المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الاستسقاء - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ١

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌باب صلاة الاستسقاء

‌باب صلاة الاستسقاء

الاستسقاء: استفعال من السقي وطلب له. والمصلي طالب لذلك.

وهي مسنونة. والأصل فيها فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها وكذلك الخلفاء بعده.

قال المصنف رحمه الله: (وإذا أجدبت الأرض وقحط المطر فزع الناس إلى الصلاة. وصفتها في موضعها. وأحكامها صفة صلاة العيد).

أما كون الناس يفزعون إلى صلاة الاستسقاء؛ فلما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك والخلفاء بعده.

وأما كون صفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد؛ فلأنها في معناها ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: «سنة الاستسقاء سنة العيدين» (1).

فعلى هذا يسن أن تكون في الصحراء. وأن يصلي ركعتين يكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً. وأن يصلي من غير إذن ولا إقامة. وأن يجهر فيها بالقراءة. ويقرأ بعد الفاتحة بسبح وهل أتاك حديث الغاشية ونحو ذلك.

أما كونها تسن في الصحراء؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيمها في الصحراء» (2).

ولأنها يسن لها الاجتماع من أهل القرى والأمصار فشرعت في الصحراء كالعيد.

ولأن ذلك أوسع وأرفق بالناس لكثرتهم. ولينظروا ما يبدو من السحاب ويجيء من المطر.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 348 كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدليل على أن السنة في صلاة الاستسقاء السنة في صلاة العيدين.

(2)

روى عبدالله بن زيد قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي» . أخرجه البخاري في صحيحه (5983) 5: 2335 كتاب الدعوات، باب الدعاء مستقبل القبلة.

ص: 580

وأما كونها تصلى ركعتين يكبر فيها كالعيد؛ فلأن ابن عباس رضي الله عنهما روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما يصلي في العيد» (1) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقد روي عن الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يكبر فيها بل يصلي كصلاة التطوع لأن عبدالله بن زيد قال: «استسقى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين» (2) رواه البخاري.

ولم يذكر التكبير.

والأول أصح؛ لأن رواية عبدالله مطلقة مجملة ورواية ابن عباس مبينة مقيدة، والمطلق المجمل يحمل على المقيد المبين.

ولأنه روى جعفر بن محمد عن أبيه «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعاً وخمساً» (3) رواه الشافعي في مسنده.

وأما كونها تصلى من غير أذان ولا إقامة؛ فلما روى أبو هريرة قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة

مختصر» (4) رواه الأثرم وابن ماجة.

وأما كونها يجهر فيها؛ فلحديث ابن عباس.

وروى عبدالله بن زيد: «ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة» (5) رواه البخاري.

وأما كونها يقرأ فيها بسبح وهل أتاك؛ فلحديث ابن عباس.

(1) سيأتي تخريجه ص: 583.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (980) 1: 348 كتاب الاستسقاء، باب صلاة الاستسقاء ركعتين.

وأخرجه مسلم في صحيحه (894) 2: 611 كتاب صلاة الاستسقاء.

(3)

أخرجه الشافعي في مسنده (457) 1: 157 كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين.

(4)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1268) 1: 403 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء.

وأخرجه أحمد في مسنده (8128) ط إحياء التراث.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (978) 1: 347 كتاب الاستسقاء، باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء.

ص: 581

وفي حديث عبدالله بن زيد: «ثم صلى ركعتين كما كان يصلي في العيد وقرأ فيهما ما يقرأ في العيد: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] و {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1]» (1) متفق عليه. ورواه ابن قتيبة أيضاً في غريب الحديث.

قال: (وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم والصيام والصدقة وتركِ التشاحن. ويَعدهم يوماً يخرجون فيه).

أما كون الإمام يعظ الناس إذا أراد الخروج؛ فلأنه سبب لرقة قلوبهم ووسيلة إلى امتثالهم ما يقول.

وأما كونه يأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم؛ فلأن ذلك من الواجبات.

ولأن المعاصي والظلم سبب للقحط. والتقوى سبب للبركات قال الله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء والأرض} [الأعراف: 96].

وأما كونه يأمرهم بالصيام؛ فلأن الصوم وسيلة إلى نزول الغيث؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «دعوة الصائم لا ترد» (2).

ولأن في الصوم كسر الشهوة وحضور القلب والتذلل للرب.

وأما كونه يأمرهم بالصدقة؛ فلأنها متضمنة للرحمة المفضية إلى رحمتهم بنزول الغيث.

وأما كونه يأمرهم بترك التشاحن؛ فلأن التشاحن ربما منع نزول الخير. ومنه قوله عليه السلام: «خرجتُ لأعلمكم بليلة القدر فتلاحى رجلان فرفعت» (3).

(1) حديث عبدالله بن زيد سبق تخريجه. ولم أقف على هذا اللفظ عندهما.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (3598) 5: 578 كتاب الدعوات، باب في العفو والعافية.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1752) 1: 557 كتاب الصيام، باب في الصائم لا ترد دعوته.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (49) 1: 27 كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

ص: 582

ولأن التشاحن يُخرج غالباً إلى المعصية والبهت. وقد تقدم أن ذلك يُطلب عدمه وأنه سبب للقحط.

وأما كونه يَعِدُهُم يوماً ومعناه يعين لهم اليوم الذي يخرج فيه إلى الاستسقاء فليتهيئوا للخروج على الصفة المسنونة.

وفي الحديث «أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوماً يخرجون فيه» (1) رواه أبو داود.

قال: (ويتنظف لها. ولا يتطيب. ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ).

أما كون الخارج إلى الاستسقاء يتنظف لصلاته. والمراد به أنه يسن له إزالة الرائحة وتقليم الأظفار وما أشبه ذلك لأجل الصلاة فلئلا يؤذي الناس.

ولأنه يوم يجتمع له الناس أشبه الجمعة.

وأما كونه لا يتطيب؛ فلأن يوم الاستسقاء يوم استكانة وخضوع.

وأما كونه يخرج على الصفة المذكورة؛ فلما روى ابن عباس «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلاً متخشعاً متواضعاً متضرعاً حتى أتى المصلى

مختصر» (2) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وأما كونه يخرج ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ؛ فلأن ذلك أسرع لإجابتهم.

وجاء في الحديث: «إن الله يستحيي أن يرد دعوة ذي الشيبة في الإسلام» (3).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1173) 1: 304 كتاب الاستسقاء، باب رفع اليدين في الاستسقاء. قال أبو داود: هذا حديث غريب، إسناده جيد.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1165) 1: 302 كتاب الصلاة، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها.

وأخرجه الترمذي في جامعه (558) 2: 445 أبواب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء. كلاهما بدون قوله:«متخشعا» .

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1266) 1: 403 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء.

(3)

ذكره البرهان فوري من حديث أنس بلفظ: «إن الله يستحيى من ذي الشيبة أن يسأله فلا يعطيه» وعزاه إلى ابن النجار (42644) 15: 666.

ص: 583

وفي آخر: «إذا بلغ العبد ثمانين سنة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» (1).

قال: (ويجوز خروج الصبيان. وقال ابن حامد: يستحب).

أما كون خروج الصبيان يجوز فلا خلاف فيه؛ لأن الرزق مشترك بينهم وبين الرجال.

وأما كونه لا يستحب على المذهب؛ فلأنهم غير مكلفين فلم يستحب إخراجهم وإن كان لهم حظ في الرزق كالبهائم.

وأما كونه يستحب على قول ابن حامد؛ فلأنه روي: «لولا أطفال رُضّع. وشيوخ ركع. وبهائم رُتّع لصب عليكم العذاب صبا» (2).

ولأنهم لا ذنوب لهم فيكون دعاؤهم مستجاباً كالمشايخ.

والأول أولى؛ لما ذكر.

والحديث لا يدل على الاستحباب. وإلا لزام استحباب خروج البهائم. وعدم الذنب مع عدم التكليف لا أثر له بدليل البهيمة.

قال: (وإن خرج أهل الذمة لم يمنعوا. ولم يختلطوا بالمسلمين).

أما كون أهل الذمة إذا خرجوا إلى الاستسقاء لا يمنعون؛ فلأنه خروج إلى طلب الرزق والله تعالى ضمن أرزاقهم كما ضمن أرزاق المسلمين.

وأما كونهم لا يختلطون بالمسلمين؛ فلأنهم كفار عصاة فربما نزل عليهم أذى فعم المسلمين. وقد نبه الله تعالى على ذلك بقوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا

(1) ذكره البرهان فوري من حديث عثمان بلفظ: «وإذا بلغ تسعين سنة قالت الملائكة: أسير الله في أرضه. فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويشفع في أهله» وعزاه إلى الحكيم الترمذي. (42634) 15: 664.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 345 كتاب صلاة الاستسقاء، باب استحباب الخروج بالضعفاء والصبيان والعبيد والعجائز.

ص: 584

منكم خاصة} [الأنفال: 25]. فإذا لم يختلطوا اختص نزول العذاب بهم ولهذا جعلت مقابرهم منفردة عن المسلمين.

