأن الإمام متبوع ومقتدى به والمأموم متبع ومن تقدم إمامه ليس بمتبع.
وأما كونهم إذا وقفوا عن يمينه أو جانبيه تصح صلاتهم؛ فـ «لأن ابن مسعود رضي الله عنه صلى بين علقمة والأسود إماماً لهما. فلما فرغ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل» (2) رواه أبو داود.
قال: (فإن كان واحداً وقف عن يمينه. وإن وقف خلفه أو عن يساره لم يصح. وإن أم امرأة وقفت خلفه).
أما كون الواحد يقف عن يمين الإمام؛ فلما روى ابن عباس قال: «بِتُّ عند خالتي ميمونة. فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل. فقمت عن يساره فأخذ بذؤابة رأسي فأدارني عن يمينه» (3) متفق عليه.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (613) 1: 166 كتاب الصلاة، باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون.
وأخرجه أحمد في مسنده (3927) 1: 414.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (667) 1: 247 كتاب الجماعة والإمامة، باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم، ثم جاء قوم فأمهم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (763) 1: 528 كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
وأخرجه أبو داود في سننه (610) 1: 164 كتاب الصلاة، باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه كيف يقومان.
وأخرجه الترمذي في جامعه (232) 1: 451 أبواب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل، قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في سننه (806) 2: 87 كتاب الإمامة، موقف الإمام والمأموم صبي.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (973) 1: 312 كتاب إقامة الصلاة، باب الاثنان جماعة.
وأخرجه أحمد في مسنده (3389) 1: 360.
وأما كون من وقف خلفه لا تصح صلاته؛ فلما روى وابصة بن معبد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد» (1) رواه أبو داود.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لفرد خلف الصف» (2) رواه الأثرم.
قال الإمام أحمد فيهما: هذا حديث حسن.
وأما كون من وقف عن يساره لا تصح صلاته؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابراً لما وقفا عن يساره» (3).
ولأنه خالف الموقف فلم تصح صلاته كما لو وقف قدامه.
وأما كون من أمّ امرأة تقف خلفه؛ فلقوله عليه السلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله» (4).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (682) 1: 182 كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي وحده خلف الصف.
وأخرجه الترمذي في جامعه (231) 1: 448 أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1004) 1: 321 كتاب إقامة الصلاة، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده.
وأخرجه أحمد في مسنده (18032) 4: 228.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1003) 1: 320 كتاب إقامة الصلاة، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده.
وأخرجه أحمد في مسنده (16336) 4: 23.
(3)
أما حديث ابن عباس فقد سبق قريباً.
وأما حديث جابر فقد أخرجه مسلم في صحيحه (3010) 4: 2305 كتاب الزهد، باب حديث جابر الطويل.
وأخرجه أبو داود في سننه (634) 1: 169 كتاب الصلاة، باب إذا كان الثوب ضيقا يتزر به.
(4)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه موقوفاً على ابن مسعود (5115) 3: 149 كتاب الصلاة، باب شهود النساء الجماعة.
و «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمّ امرأة وأنساً واليتيم فجعل أنساً واليتيم خلفه والمرأة خلفهما» (1).
وروى أنس: «أنه أمَّهُ وامرأة عجوزاً -هي أمه أو خالته- فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا» (2) رواه مسلم.
ولأنها ناقصة عن الرجال فناسب ذلك تأخيرها.
قال: (فإن اجتمع أنواع: يقدم الرجال. ثم الصبيان. ثم الخناثى. ثم النساء. وكذلك يفعل في تقديمهم إلى الإمام إذا اجتمعت جنائزهم).
أما كون الرجال يتقدم على الصبيان؛ فلقوله عليه السلام: «ليليني أولو الأحلام والنهى» (3) رواه مسلم.
وأما كون الصبيان يتقدم على الخناثى؛ فلفضل الذكورية على الأنوثية والخنثى يحتمل كونه أنثى.
وأما كون الخناثى يتقدم على النساء؛ فلاحتمال كون الخنثى ذكراً.
وأما كونهم يفعل بهم في تقديمهم إلى الإمام إذا اجتمعت جنائزهم كذلك؛ فلأن الأموات كالأحياء في كثير من الأحكام فكذلك هاهنا.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (822) 1: 294 كتاب صفة الصلاة، باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور وحضورهم الجماعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (658) 1: 457 كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة
…
وأخرجه أبو داود في سننه (612) 1: 164 كتاب الصلاة، باب إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون.
وأخرجه الترمذي في جامعه (234) 1: 454 أبواب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء.
وأخرجه النسائي في سننه (801) 2: 85 كتاب الإمامة، إذا كانوا ثلاثة وامرأة.
وأخرجه أحمد في مسنده (12529) 3: 149.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (660) 1: 458 كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة
…
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (432) 1: 323 كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها
…
فعلى هذا إذا اجتمع جنائز من أنواع كرجل وصبي وخنثى وامرأة قدم الرجل لأنه يقدم في الحياة فكذلك في الممات.
ولأن الرجل أكمل الأنواع لاجتماع الذكورية والتكليف فيه. ثم الصبي: أما على الخنثى فلما ذكر، وأما على المرأة؛ فلأنه إذا قدم على الخنثى المقدم على المرأة؛ فلأن يقدم على المرأة بطريق الأولى.
ورواه النسائي. ولفظه: عن عمار مولى الحارث بن نوفل قال: «شهدت جنازة امرأة وصبي. فقدم الصبي مما يلي القوم. ووضعت المرأة وراءه. فصلي عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة. فسألتهم. فقالوا: السنة» (2). وذلك ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الخرقي: يقدم النساء على الصبيان لأنه يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال في الجنازة: «يوضع الرجال والصبيان بعد النساء» .
ولأن المرأة مكلفة فهي أكمل من الصبي وإنما قدم الصبي حياً خوف الفتنة. ثم الخنثى لأنه يحتمل أنه ذكر.
قال: (ومن لم يقف معه إلا كافر أو امرأة أو محدث يعلم حدثه فهو فَذٌّ. وكذلك الصبي إلا في النافلة).
أما كون من لم يقف معه إلا كافر أو محدث يعلم حدثه فذاً؛ فلأن صلاة الكافر والمحدث العالم بحدثه باطلة فوجودها كعدمها.
(1) أخرجه النسائي في سننه (1978) 4: 71 كتاب الجنائز، اجتماع جنائز الرجال والنساء. بدون ذكر العدد.
وأخرجه الدارقطني في سننه (13) 2: 79 كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر.
(2)
أخرجه النسائي في سننه (1977) 4: 71 كتاب الجنائز، اجتماع جنازة صبي وامرأة.
فإن قيل: لو لم يعلم المحدث بحدثه كانت صلاته باطلة أيضاً مع أنه يصح أن يكون صفاً.
قيل: مقتضاه أنه لا يصح لكنه لما كان في هذه الحالة يصلح أن يكون إماماً عارض ذلك لأنه إذا صلح أن يكون إماماً؛ فلأن يصلح أن يكون صفاً بطريق الأولى.
وأما كون من لم يقف معه إلا امرأة فذاً؛ فلأن مصاففتها مبطلة على قولٍ.
ولأن موقف الرجل يقدم على موقف المرأة فإذا صاففها خالف موقفه.
ولأنها لا تصافف الإمام وكذلك المأموم.
وأما كون من لم يقف معه في الفرض إلا صبي فذاً؛ فلأنه لا تصح إمامته فيها أشبه المرأة [في الفرض](1).
على أن المنقول عن الإمام أحمد أنه سئل عن وقوف الصبي مع الرجل في الفرض فتوقف عن الجواب. فذُكر له حديث أنس فقال: ذاك في التطوع.
لكن الأصحاب اختلفوا فذهب أكثرهم إلى أن الواقف معه يكون فذاً لما تقدم.
وقال ابن عقيل: تصح مصاففته في الفرض لأن صحة الإمامة لا تشترط لصحة المصاففة بدليل الفاسق والأمي مع القارئ، وبدليل العبد والمسافر في الجمعة، والمفترض مع المتنفل.
وهذا أصح عندي. وصححه جدي في خلاصته وصاحب المستوعب فيه. وقال فيه (2): لو اشترط في صحة المصاففة صحة الإمامة لما صحت مصاففة الأخرس ولا أعلم به قائلاً.
وأما كون من لم يقف معه في النافلة إلا صبي غير فذ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم صف أنساً واليتيم وراءه» (3).
واليتيم من لم يحتلم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يتم بعد احتلام» (4).
(1) زيادة من ج.
(2)
مثل السابق.
(3)
سبق تخريجه ص: 484.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2873) 3: 115 كتاب الوصايا، باب ما جاء متى ينقطع اليتم.
وعن الإمام أحمد أن الصبي لا يكون صفاً في النافلة قياساً على الفريضة.
والحديث يرده.
قال: (ومن جاء فوجد فُرجةً وقف فيها. فإن لم يجد وقف عن يمين الإمام. فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه).
أما كون من جاء فوجد فُرجة يقف فيها؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته يصلون على الذين يَصِلون الصفوف» (1).
والفُرجة: بضم الفاء هي الخلل في الصف.
وأما كون من لم يجد فرجة يقف عن يمين الإمام؛ فلأنه موقف الواحد.
وأما كون من لم يمكنه ذلك له أن ينبه من يقوم معه فلما في ذلك من حصول من يقف معه.
ومفهوم كلام المصنف رحمه الله: أنه ليس له أن يُحدث من يجذب إليه. وصرح به أبو الخطاب.
وقال ابن عقيل: جوز أصحابنا جذبه.
والأول أصح؛ لما فيه من التصرف في الغير بغير إذنه.
قال المصنف في المغني: ولأصحابنا أن يقولوا ليس في جذبه برفق تصرف وإنما هو تنبيه إن خرج وإلا لم يكره. ومثل هذا يسامح فيه أشبه السجود على ظهر الرجل في الزحام.
قال: (فإن صلى فذاً ركعة لم تصح. وإن ركع فذاً ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الإمام صحت صلاته. وإن رفع ولم يسجد صحت. وقيل إن علم النهي لم تصح، وإن فعله لغير عذر لم تصح).
أما كون من صلى ركعة كاملة فذاً لا تصح صلاته؛ فلما تقدم من حديث وابصة بن معبد (2). ومن قوله: «لا صلاة لفرد خلف الصف» (3).
(1) أخرجه أحمد في مسنده (24631) 6: 89. عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
ر. ص: 483.
(3)
سبق تخريجه ص: 483.
ولأن الركعة في حكم الصلاة في الوتر والحنث في اليمين.
ولأن المصلي لها يكون مدركاً للجمعة وزمانها يطول بخلاف ما إذا صلى فذاً بعض ركعة.
وأما كون من ركع فذاً ثم دخل في الصف أو وقف معه آخر قبل رفع الإمام تصح صلاته؛ فلأنه أدرك في الصف ما تُدرك به الركعة.
وأما كون من فعل ذلك غير عالم بالنهي وقد رفع الإمام ولم يسجد تصح صلاته؛ فلأنه لم يصل معظم الركعة فذاً أشبه ما لو أدرك الركوع.
وأما كون من فعل ذلك عالماً بالنهي تصح صلاته على المذهب؛ فلما ذكر في غير العالم به.
وأما كونها لا تصح على قول؛ فلأنه إذا علم النهي فقد ارتكب المنهي عنه عمداً وفاعل ذلك لا يعذر والنهي يقتضي الفساد فلزم بطلان صلاته عملاً بالمقتضي السالم عن معارضة العذر.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله أن النهي مختص بما لو دخل في الصف بعد رفع الإمام رأسه.
وظاهر كلام صاحب (1) النهاية فيها أن النهي يعود إلى من ركع دون الصف ثم دخل الصف قبل رفع الإمام أو قبل سجوده.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «أيكم ركع دون الصف ثم مشى» (2) إشارة إلى التعليل بذلك فيعم.
فإن قيل: النهي إلى ماذا يعود؟
قيل: على القول بالصحة يكون عائداً إلى التأخير، وعلى القول بالفساد يكون عائداً إلى مثل (3) فعل أبي بكرة من ركوعه قبل الصف ومشيته إليه.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (684) 1: 182 كتاب الصلاة، باب الرجل يركع دون الصف.
(3)
زيادة من ج.
وفي قوله: إن علم إشعار بأن الصلاة تصح مع الجهل وهو صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة بالإعادة.
وعن أحمد: لا تصح مع الجهل لأنه ركع فذاً فلم تصح كما لو لم يدخل في الصف.
وأما كون من ركع دون الصف ثم دخله لغير عذر مثل أن يكون غير خائف فوات الركعة أو عالماً بإطالة الإمام ونحو ذلك لا تصح صلاته؛ فلأن الرخصة وردت في المعذور فلا يلحق به غيره.
وقيل: حكمه حكم من خاف الفوات لأن الموقف لا يختلف بخيفة الفوات وعدمه.
قال: (وإذا كان المأموم يرى مَن وراء الإمام صحت صلاته إذا اتصلت الصفوف. فإن لم ير من وراءه لم تصح. وعنه تصح إذا كانا في المسجد).
أما كون المأموم إذا كان يرى مَن وراء الإمام تصح صلاته إذا اتصلت الصفوف؛ فلانتفاء عدم الرؤية وعدم الاتصال المفسدَين.
ولأن المأموم إذا كان شأنه ما ذكر أمكنه الاقتداء بإمامه من غير خلل فوجب أن تصح صلاته كمن صلى في الصف الأول.
ولا بد أن يلحظ أن اتصال الصفوف فيمن صلى معه في المسجد غير معتبر. ذكره المصنف في المغني وغيره من الأصحاب.
قال أبو الحسن الآمدي: لا خلاف في المذهب أنه لا يعتبر اتصال الصفوف في المسجد.
وكلام المصنف رحمه الله مشعر باشتراطه فيجب حمله على ما إذا صلى بصلاة الإمام خارج المسجد.
وإنما لم يعتبر الاتصال في المسجد؛ لأن المصلين فيه مع الاقتداء يُعدّون مجتمعين في البعد والقرب.
وإنما اعتبر الاتصال في خارج المسجد؛ لأن المكان ليس معداً للاجتماع فاشترط الاتصال ليحصل ذلك. والاتصال مقدر بالعرف؛ لأنه لا توقيف فيه، وهو تارة يكون بين المأموم وبين إمامه وتارة بينه وبين من ورائه.
وأما كون من لم ير من وراء الإمام وهو متصل مع إمامه في المسجد لا تصح صلاته على روايةٍ فلقول عائشة رضي الله عنها لنساءٍ كُنّ في حجرتها: «لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب» فعللت النهي بالحجاب وهو موجود هنا.
ولأن المتابعة في الأفعال لا تمكن بمجرد التكبير لأنه قد يسهو ويسجد للتلاوة.
ولأن الرؤية معتبرة فيمن صلى خارج المسجد وفاقاً على الأصح فليكن هاهنا كذلك بالقياس عليه.
وأما كونها تصح على روايةٍ إذا سمع التكبير؛ فلأن المسجد موضع الجماعة فلا تضر عدم الرؤية مع سماع التكبير كمن صلى عن يمين المنبر. والسهو وسجود التلاوة الأصل عدمهما.
فإن قيل: ليس في كلام المصنف رحمه الله اشتراط سماع التكبير.
قيل: اشترطه في المغني. ولا بد منه لأنه إذا انتفت الرؤية والسماع لم تمكن المتابعة.
فإن قيل: الصحيح من الروايتين ماذا؟
قيل: ظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا وفي المغني الأول. وصرح صاحب النهاية في خلاصته بذلك.
وقال ابن عقيل: الأصح الصحة لما تقدم.
وأما كون من لم ير مَن وراء الإمام لا تصح صلاته إذا كان خارج المسجد والإمام فيه؛ فلما تقدم من حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم.
قال صاحب النهاية فيها: يشترط مشاهدة من وراء الإمام في حق من صلى خارج المسجد بغير خلاف في المذهب نعلمه.
ومراده الفرض لأن النفل اختلفت الرواية فيه لأنه سومح فيه ما لم يسامح في غيره.
قال القاضي أبو يعلى: الصحيح عندي المنع.
ونُقل عنه فيمن صلى الجمعة خارج المسجد وأبوابه مغلقة قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
فعلى هذا لا يعتبر في الجمعة مع عدم القدرة عليها لإفضاء الترك إلى تعطيلها بخلاف بقية الصلوات.
قال: (ولا يكون الإمام أعلى من المأموم. فإن فعل وكان كثيراً فهل تصح صلاته؟ على وجهين).
أما كون الإمام لا يكون في وقوفه أعلى من المأموم فلما روي «أن عمار ابن ياسر رضي الله عنه كان بالمدائن. فأقيمت الصلاة. فتقدم عمار رضي الله عنه فقام على دكان، والناس أسفل منه (1). فتقدم حذيفة وأخذ بيده واتبعه عمار حتى أنزله. فلما فرغ من صلاته قال له حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أمّ الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم؟ قال عمار: فلذلك اتبعتك حين أخذت على يديّ» (2) رواه أبو داود.
وأما كونه إذا فعل ذلك وكان كثيراً تصح صلاته على وجهٍ؛ فلأن عماراً بنى على صلاته.
وأما كونها لا تصح على وجهٍ؛ فلأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد.
قال ابن عقيل: أصح الوجهين البطلان.
واشترط المصنف رحمه الله الكثرة في العلو لأن العلو اليسير لا بأس به لأنه لا يحتاج فيه إلى رفع بصره المنهي عنه.
والكثير مقدار قامة المأموم. قاله صاحب النهاية فيها.
ووجهه أنه حينئذ يحتاج إلى الرفع المنهي عنه.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (598) 1: 163 كتاب الصلاة، باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم.
قال: (ويكره للإمام أن يصلي في طاق القبلة، أو أن يتطوع في موضع المكتوبة إلا من حاجة. ويكره للمأمومين الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم).
أما كون الإمام يُكره له أن يصلي في طاق القبلة من غير حاجة؛ فلأنه يمنع من يقف عن يمينه ويساره مشاهدته والاقتداء به.
وأما كونه يكره له أن يتطوع في موضع المكتوبة من غير حاجة؛ فلما روى المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول» (1) رواه أبو داود.
وفي لفظ: «لا يتطوع الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة بالناس حتى يتحول» (2).
ولأن في تحويله من مكانه إعلاماً لمن أتى المسجد أنه قد صلى ولا يَنتظر ويطلب جماعة أخرى.
وأما كونه لا يكره له ذلك في المسألتين مع الحاجة؛ فلأن الحاجة قد تبيح المحظور؛ فلأن تزيل المكروه بطريق الأولى.
ومثال الحاجة في الأولى: أن يكون المسجد ضيقاً.
وفي الثانية: أن لا يجد له موضعاً يتحول إليه.
وأما كون المأمومين يكره لهم الوقوف بين السواري إذا قطعت صفوفهم؛ فلما روى معاوية بن قرة عن أبيه قال: «كنا نُنهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونُطرد عنها طرداً» (3) رواه ابن ماجة.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (616) 1: 167 كتاب الصلاة، باب الإمام يتطوع في مكانه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1428) 1: 459 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة النافلة حيث تصلي المكتوبة، نحوه.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 189 كتاب الصلاة، باب الإمام يتحول عن مكانه إذا أراد أن يتطوع في المسجد، ولفظه:«أيعجز أحدكم إذا صلى فأراد أن يتطوع أن يتقدم أو يتأخر أو يتحول عن يمينه أو عن يساره» .
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1002) 1: 320 كتاب إقامة الصلاة، باب الصلاة بين السواري في الصف.
وقول المصنف رحمه الله: إذا قطعت صفوفهم؛ تنبيه على اشتراط ذلك في الكراهة؛ لأن الكراهة إنما كانت من أجل القطع. فلم يكن بد من اشتراطه.
وشرط بعض أصحابنا: أن يكون عرض السارية ثلاثة أذرع؛ لأن ذلك هو الذي يقطع الصف دون غيره.
ولو كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين لم يكره؛ لأن الصف لا ينقطع بذلك.
قال: (ويكره للإمام إطالة القعود بعد الصلاة مستقبل القبلة. فإن كان معه نساء لبث قليلاً لينصرف النساء. وإذا صلت امرأة بنساء قامت وسطهن في الصف).
أما كون الإمام يكره له إطالة القعود على الصفة التي ذكرها المصنف رحمه الله؛ فلأن عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم! أنت السلام ومنك السلام تبارك يا ذا الجلال والإكرام» (1) رواه مسلم وابن ماجة.
ولأنه إذا بقي على حاله ربما سها فظن أنه لم يسلم أو ظن غيره أنه في الصلاة.
وأما كونه يلبث قليلاً إذا كان معه نساء لينصرفن؛ فلقول أم سلمة: «أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سَلَّمن من المكتوبة قُمْنَ، وثَبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء (2) الله، فإذا قام رسول الله قام الرجال. قال الزهري: فنرى أن ذلك لكي يتقدم من ينصرف من النساء» (3). رواه البخاري.
ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (592) 1: 414 كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (924) 1: 298 كتاب إقامة الصلاة، باب ما يقال بعد التسليم.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (802) 1: 287 كتاب صفة الصلاة، باب التسليم. وفي (812) 1: 290 باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام.
