الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التيمم
التيمم في اللغة: القصد. قال الله تعالى: {ولا تَيَمّموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267] أي ولا تقصدوا الخبيث منه تنفقون.
وقال امرؤ القيس:
تَيَمَّمَتِ العينَ التي عند ضَارِجٍ ...... يَفِيء عليها الظِلُّ عَرْمَضها طَامِي
أي قصدت العين المذكورة.
وفي الشرع: عبارة عن مسح الوجه واليدين بشيء من الصعيد على وجه مخصوص بنية مخصوصة.
وهو جائز بالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6].
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا» (4) رواه مسلم.
قال المصنف رحمه الله: (وهو بدل لا يجوز إلا بشرطين:
أحدهما: دخول الوقت. فلا يجوز لفرضٍ قبل وقته، ولا لنفلٍ في وقت النهي عنه).
أما كون التيمم بدلاً والمراد عن الماء؛ فلأنه مرتب عليه ويجب فعله عند عدمه ولا يجوز عند وجوده لغير عذر وذلك شأن البدل.
وأما كونه لا يجوز إلا بشرطين فلما يأتي ذكره فيهما.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (522) 1: 371 كتاب المساجد، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه. عن حذيفة.
وأما كون أحدهما دخول الوقت؛ فلأن التيمم طهارة ضرورة فاشترط فيها دخول الوقت كطهارة المستحاضة. أو يقال: تيمم في وقت [هو](1) مستغنٍ عنه أشبه التيمم عند وجود الماء.
فعلى هذا لا يجوز لفرض قبل وقته لانتفاء شرطه، ولا لنفل في وقت النهي عنه لأن وقت النهي ليس وقتًا للنافلة أشبه التيمم لفرضٍ قبل وقته.
قال: (الثاني: العجز عن استعمال الماء لعدمه، أو لضرر في استعماله من جرح، أو برد شديد، أو مرض يخشى زيادته، أو تطاوله، أو عطش يخافه على نفسه، أو رفيقه، أو بهيمته، أو خشية على نفسه، أو ماله في طلبه، أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله، أو ثمن يعجز عن أدائه).
أما كون ثاني شرطي التيمم العجز عن استعمال الماء كما ذُكر؛ فلأن غير العاجز المذكور يجد الماء على وجهٍ لا يضره [استعماله](2) فلا يدخل في قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة: 6] ولا في سائر الأدلة الآتي ذكرها في مواضعها.
وأما قول المصنف رحمه الله: لعدمه أو لضرر في استعماله فبيان لتنويع العجز. وذلك يكون تارة لعدمه. والأصل فيه ما تقدم من الآية والخبر، وفي حديث آخر:«التراب كافيك ما لم تجد الماء» (3).
وتارة لضرر في استعماله. وهو أنواع أيضًا:
أحدها: أن يكون من جرح. والأصل فيه قوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29].
وما روى جابر قال: «خرجنا في سفر. فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه. فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل. فمات. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك. فقال: قتلوه قتلهم الله. ألا سألوا إذا لم يعلموا. إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر ويعصب على جرحه. ثم يمسح عليه. ويغسل سائر جسده» (4) رواه أبو داود.
(1) زيادة من ج.
(2)
زيادة من ج.
(3)
سبق تخريجه ص: 100.
(4)
سبق تخريجه ص: 157.
وثانيها: أن يكون من برد شديد. والأصل فيه ما روى عمرو بن العاص قال: «احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل. فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك. فتيممت وصليت مع أصحابي الصبح. فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرو! أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال. ثم قلت: سمعت الله تعالى يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29] فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئًا» (1) رواه أبو داود.
وثالثها: أن يكون من مرض. والأصل فيه قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة: 6]، وقوله تعالى:{وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78].
ولأنه إذا جاز لشدة البرد؛ فلأن يجوز للمرض بطريق الأولى.
ويشترط للمرض المجوز أن يخشى تطاوله أو زيادته؛ لأن من لا يخشى ذلك لا يخاف الضرر. والتيمم للمرض يلحظ فيه خوف الضرر، [ولا ضرر في الماء مع ذلك كله](2).
وعن الإمام أحمد رضي الله عنه: لا يجوز التيمم إلا لمن خاف التلف كما إذا جبر زنده بعظم نجس.
والأول أولى؛ لأن مقتضى الآية الأولى جواز التيمم للمريض مطلقًا. تُرك العمل به فيمن لا يخشى ما تقدم ذكره، [وفيمن مرضه يسير، وفيمن يمكنه استعمال الماء المسخن](3) لما تقدم فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاها.
ورابعها: أن يكون من عطش يخافه على نفسه. والأصل فيه أنه خائف على نفسه باستعمال الماء فجاز له التيمم كالمريض.
وخامسها: أن يكون ذلك من عطش يخافه على رفيقه. والأصل فيه أنه يجب عليه بذله إذا خاف تلفه فجاز التيمم كما لو خاف على نفسه.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (334) 1: 92 كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم.
وأخرجه أحمد في مسنده (17356) ط إحياء التراث.
(2)
زيادة من ج.
(3)
زيادة من ج.
وسادسها: أن يكون ذلك من عطش يخاف على بهيمته. والأصل فيه أن للروح حرمة. ولذلك يجب عليه سقيها. فإذا خاف عليها العطش ترك لها ما معه من الماء وتيمم كما يفعل ذلك مع نفسه.
وسابعها: أن يكون ذلك خشية على نفسه أو ماله إن طلب المال. والأصل في ذلك أن في طلبه ضررًا والضرر منفي شرعًا.
وثامنها: أن يكون ذلك لتعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن مثله. والأصل في ذلك أن الزيادة على ثمن المثل تجعل الموجود حسًا معدومًا شرعًا. دليله الرقبة في الكفارات.
وتاسعها: أن يكون ذلك لتعذره إلا بثمن يعجز عن أدائه. والأصل فيه أن العجز عن الثمن يبيح الانتقال إلى البدل. دليله العجز عن ثمن الرقبة في الكفارة.
قال: (فإن كان بعض بدنه جريحًا تيمم له وغسل الباقي. وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنبًا. وإن كان محدثًا فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين).
أما كون من بعض بدنه جريح يتيمم لجرحه ويغسل الباقي؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث جابر المتقدم: «إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده» (1).
فإن قيل: الحديث يدل على الجمع بين المسح والتيمم، ولم يذكر المصنف رحمه الله المسح.
قيل: فيه روايتان:
إحداهما: يجب الجمع لما ذكر من الحديث.
والثانية: لا يجب لأنه جمع بين بدل ومبدل. وذلك لا يجب كالصيام والإطعام. والحديث محمول على جواز المسح بعد ذلك ولذلك ذكره بثم المقتضية للتراخي.
(1) سبق ذكره في الحديث قبل السابق.
وأما كون من وَجد ما يكفي بعض بدنه يلزمه استعمال ذلك إن كان جنبًا؛ فلأنه قدر على استعمال بعض الواجب فلزمه لقوله عليه السلام: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1) رواه البخاري.
ولأن العجز عن إيصال الماء إلى البعض لا يقتضي سقوطه عن إيصاله إلى الباقي قياسًا على عادم بعض أعضائه.
وأما كونه يتيمم للباقي؛ فلأنه عادم لماءٍ يغسله به فلزمه التيمم له لقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة: 6].
فعلى هذا يجب أن يقدم استعمال الماء على التيمم ليكون عند التيمم عادمًا للماء.
وأما كونه يلزمه استعماله إن كان محدثًا على وجه فلعموم الأدلة المذكورة في الجنب، وقياسًا على الجنب.
وأما كونه لا يلزمه على وجه؛ فلأن الموالاة من فروض الوضوء في الصحيح من المذهب فإذا غسل بعض الأعضاء دون بعض لم يفد شيئًا بخلاف الجنب.
قال: (ومن عدم الماء لزمه طلبه في رحله وما قرب منه. وإن دل عليه قريبًا لزمه قصده. وعنه لا يجب الطلب. وإن نسي الماء بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزئه).
أما كون من عدم الماء يلزمه طلبه على المذهب؛ فلأن الله تعالى أباح التيمم بشرط عدم الوجدان. ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب.
ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل الطلب للمبدل كالصيام في الظِّهار.
وأما كونه لا يلزمه طلبه على روايةٍ؛ فلأن كل عبادة تعلق وجوبها بوجود شرط لم يلزمه طلب ذلك الشرط كالمال في الحج والزكاة.
ولأنه غير عالم بوجوده أشبه ما لو طلب فلم يجد.
والأول أصح؛ لما تقدم.
ولأن الماء شرط لصحة الصلاة فلزم الاجتهاد في طلبه عند إعوازه كالقبلة.
(1) سبق تخريجه ص: 154.
وأما كونه يطلب ذلك في رحله وما قرب منه؛ فلأن ذلك هو الموضع الذي يطلب فيه الماء عادة.
والمراد بما قرب الميل والميلان والثلاث. نص عليه الإمام أحمد.
وأما كونه يلزمه قصده إذا دله عليه قريبًا ثقة؛ فلأنه قادر على استعمال شرط العبادة بقطع مسافة قريبة فلزمه ذلك كغيره من الشروط.
وأما كون من نسي الماء بموضع يمكنه استعماله إذا تيمم لا يجزئه؛ فلأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدًا، وشرط إباحة التيمم عدم الوجدان.
ولأنها ضرورة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كالحدث.
قال: (ويجوز التيمم لجميع الأحداث، وللنجاسة على جرح تضره إزالتها. فإن تيمم للنجاسة لعدم الماء وصلى فلا إعادة عليه إلا عند أبي الخطاب).
أما كون التيمم لجميع الأحداث يجوز: أما للحدث الأكبر وهو الجنابة؛ فلأن الله تعالى قال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا} [المائدة: 6]. والملامسة الجماع.
ولأن عمران بن حصين روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يصل في القوم. فقال: يا فلان! ما منعك أن تصلي مع القوم؟ فقال: أصابتني جنابة ولا ماء. فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك» (1) متفق عليه.
وفي حديث عمار «أنه لما أجنب تمعَّك في التراب. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا. ثم ضرب بيديه الأرض ثم مسح بهما وجهه وكفيه» (2).
وأما الحدث الأصغر وهو الوضوء فلما تقدم من قوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط} [المائدة: 6].
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (337) 1: 131 كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء.
وأخرجه مسلم في صحيحه (682) 1: 476 كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (340) 1: 133 كتاب التيمم، باب التيمم ضربة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (368) 1: 279 كتاب الحيض، باب التيمم.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (1) رواه أبو داود.
ولأنه إذا جاز للحدث الأكبر؛ فلأن يجوز للحدث الأصغر بطريق الأولى.
وأما النجاسة على جرح يضره إزالتها؛ فلأنه يمنع من الصلاة معها فجاز أن يتيمم لها عند العجز عن استعمال الماء كالحدث.
ولأن ذلك يدخل في قوله عليه السلام: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين» (2) رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث صحيح.
وأما كون من تيمم للنجاسة لعدم الماء وصلى لا إعادة عليه عند غير أبي الخطاب؛ فلأنه وجب عليه طهارة ناب عنها التيمم فلم تجب الإعادة عليه كطهارة الحدث.
وأما كونه عليه الإعادة عند أبي الخطاب؛ فلأن النجاسة عذر نادر غير دائم فوجبت الإعادة معه عليه كعادم الماء والتراب.
ولأنه صلى بالنجاسة فوجبت عليه الإعادة كما لو تيمم.
قال: (وإن تيمم في الحضر خوفًا من البرد وصلى ففي وجوب الإعادة روايتان).
أما كون الإعادة تجب فيما ذكر على روايةٍ؛ فلأنه عذر نادر فوجبت الإعادة معه كنسيان الطهارة.
وأما كونها لا تجب على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر عمرو بن العاصي بالإعادة» (3) مع أنه عذر نادر ولو وجبت لأمره. وإلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (332) 1: 90 كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم.
وأخرجه الترمذي في جامعه (124) 1: 211 أبواب الطهارة، باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء. كلاهما من حديث أبي ذر.
(2)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(3)
سبق ذكره وتخريجه ص: 240.
قال: (ولو عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله. وفي الإعادة روايتان).
أما كون من عدم ما ذكر يصلي على حسب حاله فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1).
ولأن من عدم الماء والتراب عدم شرط الصلاة ولم يبق له بدل وذلك يوجب الصلاة على حسب الحال؛ لما روت عائشة «أنها استعارت من أسماء قلادة. فهلكت. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً في طلبها. فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء. فصلوا. فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت آية التيمم» (2) متفق عليه.
وأما كونه يعيد في روايةٍ؛ فلأن الخلل في الصلاة إذا كان لعذر نادر لا يشق تسقط به الإعادة لأنه يمكنه تدارك الخلل مع عدم المشقة.
وأما كونه لا يعيد في روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الذين بعثهم بالإعادة» (3).
قال: (ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد. فإن خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات).
أما كون التيمم لا يجوز إلا بتراب طاهر؛ فلأن الله تعالى قال: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} [المائدة: 6].
قال ابن عباس: «الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر» (4).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وجعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا» (5).
(1) سبق تخريجه ص: 154.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (329) 1: 128 كتاب التيمم، باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا.
وأخرجه مسلم في صحيحه (367) 1: 279 كتاب الحيض، باب التيمم.
(3)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(4)
أخرج ابن أبي شيبة عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس قال: «أطيب الصعيد الحرث وأرض الحرث» . 1: 161.
وأخرج البيهقي مثله في السنن الكبرى 1: 214 كتاب الطهارة، باب الدليل على أن الصعيد الطيب هو التراب.
(5)
سبق تخريجه ص: 238.
فإن قيل: الآية والخبر يدلان على جواز التيمم بالتراب الطاهر فما وجه كونه لا يجوز بغيره؟
قيل: الآية مسوقة لبيان ما يجوز فعله عوضًا عن الماء وذلك يفيد ما ذكر.
ولأن الخبر يدل على اختصاص التراب بالجواز لأنه ذكره فيما فضّله الله به على سائر الأنبياء فلو جاز بغيره أيضًا لذكره لأن فيه ازياد فضيلة.
وأما كونه لا يجوز بتراب لا غبار له يعلق باليد؛ فلأن الله تعالى قال: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]. وما لا غبار له يعلق باليد لا يمسح بشيء منه.
وأما كونه ما خالطه ذو غبار لا يجوز التيمم به كالجص ونحوه كالماء إذا خالطته الطاهرات؛ فلأنه طهور خالطه غير طهور أشبه الماء إذا خالطه غيره من الطاهرات.
فإن قيل: ما معنى قول المصنف رحمه الله: فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات.
قيل: معناه أن المخالط إن غلبت أجزاؤه على أجزاء التراب أو غيّرتها لم يجز التيمم به كالماء إذا خالطته الطاهرات فغلبت على أجزائه أو غيّرته لأن كل واحد من الغلبة والتغيّر يمنع من استعمال الماء وهو الأصل؛ فلأن يمنع من استعمال التراب وهو بدله بطريق الأولى.
فصل [فرائض التيمم]
قال المصنف رحمه الله: (وفرائض التيمم أربعة: مسح وجهه، ويديه إلى كوعيه، والترتيب، والموالاة على إحدى الروايتين).
أما كون فرائض التيمم أربعة؛ فلأنها مسح جميع وجهه، ويديه إلى كوعيه، وترتيب ذلك، والموالاة فيه. وسيأتي ذكر دليل ذلك في مواضعه.
وأما كون مسح الوجه واليدين من فرائضه فلقوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6].
وأما كون المسح بجميع الوجه واليدين إلى الكوعين؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح جميع وجهه ويديه إذا تيمم لأن في حديث عمار «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح اليمين على الشمال وظاهر كفيه ووجهه» (1).
وأما كون مسح اليدين إلى الكوعين لا غير فللحديث المتقدم.
ولأن المسح حكم علق على مطلق اليد فلم يدخل فيه الذراع كقطع يد السارق [ومس الفرج](2).
وأما كون الترتيب والموالاة من فرائضه على الخلاف؛ فلأن التيمم بدل عن الوضوء فوجب أن يثبت فيه ما يثبت في الأصل بالقياس عليه.
قال: (ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره. فإن نوى جميعها جاز، وإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر، وإن نوى نفلاً، أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلاً).
أما كون تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره يجب؛ فلأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما يبيح الصلاة فلم يكن بد من التعيين تقوية لضعفه.
(1) سبق تخريج حديث عمار ص: 205.
(2)
زيادة من ج.
فإن قيل: ما صفة التعيين؟
قيل: أن ينوي استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كان جنبًا محدثًا، أو من الجنابة إن كان جنبًا، أو من الحدث إن كان محدثًا، أو ما أشبه ذلك.
وأما كون من نوى الجميع يجوز له ذلك والمراد به أنه يجزئه؛ فلأن كل واحد يدخل في العموم فيكون منويًا.
وأما كون من نوى أحدها مثل أن ينوي الجنابة أو الحدث الأصغر لا يجزئه عن الآخر؛ فلأن البعض غير منوي فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لا عمل إلا بنية» (1).
وأما كون من نوى نفلاً لا يصلي به إلا نفلاً؛ فلأن غير النفل غير منوي لا صريحًا ولا بطريق التضمين.
وأما كون من أطلق النية للصلاة لا يصلي إلا نفلاً؛ فلأن تعيين النية شرط ولم يوجد في الفرض وإنما أبيح النفل لأنه أقل ما يحمل عليه الإطلاق.
قال: (وإن نوى فرضًا فله فعله، والجمع بين الصلاتين، وقضاء الفوائت، والتنفل إلى آخر الوقت).
أما كون من نوى الفرض له فعله؛ فلأنه منوي.
وأما كونه له الجمع بين الصلاتين؛ فلأنهما في حكم صلاة واحدة.
وأما كونه له قضاء الفوائت؛ فلأن تيممه باق إلى خروج الوقت ولم يوجد ما يبطله.
وأما كونه له التنفل إلى آخر الوقت؛ فلأنه إذا جاز له قضاء الفوائت؛ فلأن يجوز له التنفل بطريق الأولى؛ لأن النفل أخف من ذلك.
قال: (ويبطل التيمم بخروج الوقت، ووجود الماء، ومبطلات الوضوء).
أما كون التيمم يبطل بخروج الوقت فلقول علي رضي الله عنه: «التيمم لكل صلاة» (2).
(1) سبق تخريجه ص: 147.
(2)
أخرجه ابن المنذر في الأوسط 2: 57.
وأخرجه الدارقطني في سننه (2) 1: 184 كتاب الطهارة، باب التيمم
…
و «كان ابن عمر يتيمم لكل صلاة» (1).
ولأن التيمم طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة.
وأما كونه يبطل بوجود الماء؛ فلأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك» (2) يدل على أنه ليس بوضوء عند وجود الماء.
وأما كونه يبطل بمبطلات الوضوء؛ فلأنها تبطل المبدل؛ فلأن يبطل البدل بطريق الأولى.
قال: (وإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه. وقال أصحابنا: يبطل).
أما كون التيمم لا يبطل بخلع المتيمم ما يجوز له المسح عليه. وهو اختيار المصنف رحمه الله؛ فلأن التيمم طهارة لم يمسح على الملبوس فيها فلم يبطل بالخلع كالملبوس على غير طهارة.
وأما كونه يبطل بذلك على قول الأصحاب؛ فلأنه من مبطلات الوضوء والمبطل للوضوء مبطل للتيمم لما تقدم.
قال: (وإن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إعادتها، وإن وجده فيها بطلت. وعنه لا تبطل).
أما كون من وجد الماء بعد الصلاة لا تجب عليه إعادة الصلاة فلما روى عطاء بن يسار قال: «خرج رجلان في سفر. فحضرت الصلاة وليس معهما ماء. فتيمما صعيدًا طيبًا. فصليا. ثم وجدا الماء في الوقت. فأعاد أحدهما الوضوء
(1) أخرجه ابن المنذر في الأوسط 2: 57.
وأخرجه الدارقطني في سننه (4) 1: 184 كتاب الطهارة، باب التيمم
…
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 221 كتاب الطهارة، باب التيمم لكل فريضة. من قول ابن عمر.
قال البيهقي: إسناده صحيح. وقال ابن التركماني: فيه عامر الأحول عن نافع، وعامر ضعفه ابن عيينة وابن حنبل، وفي سماعه من نافع نظر. وقال ابن حزم: والرواية عنه عن ابن عمر لا تصح. اهـ
(2)
سبق تخريجه ص: 206.
والصلاة ولم يعد الآخر. ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له. فقال للذي لم يعد: أجزأتك صلاتك، وقال للذي أعاد: لك الأجر مرتين» (1) رواه أبو داود.
ولأنه أدى صلاته بطهارة صحيحة أشبه ما لو أداها بالماء.
وأما كون من وجد الماء تبطل صلاته في روايةٍ فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك» (2).
وأما كونه لا يبطل في روايةٍ؛ فلأنه شَرَع في المقصود أشبه المكفِّر إذا قدر على الإعتاق بعد شروعه في الصيام.
والأولى أصح في المذهب؛ لأنه يروى عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال: كنت أقول يمضي. ثم تدبرت الأحاديث فإذا أكثرها أنه يخرج. وهذا يدل على رجوعه عن الرواية الثانية.
قال: (ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء. فإن تيمم وصلى في أول الوقت أجزأه).
أما كون من يرجو وجود الماء يستحب له تأخير التيمم؛ فلأن الطهارة بالماء فريضة والصلاة في أول الوقت فضيلة، وانتظار الفريضة أولى.
وأما كونه إذا تيمم وصلى في أول الوقت يجزئه فلما تقدم من حديث عطاء بن يسار (3).
قال: (والسنة في التيمم أن ينوي، ويسمي، ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع على التراب ضربة واحدة. فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه.
وقال القاضي: المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين. فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى، ويمرها إلى
(1) أخرجه أبو داود في سننه (338) 1: 93 كتاب الطهارة، باب في المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي في الوقت.
وأخرجه الدارمي في سننه (747) 1: 137 كتاب الصلاة. باب التيمم.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
سبق ذكره وتخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
مرفقه. ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه، ويمر إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى، ويمسح اليسرى باليمنى كذلك، ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى، ويخلل الأصابع).
أما كون السنة في التيمم أن تكون الصفة المذكورة أولاً (1) على المذهب؛ فلأن في حديث عمار «أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب ضربة واحدة ثم الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه» (2) متفق عليه.
وأما كون المسنون أن تكون على الصفة الثانية على قول القاضي؛ فلأن التيمم بدل فإذا أشبه مبدله في كمال اليد كان أولى.
ولأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين» (3).
وحديث عمار محمول على المجزئ جمعًا بين الحديثين.
وأما كون المتيمم يضرب بيديه مفرجتي الأصابع فليدخل الغبار فيما بينهما.
وأما كونه يمسح إحدى الراحتين بالأخرى فلِيُمِرّ التراب بذلك بعد الضرب.
وأما تخليل (4) الأصابع؛ فلأنه كالتخليل في الوضوء.
قال: (ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إعادة عليه).
أما كون من حبس في المصر يصلي بالتيمم؛ فلأنه عاجز عن الماء أشبه المسافر.
وأما كونه لا إعادة عليه؛ فلأنه أدى فريضة بالبدل فلم يكن عليه إعادة كالمسافر.
قال: (ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفًا من فوات المكتوبة ولا الجنازة. وعنه يجوز للجنازة).
أما كون واجد الماء لا يجوز له التيمم خوفًا من فوات المكتوبة؛ فلأن الله تعالى إنما أباح التيمم عند عدم الماء، وهذا واجد للماء.
(1) في ب: أو.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 207 كتاب الطهارة، باب كيف التيمم. عن جابر.
(4)
في ب: وأما كونه تخليل.
وأما كونه لا يجوز له ذلك خوفا من فوات الجنازة على روايةٍ فلما مر قبل.
وأما كونه يجوز (1) على روايةٍ؛ فلأنه لا يمكن استدراكها بخلاف غيرها.
قال: (وإن اجتمع (2) جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ما يكفي أحدهم لأَوْلَاهم به فهو للميت. وعنه أنه للحي. وأيهما يقدم؟ فيه وجهان).
أما كون ما ذكره للميت على الرواية الأولى؛ فلأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء ويغتسلان.
وأما كونه للحي على الرواية الأخرى؛ فلأنه متعبد بالغسل مع وجود الماء وهو واجد والميت قد سقط عنه الفرض بالموت.
وأما كون الحائض تقدم على الجنب في أحد الوجهين؛ فلأن غسلها آكد وتستبيح بغسلها ما يستبيحه الجنب وزيادة جواز الوطء.
وأما كون الجنب يقدم عليها في الوجه الآخر؛ فلأن غسله ثابت بتصريح القرآن بخلاف غسل الحيض.
(1) في ب: لا يجوز. وهو وهم.
(2)
كذا في المقنع، وفي ب: اجتنب.