قال: (فيصلي بهم. ثم يخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد. ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به).

أما كون الإمام في الاستسقاء يصلي بالناس؛ فلما تقدم ذكره.

وأما كونه يخطب خطبة واحدة؛ فلأنه لم ينقل عن النبي عليه السلام أنه خطب في الاستسقاء أكثر من واحدة.

وأما كونه يخطب بعد الصلاة؛ فلأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: «صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا

مختصر» (1) رواه الإمام أحمد وابن ماجة.

ولأنها صلاة ذات تكبير فكانت خطبتها بعد الصلاة كالعيد.

وعن الإمام أحمد: أنه يخطب قبل الصلاة لقول عبدالله بن زيد: «فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءه ثم صلى» (2) متفق عليه.

وعنه: أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لأن الجميع مروي.

وعنه: لا خطبة لها لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «فلم يخطب خطبتكم هذه. ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع» (3) رواه النسائي وابن ماجة.

والأول هو الصحيح؛ لما تقدم من حديث أبي هريرة: «صلى ثم خطبنا» (4). وثم للترتيب.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1268) 1: 403 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء.

وأخرجه أحمد في مسنده (8128) ط إحياء التراث.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (979) 1: 347 كتاب الاستسقاء، باب كيف حول النبي صلى الله عليه وسلم ظهره إلى الناس.

وأخرجه مسلم في صحيحه (894) 2: 611 كتاب صلاة الاستسقاء، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، في أيام العيد.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (558) 2: 445 أبواب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء.

وأخرجه النسائي في سننه (1506) 3: 156 كتاب الاستسقاء، باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1266) 1: 403 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء.

(4)

سبق تخريجه قبل قليل.

ص: 585

والجواب عن حديث عبدالله بن زيد أنه ليس فيه تصريح بالخطبة قبل الصلاة. وإنما قال: «دعا» . وعن قول ابن عباس: «فلم يخطب خطبتكم هذه» (1) أنه نفى الصفة لا أصل الخطبة. والمعنى أنه كان جُلُّ خطبته الدعاء والتضرع والتكبير.

وأما كونه يفتتح الخطبة بالتكبير؛ فلأنه يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء كما صنع في العيدين» (2).

وأما كونه يكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به مثل قوله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً? يرسل السماء عليكم مدرارا} [نوح: 10 - 11]. وقوله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: 3]؛ فلأن الاستغفار سبب لنزول المطر؛ لما تقدم من الآية.

ولأنه يروى عن عمر رضي الله عنه «أنه استسقى فلم يزد على الآيات. فقيل له. فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي ينزل بها الغيث» (3).

وعن علي رضي الله عنه: «عجبت من يبطئ عنه الرزق ومعه مفاتيحه. قيل: وما مفاتيحه؟ قال: الاستغفار» (4).

(1) سبق تخريجه قبل قليل.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1165) 1: 302 كتاب الصلاة، باب: جماع أبواب صلاة الاستسقاء. ولفظه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى متبذلاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين» .

وأخرجه الترمذي في جامعه (558 و 559) 2: 445 أبواب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء.

وأخرجه النسائي في سنننه (1521) 3: 163 كتاب الاستسقاء، باب: كيفية صلاة الاستسقاء.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1266) 1: 403 كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء.

وأخرجه أحمد في مسنده (2423) 1: 269. كلهم نحو لفظ أبي داود.

(3)

أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 3: 351 كتاب صلاة الاستسقاء، باب ما يستحب من كثرة الاستغفار في خطبة الاستسقاء.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8343) 2: 223 كتاب الصلاة، من قال: لا يصلى في الاستسقاء.

(4)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق.

ص: 586

قال: (ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم! اسقنا غيثاً مُغيثاً هنيئاً مريئاً غَدَقاً مُجَلّلاً سَحاًّ عاماًّ طَبقاً دائماً. اللهم! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم! سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق. اللهم! إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم! أنبت لنا الزرع وَأَدِرَّ لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك. اللهم! ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك. اللهم! إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً).

أما كون المستسقي يسن له أن يرفع يديه في دعاء الاستسقاء؛ فلما روى أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه لشيء من الدعاء إلا في الاستسقاء يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيه» (1) متفق عليه.

وأما كونه يسن له أن يدعو بما ذكره المصنف رحمه الله؛ فلما روى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: اللهم! اسقنا غيثاً مُغيثاً هنيئاً مريئاً مَريعاً غَدقاً مُجَلّلاً طبقاً سَحّاً دائماً. اللهم! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم! إن بالبلاد والعباد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم! أنبت لنا الزرع وأَدِرَّ لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك. اللهم! ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك. اللهم! إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً» (2).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (984) 1: 349 كتاب الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (895) 2: 612 كتاب صلاة الاستسقاء، باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1169) 1: 303 كتاب الاستسقاء، باب رفع اليدين في الاستسقاء، عن جابر بن عبدالله قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل» قال: فأطبقت عليهم السماء. ولم أره بكامله بالنص الذي ساقه المصنف عن ابن عمر.

ص: 587

وروى المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم! سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق

مختصر» (1) رواه الشافعي في مسنده وهو مرسل.

فإن قيل: ما معنى هذه الألفاظ؟

قيل: الغيث مصدر. سمي به المطر. والغيث المجيء بإذن الله تعالى. يقال: غاث الله الأرض إذا أَنزل عليها المطر. وإغاثة الله إذا أجاب غُواثه بالضم. والفتح للغين أي أزال شكواه بالمطر.

والهنيء: الذي يحصل من غير مشقة.

والمريء: السهل النافع.

والمرتع: المقيم. من قولك: رتعت بمكان كذا إذا أقمت فيه. وروي مُريعاً وهو فعل من المرع وهو الخصب. ويروى مربعاً من ربعت الإبل إذا رعت.

والغدق: الكثير القطر.

والمجلل: السحاب الذي يعم الأرض بالمطر. فكنى هنا بالسحاب عن المطر الذي يعم.

والطبق: الذي يطبق الأرض.

والسح: الغيث والدائم المتصل إلى أن يحصل الخصب.

والقانط: الآيس.

واللأواء: الشدة.

والضنك: الضيق.

والجهد: بالضم والفتح المشقة. وقيل: بالفتح البلاء وبالضم الطاقة.

والمدرار: الدائم إلى وقت الحاجة.

(1) أخرجه الشافعي في مسنده (499) 1: 173 كتاب الصلاة، باب في الدعاء.

ص: 588

قال: (ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة. ويحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن. ويفعل الناس كذلك ويتركونه حتى ينزعوا مع ثيابهم).

أما كون الإمام يسن له أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة وأن يحول رداءه؛ فلما روى عبدالله بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يستسقي. فحوّل إلى الناس ظهره. واستقبل القبلة يدعو. ثم حوّل رداءه» (1) رواه البخاري.

وأما كونه يجعل الأيمن منه على الأيسر والأيسر على الأيمن؛ فلأن في روايةٍ: «حول رداءه فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، [وجعل عِطافه الأيسر] (2) على عاتقه الأيمن» (3) رواه أبو داود.

قال أبو عبيد: إنما يفعل ذلك لتغير الحال وانتقاله من الجدب إلى الخصب.

وأما كون الناس يفعلون ذلك كالإمام؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. وقال الله تعالى: {واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: 158].

ولأنه روي: «ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهراً لبطن وتحول الناس معه» (4).

ولأن ما ثبت في حقه ثبت في حقنا ما لم يقم دليل على تخصيصه.

وأما كونهم يترك كل واحد منهم رداءه على حاله حتى ينزعوه مع ثيابهم؛ فلأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من الصحابة رد رداءه إلى الحالة التي كان عليها قبل خلع ثيابه.

قال: (ويدعو سراً حال استقبال القبلة. فيقول: اللهم! إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا).

(1) سبق تخريجه ص: 585.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1163) 1: 302 كتاب الاستسقاء، جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (16030) ط إحياء التراث.

ص: 589

أما كون المستسقي يدعو حال استقبال القبلة؛ فلأن البخاري ذكره في حديث عبدالله بن زيد (1).

وليجمع بين الدعاء سراً وجهراً كما فعل نوح صلى الله عليه وسلم (2).

ولقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية} [الأعراف: 55].

وأما كونه يقول: اللهم! إنك أمرتنا إلى آخره؛ فلأن في ذلك استنجازاً لما وعد من فضله حيث قال: {إني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186].

قال: (فإن سقوا وإلا عادوا ثانياً وثالثاً. وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله).

أما كون المستسقين يعودون ثانياً وثالثاً إذا لم يسقوا؛ فلأن الله عز وجل يحب الملحين في الدعاء.

ولأن الحاجة داعية إلى ذلك فاستحب ثانياً وثالثاً كالأول.

وأما كونهم يشكرون الله ويسألونه المزيد من فضله إذا سقوا (3) قبل الخروج؛ فلأنهم إذا فعلوا ذلك زادهم الله من فضله لقوله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7]. وقوله: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60].

