الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الصلاة
قال المصنف رحمه الله: (السنة أن يقوم إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة. ثم يسوي الإمام الصفوف).
أما كون السنة أن يقوم المصلي إلى الصلاة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، لما روى ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا قال بلال: قد قامت الصلاة نهض» (1).
ولأن في ذلك تصديقاً للمؤذن.
وأما كون السنة أن يسوي الإمام الصفوف بعد ذلك؛ فلما روى أنس قال: «أقيمت الصلاة. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه. فقال: أقيموا صفوفكم وتراصّوا. فإني أراكم وراء ظهري» (2) رواه البخاري.
وقال عليه السلام: «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» (3) متفق عليه.
قال: (ثم يقول: الله أكبر لا يجزئه غيرها. فإن لم يحسنها لزمه تعلمها. فإن خشي فوات الوقت كبر بلغته).
أما كون المصلي يقول: الله أكبر؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا قام
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 5 وعزاه إلى الطبراني في الكبير من طريق حجاج بن فروخ وقال: وهو ضعيف جداً.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (687) 1: 253 كتاب الجماعة والإمامة، باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (690) 1: 254 كتاب الجماعة والإمامة، باب إقامة الصف من تمام الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (433) 1: 324 كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها
…
إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه. ثم قال: الله أكبر» (1) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث صحيح.
وأما كونه لا يجزئه غيرها؛ فلما روى رفاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء (2) مواضعه. ثم يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر» (3).
و«قال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فكبر» (4) متفق عليه.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بذلك. ولم ينقل عنه العدول إلى غيره حتى فارق الدنيا.
وقال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (5).
وأما كونه يلزمه تعلمها إذا لم يحسنها؛ فلأنها ركن من أركان الصلاة قادر عليه فلزمه تعلمه كالفاتحة.
وأما كونه يكبر بلغته إذا خشي فوات الوقت؛ فلأنه عجز عن اللفظ فلزمه الإتيان بمعناه كلفظة النكاح.
وقال بعض أصحابنا: لا يكبر بغير العربية كالقراءة.
فعلى هذا يكون حكمه حكم الأخرس.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (730) 1: 194 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (304) 2: 105 أبواب الصلاة، باب منه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1061) 1: 337 كتاب إقامة الصلاة، باب إتمام الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (23269) 5: 424.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (857) 1: 226 كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.
وأخرجه الطبراني في الكبير (4526) 5: 38 نحوه.
(4)
سبق تخريجه ص: 265.
(5)
سيأتي تخريجه ص: 396.
قال: (ويجهر الإمام بالتكبير كله. ويسر غيره به وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه).
أما كون الإمام يجهر بالتكبير كله؛ فلأن فيه إسماعاً لمن خلفه. وذلك مطلوب لما فيه من متابعة المأمومين لإمامهم.
ولأنه ذكر مشروع في الصلاة فسن للإمام الجهر به كالقراءة.
وأما كون غيره وهو المأموم والمنفرد يسر به؛ فلأن الجهر في حق (1) الإمام شرع لما فيه من إبلاغ المأموم. وهذا المعنى مفقود هنا.
ولأن جهر المأموم يشوش على الجماعة ويؤدي إلى اختلاط أصوات بعضهم ببعض وإحداث وسوسة لبعضهم. وعدم ذلك كله مطلوب، فكذلك عدم ما يؤدي إليه.
ولا بد أن يلحظ في الحكم المذكور أنه مختص بعدم الحاجة مثل أن يكون صوت الإمام يسمعه كل المأمومين فإن كان بحيث يسمع بعضهم دون بعض فالمستحب لبعضهم أن يرفع صوته بالتكبير ليسمع من خلفه؛ لما روى جابر قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر خلفه. فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر لِيُسْمِعنا» (2) متفق عليه.
وأما كون غير الإمام يسر بالقراءة؛ فلأن جهر الإمام بذلك لإسماع المأموم وذلك مفقود في حق غيره.
ولأن جهر المأموم يؤدي إلى المحذور المتقدم ذكره في الجهر بالتكبير ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لي أُنَازَعُ القُرآن» (3).
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (680) 1: 251 كتاب الجماعة والإمامة، باب من أسمع الناس تكبير الإمام. من حديث عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه مسلم في صحيحه (413) 1: 309 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (826) 1: 218 كتاب الصلاة، باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام.
وأخرجه الترمذي في جامعه (312) 2: 118 أبواب الصلاة، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة.
وأخرجه النسائي في سننه (919) 2: 140 كتاب الافتتاح، ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (848) 1: 276 كتاب إقامة الصلاة، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا.
وأخرجه أحمد في مسنده (10323) 2: 487.
وأخرجه مالك في الموطأ (44) 1: 94 كتاب الصلاة، باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه.
ولا بد أن يلحظ في مسنونية إسرار المأموم بالقراءة أن لا يكون ذلك في حال جهر الإمام؛ لأن حال جهره لا يسن للمأموم الإسرار لأنه يسن له الإنصات. والجمع بين مسنونية الإسرار والإنصات متناقض.
وأما قول المصنف رحمه الله: بقدر ما يُسْمع نفسه؛ فليس بقيد في مسنونية ذلك؛ لأنه لو رفع صوته بحيث يسمع من يليه فقط لكان ذلك مسراً آتياً بالمقصود. بل مراده أنه لا يجزئه أقل من ذلك في موضع يجب عليه القراءة. صرح به في المغني وعلله بأنه لا يكون كلاماً بدون الصوت. والصوت ما يتأتى سماعه وأقرب السامعين إليه نفسه.
فإن قيل: هلا حمل قوله ويسر غيره به على أن ذلك هو الواجب لا المسنون. ويكون قوله بقدر ما يسمع نفسه على ظاهره.
قيل: منع منه وجهان:
أحدهما: أنه عطفه على ويجهر الإمام وذلك مسنون فليكن هذا مثله.
والثاني: أن الإسرار إلى هذه الغاية ليس واجباً؛ لأنه لو أتى بما فوق ذلك جاز حتى لو جهر به لكان آتياً بالواجب.
قال: (ويرفع يديه مع ابتداء التكبير. ممدودة الأصابع. مضموماً بعضها إلى بعض إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه).
أما كون المصلي يرفع يديه مع ابتداء التكبير؛ [فلما روى أبو داود بإسناده عن عبدالجبار بن وائل بن حجر قال: حدثني بعض أهل بيتي عن أبي أنه حدثهم «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير» (1) رواه أحمد](2).
ولأن (3) ابتداء التكبير أول الشروع في العبادة والرفع أول هيئاتها.
ولأن الرفع هيئة للتكبير فينبغي أن يكون ابتداؤها مع ابتدائه وانتهاؤها مع انتهائه.
وأما كون يديه ممدودة الأصابع؛ فلأن أبا هريرة روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الصلاة رفع يديه مَداً» (4) رواه الترمذي.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (725) 1: 193 كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (18868) 4: 316.
(2)
ساقط من ب.
(3)
في ب: ؛ فلأن.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (753) 1: 200 كتاب الصلاة، باب من لم يذكر الرفع عند الركوع.
وأخرجه الترمذي في جامعه (240) 2: 6 أبواب الصلاة، باب ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير.
وأما كون الأصابع مضموماً بعضها إلى بعض؛ فلأن ذلك أصل خلقتها.
وأما كونُ رافعِ يديه مخيراً في رفعهما إلى حذو منكبيه؛ فلما روى ابن عمر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه» (1) متفق عليه.
وأما رفعهما إلى فروع أذنيه؛ فلأن وائل بن حجر ومالك بن الحويرث روياه (2). رواه مسلم.
فإن قيل: أيها أولى؟
قيل: الرفع إلى حذو المنكبين؛ لأن رواته أكثر وأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (ثم يضع كف يده اليمنى على كوع اليسرى. ويجعلهما تحت سرته).
أما كون المصلي يضع كف يده اليمنى على كوع اليسرى؛ فلما روى وائل بن حجر في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد» (3).
وأما كونه يجعلهما تحت سرته؛ فلأن علياً قال: «من السنة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة» (4) رواه الإمام أحمد وأبو داود.
وهذا ينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أحمد أنه يجعلهما تحت صدره؛ [لأن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه على صدره](5) إحداهما (6) على الأخرى» (7).
(1) سيأتي تخريجه ص: 359.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (401) 1: 301 كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام
…
عن وائل بن حجر.
وفي (391) 1: 293 كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين
…
من حديث مالك بن الحويرث.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (727) 1: 193 كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (18890) 4: 318.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (756) 1: 201 كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة ولفظه:«السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة» .
وأخرجه أحمد في مسنده (875) 1: 110.
(5)
ساقط من ب.
(6)
في ج: أحدهما.
(7)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (479) 1: 243 كتاب الصلاة، باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة قبل افتتاح القراءة. بلفظ:«صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره» . وفي إسناده: مُؤمّل بن إسماعيل البصري، وهو صدوق سيء الحفظ كما جاء في التقريب ص:555.
وعن أحمد يخير في ذلك؛ لأن كلاً فيه حديث.
قال: (وينظر إلى موضع سجوده. ثم يقول: سبحانك اللهم! وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
أما كون المصلي ينظر إلى موضع سجوده؛ فلما روى ابن عباس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده» .
ولأنه أبلغ في الخشوع فكان أولى.
وأما كونه يقول: سبحانك اللهم! وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك؛ فلما روى عمر بن الخطاب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر. وقال: سبحانك اللهم! وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» (1) رواه الدارقطني.
وروت عائشة نحوه (2). رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي.
وروى أبو سعيد الخدري نحوه (3). أخرجه النسائي والترمذي.
وأما كونه يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ فلقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98].
[وعن ابن المنذر رضي الله عنه قال: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»](4).
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (6) 1: 299 كتاب الصلاة، باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (776) 1: 206 كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك.
وأخرجه الترمذي في جامعه (243) 2: 11 أبواب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (806) 1: 265 كتاب إقامة الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه (242) 2: 9 أبواب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة.
وأخرجه النسائي في سننه (900) 2: 132 كتاب الإفتتاح. نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة.
(4)
ساقط من ب.
وقال المصنف رحمه الله في المغني يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم لما روى أبو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم» (1) رواه الترمذي.
ثم قال: هذا -يعني حديث أبي سعيد- أشهر حديث في الباب. وقال: هو متضمن للزيادة والأخذ بالزيادة أولى.
قال: (ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وليست من الفاتحة. وعنه: أنها منها. ولا يجهر بشيء من ذلك).
أما كون المصلي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؛ فلما روى نُعيم بن المجمر قال: «صليت وراء أبي هريرة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم قرأ بأم الكتاب. وقال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» (2) رواه النسائي.
وروى ابن المنذر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم» (3).
وأما كونها ليست من الفاتحة على المذهب؛ فلما روى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي. ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدني عبدي
…
الحديث» (4) رواه مسلم.
ولو كانت بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة لَعَدّها ولبدأ بها. ولما تحقق التنصيف لأن آيات الثناء تكون أربعاً ونصفاً وآيات الدعاء اثنتين ونصفاً. وعلى أنها ليست آية يتحقق ذلك.
وأما كونها منها على روايةٍ؛ فلما روي عن أم سلمة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم. وعدها آية» (5).
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (242) 2: 9 أبواب الصلاة، باب ما يقول عند افتتاح الصلاة.
(2)
أخرجه النسائي في سننه (905) 2: 134 كتاب الافتتاح، قراءة بسم الله الرحمن الرحيم.
(3)
سوف يأتي ذكره عن أم سلمة.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (395) 1: 296 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة
…
(5)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (493) 1: 248 كتاب الصلاة، باب: ذكر الدليل على أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب. وإنها السبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها» (1).
ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أثبتوها في أول كل سورة في المصاحف إلا براءة. ولم يُثبت بين الدفتين سوى القرآن.