وأما كون المرأة تقوم وسط المأمومات إذا صلت بهن؛ فلأن ذلك يروى عن عائشة (1) وأم سلمة رضي الله عنهما (2).
ولأن وقوفها وسطهن أستر لها أشبه إمام العراة.
وفي قوله: إذا صلت امرأة بنساء إشعار بأن النساء يصلين جماعة. وقد صرح باستحباب ذلك المصنف وغيره؛ لما تقدم من حديث أم ورقة (3)، ولفعل عائشة، وأم سلمة.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (2) 1: 404 كتاب الصلاة، باب صلاة النساء جماعة وموقف إمامهن. ولفظه:«أمتنا عائشة فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة» .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 131 كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء فتقوم وسطهن. بنحوه.
وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (5086) 3: 141 كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء. بنحوه.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (3) 1: 405 كتاب الصلاة، باب صلاة النساء جماعة وموقف إمامهن. ولفظه:«أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا» .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 131 كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء فتقوم وسطهن. بنحوه.
وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (5082) 3: 140 كتاب الصلاة، باب المرأة تؤم النساء. بنحوه.
(3)
حديث أم ورقة سبق ذكره ص: 475.
فصل [في أعذار ترك الجمعة والجماعة]
قال المصنف: (ويعذر في ترك (1) الجمعة والجماعة المريض (2)، ومن يدافع أحد الأخبثين، أو بحضرة طعام (3) هو محتاج إليه، والخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه أو موت قريبه، أو على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا شيء معه، أو من فوات رفقته أو غلبة النعاس، أو الأذى بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة).
أما كون المريض يعذر في ترك الجمعة والجماعة؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مرض تخلف عن المسجد» (4).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر؟ يا رسول الله! قال: خوف أو مرض. لم تقبل منه الصلاة التي صلى» (5) رواه أبو داود.
وأما كون من يدافع الأخبثين أو بحضرة طعام هو محتاج إليه يعذر في ذلك فلما روت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصلي أحدكم بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين» (6) متفق عليه.
(1) ساقط من ب.
(2)
مثل السابق.
(3)
مثل السابق.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (648) 1: 240 كتاب الجماعة والإمامة، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة.
(5)
سبق تخريجه ص: 451.
(6)
سبق تخريجه ص: 380 عند مسلم، ولم أجده في البخاري.
وأما كون من يدافع أحدهما يعذر في ذلك؛ فلأنه إنما نهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، لما في ذلك من ذهاب الخشوع وهو موجود في مدافعة أحدهما.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصلي أحدكم وهو زناء» (1). أي حاقن.
والأخبثان: البول والغائط.
وأما كون الخائف من ضياع ماله أو فواته أو ضررٍ فيه أو موت قريبه، أو على نفسه من ضرر أو سلطان أو ملازمة غريم ولا شيء معه، أو من فوات رفقته أو غلبة نعاس يُعذر في ذلك؛ فلما تقدم من قوله:«وما العذر يا رسول الله! قال: خوف أو مرض» .
ولأن المشقة اللاحقة بذلك أكثر من بَلّ الثياب بالمطر الذي هو عذر بالاتفاق.
وأما كون الخائف من الأذى بالمطر أو الوحل يُعذر؛ فلما روي عن ابن عباس «أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت (2): أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل حي على الصلاة. وقل: صلوا في بيوتكم. فعل ذلك من هو خير مني إن الجمعة عَزْمَة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحَضِ» (3) متفق عليه.
وروى ابن عمر رضي الله عنه قال (4): «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة: صلوا في رحالكم» (5) رواه ابن ماجة.
وأما كون الخائف من الأذى بالريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة يعذر؛ فلما روى ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر منادياً فيؤذن. ثم يقول على إثر ذلك: ألا إن الصلاة في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة» (6) رواه ابن ماجة. وإسناده صحيح.
(1) سبق تخريجه ص: 380.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (859) 1: 306 كتاب الجمعة، باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (699) 1: 485 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر.
(4)
ساقط من ب.
(5)
أخرجه ابن ماجة في سننه (938) 1: 302 كتاب إقامة الصلاة، باب الجماعة في الليلة المطيرة.
(6)
أخرجه ابن ماجة في الموضع السابق (937).
ورواه البخاري ومسلم إلا أن فيه: «في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر» (1). والله أعلم.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (606) 1: 227 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (697) 1: 484 كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر.