المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ذكر أهل الزكاة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ١

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌باب ذكر أهل الزكاة

‌باب ذكر أهل الزكاة

أهل الزكاة: هم الذين جعلهم الشرع محلاً لدفع الزكاة إليهم.

قال المصنف رحمه الله: (وهم ثمانية أصناف: الفقراء وهم: الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم.

الثاني: المساكين وهم: الذين يجدون معظم الكفاية).

أما كون الأصناف وهم جمع صنف ثمانية لا غير فلقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة: 60] ذكر ذلك بلفظ: {إنما} وهي للحصر.

وفي الحديث: «أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعطني هذه الصدقة فقال: إن الله لم يرض في قسمتها بنبي مرسل ولا ملك مقرب حتى قسمها بنفسه فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك» (1) رواه أبو داود.

وأجمع أهل العلم على أنه لا يجوز دفعها إلى غير الأصناف الثمانية التي نص الله تعالى عليها.

وأما كون الفقراء منها فلأن الله تعالى ذكرهم في الآية وبدأ بهم.

وأما كونهم هنا غير المساكين فلأن الله تعالى عطف أحدهما على الآخر، والعطف دليل على التغاير.

وأما كونهم هم الذين لا يجدون ما يقع موقعاً من كفايتهم فلأنهم أسوأ حالاً من المساكين لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وسأل المسكنة فقال: «اللهم أحْيِنِي مِسكيناً وأمِتْنِي مِسكيناً واحْشُرني في زُمْرةِ المساكين» (2) رواه الترمذي.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1630) 2: 117 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة؟ وحد الغني.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (2352) 4: 577 كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم. قال الترمذي: حديث غريب.

ص: 772

ولولا أن الفقر أشد لما استعاذ منه.

ولأن الله تعالى قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 79] فسماهم مساكين ولهم سفينة.

فعلى هذا يجب أن يكون الفقير مَن لا شيء له أصلاً ولا صنعة له، أو أن صنعته لا تقع موقعاً من كفايته. ومثّله القاضي بأن يكون حاجته في كل يوم إلى عشرة دراهم وله درهمان، ومثّله الخرقي بالمكفوف والزَّمِن، ويجب أن يكون المسكين هو الذي يجد ما يقع موقعاً من كفايته لأنه أحسن حالاً منه.

قال: (ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته، وإن كان من الأثمان فكذلك في إحدى الروايتين، والأخرى إذا ملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب فهو غني).

أما كون من ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته ليس بغني فلأنه لا كفاية له فيدخل في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة: «فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو سداداً من عيش» (1) والسداد الكفاية.

وأما كون من ملك من الأثمان ما لا يقوم بكفايته كذلك في رواية فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الكفاية غاية لحل المسألة ولم توجد الكفاية فيما ذكر.

وأما كون من ملك خمسين درهماً وقيمتها من الذهب عيناً في رواية فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح قيل: يا رسول الله! وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب» (2) رواه أبو داود.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1044) 2: 722 كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة.

وأخرجه أبو داود في سننه (1640) 2: 120 كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1626) 2: 116 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة؟ وحد الغني.

ص: 773

وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لرجل له خمسون درهماً» (1) رواه الدارقطني.

فإن قيل: ما الصحيح من الروايتين؟

قيل: الأولى عند المصنف وأبي الخطاب لما تقدم من الحديث الأول، والثانية هي المذهب لما تقدم من الحديث الثاني.

قال: (الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها. ويشترط أن يكون العامل مسلماً أميناً من غير ذوي القربى، ولا يشترط حريته ولا فقره.

وقال القاضي: لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى. وإن تلفت الزكاة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال).

أما كون العاملين من الأصناف الثمانية فلأن الله تعالى ذكرهم منها.

وأما قول المصنف رحمه الله: وهم الجباة لها؛ فبيان للمراد بهم، ويدخل فيهم الحفظة لها والحساب وما أشبه ذلك؛ لأنهم داخلون في مسمى العامل وقد «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي من الزكاة من هذا شأنه» .

وأما كون العامل يشترط أن يكون مسلماً على المذهب فلقوله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم} [آل عمران: 118]، وقوله تعالى:{لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1]، وقوله تعالى:{ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141].

ولأنه يفتقر إلى العلم بالنصب ومقادير الزكاة وقبول قولهم في المأخوذ منه، والكافر ليس من أهل ذلك، وقد روي «أن أبا موسى اتخذ عاملاً نصرانياً. فقال عمر: لا تؤمنوهم حيث خونهم الله، ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله» (2).

ولأنه منصب شريف لأحد أركان الإسلام فلم يناله الكافر كالمناصب الشرعية.

وأما كونه يشترط أن يكون أميناً؛ فلئلا يخون في مال المسلمين.

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (3) 2: 121 كتاب الزكاة، باب الغنى التي يحرم السؤال.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 127 كتاب آداب القاضي، باب لا ينبغي للقاضي ولا للوالي أن يتخذ كاتباً ذمياً

ص: 774

وأما كونه يشترط أن يكون من غير ذوي القربى على المذهب فـ «لأن

الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه العمالة على الصدقات، فقال: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» (1).

وأما كونه لا يشترط حريته ولا فقره فلأن ما يأخذه أجرة والعبد والغني يجوز استئجارهما.

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر عاملاً» وكان غنياً.

وأما كونه لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى على قول القاضي فلما ذكر من أن ما يأخذه أجرة فجاز أن يتولاها الكافر وذوو القربى كجباية الخراج. والحديث في ذوي القربى محمول على التنزيه.

وأما كونه يعطى أجرته من بيت المال إذا تلفت الزكاة في يده من غير تفريط فلأنه استحق بعمله ما شرط له فإذا تعذر دفعه من مال الزكاة وجب من بيت المال.

قال: (الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه، أو يخشى شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه (2)، أو إسلام نظيره، أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها، أو الدفع عن المسلمين، وعنه: أن حكمهم انقطع).

أما كون المؤلفة قلوبهم من الأصناف الثمانية فلأن الله تعالى ذكرهم في قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم} [التوبة: 60].

وأما كون حكم المسلمين منهم باقياً فلأن الآية تشملهم ولا معارض له فوجب كونه باقياً عملاً بمقتضيه السالم عن المعارض.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (1072) 2: 753 كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.

وأخرجه أبو داود في سننه (2985) 3: 147 كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى.

وأخرجه النسائي في سننه (2609) 5: 105 كتاب الزكاة، باب استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.

وأخرجه أحمد في مسنده (17554) 4: 166.

(2)

في ب: إسلامه.

ص: 775

وأما كونه انقطع على روايةٍ فلما روي «أن مشركاً جاء يلتمس من عمر مالاً فلم يعطه وقال: من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» . ولم ينقل عن عمر ولا عثمان ولا علي أنهم أعطوا شيئاً من ذلك.

ولأن الله تعالى أظهر الإسلام وقمع الشرك فلا حاجة إلى التأليف.

والأول هو المشهور في المذهب؛ لما تقدم من قوله تعالى: {والمؤلفة قلوبهم} [التوبة: 60] وسورة براءة آخر ما نزل، وروى قتادة في تفسيره «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي المؤلفة من الكفار من الزكاة لأنه كان يرجو إسلامهم منهم العباس بن مرداس والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن» (1).

وأما قول المصنف رحمه الله: وهم السادة

إلى آخره؛ فبيان لأصناف المؤلفة قلوبهم وهم ضربان:

كفار ومسلمون، والكفار ضربان:

من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فيسلم «لأن النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة أعطى صفوان بن أمية الأمان واستنظره صفوان أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى العطايا قال صفوان: ما لي؟ فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى واد فيه إبل محملة. فقال: هذا لك. فقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر» .

الضرب الثاني: من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره فيعطى لما روي عن ابن عباس «أن قوماً كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وإن منعهم ذموا» .

والمسلمون أربعة أضرب:

- قوم يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد فيعطون كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عطاء سفيان والأقرع وعيينة (2).

ص: 776

و «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسماً فيقول سعد بن أبي وقاص: أعط فلاناً فإنه مؤمن. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: أوْ مُسلم ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحبُّ إليَّ مَخافةَ أن يَكُبَّهُ الله في النار» (1).

- الثاني: قوم سادات من المسلمين لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا [رغب نظرائهم في الإسلام فهؤلاء يعطون «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى](2) عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر» مع ثباتهما في الإسلام وحسن نيتهما فيه.

- الثالث: قوم إذا أعطوا أجبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف.

- الرابع: قوم في طريق بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين فيعطون لدخولهم في اسم المؤلفة.

قال: (الخامس: الرقاب. وهم المكاتبون. ويجوز أن يفدى بها أسيراً مسلماً. نص عليه. وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها؟ على روايتين).

أما كون الرقاب من الأصناف الثمانية؛ فلأن الله تعالى ذكرهم في الآية المتقدمة فقال: {وفي الرقاب} [التوبة: 60].

وأما كون الرقاب هم المكاتبون؛ فلأن لفظ الرقاب يشملهم بدليل ما لو قال: أعتقت رقابي فإنه يعتق مكاتبوه، وقد قال الله تعالى:{فكاتبوهم -إلى قوله تعالى-: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33].

ولأنه ممن يملك المال على سيده ويصرف إليه أرش جنايته فكان له أخذ الزكاة كالغريم.

ولأنه مدين أشبه الغارم.

وأما كون المزكي يجوز أن يفدي بالزكاة أسيراً مسلماً على المنصوص؛ فلأنه فك رقبة من الأسر أشبه فك رقبة المكاتب نفسه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (27) 1: 18 كتاب الإيمان، باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل.

وأخرجه مسلم في صحيحه (150) 1: 132 كتاب الإيمان، باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه

(2)

ساقط من ب.

ص: 777

ولأن الحاجة داعية إلى ذلك [فإنه](1) لا يؤمن عليه القتل أو الردة وهو محبوس في أيديهم أشد من حبس القن في الرق.

ولأن فيه إعزاز الدين فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم.

وأما كونه يجوز أن يشتري من الزكاة رقبة يعتقها على روايةٍ فلدخوله في قوله عز وجل: {وفي الرقاب} [التوبة: 60] بل هو ظاهر فيه لأن الرقبة إذا أطلقت انصرفت إليه كقوله تعالى: {فتحرير رقبة} [النساء: 92] وتقدير الآية وفي إعتاق الرقاب.

ولأنه إعتاقٌ للرقبة فجاز صرف الزكاة فيه كدفعه في الكتابة.

وأما كونه لا يجوز على روايةٍ فلأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب كقوله: {وفي سبيل الله} [التوبة: 60] المراد به الدفع إلى المجاهدين والدفع إلى العبد لا يمكن لأنه لا يلزم منه فك الرقبة.

قال: (السادس: الغارمون وهم المدينون، وهم ضربان: ضرب غَرِم لإصلاح ذات البين، وضرب غَرِم لإصلاح نفسه في مباح).

أما كون الغارمين من الأصناف الثمانية؛ [فلأن الله تعالى ذكره في الآية المتقدم ذكرها فقال: {والغارمين} [التوبة: 60].

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» (2) رواه مسلم. وكان غارماً.

وأما كون الغارمين هم المدينين فلأن الغارم في اللغة: المدين. ذكره الجوهري.

وأما انقسام الغارم إلى ضربين فلأن ضرباً غَرِم لإصلاح ذات البين وهو من تحمّل دية قتيل لإطفاء الفتنة وتسكين ثائرة القتال بين طائفتين.

وفي الحديث عن قبيصة: «قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل حمالة فيسأل حتى يؤديها ثم يمسك

مختصر» (3).

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (1044) 2: 722 كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1640) 2: 120 كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة.

ص: 778

وضرباً غرم لإصلاح نفسه في مباح وهو من استدان في نفقة نفسه أو عياله أو كسوتهم أو نحو ذلك وكلاهما داخل في عموم قوله: {والغارمين} [التوبة: 60].

وقول المصنف رحمه الله: في مباح؛ تنبيه على أن من استدان وصرفه في معصية؛ كشرب الخمر والزنا ونحوهما لا يدفع إليه. وسيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى (1).

قال: (السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم. ولا يعطى منها في الحج. وعنه: يعطى الفقير ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه).

أما كون سبيل الله من الأصناف الثمانية؛ فلأن الله تعالى ذكره في الآية المتقدمة فقال: {وفي سبيل الله} [التوبة: 60].

وأما كون السبيل هم الغزاة فلأن السبيل عند الإطلاق هو الغزو، قال الله تعالى:{قاتلوا في سبيل الله} [آل عمران: 167]، وقال تعالى:{يجاهدون في سبيل الله} [المائدة: 54] وذكر ذلك في غير موضع من كتابه.

فعلى هذا يعطون ما يشترون به السلاح والدواب وما يحتاجون إليه من نفقة ونحو ذلك.

وأما كون الغزاة من لا ديوان لهم؛ فلأن من له ديوان يستغني بديوانه عن أخذ الزكاة.

وأما الإعطاء منها في الحج ففيه روايتان:

أحدهما: لا يعطى منها فيه لأن السبيل عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد.

ولأن كلما في القرآن ذكر سبيل الله فالمراد به الجهاد فوجب حمل هذه الآية على ذلك.

والرواية الثانية: يعطى فيه لأنه من السبيل؛ لما روي «أن رجلاً جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: اركبيها فإن الحج من سبيل الله» (2).

وعن ابن عمر قال: «الحج من سبيل الله» .

ص: 779

وهذه الرواية هي أصح الروايتين. قاله القاضي.

وظاهر كلام المصنف رحمه الله: أن الصحيح أنه ليس من السبيل ولذلك قدم أنه لا يعطى فيه.

وقال في المغني: الرواية الثانية أحسن يعني كونه ليس من السبيل لأن سبيل الله عند الإطلاق لا يتناول إلا الغزو.

ولأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: إما محتاج كفقير ومسكين ومكاتب وغارم، وإما من يحتاج إليه المسلمون كعامل وغاز وغارم لإصلاح ذات البين، والحاج لا نفع للمسلمين فيه ولا يحتاج صاحبه إليه لأنه إنما يدفع إليه مع الفقر، والفقير لا فرض في ذمته فيسقط، وإن أراد التطوع به فتوفير ما يحج به على ذوي الحاجات من سائر الأصناف أولى.

قال: (الثامن: ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده، فيعطى قدر ما يصل به إلى بلده).

أما كون ابن السبيل من الأصناف الثمانية] (1)؛ فلأن الله تعالى ذكره في الآية المتقدم ذكرها فقال: {وابن السبيل} [التوبة: 60].

وأما كون ابن السبيل هو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده فلأن السبيل الطريق وإنما سمي ابن السبيل بذلك لملازمته الطريق، كما يقال للطائر: ابن الماء لملازمته له، وإذا كان كذلك وجب أن يكون ابن السبيل مسافراً لا منشئاً لأن المنشئ للسفر يصير ابن سبيل في ثاني الحال بخلاف الأول فإنه ابن سبيل في الحال، فالاسم لا يتناول المنشئ حقيقة فلا يكون مراداً لأن الأصل إرادة الحقيقة.

ولأنه لا يفهم من ابن السبيل إلا الغريم دون من هو في وطنه وإن انتهت به الحاجة غايتها فوجب أن يحمل الاسم عليه.

وأما كون ما يعطى قدر ما يصل به إلى بلده فلأنه إنما جاز له الأخذ من الزكاة ليتوصل إلى بلده فلا يجوز أن يأخذ أكثر مما يدفع به ذلك، كما لا (2) يجوز أن يأخذ الفقير أكثر مما يدفع به فقره.

(1) ساقط من ب.

(2)

ساقط من ب.

ص: 780

قال: (ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه، والعامل قدر أجرته، والمكاتب والغارم ما يقضيان به دينهما، والمؤلف ما يحصل به التأليف، والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر، ولا يزاد أحد منهم عن ذلك. ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم).

أما كون الأصناف المذكورة يعطون ما ذكر فلأن من جاز دفع الزكاة إليه لمعنى جاز أن يعطى ما دام ذلك المعنى موجوداً فيه لأن السبب المجوز للأخذ باق فيترتب عليه ما يقتضيه.

وأما كونهم لا يزاد أحد منهم عن ذلك فلأن الإعطاء هنا لمعنى فمتى زال ذلك المعنى لم يجز إعطاؤه بذلك السبب لأن الحكم ينتفي لانتفاء سببه. فعلى هذا الفقير والمسكين يعطيان قدر كفايتهما لأن عدم الكفاية هو المجوز فقدر بقدره.

وقول المصنف رحمه الله: ما يغنيه؛ يحتمل أن مراده ما يكفيه، ويحتمل أن يكون نبه على جواز الدفع ولو صار به غنياً، كمن يدفع له خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب أو قدر الكفاية على اختلاف الروايتين فيما يحصل به الغنى؛ لأن المانع من أخذ الزكاة الغنى وحين الدفع لم يكن غنياً. وشرط الخرقي: أن يكون المدفوع لا يخرج المدفوع إليه إلى الغنى.

فعلى هذا لا يجوز أن يدفع إليه خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب أو قدر الكفاية جملة واحدة لأن الغنى لو سبق الدفع لم يجز فكذلك إذا قارن كالجمع بين الأختين.

والعامل أجرة عمله لأن السبب المجوز لأخذه عمله فوجب أن يتقدر بمقدار أجرته.

والمكاتب والغارم ما يقضيان به دينهما لأن السبب المجوز فيهما الدين فوجب أن يتقدر بالوفاء.

والمؤلف: ما يحصل به التأليف لأن سببه التأليف فيقدر به.

والغازي: ما تندفع به حاجته من مركوب وسلاح ونحو ذلك لأن سببه ذلك فيقدر به.

ص: 781

وصرح المصنف رحمه الله بقوله: وإن كثر لئلا يتوهم أنه لا يجوز أن يكون قدر نصاب لأن سبب الدفع في ذلك الحاجة إلى ما ذكر فوجب أن يعطى ما بقي السبب عملاً بمقتضاه.

وأما كون من له عيال يأخذ ما يكفيهم فلأن الحاجة داعية إلى إزالة حاجتهم كلهم فجاز الأخذ لهم كلهم كالأخذ لنفسه.

قال: (ولا يعطى أحد منهم مع الغنى إلا أربعة: العامل، والمؤلف، والغارم لإصلاح ذات البين، والغازي).

أما كونه لا يعطى أحد ممن ذكر مع الغنى غير الأربعة المذكورة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (1)، وقوله:«لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» (2) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.

وأما كون العامل والغارم والغازي يجوز أن يعطوا مع الغنى فلما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله ولعامل عليها أو لغارم

مختصر» (3) رواه أبو داود.

وأما كون المؤلفة قلوبهم يجوز أن يعطوا مع الغنى فلأن إعطائهم لمعنى يعم منفعة المسلمين أشبه الغازي.

قال: (فإن فَضَل مع الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده. والباقون يأخذون أخذاً مستقراً فلا يردون شيئاً.

وظاهر كلام الخرقي في المكاتب: أنه يأخذ أيضاً أخذاً مستقراً).

أما كون الغارم والغازي وابن السبيل يردون ما فضل عن حاجتهم فلأن السبب زال فيجب رد الفاضل لزوال السبب.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1633) 2: 117 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (652) 3: 42 كتاب الزكاة، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1637) 2: 119 كتاب الزكاة، باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني.

ص: 782

فعلى هذا لو أخذ الغارم شيئاً فوفى غرمه وبقي معه فضلة ردها، [ولو أخذ الغازي ففضلت فضلة بعد غزوه ردها، ولو أخذ ابن السبيل](1) ففضلت فضلة بعد بلوغه بلده ردها؛ لأن ذلك كله فاضل عن حاجتهم.

وأما كون المكاتب يلزمه رد ما فضل بعد كتابته على المذهب فلزوال السبب الذي أخذ من أجله.

وأما كونه لا يرد على قول الخرقي فلأنه عند أخذه فقير أشبه الفقير.

قال: (وإن ادعى الفقر من عرف بالغنى، أو ادعى إنسان أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينة. وإن صدق المكاتب سيده والغارم (2) غريمه فعلى وجهين).

أما كون من عرف بالغنى إذا ادعى الفقر، وكون الإنسان إذا ادعى أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لا يقبل قوله مع عدم البينة فلأنه قول يخالف الظاهر.

وأما كون المكاتب إذا صدقه سيده [والغارم إذا صدقه غريمه لا يقبل لأن السيد](3) والغريم متهمان في ذلك.

وأما كونه يقبل على وجهٍ فلأن الحق في العبد للسيد فإذا أقر بالكتابة قبل والغريم في معنى السيد فيقاس عليه.

قال: أما كون من لم يعرف بالغنى إذا ادعى الفقر يقبل قوله فلأن الظاهر صدقه.

ولأن الأصل استصحاب حال الإنسان فإذا لم يكن معروفاً بالغنى اقتضى الاستصحاب عدم الحكم عليه بالغنى.

وأما كون من رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له يعطيه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب فلما روى عبيدالله بن عدي بن الخيار «أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئاً فصَعّد فيهما البصر فرآهما جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (4) رواه أبو داود.

(1) ساقط من ب.

(2)

في ب: أو الغارم.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (1633) 2: 117 كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني.

ص: 783

قال: (وإن ادعى أن (1) له عيالاً قلد وأعطي، ويحتمل أن لا يقبل ذلك إلا ببينة).

أما كون من ذكر يقلد ويعطى على المذهب فلأنه يقلد ويعطى في حاجة نفسه فكذلك في وجود عياله.

وأما كونه يحتمل أن لا يقبل ذلك إلا ببينة فلأن الأصل عدم العيال ولا يتعذر عليه إقامة البينة عليهم.

قال: (ومن غَرِم أو سافر في معصية لم يدفع إليه فإن تاب فعلى وجهين).

أما كون من غَرِم في معصية ولم يتب كمن استدان شيئاً فصرفه في شراء خمر أو زنا ونحو ذلك، وكون من سافر في معصية كالمسافر إلى بلده قاصداً قطع الطريق أو لشرب الخمر أو للزنا ونحو ذلك لا يدفع إليه شيء من الزكاة فلأن الدفع إليهما إعانة لهما على المعصية وذلك غير جائز.

وأما كونهما يدفع إليهما مع التوبة على وجه قاله القاضي فلأن إيفاء الدين واجب وليس بمعصية والإعانة على الواجب قربة لا معصية. أشبه من صرف ماله في المعاصي حتى افتقر ثم تاب فإنه يصرف إليه لفقره، والغارم في معصية وابن السبيل المسافر في المعصية مثله فيلحق له.

وأما كونهما لا يدفع إليهما على وجه؛ فلأنهما متهمان في إظهار التوبة.

ولأنه لا يؤمن أن يعودا إلى ما كانا عليه. بخلاف من أتلف ماله فيها فإنه يعطى للحاجة في الحال.

قال: (ويستحب صرفها في الأصناف كلها، فإن اقتصر على إنسان واحد أجزأه. وعنه: لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحداً).

وأما كون صرف الزكاة في الأصناف كلها يستحب؛ فلأن في ذلك خروجاً من الخلاف وتعداداً للأشخاص المختلفين من الجنس وتعميماً للأصناف اللاتي ذكرها الله تعالى.

وأما كون الاقتصار على إنسان واحد من الأصناف الثمانية يجزئ فاعله فهو متضمن أمرين:

(1) ساقط من ب.

ص: 784

أحدهما: أن الصنف الواحد يجزئه، وفيه روايتان:

أحدهما: أنه يجزئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذلك فروي أنه قال لقبيصة: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» (1).

والثانية: لا يجزئه؛ لأن الله تعالى قال: {إنما الصدقات للفقراء

الآية} [التوبة: 60] أضاف من يملك إلى من يملك بلام التمليك وعطف بواو العطف فوجب استيعاب الأصناف الثمانية كما لو وصى لهم.

ولأن الإضافة بالتعيين يقتضي التمليك كقولك: هذه الدار لزيد وعمرو فكذلك بالصفة كالوصية للفقراء وابن السبيل.

وثانيهما: أن الواحد من الصنف يجزئه: أما في العامل فلا خلاف فيه؛ لأن الحاجة تندفع به.

وأما في بقية الأصناف؛ ففيه روايتان:

إحداهما: يجزئ واحد قياساً على العامل «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر» (2) وهو واحد.

والثانية: لا بد من الصرف إلى ثلاثة من كل صنف لأن الله تعالى قال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} [التوبة: 60] وذلك جمع وأقل الجمع ثلاثة.

والصحيح في المذهب أنه لا يجب تعميم الأصناف لما تقدم.

ولأنه لا يجب تعميم كل صنف بالاتفاق. وقد ذكر الله صرفها إلى صنف واحد في آية أخرى فقال تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة: 271].

و«قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» (3) فلم يذكر في الآية والخبر إلا صنفاً واحداً.

ولأن إيجاب تعميم الأصناف يعسر وذلك منتف شرعاً قال الله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185].

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (2213) 2: 265 تفريع أبواب الطلاق، باب في الظهار.

(3)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 785

قال: (ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤونتهم، ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم).

أما كون صرف الزكاة إلى أقاربه الذين لا يلزمه مؤونتهم يستحب فلأن الصدقة على القريب صدقة وصلة لما يأتي بعد.

وأما كون تفريقها فيهم على قدر حاجتهم يستحب فلأن اعتبار الحاجة أبلغ وأحسن في غير القرابة ففي القرابة أولى.

قال: (ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه).

أما كون دفع السيد زكاته إلى مكاتبه يجوز فلقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33].

ولأنه قد صار كالأجنبي في باب المعاملة بدليل أنه يجزئ بينهما حكم الربا.

ولأن الدفع تمليك وهو أهل لذلك.

وأما كون دفع زكاته إلى غريمه يجوز فلأنه شخص يجوز للغير دفع الزكاة إليه فجاز لمن ذكر دفعها إليه بالقياس على الغير.

فإن قيل: الفرق بينه وبين الغير ظاهر؟

قيل: لا فرق بينهما إلا أنه يحتمل أن يعيدها إليه من دينه فينتفع بزكاته وذلك لا أثر له؛ لأن ذلك المعنى موجود في المكاتب ولم يؤثر في منع الدفع.

ص: 786

فصل [فيمن لا تدفع الزكاة إليه]

قال المصنف رحمه الله: (ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد ولا فقيرة لها زوج غني ولا الوالدين وإن علوا ولا الولد وإن سفل ولا إلى الزوجة ولا لبني هاشم ولا مواليهم).

أما كون الكافر لا يجوز دفع الزكاة إليه «فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: أعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» (1).

ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب للكافر كالنفقة.

وأما كون العبد لا يجوز دفع الزكاة إليه فلأنه لا يملك بالدفع إليه، وما يعطاه فهو لسيده فكأنه دفعه إلى سيده.

ولأن العبد تجب نفقته على سيده فهو غني بغناه.

وأما كون الفقيرة التي لها زوج غني لا يجوز دفع الزكاة إليها فلأنها غنية بغناء زوجها ووجوب نفقتها عليه فهي كالولد يكون غنياً بغناء والده لوجوب نفقته عليه، والجامع بينهما حصول الغنى بوجوب نفقتهما على غني.

وأما كون الوالدين وإن علوا والولد وإن سفل والزوجة لا يجوز دفع الزكاة إليهم فلأنهم من عياله تجب نفقتهم عليه ففي دفعها إليهم غنى لهم عن نفقته وترفيه لماله لأنه يعود نفعها (2) إليه وبقاء ماله بزكاته فلم يجز كما لو أخذها لنفسه.

وأما كون بني هاشم لا يجوز دفع الزكاة إليهم فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس» (3) أخرجه مسلم.

(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

(2)

في ب: نفقتها.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (1072) 2: 753 كتاب الزكاة، باب ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة.

ص: 787

وعن أبي هريرة قال: «أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ ليطرحها وقال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة» (1) متفق عليه.

وأما كون مواليهم وهم من أعتقه هاشمي لا يجوز دفع الزكاة إليهم فلما روى أبو رافع «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كَيْمَا تُصيب منها فقال: لا. حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله. فسأله فقال: لا. إنا لا تحل لنا، وإن موالي القوم منهم» (2) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

ولأنهم ممن يرثه بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الزكاة إليهم كبني هاشم.

قال: (ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ووصايا الفقراء والنذر. وفي الكفارة وجهان).

أما كون بني هاشم يجوز لهم الأخذ من صدقة التطوع فـ «لأن محمد بن علي رضي الله عنهما كان يشرب من سقاياتٍ بين مكة والمدينة، وقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة» .

ولأنه يجوز اصطناع المعروف إليهم وهو صدقة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة» (3) حديث صحيح.

وأما كونهم يجوز لهم الأخذ من وصايا الفقراء والنذر فلأنهما لا يقع عليهما اسم الزكاة والطهرة، ووجوبهما بإيجاب الآدمي أشبها الهبات.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1420) 2: 542 كتاب الزكاة، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1069) 2: 751 كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وهم بنو هاشم.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1650) 2: 123 كتاب الزكاة، باب الصدقة على بني هاشم.

وأخرجه الترمذي في جامعه (657) 3: 46 كتاب الزكاة، باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم.

وأخرجه النسائي في سننه (2612) 5: 107 كتاب الزكاة، باب مولى القوم منهم.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (5675) 5: 2241 كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1005) 2: 697 كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف.

ص: 788

وأما كونهم يجوز لهم الأخذ من الكفارة في وجهٍ فلأنها لا تسمى صدقة وسببها حنث الآدمي أشبهت صدقة التطوع.

وأما كونهم لا يجوز لهم أخذها في وجهٍ؛ فلأنها طهرة لها مصارف أشبهت الزكاة.

قال: (وهل يجوز دفعها إلى سائرمن تلزمه مؤونته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب؟ على روايتين).

أما كون غير الوالد وإن علا والولد وإن سفل من سائر أقاربه الذين تلزمه مؤونتهم كأخيه وأخته ونحوهما يجوز دفع الزكاة إليهم على روايةٍ؛ فلأنه تقبل شهادتهم له فجاز الدفع إليهم كالأجانب.

وأما كونهم لا يجوز دفع الزكاة إليهم على روايةٍ؛ فلما ذكر في الوالد والولد.

وأما كون الزوج يجوز أن تدفع زوجته زكاتها إليه على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود: زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم» (1).

ولأنه لا يلزمها نفقته فلم يحرم عليه زكاتها كالأجنبي.

وأما كونها لا يجوز لها ذلك على روايةٍ؛ فلأنه أحد الزوجين فلم يجز الدفع إليه كالآخر.

وهذه هي الصحيحة لما ذكر.

ولأن الظاهر أن ما يأخذه يعود نفعه عليها فتكون قد قصدت التوسعة عليها بزكاتها وعود النفع إليها وذلك غير جائز. والحديث المراد به صدقة التطوع بدليل أنه ذكر الولد فيه ولا يجوز دفع الزكاة إليه قولاً واحداً.

وأما كون بني المطلب يجوز دفع الزكاة إليهم على روايةٍ؛ فلدخولهم في عموم قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء

الآية} [التوبة: 60] خرج من ذلك بنو هاشم لمعنى يختص بهم فوجب أن يبقى فيمن عداهم على مقتضاه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1393) 2: 531 كتاب الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب.

ص: 789

وأما كونهم لا يجوز دفعها إليهم على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شيء واحد» (1)، وبنو هاشم لا يجوز لهم الأخذ فكذا من ساواهم.

ولأن حرمان الصدقة حكم يتعلق بقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستوى فيه بنو هاشم وبنو المطلب الذين هم وهم شيء واحد قياساً على سهم ذوي القربى من الخمس. ثم هو بدل الصدقة لقوله صلى الله عليه وسلم: «أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس» وبنو المطلب يأخذون من خمس الخمس فلا يجمع لهم بين البدل والمبدل.

وهذه هي الصحيحة؛ لأن دليلها يخص بمثله العموم ويوجب إلحاق بني المطلب ببني هاشم، وبنو هاشم لا يجوز لهم الأخذ من الزكاة فكذا بنو المطلب.

قال: (وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزئه، إلا الغني إن ظنه فقيراً في إحدى الروايتين).

أما كون من دفع الزكاة إلى من لا يستحقها غير الغني وهو لا يعلم ذلك مثل أن يدفعها إلى كافر لا يعلم كفره أو إلى ذوي القربى ولا يعلم أنهم كذلك أو نحو ذلك لا يجزئه فلأنه دفعها إلى من لا يستحقها مما لا يخفى حاله غالباً فلم يعذر بخطئه كديون الآدميين.

وأما كون من دفع الزكاة إلى غني ظنه فقيراً لا يجزئه على روايةٍ فلأن الفقر يعسر الوقوف عليه فاكتفي فيه بالظهور، كما اكتفي في جواز الدفع إليه، وكذلك لما سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة قال:«إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك» (2) فاكتفى بإخباره عن نفسه فدل على أنه يجزئ وإن كان غنياً في الباطن.

(1) أخرجه النسائي في سننه (4137) 7: 130 كتاب قسم الفيء.

وأخرجه أحمد في مسنده (16760) 4: 81.

(2)

سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..

ص: 790

فصل [في صدقة التطوع]

قال المصنف رحمه الله: (وصدقة التطوع مستحبة، وهي أفضل في شهر رمضان وأوقات الحاجات. والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة).

أما كون صدقة التطوع مستحبة فلأن الله تعالى مدح فاعلها وحثه على إخراجها فقال سبحانه وتعالى: {إن المصدقين والمصدقات

الآية} [الحديد: 18].

وقال عليه السلام: «ليتصدق الرجل من ديناره، وليتصدق من درهمه، وليتصدق من صاع بره، وليتصدق من صاع تمره» (1).

وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أطعم مؤمناً جائعاً أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة» (2).

وأما كونها أفضل في شهر رمضان وأوقات الحاجات فلأن الحسنات تضاعف فيهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من فطر صائماً فله مثل أجره» (3) رواه الترمذي وصححه.

وفي الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الجود كالريح المرسلة، وأجود ما يكون في شهر رمضان» (4).

(1) أخرجه النسائي في سننه (2554) 5: 75 كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة.

وأخرجه أحمد في مسنده (18693) ط إحياء التراث. كلاهما من حديث جرير بن عبدالله.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1682) 2: 129 كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء.

وأخرجه الترمذي في جامعه (2449) 4: 633 كتاب صفة القيامة والرقائق والورع. قال الترمذي: حديث غريب.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (807) 3: 171 كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل من فطر صائماً.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (3048) 3: 1177 كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2308) 4: 1803 كتاب الفضائل، باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير من الريح المرسلة.

ص: 791

وأما كون الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة فلما روت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صدقة الرجل على المسلم صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة» (1).

قال: (وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه. وإن تصدق بما ينقص مؤونة من تلزمه مؤونته أثم).

أما كون الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه تستحب فلأن الفاضل تطيب النفس بإخراجه من غير كلفة ومشقة قال الله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 215]. قال أهل التفسير: هو الفاضل عن حاجته وحاجة عياله.

وأما كون من تصدق بما ينقص مؤونة من تلزمه مؤونته يأثم فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت» (2) رواه أبو داود.

ولأن نفقة من تلزمه مؤونته واجبة فإذا تركها أو بعضها أثم كسائر الواجبات.

قال: (ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك، وإن لم يثق من نفسه لم يجز له. ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة).

أما كون من علم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة له الصدقة بماله كله فـ «لأن أبا بكر رضي الله عنه تصدق بجميع ماله، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لعيالك؟ فقال: الله ورسوله» (3).

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (658) 3: 46 كتاب الزكاة، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة. قال الترمذي: حديث حسن.

وأخرجه النسائي في سننه (2582) 5: 92 كتاب الزكاة، الصدقة على الأقارب.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1844) 1: 591 كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة، كلهم عن سلمان بن عامر.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1692) 2: 132 كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1678) 2: 129 كتاب الزكاة، باب في الرخصة في ذلك .... والترمذي في جامعه (3675) 5: 614 كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

ص: 792

وحقيقة التوكل عدم الطمع في شيء يأتيه ويكون واثقاً بضمان الله في رزقه.

وأما كون من لم يثق من نفسه لا يجوز له ذلك فلما روى جابر بن عبدالله قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها لا أملك غيرها. فأعرض عنه. ثم جاءه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك فأعرض عنه. ثم جاءه من قبل ركنه الأيسر فقال مثل ذلك فأعرض عنه. فجاءه من خلفه فأخذها منه فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو عقرته. ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس. خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وليبدأ أحدكم بمن يعول» (1) رواه أبو داود.

وأما كون من لا صبر له على الضيق يكره له أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة فلأن التقتير والتضييق مع القدرة شح وبخل نهى الله عنه وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه (2). وفيه سوء الظن بالله تعالى.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1673) 2: 128 كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله.

(2)

أخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال» (6008) 5: 2342 كتاب الدعوات، باب الاستعاذة من الجبن والكسل. ومسلم في صحيحه (2706) 4: 2079 كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من العجز والكسل وغيره.

ص: 793