الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب زكاة الخارج من الأرض
يشمل الزروع والثمار والمعدن والركاز. والأصل في وجوب ذلك كله قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267]، والزكاة تسمى نفقة بدليل قوله:{والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} [التوبة: 34].
وقوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» (1) رواه البخاري.
وقوله عليه السلام: «وفي المعدن الصدقة» .
وروي «أنه عليه السلام أخذ زكاة المعادن القَبَلِيّة من بلال بن الحارث» (2) رواه الجوزجاني.
وقوله عليه السلام: «وفي الركاز الخمس» (3) متفق عليه.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (2228) 2: 830 كتاب المساقاة الشرب، باب من حفر بئراً في ملكه لم يضمن.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1710) 3: 1334 كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار.
قال المصنف رحمه الله: (تجب الزكاة في الحبوب كلها، وفي كل ثمر يكال ويدخر كالتمر والزبيب واللوز والفستق والبندق. ولا تجب في سائر الثمر ولا في الخضر والبقول والزهر. وعنه: أنها تجب في الزيتون والقطن والزعفران إذا بلغا بالوزن نصاباً.
وقال ابن حامد: لا زكاة في حب البقول كحب الرشاد والأبازير كالكسفرة والكمون وبزر القثاء والخيار ونحوه).
أما كون الزكاة تجب في الحبوب كلها على قول غير ابن حامد فلما تقدم من قوله تعالى: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267]، وقوله صلى الله عليه وسلم:«فيما سقت السماء العشر» (1).
وأما كونه لا تجب في حب البقول على قول ابن حامد فلأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص عليه فوجب أن يبقى على النفي الأصلي.
وأما كونها تجب في كل ثمر يكال ويدخر فلما تقدم من الآية والخبر.
فإن قيل: لم قيد الوجوب بكون الثمر يكال ويُدَّخر؟
قيل: أما تقييده بكونه يكال فلقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (2) متفق عليه.
لأن ذلك يدل [على](3) أن ما لا يدخله التوسيق ليس مراداً من عموم الآية والخبر وإلا كان ذكر الأوسق لغواً.
وأما تقييده بكونه يُدَّخر فلأن جميع ما اتفق على وجوب الزكاة فيه مدخر.
ولأن غير المدخر لا تكمل النعمة فيه لعدم التمكن من الانتفاع في المال.
وأما قول المصنف رحمه الله: كالتمر وما بعده؛ فتمثيل لصور من صور وجوب الزكاة لاجتماع الوصفين فيها.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1390) 2: 529 كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (979) 2: 673 كتاب الزكاة.
(3)
ساقط من ب.
وأما كون الزكاة لا تجب في سائر الثمر مثل: الجوز والخوخ والأجاص والكمثرى والمشمش والتين ونحو ذلك فلأنها ليست مكيلة.
وقد روي «أن عامل عمر كتب إليه في كروم فيها من الفرسك والرمان ما هو أكثر غلة من الكروم أضعافاً. فكتب إليه عمر أنه ليس عليها عشر هي من العضاة» (1) رواه الأثرم.
والفرسك: الخوخ.
وأما كونها تجب في الزيتون والقطن والزعفران على روايةٍ: أما في الزيتون فلقوله تعالى: {والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141].
وأما في القطن والزعفران فلأن ذلك موزون ومدخر تام المنفعة والوزن أقيم مقام الكيل لاتفاقهما في عموم المنفعة.
وأما قول المصنف رحمه الله: إذا بلغا بالوزن نصاباً؛ فتنبيه على أن نصاب القطن والزعفران ألف وستمائة رطل بالعراقي.
ولأن وزنه أقيم مقام كيله فاعتبر به ذكره القاضي في المجرد.
وحكي عن الإمام أحمد أن نصاب ذلك ما يبلغ قيمته قيمة نصاب من أدنى المعشرات لأن ذلك لا توسيق فيه وقد جعل الشارع لمن صار إليه من أرضه خمسة أوسق من أدنى المعشرات نصاباً تجب فيه المواساة فوجب أن تعتبر القيمة به فيما لا توسيق فيه كما اعتبرت القيمة في العروض بنصاب الذهب والفضة.
والأصح في ذلك كله عدم الوجوب لما تقدم. والآية التي تمسك بها على الوجوب للزكاة في الزيتون ليس المراد به الزكاة لأنها مكية نزلت قبل وجوب الزكاة ولهذا لم تجب الزكاة في الرمان.
وأما قيام الوزن مقام الكيل فلم يرد به نص، ولا يصح قياسه على الكيل لأن العلة غير معقولة فيه.
(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 125 كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ صدقة شيء من الشجر غير النخل والعنب.
وأما كون الزكاة لا تجب في الخضر؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس في الخضروات صدقة» وفي لفظ: «زكاة» (1) رواه الدارقطني.
قال: (ويعتبر لوجوبها شرطان:
أحدهما: أن تبلغ نصاباً قدره بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار خمسة أوسق. والوسق ستون صاعاً، والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي. فيكون ذلك ألفاً وستمائة رطل. إلا الأرز والعلس نوع من الحنطة يدخر في قشره فإن نصاب كل واحد منهما مع قشره عشرة أوسق. وعنه: أنه يعتبر نصاب ثمرة النخل والكرم رطباً ثم يؤخذ عشره يابساً).
أما كون الزكاة يعتبر لوجوبها الشرطان المذكوران؛ فلما يأتي ذكره فيهما.
وأما كون أحدهما أن يبلغ نصاباً قدره في الحبوب والثمار غير الأرز والعلس خمسة أوسق؛ فلقوله عليه السلام: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (2) متفق عليه.
وقوله عليه السلام: «ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» (3) رواه مسلم.
وأما كون الأرز والعلس نصاب كل واحد منهما عشرة أوسق؛ فلأنه يدخر في قشره ويخرج على النصف.
فإن قيل: ما ذكر عام في كل علس أم خاص؟
قيل: بل ذلك معتبر فيما يقول الثقات من أهل الخبرة أنه يخرج على النصف. فإن لم يقولوا ذلك وجهل ما فيه خُيّر المالك بين تصفيته وإخراج الفرض منه إذا بلغ نصاباً وبين أن يستظهر ويخرج منه غير مقشور؛ لأن كل واحد منهما وسيلة إلى إسقاط الواجب. ومعنى الاستظهار: أن يخرج من غير المقشور ما يغلب على ظنه أن فيه قدر الواجب؛ لأن ذلك يسقط الفرض بيقين فلو احتمل واحتمل لم يخرج عن العهدة؛
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (4 - 5) 2: 96 كتاب الزكاة، باب ليس في الخضراوات صدقة، عن موسى بن طلحة عن أبيه.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (979) 2: 674 كتاب الزكاة.
لأن الأصل عدم براءة ذمته بعد تعلق الزكاة بماله ولم توجد براءتها فوجب بقاء الأصل على ما كان عليه.
وأما كون قدر النصاب فيما ذكر يعتبر بعد التصفية في الحبوب، والجفاف في الثمار غير النخل والكرم؛ فلأن التصفية والجفاف حالة الكمال والادخار.
ولأن العشر إنما يجب في الحب فكان الاعتبار به، والتوسيق لا يمكن إلا بعد التجفيف فوجب اعتباره عنده.
وأما كون قدر نصاب ثمر النخل والكرم يعتبر بعد الجفاف على المذهب؛ فلما ذكر في سائر الثمر.
وأما كونه يعتبر نصابهما (1) رطباً على روايةٍ؛ فلأن قوله عليه السلام: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (2) يدل بمفهومه على وجوبها فيما بلغ خمساً في حال رطوبته وجفافه.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخرصهما» (3) وما وجب خرصه اعتبر بحال رطوبته كما لو كانت الثمرة لا تجفف.
وأما كون زكاتهما تؤخذ يابساً؛ فلما روى عتاب بن أسيد قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيباً كما تؤخذ صدقة النخل تمراً» (4) رواه أبو داود والترمذي.
والأول أصح لأن في بعض ألفاظ الحديث: «ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر صدقة (5» ) (6) والخمسة أوسق من الرطب دون التمر، وحديث عتاب بن أسيد روي من طريق آخر:«أمر أن نخرص العنب زبيباً» (7) رواه الدارقطني. فيحمل المطلق على
(1) في ب: فيهما.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
كما سيأتي في حديث عتاب بن أسيد التالي.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (1603) 2: 110 كتاب الزكاة، باب في خرص العنب.
وأخرجه الترمذي في جامعه (644) 3: 36 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص.
(5)
ساقط من ب.
(6)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(7)
أخرجه الدارقطني في سننه (22) 2: 133 كتاب الزكاة، باب في قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض وخرص الثمار.
المقيد. والقياس على ما لا يمكن تجفيفه غير مُسَلَّم الحكم فيه بل لا يؤخذ عنه إلا يابساً باعتبار ما يؤول إليه لو كان مما يجفف.
وأما كون الوسق ستين صاعاً فلا خلاف فيه.
قال ابن المنذر: هو قول كل من نحفظ عنه من أهل العلم.
وقد روى الأثرم وأبو داود عن سلمة بن صخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الوسق ستون صاعاً» (1).
وروى أبو سعيد وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك (2) رواه ابن ماجة.
وأما كون الصاع خمسة أرطال وثلثاً فلقوله عليه السلام لكعب بن عجرة: «أطعم ستة مساكين فرقاً من طعام» (3) متفق عليه.
قال أبو عبيد: ولا خلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع، والفرق ستة عشر رطلاً.
ولما تقدم من قول المصنف رحمه الله في صفة الغسل: ويغتسل بالصاع من رجوع أبي يوسف لما دخل المدينة وسأل عن الصاع فجاءه سبعون شيخاً كل واحد صاعه تحت ردائه (4).
فعلى هذا يلزم أن يكون نصاب المعشرات ألفاً وستمائة رطل بالعراقي، ويكون بالرطل الدمشقي الذي هو ستمائة درهم ثلثمائة رطلٍ واحداً وأربعين رطلاً وثلث رطل لأن أبا عبيد ذكر في كتاب الأموال أن الرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهماً. وقد تقدم ذكر ذلك في تقدير القلتين (5).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1559) 2: 94 كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة، عن أبي سعيد، بلفظ:«والوسق ستون مختوماً» . ولم أره عن سلمة بن صخر.
وأخرجه أحمد في مسنده (11802) 3: 83. عن أبي سعيد، كلفظ المؤلف.
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1832) 1: 586 عن أبي سعيد، و (1833) 1: 587 عن جابر، كتاب الزكاة، باب الوسق ستون صاعاً.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (3927) 4: 1527 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1201) 2: 861 كتاب الحج، باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى
…
(4)
ر كتاب الطهارة، فصل في صفة الغسل.
(5)
ر كتاب الطهارة 1: 108.
ونقل المصنف رحمه الله في المغني الجديد: أن الرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم. فعلى هذا يكون النصاب ثلثمائة رطل واثنين وأربعين رطلاً وستة أسباع رطل.
قال: (وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين ضم أحدهما إلى الآخر. وقال القاضي: لا يضم. ولا يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب. وعنه: أن الحبوب يضم بعضها إلى بعض. وعنه: تضم الحنطة إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض).
أما كون ثمرة العام الواحد يضم بعض أنواعها إلى بعض مثل: أن يكون في ملكه ثمر مختلف الأنواع كالبرني والمعقلي وما أشبه ذلك فلأن ذلك جنس واحد فضم إلى نوعه كالبخاتي والعراب والمعز والضأن.
فإن قيل: كلام المصنف عام في ثمرة العام فلم حمل على النوع؟
قيل: لأن فيه جمعاً بينه وبين قوله بعدُ: ولا يضم جنس إلى آخر.
وأما كون النخل الذي يحمل في السنة حملين يضم أحدهما إلى الآخر على غير قول القاضي ولأنهما ثمرة عام واحد أشبهتا ثمرة الشجرتين.
وأما كونه لا يضم على قوله فلأنهما حملان أشبها حمل العامين.
وأما الجنس الواحد فإن كان من الثمر لم يضم جنس إلى غيره كما لا يضم الإبل إلى البقر، فإن كان من الحبوب ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: لا يضم جنس إلى غيره لما تقدم في الثمر.
والثانية: يضم لأن ذلك يتفق في قدر النصاب والمخرج والمنبت والحصاد أشبه أنواع الجنس.
والرواية الثالثة: تضم الحنطة إلى الشعير، والقطنيات بعضها إلى بعض لأن ذلك تتقارب منفعته. أشبه نوعي الجنس.
والأول أصح عند المصنف لأن دليل الروايتين الأخيرتين ينتقض بالتمر والزبيب فإنه لا يضم أحدهما إلى الآخر مع أن فيهما جميع ما ذكر.
وقال القاضي: الصحيح أن الحنطة تضم إلى الشعير، والقطنيات بعضها إلى بعض. وهي التي ذكرها الخرقي.
قال: (الثاني: أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة، ولا تجب فيما يكتسبه اللقاط أو يأخذه بحصاده، ولا فيما يجتنيه من المباح كالبطم والزعبل وبزر قطونا ونحوه. وقال القاضي: فيه الزكاة إذا ثبت في أرضه).
أما كون الشرط الثاني: أن يكون النصاب مملوكاً لمن تجب عليه الزكاة وقت الوجوب فلأن ذلك شرط في كل مال تجب الزكاة فيه.
وأما كون الزكاة لا تجب فيما ذكر من الصور على قول غير القاضي فلأن ذلك إنما يملك بحيازته وأخذه، والزكاة إنما تجب في الحبوب والثمار إذا بدا صلاحها وفي تلك الحال لم يكن ملكاً له فلم تجب فيه زكاة كما لو اتهبه.
وأما كونها تجب على قول القاضي فلاجتماع الأوصاف من كونه حباً مكيلاً مدخراً.
وأما قوله: "إذا ثبت في أرضه" فشرط لوجوب الزكاة فيما ذكر على قول القاضي لأن ذلك حينئذ يساوي الحبوب التي تجب فيها الزكاة بخلاف ما لم يثبت في أرضه.
فصل [في الخارج من الأرض]
قال المصنف رحمه الله: (ويجب العشر فيما سقي بغير [مؤونة] (1) كالغيث والسيوح وما يشرب بعروقه، ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي والنواضح. فإن سقي نصف السنة بهذا ونصفها بهذا ففيه ثلاثة أرباع العشر، وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر اعتبر أكثرهما. نص عليه.
وقال ابن حامد: يؤخذ بالقسط فإن جهل المقدار وجب العشر).
أما كون العشر يجب فيما سقي بغير مؤونة، ونصفه فيما سقي بكلفة فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم:«فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر» (2) رواه البخاري.
وروي عن معاذ قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ مما سقت السماء أو سقي بعلاً العشر، وما سقي بدالية نصف العشر» (3).
وأما قول المصنف رحمه الله: أولاً بغير مؤونة وآخراً بكلفة؛ فتنبيه على علة اختلاف الواجب.
وأما قوله: كالغيث والسيوح فتمثيل لمياه يسقى بها لا مؤونة فيها، وتصريح بأن ذلك كله مما يجب العشر فيما سقي به. والمراد بالغيث الماء النازل من السماء، وبالسيوح: الذي يجري على الأرض والعيون، وبما يشرب بعروقه ما على الجداول والماذينات وما أشبه ذلك. وذلك كله داخل فيما تقدم من الحديث لأن قوله عليه السلام:«فيما سقت السماء» (4) يشمل الغيث، وقوله:«والعيون» يشمل السيوح،
(1) ساقط من ب.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (9) 2: 97 كتاب الزكاة، باب ليس في الخضروات صدقة.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وقوله: «عثرياً» يشمل السيوح أيضاً على قول ابن قتيبة لأنه قال: العثري هو الذي يأتي بماء السماء إليه وسمي عثرياً لأنهم يجعلون في مجرى الماء عاثوراً فإذا صدمه الماء تراد فدخل تلك المجاري فتسقيه. والغيث على قول أبي عبيد لأنه قال: هو ما سقته السماء، وقوله: أو سقي بعلاً ما يشرب بعروقه لأن أبا عبيد قال: البعل ما يشرب بعروقه من غير سقي.
وأما الكلفة فالمراد بها المؤونة التي يحتاج إليها من دالية أو دولاب أو ناعورة أو سانية وهي الإبل أو نحو ذلك.
وأما كون ما سقي نصف السنة بغير مؤونة ونصفها بكلفة فيه ثلاثة أرباع العشر فلأنه لو سقي كل السنة سيحاً وجب العشر، ولو سقي كلها بمؤونة وجب نصف العشر فيجب إذا سقي النصف والنصف نصف العشر ونصف نصفه وذلك ثلاثة أرباع.
وأما كون ما سقي بأحدهما أكثر من الآخر يعتبر على المنصوص فلأن العبرة بالأكثر في كثير من الأحكام فكذلك هنا.
ولأن اعتبار عدد مرات السقي وقدر ما يشرب في كل سقية يشق فاعتبر الأكثر دفعاً للمشقة.
وأما كونه يؤخذ بالقسط على قول ابن حامد فلأنه قد اعتبر ذلك فيما إذا كان نصفين فليكن هاهنا كذلك.
وأما كون ما جهل المقدار فيه يجب فيه العشر فلأنه يحتمل أنه سقي أكثر السنة بغير كلفة فيجب العشر، ويحتمل أنه سقي أقل فيجب نصفه فوجب العشر لأنه خروج من عهدة الواجب بيقين.
قال: (وإذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمرة وجبت الزكاة، فإن قطعها قبله فلا زكاة فيها إلا أن يقطعها فراراً من الزكاة فتجب فتلزمه. ولا يستقر الوجوب إلا بجعلها في الجرين فإن تلفت قبله بغير تعد منه سقطت الزكاة سواء كانت قد خرصت أو لم تخرص. وإذا ادعى تلفها قُبِل قوله بغير يمين).
أما كون الزكاة تجب إذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمرة فلأنه حينئذ يقصد للأكل والاقتيات به أشبه اليابس.
وأما كون الثمرة إذا قطعت قبل صلاحها لا على وجه الفرار لا زكاة فيها فلأنه تصرف فيها قبل تعلق الوجوب بها أشبه ما لو تلفت الماشية قبل تمام الحول.
وأما كونها إذا قطعت فراراً من الزكاة تلزم قاطعها فلما فيه من معارضته بنقيض قصده أشبه القاتل والمطلق ثلاثاً في مرض موته.
وأما كون وجوب الزكاة لا يستقر إلا بجعل الثمرة في الجرين فلأنها قبل ذلك في حكم ما لم تثبت اليد عليه، بدليل ما لو كانت مبيعة فتلفت بجائحة فإن للمشتري أن يرجع على البائع.
وأما كون الزكاة تسقط بالتلف قبل جعل الثمرة في الجرين فلأن الزكاة لم تستقر أشبه ما لو لم تتعلق به الزكاة البتة.
وأما كون قول المصنف رحمه الله: بغير تعد؛ فمشعر بأنه لو تعدى فيها ضمن نصيب الفقراء. وصرح به في الكافي لأن المتعدي يعد مفرطاً فوجب عليه الضمان كالمتعدي في الوديعة.
وأما كون ما ذكر كذلك سواء أخرصت الثمرة أو لم تخرص فلأن الخرص لا يوجب وإنما فعل للتمكين من التصرف فوجب سقوط الزكاة مع وجوده كعدمه.
وأما كون من ادعى تلفها يقبل قوله بغير يمين فلأن الزكاة خالص حق لله تعالى فلا يستحلف فيه كالحد.
قال: (ويجب إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابساً، فإن احتيج إلى قطعه قبل كماله لضعف الأصل ونحوه أو كان رطباً لا يجيء منه تمر، أو عنباً لا يجيء منه زبيب أخرج منه عنباً ورطباً.
وقال القاضي: يخير الساعي بين قسمه مع رب المال قبل الجذاذ وبعده وبين بيعه منه أو من غيره. والمنصوص أنه لا يخرج إلا يابساً وأنه لا يجوز له شراء زكاته).
أما كون إخراج زكاة الحب مصفى والثمر يابساً إذا لم يحتج إلى قطعه وكان يجيء من رطبه تمر ومن عنبه زبيب يجب فلما روى عتاب قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص
العنب فتؤخذ زكاته زبيباً كما يخرص النخل فتؤخذ زكاته تمراً» (1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.
ولا يسمى زبيباً وتمراً حقيقة إلا اليابس وإذا ثبت هذا في التمر والزبيب ثبت في غيرهما لاشتراك الكل في المعنى.
ولأن حالة اليباس حالة الكمال.
وأما كون ما يحتاج إلى قطع ثمره قبل كماله لكون الأصل ضعيفاً أو لكونه لا يصلح للتجفيف كالتمر الجاستوي والبرنتا والعنب الحمري يخرج منه رطباً وعنباً فلأن العشر وجب مواساة ولا مواساة في إلزامه شراء ما ليس في ملكه. وفي جواز إخراج ذلك رطباً وعنباً إشعار بجواز قطعه لذلك لأنه لا يتمكن من الإخراج إلا به.
ولأن عليه ضرراً في إبقائه فلا يكلف ما يهلك أصل المال.
ولأن حفظ الأصل أحظ للفقراء من حفظ الثمرة لتكرر حقهم فيها.
وأما كون الساعي يخير بين قسمه مع رب المال قبل الجذاذ وبعده على قول القاضي فلأن الثمرة عين حقهم فجاز لمن يليه قسمه كولي اليتيم فإنه يجوز له قسمه ثمار موليه مع شريكه.
وأما كونه يخير بين بيعه من رب المال أو من غيره: أما من رب المال فلأنه يبذل فيها عوض مثلها أشبه الأجنبي.
وأما من غيره فلا إشكال فيه لأن التقدير أنها لا تجفف فلو لم يجز بيعها لأدى إلى تلفها إذا لم يجد من يدفعها إليه في الحال.
وأما كون من عليه ذلك لا يخرج إلا يابساً على المنصوص فلما تقدم في الذي يمكن تجفيفه.
وأما كونه لا يجوز له شراء زكاته على ذلك فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: «لا تَعُدْ في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم» (2).
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (1419) 2: 542 كتاب الزكاة، باب هل يشتري صدقته.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1620) 3: 1239 كتاب الهبات، باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه.
قال: (وينبغي أن يبعث الإمام ساعياً إذا بدا صلاح الثمر فيخرصه عليهم ليتصرفوا فيه. فإن كان أنواعاً خرص كل نوع وحده وإن كان نوعاً واحداً فله خرص كل شجرة وحدها، وله خرص الجميع دفعة واحدة).
أما كون الإمام (1) ينبغي أن يبعث ساعياً إذا بدا صلاح الثمر فيخرصه؛ فلما روت عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبدالله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه» (2).
ولما تقدم من حديث عتاب «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل
…
الحديث» (3) رواهما أبو داود.
ويجزئ خارص واحد لحديث عائشة.
ولأنه يفعل ما يؤدي اجتهاده إليه فجاز أن يكون واحداً كالحاكم.
ويشترط أن يكون مسلماً لأن الكافر لا يؤمن على أمر ديني، أميناً لأنه يقبل قوله فيما يخبر فاعتبرت أمانته كالشهادة، ذا خبرة لئلا يجور على المالك والفقراء.
وهذا الخرص مختص بالعنب والرطب لدلالة حديثي عائشة وعتاب على خرصهما ودعوى لحاجة إلى أكلهما رطبين مع أن خرصهما ممكن لظهور ثمرتهما واجتماعها في أفنانهما وعناقيدهما بخلاف غيرهما فإنه لم يسمع بالخرص فيه ولا هو في معناه لأن الزيتون ونحوه حبه متفرق في شجره مستور بورقه.
وأما كونه يخرص كل نوع وحده إن كان أنواعاً فلأنه أقرب إلى العدل وعدم الجور لأن الأنواع تختلف في الكثرة والقلة.
وأما كونه يخير في النوع الواحد بين خرصه دفعة أو دفعات فلأن النوع الواحد لا يختلف غالباً، ولما يلحقه من المشقة لو تعين عليه خرص كل شجرة وحدها.
(1) زيادة يقتضيها السياق.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (1606) 2: 110 كتاب الزكاة، باب متى يخرص التمر.
(3)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
قال: (ويجب أن يترك في الخرص لرب المال الثلث أو الربع، فإن لم يفعل فلرب المال الأكل بقدر ذلك ولا يحسب عليه).
أما كون الخارص يجب عليه أن يترك لرب المال الثلث أو الربع فلما روى سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع» (1) رواه أبو داود.
وعن مكحول قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال: خففوا عن الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة» (2) رواه أبو عبيد.
فإن قيل: ما معنى العرية إلى آخره؟
قيل: العرية النخلات يهب رب المال ثمرتها لإنسان، والواطئة السائلة، والأكلة أرباب الأموال ومن يعلق بهم.
وأما كون رب المال له الأكل من الثمر بقدر ذلك وكونه لا يحسب به عليه فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك ذلك له» (3) ولو لم يجز له أكله لما أذن في تركه وإذا جاز أكله لم يحسب عليه كما لو أذن له في أكل طعام فأكله.
قال: (ويؤخذ العشر من كل نوع على حدته، فإن شق ذلك أخذ من الوسط).
أما كون العشر يؤخذ من كل نوع على حدته إذا كان ما يؤخذ منه العشر جيداً ورديئاً فلأن أخذ الرديء عن الجيد لا يجوز لقوله تعالى: {ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267]، وأخذ الجيد عن الرديء لا يجب لما فيه من الإضرار بالمال وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره» (4) رواه أبو داود.
وإذا لم يجز أخذ الرديء ولم يجب أخذ الجيد كان الواجب من كل نوع بعضه.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (1605) 2: 110 كتاب الزكاة، باب في الخرص.
(2)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (1452) 435 كتاب الصدقة، باب خرص الثمار للصدقة والعرايا والسنة في ذلك.
(3)
كما في حديث سهل ومكحول المتقدمين.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وأما كونه يؤخذ من الوسط إذا شق ذلك فلأن المشقة منتفية شرعاً، وأخذ الرديء إضرار بالفقراء، وأخذ الجيد إضرار بالمال فتعين الوسط لما فيه من التسوية وعدم الجور.
قال: (ويجب العشر على المستأجر دون المالك. ويجتمع العشر والخراج في كل أرض فتحت عنوة).
أما كون العشر يجب على المستأجر دون المالك فلأن الزرع والثمر له، والعشر يجب على من له ذلك بدليل قوله تعالى:{ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267]، وقوله تعالى:{كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] فأوجب العشر على من الخارج له وعلى من أبيح له أكله وليس شيء من ذلك للمالك.
ولأنه يجب في المال فيجب على مالكه كسائر الأموال.
وأما كون العشر والخراج يجتمعان في كل أرض فتحت عنوة فلأن الخراج مؤونة فهو كالأجرة في الإجارة، والمستأجر يجتمع عليه الأجرة والعشر، وكذا الخراج والعشر، وإذا اجتمع ذلك على المستأجر وجب أن يجتمع على المالك لاجتماع النفع بالأرض والثمرة له.
ولأنهما حقان يجبان لمستحقين فيجتمعان كالكفارة والقيمة في الصيد المملوك.
وأما قول المصنف رحمه الله: في كل أرض فتحت عنوة؛ فيحترز به عما إذا فتحت صلحاً فإن الأرض المفتوحة صلحاً لا خراج فيها فلا يحصل اجتماع الخراج والعشر.
قال: (ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية ولا عشر عليهم. وعنه: عليهم عشران يسقط أحدهما بالإسلام).
أما كون أهل الذمة يجوز لهم شراء الأرض العشرية وإن أدى إلى إسقاط الزكاة فبالقياس على شرائهم نصاباً من السائمة.
وعن الإمام أحمد: لا يجوز لهم ذلك لما فيه من إسقاط العشر. والفرق بين الأرض والسائمة ظاهر لأن الأرض تراد للدوام غالباً بخلاف السائمة فإنها لا تراد لذلك فلا يلزم من الجواز المؤدي إلى الإسقاط في بعض الزمان الجواز المؤدي إلى الإسقاط في غالب الزمان. فعلى الأول لا عشر عليهم إذا اشتروا لأنهم لم يشتروا ما منعوا منه وهم
ليسوا من أهل العشر فلم يجب عليهم العشر عملاً بالنافي له السالم عن المعارض، وعلى الثاني يؤخذ منهم عشران لأنهم تعرضوا لإسقاط العشر فضوعف عليهم كما لو اتجروا بأموالهم إلى غير بلدهم فإنه يضاعف عليهم الزكاة ويؤخذ منهم نصف العشر.
فإن قيل: ما الأرض العشرية؟
قيل: هي التي للمسلم ولا خراج عليها. قاله صاحب المغني فيه. وقال غيره: هي الأرض التي يجب فيها العشر خراجية كانت أو غير خراجية وهو أظهر.
فصل [في زكاة العسل]
قال المصنف رحمه الله: (وفي العسل العُشر سواء أخذه من موات أو من ملكه. ونصابه عشرة أفراق كل فرق ستون رطلاً).
أما كون العسل فيه العشر فلما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خذ من العسل العشر» (1). أمر والأمر للوجوب.
وفي لفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها» (2) رواه أبو عبيد.
وروى ابن ماجة عن أبي سيارة المتعي قال: «قلت: يا رسول الله! إن لي نحلاً. قال: أد العشر. قال: قلت: فاحم إذاً جبلها. فحماه له» (3).
وروي: «أن عمر أمر في العسل بالعُشر» (4) رواه الأثرم.
وأما كون نصابه عشرة أفراق فـ «لأن عمر رضي الله عنه قدره بذلك» (5) رواه الجوزجاني.
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1824) 1: 584 كتاب الزكاة، باب زكاة العسل.
(2)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (1488) 444 كتاب الصدقة، باب ما اختلف الناس في وجوب صدقة من الأموال
…
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1823) 1: 584 كتاب الزكاة، باب زكاة العسل، قال في الزوائد: قال في إسناده: ابن أبي حاتم عن أبيه، لم يلق سليمان بن موسى أبا سيارة. والحديث مرسل. وحكى الترمذي في العلل عن البخاري، عقب هذا الحديث، أنه مرسل. ثم قال: لم يدرك سليمان أحداً من الصحابة. انتهى.
وأبو سيارة ليس له عند ابن ماجة سوى هذا الحديث الواحد، وليس له شيء في الأصول الخمسة.
(4)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6969) 4: 62 كتاب الزكاة، باب صدقة العسل. عن محمد بن عجلان قال:«كتب سفيان بن عبدالله عامل الطائف إلى عمر بن الخطاب أن من قِبَلي يسألوني أن أحمي جبلاً لهم -أو قال نحلاً لهم- فكتب لهم عمر: إنما هو ذباب غيث، ليس أحد أحق به من أحد، فإن أقروا لك بالصدقة فاحمه لهم، فكتب أنهم قد أقروا بالصدقة، فكتب إليه عمر: أن أحمه لهم وخذ منهم العشور» .
(5)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6970) 4: 63 كتاب الزكاة، باب صدقة العسل.
فتعين المصير إليه لأنه قول صحابي لا يعرف له مخالف.
وأما كون الفرق ستين رطلاً وهو قول ابن حامد فلأن ذلك يروى عن الخليل.
وقال القاضي: هو ستة وثلاثون رطلاً لأن ذلك عادة جارية بينهم يتبايعون به كالرطل والأوقية.
ونص الإمام أحمد رحمة الله عليه على أنه ستة عشر رطلاً لأن أبا عبيد قال: لا خلاف بين الناس أعلمه أن الفرق ثلاثة آصع. وقد ثبت أن الصاع خمسة أرطال وثلث.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: يحتمل أن يكون نصابه ألف رطل لحديث عمرو بن شعيب «أنه كان يؤخذ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرب العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها» (1) والقربة عند الإطلاق مائة رطل بدليل أن القلتين خمس قرب وهما خمسمائة رطل.
فإن قيل: الفرق راؤه محركة أو ساكنة؟
قيل: الذي هو ستة عشر رطلاً راؤه محركة. ولذلك قال ثعلب: قل فرق بتحريك الراء ولا تقل فرق بإسكانها، والذي هو ستون رطلاً وهو مكيال ضخم من مكاييل العراق راؤه ساكنة قاله الخليل.
وقيل: هما لغتان.
فإن قيل: ما الظاهر من الأقوال المتقدم ذكرها؟
قيل: ما نص عليه الإمام من أنه ستة عشر رطلاً لأنه المشهور فينصرف الإطلاق إليه. والمكيال الضخم لا يصح حمله لوجوه:
أحدها: أنه غير مشهور في كلامهم.
وثانيها: أن نصاب العسل عشرة أفراق وهي جمع فَرَق بالتحريك، وجمع الفرْق بالتسكين فروق.
وثالثها: أن حمل قول عمر على الفَرَق بتحريك الراء أولى من حمله على المكيال الذي راؤه ساكنة لأن الظاهر من حاله أنه إنما يريد مكاييل الحجاز لا مكاييل العراق.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
فصل [في زكاة المعدن]
قال المصنف رحمه الله: (ومن استخرج من معدن نصاباً من الأثمان أو ما قيمته نصاب من الجواهر والصفر والزئبق والقار والنفط والكحل والزرنيخ وسائر ما يسمى معدناً ففيه الزكاة في الحال ربع العشر من قيمته سواء استخرجه في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينها ترك إهمال).
أما كون المستخرج من المعدن فيه الزكاة فلما روى أبو عبيد بإسناده عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن عن غير واحد من علمائهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القَبَلِيّة قال: فتلك لا تؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم» (1).
وروى الجوزجاني بإسناده «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة» (2).
ولأنه حق يَحْرم على أغنياء ذوي القربى فكانت فيه الزكاة لا الخمس كسائر الزكوات.
وأما كونه يشترط أن يكون نصاباً فلأنه مال تجب فيه الزكاة فاشترط فيه النصاب كسائر ما يجب فيه.
وأما كون النصاب عشرين مثقالاً من الذهب أو مائتي درهم من الفضة أو قيمة أحدهما من غيرهما فلقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالاً» (3).
وقوله عليه السلام: «ليس فيما دون خمسة أواق صدقة» (4) وغيرهما تبع لهما.
(1) أخرجه أبو عبيد في الأموال (864) 309 كتاب الخمس، باب الخمس في المعادن والركاز.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (7) 2: 93 كتاب الزكاة، باب وجوب زكاة الذهب والورق والماشية والثمار والحبوب.
(4)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
وإنما اعتبر النصاب في الأثمان بأعيانهما وفي غيرهما بقيمة أحدهما لأنهما في الناضّ والعروض كذلك فكذلك هاهنا.
ولأنهما قيم الأشياء فوجب أن يعتبرا في أنفسهما بهما وفي غيرهما بأحدهما.
وأما كون الزكاة في الحال، والمراد به في حال ما يُتناول المستخرج من غير اعتبار حول فلأنه مال يستفاد من الأرض فلم يعتبر له حول كالزروع والثمار.
وأما كون المستخرج في دفعة أو دفعات لم يترك العمل بينهما ترك إهمال سواء فلأنه لو اعتبر دفعة واحدة لأدى إلى عدم الوجوب في المعدن لأنه يبعد استخراج نصاب دفعة. وحدّ الإهمال ثلاثة أيام إن لم يكن عذر، وإلا فمقدر بالعذر.
فإن قيل: ما المراد بالمعدن؟
قيل: كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة. وقد مثله المصنف رحمه الله بما ذكره.
وأما كون قدرها ربع العشر فلأن الواجب فيه زكاة لما تقدم، والواجب في الزكاة ربع العشر. وكان الواجب أن يقول المصنف رحمه الله: ربع العشر من عينه إن كان ذهباً أو فضة أو ربع العشر من قيمته إن كان من غيرهما؛ لأن الواجب في الأثمان من جنسها بخلاف غيرها فإنه لا يجب من جنسها بل يجب في قيمتها كالمملوك من ذلك للتجارة. وإنما اقتصر المصنف رحمه الله على قوله: ربع العشر من قيمته إما لأن كون الواجب في الأثمان من جنسه ظاهر، وإما على سبيل التغليب لأنه ذكر الأثمان وأجناساً كثيرة من غيرها فغلب الأكثر. وقد زاد بعض من أجاز المصنف رحمه الله له الإصلاح معنى ما تقدم ذكره.
قال: (ولا يجوز إخراجها إذا كانت أثماناً إلا بعد السبك والتصفية. ولا زكاة فيما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه. وعنه: فيه الزكاة).
أما كون إخراج زكاة الأثمان قبل السبك والتصفية لا يجوز فلأنه قبل ذلك لا يتحقق أنه أخرج قدر الزكاة فلم يجز إخراجه كعَشْر الحب قبل التصفية.
وأما كون ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان والعنبر ونحوه لا زكاة فيه على المذهب فلأنه يروى عن ابن عباس: «ليس في العنبر شيء إنما هو شيء دسره البحر» (1)، وعن (2) جابر مثله (3) رواهما أبو عبيد.
وروى أبو عبيد أيضاً «أنه كان يخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» فلم تأتنا سنة علمناها عنه ولا عن أحد من الخلفاء بعده من وجه يصح، ونراه مما عفي عنه كما عفي عن صدقة الخيل وإذا ثبت هذا في العنبر فليكن جميع ما يستخرج من البحر مثله لأنه في معناه.
وأما كونه فيه الزكاة على روايةٍ فلأنه مستخرج فوجب ذلك كالمستخرج من البَرّ.
والأول أصح لما تقدم. والقياس لا يصح لأنه في مقابلة النص.
(1) ذكره البخاري تعليقاً 2: 544 كتاب الزكاة، باب ما يستخرج من البحر.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10058) 2: 374 كتاب الزكاة، من قال: ليس في العنبر زكاة.
وأخرجه عبدالرزاق في مصنفه (6977) 4: 65 كتاب الزكاة، باب العنبر.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 146 كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه مما أخذ من البحر من عنبر وغيره.
(2)
في ب: عن.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (10060) 2: 374 كتاب الزكاة، من قال: ليس في العنبر زكاة. ولفظه عن أبي الزبير عن جابر قال: «ليس في العنبر زكاة إنما هو غنيمة لمن أخذه» .
فصل [في زكاة الركاز]
قال المصنف رحمه الله: (وفي الركاز الخمس، أيّ نوع كان من المال قل أو كثر لأهل الفيء. وعنه: أنه زكاة وباقيه لواجده إن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها).
أما كون الركاز فيه الخمس فلقوله عليه السلام: «وفي الركاز الخمس» (1).
فإن قيل: ما الركاز؟
قيل: هو في اللغة المال المدفون في الأرض فاشتقاقه من ركَز يركُز مثل: غرز يغرز إذا خفي. ومنه: ركزت الرمح إذا أخفيت أسفله.
وفي الشرع: هو المال الجاهلي المدفون.
وأما كون ذلك في أي نوع كان من الركاز قل أو كثر فلعموم الحديث المذكور.
ولأنه مال مخموس فلا يعتبر فيه نصاب كالغنيمة والزرع. والفرق بينه وبين المعدن أن المعدن يحتاج إلى عمل ونوائب فاعتبر فيه النصاب تخفيفاً.
وأما كون الخمس لأهل الفيء على المذهب فـ «لأن رجلاً وجد ألف دينار مدفونة خارجاً من المدينة. فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخذ منها الخمس ودفع إلى الرجل بقيتها. وجعل عمر رضي الله عنه (2) يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين إلى أن فضل منها فضلة فقال عمر: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه فقال: خذ هذه فهي لك» (3) رواه أبو عبيد.
ولو كانت زكاة (4) لخص بها أهلها ولما جاز ردها على الواحد المذكور.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
في ب: وجعل العمر.
(3)
أخرجه أبو عبيد في الأموال (875) 313 كتاب الخمس، باب الخمس في المال المدفون.
(4)
ساقط من ب.
ولأنه مال مخموس زالت عنه يد الكفار أشبه الغنيمة.
وأما كونه لأهل الزكاة على روايةٍ فـ «لأن علياً أمر صاحب الكنز أن يتصدق به على المساكين» .
ولأنه مال مستفاد من الأرض أشبه الزرع والمعدن.
وأما كون باقيه لواجده فلما تقدم من فعل عمر (1).
وأما قول المصنف رحمه الله: إن وجده في مَوات أو أرض لا يعلم مالكها؛ فتنبيه على اشتراط أحد الأمرين في ملك الواجد بقية الركاز؛ لأن الأرض إذا لم تكن كذلك تكون مملوكة لمالك معروف فيكون الركاز له إن وجده قولاً واحداً؛ لأن سبب استحقاقه إما الملك وإما الظهور وكلاهما موجود فيه. وإن وجده غيره كان فيه خلاف يذكر بعد إن شاء الله تعالى.
وفي اشتراط كونه في ذلك دليل على أنه إن وجده في ذلك كان ملكاً له وهو الصحيح: أما في الأرض الموات فلأنه مباح لا حق لغيره فيه سبق إليه فملكه كما لو صاد منها صيداً أو نحو ذلك، وأما في الأرض التي لا يعلم مالكها فلأن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم:«وما لم يكن في طريق مَأْتِيّ ولا في قرية عامرة ففيه وفي الركاز الخمس» (2) رواه النسائي.
وفي لفظ: «فإن وجده في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس» (3).
قال: (وإن علم مالكها أو كانت منتقلة إليه فهو له أيضاً. وعنه: أنه لمالكها أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك).
أما كون ما وجد في أرض يعلم مالكها لمن وجده على الرواية الأولى فلأن ذلك لا يملك بملك الأرض إذ ليس هو من أجزائها وإنما هو مودع فيها بل بالظهور لأنه يجري مجرى الصيد والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها.
(1) ر. ما سبق ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه النسائي في سننه (2494) 5: 44 كتاب الزكاة، باب المعدن.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 4: 155 كتاب الزكاة، باب زكاة الركاز.
وأما كونه لمالك الأرض على الرواية الثانية فلأن يده عليها فكان ما فيها له كالقماش الذي فيها.
والأولى أصح قاله القاضي.
وأما كون ما وجده في ملك انتقل إليه كذلك فلما تقدم من العلة. فعلى الأولى لا إشكال، وعلى الثانية يكون لمن انتقلت عنه إن اعترف به لأن الظاهر أنه له وإلا فهو لأول مالك لأنه في ملكه فكان له كحيطانه.
قال: (وإن وجده في أرض حربي ملكه، إلا أن لا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فيكون غنيمة).
أما كون من وجد الركاز فيما ذكر يملكه إذا قدر عليه بنفسه فلأن المالك لا حرمة له فكان لواجده كما لو وجده في الموات.
وأما كون ما لم يقدر عليه إلا بجماعة غنيمة فلأن قوتهم أوصلته فكان غنيمة كالمأخوذ بالحرب.
قال: (والركاز: ما وجد من دفن الجاهلية، عليه علامتهم فإن كان عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة فهو لقطة).
أما قول المصنف رحمه الله: والركاز ما وجد من دفن الجاهلية؛ فبيان لمعنى الركاز شرعاً، وقد تقدم ذكره. وإنما اختص بدفن الجاهلية لأن دفنهم تَقَادم عهده وخفي مكانه فهو أشبه بالركاز اللغوي.
والمراد بعلامتهم: أن يكون عليه أسماء ملوكهم وصورهم وصلبانهم ونحو ذلك.
وأما كون ما عليه علامة المسلمين لقطة فلأن ذلك ملك مسلم لم يعلم زواله عنه.
وأما كون ما لم يكن عليه علامة لقطة فلأن الظاهر أنه دفن مسلم.
ولأن الدار دار إسلام فوجب الحكم بكونه لقطة تغليباً لحكم الإسلام.