الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اجتناب النجاسات
قال المصنف رحمه الله: (وهو الشرط الرابع. فمتى لاقى ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها أو حملها لم تصح صلاته).
أما كون اجتناب النجاسات الشرط الرابع؛ فلأنه يلي الثالث.
وأما كونه شرطاً لصحة الصلاة؛ فلأن اجتناب دم الحيض شرط لصحتها لما روت أسماء بنت أبي بكر قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب. فقال: اقرصيه. ثم صلي فيه» (1).
وفي لفظ قالت: «سمعت امرأة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر أتصلي فيه؟ فقال: تنظر فإن رأت فيه دماً فلتقرصه بشيء من ماء ولتصل فيه» (2) رواه أبو داود.
وغيره من النجاسات في معناه فوجب (3) أن يساويه في ذلك.
وفي كون اجتناب النجاسات شرطاً لصحة الصلاة إشعار بوجوب اجتنابها. وهو صحيح لقوله تعالى: {وثيابك فطهر} [المدثر: 4]. قال ابن سيرين: هو الغسل بالماء.
وقوله عليه السلام: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» (4).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (361) 1: 99 كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 13 كتاب الطهارة، باب إزالة النجاسات بالماء دون سائر المائعات.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (360) 1: 99 كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها.
(3)
ساقط من ب.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (7) 1: 128 كتاب الطهارة، باب نجاسة البول. عن أبي هريرة. قال الدارقطني: الصواب أنه مرسل.
وله شاهد عنه بلفظ: «أكثر عذاب القبر من البول» .
وأخرجه ابن ماجة في سننه (348) 1: 125 كتاب الطهارة، باب: التشديد في البول.
وأخرجه أحمد في مسنده 2: 326، 388.
وأخرجه الدارقطني في الموضع السابق. وقال: صحيح. وفي زوائد ابن ماجة: إسناده صحيح.
قال ابن حجر: وفي الباب حديث ابن عباس أخرجه عبد بن حميد في مسنده والحاكم والطبراني بنحوه. وإسناده حسن. انظر: التلخيص 1: 106.
وقوله عليه السلام وقد مر بقبرين: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول» (1) متفق عليه.
وما وجب العذاب من أجله فاجتنابه واجب.
فإن قيل: الذي يجب اجتناب النجاسات فيه ويشترط لصحة الصلاة ماذا؟
قيل: في ثوب المصلي وبدنه وموضع صلاته:
أما في ثوبه؛ فلما تقدم.
وأما في بدنه؛ فلأنه إذا وجب اجتناب ذلك في ثوبه واشتُرط لصحة الصلاة وهو منفصل عنه؛ فلأن يجب ذلك في بدنه ويشترط لصحة الصلاة وهو متصل به بطريق الأولى.
وأما في موضع صلاته؛ فلأن الصلاة لا يمكن فعلها إلا في مكان فهو بالصلاة أَمَسّ من الثوب فإذا وجبت طهارة الثوب واشترطت لصحة الصلاة؛ فلأن يجب طهارة الموضع ويشترط لصحتها بطريق الأولى.
ولأن موضع الصلاة يجب أن يكون حلالاً؛ فلأن يجب أن يكون طاهراً بطريق الأولى.
وأما كون من لاقى ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها لا تصح صلاته؛ فلأن الملاقي لبدنه أو ثوبه موضع الصلاة واجتناب النجاسات فيه شرط لصحة الصلاة ولم يوجد.
وأما كون من حملها لا تصح صلاته؛ فلأن الحامل غير مجتنبٍ للنجاسات واجتنابها شرط لما تقدم.
وإنما اشترط فيما ذكر كون النجاسة غير معفو عنها لأن المعفو عنه لا أثر له.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (213) 1: 88 كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله.
وأخرجه مسلم في صحيحه (292) 1: 241 كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.
قال: (وإن طين الأرض النجسة أو بسط عليها شيئاً طاهراً صحت الصلاة عليها مع الكراهة. وقيل: لا تصح).
أما كون الصلاة على ما ذكر تصح على المذهب فلوجود الحيلولة.
وأما كون الصحة مع الكراهة؛ فلأن المصلي يعتمد في صلاته على النجاسة.
وأما كونها لا تصح على قول؛ فلأن العلو تابع للقرار. أشبه الصلاة على القبر وسطح الحش.
وذكر ابن عقيل في المسألة روايتين.
فعلى قولنا بالصحة وهو الصحيح يشترط في الحائل أن يكون صفيقاً. فإن كان خفيفاً أو مهلهلاً فعنه وجهان: أصحهما المنع؛ لأن المقصود منع المسيس والملاقاة ولم يوجد لعدم الحيلولة.
ويشترط أن تكون النجاسة يابسة. فإن كانت رطبة ولم تنفذ فعنه تصح لعدم نفوذها.
وعنه: لا تصح؛ للاتحاد والاتصال. واختارها ابن أبي موسى.
وإن تعدت لم تصح الصلاة؛ لأنه غير مجتنب للنجاسة بثوبه.
قال: (وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته إلا أن يكون متعلقاً (1) به بحيث ينجر معه إذا مشى فلا تصح).
أما كون من صلى على ما ذكر مع عدم تعلقه به تصح صلاته؛ فلأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مصل عليها. وإنما اتصل بمصلاه نجاسة فهو كما لو صلى على بقعة طاهرة متصلة ببقعة نجسة.
وأما كونها لا تصح إذا كان المصلى عليه متعلقاً به بحيث ينجر معه إذا مشى؛ فلأنه مستتبع لما فيه نجاسة فهو كما لو حملها.
فإن قيل: ما صورة هذه المسألة؟
قيل: صورتها أن يصلي على (2) منديل أو بساط وبعض ذلك على كتفه أو متعلق به وفي طرفه نجاسة.
(1) في ب: متعلقة.
(2)
ساقط من ب.
ومما يلحق بهذه الصورة في المنع أن يكون المصلي في وسطه أو في يده حبل مشدود بحيوان نجس كالكلب، أو بشيء فيه نجاسة كالسفينة الصغيرة وغير ذلك؛ لأن ما ذكر ينجر معه إذا مشى فهو مستتبع له أشبه ما لو حمله.
وتقييد المنع في المتعلق به بأن يكون بحيث ينجر معه إذا مشى مشعر بأنه إذا لم يكن كذلك كالبساط الكبير أن الصلاة تصح. وهو صحيح لأن علة عدم الصحة شَبَهُهُ بالحامل لكون المصلي مستتبعاً لذلك. وهذا المعنى مفقود فيما ذكر.
ومثله في الحكم أن يكون المشدود إلى المصلي حيواناً لا ينجر معه كالأسد، أو شيئاً لا يمكنه جره كالسفينة العظيمة.
قال: (ومتى وَجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا؟ فصلاته صحيحة. فإن علم أنها كانت في الصلاة لكنه جهلها أو أنسيها فعلى روايتين).
أما كون صلاة من وَجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت عليه في الصلاة أو لا صحيحة؛ فلأن الأصل عدم كونها فيها فلا تبطل بالشك.
وأما كونها صحيحة إذا علم أنها كانت عليه في الصلاة لكنه جهلها على روايةٍ؛ فلما روى أبو سعيد قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه. فوضعهما عن يساره. فخلع الناس نعالهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته. قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال: إن جبريل أخبرني أن فيهما قذراً» (1) رواه أبو داود.
ولو كانت الطهارة شرطاً مع الجهل للزم استئناف الصلاة.
وأما كونها غير صحيحة على روايةٍ؛ فلأن اجتناب النجاسة شرط لصحة الصلاة فلم تسقط مع الجهل كطهارة الحدث.
والأولى أصح؛ لما ذكر قبل.
والقياس على الحدث لا يصح؛ لأن الطهارة من الحدث آكد؛ لأنه (2) لا يعفى عن يسيرها ويختص بالبدن دون غيره.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (650) 1: 175 كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل.
وأخرجه أحمد في مسنده (10769) ط إحياء التراث.
(2)
زيادة من ج.
وأما كون صلاة من علم أنها كانت عليه في الصلاة لكنه أنسيها على روايتين؛ فلأن الناسي أخو الجاهل.
قال: (وإذا جُبّر ساقه بعظم نجس فجَبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر، وإن لم يخف لزمه).
أما كون من جُبّر ساقه بما ذكر فجَبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر. والمراد خوف الضرر بفوات نفس أو عضو أو مرض؛ فلأن حراسة النفس وأطرافها من الضرر واجب وهو أهم من رعاية شرط الصلاة. ولهذا يحبس الماء للعطش. ولا يلزمه شراء سترة، ولا ماء للوضوء بزيادة تجحف بماله فإذا جاز ترك شرط مجمع عليه لحفظ ماله فترك شرط مختلف فيه لأجل بدنه بطريق الأولى.
وقيل: يلزمه قلعه إلا أن يخاف تلف نفسه لأن من جبر (1) ساقه بعظم نجس عاص والعاصي يؤاخذ بإزالة فعله.
وأما كونه يلزمه فعله إذا لم يخف ذلك؛ فلأنه أمكنه تحصيل شرط الصلاة من غير ضرر فلزمه؛ لما تقدم من الأدلة الدالة على الاشتراط والوجوب السالمة عن معارضة الضرر.
قال: (وإن سقط سنه فعادها (2) بحرارتها فثبتت فهي طاهرة. وعنه أنها نجسة حكمها حكم العظم النجس إذا جبر به ساقه).
أما كون السن المعادة بعد سقوطها طاهرة إذا ثبتت على المذهب؛ فلأنها بإيصالها صار لها حكم الأصل الذي لم يسقط وذلك طاهر. فلتكن هذه مثله.
وأما كونها نجسة على روايةٍ؛ فلأنها أبينت من حي فلتكن نجسة لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أبين من حي فهو ميت» (3).
(1) في ب: لأنه يجبر.
(2)
في ج: وإن سقطت سنه فأعادها.
(3)
لم أقف عليه هكذا، وقد أخرج أبو داود نحوه عن أبي واقد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما قطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة» . (2858) 3: 111 كتاب الصيد، باب في صيد قطع منه قطعة
وأخرجه ابن ماجة في سننه (3216) 2: 1072 كتاب الصيد، باب ما قطع من البهيمة وهي حية.
وأخرجه أحمد في مسنده (21953) 5: 218.
وأما كون حكمها على القول بنجاستها حكم العظم النجس إذا جبر به ساقه؛ فلأنها على هذه الرواية عظم نجس فوجب أن يساوي العظم النجس في الأصل ضرورة تساويهما حينئذ في أصل النجاسة.
قال: (ولا تصح الصلاة في المقبرة، والحمام، والحش، وأعطان الإبل التي تقيم فيها وتأوي إليها، والموضع المغصوب. وعنه تصح مع التحريم.
وقال بعض أصحابنا: حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك).
أما كون الصلاة في المقبرة والحمام لا تصح على الصحيح من المذهب؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام» (1) رواه أبو داود.
وأما كونها في الحش لا تصح؛ فلأن احتمال النجاسة فيه أكثر من المقبرة والحمام فالمنع من الصلاة فيهما تنبيه على المنع من الصلاة فيه.
وأما كونها في أعطان الإبل لا تصح؛ فلما روى جابر بن سمرة «أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أنصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا» (2) رواه مسلم.
وأما كون أعطان الإبل هي التي تقيم فيها وتأوي إليها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الأعطان مقابلة مراح الغنم حين قال: «صلوا في مراح الغنم ولا تصلوا في مبارك الإبل» (3).
والمراح: هو الذي يراح إليه ويستراح فيه فكذلك الأعطان.
وأما كون الصلاة في الموضع المغصوب لا تصح؛ فلأن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه فلم تقع عبادة كالصلاة في زمن الحيض.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (492) 1: 132 كتاب الصلاة، باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (360) 1: 275 كتاب الحيض، باب الوضوء من لحم الإبل.
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (497) 1: 166 كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل. وفيه:«ولا تصلوا في معاطن الإبل» .
وأخرجه أحمد في مسنده (21011) 5: 102. نحوه.
وكلام المصنف رحمه الله في كون الصلاة في الموضع المغصوب لا تصح يقتضي التعميم سواء كانت جمعة أو غيرها. وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على صحة الجمعة في الموضع المغصوب؛ لأنها تختص بموضع معين. والمنع من الصحة يفضي إلى تعطيلها. ولذلك جاز فعلها خلف الخوارج وأهل البدع والفجور. بخلاف باقي الصوات.
فعلى هذا يجب تخصيص كلام المصنف رحمه الله هنا بالصلوات المفروضات والنوافل وما أشبه ذلك مما ليس بجمعة.
وأما كون الصلاة فيما ذكر تصح على روايةٍ: أما فيما عدا الموضع المغصوب؛ فلأن الصلاة في ذلك كله كالصلاة في الموضع المغصوب لاشتراكهما في النهي. وسيأتي دليل صحتها فيه فيما بعد. فيجب أن تصح فيما ذكر لاشتراكهما فيما ذكر.
وأما في الموضع المغصوب؛ فلأنه لم ينقل عن أحد من السلف والخلف أنهم أمروا الظلمة بإعادة ما صلوا في المواضع المغصوبة ولو لم يصح لأمروهم بذلك.
ولأن النهي لمعنى في غير الصلاة أشبه المصلي وفي يده خاتم من ذهب.
وأما قول المصنف رحمه الله: مع التحريم؛ فتنبيه على أن تحريم الصلاة في المواضع المذكورة لا خلاف فيه وإن اختلف في الصحة؛ لأن النهي ورد وظاهره التحريم.
وأما كون حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق حكم المقبرة على قول بعض الأصحاب فلما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سبع مواطن لا تجوز الصلاة فيها: ظهر بيت الله، والمقبرة (1)، والمزبلة، والمجزرة، والحمام، وعطن الإبل، ومحجة الطريق» (2) رواه ابن ماجة.
ولأن المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق مظان للنجاسة أشبهت الحش والحمام.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى هنا أن الصلاة في المواضع الثلاثة صحيحة عنده.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه الترمذي في جامعه (346) 2: 177 أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (747) 1: 246 كتاب المساجد، باب المواضع التي تكره فيها الصلاة.
وقال في المغني: هو قول أكثر أهل العلم. وعلله بأن قوله عليه السلام: «جعلت لي الأرض مسجداً» (1) صحيح متفق عليه. استثني منه المقبرة والحمام والمعاطن للأحاديث الواردة فيها فيبقى فيما عداها على العموم.
ثم قال: حديث المواضع السبعة رواه العمري وزيد بن جبيرة وقد تكلم فيهما من قبل حفظهما.
فإن قيل: ما المراد بالمواضع المذكورة؟
قيل: المجزرة هي موضع ذبح البهائم، والمزبلة: هي التي تجمع فيها الزبل، وقارعة الطريق: هي الطريق الجادة المسلوكة السابلة. وليس المراد كل طريق لأنه لا يخلو موضع من المشي فيه.
ولأن قارعة الطريق إنما سميت بذلك لكثرة قرع الأقدام لها وذلك مفقود في كل طريق.
وأما كون حكم أسطحة ما ذكر حكم المقبرة؛ فلأن سطح الشيء له حكم أسفله؛ لأن الجنب يُمْنع من اللبث على سطح المسجد.
والضمير في قوله: وأسطحتها يحتمل عوده إلى المواضع الثلاثة المذكورة.
قيل: ويحتمل عوده إلى جميع مواضع النهي. وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله في المغني. لأنه نقل عن القاضي أنه علل المنع من الصلاة على ساباط شيء على طريق نافذ بأن العلو تابع للقرار فيثبت فيه حكمه. ثم قال: وعُدي الحكم إلى جميع أسطحة مواضع النهي.
وقال صاحب النهاية بعد ذكره المسألة المذكورة: وطرد القاضي هذا (2) في المواطن كلها.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا أن حكم الأسطحة ليس حكم القرار. وصرح به في المغني فقال: الأولى قصر الحكم على ما يتناوله النهي فلا يتعداه إلى سطح ولا ما سواه؛ لأنه لا يتناوله ولا يُتخيل فيه معنى. ولو علل بالتبعية لم يمنع من الصلاة على الساباط الذي على النهر لكون القرار لا يمنع من الصلاة عليه في سفينة. ولكان ينبغي أن
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (328) 1: 128 كتاب التيمم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (523) 1: 371 كتاب المساجد. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
زيادة من ج.
تصح الصلاة على ما حاذى ميمنة الطريق وميسرتها من الساباط لكونه لا يمنع من الصلاة في قرار ذلك.
قال: (وتصح الصلاة إليها إلا المقبرة والحش في قول ابن حامد).
أما كون الصلاة إلى المواضع المذكورة ما خلا المقبرة والحش تصح؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعلت لي الأرض مسجداً. فحيث ما أدركتك الصلاة فصل» (1). خص منه ما تقدم قبل. فيبقى فيما عداه على مقتضاه.
وأما كونها إلى المقبرة والحش يصح على المذهب؛ لما تقدم.
وأما كونها لا تصح على قول ابن حامد؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» (2).
والحش في معنى القبور؛ لأن المنع من الصلاة فيه ثبت بطريق التنبيه فكذا الصلاة إليه.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله أن المنع على قول ابن حامد مختص بالمقبرة والحش.
وقال القاضي: في هذا -يعني المنع إلى المقبرة والحش- تنبيه على نظائره من المواضع المنهي عن الصلاة فيها.
وفي كلام القاضي نظر؛ لأن النهي عنده في المواضع المنهي عنها تعبد فكيف يعدي ذلك إلى غيرها؟ ومن شرط التعدية فهم المعنى.
قال: (ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها. وتصح النافلة إذا كان بين يديه شيء منها).
أما كون صلاة (3) الفريضة لا تصح في الكعبة ولا على ظهرها؛ فلقوله تعالى: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144] أي نحوه وجهته. والمصلي في الكعبة أو على ظهرها غير مستقبل جهتها.
(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (972) 2: 668 كتاب الجنائز، النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه.
وأخرجه أبو داود في سننه (3229) 3: 217 كتاب الجنائز، باب في كراهية القعود على القبر.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1050) 3: 367 كتاب الجنائز، باب ما جاء في كراهية المشي على القبور والجلوس عليها والصلاة إليها.
(3)
في ب: الصلاة.
ولأن المصلي فيها يستدبر منها ما يصلح أن يكون قبلة مع القدرة وذلك يبطل الفرض. والمصلي عليها ليس مصلياً إليها وقد أمر بالصلاة إليها.
وأما كون النافلة تصح في الكعبة؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيها ركعتين» (1) متفق عليه.
ولأن النافلة دخلها التخفيف بدليل جواز ترك الاستقبال في السفر.
وأما كونها تصح على ظهرها؛ فلأن ما تصح الصلاة في أسفله تصح على ظهره. دليله سائر المواضع.
واشترط المصنف رحمه الله في صحة النافلة أن يكون بين يدي المصلي شيء من الكعبة ليكون مستقبلاً بعضها. فعلى هذا لو صلى إلى جهة الباب أو على ظهرها ولا شيء بين يديه لم تصح لانتفاء شرط الصحة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1521) 2: 579 كتاب الحج، باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1329) 2: 967 كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج.