الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سجود السهو
قال المصنف رحمه الله: (ولا يشرع في العمد. ويشرع للسهو في زيادة ونقص وشك. للنافلة والفرض).
أما كون السجود لا يشرع في العمد؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم علق السجود على السهو حيث قال: «إذا سها أحدكم فليسجد» (1).
وقول الراوي: «سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد» (2).
[وأما مواضع مشروعية ذلك ففي الزيادة، والنقص، والشك لما يأتي ذكره بعد في مواضعه إن شاء الله تعالى](3).
وأما كون ذلك للنافلة والفرض فلعموم الأخبار الواردة في سجود السهو.
ولأنهما في معنى واحد في الاحتياج إلى سد الخلل الحاصل بالسهو.
قال: (فأما الزيادة فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت الصلاة. وإن كان سهواً سجد له).
أما كون من زاد فعلاً من جنس الصلاة كما مثّل المصنف رحمه الله عمداً تبطل صلاته؛ فلأن الزيادة على المنصوص كالنقص. ولو تعمد النقص بطلت صلاته فكذلك إذا تعمد الزيادة.
ولأن زيادة ركن يخل بنظم الصلاة ويغير هيئتها فلم تكن صلاة ولا فاعلها مصلياً.
ولأنه متى فعل ذلك أخر السلام عن موضعه فيكون قد ترك الواجب عمداً وذلك مبطل لما تقدم.
وأما كون من زاد ذلك سهواً يسجد لسهوه؛ فلأن في حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» (4) رواه مسلم.
(1) سيأتي تخريجه ص: 420.
(2)
سيأتي تخريجه ص: 423.
(3)
زيادة من ج.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (572) 1: 403 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة
…
ولأن الزيادة سهو فيدخل في قوله عليه السلام: «إذا سها أحدكم فليسجد» (1). وقول الصحابي: «سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد» (2).
ولأن الزيادة نقص في المعنى فشرع السجود له لينجبر النقص.
قال: (وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد لها. وإن علم فيها جلس في الحال فتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم).
أما كون من أدرك ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها يسجد لها؛ فلما روى ابن مسعود قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً. فلما انفتل من الصلاة توشْوش القوم بينهم. فقال: ما شأنكم؟ فقالوا: يا رسول الله! زيد في الصلاة شيء؟ فقال: لا. قالوا: إنك صليت خمساً. فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم. [ثم] (3) قال: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون. فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» (4) رواه مسلم.
وأما كون من علم بالزيادة في الركعة يجلس في حال علمه؛ فلأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمداً وذلك مبطل لما تقدم.
وأما كونه يتشهد إن لم يكن (5) تشهد؛ فلأنه ركن لم يأت به.
وأما كونه يسجد؛ فلأن في بعض ألفاظ حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» (6) رواه مسلم.
وأما كونه يسلم فلتكمل صلاته.
(1) سيأتي تخريجه ص: 420.
(2)
سيأتي تخريجه ص: 423.
(3)
ساقط من ب.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (572) 1: 401 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة
…
(5)
ساقط من ب.
(6)
أخرجه مسلم في صحيحه (572) 1: 403 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة
…
قال: (وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع. فإن لم يرجع بطلت صلاته وصلاة من اتبعه عالماً. وإن فارقه أو كان جاهلاً لم تبطل).
أما كون من سبح به اثنان وهو قد سها يلزمه الرجوع؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى خبر أبي بكر وعمر في خبر ذي اليدين (1).
ولأنه عليه السلام قال: «إذا نسيت فذكروني» (2) يعني بالتسبيح.
ولولا أن الإمام يتبع المأموم لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم المأموم بالتسبيح.
وأما كونه تبطل صلاته إذا لم يرجع؛ فلأنه زاد في الصلاة عمداً.
ولأنه ترك الواجب عمداً.
وأما كون من اتبعه عالماً بتحريم متابعته تبطل صلاته؛ فلأنه اقتدى بمن يعلم بطلان صلاته. أشبه ما لو اقتدى بمن يعلم حدثه.
وأما كون من فارقه لا تبطل صلاته؛ فلأن المأموم يجوز له مفارقة إمامه مع العذر. وهو معذور هنا.
وأما كون من اتبعه جاهلاً بتحريم المتابعة لا تبطل صلاته؛ فلأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة جاهلين ذلك. ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة (3).
قال: (والعمل المستكثر في العادة من غير جنس الصلاة يُبطلها عمده وسهوه. ولا تبطل باليسير. ولا يشرع له سجود).
أما كون العمل المستكثر الموصوف بما ذُكر عمداً كان أو سهواً يُبطل الصلاة؛ فلما تقدم من أن الفاعل لذلك عمداً أو سهواً لا يعد في نظر الناظر إليه أنه مصل (4).