وأما كونه لا يجهر بشيء من ذلك أي من الاستفتاح والتعوذ وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم: أما الاستفتاح والتعوذ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر بشيء من ذلك وإنما «جهر عمر بالاستفتاح ليعلم الناس» (2).
وأما بسم الله الرحمن الرحيم؛ فلما روى أنس قال: «صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين. لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءةٍ ولا آخرها» (3) رواه مسلم.
وفي المتفق عليه لأنس: «فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم» (4).
وفي المسند: «كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم» (5).
وفي لفظ لابن شاهين: «فكلهم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم» .
وفي لفظ آخر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر» .
قال: (ثم يقرأ الفاتحة. وفيها إحدى عشْرة تشديدة. فإن ترك ترتيبها أو تشديدة منها أو قطعها بذكر كثير أو سكوت طويل لزمه استئنافها).
أما كون المصلي يقرأ الفاتحة فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها» . وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (6).
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (36) 1: 312 كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة
…
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (17) 1: 301 كتاب الصلاة، باب دعاء الاستفتاح بعد التكبير.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (399) 1: 299 كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (710) 1: 259 كتاب صفة الصلاة، باب ما يقول بعد التكبير.
وأخرجه مسلم في صحيحه (399) 1: 299 كتاب الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة.
(5)
أخرجه أحمد في مسنده (12868) 3: 179.
(6)
سيأتي تخريجه ص: 396.
وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (1) متفق عليه.
وفي لفظ: «لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (2). رواه الدارقطني. وقال: إسناده صحيح.
وأما كون الفاتحة فيها إحدى عشرة تشديدة فبالنقل عن أئمة القراءة. وهذا على الرواية الصحيحة. وعلى أن البسملة منها فيها أربع عشْرة تشديدة.
وأما كون من ترك ترتيبها يلزمه استئنافها؛ فلأن القرآن معجز والإعجاز متعلق بالنظم والترتيب.
ولأنه عليه السلام قال: «صلوا كما عُلِّمْتم» (3).
ولأنها ركن فلم يجز تنكيسها كتكبيرة الإحرام.
وأما كون من ترك تشديدة منها يلزمه استئنافها؛ فلأن الحرف المشدد بحرفين. ومن ترك حرفاً من الفاتحة لم يقرأ الفاتحة لأن المركب ينعدم بعدم جزء من أجزائه.
وقال القاضي في الجامع: إن الصلاة لا تبطل بترك تشديدة لأنها غير ثابتة في المصحف وإنما هي صفة للحرف ويسمى تاركها قارئاً بخلاف الحرف.
ولا يختلف المذهب في أنه إذا لينها ولم يحققها على الكمال لم يُعد الصلاة؛ لأن ذلك لا يحيل المعنى.
وأما كون من قطعها بذكر كثير أو سكوت طويل يلزمه استئنافها؛ فلأنه يعد معرضاً عن الفاتحة بذلك.
واعلم أن تحقيق الكلام في قطع الفاتحة على أضرب:
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (723) 1: 263 كتاب صفة الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (394) 1: 295 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
…
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (17) 1: 321 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام.
(3)
لم أجده هكذا، وفي معناه حديث مالك بن الحويرث:«صلوا كما رأيتموني أصلي» . وسيأتي تخريجه ص: 396.
أحدها: قطعٌ بذكر مشروع. كالمأموم يشرع في القراءة لبعده عن إمامه فيفرغ الإمام من الفاتحة فيسمع المأموم في أثناء قراءته آمين فيؤمن. وكمن سمع آية رحمة فسأل. أو انتهى الإمام إلى سجدة فسجد المأموم في أثناء قراءته. أو كمن غلط فخرج منها إلى غيرها أو فتح على إمامه فهذا كله لا يبطل الفاتحة؛ لأنه لا يعد معرضاً عنها.
الثاني: قطعٌ بذكرٍ غير مشروع كالتهليل والتسبيح وقراءةٍ في أثناء الفاتحة. فقال القاضي: قليل ذلك وكثيره مبطل. والصحيح أن الكثير مبطل لما ذكره المصنف رحمه الله لأنه بذلك يعد معرضاً. دون القليل.
والثالث: قطعٌ بسكوت طويل غير مشروع. فهذا مبطل لما ذكر.
وسواء كان باختيارٍ أو مانع من غفلة أو أرتج عليه: فإن كان يسيراً جرت به العادة لم يقطع قراءتها سواء نوى قطعها أو لم ينو؛ لأنه يسير فعفي عنه.
وقال القاضي: يكون قطعاً مع النية لتحقق الإعراض.
ولو نوى قطع القراءة حال قراءته لم تنقطع لأن فعله مخالف لنيته.
الرابعة: قطعٌ بسكوت طويل مشروع كالمأموم يَشرع في القراءة. ثم يسمع قراءة الإمام فينصت. ثم يتمها بعد فراغ إمامه. فهذا لا يقطع الفاتحة لأنه مشروع فلم يقطع كالذكر.
ويتخرج على هذا من سكت لمانع من غفلة أو أرتج عليه لمكان العذر.
قال: (فإذا قال: {ولا الضالين}. قال: آمين. يجهر بها الإمام والمأموم في صلاة الجهر).
أما كون المصلي يقول: آمين عقيب {ولا الضالين} ؛ فلأن ذلك مشروع في حق الإمام والمأموم والمنفرد.
أما في حق الإمام؛ فلما روى وائل بن حجر قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {ولا الضالين} [الفاتحة: 7] فقال: آمين. مد بها صوته» (1) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن.
وأما في حق المأموم؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمّن الإمام فأمنوا. فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له» (2) متفق عليه.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (248) 2: 27 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التأمين.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (747) 1: 270 كتاب صفة الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين.
وأخرجه مسلم في صحيحه (410) 1: 307 كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين. كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما في حق المنفرد؛ فلأنه لا بد من إعطائه حكم أحدهما.
وأما كونه يجهر بذلك في صلاة الجهر؛ فلأنه مشروع لكل من يُشرع له الجهر فيها «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من قراءة أم الكتاب رفع صوته وقال: آمين» (1) رواه الدارقطني. وقال: إسناد حسن.
