المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌باب مسح الخفين

‌باب مسح الخفين

قال المصنف رحمه الله: (يجوز المسح على الخفين، والجرموقين، والجوربين، والعمامة، والجبائر. وفي المسح على القلانس وخمر النساء المدارة تحت حلوقهن روايتان).

أما كون المسح على الخفين يجوز فلما روى جرير قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه» (1)

متفق عليه.

قال إبراهيم: كان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.

ولأن الحاجة تدعو إلى لبس الخف وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر.

وأما كونه على الجرموقين يجوز فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على موق» (2).

والجرموق: خف واسع يلبس فوق الخف في البلاد الباردة وهو بالفارسية موق فعرب.

وأما كونه على الجوربين يجوز فلما روى المغيرة بن شعبة «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين» (3) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (380) 1: 151 أبواب الصلاة في الثياب، باب الصلاة في الخفاف.

وأخرجه مسلم في صحيحه (272) 1: 227 كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين.

(2)

أخرج أحمد في مسنده عن بلال قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار» . (23963) 6: 5.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (159) 1: 1 كتاب الطهارة، باب المسح على الجوربين.

وأخرجه الترمذي في جامعه (99) 1: 67 أبواب الطهارة، باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين

وأخرجه أحمد في مسنده (18231) 4: 52.

ص: 156

وهذا يدل على أن النعل لم يكن عليهما لأنه لو كان كذلك لم يذكر النعلين. كما لا يقال: مسحت الخف ونعله.

ولأن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم مسحوا عليهما ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعًا.

ولا بد أن يلحظ أن لجواز المسح على ذلك شرطين:

أحدهما: أن يكون صفيقًا لا يبدو منه شيء من القدم.

والثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه.

وأما كونه على العمامة يجوز فلما روى المغيرة قال: «توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة» (1) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وروى بلال رضي الله عنه «مسح رسول [الله]صلى الله عليه وسلم على الخفين» (2) رواه مسلم.

وروي أيضًا عنه أنه قال: «امسحوا على الخفين والخمار» (3) رواه أحمد.

وروي «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشًا وأمرهم أن يمسحوا على المشاوذ» (4).

قال أبو عبيد: المشاوذ العمائم.

وأما كونه على الجبائر يجوز فلما روى جابر قال: «خرجنا في سفر فأصاب رجل منا حجر فشجه في رأسه. ثم احتلم. فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل فمات. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فقال: قتلوه قتلهم الله. ألا سألوا إذا لم يعلموا. إنما شفاء العي السؤال. إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه. ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده» (5) رواه أبو داود.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (100) 1: 170 أبواب الطهارة، باب المسح على العمامة.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (275) 1: 231 كتاب الطهارة، باب المسح على الناصية والعمامة.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (23954) 6: 14.

(4)

أخرجه البغوي في شرح السنة 1: 452 كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين عن ثوبان.

وأخرج نحوه أبو داود عن ثوبان قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين» . (146) 1: 36 كتاب الطهارة، باب المسح على العمامة.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (336) 1: 93 كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم.

وأخرجه الدارقطني في سننه (3) 1: 189 كتاب الطهارة، باب جواز التيمم لصاحب الجراح

وعلقه البخاري في صحيحه بمعناه، ولفظه:«ويذكر أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة فتيمم وتلا {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف» . 1: 132 كتاب التيمم، باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض.

ص: 157

فهذا في الكبرى ففي الصغرى بطريق الأولى.

وروي «أن عليًا رضي الله لما انكسرت زنده يوم أحد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح عليه» (1).

ولأنه قول ابن عمر رضي الله عنهما ولم يعرف له مخالف فكان إجماعًا.

وأما كونه على القلانس يجوز في روايةٍ فلما روي عن عمر أنه قال: «إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته» (2) رواه الأثرم.

وعن أبي موسى الأشعري «أنه خرج من الخلاء فمسح على قَلنسوته» (3) رواه حرب.

ولأنه ملبوس معتاد. أشبه العمامة.

وأما كونه لا يجوز عليها في روايةٍ؛ فلأنه لا مشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكلتة.

وأما كونه على خمر النساء المدارة تحت حلوقهن يجوز في روايةٍ فلما روي «أن أم سلمة رضي الله عنها كانت تمسح على الخمار» (4) رواه ابن المنذر.

ولأنه ساتر للرأس معتاد للمرأة أشبه العمامة.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (657) 1: 215 كتاب الطهارة، باب المسح على الجبائر.

وأخرجه الدارقطني في سننه (3) 1: 226 - 227 كتاب الطهارة، باب جواز المسح على الجبائر.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (225) 1: 29 كتاب الطهارات، من كان يرى المسح على العمامة.

وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 1: 467 ذكر اختلاف أهل العلم في المسح على العمامة.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (221) 1: 29 كتاب الطهارات، من كان يرى المسح على العمامة.

وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 1: 468 ذكر اختلاف أهل العلم في المسح على العمامة.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (223) 1: 29 كتاب الطهارات، من كان يرى المسح على العمامة.

وأخرجه ابن المنذر في الأوسط 1: 468 ذكر اختلاف أهل العلم في المسح على العمامة.

ص: 158

وأما كونه لا يجوز في روايةٍ؛ فلأنه لا يشق المسح من تحته ولا تدعو الحاجة إليه أشبه الوقاية.

قال: (ومن شرطه أن يُلبس الجميع بعد كمال الطهارة، إلا الجبيرة على إحدى الروايتين).

أما كون المسح من شرطه أن يلبس الجميع غير الجبيرة بعد كمال الطهارة [على](1) المذهب؛ فلما روى المغيرة بن شعبة قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه. فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما» (2) متفق عليه.

وروي في بعض ألفاظ الحديث: «دعهما فإني أدخلتهما وهما طاهرتين» (3) علل جواز الترك بإدخالهما في حال كون كل واحدة طاهرة.

وفي روايةٍ: «أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهران» (4) رواه الحميدي في مسنده.

وفي روايةٍ: «رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة إذا تطهر فلبس خفيه يمسح عليهما» (5) رواه الأثرم.

ولأن ما ذكر يشترط له أصل الطهارة لما يأتي فاشترط له كمالها كالصلاة ومس المصحف.

والمراد بكمال الطهارة الفراغ منها فلو توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه وغسل إحدى رجليه ثم لبس إحدى الخفين ثم غسل الأخرى ولبس الآخر لم يكن محصلاً كمال الطهارة.

(1) زيادة يقتضيها السياق.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5463) 5: 2185 كتاب اللباس، باب لبس جبة الصوف في الغزو.

وأخرجه مسلم في صحيحه (274) 1: 230 كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (151) 1: 38 كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين.

(4)

أخرجه الحميدي في مسنده 2: 335.

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 281 كتاب الطهارة، باب رخصة المسح لمن لبس الخفين على الطهارة.

ص: 159

وأما كون ذلك ليس من شرطه على روايةٍ لأن حدثه حصل بعد كمال الطهارة واللبس فجاز المسح كما لو نزع الخف الأول ثم لبسه.

وفي اشتراط كمال الطهارة إشعار باشتراط أصلها. ولا خلاف فيه عند الإمام أحمد فيما عدا الجبيرة لما تقدم من حديث المغيرة (1).

وأما كون المسح على الجبيرة لا يشترط له ذلك؛ فلأن اشتراط ذلك يؤدي إلى عدم استعمال رخصة المسح عليها غالبًا لأن الجرح وشبهه يقع فجأة أو في وقت لا يعلم الماسح وقوعه فيه.

وعن الإمام أحمد يشترط له الطهارة كالخف.

والأول أصح لما تقدم. وقياسه على الخف لا يصح لما ذكر من الفرق.

فإن قيل: قول المصنف رحمه الله على إحدى الروايتين إلى ماذا يعود.

قيل: إلى ما عدا الجبيرة من الممسوح كما تقدم شرحه، ويحتمل أن يعود إلى الجبيرة. وفيه وإن قرب منها بُعْدٌ من وجهين:

أحدهما: أن الخلاف فيها ليس مختصًا بالكمال.

وثانيهما: أن الخلاف فيما عداها أشهر من الخلاف فيها.

قال: (ويمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إلا الجبيرة فإنه يمسح عليها إلى حَلِّها).

أما كون المقيم يمسح يومًا وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن في غير الجبيرة فلما روى شريح بن هانئ قال:«سألت عليًا رضي الله عنه عن المسح فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة» (2) رواه مسلم.

(1) ص: 159.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (276) 1: 232 كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين.

وأخرجه النسائي في سننه (129) 1: 84 كتاب الطهارة، التوقيت في المسح على الخفين للمقيم.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (552) 1: 183 كتاب الطهارة، باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر.

وأخرجه أحمد في مسنده (748) 1: 96.

ص: 160

وأما كونه يمسح على الجبيرة إلى حَلها؛ فلأنه مسحٌ جاز للضرورة فيقدر بقدرها. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (1). وأما المسح على الجبيرة فغير مؤقت.

ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة؛ لأن ذلك للضرورة فتقيد بموضعها.

قال: (وابتداء المدة من الحدث بعد اللبس وعنه من المسح بعده).

أما ابتداء مدة المسح من الحدث بعد اللبس على المذهب؛ فلأنه وقت يجوز له المسح فيه فكان أول مدة المسح منه.

ولأن المسح عبادة فاعتبر وقتها من وقت جواز فعلها كالصلاة.

فعلى هذه لو تطهر وقت الظهر ولبس الخف ثم أحدث وقت العصر ثم توضأ ومسح وقت المغرب يمسح إلى وقت العصر الذي أحدث في مثله.

وأما كونه من المسح بعد اللُّبس على روايةٍ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يمسح المقيم يومًا وليلة» (2). فقدره بالمسح فيجب أن يكون ابتداؤه من ابتداء المسح.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: «امسح إلى مثل ساعتك التي مسحت» (3) رواه الخلال.

فعلى هذه يمسح في الصورة المتقدمة إلى وقت المغرب.

والأول هو الصحيح؛ لما تقدم.

ولأن في حديث صفوان بن عسال: «من الحدث إلى الحدث» (4). ولبس الخف جعل مانعًا من سريان الحدث إلى الرجل نفيًا للحرج وإنما يصير مانعًا بعد الحدث لا بعد المسح.

(1) ر ص: 199.

(2)

تقدم تخريجه ص: 201.

(3)

أخرجه ابن المنذر في الأوسط 1: 443 ولفظه: «يمسح إلى الساعة التي توضأ فيها» .

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 276 كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين، ولفظه:«يمسحُ الرجل على خفيه إلى ساعتها من يومها وليلتها» .

(4)

سيأتي تخريج حديث صفوان ص: 207. ولم أر اللفظ الذي ذكره المصنف.

ص: 161

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «يمسح المقيم» وقول عمر: «امسح إلى مثل ساعتك» فالمراد استباحة المسح دون فعله.

قال: (ومن مسح مسافرًا ثم أقام أتم مسح مقيم، وإن مسح مقيمًا ثم سافر أو شك في ابتدائه أتم مسح مقيم. وعنه يتم مسح مسافر. ومن أحدث ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر).

أما كون من مسح مسافرًا ثم أقام يتم مسح مقيم؛ فلأن المسح عبادة وجد أحد طرفيها في الحضر فكان الاعتبار لحكم الحضر كالصلاة.

وأما كون من مسح مقيمًا ثم سافر يتم مسح مقيم على روايةٍ فلما ذكر قبل.

وأما كونه يتم مسح مسافر على روايةٍ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن» (1) وهذا مسافر.

ولأنه سافر قبل استكمال مدة المسح أشبه ما إذا سافر بعد الحدث.

والأولى أولى لما تقدم.

وأما كون من شك هل ابتدأ المسح في الحضر أو السفر؟ فيه ما ذكر؛ فلأنه يجري فيه ذلك.

فعلى الرواية الأولى يمسح مسح مقيم لأنه لا يجوز له المسح مع الشك في إباحته لتكون طهارته صحيحة بيقين لأن الأصل وجوب الغسل فلا يعدل إلى المسح إلا بتحقق.

وعلى الرواية الثانية: يتم مسح مسافر لأنه لو تيقن أنه ابتدأ المسح في الحضر يمسح مسح مسافر؛ فلأن يمسح مسح مسافر مع الشك بطريق الأولى.

وأما كون من أحدث ثم سافر قبل المسح يتم مسح مسافر فلقوله صلى الله عليه وسلم: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن» (2). وهذا مسافر.

ولأنه ما شَرع في طرف العبادة في الحضر فلم يُغَلّب الحضر لعدم ذلك.

(1) سبق تخريجه ص: 201.

(2)

سبق تخريجه ص: 201.

ص: 162

قال: (ولا يجوز المسح إلا على ما يستر محل الفرض، ويثبت بنفسه. فإن كان فيه خرق يبدو منه بعض القدم، أو كان واسعًا يُرى منه الكعب، أو الجورب خفيفًا يصف القدم أو يسقط منه (1)، أو شد لفائف لم يجز المسح) (2).

أما كون المسح لا يجوز على ما لا يستر محل الفرض؛ فلأن حكم ما ظهر الغسل وحكم ما استتر المسح فإذا اجتمعا غلب الغسل كما لو خلع أحد خفيه.

فعلى هذا لا فرق في الساتر بين أن يكون جلودًا أو لبودًا (3) أو خشبًا أو زجاجًا أو حديدًا؛ لاشتراك الكل في المعنى المبيح للمسح.

وقال بعض أصحابنا: لا يجوز في الحديد والزجاج وشبههما لأنه غير معتاد ولا يشق نزعه بخلاف الجلود وشبهها.

وأما كونه لا يجوز على ما لا يثبت بنفسه وهو ما إذا لبسه ولم يربطه لا يقف في رجله ولا ينعطف إذا مشى في حوائجه وعند الحط والترحال؛ فلأن الرخصة وردت في الخف وما ذكر ليس في معناه ولا يتعدى إليه.

وأما كونه يجوز على ما يستر محل الفرض ويثبت بنفسه؛ فلأنه في معنى الخف فيجب إلحاقه به.

وأما كون ما فيه خرق يبدو منه بعض القدم لا يجوز المسح عليه؛ فلأن ستر جميع محل الفرض شرط لجواز المسح لما تقدم ولم يوجد.

وأما كون الخف الواسع الذي يرى منه الكعب لا يجوز المسح عليه؛ فلأن الستر يجب من أعلا الخف كما يجب من باقي جهاته لاشتراك الكل في المعنى الذي لأجله وجب الستر.

وأما كون الجورب الخفيف الذي يصف القدم لا يجوز المسح عليه؛ فلأنه ليس ساترًا لمحل الفرض. وقد تقدم أنه شرط لجواز المسح.

(1) في المقنع: أو يسقط منه إذا مشى.

(2)

في المقنع: المسح عليه.

(3)

في ب: لبولدًا.

ص: 163

وأما كون الذي يسقط من الرجل أو اللفائف المشدودة لا يجوز المسح عليه؛ فلأن كون الممسوح عليه مما يثبت بنفسه شرط ولم يوجد.

قال: (وإن لبس خفًا فلم يحدث حتى لبس عليه آخر جاز المسح عليه).

