المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الصلاة الصلاة في اللغة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عليهم - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ١

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌ ‌كتاب الصلاة الصلاة في اللغة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عليهم

‌كتاب الصلاة

الصلاة في اللغة: الدعاء. قال الله تعالى: {وَصَلِّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم} [التوبة: 103] أي ادع لهم إن دعاءك سكن لهم.

وفي الشرع: عبارة عن الأفعال المخصوصة المشتملة على الأذكار والدعاء.

وسميت في الشرع صلاة لاشتمالها على الدعاء.

وقيل: لرفع الصَّلَا في الركوع. والصَّلَا مَغْرِز الذنب من الفرس.

وقيل: سميت صلاة لما فيها من الخشوع. يقال: صليت العود بالنار إذا لينته. فالمصلي يلين ويخشع.

والأصل في وجوبها الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب فقوله تعالى: {أقيموا الصلاة} [الأنعام: 72]، وقوله تعالى:{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا} [النساء: 103] أي مؤقتاً.

وأما السنة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا» (1) متفق عليه.

وأما الإجماع فأجمع المسلمون على وجوب الصلوات الخمس في اليوم والليلة.

قال المصنف رحمه الله: (وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض والنفساء).

أما كون الصلاة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل ليس حائضاً ولا نفساء فلدخوله فيما تقدم من الكتاب والسنة والإجماع.

وأما كونها غير واجبة على الحائض؛ فلقوله عليه السلام: «أليس إحداكن إذا حاضت لم تصم ولم تصل» (2) رواه البخاري.

ولقول عائشة رضي الله عنها: «كنا نؤمر بقضاء [الصوم ولا نؤمر بقضاء] (3) الصلاة» (4) متفق عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (8) 1: 12 كتاب الإيمان، باب الإيمان.

وأخرجه مسلم في صحيحه (16) 1: 45 كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإيمان. كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (298) 1: 116 كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (315) 1: 122 كتاب الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (335) 1: 265 كتاب الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. واللفظ له.

ص: 256

وأما كونها غير واجبة على النفساء؛ فلأن حكمها حكم الحائض في غير ذلك. فكذلك في هذا.

وتقييد المصنف رحمه الله وجوب الصلاة بما ذكر مشعر بعدم وجوبها على كافر وصبي ومجنون. وسيأتي ذلك مصرحاً به إن شاء الله تعالى.

قال: (وتجب على النائم، ومن زال عقله بسكر، أو إغماء، أو شرب دواء).

أما كون الصلاة تجب على النائم؛ فلأنه يجب عليه قضاؤها إذا استوعب وقت الأداء بالنوم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو أنسيها فليصلها إذا ذكرها» (1) متفق عليه.

أمر والأمر للوجوب. وإذا كان القضاء واجباً اقتضى تعلق الخطاب بالنائم لأنه لو لم يكن كذلك لما وجب القضاء بدليل المجنون.

وأما كونها تجب على من زال عقله بسكر؛ فلأن سكره معصية فلا يناسب إسقاط الواجب عنه.

ولأن حكمه حكم الصاحي في الطلاق والإقرار والحد بالقذف ونحو ذلك. فكذلك يجب أن يكون حكمُه حكمَه في وجوب الصلاة.

وأما كونها تجب على المغمى عليه فـ «لأن عماراً روي أنه غشي عليه ثلاثاً. ثم أفاق فقال: هل صليت؟ قالوا: ما صليت منذ ثلاث. فقال: أعطوني وضوءاً فأعطوه. فتوضأ ثم صلى تلك الثلاثة» (2).

(1) سيأتي تخريجه ص: 292 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

لم أقف عليه بهذا اللفظ. وقد روى عبدالرزاق «أن عمار بن ياسر رُمي فأغمي عليه في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء فأفاق نصف الليل. فصلى الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء» . (4156) 2: 479 - 480. كتاب الصلاة، باب: صلاة المريض على الدابة وصلاة المغمى عليه.

وأخرجه ابن شيبة في مصنفه (6583) 2: 71 كتاب الصلوات، ما يعيد المغمى عليه من الصلاة. نحوه.

وأخرجه الدارقطني في سننه (1) 2: 81 كتاب الصلاة، باب: الرجل يغمى عليه وقد جاء وقت الصلاة هل يقضي أم لا؟

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 388 كتاب الطهارة، باب: المغمى عليه يفيق بعد ذهاب الوقتين فلا يكون عليه قضاؤهما. كلهم عن السدي عن يزيد مولى عمار.

قال صاحب التعليق المغني 1: 81 - 82: قوله: عن السدي، هو إسماعيل بن عبدالرحمن السدي، كان يحيى بن معين يضعفه، وكان يحيى بن سعيد، وعبدالرحمن بن مهدي لا يريان به بأسا، ولم يحتج به البخاري. وشيخه يزيد مولى عمار مجهول. والحديث رواه البيهقي في المعرفة، وقال: قال الشافعي: هذا ليس بثابت عن عمار، ولو ثبت فمحمول على الاستحباب.

وقال ابن التركماني (1: 387): سكت -أي البيهقي- عنه، وسنده ضعيف.

ص: 257

وروى أبو مجلز: «أن سمرة بن جندب قال: المغمى عليه يترك الصلاة. يصلي مع كل صلاة مثلها. قال: قال عمران: زعم. ولكن ليصليهن جميعاً» (1) رواهما الأثرم.

وجه الحجة: أن ما ذكر فعل الصحابة وقولهم ولم يعرف لهم مخالف فكان إجماعاً.

ولأن الإغماء لا يؤثر في إسقاط فرض الصيام فلا يؤثر في إسقاط الصلاة كالنوم.

وأما من زال عقله بشرب دواء فقد أطلق المصنف رحمه الله القول فيه بوجوب الصلاة عليه.

وقال في المغني: ينظر فيه فإن كان -يعني شُربُ الدواءِ- محرماً لم تسقط عنه الفرائض بذلك كما لو شرب مسكراً، وإن كان مباحاً له شربه سقط عنه فرض الصلاة كما لو زال بجنون. ثم قال: ويتوجه أن لا يسقط كما لو زال بالإغماء.

قال: (ولا تجب على كافر ولا مجنون. ولا تصح منهما. وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه).

أما كون الصلاة لا تجب على كافر؛ فلأنها لو وجبت عليه في حال كفره لوجب عليه قضاؤها في حال السلامة لأن وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء واللازم منتف لقول الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38].

ولأنه قد أسلم كثير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده فلم يُؤمروا بقضاء.

ولأن في إيجاب القضاء تنفيراً لهم عن الإسلام فعفي عنه.

ولا فرق بين الأصلي والمرتد فيما ذكر لاستوائهما في ذلك.

وعن الإمام أحمد يجب على المرتد قضاء ما ترك حال ردته؛ لأنه اعتقد وجوبها وأمكنه التسبُّبَ إلى أدائها أشبه المسلم.

والأول المذهب؛ لأن الدليل الدال على إسقاط العبادة في حق الأصلي موجود في حق المرتد فوجب أن يثبت له حكمه عملاً بالمقتضي الشامل لهما.

وأما كونها لا تجب على مجنون؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: ذكر منهم المجنون حتى يُفيق» (2) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن.

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6584) 1: 71 كتاب الصلوات، ما يعيد المغمى عليه من الصلاة.

(2)

أخرجه الترمذي في جامعه (1423) 4: 32 كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد. ولفظه: عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل» .

وأخرجه النسائي في سننه عن عائشة ولفظه: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» . (3432) 6: 156 كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (2041) 1: 658 كتاب الطلاق، باب: طلاق المعتوه والصغير والنائم. مثل حديث عائشة.

ص: 258

ولأن مدته تطول غالباً فعفي عنه لما في إيجاب القضاء المتكرر من الضرر المنتفي شرعاً.

وأما كونها لا تصح من كافر ولا مجنون؛ فلأن من شرط صحتها النية وهي لا تصح من كافر ولا تقع من مجنون.

ولأن صحة الصلاة تقتضي دخول الجنة غالباً وذلك معلوم الانتفاء مع الكفر.

ولأن السكران ممنوع من فعل الصلاة لزوال عقله فكذلك المجنون لاشتراكهما في الزوال بل أولى لأن المجنون لا يدرك شيئاً بخلاف السكران فإنه قد يدرك بعض الأشياء.

وأما كون الكافر إذا صلى حكم بإسلامه؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا: فهو منا. له ما لنا وعليه ما علينا» (1).

ولأن الصلاة عبادة تختص شرعنا أشبهت الشهادة.

وسواء في ذلك صلاته في دار الحرب أو في دار الإسلام. جماعة أو فرادى؛ لعموم ما ذكر.

قال: (ولا تجب على صبي. وعنه تجب على من بلغ عشراً).

أما كون الصلاة لا تجب على صبي لم يبلغ عشراً فلا خلاف فيه عند الإمام أحمد؛ لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ

الحديث» (2).

وأما كونها لا تجب على من بلغ عشراً ولم يبلغ على المذهب؛ فلما ذكر.

وأما كونها تجب عليه على روايةٍ؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «مروا الصبي بالصلاة لسبع واضربوه عليها لعشر» (3). والضرب لا يكون إلا لترك واجب.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (385) 1: 153 أبواب القبلة، باب فضل استقبال القبلة. وفيه:«فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم» بدل قوله: «فهو منا له ما لنا وعليه ما علينا» .

(2)

سبق تخريجه ص: 258.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (494) 1: 133 كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (407) 2: 259 أبواب الصلاة، باب: ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة، ولفظه:«علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر» .

وأخرجه أحمد في مسنده (6689) 2: 180.

ص: 259

والصحيح الأول؛ لما ذكر من الحديث. والضرب للتمرين.

قال: (ويؤمر بها لسبع ويضرب على تركها لعشر [فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها).

أما أمر الصبي بالصلاة لسبع وضربه عليها لعشر] (1) فللحديث المذكور قبل.

وأما كون من بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها يلزمه إعادتها؛ فلأن الأولى (2) وقعت نفلاً. وببلوغه في الوقت صارت الصلاة واجبة عليه فلم تجزئه عن الفرض كما لو نوى نفلاً في صلاة مفروضة.

قال: (ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها).

أما كون من وجبت عليه الصلاة لا يجوز له تأخيرها عن وقتها لغير المستثنى؛ فلأن الصلاة يجب إيقاعها في الوقت فإذا خرج الوقت ولم يأت بها كان تاركاً للواجب مخالفاً للأمر. والتارك للواجب المخالف للأمر عاصٍ مستحق للعقاب.

وأما كون من ينوي الجمع يجوز له تأخيرها عن وقتها فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الأولى في الجمع فيصليها في وقت الثانية» (3).

وسيأتي ذلك مبيناً في باب الجمع (4).

ولأن وقت الصلاتين يصير وقتاً لكل واحدة منهما.

فإن قيل: فإذا كان كذلك فلا حاجة إلى استثناء من ينوي الجمع لأن الاستثناء له إنما هو من التأخير عن آخر الوقت. فإذا كان الوقتان وقتاً لهما لم يحتج إلى ذلك.

(1) ساقط من ب.

(2)

في ب: أولى.

(3)

كما في حديث معاذ بن جبل، وسوف يأتي ذكره ص:512.

(4)

ر ص: 512 ..

ص: 260

قيل: لما كان وقت كل صلاة معلوماً تبادر الذهن عند قولنا عن وقتها إليه. وذلك يحتاج معه إلى الاستثناء لأن من ينوي الجمع يجوز أن يؤخر الصلاة عن آخر ذلك الوقت المتبادر إلى الذهن.

وأما كون المشتغل بشرط الصلاة يجوز له تأخيرها عن وقتها؛ فلأنه لا يجوز له الدخول في الصلاة مع عدم شرطها. فكيف يوصف الدخول بالوجوب؛ لأن قولنا لا يجوز له التأخير ينافيه قولنا يجب عليه الدخول.

إذا علم ذلك ففي جواز التأخير للمشتغل بالشرط نظر. وذلك من وجهين:

أحدهما: أنه لم ينقله أحد من الأصحاب ممن تقدم المصنف رحمه الله ممن نعلمه. بل نقلوا المسألة المتقدم ذكرها واستثنوا من نوى الجمع لا غير. ذكر ذلك أبو الخطاب في هدايته وصاحب النهاية فيها وفي خلاصته.

وثانيهما: أن ذلك يدخل فيه من أخر الصلاة عمداً حتى بقي من الوقت مقدار الصلاة. ولا وجه لجواز التأخير له.

قال: (ومن جحد وجوبها كفر. فإن تركها تهاوناً لا جحوداً دعي إلى فعلها، فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله. وعنه: لا يجب حتى يترك ثلاثاً ويَضيق وقت الرابعة. ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثاً فإن تاب وإلا قتل بالسيف. وهل يقتل حداً أو لكفره؟ على روايتين).

أما كون من جحد وجوب الصلاة يكفر؛ فلأنه كذب الله تعالى في خبره.

وأما كون من تركها تهاوناً لا جحوداً يُدعى إلى فعلها فلاحتمال أنه تركها لعذر يعتقد سقوطها بمثله كالمرض ونحوه.

وأما كون من تركها تهاوناً ودعي إلى فعلها وأبى يجب قتله في الجملة؛ فلأن الصلاة آكد من الزكاة. وقد أجمع الصحابة على وجوب قتل مانعها؛ فلأن يجب قتل تارك الصلاة بطريق الأولى.

وأما كونه يجب قتله إذا تضايق وقت الثانية على المذهب؛ فلأنه إذا لم يجب قتله بالأولى في وقتها لإمكان فعلها فيه ولا إذا خرج وقتها لأنها صارت فائتة -والفائتة لا يقتل بها لأن وقتها موسع في بعض المذاهب- تعين وجوب قتله إذا ضاق وقت الثانية عن فعلها لأنه يُعلم أنه قد عزم على ترك الصلاة.

ص: 261

وأما كونه لا يجب قتله حتى يترك ثلاثاً ويَضيق وقت الرابعة على روايةٍ؛ فلأنه قد يترك الصلاة والصلاتين والثلاث لشبهة. فإذا ترك الرابعة علم أنه عزم على ترك الصلاة بالكلية.

وأما كونه لا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام فبالقياس على المرتد.

وأما كونه يقتل إن لم يتب فكالمرتد إذا لم يتب، وكمانع الزكاة إذا لم يؤدها.

وأما كونه يقتل بالسيف؛ فلأنه قتلٌ واجب فكان بالسيف كالقصاص.

وأما كونه يقتل حداً على روايةٍ فبالقياس على الزاني المحصن.

وأما كونه يقتل لكفره فلقول الله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} إلى قوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} [التوبة: 5].

وقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} [التوبة: 11].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه الذمة» (1).

وقوله صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» (2) رواه مسلم.

ولأن الصلاة من دعائم الإسلام لا يدخلها نيابة نفس ولا مال فيكون تاركها كافراً كالشهادتين.

وهذه الرواية هي ظاهر المذهب لما ذكر.

والأولى اختيار المصنف رحمه الله؛ لما ذكر.

ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة من لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» (3) من المسند.

والكافر لا يدخل تحت مشيئته.

ولأنها فعل واجب فلم يكفر تاركها المعتقد لوجوبها كالحج.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (4034) 2: 1339 كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء.

وأخرجه أحمد في مسنده (27402) 6: 421.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (82) 1: 88 كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1420) 2: 62 كتاب الصلاة، باب فيمن لم يوتر.

وأخرجه النسائي في سننه (461) 1: 230 كتاب الصلاة، باب المحافظة على الصلوات الخمس.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1401) 1: 449 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها.

وأخرجه أحمد في مسنده (22745) 5: 316، كلهم عن عبادة بن الصامت بألفاظ متقاربة.

ص: 262