أخرجه البخاري في صحيحه (1172) 1: 412 أبواب السهو، باب من يكبر في سجدتي السهو.
وأخرجه مسلم في صحيحه (573) 1: 403 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له. كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (392) 1: 156 أبواب القبلة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان.
(3)
ر. ص: 403.
(4)
ر. ص: 383.
ولما فيه من قطع الموالاة وذهاب الخشوع.
وأما كونها لا تبطل باليسير؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى (1) وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع. إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها» (2) متفق عليه.
وروي «أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة» (3).
فإن قيل: ما اليسير؟
قيل: ما شابَهَ فعل النبي صلى الله عليه وسلم مما روي، والكثير ما زاد على ذلك وعُدَّ كثيراً في العرف.
وأما كونه لا يشرع له سجود؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد لحمل أمامة ولا لفتح الباب لعائشة.
قال: (وإن أكل أو شرب عمداً بطلت صلاته. قَلّ أو كثر. وإن كان سهواً لم تبطل إذا كان يسيراً).
أما كون من أكل أو شرب عمداً تبطل صلاته؛ فلأن ذلك ينافي الصلاة.
ولأن ذلك يبطل الصوم الذي لا يبطل بالأفعال؛ فلأن تبطل الصلاة التي تبطل بالأفعال بطريق الأولى.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله أنه لا فرق بين الفريضة والنافلة لأنه لم يقيد بطلان الصلاة بأحدهما. وفي ذلك روايتان:
أحدهما: أنه لا فرق بينهما في ذلك؛ لأن صوم النافلة يبطل بذلك كالفريضة.
والثانية: أن النافلة لا تبطل بذلك «لأنه روي عن ابن الزبير وسعيد بن جبير أنهما شربا في صلاة التطوع» .
ولأنه عمل يسير والنافلة مما سومح بها. أشبه الخطوة والخطوتين.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (5650) 5: 2235 كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته.
وأخرجه مسلم في صحيحه (543) 1: 385 كتاب المساجد، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.
(3)
سبق تخريجه ص: 383.
وأما كون من أكل أو شرب سهواً لا تبطل صلاته إذا كان ذلك يسيراً؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» (1).
ولأنه معفو عنه في الصوم فيعفى عنه في الصلاة بالقياس عليه.
قال: (وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه كالقراءة في السجود، والقعود والتشهد في القيام، وقراءة السورة في الأخريين لم تبطل الصلاة به (2). ولا يجب السجود لسهوه. وهل يشرع؟ على روايتين).
أما كون من أتى بقول مشروع في غير موضعه كما مثّل المصنف رحمه الله لا تبطل صلاته؛ فلأنه ذكر مشروع في الصلاة في الجملة وإذا كان ذلك كذلك لم يكن ذلك منافياً لها فلم تبطل به لانتفاء المقتضي له.
وأما كونه لا يجب السجود لسهوه؛ فلأنه جبر لما ليس بواجب فأولى أن لا يكون واجباً.
وأما كونه لا يشرع السجود له على روايةٍ؛ فلأن الصلاة لا تبطل بعمده أشبه الخطوة والخطوتين.
وأما كونه يشرع على روايةٍ؛ فلقوله عليه السلام: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس» (3) رواه مسلم.
قال: (فإن سلم قبل إتمام صلاته عمداً أبطلها. وإن كان سهواً ثم ذكر قريباً أتمها وسجد. فإن طال الفصل أو تكلم لغير مصلحة الصلاة بطلت. وإن تكلم لمصلحتها ففيها ثلاث روايات؛ إحداهن: لا تبطل. والثانية: تبطل. والثالثة: تبطل صلاة المأموم دون الإمام. اختارها الخرقي).
أما كون من سلم قبل إتمام صلاته عمداً يُبطلها؛ فلأن الباقي من صلاته إما ركن وإما واجب وكلاهما يبطل الصلاة تركه عمداً.
وأما كونه يتمها إذا كان ذلك سهواً ثم ذكر قريباً ويسجد لذلك؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين سلم قبل إتمام صلاته. ثم أتمها وسجد» (4).
(1) سبق تخريجه ص: 293.
(2)
ساقط من ب.
(3)
سبق تخريجه ص: 403.
(4)
سبق تخريجه ص: 404.
وأما كونه تبطل صلاته إذا طال الفصل؛ فلتعذر بناء الباقي عليها.
وأما كون من تكلم في ذلك لغير مصلحة الصلاة نحو قوله: اسقني ماء تبطل صلاته؛ فلأنه في حكم الصلاة بدليل أن له البناء على ذلك لو لم يتكلم. والكلام في الصلاة يبطلها لقوله عليه السلام: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هي التسبيح والقراءة والتكبير» (1) رواه مسلم.
فكذا فيما هو حكمها.
وأما كون من تكلم في ذلك لمصلحة الصلاة لا تبطل صلاته إماماً كان أو مأموماً في رواية؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا مع التعمد» (2).
وأما كونها تبطل في روايةٍ؛ فلشمول ما تقدم من الأدلة المقتضية للبطلان لهما.
قال الإمام أحمد رحمه الله: لو أن لنا إماماً اليوم تكلم وأجاب المأموم أعاد الصلاة. هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. واختار هذه الرواية الخلال وقال: عليه استقر المذهب.
وأجاب أحمد عن قصة ذي اليدين بأن أبا بكر وعمر تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان يلزمهما أن يجيباه. وذو اليدين تكلم في زمن يمكن أن تكون الصلاة فيه قد قصرت وتغيرت.
وأما كون صلاة المأموم تبطل دون الإمام في روايةٍ؛ فلأن الإمام قد تعتريه حال يحتاج فيها إلى الكلام. مثل أن ينسى القراءة في ركعة فيذكرها في الثانية. فقد فسدت عليه ركعة. فيحتاج إلى بدلها. وهي في ظن المأمومين خامسة. وليس لهم موافقته. ولا سبيل إلى إعلامهم بغير الكلام. بخلاف المأموم.
قال: (وإن تكلم في صلب الصلاة بطلت. وعنه: لا تبطل إذا كان ساهياً أو جاهلاً. ويسجد له).
أما كون من تكلم في صلب الصلاة عمداً عالماً بكون الكلام مبطلاً تبطل صلاته؛ فلأن الكلام في الصلاة منهي عنه لما تقدم.
ولقول زيد بن أرقم: «كنا نتكلم في الصلاة. يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه حتى نزلت: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت» (3) متفق عليه.
(1) سبق تخريجه ص: 374.
(2)
سبق تخريجه ص: 404.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (4260) 4: 1648 كتاب التفسير، باب:{وقوموا لله قانتين} .
وأخرجه مسلم في صحيحه (539) 1: 383 كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة.
ولمسلم: «ونهينا عن الكلام» (1).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحدث من أمره ما شاء. وأنه قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة» (2) رواه أبو داود.
وإذا كان الكلام منهياً عنه في الصلاة وجب أن يبطل كالصلاة في مكان نُهي عن الصلاة فيه من مقبرة ونحوها.
وأما كون من تكلم في ذلك ساهياً أو جاهلاً بكون الكلام مبطلاً تبطل صلاته على روايةٍ فلعموم ما تقدم.
وأما كونها لا تبطل على روايةٍ؛ فلما روى معاوية بن الحكم قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم. فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم
…
الحديث» (3). ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادةٍ لجهله بكون الكلام مبطلاً. والناسي في معناه.
وأما كونه يسجد له فليجبر الخلل الذي حصل في صلاته بالكلام.
فإن قيل: لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بالسجود؟
قيل: إنما لم يأمره بذلك لأنه كان مأموماً والإمام يتحمل عن المأموم سهوه لما يأتي إن شاء الله تعالى (4).
فإن قيل: الكلام المعفو عنه بالنسيان والجهل ما هو؟
قيل: اليسير؛ لأن الكثير يُخرج الصلاة عن هيئتها.
(1) أخرجه مسلم في الموضع السابق.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (924) 1: 243 كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (537) 1: 381 كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة.
(4)
ر ص: 418.
وقيل: الكثير كاليسير لأن ما عفي عن (1) يسيره لنسيان أو جهل عفي عن كثيره. دليله: الأكل في الصوم.
قال: (وإن قهقه أو نفخ أو انتحب فبان حرفان فهو كالكلام إلا ما كان من (2) خشية الله تعالى. وقال أصحابنا في النحنحة مثل ذلك. وقد روي عن أبي عبدالله رحمه الله: أنه كان يتنحنح في صلاته ولا يراها مبطلة للصلاة).
أما كون القهقهة التي يأت منها حرفان كالكلام في بطلان الصلاة؛ فلقوله عليه السلام: «القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء» (3) رواه الدارقطني.
ولأنه تعمد في الصلاة ما ينافيها أشبه خطاب الآدمي.
وأما كون النفخ كالكلام فيما ذكر؛ فلأن ابن عباس قال: «من نفخ في الصلاة فقد تكلم» (4).
وروي ذلك أيضاً عن سعيد بن جبير (5).
وروي أيضاً عن أبي هريرة. إلا أن ابن المنذر قال: لا يثبت عنه.
وعن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال في موضع آخر (6): أكره ولا أقول تقطع الصلاة. ليس هو كلاماً؛ لما روى عبدالله بن عمر قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فلم (7) يكد يركع ثم ركع (8) فلم يكد
(1) ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (58) 1: 173 كتاب الطهارة، باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها. من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. بلفظ: «الضحك ينقض
…
».
(4)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (3017) 2: 189 كتاب الصلاة، باب النفخ في الصلاة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6541) 2: 67 كتاب الصلوات، في النفخ في الصلاة. بلفظ:«النفخ في الصلاة كلام» .
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6537) 2: 67 كتاب الصلوات، في النفخ في الصلاة. بلفظ: «
…
النفخ في الصلاة كلام».
(6)
زيادة من ج.
(7)
ساقط من ب.
(8)
في ب: يركع.
يرفع -وذكر الحديث إلى أن قال-: ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف» (1).
ولأن ما لا يبطل (2) الصلاة إسراره فلم يبطلها إظهاره كالحرف الواحد.
[وأما كون](3) النحيب الذي من غير خشية الله كالكلام؛ فلأنه من جنس كلام الآدميين.
ولم يفرق المصنف رحمه الله هنا بين ما غلب صاحبه وما لم يغلبه.
وقال في المغني وصاحب النهاية فيها: أن النحيب إن غلب صاحبه لم يضره لكونه غير داخل في وسعه. ولم يحكيا فيه خلافاً.
وأما كون الذي من خشية الله تعالى ليس كالكلام؛ فلما روى عبدالله بن شداد قال: «سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف» (4).
وعن مطرف بن عبدالله بن الشخير عن أبيه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء» (5).
وقد مدح الله تعالى بذلك فقال: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً} [مريم: 58].
قال المصنف رحمه الله في المغني: ويحتمل [أن ذلك -يعني البكاء لخوف الله تعالى- متى كان عن غير غلبة فسدت -يعني صلاته- ويحملُ](6) ما ذُكر من النصوص وما نُقل عن الإمام على ما إذا غلبه أو إذا لم ينتظم منه حرفان بدليل تقييد الإمام أحمد في روايةِ مهنا البكاء
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1194) 1: 310 كتاب الاستسقاء، باب من قال: يركع ركعتين.
وأخرجه النسائي في سننه (1482) 3: 138 كتاب الكسوف، نوع آخر.
وأخرجه أحمد في مسنده (6483) 2: 159.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 252 كتاب الصلاة، باب ما جاء في النفخ في موضع السجود.
(2)
في ب: ولا ما يبطل.
(3)
ساقط من ب.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3565) 1: 312 كتاب الصلوات، ما يقرأ في صلاة الفجر.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (904) 1: 238 كتاب الصلاة، باب البكاء في الصلاة.
وأخرجه النسائي في سننه (1214) 3: 11 كتاب السهو، باب البكاء في الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (16355) 4: 25.
(6)
ساقط من ب.
الذي لا يُفسد بكونه عن غلبة. ولا يلزم من كون البكاء ممدوحاً عليه أن لا يكون مفسداً بدليل أنا أُمرنا بتشميت العاطس ورد السلام وذلك مفسد للصلاة.
وأما كون النحنحة على قول أصحابنا مثل القهقهة. أي إن بان منها حرفان فسدت الصلاة؛ فلأن ذلك إذا بان منه حرفان كان كلاماً ويدخل في عموم ما تقدم.
وأما قول المصنف رحمه الله: روي عن أبي عبدالله أنه كان يتنحنح في صلاته ولا يراها مبطلة للصلاة، قال المروزي: أتيت أبا عبدالله فتنحنح يعلمني أنه في الصلاة.
ويعضده ما روى علي عليه السلام قال: «كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر. فإن كان في الصلاة تنحنح فكان ذلك إذني. وإن لم يكن في صلاة أذن لي» (1).
قال القاضي: هذا محمول على أنه حرف واحد.
وهذا الذي ذكره القاضي مع فتح الفم بعيد فأما مع طبق الفم فصحيح.
ويمكن أن يقال المأتي به من الحروف في النحنحة حروف غير محققة فهي كصوت عُقْلٍ. والأصواتُ العُقْل لا تختلف في السمع.
(1) أخرجه النسائي في سننه (1213) 3: 11 كتاب السهو، التنحنح في الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (845) 1: 107.
فصل [النقص في الصلاة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وأما النقص. فمتى ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها. وإن ذكره قبل ذلك عاد فأتى به وبما بعده. فإن لم (1) يعد بطلت صلاته. وإن علم بعد السلام فهو كترك ركعة كاملة).
وأما كون النقص سهواً يسجد له؛ فلأن في حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» (2) رواه مسلم.
ولأن النقص سهو فيدخل في قوله عليه السلام: «إذا سها أحدكم فليسجد» (3).
وقول الصحابي: «سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد» (4).
ولأنه إذا سجد للزيادة لأنها نقص في المعنى؛ فلأن يسجد في النقص صورة ومعنى بطريق الأولى.
وأما كون من ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى تبطل الركعة التي تركه منها؛ فلأنه لم يمكنه أن يأتي بالركن إلى وقت تلبسه (5) بالثانية لنسيانه أشبه المزحوم إذا لم يزل الزحام حتى ركع الإمام في الثانية وذلك مبطل للركعة التي قبلها فكذلك هاهنا.
فعلى هذا إن كان الترك من الأولى صارت الثانية أولته والثالثة ثانيته والرابعة ثالثته ويأتي برابعة. وإن كان من الثانية أو الثالثة أو الرابعة فعلى نحو ما تقدم.
(1) ساقط من ب.
(2)
سبق تخريجه ص: 402.
(3)
سيأتي تخريجه ص: 420.
(4)
سيأتي تخريجه ص: 423.
(5)
في ب: تلبس.
وأما كونه يعود إلى ما ذكره فيأتي به إذا ذكره قبل شروعه في قراءة ركعة أخرى؛ فلأنه أمكنه الإتيان بالركن فلزمه العود إليه والإتيان به كالمزحوم إذا أمكنه الإتيان بالركعة قبل ركوع الإمام في الثانية.
وأما كونه يأتي بما بعد ذلك؛ فلأن الترتيب واجب ولا يحصل إلا بذلك.
وأما كونه إذا لم يعد تبطل صلاته؛ فلأنه ترك الواجب عمداً.
وأما كون ترك ركن كترك ركعة كاملة إذا علم بعد السلام؛ فلأن ذكر ذلك بعد السلام كذكره بعد شروعه في قراءة ركعة تلي تلك الركعة وذلك مبطل للركعة التي قبلها فكذا هاهنا.
قال: (وإن نسي أربع سجدات من أربع ركعات وذكر في التشهد سجد سجدة فصحت له ركعة ويأتي بثلاث. وعنه تبطل صلاته).
أما كون من نسي ما ذكر يسجد سجدة؛ فلأن الرابعة نقص منها ذلك.
وأما كونه يصح له ذلك ركعة؛ فلأن جبرانها حصل قبل الشروع في غيرها.
وأما كونه يأتي بثلاث ركعات؛ فلأن كل ركعة من الثلاث التي فعلها تبطل بالشروع في التي تليها فلم يبق له سوى ركعة فيلزمه أن يأتي بكمال الصلاة الرباعية.
وفي الحكم بسجوده وصحة ركعته وإتيانه بثلاث ركعات حكم بأن صلاته لم تبطل بالنسيان وإن كثر وهو صحيح على المذهب؛ لأن (1) عدم البطلان فيما إذا ترك ركناً من ركعة لمكان النسيان وذلك موجود فيما كَثُر.
وأما كونه تبطل صلاته على روايةٍ؛ فلأن من نسي ذلك كله يكون متلاعباً بالصلاة ذاهلاً عنها. ويحتاج إلى (2) إلغاء عمل كثير بين تكبيرة الإحرام والركعة المعتد بها أشبه العمل من غير جنس الصلاة.
(1) في ب: لا.
(2)
ساقط من ب.
قال: (وإن نسي التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً. فإن استتم قائماً لم يرجع. وإن رجع جاز. وإن شرع في القراءة لم يجز له الرجوع. وعليه السجود لذلك كله).
أما كون من نسي التشهد الأول ونهض يلزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً؛ فلما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس
…
مختصر» (1) رواه أبو داود وابن ماجة.
ولأنه أخل بواجب وذكر قبل الشروع في ركن مقصود. فلزم الإتيان به، كما لو لم تفارق إليتاه الأرض.
وأما كونه لا يرجع إذا استتم قائماً؛ فلأن تتمة حديث المغيرة: «فإذا استتم قائماً فلا (2) يجلس ويسجد سجدتي السهو» .
وأما كونه إذا رجع يجوز؛ فلأن القيام ركن ليس بمقصود في نفسه بل لغيره وهو القراءة فوجب أن يجوز له الرجوع كما لو لم يستتم (3) قائماً.
قال المصنف رحمه الله في المغني: ويقوى عندي أنه لا يجوز له الرجوع وهو الصحيح؛ لما تقدم من حديث المغيرة.
ولأن القيام ركن. فلم يجز الرجوع بعد الشروع فيه، كالقراءة.
وما ذكر من أنه ركن ليس بمقصود فممنوع.
وأما كونه لا يجوز له الرجوع إذا شرع في القراءة؛ فلحديث المغيرة المتقدم.
ولما روي عن معاوية: «أنه صلى بالناس فقام في الركعتين وعليه جلوس
فسبح به الناس فأبى أن يجلس. فلما جلس ليسلم سجد سجدتين وهو جالس. ثم قال: رأيت (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا» (5) رواه الآجري (6).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1036) 1: 272 كتاب الصلاة، باب من نسي أن يتشهد وهو جالس.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1208) 1: 381 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهياً.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ب: أن يستتم.
(4)
ساقط من ب.
(5)
أخرجه الدارقطني في سننه (4) 1: 375 كتاب الصلاة، باب إدبار الشيطان من سماع الأذان وسجدتي السهو قبل السلام.
(6)
في ب: رواية أخرى.
ولأنه شرع في ركن مقصود فلم يجز له الرجوع منه إلى ما ليس بركن كما لو ركع.
وأما كونه عليه السجود لذلك كله؛ فلما تقدم من حديث معاوية.
ولما روى ابن بحينة «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس. وقام الناس معه. فلما قضى صلاته وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس. فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» (1) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (795) 1: 285 كتاب صفة الصلاة، باب من لم ير التشهد الأول واجباً.
وأخرجه مسلم في صحيحه (570) 1: 399 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
فصل [في الشك]
قال المصنف رحمه الله: (وأما الشك. فمن شك في عدد الركعات بنى على اليقين. [وعنه يبني على غالب ظنه، وظاهر المذهب أن المنفرد يبني على اليقين] (1). والإمام على غالب ظنه. فإن استويا عنده بنى على اليقين).
أما كون من شك يسجد؛ فلما يأتي في الأحاديث بعد.
ولأن الشاك قد يزيد فعله وقد ينقص وكل واحد منهما موجب لسجود السهو لما تقدم.
وأما كونه يبني على اليقين على روايةٍ إماماً كان أو منفرداً؛ فلما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى (2) فليبن على اليقين. حتى إذا استيقن أن قد أتم فليسجد سجدتين قبل أن يسلم. فإنه إن كانت صلاته وتراً فقد شفعها وإن كانت شفعاً فإن ذينك يرغمان الشيطان» (3) رواه مسلم.
ولأن الأصل واجب في ذمته بيقين فلا يزول إلا بيقين.
وأما كونه يبني على غالب ظنه على روايةٍ؛ فلما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين» (4) متفق عليه.
وأما كون المنفرد يبني على اليقين والإمام على غالب ظنه على روايةٍ؛ فلأن الإمام له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ الصواب. بخلاف المنفرد.
(1) زيادة من ج.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (571) 1: 400 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (6294) 6: 2456 كتاب الأيمان والنذور، باب: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
…
}
وأخرجه مسلم في صحيحه (572) 1: 400 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود فيه.
ويجب أن يحمل حديث أبي سعيد على المنفرد وحديث ابن مسعود على الإمام جمعاً بينهما.
وأما كون هذه الرواية هي ظاهر المذهب؛ فلأن فيها جمعاً بين الأحاديث، ولما تقدم من الفرق بين الإمام والمنفرد.
فإن قيل: الشاك هو الذي استوى عنده طرفا الشيء فكيف يقال: يبني على غالب ظنه؟
قيل: الشك في اللغة مطلق التردد ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك في ثلاث وأربع وأكثر ظنك على الأربع» (1). وتفسير الشك باستواء الطرفين اصطلاح حادث أصولي.
وأما كون من استوى عنده الأمران المتقدم ذكرهما يبني على اليقين بلا خلاف؛ فلأن اليقين إنما جاز تركه في مسألة غلبة الظن على روايةٍ لمعارضة غلبة الظن فإذا لم يوجد وجب الرجوع إلى اليقين لأنه الأصل وهو سالم عن المعارض.
قال: (ومن شك في ترك ركن فهو كتركه. وإن شك في ترك واجب فهل يلزمه السجود؟ على وجهين. وإن شك في زيادة لم يسجد).
أما كون من شك في ترك ركن فهو كتركه؛ فلأن الأصل عدم وجود الركن مع الشك فيكون كتركه.
وأما كون من شك في ترك واجب يلزمه السجود على وجهٍ؛ فلأن الشك في ترك واجب كتركه لما ذكر من أن الأصل عدمه ومن ترك واجباً يلزمه السجود.
وأما كونه لا يلزمه على وجهٍ؛ فلأنه شك في وجوب سجود السهو لأنه تابع لترك الواجب وذلك مشكوك فيه والتابع للمشكوك فيه مشكوك فيه والشيء لا يجب بالشك.
وأما كون من شك في زيادة لا يسجد؛ فلأن الأصل عدمها.
(1) أخرجه أبو داود في سننه من حديث ابن مسعود (1028) 1: 270 كتاب الصلاة، باب: من قال يتم على أكبر ظنه.
قال: (وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد. فإن لم يسجد الإمام فهل يسجد المأموم؟ على روايتين).
أما كون المأموم ليس عليه سجود سهو إذا لم يسه إمامه؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «الأئمة ضمناء» (1). معناه والله أعلم ضمناء السهو.
ولأن معاوية بن الحكم تكلم في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بسجود سهو (2).
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس على من خلف الإمام سهو. فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» (3) رواه الدارقطني.
وأما كونه عليه ذلك إذا سها إمامه وسجد؛ فلما تقدم من حديث ابن عمر (4).
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به. فإذا سجد فاسجدوا» (5).
ولأن السجود من تمام الصلاة فلزم المأموم متابعته كغير المسبوق.
فإن قيل: إذا قضى المأموم المسبوق ما عليه هل يعيد السجود في آخر صلاته؟
قيل: فيه روايتان:
إحداهما: يسجد؛ لأنه لزمه حكم السهو وما فعله مع الإمام لأجل المتابعة فلا يسقط ما لزمه.
والثانية: لا يلزمه لأن سجود إمامه قد كملت به الصلاة في حقهما وحصل به الجبران فلا حاجة إلى إعادته كالمأموم إذا سها وحده.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (517) 1: 143 كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت.
وأخرجه الترمذي في جامعه (207) 1: 402 أبواب الصلاة، باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن. كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (981) 1: 314 كتاب إقامة الصلاة، باب ما يجب على الإمام. من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
وأخرجه أحمد في مسنده (9472) 2: 424. كلهم بلفظ: «الإمام ضامن
…
».
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 430 ذكر جماع أبواب الأذان والإقامة، باب فضل التأذين على الإمامة. بلفظ المؤلف.
(2)
سبق تخريجه ص: 408.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (1) 1: 377 كتاب الصلاة، باب ليس على المقتدي سهو وعليه سهو الإمام من حديث ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما.
(4)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(5)
سبق تخريجه ص: 395.
وأما كون المأموم يسجد إذا لم يسجد الإمام على روايةٍ؛ فلأن صلاة المأموم تنقص بنقصان صلاة الإمام كما تكمل بكمالها فإن لم يجبرها الإمام جبرها المأموم.
وأما كونه لا يسجد على روايةٍ؛ فلأن المأموم إنما يسجد تبعاً. فإذا لم يسجد الإمام لم يوجد المقتضي لسجود المأموم.
ولا بد أن يلحظ أن ترك الإمام السجود لعذر لأنه لو ترك الواجب عمداً (1) قبل السلام لغير عذر بطلت صلاته وصلاة المأموم جميعاً: أما صلاته؛ فلأنه فعل ما أبطل صلاته عمداً أشبه ما لو تكلم عمداً. وأما صلاة المأموم؛ فلأنه اقتدى بمن صلاته باطلة.
(1) ساقط من ب.
فصل [في سجود السهو]
قال المصنف رحمه الله: (وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب، ومحله قبل السلام إلا في السلام قبل إتمام صلاته. وفيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه. وعنه أن الجميع قبل السلام. وعنه: ما كان من زيادة فهو بعد السلام وما كان من نقص كان قبله).
أما كون سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجباً؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد الأول وسجد له» (1) وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (2).
وقد ثبت وجوبه بما تقدم. فيقاس عليه سائر الواجبات لاشتراك الكل في معنى واحد.
ولأنه سها فيجب عليه السجود لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سها أحدكم في صلاته فليسجد سجدتين» (3). أمر والأمر للوجوب. خُص منه ما إذا سها في سنة أو هيئة لأنه جبران لما ليس بواجب فلا يكون واجباً فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.
وأما كون محله قبل السلام إلا في موضعين الذين استثناهما المصنف رحمه الله على المذهب: أما كونه قبل السلام فيما عدا المستثنى؛ فلأن السجود من شأن الصلاة فكان قبل السلام كسائر أجزائها.
وأما كونه بعد السلام في المستثنى: أما فيما إذا سلم قبل إتمام صلاته مثل أن يسلم من ركعتين أو من ثلاث؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من ثنتين وسجد بعد السلام في حديث ذي اليدين» (4).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1034) 1: 271 كتاب الصلاة، باب من قام من ثنتين ولم يتشهد. من حديث عبد الله بن بحينة رضي الله عنه.
(2)
سبق تخريجه ص: 396.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (572) 1: 402 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
وأخرجه أحمد في مسنده (16959) 4: 100.
(4)
سبق تخريجه ص: 404.
و «سلم من ثلاث وسجد بعد السلام في حديث عمران ابن حصين» (1).
وأما فيما إذا بنى الإمام على غالب ظنه؛ فلأن في (2) حديث عبدالله بن مسعود في لفظ البخاري: «فليسجد سجدتين بعد التسليم» (3).
وأما كون الجميع قبل السلام على روايةٍ فلحديث أبي سعيد المتقدم ولفظه: «فليسجد سجدتين قبل أن يسلم» (4).
وأما كون ما كان من زيادة فهو بعد السلام وما كان من نقص كان قبله على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في حديث ابن بحينة قبل السلام (5) وكان من نقص.
والصحيح أن كل سجود سجده النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام فهو بعد السلام وسائر السجود قبله. والذي روي أنه سجد فيه بعد السلام أنه سلم من ثنتين ومن ثلاث وسجد فيها بعد السلام.
وحديث ابن مسعود المذكور أمر فيه بالسجود بعد السلام.
فعلى هذا الرواية الأولى الصحيحة لموافقتها النصوص.
قال: (وإن نسيه قبل السلام قضاه ما لم يطل الفصل أو يخرج من المسجد. وعنه أنه يسجد وإن بعد).
أما كون من نسي أن يسجد قبل السلام يقضي ما نسيه ما لم يطل الفصل ولم يخرج من المسجد فليتدارك ما ترك.
ولأن مقتضى الترك القضاء. تُرك العمل به فيما إذا طال أو خرج من المسجد لما يأتي. فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.
أخرجه مسلم في صحيحه (574) 1: 405 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
(2)
زيادة من ج.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (6294) 6: 2456 كتاب الأيمان والنذور، باب {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
…
}.
(4)
سبق تخريجه ص: 416.
(5)
سبق تخريجه ص: 415.
ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون تكلم أو لا؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام» (1).
وأما كونه لا يسجد إذا بَعُد على المذهب؛ فلأن السجود تكميل للصلاة ومن أحكامها فاعتبر فيه الموالاة [وموضع الصلاة](2) لتصحيح البناء كسائر أركانها.
وأما كونه يسجد على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في حديث ذي اليدين بعد السلام والكلام وخروج السُّرْعان من المسجد» (3).
وأما كونه لا يسجد إذا خرج من المسجد على المذهب؛ فلأن المسجد محل الصلاة وموضعها فاعتبر لها كمجلس الخيار في الخيار.
وأما كونه يسجد على روايةٍ فكما لو كان في المسجد.
قال: (ويكفيه لجميع السهو سجدتان إلا أن يختلف محلهما ففيه وجهان).
أما كون من سها يكفيه سجدتان لجميع سهوه إذا لم يختلف محلهما؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين سلم (4) من ثنتين ناسياً وتكلم ناسياً واستدبر القبلة ومشى ناسياً واكتفى عن الجميع بسجدتين» (5).
ولأن سجود السهو لما أُخّر عن سببه وجعل محله آخر الصلاة دل ذلك على أنه يجبر ما تقدمه من السهو وإن تعدد.
وأما كونه يكفيه سجدتان إذا اختلف محلهما في وجه؛ فلما تقدم.
فعلى هذا يسجدهما قبل السلام لأنه آكد.
وقيل: الحكم للأسبق لأنه بمجرد وجوده اقتضى السجود وما بعده تابع له فلو زاد ركوعاً في الركعة الرابعة سهواً وكان سلم من ثلاث خرج في ذلك الوجهان المذكوران لأن زيادة الركوع يقتضي السجود قبل السلام. والسلام من نقصان يقتضي بعده على الرواية الصحيحة.
ولو زاد الركوع في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة ثم سلم من ثلاث سجد قبل السلام وجهاً واحداً وعلى هذا فَقِسْ.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (572) 1: 402 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
(2)
زيادة من ج.
(3)
سبق تخريجه ص: 404.
(4)
ساقط من ب.
(5)
سبق تخريجه ص: 404.
وأما كونه يسجد قبل السلام سجدتين وبعده (1) سجدتين في وجهٍ؛ فلأنه اختلف محلهما وأحكامهما. فالذي قبل السلام تركه عمداً مبطل ولا يفتقر إلى تشهد. والذي بعد السلام بخلافه.
ولأنها عبادة يدخلها الجبران فيكرر لها السجود كجبران الحج.
قال: (ومتى سجد بعد السلام جلس فتشهد ثم سلم، ومن ترك السجود الواجب قبل السلام عمداً بطلت الصلاة. وإن ترك المشروع بعد السلام لم تبطل).
أما كون من سجد بعد السلام يجلس فلأجل التشهد الآتي ذكر دليله.
وأما كونه يتشهد ثم يسلم؛ فلأن الترمذي وأبا داود رويا في حديث عمران ابن حصين «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسهى فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم» (2). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
ولأنه سجود بسلام له فكان معه تشهد يعقبه سلام كسجود صُلب الصلاة.
وأما كون من ترك السجود الواجب قبل السلام عمداً تبطل صلاته؛ فلأنه أخل بواجب في الصلاة عمداً فبطلت كما لو ترك واجباً غيره.
وأما كونه إن ترك المشروع بعد السلام عمداً لا تبطل صلاته؛ فلأنه جبران خارج الصلاة فلم تبطل الصلاة بتركه كجبرانات الحج.
وفرقٌ بين الواجب في الصلاة والواجب لها. ألا ترى أن الأذان والجماعة كل واحد منهما واجب للصلاة. ولا تبطل الصلاة بترك شيء من ذلك.
وعن أحمد تبطل إذا ترك المشروع بعد السلام عمداً قياساً على المشروع قبل السلام.
وقد تقدم الفرق.
(1) في ب: وبعد.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1039) 1: 273 كتاب الصلاة، باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم.
وأخرجه الترمذي في جامعه (395) 2: 240 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو.