الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة بهيمة الأنعام
قال المصنف رحمه الله: (ولا تجب إلا في السائمة منها، وهي: التي ترعى في أكثر الحول).
أما كون الزكاة لا تجب في غير السائمة من الإبل والغنم فلأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: «في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون، وفي سائمة الغنم في كل أربعين شاة» (1) يدل عليه لأنه عليه السلام ذكر السوم فيهما وذكره يدل على نفي الوجوب في غير السائمة منهما وإلا وقع لغواً وكلام الشرع منزه عن ذلك.
ولأن المعلوفة لا تقتنى للنماء فلم يجب فيها شيء كثياب البذلة.
وأما كونها لا تجب في غير السائمة من البقر فلأن ورود ذلك في الإبل والغنم [يدل على اعتباره في البقر لأنها في معناها](2).
ولأن منطوق الحديثين المتقدم ذكرهما يدل عليه.
وأما كونها تجب في السائمة من البقر فلما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى (3).
وأما قول المصنف رحمه الله: وهي التي ترعى في أكثر الحول؛ فبيان للسائمة من غيرها. وإنما اعتبر رعيُ أكثر الحول لأن أكثر الشيء يقوم مقام كله في كثير من الأحكام الشرعية وكذلك هاهنا.
ولأن اعتبار السوم في جميع الحول يمنع وجوب الزكاة بالكلية. قال: (وهي ثلاثة أنواع: أحدها: الإبل؛ فلا زكاة فيها حتى تبلغ خمساً فتجب فيها شاة، فإن أخرج بعيراً لم يجزئه، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة (4) ثلاث
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1386) 2: 527 كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم.
(2)
ساقط من ب.
(3)
ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
في ب: خمس عشر.
شياه، وفي العشرين أربع شياه، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض، وهي التي لها سنة، فإن عدمها أجزأه ابن لبون، وهو: الذي له سنتان، فإن عدمه أيضاً لزمه بنت مخاض. وفي ست وثلاثين بنت لبون، وفي ست وأربعين حقة، وهي: التي لها ثلاث سنين، وفي إحدى وستين جذعة، وهي: التي لها أربع سنين، وفي ست وسبعين ابنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة. فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون. ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة).
أما كون بهيمة الأنعام ثلاثة أنواع فلأنها إبل وبقر وغنم.
وأما كون الإبل منها لا زكاة فيها حتى تبلغ خمساً فلما تقدم في اشتراط النصاب لوجوب الزكاة من قوله عليه السلام: «ليس فيما دون خمس ذود صدقة» (1).
ومن قوله: «ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة» (2) أخرجه البخاري.
وأما كون الخمس تجب فيها شاة فلأن تكملة الحديث المذكور قبل: «فإذا بلغت خمساً ففيها شاة» (3).
والشاة الواجبة في الإبل ما لها ستة أشهر إن كانت من الضأن فإن كانت من المعز فما لها سنة لأنها هي الشاة التي يُعلق بها حكم الشرع وتعتبر في سائر موارده المطلقة. ويعتبر كونها في صفة الإبل ففي السمان الكرام شاة سمينة كريمة وفي اللئام الهزال لئيمة هزيلة لأن الإبل سببها فاعتبر أن تكون على صفتها، فإن كانت الإبل مراضاً لم يجز إخراج المريضة لأن المخرج من غير جنسها وليس كله مراضاً فينزل منزلة اجتماع الصحاح والمراض وذلك لا يجزئ فيه إلا الصحيحة، ولا يجزئ الذكر كالمخرجة عن الغنم، ويحتمل أن يجزئ لأنها شاة مطلقة فيدخل فيها الذكر كالأضحية، فإن عَدِمَ الشاة في ماله لزمه شراؤها.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1386) 2: 527 كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم.
(3)
تكملة للحديث السابق وقد سبق تخريجه.
وقال أبو بكر: يجزئه عشرة دراهم لأنها بدل شاة الجبران. ولا يصح لأن هذا إخراج قيمة فلم يجزئه كما في الشاة المخرجة عن الغنم، وليست الدراهم في الجبران بدلاً بدليل إجزائها مع وجود الشاة.
وأما كون البعير لا يجزئ عن الشاة فلأن الواجب شاة والمخرج غيرها فوجب أن يبقى في عُهدة الواجب. لا يقال ذلك أكمل من الواجب فيجب أن يجزئ كما لو أخرج بنت لبون عن بنت مخاض لأن المخرِج لبنت لبون مخرج للواجب وزيادة لأنه من جنس الواجب بخلاف البعير فإنه مخرج من غير جنسه، ولذلك من وجب عليه خمسة دراهم لو أخرج عنها عرضاً قيمته أكثر من ذلك لا يجزئه عن الواجب عليه على الصحيح.
فإن قيل: لم لا يخرج هنا خلاف؟
قيل: إذا قيل بجواز إخراج القيمة يجزئ البعير عن الشاة.
وأما كون العشر من الإبل فيها شاتان، والخمس عشر (1) فيها ثلاث شياه، والعشرين فيها أربع شياه، فلأن في حديث أبي بكر:«في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة» (2).
وأما كون الإبل إذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى آخره فلأن تكملة الحديث المذكور: «فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة» (3) رواه أبو داود.
(1) في ب: وخمس العشر.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1386) 2: 527 كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم.
وأخرجه أبو داود في سننه (1567) 2: 96 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.
(3)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
وأما كون بنت مخاض هي ما لها سنة وبنت لبون هي ما لها سنتان والحقة هي ما لها ثلاث سنين والجذعة هي ما لها أربع سنين فلما روى أبو داود قال: سمعته من الرياشي وأبي هاشم وغيرهما ومن كتاب النضر بن شميل ومن كتاب أبي عبيدة وربما ذكر أحدهم الكلمة قالوا: «يسمى الحُوار، ثم الفصيل إذا فصل، ثم تكون بنت مخاض لسنة إلى تمام سنتين، فإذا دخلت في الثالثة فهي بنت لبون فإذا تمت لها ثلاث سنين فهي حقة إلى تمام أربع سنين لأنها استحقت أن تركب ويحمل عليها الفحل فإذا طعنت في الخامسة فهي جذعة» (1).
وأما كون من عدم بنت مخاض وابن لبون يلزمه بنت مخاض فلأنهما لو (2) استويا في الوجود لم يجزئه إلا بنت مخاض فكذلك إذا استويا في العدم.
ولأن الشارع إنما نقل من بنت مخاض إلى ابن لبون إذا لم يكن في ماله بنت مخاض للسهولة وعدم كلفة الشراء فإذا لم يكن في ماله أيضاً ابن لبون وتعين الشراء وجب شراء بنت مخاض لأنها الأصل.
فإن قيل: لم سميت بنت مخاض وبنت لبون والحقة بذلك؟
قيل: أما بنت مخاض فسميت بذلك؛ لأن أمها ماخض أي حامل بغيرها قد حان ولادتها وليس ذلك شرطاً في الإجزاء وإنما سميت به تعريفاً لغالب حالها.
وأما بنت لبون فإنما سميت بذلك؛ لأن أمها لبون أي ذات لبن.
وأما الحقة فإنما سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن يطرقها الفحل وقد تقدم ذكر ذلك في الحديث (3).
قال: (فإذا بلغت مائتين فقد اتفق الفرضان فإن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون، والمنصوص أنه يخرج الحقاق وليس فيما بين الفريضتين شيء).
أما كون الفريضتين في المائتين اتفقا فلأنهما أربع خمسينات وخمس أربعينات.
(1) رواه أبو داود في سننه 2: 106 كتاب الزكاة، باب: تفسير أسنان الإبل.
(2)
ساقط من ب.
(3)
تقدم في الحديث السابق.
وأما كون المخرِج إن شاء أخرج أربع حقاق وإن شاء أخرج خمس بنات لبون على غير المنصوص؛ فلقوله عليه السلام: «فإذا زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة» (1). وقد تقدم أن المائتين فيهما أربع خمسينات وخمس أربعينات.
وأما كونه يخرج الحقاق على منصوص الإمام أحمد رحمه الله عليه؛ فلأن الحقاق أنفع للمساكين لكثرة منافعها من الدر والنسل والحمل.
وحمل بعض الأصحاب كلام الإمام أحمد رحمة الله عليه على الأولوية لا على التعيين لما ذكر من الحديث.
ولأن في كتاب الصدقات الذي عند آل عمر: «فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَت أُخذت» (2).
وقال ابن عقيل: إن كانت كلها حقاقاً تعينت الحقاق، وإن كانت كلها بنات لبون تعينت بنات اللبون لأن الزكاة سببها النصاب فاعتبرت به.
وأما كون ما بين الفريضتين ليس فيه شيء. ومعناه: أن الزكاة تتعلق بالنصاب لا بما زاد؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في خمس من الإبل شاة» (3) أوجب الشاة في الخمس فاقتضى أن تكون غير واجبة في الزيادة عليها.
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال في كتاب عمرو بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا زادت الغنم على ثلاثمائة فليس فيما دون المائة شيء وإن بلغت تسعاً وتسعين حتى تبلغ مائة» (4) فنفى الوجوب عن الزيادة.
وفيه أيضاً: «ليس في الإبل شيء حتى تبلغ خمساً فإذا بلغت خمساً ففيها شاة ولا شيء في زيادتها حتى تبلغ عشراً» (5).
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1570) 2: 98 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (1034) 351 كتاب الصدقة، باب صدقة الغنم وسننها.
(5)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (934) 328 كتاب الصدقة، باب فرض صدقة الإبل
…
وروى أبو عبيد في كتاب الغريب (1): «ليس في الأوقاص زكاة» (2) قال: والوقص ما بين النصابين.
وقيل لمعاذ: «أمرت في الأوقاص بشيء؟ قال: لا. وسأسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لا» (3) رواه الدارقطني.
قال: (ومن وجبت عليه سن فعدمها أخرج سناً أسفل منها ومعها شاتان أو عشرون درهماً، وإن شاء أخرج أعلا منها وأخذ مثل ذلك من الساعي. فإن عدم السن التي تليها انتقل إلى الأخرى وجبرها بأربع شياه أو أربعين درهماً.
وقال أبو الخطاب: لا ينتقل إلا إلى سن تلي الواجب).
أما كون من وجبت عليه سن فعدمها يخير بين إخراج أسفل منها ومعها الجبران المتقدم ذكره وبين إخراج أعلا منها وأخذ الجبران المذكور فلأن في كتاب أنس: «ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا ابنة لبون فإنها تقبل بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً» (4).
فعلى هذا من وجبت عليه بنت لبون وليست في ماله خُيّر بين إخراج بنت مخاض ومعها شاتان أو عشرون درهماً وبين إخراج حقة وأخذ مثل ذلك.
ومن وجبت عليه حقة خير بين إخراج بنت لبون ومعها ما ذكر وبين إخراج جذعة وأخذ مثل ذلك. وليس لمن وجبت عليه جذعة أن يخرج الثنية ويأخذ من الساعي مثل الجبران لأن ذلك ليس مذكوراً في الحديث.
وأما كون من عدم السن التي تلي الواجب مع السن الواجبة كمن وجبت عليه حقة وليست في ماله هي ولا ابنة لبون يجوز له الإخراج مع الجبران بأربع شياه أو
(1) في ب: وروى عبيد في الغريب.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (1385) 2: 527 كتاب الزكاة، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده.
أربعين درهماً على المذهب فلأن الشارع جوز له الانتقال إلى الذي يليه وجوز الانتقال من الذي يليه إلى ما يليه إذا كان هو الفرض، وهنا (1) لو (2) كان الذي يليه موجوداً أجزأ فإذا كان معدوماً جاز العدول إلى ما يليه.
وقال أبو الخطاب: لا ينتقل إلا إلى سن يلي الواجب لأنه لم يرد النص فيه.
قال صاحب النهاية فيها: هذا ظاهر المذهب.
قال: (ولا مدخل للجبران في غير الإبل).
أما عدم دخول الجبران في غير الإبل من البقر والغنم فلأن النص ورد في الإبل خاصة فيجب الاقتصار عليه.
فعلى هذا من وجب عليه تبيع وليس في ماله وعنده مسنة فله دفعها بزيادتها فإن طلب الجبران لم يكن له ذلك كما ذكرنا.
وأما دخوله في الإبل فلما تقدم في الحديث المذكور.
(1) في ب: هنا.
(2)
سقط من هنا لوحتان من نسخة ب. وقد اعتمدنا نسخة ج.
فصل [في زكاة البقر]
قال المصنف رحمه الله: (النوع الثاني: البقر. ولا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين فيجب فيها تبيع أو تبيعة وهي التي لها سنة، وفي أربعين مسنة وهي التي لها سنتان، وفي الستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة).
أما وجوب الزكاة في البقر؛ فقد تقدم حكماً ودليلاً (1).
وأما عدم وجوب شيء فيما لم يبلغ ثلاثين؛ فلما تقدم من اشتراط النصاب لوجوب الزكاة (2).
وأما وجوب التبيع والتبيعة إلى آخره؛ فلما روى معاذ رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعاً، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين تبيعاً ومسنة، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشرة ومائة مسنتين وتبيعاً، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربعة أتباع، وأمرنى أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئاً إلا أن تبلغ مسنة أو جذعاً» (3). رواه الإمام أحمد.
قال: (ولا يجزئ الذكر في الزكاة في غير هذا إلا ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها، إلا أن يكون النصاب كله ذكوراً فيجزئ الذكور في الغنم وجهاً واحداً، وفي الإبل والبقر في أحد الوجهين).
أما عدم إجزاء الذكر في غير ما ذكر؛ فلأن الأنثى أفضل لما فيها من الدر والنسل. وقد نص الشارع على اعتبار الأنثى في الإبل وفي الأربعين من البقر.
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (21836) 5: 240.
وأما إجزاء ابن لبون مكان بنت مخاض إذا عدمها؛ فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ذكر» (1). ومن أن سنه يمتنع به من صغار السباع ويرعى الشجر ويرد الماء بنفسه.
وأما إجزاء التبيع مكان التبيعة وهو المراد بالإشارة في قول المصنف رحمه الله: في غير هذا؛ فلما تقدم من قوله في حديث معاذ: «من كل ثلاثين تبيعاً» (2).
ولأن التبيع أكثر لحماً فيعادل ذلك الأنوثة.
وأما إجزاء الذكر في الغنم الذكور كلها وجهاً واحداً؛ فلأن الزكاة وجبت مواساة، وذلك يقتضي الإخراج من الجنس.
وأما الإبل والبقر ففيها وجهان:
أحدهما: يجزئ لما ذكر.
والوجه الآخر: لا يجزئ لأن الشارع نص على الأنثى وهي أفضل ففي العدول عن الأنثى عدول عن المنصوص.
وقال المصنف في الكافي: يجزئ ذكر البقر في أصح الوجهين. وفي الإبل وجهان:
أحدهما: يجزئ لما ذكر من المواساة.
والثاني: لا يجزئ لإفضائه إلى إخراج ابن لبون عن خمس وعشرين وست وثلاثين وفيه تسوية بين النصابين.
فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة الذكر، وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن النصابين ويكون التعديل بالقيمة.
قال: (ويؤخذ من الصغار صغيرة ومن المراض مريضة. وقال أبو بكر: لا يؤخذ إلا كبيرة صحيحة على قدر المال).
أما جواز أخذ الصغيرة من الصغار والمريضة من المراض على المذهب؛ فلقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
تقدم في الحديث قبل السابق.
الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم» (1) والعناق لا تؤخذ في الكبار بالإجماع فيتعين حمل ذلك على كون النصاب كله أعناقاً.
ولأن الزكاة وجبت مواساة وليس من المواساة أن يكلف الرجل غير ما عنده.
وأما عدم أخذ ذلك على قول أبي بكر فلقول مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرني -يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن لا آخذ من راضع شيئاً إنما حقنا في الثنية والجذعة» (2) أي لا آخذ راضع لبن فإنه لا فرق بينهما كقول الشاعر:
وقفت فيها أُصَيلاً لا أسائلها
…
أَعْيَتْ جواباً وما بالرَّبْع من أحد
أي أحد.
ولقول عمر رضي الله عنه: «اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها منهم» (3).
فعلى هذا تؤخذ كبيرة صحيحة بقدر قيمة المال لتحصل المساواة.
والأول المذهب لما ذكر. وحديث عمر ومصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم محمول على ما إذا كان النصاب كباراً وصغاراً.
قال: (فإن اجتمع صغار وكبار وصحاح ومراض وذكور وإناث لم يؤخذ إلا أنثى كبيرة صحيحة على قدر قيمة المالين. وإن كانا نوعين كالبخاتي والعراب والبقر والجواميس والضأن والمعز وكان فيه كرام ولئام وسمان ومهازيل أخذت الفريضة من أحدهما على قدر قيمة المالين).
أما عدم جواز أخذ غير أنثى صحيحة كبيرة إذا كان النصاب بعضه صغار وبعضه كبار وبعضه صحاح وبعضه مراض وبعضه ذكور وبعضه إناث؛ فلما تقدم من قول عمر ومصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).
وأما اعتبار قيمة ذلك بقدر قيمة النصاب؛ فلتحصل المواساة.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(4)
تقدم قريباً.
وأما جواز أخذ الفريضة من أي النوعين إذا كان النصاب أنواعاً كما ذكره المصنف رحمه الله فلأن كل واحد من المالين يصح إخراجه في الزكاة فجاز أخذه مع الاجتماع كمال كل واحد من الخليطين.
وأما اعتبار القيمة بقيمة المالين فلأن ذلك تختلف قيمته فوجبت شاة على قدر المالين كما لو كان البعضُ مراضاً.
فصل [في زكاة الغنم]
قال المصنف رحمه الله: (النوع الثالث: الغنم. ولا شيء فيها حتى تبلغ أربعين فتجب فيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة شاة شاة).
أما وجوب الزكاة في الغنم فقد تقدم في قوله: السائمة من بهيمة الأنعام (1).
وأما عدم الوجوب فيها حتى تبلغ أربعين فلما تقدم في اشتراط النصاب (2).
وأما وجوب الشاة في الأربعين إلى آخره فلما روى أنس رضي الله عنه في كتاب الصدقات: «وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها
…
مختصر» (3) رواه البخاري.
قال: (ويؤخذ من المعز الثني، ومن الضأن الجذع، ولا يؤخذ تيس ولا هرمة ولا ذات عوار وهي المعيبة، ولا الربى وهي التي تربي ولدها، ولا الحامل ولا كرائم المال إلا أن يشاء ربه).
أما عدم أخذ غير الثني من المعز والجذع من الضأن فلما روى سِعر بن دَيسم قال: «أتاني رجلان على بعير. فقالا: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك. قلت: فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناق جذعة أو ثنية» (4) رواه أبو داود.
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1386) 2: 527 كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (1581) 2: 103 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.
ولأن هذا السن هو المجزئ في الأضحية دون غيره فكذلك في الزكاة.
والجذع من الضأن: ما له ستة أشهر، ومن المعز: ما له سنة.
وأما عدم جواز أخذ التيس والهرمة وذات العوار؛ فلقوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267].
وروى أنس رضي الله عنه في كتاب الصدقات: «ولا نخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس» (1) رواه البخاري.
وأما عدم جواز أخذ الربى والحامل؛ فلأن ذلك خير المال فلم يجز أخذه بغير رضاه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره» (2) رواه أبو داود.
وأما عدم جواز أخذ كرائم المال؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» (3) متفق عليه.
وأما جواز أخذ الجيد من ذلك إذا شاء ربه؛ فلما روى أبي بن كعب رضي الله عنه: «أن رجلاً قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله! أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن ما عليّ فيه بنت مخاض فعرضت عليه ناقة فتية سمينة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك الذي وجب عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه (4) منك. قال: فها هي ذه يا رسول الله! فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة» (5). رواه أبو داود.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1387) 2: 528 كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1582) 2: 103 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (6937) 6: 2685 كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى.
وأخرجه مسلم في صحيحه (19) 1: 51 كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام.
(4)
إلى هنا السقط من نسخة ب.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (1583) 2: 104 كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.
قال: (ولا يجوز إخراج القيمة، وعنه: يجوز).
أما كون إخراج القيمة في الزكاة لا يجوز على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «خذ الحب من الحب، والإبل من الإبل، والبقر من البقر، والغنم من الغنم» (1) رواه أبو داود.
وذلك يقتضي أن لا يأخذ من غيره لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده.
ولأنه عليه السلام ذكر هذه الأعيان المنصوص عليها بياناً لما فرضه الله تعالى فإخراج غيرها ترك المفروض.
وأما كونه يجوز على روايةٍ؛ فلأنه يروى عن معاذ أنه قال لأهل اليمن: «ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم في الصدقة مكان الذرة والشعير فإنه أيسر لكم وأنفع للمهاجرين بالمدينة» (2).
والظاهر أنه فعل ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم عن توقيف.
ولأن الزكاة وجبت لإغناء الفقير وذلك حاصل بالقيمة كالمنصوص عليه.
والأول المذهب لما تقدم.
وأما قول معاذ فمحمول على الجزية ولا يضر تسميتها صدقة؛ لأنها تسمى بذلك مجازاً «لأن عمر سمى الجزية صدقة لما استنكف بنو تغلب من اسم الجزية» (3).
ولأن قوله: مكان الذرة والشعير يجوز أن يكون صالَحَهم عن أراضيهم بذلك.
قال: (وإن أخرج سناً أعلى من الفرض من جنسه جاز).
أما كون إخراج سن أعلى من الفرض من جنسه يجوز؛ فلما تقدم من حديث أبي بن كعب (4).
وأما كون المصنف رحمه الله قيد ذلك بقوله: من جنسه فلأن الإخراج من غير الجنس مثل أن يخرج بعيراً عن شاة وقد تقدم دليل ذلك في موضعه (5).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1599) 2: 109 كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 113 كتاب الزكاة، باب من أجاز أخذ القيم في الزكوات.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9: 216 كتاب الجزية، باب نصارى العرب تضعف عليهم الصدقة.
(4)
تقدم حديث أبي ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
فصل في الخلطة
الخلطة جائزة بالإجماع. والأصل فيها ما روى سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتاب الصدقة: «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» (1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
قال المصنف رحمه الله: (وإذا اختلط نفسان أو أكثر من أهل الزكاة في نصابٍ من الماشية حولاً لم يثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول فحكمهما في الزكاة حكم الواحد. سواء كانت خلطة أعيان بأن يكون مشاعاً بينهما، أو خلطة أوصاف بأن يكون مال كل واحد متميزاً فخلطاه واشتركا في المراح والمسرح والمشرب والمحلب والراعي والفحل، فإن اختل شرط منها أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول زكيا زكاة المنفردين فيه).
أما كون حكم الخليطين في الزكاة حكم الواحد فلأنه لو لم يكن كذلك لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين متفرق والتفريق بين مجتمع خشية الصدقة.
وأما كون خلطة الأعيان والأوصاف سواء فيما ذكر فلأن الخلطة توجد فيهما.
وأما قول المصنف رحمه الله: بأن يكون مشاعاً بينهما؛ فبيان لخلطة الأعيان، وذلك مثل أن يكون خمس من الإبل أو ثلاثون من البقر أو أربعون من الغنم مشتركاً بين اثنين على سبيل الإشاعة بأن ورثا ذلك أو وهب لهما.
وأما قوله: بأن يكون مال كل واحد متميزاً فخلطاه فبيان لخلطة الأوصاف، وذلك مثل أن يكون ذلك مشتركاً بينهما لا على سبيل الإشاعة. وسميت خلطة أوصاف لأن مال كل واحد منهما له صفات يتميز بها.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (621) 3: 17 كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم.
وأما قوله: نفسان إلى آخره فبيان لما يشترط في جعل الخليطين في الزكاة كالواحد، وذلك أشياء:
أحدها: أن يكون نفسان أو أكثر لأن أقل من ذلك الواحد ولا خلطة معه.
وثانيها: أن يكون الشريكان من أهل الزكاة فلو كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً فلا أثر لخلطته لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل النصاب به.
ولأن من أحكام الخلطة التراجع فإذا لم يكن الشريك من أهل الزكاة لم يمكن التراجع.
وثالثها: أن يكون في نصابٍ فلو كان المجموع أقل من نصاب مثل أن يشتركا في ثلاثين من الغنم لم تؤثر الخلطة سواء كان لهما مال سواه أو لم يكن لأن المجموع دون النصاب فلم تجب الزكاة.
ورابعها: أن يكون في الماشية فلا تؤثر الخلطة في غيرها لما يذكر في آخر الباب (1).
وخامسها: أن يكون في حول لم يثبت لهما حكم الانفراد فيه، فإن ثبت لهما حكم الانفراد فيه مثل أن يملك كل واحد نصاباً في أول المحرم ويختلطا بعد ذلك لم تؤثر الخلطة لأنها معنى تعلق به إيجاب الزكاة فاعتبر في جميع الحول كالنصاب.
وسادسها: أن يشتركا في خلطة الأوصاف في الأشياء التي ذكرها المصنف رحمه الله.
أما المشرب والراعي والفحل فلما روى سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، والخليطان ما اجتمعا في الحوض والراعي والفحل» (2) رواه الدارقطني.
وأما المراح والمسرح والمحلب فلأن في اشتراط ما تقدم تنبيهاً على اشتراط ذلك.
والمُراح بضم الميم: المكان الذي يراح إليه عند رجوعها من المرعى.
والمسرح: موضع الراعي، وقيل: الموضع الذي تجتمع فيه عند خروجها إلى المرعى. فعلى الأول يلزم من اتحاد الراعي اتحاد المسرح.
(1) ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (1) 2: 104 كتاب الزكاة، باب تفسير الخليطين وما جاء في الزكاة على الخليطين.
والمشرب: موضع الشرب، والمحلب موضع الحلب وليس المراد إتحاد الإناء ولا اختلاط اللبن لأنه من ذوات الأمثال والشياه تتفاوت في الدر فإذا اقتسماه بالسوية مع التفاوت حصل الربا.
والفحل: المعد للضراب وليس المراد إيجاده ولا أن يكون مشتركاً بل أن لا يتميز فحول أحد المالين عن الآخر عند الضراب.
وأما كون الخليطين يزكيان زكاة المنفرد إذا اختل شرط فيما تقدم أو ثبت لهما حكم الانفراد في بعض الحول فلأنه قد تقدم ما يدل على اشتراط ما ذكر فإذا لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط، وإذا لم تحصل الخلطة لفوات شرطها بقيا على حكم الانفراد.
قال: (وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد وحده فعليه زكاة المنفرد، وعلى الآخر زكاة الخلطة ثم يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منهما).
أما كون من ثبت له حكم الانفراد عليه زكاة المنفرد وكون الآخر عليه زكاة الخلطة فلأن شرط الخلطة فات فيمن ثبت له حكم الانفراد دون الآخر فوجب أن لا يثبت حكم الخلطة في حقه لانتفاء شرطها وأن يثبت في حق الآخر عملاً بمقتضى الخلطة السالم عن معارضة فوات الشرط.
فإن قيل: ما مثال ذلك؟
قيل: أن يملك رجل أربعين شاة في أول المحرم ويملك آخر أربعين في صفر ويختلطا ثم يبيع من ملك في صفر ماله لآخر (1) في ربيع، فالمالك الأول يثبت له حكم الانفراد في بعض الحول ولم يكمل حول الخلطة ومن شرطها: كمال حول في الخلطة والمشتري لم يثبت له حكم الانفراد لأنه ملكها مختلطة فهو مستجمع (2) لشرائطها.
وأما كونهما يزكيان فيما بعد ذلك الحول زكاة الخلطة؛ فلأن الخلطة موجودة في جميع الحول بشروطها.
(1) في ب: الآخر.
(2)
في ب: مجتمع.
وأما قول المصنف رحمه الله: كلما تم حول أحدهما فعليه بقدر ماله منهما؛ فتنبيه على أمرين:
أحدهما: أن من ثبت له حكم الانفراد في الحول الأول يزكي ما عليه عند تمام حوله الثاني ولا ينتظر حول المشتري؛ لأن الزكاة بعد حَوَلان الحول لا يجوز تأخيرها، وأن المشتري لا يجب عليه تقديم زكاته إلى رأس حول شريكه لأن تقديم الزكاة قبل حَوَلان الحول لا يجب.
وثانيهما: أنه إذا كان لكل واحد أربعون فعلى كل واحد نصف شاة، وإن كان للأول أربعون وللثاني ثمانون فعلى الأول ثلث شاة وعلى الثاني ثلثاها.
قال: (ولو ملك رجل نصاباً شهراً ثم باع نصفه مشاعاً أو أعلم على بعضه وباعه مختلطاً فقال أبو بكر: ينقطع الحول ويستأنفانه من حين البيع.
وقال ابن حامد: لا ينقطع حول (1) البائع وعليه إذا تم حوله زكاة حصته، فإن أخرجها من المال انقطع حول المشتري لنقصان النصاب وإن أخرجها من غيره وقلنا الزكاة في العين فكذلك وإن قلنا في الذمة فعليه عند تمام حوله زكاة نصيبه).
أما كون الحول في الذي لم يُبع ينقطع على قول أبي بكر فلأنه انقطع في النصف المبيع وصار كأنه لم يجر في حول الزكاة وإذا كان كذلك لزم انقطاعه في الباقي.
وأما كون الخليطين يستأنفانه من حين البيع فلأن الحول إذا انقطع وجب استئناف حول آخر.
وأما كونه لا ينقطع على [قول](2) ابن حامد فلأن الباقي لم يزل مخالطاً لمالٍ جارٍ في حول الزكاة.
فعلى هذا يجب على البائع زكاة حصته إذا تم حوله لأنه مال حال عليه الحول وفيه بقية شروط وجوب الزكاة ثم ينظر فيه فإن أخرجها من المال فلا زكاة على المشتري عند حوله لنقصان النصاب، وإن أخرجها من غيره فقال المصنف رحمه الله: إن قلنا الزكاة في العين فكذلك، ومعناه: أنه لا زكاة على المشتري أيضاً لأن تعلق الزكاة
(1) ساقط من ب.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
بالعين ينقص النصاب، وإن قلنا تتعلق بالذمة فعلى المشتري زكاة حصته لأن النصاب لم ينقص لا حقيقة ولا على سبيل التعلق. وفي كلامه نظر وذلك أنه إذا أخرج الزكاة من غير المال لا يسقط ما يخص المشتري من حيث المعنى والنقل سواء قلنا تتعلق الزكاة بالعين أو بالذمة، أما عدم السقوط من حيث المعنى فلأن الزكاة إذا أخرجت لم يبق لها تعلق بالمال البتة لأنه لا يجوز أن تكون متعلقة به بعد أدائها كما لا يجوز تعلق الدين بالرهن بعد أدائه وكما لا يجوز تعلق أرش الجناية بالجاني بعد فدائه.
ولأن المصنف رحمه الله ذكر مسألة تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة فيما تقدم واشترط عدم الإخراج فقال في آخر كتاب الزكاة: وإذا مضى حولان على نصاب لم يؤد زكاتهما فعليه زكاة واحدة إن قلنا تجب في العين (1). فلو لم يكن عدم الأداء له أثر في المسألة لوقع قوله لم يؤد زكاتهما لغواً وإذا ثبت أن التعلق بالعين يعتمد عدم الإخراج ثبت أن التعلق بالعين لا أثر له هنا لأن عدم الإخراج مفقود بدليل قول المصنف رحمه الله: وإن أخرجها من غيره وقلنا الزكاة في العين فكذلك.
وأما عدم السقوط من حيث النقل فقال صاحب المستوعب فيه بعد أن ذكر المسألة وحررها: ولا فرق في ذلك كله بين قولنا الزكاة تتعلق بعين المال أو بالذمة.
وذكر ابن عقيل المسألة في فصوله ولم يذكر تعلق الزكاة بالعين بل قال: وإن كان البائع أخرج من غير المال فالزكاة واجبة بحالها في حق المشتري.
وقال أبو الخطاب: وإذا تم حول المشتري فإن قلنا الزكاة تتعلق بالذمة وجب عليه نصف شاة، وإن قلنا تتعلق بالعين وهو الصحيح: فإن كان البائع أخرج الزكاة من عين المال فلا شيء على المشتري لأن نصاب الخلطة نَقَص في بعض الحول، وإن كان أخرجها من غيره فعلى المشتري نصف شاة. أوجب على المشتري نصف شاة إذا أخرجها من غير المال على تقدير [القول بتعلق الزكاة بالعين، لأنه قال: وإن قلنا تتعلق بالعين، ثم أسقط الزكاة على تقدير](2) إخراجها من عين المال وأوجبها على تقدير الإخراج من غيره. وصرح صاحب المحرر بعدم تأثير التعلق فيما ذكر في نهايته.
(1) ر ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
ساقط من ب.
فإن قيل: لم لا يحمل قول المصنف رحمه الله على أن البائع أخر الزكاة زمناً ثم أخرجها من غير المال؛ لأنه حينئذ تبقى الزكاة متعلقة بالعين إلى وقت الإخراج فينقطع حول المشتري لبطلان بعض الحول فإذا بطل حوله لا زكاة عليه؟
قيل: ليس في كلام المصنف رحمه الله أنه أخر الإخراج بل فيه تصريح بأنه أخرج عقيب الوجوب لأنه قال: لا ينقطع حول البائع وعليه إذا تم حوله زكاة حصته فإن أخرجها. ذكره بالفاء المقتضية للتعقيب، وعلى تقدير حمله على التأخير لا ينفعه نقلاً ولا دليلاً، أما النقل فلأن تعلق الزكاة بالعين يمنع وجوب الزكاة لانعقاد الحول صرح صاحب المحرر في نهايته.
وأما الدليل فلأن منع تعلق الزكاة فيها بالعين لوجوب الزكاة كمنع الدين لوجوب الزكاة، والدين لا يمنع انعقاد الحول فكذا التعلق بالعين.
فإن قيل: لم قلت أن الدين لا يمنع الانعقاد؟
قيل: لأنه لو منعه لما صح قول الفقهاء ويمنع الدين وجوب الزكاة لأن ما لا حول له لا زكاة فيه.
فإن قيل: كيف السبيل إلى تصحيح كلام المصنف رحمه الله؟
قيل: بأن يجعل بدل وإن أخرجها من غيره وإن لم يخرجها.
قال: (وإن أفرد بعضه وباعه ثم اختلطا انقطع الحول. وقال القاضي: يحتمل أن لاينقطع إذا كان زمناً يسيراً).
أما كون الحول ينقطع بما ذكر إذا كان الزمن بين الإفراد والخلطة طويلاً فلزوال الخلطة حقيقة وحكماً.
وأما كونه ينقطع إذا [كان](1) الزمن يسيراً وهو قول ابن حامد فلأن الإفراد ينافي الاختلاط، والإفراد موجود فوجب أن يؤثر.
وأما كونه يحتمل أن لا ينقطع على ما قاله القاضي فلأن الزمن اليسير معفو عنه فوجب أن لا ينقطع كما لو باعه مشاعاً.
(1) ساقط من ب.
قال: (وإن ملك نصابين شهراً ثم باع أحدهما مشاعاً فعلى قياس قول أبي بكر يثبت للبائع حكم الانفراد وعليه عند تمام حوله زكاة المنفرد، وعلى قياس قول ابن حامد عليه زكاة خليط. فإذا تم حول المشتري فعليه زكاة خليط وجهاً واحداً).
أما كون البائع يثبت له حكم الانفراد على قياس قول أبي بكر فلأن أبا بكر يرى أن البيع يقطع الحول فيصير البائع كأنه ملك أربعين شاة منفردة.
فعلى هذا إذا تم حوله عليه زكاه زكاة المنفرد لأنه منفرد.
وأما كونه عليه زكاة خليط على قياس قول ابن حامد فلأن ابن حامد لا يرى البيع قاطعاً للحول فلم تزل الأربعون التي له مختلطة في جميع الحول فيزكي زكاة خليط.
وأما كون المشتري عليه زكاة خليط وجهاً واحداً إذا تم حوله فلأن الأربعين التي له (1) لم تزل مختلطة في جميع حوله على كلا القولين.
قال: (وإذا ملك نصاباً شهراً ثم ملك آخر لا يتغير به الفرض، مثل: أن يملك أربعين شاة في المحرم وأربعين في صفر فعليه زكاة الأول عند تمام حوله ولا شيء عليه في الثاني في أحد الوجهين وفي الآخر عليه للثاني زكاة خليط كالأجنبي في التي قبلها. وإن كان الثاني يتغير به الفرض مثل أن تكون مائة شاة فعليه زكاته إذا تم حول وجهاً واحداً).
أما كون من ملك نصاباً ثم آخر لا يتغير به الفرض كما مثّل المصنف رحمه الله عليه زكاة الأول عند تمام حوله فلأن النصاب الكامل ينعقد عليه الحول من حين ملكه فإذا تم وجبت زكاته لتمام الحول والنصاب.
وأما كونه لا شيء عليه في الثاني في وجهٍ فلأن المستفاد بعقد لا يضم إلى حول ما في ملكه لما تقدم وإنما يضم في العدد لأن ملك الإنسان يضم بعضه إلى بعض في ذلك وإذا ضممناه أشبه الوقص.
وأما كونه عليه فيه زكاة خليط وهي هنا نصف شاة فلأنه مخالط للأربعين الأولة أشبه الأجنبي.
(1) مثل السابق.
وأما كونه عليه زكاة الثاني الذي يتغير به الفرض كما مثل المصنف رحمه الله إذا تم حوله وجهاً واحداً فلأنه لو ملكها ابتداء وجبت زكاة المجموع فكذلك هنا.
ولأنه لا يخلو إما أن يجعلهما كالمال الواحد لمالك واحد أو كمالين لمالكين وكيف ما قدر وجب هنا شاة أخرى بخلاف التي قبلها فإن تقدير جعلهما مالاً واحداً لمالك واحد لا يجب أكثر من شاة واحدة.
قال: (فإن كان الثاني يتغير به الفرض ولا يبلغ نصاباً مثل أن يملك ثلاثين من البقر في المحرم وعشراً في صفر فعليه في العشر إذا تم حولها ربع مسنة، وإن ملك ما لا يتغير به الفرض كخمس فلا شيء فيها في أحد الوجهين، وفي الثاني عليه سبع تبيع إذا تم حولها).
أما كون من ملك نصاباً ثم آخر يتغير به الفرض كما مثل المصنف رحمه الله عليه في العشر ربع مسنة فلأنه لو ملك الجميع ابتداء لوجب عليه مسنة والنصاب الأول تعلق به تبيع أو تبيعة دون العشرة الأخرى فوجب فيها ربع ما يجب في الأربعين وهو ربع مسنة.
ولأن تقدير جعلهما مالين لمالكين مختلطين يجب على صاحب العشرة ربع مسنة وعلى تقدير جعلهما مالاً واحداً يجب في الأربعين مسنة ففي العشر ربعها.
وأما كون ما لا يتغير به الفرض كخَمس لا شيء فيها في وجهٍ فلأن مالكها لو ملك الجميع ابتداء لم يجب في الخمس شيء.
ولأن بتقدير جعلهما مالاً واحداً لمالك واحد لم يجب فيها شيء.
وأما كونه عليه في الخمس سبع تبيع إذا تم حولها في وجهٍ فلأنه مخالط بخمس لثلاثين فوجب عليه سبع تبيع كالخليط.
قال: (وإذا كان لرجل ستون شاة كل عشرين منها مختلطة مع عشرين لرجل آخر فعلى الجميع شاة نصفها على صاحب الستين ونصفها على خلطائه على كل واحد سدس شاة).
أما كون الجميع عليهم شاة فلأنهم يملكون شيئاً تجب فيه شاة على من انفرد به وحكم الخلطاء حكم المنفرد.
وأما كون نصفها على صاحب الستين فلأن جميع مال الخلطة مائة وعشرون ومال صاحب الستين نصف ذلك فيجب عليه نصف ما يجب على الكل وهو نصف شاة.
وأما كون نصفها على خلطائه فلأنهم يملكون مثل صاحب الستين.
وأما كون كل واحد منهم عليه سدس شاة فلأن كل واحد من الخلطاء يملك عشرين، ونسبة ذلك من المائة والعشرين سدسها فيجب على كل واحد سدس شاة لا سدس الواجب في الجميع.
قال: (وإن كانت كل عشر منها مختلطة بعشر لآخر فعليه شاة، ولا شيء على خلطائه لأنهم لم يختلطوا في نصاب).
أما كون صاحب الستين عليه شاة فلأن الخلطة من شرطها أن يكون المجموع نصاباً وقد فات هنا فيجب عليه زكاة المنفرد، والإنسان يضم ماله إلى ماله فيكون الجميع ستين وفي ذلك شاة.
وأما كون خلطائه لا شيء عليهم؛ فلما ذكر (1) المصنف رحمه الله من أنهم لم يختلطوا في نصاب، وفارق كل واحد من الخلطاء هنا الخليط الأول في أنه لا مال له يضم إليه بخلاف الأول فإنه له مال إذا ضم بعضه إلى بعض يجب في مثله الزكاة.
قال: (وإذا كانت ماشية الرجل مفترقة في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي كالمجتمعة، [وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك عند أبي الخطاب. والمنصوص أن لكل مال حكم نفسه كما لو كانا لرجلين).
أما كون ماشية الرجل المتفرقة في بلدين ليس بينهما مسافة القصر كالمجتمعة] (2) فلقوله صلى الله عليه وسلم: «في أربعين شاة شاة» (3).
قال المصنف في المغني: لا أعلم خلافاً أن ماشية الرجل يضم بعضها إلى بعض إذا كانت دون مسافة القصر.
(1) ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كونها كذلك إذا كان بينهما مسافة القصر عند أبي الخطاب فلما تقدم من الحديث.
ولأنه ملك رجل واحد أشبه ما لو كان دون مسافة القصر أو كان غير الماشية.
وأما كون كل مال له حكم نفسه كما لو كانا لرجلين على منصوص الإمام أحمد رحمه الله فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرق بين مجتمع ولا يجتمع بين متفرق» (1). وفيما ذكر جمع بين متفرق.
ولأنه لما أثر اجتماع مالين لرجلين في جعلهما كالمال الواحد فكذلك يجب أن يؤثر افتراق مال الرجل الواحد حتى نجعله كالمالين. وقوله صلى الله عليه وسلم: «في أربعين شاة شاة» (2) محمول على المجتمعة، وما كان دون مسافة القصر، والقياس على دون مسافة القصر لا يصح لأن البلاد المتقاربة كالبلد الواحد.
ولأن الزكاة عبادة فأثر فيها مسافة [القصر](3) كالصوم والصلاة. ولا يصح القياس أيضاً على غير الماشية لأن الخلطة لا أثر لها فيه. فعلى هذا لو كان له ثمانون في كل بلد أربعون وجب عليه شاتان ولو كان له أربعون في كل بلد عشرون فلا زكاة عليه.
قال: (ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة، وعنه: أنها تؤثر).
أما كون الخلطة لا تؤثر في غير السائمة من الزروع والثمار والذهب والفضة وعروض التجارة وسائر أموال الزكاة على الرواية الأولى فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة» (4). وذلك إنما يكون في الماشية، وكذلك قوله:«والخليطان ما اشتركا في الحوض والفحل والراعي» (5).
ولأن الزكاة في الماشية تقل بجمعها تارة وتكثر تارة، وسائر الأموال تجب فيما زاد على النصاب بحسابه فلا أثر لجمعها.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
ساقط من ب.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(5)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
ولأن الخلطة في الماشية تؤثر في النفع تارة وفي الضرر أخرى فلو اعتبرناها في غير الماشية أثرت ضرراً محضاً برب المال فلا يجوز اعتبارها.
وأما كونها تؤثر على الرواية الثانية فلأن الارتفاق المعتبر في السائمة موجود في غيرها من اتحاد المخزن والخازن والوزان والميزان والصعاد والناطور والفلاح وغير ذلك. فعلى هذا إن كانت الخلطة خلطة أعيان مثل: أن يكون بين شريكين فلا إشكال، وإن كانت خلطة أوصاف مثل: أن تكون أشجاراً متميزة متجاورة، أو تكون أرض أحدهما مجاورة لأرض آخر ويتحد المشرف والفلاح، ومثل: أن يكون مال أحدهما في كيس ومال الآخر في كيس آخر لكن المخزن والحافظ واحداً فهل تؤثر الخلطة في ذلك؟ فيه وجهان:
أحدهما: تؤثر لما ذكر من الارتفاق.
والثاني: لا تؤثر لأن الارتفاق في ذلك ليس كالارتفاق فيما نص الشرع على جواز الخلطة فيه، ولا هو في معنى خلطة الأعيان مما ذكر فوجب بقاؤها على المنع عملاً بمقتضاه السالم عن شبه ما تجوز الخلطة فيه.
قال: (ويجوز للساعي أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء مع الحاجة وعدمها. ويرجع المأخوذ منه على خليطه بحصته من القيمة، فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه إذا عدمت البينة).
أما كون الساعي يجوز له أخذ الفرض من مال أي الخليطين شاء فلأن المالين قد صارا كمال واحد في وجوب الزكاة فكذلك في الإخراج.
ولأنه صلى الله عليه وسلم لما قال: «وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية» (1) علم أن للساعي أن يأخذ من مال أي الخليطين شاء لأنه لو أخذ من مالهما لم يرجع أحد على أحد.
وأما كون الأخذ مع الحاجة وعدمها، والمراد بالحاجة مثل أن يكون مال أحدهما صغاراً ومال الآخر كباراً، ويكون مال كل واحد منهما أربعين أو ستين ونحو ذلك،
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وبعدم الحاجة مثل: أن يكون مال كل واحد منهما مائتي شاة ونحو ذلك فلما تقدم من المعنى وإطلاق الحديث.
وأما كون المأخوذ منه يرجع على خليطه بحصته فلقوله صلى الله عليه وسلم: «وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» (1).
وأما كون الحصة من القيمة فلأن المأخوذ ليس من ذوات الأمثال. فعلى هذا لو كان لأحدهما عشرة وللآخر ثلاثون فأخذ الساعي الشاة من العشرة رجع صاحبها على صاحب الثلاثين بثلاثة أرباع قيمتها، وإن أخذها من الثلاثين رجع صاحبها على صاحب العشرة بربع قيمتها.
وأما كون القول قول المرجوع عليه إذا اختلفا في القيمة ولا بينة فلأنه غارم لا معارض لقوله، والقول قول الغارم الذي هذا شأنه.
وأما كونه لا يقبل قوله إذا كانت بينة فلأن الرجوع بما تقول البينة واجب لأنها ترفع التنازع، وإذا كان كذلك لم يكن القول قوله لأنه ينافيها.
قال: (وإذا أخذ الساعي أكثر من الفرض ظلماً لم يرجع بالزيادة على خليطه، وإن أخذه بقول بعض العلماء رجع عليه).
أما كون المأخوذ منه لا يرجع بالزيادة المأخوذة منه ظلماً على خليطه فلأن الساعي ظلمه وليس لمن (2) ظُلم أن يَظلم ولا أن يرجع بظلمه على غير من ظلمه.
وأما كونه يرجع عليه بالمأخوذ بقول بعض العلماء فلأن كل ما ساغ فيه الاجتهاد إذا اجتهد فيه الإمام وأداه اجتهاده إليه وجب دفعه، والساعي نائبه حكمه حكمه، وإذا وجب دفعه كان على الخليطين، فيرجع به الخليط على خليطه كالمتفق عليه.
ولأن المانع من الرجوع فيما تقدم الظلم وهو منتف هنا فوجب الرجوع عملاً بمقتضيه السالم عن معارضة الظلم.
فإن قيل: ما صورة ذلك؟
قيل: أن يأخذ عن المراض أو الصغار صحيحة كبيرة متأولاً بقول بعض العلماء.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
ساقط من ب.