أما كون المسح على ما ذكر يجوز؛ فلأنه خف ساتر لمحل الفرض يمكن متابعة المشي فيه أشبه المتفرد.

وأما قول المصنف رحمه الله: فلم يحدث ففيه إشعار بأنه لو أحدث ثم لبس آخر لا يجوز المسح عليه وهو صحيح صرح به في المغني وغيره من الأصحاب في كتبهم. ووجهه أنه إذا أحدث ثم لبس آخر لم يكن بد من المسح على الذي قبله ليكون الثاني ملبوسًا على طهارة وإذا كان كذلك لم يجز المسح عليه لأن حكم المسح قد تعلق بالتحتاني فلم يجز على غيره.

قال: (ويمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه. فيضع يده على الأصابع ثم يمسح إلى ساقه).

أما كون الماسح يمسح أعلا الخف دون أسفله وعقبه فلقول علي رضي الله عنه: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه. وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما» (1) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

وعن عمر رضي الله عنه قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالمسح على ظاهر الخفين إذا لبسهما وهما طاهران» (2) رواه الخلال بإسناده.

وأما كون المسح كما ذكر المصنف رحمه الله فلما روى المغيرة بن شعبة «أن النبي صلى الله عليه وسلم بال في الماء. ثم توضأ ومسح على الخفين. فوضع يده اليمنى على خفه

(1) أخرجه أبو داود في سننه (162) 1: 42 كتاب الطهارة، باب كيف المسح.

وأخرجه الترمذي في جامعه (98) 1: 165 أبواب الطهارة، باب ما جاء في المسح على الخفين ظاهرهما. ولفظه:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما» عن المغيرة بن شعبة.

وأخرجه أحمد في مسنده (387) 1: 54.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 292 كتاب الطهارة، باب الاقتصار بالمسح على ظاهر الخفين.

ص: 164

الأيمن، ويده اليسرى على خفه الأيسر. ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة. حتى كأني أنظر إلى آثار أصابعه على الخفين» (1) رواه الخلال أيضًا.

وهذه الصفة مستحبة وكيف مسح أعلا الخف جاز.

قال: (ويجوز المسح على العمامة المحنكة إذا كانت ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه).

أما كون المسح على العمامة يجوز فلما تقدم أول الباب (2).

وأما ما يشترط لجواز المسح عليها فشرطان:

أحدهما: أن تكون محنكة «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط» .

قال أبو عبيد: الاقتعاط: أن لا يكون تحت الحنك منها شيء.

وإذا كانت منهيًا عنها لم يستبح بها المسح؛ لأنه من الرخص.

والثاني: أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كالأذنين ومقدم الرأس وما أشبه ذلك.

أما اشتراط الستر في غير المستثنى فلما تقدم في الخف.

وأما عدم اشتراطه في المستثنى؛ فلأن اعتبار الستر فيه يشق ويؤدي إلى عدم استعمال الرخصة بخلاف الخف.

قال: (ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين).

أما كون المسح على عمامة غير محنكة ولا ذؤابة لها لا يجوز فلما تقدم.

وأما كونه على العمامة التي لها ذؤابة وهي غير محنكة لا يجوز في وجه فلعموم ما تقدم من النهي.

وأما كونه يجوز في وجه؛ فلأنها إذا صار لها ذؤابة لا تشبه عمائم أهل الذمة. وإنما نهي عن الاقتعاط لذلك. فلا يكون منهيًا عنها فيجوز المسح.

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 292 كتاب الطهارة، باب الاقتصار بالمسح على ظاهر الخفين.

(2)

ص: 199.

ص: 165

قال: (ويجزئه مسح أكثرها. وقيل: لا يجوز إلا مسح جميعها).

أما كون مسح أكثر العمامة يجزئ؛ فلأن حكم الأكثر يعطى حكم الكل.

وأما كونه لا يجوز إلا مسح جميعها؛ فلأن المسح على العمامة بدل عن المسح على الرأس فوجب أن ينتقل حكم المبدل إليه.

فإن قيل: الخف مسحه بدل عن غسل الرجل ولا يجب مسح جميعه.

قيل: الفرق بينهما أن البدل في العمامة من جنس المبدل بخلاف البدل في الخف.

وقال القاضي: يجزئ البعض قياسًا على الخف.

ويختص ذلك بأكوارها وهو دوائرها. فإن مسح وسطها ففيه وجهان:

أحدهما: يجزئه لأنه بدل موضع يجزئ مسحه.

والثاني: لا يجزئه كما لو مسح أسفل الخف.

والصحيح وجوب استيعاب العمامة كما أن الصحيح وجوب استيعاب الرأس لأن مقتضى الدليل مشابهة البدل المبدل. تُرك العمل به في الخف لمعنى هو مفقود في العمامة فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.

ولأن المشابهة بين البدل والمبدل في العمامة يمكن تحققها بخلاف الخف؛ لأن العمامة الواجب فيها المسح بدلاً ومبدلاً والخف الواجب فيه المسح بدلاً والغسل مبدلاً.

قال: (ويمسح على جميع الجبيرة إذا لم تتجاوز قدر الحاجة).

أما كون الجبيرة يمسح على جميعها؛ فلأنه مسح ضرورة ولا ضرر في مسح جميع الجبيرة فوجب الاستيعاب قياسًا على التيمم.

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا لم تتجاوز قدر الحاجة فشرط في جواز المسح لأنه موضع حاجة فيقيد بقدرها.

قال: (ومتى ظهر قدم الماسح أو رأسه أو انقضت مدة المسح استأنف الطهارة. وعنه يجزئه مسح رأسه وغسل قدميه).

أما كون الماسح إذا ظهر قدمه أو رأسه يستأنف الطهارة على المذهب؛ فلأن فرض ما انكشف الغسل. وإنما الخف أو العمامة منع من سريان الحدث فإذا زال سرى الحدث إلى الرجل أو الرأس. والحدث لا يتبعض فبطلت الطهارة من أصلها.

ص: 166

وأما كونه يجزئه مسح رأسه إن كان الممسوح عمامة، وغسل قدميه إن كان خفًا على روايةٍ؛ فلأن مسح الممسوح ناب عما تحته فإذا ظهر بطل فيما ناب عنه فقط كالتيمم.

وأما كونه إذا انقضت مدة المسح يستأنف. ففيه أيضًا روايتان وجههما ما مر.

فإن قيل: ما أصل ذلك؟

قيل: هذا الاختلاف يلتفت إلى أن المسح هل يرفع الحدث عن الرجل؟ فإن قلنا: لا يرتفع فقد ارتفع عن الوجه واليدين والرأس فبقي الرجلان فيكفيه غسلهما، وإن قلنا لا يرتفع فبالخلع عاد. والحدث لا يتبعض فيجب استئناف الوضوء.

وقيل: منشأ الخلاف جواز التفريق؛ فإن جاز أجزأه غسل رجليه ومسح رأسه، وإلا أعاد الوضوء لفوات شرطه وهي الموالاة.

والصحيح الأول عند المحققين لأن الخلاف واقع في المسألتين مطلقًا سواء كان عقيب الوضوء أو بعد مضي زمان يحصل به التفريق.

قال: (ولا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى إلا الجبيرة).

أما كونه لا مدخل لحائل في الطهارة الكبرى غير الجبيرة فلما روى صفوان «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا ننزع خفافنا إذا كنا سفًرا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة» (1) الحديث مختصر أخرجه الترمذي.

وأما كون الجبيرة لها مدخل في الطهارة الكبرى فلحديث جابر في صاحب الشجة (2).

ولأنه مسح للضرورة فيقدر بقدرها.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (96) 1: 159 أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم.

وأخرجه النسائي في سننه (126) 1: 84 كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (478) 1: 161 كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم.

(2)

سبق ذكره وتخريجه ص: 199.

ص: 167