وظاهر كلام المصنف رحمه الله: أنهم لا يصلون؛ لأن الشكر حقيقة في القول لا الفعل.

وإنما لم تستحب الصلاة حينئذ؛ لأن الصلاة تراد لنزول المطر وقد وجد.

ولأن التشاغل بغير الصلاة يستحب؛ لما يأتي.

ص: 590

ونص المصنف رحمه الله في غير هذا وغيره من الأصحاب على أنهم إن سقوا قبل الخروج يصلوا شاكرين لأن الصلاة شرعت لزوال العارض من الجدب وذلك لا يحصل بمجرد النزول فلذلك تستحب الصلاة ليديم الله عليهم ذلك.

ويؤيد قول المصنف رحمه الله أنهم لا يقتصرون على الشكر والدعاء: أن التشاغل بالدعاء عند نزول المطر مستحب؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اطلبوا استجابة الدعاء عند ثلاث: عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث» (1).

وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: صَيِّباً نافعاً» (2) رواه البخاري.

قال: (وينادى لها الصلاة جامعة. وهل من شرطها إذن الإمام؟ على روايتين).

أما كون صلاة الاستسقاء ينادى لها الصلاة جامعة؛ فلقول ابن عباس رضي الله عنه: «سنة الاستسقاء سنة العيد» (3).

ولأن كل صلاة شرع فيها الجهر والاجتماع والخطبة ولم يسن لها أذان سن لها النداء؛ لما ذكر.

وأما كونها ليس من شرطها إذن الإمام على روايةٍ؛ فلأن صلاة الاستسقاء نافلة فلم يكن من شرطها إذن الإمام كبقية النوافل.

وأما كونها من شرطها ذلك على روايةٍ؛ فبالقياس على اشتراطه في العيد على روايةٍ. فعلى هذا إذا خرجوا بغير إذن الإمام دعوا وانصرفوا بلا صلاة.

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عائشة بلفظ: «ثلاث ساعات للمرء المسلم ما دعا فيهن إلا استجيب له ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثما: حين يؤذن المؤذن بالصلاة حتى يسكت، وحين يلتقي الصفان حتى يحكم الله بينهما، وحين ينزل المطر حتى يسكن» 9: 320.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (985) 1: 349 كتاب الاستسقاء، باب ما يقال إذا أمطرت.

وأخرجه أحمد في مسنده (24190) 6: 42.

(3)

سبق تخريجه ص: 580.

ص: 591

قال: (ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج رحله وثيابه ليصيبها).

أما كون المستسقي يستحب له أن يقف في أول المطر؛ فلما روى أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر عن لحيته» (1) رواه البخاري.

ولأنه قريب العهد من الله فاستحب الوقوف فيه ليصيب الواقف فيه من بركته.

وأما كونه يستحب له أن يُخرج رحله وثيابه ليصيبها ذلك؛ فلما روي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزع ثيابه في أول المطر إلا الإزار يتزر به» (2).

و«لأن ابن عباس رضي الله عنه كان يأمر غلامه إذا كان المطر في أوله بإخراج رحله وفراشه ليصيبه المطر ويقول: إنه قريب عهد بالله عز وجل» .

قال: (وإذا زادت المياه فخيف منها استحب أن يقول: اللهم! حوالينا ولا علينا. اللهم! على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به

الآية} [البقرة: 286]).

أما كون من خاف من زيادة المياه يستحب له أن يقول: اللهم! حوالينا

إلى ومنابت الشجر؛ فلما روى أنس رضي الله عنه قال: «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم! على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر. فانجابت عن المدينة انجياب الثوب» (3) متفق عليه.

وفي حديث آخر: «اللهم! حوالينا ولا علينا» (4).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (891) 1: 315 كتاب الجمعة، باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة.

(2)

لم أقف عليه هكذا. وقد روى أنس رضي الله عنه قال: «أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه» .

أخرجه مسلم في صحيحه (898) 2: 615 كتاب صلاة الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (970) 1: 345 كتاب الاستسقاء، باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء. عن أنس.

وأخرجه مسلم في صحيحه (897) 2: 612 كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (969) 1: 344 كتاب الاستسقاء، باب الاستسقاء على المنبر.

ص: 592

وأما كونه يستحب له أن يقول: {ربنا ولا تحملنا

إلى آخر الآية} [البقرة: 286]؛ فلأنه قول لائق بالحال فاستحب قوله كسائر الأقوال اللائقة بمحالّها.

ص: 593