المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الجمعة - الممتع في شرح المقنع - ت ابن دهيش ط ٣ - جـ ١

[ابن المنجى، أبو البركات]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌باب صلاة الجمعة

‌باب صلاة الجمعة

قال المصنف رحمه الله: (وهي واجبة على كل مسلمٍ مكلفٍ ذكرٍ حرٍ مستوطنٍ ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة (1) أكثر من فرسخ تقريباً. إذا لم يكن له (2) عذر).

أما كون صلاة الجمعة واجبة في الجملة؛ فبالكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} [الجمعة: 9] أمر بالسعي والأمر للوجوب ولا يجب السعي إلا إلى واجب. ونهى عن البيع ولو لم تكن الجمعة واجبة لم ينه عن البيع.

والمراد بالسعي هنا المضي والذهاب لا الإسراع.

وقد روي عن عمر رضي الله عنه «أنه كان يقرأ: فامضوا إلى ذكر الله» (3).

وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيَنتهين أقوام عن وَدْعِهِم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» (4) متفق عليه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا من عامي هذا. فمن تركها في حياتي أو بعده وله إمام عادل أو جائر استخفافاً بها أو جحوداً فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في عمره. ألا ولا صلاة له ولا

(1) في ب: الجمع.

(2)

ساقط من ب.

(3)

ذكره البخاري تعليقاً 4: 1858 كتاب التفسير، باب قوله:{وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} .

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (865) 2: 591 كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة. ولم أره عند البخاري.

ص: 529

زكاة له ولا صوم له ولا حج له ولا بر (1) له حتى يتوب. فإن تاب تاب الله عليه» (2) رواه ابن ماجة.

وأما الإجماع فأجمع المسلمون على وجوب الجمعة.

وأما كونها تجب على كلّ مسلم مكلف ذكر حُرّ مستوطن ببناء ليس بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ إذا لم يكن له (3) عذر؛ فلأن ما تقدم عام خرج منه غير من ذكر لما يأتي فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.

وظاهر ما ذُكر أن الجمعة لا تجب على كافر ولا غير مكلف ولا غير ذكر ولا عبد ولا غير مستوطن ببناء ولا من بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ ولا من له عذر وهو صحيح.

أما كونها لا تجب على كافر ولا غير مكلف؛ فلقوله عليه السلام: «الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض» (4) رواه أبو داود.

ولأن الكافر وغير المكلف لا تجب عليهما الصلوات الخمس؛ فلأن لا تجب عليهما الجمعة بطريق الأولى.

وأما كونها لا تجب على غير ذَكَرٍ؛ فلأن المرأة مذكورة في الحديث المتقدم.

ولأنها يشرع لها الستر والتحفز وذلك لا يناسب وجوب الجمعة عليها.

والخنثى ملحق بها لأنه في معناها.

وأما كونها لا تجب على عبد؛ فلأنه مذكور في الحديث المتقدم.

ولأنه مشتغل بخدمة سيده.

وأما كونها [لا تجب](5) على غير مستوطن؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعرفة يوم الجمعة ولم يصل جمعة» .

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1081) 1: 343 كتاب إقامة الصلاة، باب في فرض الجمعة. من حديث جابر.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (1067) 1: 280 كتاب الصلاة، باب الجمعة للمملوك والمرأة.

(5)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 530

ولأن في رواية أبي داود في بعض ألفاظه: «إلا خمسة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض أو مسافر» .

ولأن المسافر ليس من أهل الكمال فلم تجب عليه كالصبي.

وأما كون الاستيطان ببناء -والمراد به الإقامة بموضع مبني بما جرت به العادة من خشب أو قصب ونحو ذلك لا يظعن عنه شتاء ولا صيفاً-؛ فلأن العرب كانت حول المدينة في الخيام وبيوت الشعر ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة صلاة الجمعة.

وإنما كان البناء بما جرت به العادة لأنه أمر ورد الشرع باشتراطه من غير تعيين له فاعتبرت العادة فيه كالحِرز والقبض.

ولأن الجمعة تقام في مواضع مختلفة الأبنية فلو اشترط بناء بعينه لوجب الحكم ببطلان بعضها وليس كذلك لأن الأصل في الأفعال الشرعية التي فعلها المسلمون في بلادهم الإسلامية من غير نكير من بعضهم: الصحة.

وإنما كان الموضع لا يظعن فيه صيفاً ولا شتاء لأن بذلك كمال الاستيطان فوجب أن يشترط كأصله.

وأما كونها لا تجب على من بينه وبين موضع الجمعة أكثر من فرسخ؛ فلأنه لما لم يمكن اعتبار السماع بنفسه اعتبر بمظنته. والموضع الذي يُسمع النداء منه في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً في موضع عالٍ والرياح ساكنة والأصواتُ هادئة والعوارضُ منتفية فرسخ فاعتبر به.

وعن أحمد: أنه معتبر بنفس النداء تمسكاً بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «الجمعة على من سمع النداء» (1) رواه أبو داود.

والفرسخ أو السماع معتبر في حق من هو خارج البلد، أما من هو في البلد فيجب عليه السعي قَرُب أو بَعُد سمع أو لم يسمع؛ لأن البلد كالشيء الواحد.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (1056) 1: 278 كتاب الصلاة، باب من تجب عليه الجمعة.

ص: 531

وأما كونها لا تجب على من له عذر؛ فلأن العذر يعذر به في ترك الجمعة لما تقدم في موضعه (1).

قال: (ولا تجب على مسافرٍ ولا عبدٍ ولا امرأةٍ ولا خنثى. ومن حضرها منهم أجزأته ولم تنعقد به ولم يجز أن يؤم فيها. وعنه في العبد أنها تجب عليه).

أما كون الجمعة لا تجب على مسافر ولا امرأة ولا خنثى؛ فلما تقدم ذكره قبل (2).

وأما كونها لا تجب على عبد على المذهب؛ فلما تقدم أيضاً.

وأما كونها تجب عليه على روايةٍ؛ فلأنه مكلف فوجبت عليه كالظهر.

ونقل أبو الخطاب عن الإمام أحمد رواية أنها تجب على الصبي بناء على وجوب الصلاة عليه.

والصحيح أنها لا تجب عليهما؛ لأنهما استثنيا في حديث أبي داود (3).

ولأن العبد محبوس على حق سيده أشبه المحبوس على حق.

وأما كون من حضر الجمعة ممن ذُكر تجزئه؛ فلأنها إنما سقطت عنهم تخفيفاً عليهم فإذا تحملوا المشقة وصلّوا أجزأهم كالمريض.

وأما كونه لا ينعقد به ولا يجوز أن يؤم فيها؛ فلأنه ليس من أهل فرض الجمعة لما فيه من النقص المانع من الوجوب فلم ينعقد به ولم يجز أن يؤم كالمرأة.

قال: (ومن سقطت عنه لعذر إذا حضرها وجبت عليه وانعقدت به).

أما كون الجمعة تجب على من سقطت عنه لعذر كالمريض ونحوه إذا حضرها؛ فلأن سقوطها عنه كان دفعاً لمشقة السعي فإذا تكلفه وحصل في الجامع زالت المشقة فوجب زوال السقوط لزوال سببه.

وأما كونها تنعقد به؛ فلأنه من أهل وجوبها أشبه غير المريض.

(1) ص: 495.

(2)

ص: 530.

(3)

سبق ذكره ص: 530.

ص: 532

قال: (ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لم تصح صلاته. والأفضل لمن لا تجب عليه أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام).

أما كون من صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام لا تصح؛ فلأنه مأمور بالجمعة فلم يصح الظهر لأنه أتى بغير ما أمر به.

ولأن الظهر بدل عن (1) الجمعة والبدل لا يجوز إلا عند تعذر المبدل. بدليل سائر الأبدال.

وأما كون الأفضل لمن لا تجب عليه أن لا يصلي الظهر حتى يصلي الإمام؛ فلأنه يرجى زوال عذره فاستحب له التأخير.

ولا بد أن يلحظ في من لا تجب عليه أن لا يكون امرأة؛ لأن المرأة لا يرجى زوال عذرها.

وقال أبو بكر: لا يصح ممن تقدم ذكره قياساً على من تجب عليه.

وذكر ابن عقيل قول أبي بكر رواية. وصحح الصحة لأنه غير مخاطب بالجمعة أشبه المرأة.

قال: (ولا يجوز لمن تلزمه الجمعة السفر في يومها بعد الزوال. ويجوز قبله. وعنه: لا يجوز. وعنه: يجوز للجهاد خاصة).

أما كون السفر لمن تلزمه الجمعة بعد الزوال لا يجوز قبل فعلها؛ فلأن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يُصحب في سفره ولا يعان على حاجته» (2). رواه الدارقطني.

وهذا وعيد وتهديد يدل على التحريم.

ولأن الصلاة تجب بأول الوقت، وفعل الجمعة يجب مع الإمام فالسفر مفض إلى تفويتها بخلاف بقية الصلوات.

ولأن السفر يشغله عن الجمعة بعد دخول وقتها فلم يجز كالتجارة.

(1) في ب: على.

(2)

قال ابن حجر: رواه الدارقطني في الأفراد، وفيه ابن لهيعة. التلخيص 2:132.

ص: 533

وأما كونه يجوز قبل الزوال على المذهب؛ فلما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سافر يوم الجمعة» (1).

و«رأى عمر رجلاً بهيئة السفر وهو يقول: لولا الجمعة لسافرت. فقال: اخرج فإن الجمعة لا تمنع عن سفر» (2).

فيجب حمل حديث ابن عمر على ما بعد الزوال. وهذا على ما قبله جمعاً بينهما.

وأما كونه لا يجوز على روايةٍ؛ فلأن هذا وقت يلزم من كان على فرسخ السعي إلى الجمعة فوجب أن لا يجوز لمن في البلد السفر بطريق الأولى.

ولأنه دخل وقت حرمة الجمعة بدليل الاعتداد بالغسل وأنه يسن التبكير فلم يجز التسبب إلى تفويتها.

وأما كونه يجوز للجهاد خاصة على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم جهز جيش مؤتة يوم الجمعة. ووجه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة وأذن لهم في الخروج قبل الصلاة. فتخلف عنهم عبدالله بن رواحة لصلاة الجمعة. فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما خلّفك؟ فقال: الجمعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لَغَدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها. قال: فراح منطلقاً» (3) رواه أحمد.

(1) لم أقف عليه. وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن الزهري مرسلاً (5113) 1: 443 كتاب الصلاة، من رخص في السفر يوم الجمعة. وعزاه ابن حجر إلى أبي داود في المراسيل عن الزهري، ولم أجده في المراسيل ر. تلخيص الحبير 2:133.

(2)

أخرجه الشافعي في مسنده (435) 1: 150 كتاب الصلاة، باب: صلاة الجمعة.

(3)

أخرجه الترمذي في جامعه (527) 2: 405 أبواب الصلاة، باب ما جاء في السفر يوم الجمعة.

وأخرجه أحمد في مسنده (2317) 1: 256.

ص: 534

فصل

قال المصنف رحمه الله: (ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط:

أحدها: الوقت، وأوله أول وقت صلاة العيد. وقال الخرقي: يجوز فعلها في الساعة السادسة. وآخره آخر وقت الظهر).

أما كون صحة الجمعة يشترط لها أربعة شروط؛ فلما يأتي ذكره فيها.

وأما كون أحدها الوقت؛ فلأن الجمعة صلاة فكان دخول الوقت من شروط صحتها كسائر الصلوات.

وأما كون أوله أول وقت صلاة العيد على المذهب؛ فلما روى وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن عبدالله بن سيدان قال: «شهدت الجمعة مع أبي بكر. فكانت خطبته وصلاته قبل انتصاف النهار. وشهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد انتصف النهار. ثم صليتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد زال النهار. فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره» (1) رواه الإمام أحمد.

وروي عن ابن مسعود «أنه صلى الجمعة ضحى. وقال: إنما عجلت لكم خشية الحر عليكم» (2).

(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5132) 1: 444 كتاب الصلاة، من كان يقيل بعد الجمعة ويقول: هي أول النهار.

وأخرجه الدارقطني في سننه (1) 2: 17 كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة قبل نصف النهار.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5134) 1: 445 كتاب الصلاة، باب: من كان يقيل بعد الجمعة ويقول: هي أول النهار.

ص: 535

وروى سويد بن غفلة قال (1): «صلى بنا معاوية الجمعة ضحى» (2) رواه الإمام أحمد.

ولأن يوم الجمعة يوم عيد فجازت في وقت العيد كالفطر والأضحى (3).

وأما كون فعلها في الساعة السادسة يجوز على قول الخرقي دون ما تقدم ذكره؛ فلأن الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز التقديم مختصة بذلك. منها: ما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس» (4) رواه مسلم.

وعن سهل بن سعد قال: «ما كنا نقيل ونتغدّى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» (5) متفق عليه.

قال ابن قتيبة: لا يسمى غداء ولا قائلة ما بعد الزوال.

وعن سلمة قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء» (6) متفق عليه.

والمذهب (7) الأول لأن الأحاديث المذكورة تدل على جوازها قبل الزوال وإذا كان كذلك فقد خالفت الظهر فوجب أن يلتحق بالعيد بدليل ما تقدم من فعل الصحابة.

وأما كون آخره آخر وقت الظهر؛ فلأن الجمعة بدل منها أو واقعة موقعها فوجب أن يكون آخر وقتها آخر وقت الظهر لما بينهما من المشابهة.

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5135) في الموضع السابق.

(3)

في ب: ولأن وقت صلاته أول وقت الجمعة يوم عيد فكان أول يوم صلاة العيد لاشتراكهما في ذلك.

(4)

أخرجه مسلم في صحيحه (858) 2: 588 كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (897) 1: 318 كتاب الجمعة، باب قول الله تعالى {فإذا قضيت الصلاة

}.

وأخرجه مسلم في صحيحه (859) 2: 588 كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه (3935) 4: 1529 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية.

(7)

في ب: أما كون والمذهب.

ص: 536

قال: (فإن خرج وقتها قبل فعلها صلوا ظهراً. وإن خرج وقد صلوا ركعة أتموها جمعة. وإن خرج قبل ركعة فهل يتمونها ظهراً أو يستأنفونها؟ على وجهين).

أما كون من خرج وقت الجمعة عليهم قبل فعلها يصلون ظهراً؛ فلأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة» (1) يدل بمفهومه على أن من لم يدرك ركعة لم يكن مدركاً للجمعة. فمن لم يَشْرَع بالكلية بطريق الأولى.

وأما كونهم يتمونها جمعة إذا خرج وقد صلوا ركعة؛ فلأن الحديث المذكور قبلُ يدل بمنطوقه على ذلك.

وقياساً على المسبوق.

وعن الإمام أحمد رحمة الله عليه: يشترط إيقاع جميع صلاة الجمعة في الوقت إلا السلام؛ لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالوضوء.

والأول أصح؛ للحديث.

ولقوله عليه السلام: «من أدرك من يوم الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى» (2).

وأما كونهم يتمونها ظهراً إذا خرج قبل ركعة على وجهٍ؛ فلأنهما صلاتا وقت فجاز بناء إحداهما على الأخرى كصلاة السفر مع الحضر.

وأما كونهم يستأنفونها على وجهٍ؛ فلأن الظهر والجمعة صلاتان مختلفتان ليست إحداهما الأخرى ولا بعضها فلم تُبن إحداهما على الأخرى كالظهر والصبح.

وكلام المصنف رحمه الله مشعر بعدم إتمامها جمعة. وهو قول أكثر الأصحاب لأن فوات الأكثر قائم مقام فوات الكل.

(1) أخرجه النسائي في سننه (1425) 3: 112 كتاب الجمعة، من أدرك ركعة من صلاة الجمعة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1123) 1: 356 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1121) 1: 356 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة ولفظه: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك من الجمعة ركعة فَلْيصل إليها أخرى» .

ص: 537

وقال القاضي وابن حامد: متى أحرم بها في الوقت يتمها جمعة قياساً على سائر الصلوات.

والأول أصح؛ لأن مفهوم الحديث المتقدم يدل عليه.

والفرق بين الجمعة وبين سائر الصلوات ثابت في كثير من الأحكام فيمتنع معه القياس.

قال: (الثاني: أن يكون بقرية يستوطنها أربعون من أهل وجوبها. فلا تجوز إقامتها في غير ذلك).

أما كون ثاني شروط صحة الجمعة أن يكون بقرية يستوطنها ما ذُكر:

أما كونها بقرية؛ فلأن ذلك شرط لوجوبها؛ فلأن يكون شرطاً لصحتها بطريق الأولى.

ولأن قبائل العرب كانت حول المدينة في الخيام وبيوت الشعر ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها.

والمراد بالقرية: الموضع المبني بما جرت به العادة قريةً كانت أو بلدة.

وإنما صرح المصنف رحمه الله بالقرية تنبيهاً على أن الجمعة يجوز إقامتها في القرى خلافاً لمن اشترط المصر.

ويدل على جوازها في القرى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قرى عُرينة أن يصلوا الجمعة» .

و«لأن أسعد بن زرارة جمع بهَزْمِ النبيت» (1). وهو موضع قريب من القرية؛ فلأن يجوز في نفس القرية بطريق الأولى.

ولأن القرية يستوطنها العدد المعتبر أشبهت المصر.

وأما كون القرية يستوطنها العدد المتقدم ذكره؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أهل مكة بإقامتها في عرفات. لا يقال إنما لم يأمرهم لأنهم مسافرون لأن سفرهم دون مسافة

(1) سيأتي تخريجه من حديث كعب بن مالك قريباً.

ص: 538

القصر. وحكم ذلك حكم الإقامة. وإذا امتنع نسبة عدم إقامتها إلى السفر لم يبق سوى الاستيطان بالموضع.

وأما كون العدد أربعين فلما يأتي في موضعه (1).

وأما كونهم من أهل وجوبها؛ فلما تقدم من أن من لم تجب عليه لغير عذر لا تنعقد به (2).

وأما من كون إقامتها في غير ذلك لا يجوز؛ فلأن ما ذكر شرط في الإقامة وهو مفقود في غير ذلك فينتفي الجواز لانتفاء شرطه.

قال: (ويجوز إقامتها في الأبنية المتفرقة إذا شملها اسم واحد. وفيما قارب البنيان من الصحراء).

أما كون إقامة الجمعة في الأبنية المذكورة يجوز؛ فلأنها إما قرية وإما في معنى القرية.

وأما كون إقامتها فيما قارب البنيان من الصحراء يجوز؛ فلما روى كعب ابن مالك قال: «أسعد بن زرارة أول من جمّع بنا في هَزْم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات» (3). وذلك موضع قريب من البنيان.

ولأنه موضع لصلاة العيد فجازت فيه الجمعة كالجامع.

(1) سيأتي ذكره لاحقاً في الشرط الثالث.

(2)

ص: 532.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1069) 1: 280 كتاب الصلاة، باب الجمعة في القرى.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 177 كتاب الجمعة، باب العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة.

ص: 539

قال: (الثالث: حضور أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب. وعنه تنعقد بثلاثة. فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا ظهراً. ويحتمل أنهم إن نقصوا قبل ركعة أتموا ظهراً. وإن نقصوا بعد ركعة أتموا جمعة).

أما كون ثالث شروط صحة الجمعة حضور أربعين من أهل القرية في ظاهر المذهب فلما يأتي.

وأما كونها تنعقد بثلاثة على روايةٍ؛ فلأن ذلك أقلُّ الجمع.

وروي عن الإمام أحمد أنها لا تنعقد إلا بخمسين لما روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [«على الخمسين جمعة» (1).

والصحيح في المذهب الأول؛ لما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال] (2): «مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة» (3) رواه الدارقطني.

وقول الصحابي ذلك ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولأن أسعد بن زرارة لما جمّع كانوا أربعين.

وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا اجتمع أربعون رجلاً فعليهم الجمعة» .

وأما كونهم إذا نقصوا عن العدد المشترط قبل إتمامها يستأنفون ظهراً؛ فلأن العدد المذكور شرطٌ فاعتبر في جميع الصلاة كالطهارة.

وأما كونه يحتمل أنهم إن نقصوا قبل ركعة يتمون ظهراً وإن نقصوا بعد ركعة يتمون جمعة؛ فلأن من أصلنا أن الجمعة تدرك بركعة (4). فإذا نقصوا وقد صلوا أقل من

(1) أخرجه الدارقطني في سننه (3) 2: 3 كتاب الجمعة، ذكر العدد في الجمعة.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه الدارقطني في سننه (1) 2: 3 كتاب الجمعة، ذكر العدد في الجمعة.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 177 كتاب الجمعة؛ باب العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم الجمعة.

قال صاحب التعليق المغني على الدارقطني: وفيه: عبدالعزيز بن عبدالرحمن. قال أحمد: اضرب على حديثه، فإنها كذب أو موضوعة، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به، وقال البيهقي: هذا الحديث لا يحتج بمثله.

(4)

في ب: ركعة.

ص: 540

ركعة لم يدركوا الجمعة فيتمون ظهراً. وإن نقصوا وقد صلوا ركعة أدركوا الجمعة فيتمون جمعة كالمسبوق فيهما.

والأول أصح؛ لما تقدم ذكره.

والفرق بين هذه المسألة وبين المسبوق أن المسبوق أدرك ركعة من جمعة تمت شرائطها وصحت فجاز البناء عليها بخلاف هذه.

قال: (ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة. ومن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي. وقال أبو إسحاق بن شاقلاء: ينوي جمعة ويتمها ظهراً).

أما كون من أدرك مع الإمام من الجمعة ركعة يتمها جمعة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة» (1).

وأما كون من أدرك أقل من ذلك يتمها ظهراً؛ فلأن قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة» (2) يدل بمفهومه على أنه لا يدركها بأقل من ذلك.

ولأنه روي في بعض الروايات: «من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى. ومن أدرك دونها صلى أربعاً» (3).

وعن الإمام أحمد: يتمها جمعة. نقلها صاحب المستوعب لقوله عليه السلام: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» (4). فوجب أن يقضي ما فاته لحصول ما أدركه.

ولأن إدراك آخر الصلاة كإدراك أولها. دليله المسافر إذا اقتدى بمقيم.

والصحيح الأول؛ لما تقدم من الحديث.

ولقوله: «من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة» (5) متفق عليه.

(1) سبق تخريجه ص: 537.

(2)

سبق تخريجه ص: 537.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه موقوفا على ابن مسعود (5332) 1: 461 كتاب الصلاة، من قال: إذا أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أخرى. ولفظه: «من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى، ومن لم يدرك الركوع فليصل أربعا» .

(4)

سبق تخريجه ص: 459.

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه (555) 1: 211 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعةً.

وأخرجه مسلم في صحيحه (607) 1: 424 كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة.

ص: 541

وأما قوله: «وما فاتكم فاقضوا» (1) فقد روي: «فأتموا» (2) فإما يتعارضان ويَسْقُطان وإما يحملان على حالتي: القضاء إذا أدركوا ركعة، والإتمام إذا أدركوا دونها.

وأما القياس على المسافر إذا اقتدى بمقيم فغير صحيح لأن إدراك المسافر إدراك التزام وإيجاب لأربع. وإدراك المسبوق إدراك إسقاط لأربع.

ولأن العدد شرط في الجملة دون الإتمام.

وأما قول المصنف رحمه الله: إذا كان قد نوى الظهر في قول الخرقي؛ فمعناه أن من لم يدرك الجمعة إنما يتمها ظهراً إذا نوى الظهر، فلو نوى الجمعة لم تصح صلاته في قول الخرقي؛ لأن النية قصد يتبع العلم ويوافق الفعل. فالمصلي للظهر لا ينوي جمعة؛ لأنه ينوي غير ما يفعله.

وينوي جمعة ويتمها ظهراً في قول إسحاق بن شاقلاء لئلا تخالف نيته نية إمامه.

وقال بعض أصحابنا: لا يصليها مع الإمام لأنه إن نوى الظهر خالف نية إمامه وإن نوى جمعة وأتمها ظهراً فقد صحت له الظهر من غير نيتها.

(1) سبق تخريجه ص: 459.

(2)

سبق تخريجه ص: 459.

ص: 542

قال: (ومن أحرم مع الإمام ثم زُحم عن السجود سجد على ظهر إنسان أو رجله. فإن لم يمكنه سجد إذا زال الزحام إلا أن يخاف فوات الثانية فيتابع الإمام فيها وتصير أولاه ويتمها جمعة).

أما كون من زُحم عن السجود سجد على ظهر إنسان أو رجله؛ فلقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: «إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه» (1) رواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور.

ولأن الزحام عذر فأباح التصرف في الغير فيما لا ضرر عليه لتأدية واجب عليه كالاستظلال والاستصباح.

وقال ابن عقيل: لا يسجد على ظهر غيره لأنه تصرف في الغير بغير إذنه.

ولأنه لا يجوز السجود على يد نفسه. وظهر غيره ورجله بطريق الأولى. بل يدني جبهته حتى يقارب موضع سجوده لأن ذلك الذي يمكنه.

وأما كون من لم يمكنه السجود كما تقدم ولم يخف فوات الثانية يسجد إذا زال الزحام؛ فلأنه أمكنه تحصيل كمال السجود فلزمه كما لو لم يُزحم.

فإن قيل: كيف يجوز له مفارقة الإمام؟

قيل: لا بأس بمفارقة الإمام صورةً مع كونه متابعه حكماً للعذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل من صلى معه صلاة عسفان كذلك.

وأما كونه يتابع إمامه إذا خاف فوات الثانية؛ فلقوله عليه السلام: «لا تختلفوا على أئمتكم» (2).

وقوله عليه السلام: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا» (3).

وعن الإمام أحمد رحمة الله عليه: يجب عليه أن يتشاغل بما فاته من السجود؛ لأن إمامه قد سجد فيجب عليه أن يسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا سجد فاسجدوا» (4).

(1) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (70)13.

(2)

سبق تخريجه ص: 339.

(3)

سبق تخريجه ص: 395.

(4)

سبق تخريجه ص: 395.

ص: 543

والأول أصح؛ لئلا تكثر مفارقته للإمام.

ولأن الزحام عذر فيكون مسقطاً لمتابعته للإمام في السجود.

وأما كون ثانية الإمام تصير أولى المأموم؛ فلأن الأولى لم تحصل به.

وأما كونه يتمها جمعة؛ فلأن الجمعة تدرك بركعة وهي موجودة هاهنا.

قال: (فإن لم يتابعه عالماً بتحريم ذلك بطلت صلاته. وإن جهل تحريمه فسجد ثم أدرك الإمام في التشهد أتى بركعة أخرى بعد سلامه وصحت جمعته. وعنه يتمها ظهراً).

أما كون صلاة المأموم تبطل إذا لم يتابع إمامه عالماً بتحريم مفارقته؛ فلأنه ترك متابعة إمامه عمداً. ومتابعته واجبة لما تقدم من قوله عليه السلام: «لا تختلفوا على أئمتكم فإذا ركع فاركعوا

الحديث» (1). وترك الواجب عمداً يبطل الصلاة وفاقاً.

وأما كونها لا تبطل إذا ترك متابعة إمامه جهلاً بتحريمها؛ فلأن الجاهل معذور أشبه الساهي.

وأما كون جمعته تصح إذا سجد مع جهله ثم أتى بركعة بعد سلام إمامه على المذهب؛ فلأنه أتى بسجود معتد به. وإذا اعتد له بذلك وهو حكم الإتمام فقد أدرك مع الإمام ركعة والجمعة تدرك بركعة.

وأما كونها لا تصح ويتم ما صلى ظهراً على روايةٍ؛ فلأنه لم يدرك مع الإمام ركعة بسجدتيها لأن ما أتى به من السجود لم يتابع إمامه فيه حقيقة وإنما أتى به على وجهِ التدارك فلم يكن مدركاً للجمعة.

قال: (الرابع: أن يتقدمها خطبتان: من شرط صحتهما حمد الله تعالى، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والوصية بتقوى الله تعالى، وحضور

(1) سبق تخريجه ص: 339.

ص: 544

العدد المشترط. وهل يشترط لهما الطهارة وأن يتولاهما من يتولى الصلاة؟ على روايتين).

أما كون رابع شروط صحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان: أما الخطبتان؛ فلأن الله تعالى قال: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: 9] أمر بالسعي إلى الذكر فيكون واجباً لأن ما ليس بواجب لا يكون السعي إليه واجباً.

و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما» (1) متفق عليه.

وقال الله تعالى: {واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: 158].

وقالت عائشة رضي الله عنها: «إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة» .

وأما تقدم الخطبتين على الصلاة؛ فـ «لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب الخطبتين قبل الصلاة» (2). وقد أمرنا باتباعه. وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3).

وأما كون الخطبتين من شرط صحتهما حمد الله إلى آخره: أما الحمد؛ فـ «لأن خُطب النبي صلى الله عليه وسلم لم تخل من تحميد» .

ولقوله عليه السلام: «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله تعالى فهو أبتر» (4).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (886) 1: 314 كتاب الجمعة، باب القعدة بين الخُطبتين يوم الجمعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (861) 2: 589 كتاب الجمعة، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة.

(2)

عن أنس قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته ثم يقوم فيصلي» .

أخرجه أبو داود في سننه (1120) 1: 292 كتاب الصلاة، باب الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر.

(3)

سبق تخريجه ص: 396.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (4840) 4: 261 كتاب الأدب، باب الهدي في الكلام.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1894) 1: 610 كتاب النكاح، باب خطبة النكاح.

ص: 545

وأما الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلما ورد في تفسير قوله تعالى: {ورفعنا لك ذكرك} [الإنشراح: 4] أنه لا يذكر الله إلا ويذكر الرسول معه (1). فكل موضع شرع فيه ذكر الله شرع فيه ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأما قراءة آية؛ فلأن الخطبتين أقيمتا مقام الركعتين والقراءة واجبة فيهما، فكذلك فيما أقيم مقامهما.

لا يقال: فيجب قراءة قرآن فيهما؛ لأن اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على غيرها يدل على عدم وجوبها.

وأما الوصية بتقوى الله عز وجل؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك في خطبته.

ولأن ذلك هو المقصود من الخطبة فلا يجوز الإخلال به.

وأما حضور العدد المشترط؛ فلأنه ذكرٌ اشترط للصلاة. فاشترط له العدد كتكبير الإحرام.

وأما كون الطهارة تشترط للخطبتين على روايةٍ؛ فلأنه ذكر مشروع في صحة الصلاة. فاشترط له الطهارة كتكبيرة الإحرام.

وأما كونها لا تشترط على روايةٍ؛ فلأنهما ذكران يتقدمان الصلاة فلم يكن من شرطها الطهارة كالأذان والإقامة.

وأما كون أن يتولاهما من يتولى الصلاة يشترط على روايةٍ؛ فلأنهما أقيمتا مقام ركعتين فكما لا يجوز أن يصلي إمامان صلاة واحدة فكذلك الخطبتان والصلاة.

وأما كونه لا يشترط على روايةٍ؛ فلأنهما فصلان من الذكر يتقدمان الصلاة أشبها الأذان والإقامة. وهذا الخلاف فيما إذا لم يكن عذر فإن كان لعذر مثل أن يسبق الخطيب الحدث فهو (2) مبني على جواز الاستخلاف. وظاهر المذهب جوازه لأنه إذا جاز في صلب الصلاة ففي هذه الصورة أولى.

(1) أخرجه الشافعي في مسنده (651) 2: 183 كتاب التفسير.

(2)

في ب: في.

ص: 546

قال: (ومن سننهما أن يخطب على منبر أو موضع عال. ويسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم. ثم يجلس إلى فراغ الأذان. يجلس بين الخطبتين. ويخطب قائماً. ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا، ويقصد تلقاء وجهه. ويقصر الخطبة. ويدعو للمسلمين).

أما كون الخطبتين من سننهما أن يخطب على منبر إن كان أو على موضع عال إن لم يكن منبراً: أما المنبر؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر. قال سهل ابن سعد: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة سماها سهل: أن مري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أجلس عليها إذا كلمت الناس» (1) متفق عليه. ورواه أبو داود.

وأما الموضع العالي إن لم يكن منبر؛ فلأن ذلك في معنى المنبر لاشتراكهما في المبالغة في الإعلام.

وأما كونهما من سننهما يسلم الإمام على المأمومين إذا أقبل عليهم؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد المنبر سلم» (2) رواه ابن ماجة.

وأما كونهما من سننهما أن يجلس إلى فراغ الأذان؛ فلأن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ أذان المؤذن

مختصر» (3) رواه أبو داود.

ولأن في جلوسه استراحة له من تعب الصعود وبذلك يتمكن من الكلام التمكن التام.

وأما كونهما من سننهما أن يجلس بين الخطبتين؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بينهما. روى ابن عمر «أنه كان يخطب خطبتين وهو قائم يفصل بينهما بجلوس» (4) متفق عليه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (875) 1: 310 كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر.

وأخرجه مسلم في صحيحه (544) 1: 386 كتاب المساجد، باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.

وأخرجه أبو داود في سننه (1080) 1: 283 كتاب الصلاة، باب في اتخاذ المنبر.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1109) 1: 352 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1092) 1: 286 كتاب الصلاة، باب الجلوس إذا صعد المنبر.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (886) 1: 314 كتاب الجمعة، باب القعدة بين الخُطبتين يوم الجمعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (861) 2: 589 كتاب الجمعة، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة.

ص: 547

وإنما لم يجب لأن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم لم يجلسوا منهم المغيرة وأبيّ بن كعب.

وروي عن أبي إسحاق قال: «رأيت علياً يخطب على المنبر فلم يجلس حتى فرغ» .

وذكر ابن عقيل في التذكرة رواية في وجوب الجلسة المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمرنا باتباعه.

والأول أصح؛ لما ذكر.

ولأنها جلسة ليس فيها ذكر مشروع فلم تكن واجبة كالأولى.

وأما كونهما من سننهما أن يخطب قائماً؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً» (1).

وإنما لم يجب لأنه ذِكرٌ ليس من شرطه الاستقبال فلم يجب له القيام كالأذان.

وعن الإمام أحمد: يجب أن يخطب قائماً «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً» . وكذلك الخلفاء بعده. وقال الله تعالى: {فاتبعوه} [الأنعام: 155].

وأما كونهما من سننهما أن يعتمد على سيف أو قوس أو عصاً؛ فلما روى الحكم بن حزن قال: «وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئاً [على](2) سيف أو قوس أو عصا

مختصر» (3) رواه أبو داود.

ولأن ذلك أمكن له.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (878) 1: 311 كتاب الجمعة، باب الخطبة قائماً.

وأخرجه مسلم في صحيحه (861) 2: 589 كتاب الجمعة، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة.

(2)

ساقط من ب.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1096) 1: 287 كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس.

وأخرجه أحمد في مسنده (17400) ط إحياء التراث.

ص: 548

وأما كونهما من سننهما أن يقصد تلقاء وجهه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (1).

ولأنه أبلغ في إسماع الناس.

ولأنه إذا التفت إلى أحد جانبيه أعرض عمن في الجانب الآخر.

وأما كونهما من سننهما أن يُقَصّر الخطبة؛ فلما روى عمار قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ من فقهه. فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة» (2) رواه مسلم.

وأما كونهما من سننهما أن يدعو للمسلمين؛ فلأن الدعاء لهم مسنون في غير الخطبة ففيها أولى.

فإن قيل: الدعاء للسلطان ما حكمه؟

قيل: يسن لأن صلاحه صلاح المسلمين.

و«لأن أبا موسى الأشعري كان إذا خطب يدعو لعمر» .

وقال القاضي: لا يستحب؛ لأنه لم ينقل عن السلف.

قال: (ولا يشترط إذن الإمام. وعنه يشترط).

أما كون إذن الإمام لا يشترط لصحة الجمعة على روايةٍ فـ «لأن علياً رضي الله عنه صلى بالناس وعثمان رضي الله عنه محصور» (3).

ولأنها من فرائض الأعيان فلم يعتبر لها إذن الإمام كالظهر.

(1) عن عبد الله بن مسعود قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا» .

أخرجه الترمذي في جامعه (509) 2: 383 أبواب الصلاة، باب ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب.

قال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر وحديث منصور لا نعرفه إلا من حديث محمد بن الفضل بن عطية ومحمد بن الفضل بن عطية ضعيف ذاهب الحديث عند أصحابنا والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحق. قال أبو عيسى: ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (869) 2: 594 كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة.

وأخرجه أحمد في مسنده (18343) 4: 263.

(3)

قال الحافظ في الفتح: روى إسماعيل الخطي في تاريخ بغداد من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال: فلما كان يوم عيد الأضحى جاء علي فصلى بالناس. (ر. فتح الباري 2: 222 طبعة دار الريان).

ص: 549

وأما كونه يشترط على روايةٍ؛ فلأن الجمعة من أعلام الدين الظاهرة التي لا تحصل بالواحد فافتقرت إلى إذن الإمام كالجهاد.

ص: 550

فصل

قال المصنف رحمه الله: (وصلاة الجمعة ركعتان. يجهر فيهما بالقراءة. ويستحب أن يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين).

أما كون صلاة الجمعة ركعتين فقال ابن المنذر: أجمع المسلمون على ذلك. نقله الخلف عن السلف.

وقال عمر رضي الله عنه: «صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. وقد خاب من افترى» (1) رواه الإمام أحمد وابن ماجة.

وأما كونها يجهر فيهما بالقراءة فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر فيهما» . نقله الخلف عن السلف.

و«لأن الصحابة رووا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة الجمعة والمنافقين» (2). وذلك دليل السماع.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «صلاة النهار عجماء إلا الجمعة والعيدين» .

وأما كون الأولى يستحب أن يَقرأ فيها بسورة الجمعة وفي الثانية بالمنافقين؛ فـ «لأن أبا هريرة صلى الجمعة فقرأ بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة المنافقين. وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأهما في الجمعة» (3) رواه مسلم.

(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (1063) 1: 338 كتاب إقامة الصلاة، باب تقصير الصلاة في السفر.

وأخرجه أحمد في مسنده (257) 1: 37.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (879) 2: 599 كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (877) 2: 597 الموضع السابق.

ص: 551

وقال المصنف في المغني: وإن قرأ في الثانية بالغاشية فحسن «لأن الضحاك ابن قيس سأل النعمان بن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة قال: بـ {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1]» (1) أخرجه مسلم.

وقال: وإن قرأ في الأولى بسبح كان حسناً لأن سمرة بن جندب روى «أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بـ {سبح اسم ربك} [الأعلى: 1] و {هل أتاك حديث الغاشية} [الغاشية: 1]» (2) رواه أبو داود والنسائي.

قال: (وتجوز إقامة الجمعة في موضعين من البلد للحاجة. ولا يجوز مع عدمها. فإن فعلوا فجمعة الإمام هي الصحيحة. فإن استوتا فالثانية باطلة. فإن وقعتا معاً أو جهلت الأولى بطلتا معاً).

أما كون الجمعة تجوز إقامتها في موضعين من البلد للحاجة؛ مثل: أن يكون البلد كبيراً؛ كبغداد وأصبهان ونحوهما، أو يكون المسجد ضيقاً، أو يخاف الفتنة كالتي بين القبائل؛ فلأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة. فجاز فعلها في موضعين مع الحاجة؛ كصلاة العيد.

وقد ثبت «أن علياً كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ويخلّف على ضعفةِ الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم» (3).

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (878) 2: 598 كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في صلاة الجمعة، نحوه.

وأخرجه أبو داود في سننه (1122) 1: 293 كتاب الصلاة، باب ما يقرأ به في يوم الجمعة، واللفظ له.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1125) 1: 293 كتاب الصلاة، باب ما يقرأ به يوم الجمعة.

وأخرجه النسائي في سننه (1422) 3: 111 كتاب الجمعة، القراءة في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى من طريق أبي قيس عن هزيل «أن علياً أمر رجلاً يصلي بضعفة الناس في المسجد أربعاً» 3: 310 كتاب صلاة العيدين، باب: الإمام يأمر من يصلي بضعفة الناس العيد في المسجد.

وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي قيس قال: أظنه عن هزيل، نحو لفظ البيهقي، وزاد بعد قوله: أربعاً: كصلاة الهجير. (5815) 3: 5 كتاب الصلاة، القوم يصلون في المسجد كم يصلون؟ .

وأخرج النسائي في سننه عن ثعلبة بن زهدم «أن علياً استخلف أبا مسعود على الناس فخرج يوم عيد. فقال: يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام» . (1561) 3: 181 كتاب صلاة العيدين، الصلاة قبل الإمام يوم العيد.

ص: 552

ولأنها لو لم تجز إلا في موضع واحد لأدى إلى تعطيلها في حق كثير من الخلق لأن وجوبها على أهل البلد العظيم لا يتقيد بسماع ولا بفرسخ فالبعيد يعجز عن قطع المسافة البعيدة ويصير من يخاف الفتنة معذوراً ومع ضيق المكان تقام الصلاة في الشوارع إلى حد يتعذر البلاغ معه (1) لاختلاف الأصوات.

ولأن إقامتها في البلاد الكبار في موضعين مع عدم الإنكار يصير كالإجماع على جواز ذلك.

وعن الإمام أحمد: لا تقام إلا في موضع واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقمها إلا في موضع واحد. وكذلك الخلفاء بعده.

والأول أصح لما ذكر.

وإنما لم يقمها النبي صلى الله عليه وسلم لعدم الحاجة.

ولأن أحداً لم يكن ليترك الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم ويصلي خلف غيره.

وأما كونها لا تجوز إقامتها في موضعين مع عدم الحاجة؛ فلأنه لا حاجة. والعبادات المغلب فيها (2) الاتباع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين بعده فعلها في موضعين.

وروى ابن عمر رضي الله عنهما: «لا تقام الجمعة إلا في المسجد الأكبر الذي يصلي فيه الإمام» (3). خص منه إذا كان لحاجة فيبقى فيما عداه حجة.

ولأن المقصود من الجمعة إقامة الشعائر وتعظيم الإسلام والتفريق من غير حاجة يخل بذلك.

وأما كون جمعة الإمام هي الصحيحة إذا صلي في موضعين مع عدم الحاجة؛ فلأن في الحكم بصحة غيرها افتياتاً على الإمام وتفويتاً لجمعته.

ولأن ذلك يفضي إلى أنه متى شاء أربعون أن يفسدوا على أهل البلد صلاتهم أمكنهم ذلك.

(1) ساقط من ب.

(2)

مثل السابق.

(3)

ذكره ابن حجر في التلخيص وعزاه إلى ابن المنذر 2: 112.

ص: 553

وقيل: بل السابقة هي الصحيحة لأنها لم تتقدمها ما يفسدها. وبعدما وقعت صحيحة لا تفسد بما بعدها.

والسبق معتبر بالإحرام لأنه متى (1) أحرم حرم الاستفتاح بغيرها للغنى عنها.

وأما كون الثانية باطلة إذا استويا. والمعنيّ بالاستواء هنا أن تكون كل واحدة منهما بإذن الإمام.؛ فلأن الاستغناء حصل بالأولى مع أن الثانية لا مزية لها.

وأما كونهما يبطلان معاً إذا وقعتا معاً أو جهلت الأولى؛ فلأنه لا يمكن تصحيحهما ولا تتعين إحداهما بالصحة فبطلتا كما لو جمع بين أختين.

قال: (وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد وصلى ظهراً جاز إلا الإمام).

أما كون المأموم إذا اجتزأ فيما ذكر بالعيد عن الجمعة وصلى ظهراً يجوز؛ فلما روى زيد بن أرقم قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم. فصلى العيد ثم رخص في الجمعة. فقال: من شاء أن يصلي فليصلي» (2) رواه أبو داود.

وأما كون الإمام إذا اجتزأ بالعيد عن الجمعة وصلى ظهراً لا يجوز؛ فلما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان. فمن شاء أجزأه عن الجمعة. وإنا مُجَمِّعون» (3) رواه ابن ماجة.

ولأن الإمام لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من يريدها.

وعن الإمام أحمد رضي الله عنه: لا تجب على الإمام أيضاً «لأن ابن الزبير لم يصلها وكان إماماً» (4).

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1070) 1: 281 كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1310) 1: 416 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (1073) 1: 281 كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1311) 1: 416 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم، عن ابن عباس.

(4)

عن وهب بن كيسان قال: «اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يومئذ الجمعة فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة» .

أخرجه النسائي في سننه (1592) 3: 194 كتاب صلاة العيدين، الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد.

وأخرجه أبو داود في سننه (1071) 1: 281 كتاب الصلاة، باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، نحوه.

ص: 554

ولأن الجمعة إذا سقطت عن المأمومين سقطت عن الإمام كالسفر.

والأول أصح لما ذكر من الفرق.

قال: (وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان. وأكثرها ست ركعات).

أما كون أقل السنة بعد الجمعة ركعتين؛ فلما روى ابن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين» (1) متفق عليه.

ولو سن أقل من ذلك لفعله.

وأما كون أكثرها ست ركعات؛ فلأن ابن عمر قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين ثم يتقدم فيصلي أربعاً» (2).

وعن أبي (3) عبدالرحمن السلمي قال (4): «علمنا عبدالله بن مسعود أن نصلي بعد الجمعة أربعاً. فلما قدم عليّ علّمنا أن نصلي ستاً» (5).

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1112) 1: 392 أبواب التطوع، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، ولفظه: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد الجمعة

».

وأخرجه مسلم في صحيحه (882) 2: 601 كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة.

(2)

أخرجه أبو داود في سننه (1133) 1: 295 كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد الجمعة، عن عطاء «أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة فَيَنْمَازَ عن مصلاه الذي صلى فيه الجمعة قليلاً غير كثير قال: فيركع ركعتين قال: ثم يمشي أنفس من ذلك فيركع أربع ركعات قلت لعطاء: كم رأيت ابن عمر يصنع ذلك؟ قال: مراراً».

وأخرجه الترمذي في جامعه (523) 2: 402 أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها، ولفظه: عن عطاء قال: «رأيت ابن عمر صلى بعد الجمعة ركعتين ثم صلى بعد ذلك أربعاً» .

(3)

ساقط من ب.

(4)

مثل السابق.

(5)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (5525) 3: 247 كتاب الصلاة، باب: الصلاة قبل الجمعة وبعدها.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5367) 1: 464 كتاب الصلاة، من كان يصلي بعد الجمعة ركعتين.

وذكره الترمذي في جامعه معلقاً 2: 401 أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها.

ص: 555

ولأنها ظهرٌ مقصورة فينبغي أن يصلي بعدها شيئاً ليكون ذلك عن ركعتين قبلها وركعتين بعدها وركعتين تمامها.

وقال المصنف رحمه الله في المغني: المختار أن يصلى أربعاً لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل بعدها أربعاً» (1) رواه مسلم.

فإن قيل: لم يكون الأخذ بهذا الحديث أولى؟

قيل: لوجوه:

أحدها: أنه أمر. ودلالة الأمر على تأكيد الشيء أقوى من الفعل.

الثاني: أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم. ودلالة الستِّ قول علي.

الثالث: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم معتضد بقول صحابي وهو ابن مسعود.

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (882) 2: 600 كتاب الجمعة، باب الصلاة بعد الجمعة.

ص: 556

فصل [في مستحبات الجمعة]

قال المصنف رحمه الله: (ويستحب أن يغتسل للجمعة في يومها، والأفضل فعله عند مُضِيِّه إليها. ويتنظف. ويتطيب. ويلبس أحسن ثيابه. ويبكر إليها ماشياً. ويدنو من الإمام. ويشتغل بالصلاة والذكر. ويقرأ سورة الكهف في يومها. ويكثر الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه).

أما كون مصلي الجمعة يستحب له أن يغتسل لها؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من أتى الجمعة فليغتسل» (1) متفق عليه.

وقد تقدم في الأغسال المستحبة عدم وجوبه والخلاف فيه (2).

وأما كون الغسل في يوم الجمعة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل يوم الجمعة» (3) أضافه إلى اليوم واليوم من طلوع الفجر لأن ذلك هو اليوم الشرعي.

فعلى هذا من اغتسل بعد طلوع الفجر إلى أن يروح إلى الجمعة حصّل الفضيلة. وإن اغتسل قبل طلوع الفجر لم يحصّل الفضيلة المذكورة.

وأما كون الأفضل في الغسل فعله عند مضيه إليها؛ فلأنه أبلغ في قطع الرائحة.

وأما كونه يستحب له أن يتنظف ويتطيب؛ فلما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يغتسلُ رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر. ويدهن من دهنه. ويمس من طيب بيته. ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين. ثم يصلي ما كُتب

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (877) 1: 311 كتاب الجمعة، باب الخطبة على المنبر.

وأخرجه مسلم في صحيحه (844) 1: 576 كتاب الجمعة، باب صلاة الخوف.

(2)

ر كتاب الطهارة، فصل في الأغسال المستحبة. ص:228.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (868) 1: 308 كتاب الجمعة، باب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (850) 2: 582 كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة.

ص: 557

له. ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» (1) رواه البخاري.

وأما كونه يستحب له أن يلبس أحسن ثيابه؛ فلأن في بعض ألفاظ الحديث: «ولبس أحسن ثيابه. ثم جاء إلى المسجد» (2).

وأما كونه يستحب له أن يبكر إليها فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة. ومن راح في [الساعة](3) الثانية فكأنما قرب بقرة. ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً. ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة

الحديث» (4).

وأما كونه يستحب له أن يمشي ويدنو من الإمام؛ فلقوله عليه السلام: «من غسّل واغتسل. وبكر وابتكر. ومشى ولم يركب. ودنا من الإمام واستمع. ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها» (5) رواه ابن ماجة.

وأما كونه يستحب له أن يشتغل بالصلاة والذكر؛ فلما في ذلك من تحصيل الأجر.

ولا بد أن يُلحظ في ذلك كونه غير سامع للخطبة لأنه لو كان يسمعها لحرم عليه الكلام لما يأتي. ويتصور ذلك في موضعين:

أحدهما: إذا حضر قبل خطبة الإمام.

الثاني: أن يكون بعيداً منه بحيث لا يسمع الخطبة.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (843) 1: 301 كتاب الجمعة، باب الدهن للجمعة. عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.

(2)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1097) 1: 349 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة.

(3)

ساقط من ب.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (841) 1: 301 كتاب الجمعة، باب فضل الجمعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (850) 1: 582 كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة.

(5)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1087) 1: 346 كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة.

ص: 558

وأما كونه يستحب له أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة؛ فلأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أو ليلته وُقي فتنة الدجال» (1).

وأما كونه يستحب له أن يُكثر الدعاء في اليوم المذكور فلعله يوافق ساعة الإجابة فإنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه» (2) متفق عليه.

وأما كونه يستحب له أن يكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة عليّ في يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة» (3) رواه ابن ماجة.

قال: (ولا يتخطى رقاب الناس إلا أن يكون إماماً أو يرى فرجة فيتخطى إليها. وعنه يكره).

أما كون غير الإمام ومن يرى فرجة لا يتخطى رقاب الناس. والمراد به أنه يكره له ذلك فلما في التخطي من سوء الأدب والتأذي. وقد «رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: اجلس فقد آنيت وآذيت» (4) رواه أحمد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (5): «لأن أصلي بحر رمضاء أحب إليّ من أن أتخطى رقاب الناس» (6).

(1) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة 3: 478.

ورواه أبو سعيد مرفوعاً بلفظ: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النور ما بين الجمعتين» . أخرجه البيهقي 3: 249 كتاب الجمعة، باب: ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (893) 1: 316 كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (852) 2: 584 كتاب الجمعة، باب في الساعة التي في يوم الجمعة.

(3)

أخرجه ابن ماجة في سننه (1637) 1: 524 كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم.

(4)

أخرجه أحمد في مسنده (17733) 4: 190.

وأخرجه أبو داود في سننه (1118) 1: 292 كتاب الصلاة، باب تخطي رقاب الناس يوم الجمعة. نحوه.

(5)

ساقط من ب.

(6)

أخرجه البيهقي 3: 231 كتاب الجمعة، باب: لا يتخطى رقاب الناس، ولفظه:«لأن يصلي أحدكم بظهر الحرة خير له من أن يقعد حتى إذا قام الإمام يخطب جاء يتخطى رقاب الناس» .

ص: 559

وأما كون الإمام يتخطى رقاب الناس. والمراد به أنه لا يكره له ذلك؛ فلأن مكانه متعين لا يمكنه الصلاة في غيره. ولا يستحب له التبكير لأنه يُنتظر ولا يَنتظر.

وأما كون من يرى فرجة لا يكره له ذلك على روايةٍ؛ فلأن من قعد دونها بتأخره أسقط حقه من الاحترام وفوّت على نفسه الفضيلة فلا يفوتها على غيره.

وأما كونه يكره له ذلك على روايةٍ فلما فيه من الأذى لغيره.

وعن الإمام أحمد: إن تخطى الواحد والاثنين فلا بأس لأنه يسير. وإن كثر كره لما فيه من الأذى الكثير.

قال: (ولا يقيم غيره فيجلس مكانه. إلا من قدم صاحباً له فجلس في موضع يحفظه له. وإن وجد مصلى مفروشاً فهل له رفعه؟ على وجهين).

أما كون المصلي لا يقيم غير صاحب له من مكانه فيجلس فيه؛ فلما روى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُقيم الرجل يعني أخاه من مقعده ويجلس فيه» (1) متفق عليه.

وأما كونه له أن يقيم صاحباً له جلس في موضع يحفظه له فـ «لأن ابن سيرين كان يفعل ذلك» .

ولأنه قعد فيه يحفظه له ولا يحصل ذلك إلا بإقامته.

وأما كون من (2) وجد مصلىً مفروشاً له رفعه على وجهٍ؛ فلأن المفروش لا حرمة له بنفسه والحاضر مسارع مبادر لفضيلة الصلاة فهو أولى من المتأخر.

وأما كونه ليس له رفعه؛ فلأنه كالنائب عنه.

ولأن في رفعه افتياتاً على صاحبه وتصرفاً في ملكه بغير إذنه.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (869) 1: 309 كتاب الجمعة، باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2177) 3: 1714 كتاب السلام، باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 560

قال: (ومن قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه فهو أحق به. ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما).

أما كون من قام من موضعه لعارض لحقه ثم عاد إليه أحق بموضعه من غيره؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به» (1) رواه مسلم.

وأما كون من دخل والإمام يخطب لا يجلس حتى يركع ركعتين يوجز فيهما؛ فلما روى جابر بن عبدالله «أن سُليكاً الغطفاني دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس فقال: قم فصل ركعتين تجوز فيهما» (2) متفق عليه.

قال: (ولا يجوز الكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن كلمه. ويجوز الكلام قبل الخطبة وبعدها. وعنه يجوز فيها).

أما كون الكلام والإمام يخطب لا يجوز لغير الإمام وغير من كلمه على المذهب؛ فلقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} [الأعراف: 204] قالت عائشة: «نزلت في الخطبة» .

ولأن في الخطبة قرآناً.

ولما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلتَ لصاحبكَ يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصتْ فقد لغوت» (3) متفق عليه.

وكلام المصنف رحمه الله يشمل من سمع الخطبة ومن لم يسمع لعموم الحديث.

ولأن عثمان رضي الله عنه قال: «أنصتوا فإن حظَّ المنصتِ الذي لم يسمع كحظّ المنصتِ السامع» (4).

(1) أخرجه مسلم في صحيحه (2179) 4: 1715 كتاب السلام، باب إذا قام من مجلسه ثم عاد، فهو أحق به.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (889) 1: 315 كتاب الجمعة، باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين.

وأخرجه مسلم في صحيحه (875) 2: 597 كتاب الجمعة، باب التحية والإمام يخطب.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (892) 1: 316 كتاب الجمعة، باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب.

وأخرجه مسلم في صحيحه (851) 2: 583 كتاب الجمعة، باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة.

(4)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 3: 220 جماع أبواب آداب الخطبة، باب الإنصات للخطبة وإن لم يسمعها.

ص: 561

وأما كونه يجوز على روايةٍ فقياساً على الإمام وعلى من كلمه.

فإن قيل على الأول: لو سلم أحد على السامع ماذا يصنع؟

قيل: روي عن الإمام أحمد أنه يحرم الرد لما فيه من تفويت الإنصات.

ولأن المسلم أسقط حقه حيث سلم في موضع لا يرد عليه فيه. أشبه ما لو سلم عليه في الصلاة.

وروي عنه أنه لا يحرم؛ لأن رد السلام واجب. والخطبة لا تمنع الكلام الواجب بدليل ما لو رأى أعمى يتردى في بئر.

وحكم من يسمع همهمة الخطيب حكم من يسمع مفصلاً.

ومن لا يسمع شيئاً أصلاً يرد السلام.

ولو عطس إنسان فحكم التشميت حكم رد السلام.

وأما كونه يجوز للإمام ولمن كلمه فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم سُليكاً وكلمه هو ودخل وهو يخطب فقال: يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم هلك الكراع هلك الشاء فادع الله تعالى أن يسقينا

وذكر الحديث» (1) متفق عليه.

وأما كونه قبل الخطبة وبعدها يجوز؛ فلما روى ثعلبة بن مالك «أنهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر. فإذا سكت المؤذن وقام عمر لم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين. فإذا قامت الصلاة وبرك عمر تكلموا» .

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (890) 1: 315 كتاب الجمعة، باب رفع اليدين في الخطبة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (897) 2: 612 كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء.

ص: 562