و«كان عليه السلام إذا أمَّنَ أمَّنَ مَن خَلفه حتى كأن للمسجد ضَجَّة» (2).
وروي: «لجة» (3).
ولأن التأمين تابع للقراءة فيسن الجهر به كالقراءة.
وآمين تمد وتقصر. ومعناه: اللهم! استجب لي. قاله الحسن.
وقيل: هو اسم من أسماء الله عز وجل.
قال: (فإن لم يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن تعلمها قرأ قدرها في عدد الحروف. وقيل: في عدد الآيات من غيرها. فإن لم يحسن إلا آية واحدة كررها بقدرها).
أما كون المصلي يقرأ قدر الفاتحة في عدد الحروف إذا لم يحسنها وضاق الوقت عن تعلمها على الأول؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف منه عشر حسنات» (4).
ولأن ذلك بمثابة الآيات في منع المحدث من اللمس.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (7) 1: 335 كتاب الصلاة، باب التأمين في الصلاة بعد فاتحة الكتاب والجهر بها.
وأخرجه الحاكم في المستدرك: 1: 223.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه: (الإحسان 3147).
(2)
أخرج ابن ماجة في سننه (853) 1: 278 كتاب إقامة الصلاة والسنة، باب الجهر بآمين. من حديث أبي هريرة. بلفظ:«وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: آمين حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد» . قال في الزوائد: في إسناده أبو عبدالله، لا يعرف. وبشر ضعفه أحمد. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات. والحديث رواه ابن حبان في صحيحه بسند آخر.
(3)
أخرجه الشافعي في مسنده (230) 1: 82 باب صفة الصلاة.
(4)
أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة 1: 565.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 163 من حديث ابن مسعود مرفوعاً وعزاه إلى الطبراني في الأوسط. قال: وفيه نهشل وهو متروك.
وأما كونه يقرأ قدرها في عدد الآيات على قولٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة سبعاً» (1).
وقال الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} [الحجر: 87].
فعلى الأول لو قرأ أقل من سبع آيات عدد حروف ذلك عدد حروف الفاتحة أجزأ؛ لحصول ما وجب اعتباره.
وعلى الثاني لو قرأ سبع آيات لا تبلغ حروفها حروف الفاتحة أجزأ أيضاً؛ لما تقدم.
وقيل: يعتبر عدد الآي.
وفي اعتبار الحروف مع ذلك وجهان توجيههما ما تقدم.
وفي قول المصنف رحمه الله: قرأ؛ إشعار بأن المصلي إذا كان يحسن غير الفاتحة من القرآن لا يجزئه إلا قرآن. وهو صحيح؛ لما روى رفاعة بن رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر. فإن كان معك قرآن فاقرأ به. وإلا فاحمد الله وكبره وهلله» (2) رواه الترمذي.
ولأن القرآن من جنس الفاتحة فكان أولى من الذِّكر.
وأما كونه إذا لم يحسن إلا آية يكررها بقدرها؛ فلأنها أولى من غيرها.
فإن قيل: ما مراد المصنف رحمه الله من الآية؟
قيل: يحتمل أنه أراد من الفاتحة. وفيه وجهان:
أحدهما: أنه يكررها. ولا يقرؤها مرة ثم يعدل إلى قراءة غيرها لأن الآية منها أقرب شبهاً إلى بقية الفاتحة من غيرها.
أخرجه البخاري في صحيحه (4204) 4: 1623 كتاب التفسير، باب ما جاء في فاتحة الكتاب.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (861) 1: 228 كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.
وأخرجه الترمذي في جامعه (302) 2: 100 أبواب الصلاة، باب ما جاء في وصف الصلاة.
وثانيهما: أنه يقرؤها مرة، ويعدل إلى غيرها؛ لأنه إذا قرأها مرة فقد أسقط فرضها فيجب أن لا يعيدها. كمن وجد بعض ما يكفيه لغسله فإنه يجب عليه استعماله، ويعدل إلى البدل في الباقي.
ويحتمل أنه أراد من غير الفاتحة وفيه وجهان:
أحدهما: أنه فيه الخلاف المتقدم.
والثاني: لا؛ لأن العدول إلى الذِّكر وجعله بدلاً إنما يتحقق عند العجز عن الإتيان بشيء من القرآن؛ لقوله: «فإن كان معك قرآن فاقرأ به» (1).
ولأن البدل في الصورة الأولى من جنس المبدل بخلاف الصورة الثانية.
قال: (فإن لم يحسن شيئاً من القرآن لم يجز أن يترجم عنه بلغة أخرى. ولزمه أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
أما كون من لم يحسن شيئاً من القرآن لا يجوز له أن يترجم عنه بلغة أخرى أي بلغة غير عربية؛ فلأن الله تعالى قال: {بلسانٍ عربي مبين} [الشعراء: 195]. وقال: {قرآناً عربياً} [يوسف: 2].
ولأن القرآن معجزة لفظه ومعناه. فإذا غُيِّر خرج عن نظمه ولم يكن قرآناً ولا مثله.
وأما كونه يلزمه أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ [فـ «لأن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال قل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله](2»)(3) رواه أبو داود.
فإن قيل: لم اعتُبر فيمن لم يحسن الفاتحة المثلية في الآيات أو في الحروف ولم يعتبر ذلك هنا؟
قيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على ذلك.
(1) سبق تخريجه في الحديث السابق.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (832) 1: 220 كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة.
وأخرجه أحمد في مسنده (18631) ط إحياء التراث. كلاهما من حديث عبدالله بن أبي أوفى.
ولأن هذا بدل من غير الجنس فلم تشترط المثلية كالتيمم. بخلاف ما ذكر.
قال: (فإن لم يحسن إلا بعض ذلك كرره بقدره. فإن لم يحسن شيئاً من الذكر وقف بقدر القراءة).
أما كون من لم يحسن إلا بعض ما ذُكر يكرره بقدر كله؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1).
وكما لو لم يحسن إلا آية واحدة.
وأما كون من لم يحسن شيئاً من الذكر يقف بقدر القراءة؛ فلأن الوقوف بقدر قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة وهو قادر عليه فلزمه كسائر الأركان.
قال: (ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة: تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه. ويجهر الإمام بالقراءة في الصبح، والأوليين من المغرب والعشاء).
أما كون المصلي يقرأ بعد الفاتحة سورة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل لما روى أبو قتادة قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين. وكان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر بفاتحة الكتاب وسورتين. وفي الظهر في الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب» (2) متفق عليه.
وأما كون السورة في الصبح من طوال المفصل وفي المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه؛ فـ «لأن عمر كتب إلى أبي موسى (3) أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل ،
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (6858) 6: 2658 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1337) 2: 975 كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر.
وأخرجه النسائي في سننه (2619) 5: 110 كتاب مناسك الحج، باب وجوب الحج.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (2) 1: 3 المقدمة، باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (743) 1: 269 كتاب صفة الصلاة، باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (451) 1: 333 كتاب الصلاة، باب القراءة في الظهر والعصر.
(3)
في الأصول: ابن أبي موسى.
واقرأ في الظهر بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل» (1) رواه أبو حفص (2).
ولأن الصبح قصيرة ووقتها واسع فحسن تطويلها. والمغربُ وقتها ضيق فحسن تقصيرها، وبقية الصلوات سعة الوقت يقتضي التطويل، وكمال عددها يقتضي التقصير فاقتضت التسوية بينهما التوسط.
وأما كون الإمام يجهر بالقراءة في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء؛ فلأن على ذلك درج السلف والخلف فهو إجماع.
وقال عليه السلام: «صلاة النهار عجماء إلا الجمعة والعيدين» (3).
قال: (وإن قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان لم تصح صلاته. وعنه تصح).
أما كون صلاة من قرأ بما ذكر لا تصح على المذهب؛ فلأنه مأمور بقراءة القرآن في الصلاة. والقرآن ما ثبت بطريق مقطوع به وهو التواتر. وقراءةٌ ليست في مصحف عثمان -كقراءة ابن مسعود- ليست متواترة. بل أجمعت الصحابة على خلاف ذلك.
وأما كونها تصح على روايةٍ؛ فلأنها قراءة مأثورة. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد» (4) رواه البخاري (5).
(1) ذكره الترمذي تعليقاً في أبواب الصلاة، ورواه مفرقا في أبواب ثلاثة: باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح 2: 110 بالجملة الأولى. وفي باب: ما جاء في القراءة في الظهر والعصر ص: 111 بالجملة الثانية. وفي باب: ما جاء في القراءة في الظهر والعصر ص: 111 بالجملة الثالثة.
وأخرج عبدالرزاق في مصنفه (2672) 2: 104 باب ما يقرأ في الصلاة عن الحسن وغيره قال: «كتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل» .
(2)
في ب: أبو جعفر.
(3)
نقل النووي في المجموع عن الدارقطني وغيره من الحفاظ أنهم قالوا: هذا ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يرو عنه. وإنما قول بعض الفقهاء، ونقل عن الشيخ أبي حامد أنه سأل عنه أبا الحسن الدارقطني فقال: لا أعرفه عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيحاً ولا فاسداً. المجموع 3: 43.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (138) 1: 49 المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أحمد في مسنده (4255) 1: 445. وهو ليس عند البخاري.
(5)
في ج: رواه الإمام.
وكان سعيد بن جبير يصلي بقراءة عبدالله.
قال: (ثم يرفع يديه. ويركع مكبراً: فيضع يديه على ركبتيه، ويمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه).
أما كون المصلي يرفع يديه في الركوع؛ فلأن ابن عمر روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا ركع» (1) متفق عليه.
وروى مالك بن الحويرث قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع» (2) متفق عليه.
وأما كونه يركع؛ فلقوله تعالى: {اركعوا} [الحج: 77]، و «قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ثم اركع» (3).
وأما كونه يكبر حال ركوعه؛ فلما روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم. ثم يكبر حين يركع
…
الحديث» (4) متفق عليه.
وأما كونه يضع يديه على ركبيته؛ فلأن ابن المنذر قال: «ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يديه على ركبتيه في الركوع وفعله عمر وعلي وابن عمر» .
وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: «ركعت فجعلت يدي بين ركبتي فنهاني أبي. وقال: كنا نفعل هذا فنهينا عنه. وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب» (5) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (706) 1: 258 كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين.
وأخرجه مسلم في صحيحه (390) 1: 292 كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع
…
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (704) 1: 258 كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع.
وأخرجه مسلم في صحيحه (391) 1: 293 كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع
…
(3)
سبق تخريجه ص: 265.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (756) 1: 272 كتاب صفة الصلاة، باب التكبير إذا قام من السجود.
وأخرجه مسلم في صحيحه (392) 1: 293 كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (757) 1: 273 كتاب صفة الصلاة، باب وضع الأكف على الركب في الركوع.
وأخرجه مسلم في صحيحه (535) 1: 380 كتاب المساجد، باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع ونسخ التطبيق.
وأخرجه أبو داود في سننه (867) 1: 229 كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب الركوع والسجود.
وأخرجه النسائي في سننه (1032) 2: 185 كتاب التطبيق، نسخ ذلك.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (873) 1: 283 كتاب إقامة الصلاة، باب وضع اليدين على الركبتين.
وأخرجه أحمد في مسنده (1576) 1: 182.
وأما كونه يمد ظهره مستوياً؛ فلما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لو كان على ظهره قدح ماء ما تحرك لاستواء ظهره» (1).
وأما كونه يجعل رأسه حيال ظهره لا يرفعه ولا يخفضه؛ فلأن أبا حميد الساعدي ذكر في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم «رأيته إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هَصَرَ ظهره» (2) أي جذبه إلى بطنه.
وفي لفظ: «ثم اعتدل فلم يصوب ولم يُقْنِع» (3).
وقالت عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك» (4) رواه مسلم.
وأما كونه يجافي مرفقيه عن جنبيه؛ فلما روى أبو حميد «أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على ركبتيه كأنه قابضهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه» (5).
(1) أخرجه ابن ماجة في سننه (872) 1: 283 كتاب إقامة الصلاة، باب الركوع في الصلاة. ولفظه: عن راشد قال: سمعت وابصة بن معبد يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي. فكان إذا ركع سوى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر» .
وأخرجه أحمد في مسنده (997) 1: 123. بلفظ: «عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وضع قدح من ماء على ظهره لن يهراق».
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (794) 1: 284 كتاب صفة الصلاة، باب سنة الجلوس في التشهد.
وأخرجه أبو داود في سننه (731) 1: 195 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (730) 1: 194 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (304) 2: 105 أبواب الصلاة، باب منه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1061) 1: 337 كتاب إقامة الصلاة، باب إتمام الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (23269) 5: 424.
يُقْنِع: أي لم يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره، من قولهم: أقنع رأسه إذا نصبه.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (498) 1: 357 كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة
…
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (734) 1: 196 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (260) 2: 45 أبواب الصلاة، باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع.
قال: (وقدر الإجزاء الانحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه).
أما كون قدر الإجزاء الانحناء المذكور؛ فلأنه لا يسمى راكعاً بدون ذلك.
والمراد بمس ركبتيه مس يديه ركبتيه. ويجب بحيث يمكنه مسهما براحتيه ولا يكتفي برؤوس أصابعه.
قال صاحب النهاية فيها في: فصلٌ في الركوع: وله صنفان واجب ومستحب فالواجب الانحناء إلى أن يبلغ راحتاه إلى ركبتيه. فإذا فعل ذلك واطمأن أجزأ وإن لم يضعهما على ركبتيه. وفي حديث المسيء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك» (1).
قال: (ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثاً. وهو أدنى الكمال).
أما كون المصلي يقول سبحان ربي العظيم؛ فلما روى عقبة بن عامر: «لما نزلت: {فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74] قال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم» (2) رواه الإمام أحمد.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم» (3) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
وأما كون ذلك ثلاثاً وأنه أدنى الكمال؛ فلما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم. وذلك أدناه» (4). أخرجه أبو داود.
(1) سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (869) 1: 230 كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (887) 1: 287 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب التسبيح في الركوع والسجود.
وأخرجه أحمد في مسنده (17450) 4: 155.
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه (262) 2: 48 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه. (886) 1: 234 كتاب الصلاة، باب مقدار الركوع والسجود.
وأخرجه الترمذي في جامعه (261) 2: 46 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (890) 1: 287 كتاب إقامة الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود.
قال أبو داود: هذا مرسل. عون لم يدرك عبد الله. وقال الترمذي: حديث ابن مسعود ليس إسناده بمتصل. عون لم يلق ابن مسعود والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات.
والمراد أدنى الكمال لأنه لا يجوز أن يكون أدنى الواجب. ضرورة أن الواجب مرة. فلم يبقى إلا أدنى الكمال.
قال: (ثم يرفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده. ويرفع يديه. فإذا قام قال: ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد).
أما كون المصلي يرفع رأسه؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «ثم ارفع حتى تعتدل قائماً» (1) رواه البخاري.
وأما كونه يقول: سمع الله لمن حمده حال رفعه؛ فلأن في حديث أبي هريرة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع. ويقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد» (2).
وأما كونه يرفع يديه في الرفع من الركوع فإن في حديث أبي حميد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه» (3).
وفي حديث ابن عمر المتفق عليه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه. وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك» (4).
(1) سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (756) 1: 272 كتاب صفة الصلاة، باب التكبير إذا قام من السجود.
وأخرجه مسلم في صحيحه (392) 1: 293 كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (730) 1: 194 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (304) 2: 105 أبواب الصلاة، باب منه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1061) 1: 337 كتاب إقامة الصلاة، باب إتمام الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (23269) 5: 424.
(4)
أخرجه البخاري في صححيه (702) 1: 257 كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء.
وأخرجه مسلم في صحيحه (390) 1: 292 كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود.
وموضع الرفع للإمام إذا رفع رأسه. يجعل ابتداء رفع اليدين مع ابتداء رفع رأسه قائلاً: سمع الله لمن حمده لأنه حين الانتقال فشرع فيه الرفع كحال الركوع.
قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه» (1).
وعن أحمد أنه لا يرفع حتى يستتم قائماً؛ لأن في بعض ألفاظ حديث ابن عمر: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعد ما يرفع رأسه» (2).
ولأنه رفع فلا يشرع في غير حال القيام كتكبيرة الإحرام والركوع.
والأول أولى؛ لأن ظاهر حديث ابن عمر المتفق عليه يدل عليه لأن قوله: «وإذا رفع رأسه رفعهما» يقتضي المعية [كقوله: «وإذا كبر للركوع»](3).
وأما المأموم فيبتدؤه عند رفع رأسه رواية واحدة. وكذلك المنفرد إن لم يشرع له قول: ربنا ولك الحمد؛ لأنه ليس في حقهما ذكر بعد الاعتدال. والرفع إنما جعل للذكر بخلاف الإمام فإن له ذكراً حال قيامه وذكراً وهو قائم.
وأما كونه إذا قام يقول: ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعدُ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك ويأمر به فروى أبو هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ويقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد» (4).
وعن أبي سعيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد» (5) متفق عليهما.
(1) سبق تخريجه قبل الحديث السابق.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (705) 1: 258 كتاب صفة الصلاة، باب إلى أين يرفع يديه.
وأخرجه مسلم في صحيحه (390) 1: 292 كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود.
(3)
زيادة من ج.
(4)
سبق تخريجه ص: 359.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (477) 1: 347 كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع. ولم أره في البخاري.
قال: (فإن كان مأموماً لم يزد على ربنا ولك الحمد إلا عند أبي الخطاب).
أما كون المأموم لا يزيد على قول: ربنا ولك الحمد على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المأموم بالتحميد» (1) واقتصر عليه فلو كانت الزيادة على ذلك مشروعة لأمره به.
وأما كونه يزيد على ذلك عند أبي الخطاب والمراد قول: ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد؛ فلعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (2).
ولأنه ذكر مشروع للإمام فشرع للمأموم بالقياس عليه.
وأما التسميع فقال المصنف رحمه الله في المغني: لا أعلم خلافاً في المذهب أنه لا يشرع له لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم! ربنا ولك الحمد» (3). ولو كان مشروعاً لأمره به.
ولأن الفاء للتعقيب فيقتضي أن يلي قول الإمام: سمع الله لمن حمده قول المأموم: ربنا ولك الحمد. وذلك يمنعه من قول: سمع الله لمن حمده.
قال: (ثم يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، فيضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه. ويكون على أطراف أصابعه).
أما كون المصلي يكبر للسجود؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل رفع وخفض» (4).
وأما كونه يخر ساجداً؛ فلقوله تعالى: {واسجدوا} [الحج: 77].
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخر ساجداً» (5)، وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» (6).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (763) 1: 274 كتاب صفة الصلاة، باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد.
وأخرجه مسلم في صحيحه (409) 1: 306 كتاب الصلاة، باب التسميع والتحميد والتأمين.
(2)
سيأتي تخريجه ص: 396.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (699) 1: 257 كتاب صفة الصلاة، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (411) 1: 308 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه (253) 2: 33 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود.
وأخرجه النسائي في سننه (1083) 2: 205 باب التطبيق، باب التكبير للسجود.
وأخرجه أحمد في مسنده (4224) 1: 443.
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه (304) 2: 105 أبواب الصلاة، باب منه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1061) 1: 337 كتاب إقامة الصلاة، باب إتمام الصلاة.
(6)
سيأتي تخريجه ص: 396.
وأما كونه يرفع يديه حال سجوده؛ فلأن ابن عمر قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع. وكان لا يفعل ذلك في السجود» (1) متفق عليه.
وأما كونه يضع ركبتيه قبل يديه إذا سجد؛ فلما روى وائل بن حجر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» (2) رواه أبو داود والترمذي. وقال: هذا حديث حسن غريب.
وعن أحمد أنه يضع يديه قبل ركبتيه؛ لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه. ولا ينزل كما ينزل البعير» (3) رواه النسائي.
والأول أصح.
قال الخطابي: حديث وائل بن حجر أصح من حديث أبي هريرة وبتقدير مساواته له في الصحة هو منسوخ؛ لما روي عن أبي سعيد: «كنا نضع اليدين قبل الركبتين [فأمرنا بوضع الركبتين] (4) قبل اليدين» (5).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (703) 1: 258 كتاب صفة الصلاة، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع.
وأخرجه مسلم في صحيحه (390) 1: 292 كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع
…
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (838) 1: 222 كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه.
وأخرجه الترمذي في جامعه (268) 2: 56 أبواب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود.
وأخرجه النسائي في سننه (1154) 2: 234 باب التطبيق، باب رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (882) 1: 286 كتاب إقامة الصلاة، باب السجود.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (840) 1: 222 كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه.
وأخرجه النسائي في سننه في سننه (1091) 2: 207 باب التطبيق، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده.
(4)
ساقط من ب.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 100 كتاب الصلاة، باب من قال: يضع يديه قبل ركبتيه.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه (628) 1: 319 كتاب الصلاة، باب ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود منسوخ
…
وقد عزاه المصنف إلى أبي سعيد والصواب: سعد ابن أبي وقاص كما في سنن البيهقي وصحيح ابن خزيمة وغيره من المصادر التي أوردت الحديث. وإسناده ضعيف: يحيى بن سلمة بن كُهيل متروك الحديث كما في التقريب. قال فيه البخاري: في حديثه مناكير. وقال النسائي: في الضعفاء والمتروكين.
وأما كونه يضع جبهته وأنفه بعد ذلك؛ فلما روى أبو حميد الساعدي قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض» (1). رواه الترمذي. وقال: هذا حديث صحيح.
وأما كونه يكون على أطراف أصابعه؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت بالسجود على سبعة أعظم. وذكر من ذلك: أطراف القدمين» (2).
قال: (والسجود على هذه الأعضاء واجب إلا الأنف على إحدى الروايتين).
أما كون السجود على هذه الأعضاء غير الأنف واجباً؛ فلما روى ابن عباس قال: «أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يَسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعراً ولا ثوباً: الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين» (3).
وفي لفظ آخر: «أُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم» (4) متفق عليهما.
والأمر للوجوب.
وأما كون السجود على الأنف واجباً على روايةٍ؛ فلما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُمرت بالسجود على سبعة أعظم: الجبهة وأشار بيده إلى أنفه» (5).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (734) 1: 196 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (270) 2: 59 أبواب الصلاة، باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (779) 1: 280 كتاب صفة الصلاة، باب السجود علىالأنف، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه مسلم في صحيحه (490) 1: 354 كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود
…
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (776) 1: 280 كتاب صفة الصلاة، باب السجود على سبعة أعظم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (490) 1: 354 كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود
…
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (777) 1: 280 كتاب صفة الصلاة، باب السجود على سبعة أعظم.
وأخرجه مسلم في الموضع السابق.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (779) 1: 280 كتاب صفة الصلاة، باب السجود على الأنف.
وأخرجه مسلم في الموضع السابق.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أهله
تصلي ولا تضع أنفها بالأرض. فقال: يا هذه! ضعي أنفك بالأرض. فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه بالأرض مع جبهته في الصلاة» (1) رواه الدارقطني.
وأما كونه غير واجب على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسجود على سبعة أعظم ليس فيها الأنف» (2). رواه تمام في فوائده.
والأولى هي الصحيحة في المذهب؛ لما تقدم.
قال: (ولا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء منها إلا الجبهة على إحدى الروايتين).
أما كون المصلي لا يجب عليه مباشرة المصلى بالقدمين؛ فللإجماع على صحة صلاة لابس الخفين.
وأما كونه لا يجب عليه مباشرته بالركبتين؛ فلأنهما متصلتان (3) بالعورة. وعورةٌ عند قوم فلا يليق كشفهما فضلاً عن وجوبه.
وأما كونه لا يجب عليه مباشرته باليدين؛ فلما روى ابن ماجة عن ثابت بن صامت «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد بني عبد الأشهل وعليه كساء ملتف به يضع يديه عليه يقيه من برد الحصى» (4). وفي لفظ: «فلم يخرج يديه من ثوبيه» (5).
وأما كونه لا يجب عليه مباشرته بالجبهة على روايةٍ؛ فبالقياس على سائر الأعضاء.
فعلى هذا لو سجد على كور عمامته أو كمه أو ذيله صحت صلاته لما تقدم.
وروى أنس قال: «كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود» (6) رواه البخاري.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (1) 1: 348 كتاب الصلاة، باب وجوب وضع الجبهة والأنف.
(2)
لم أقف عليه في القسم المطبوع من فوائد تمام.
(3)
في ب: متصلان.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1032) 1: 329 كتاب إقامة الصلاة، باب السجود على الثياب في الحر والبرد.
(5)
لم أقف على هذا اللفظ.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (378) 1: 151 أبواب الصلاة في الثياب، باب السجود على الثوب في شدة الحر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (620) 1: 433 كتاب المساجد، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر. بلفظ:«كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه» .
وقال الحسن: «كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويده في كمه» (1).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سجد على كَوْر العمامة» (2). رواه ابن أبي حاتم من طرق كلها ضعيفة.
وأما كونه يجب عليه مباشرته بها على روايةٍ؛ فلما روي عن حباب قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأَكُفِّنا فلم يُشْكِنا» (3). رواه مسلم.
ولأنه (4) سجد على ما هو حامل له أشبه إذا سجد على يديه.
والأولى أصح.
والجواب عن الحديث أنه قيل: إنهم طلبوا تسقيف المسجد فلم يجبهم، أو أنهم طلبوا منه الرخصة لهم في ترك السجود عليها ولذلك لم يعمل به في الأكف.
قال: (ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويضع يديه حذو منكبيه، ويفرق بين ركبتيه، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً).
أما كون المصلي يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ويأمر به» .
(1) ذكره البخاري في صحيحه تعليقاً 1: 151 أبواب الصلاة في الثياب، باب السجود على الثوب في شدة الحر.
(2)
أخرجه ابن أبي حاتم في علل الحديث (535) 1: 187، من حديث أنس رضي الله عنه.
قال أبو حاتم: هذا حديث منكر.
الكَوْرُ: لَوْثُ العمامة، يعني إدارتها على الرأس، وقد كورتها تكويراً. وقال النضر: كل دارة من العمامة كَوْر، وكل دَور كور، وتكوير العمامة كورها، وكارَ العمامة على الرأس يَكْوُرُها كوراً: لاثَها عليه وأدارها. اللسان مادة (كور).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (619) 1: 433 كتاب المساجد، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر.
وأخرجه النسائي في سننه (497) 1: 247 كتاب المواقيت، أول وقت الظهر.
وأخرجه أحمد في مسنده (21090) 5: 108.
(4)
في ب: ولا.
قال أحمد في رسالته: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة تحت ذراعيه لنفدت» (1). وذلك لشدة مبالغته في رفع عضديه. ورواه أبو داود أيضاً.
وفي حديث أبي حميد «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سجد جافى عضديه عن جنبيه» (2).
وفي لفظ للبخاري: «فإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما» (3).
وأما كونه يضع يديه حذو منكبيه؛ فلأن في حديث أبي حميد «أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يديه حذاء منكبيه» (4) رواه أبو داود.
فإن قيل: ما صفة وضعهما؟
قيل: أن يضع راحتيه على الأرض معتمداً عليهما منشورة مضمومة الأصابع. بخلاف وضع ذلك على الركبتين لوجهين:
الأول: أنه في الركوع بالتفريق يتمكن فيأمن السقوط، وفي السجود لا يحتاج إلى ذلك.
الثاني: أنه إذا ضمها في السجود استقبل بها القبلة بخلاف ما لو فرقها، وفي الركوع لا يستقبل بها القبلة فرقها أو ضمها.
وأما كونه يفرق بين ركبتيه؛ فلأن في حديث أبي حميد «كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرج بين فخذيه» (5) رواه أبو داود.
وأما كونه يقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً؛ فلما روى عقبة بن عامر قال: «لما نزل {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] قال -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في سجودكم» (6) رواه أبو داود.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (898) 1: 236 كتاب الصلاة، باب صفة السجود. بلفظ:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر تحت يديه مرت» .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (900) 1: 237 كتاب الصلاة، باب صفة السجود. من حديث أحمر بن جزء رضي الله عنه.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (794) 1: 284 كتاب صفة الصلاة، باب سنة الجلوس في التشهد.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (734) 1: 196 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (270) 2: 59 أبواب الصلاة، باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (735) 1: 196 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
(6)
سبق تخريجه ص: 358.
وروى حذيفة بن اليمان «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سجد: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات» (1) رواه الأثرم وأبو داود. ولم يقل: ثلاث مرات.
قال: (ثم يرفع رأسه مكبراً. ويجلس مفترشاً: يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى. ثم يقول: رب اغفر لي ثلاثاً).
أما كون المصلي يرفع رأسه من السجود إلى الجلوس؛ فلأن الجلوس واجب لما يأتي ولا يمكن ذلك إلا بالرفع.
وأما كونه يكبر في حال رفعه؛ فلما تقدم من «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل رفع وخفض» (2).
وأما كونه يجلس بعد رفع رأسه؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «ثم اجلس حتى تطمئن جالساً» (3) رواه البخاري.
وأما كون جلوسه مفترشاً. ومعناه: أن يثني رجله اليسرى ويبسطها ويجلس عليها وينصب اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعها على الأرض؛ فلأن في حديث أبي حميد: «ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها» (4).
وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى» (5) رواه مسلم.
وأما كونه يقول: رب اغفر لي ثلاثاً فقياساً على سائر الأذكار.
وقال الخرقي: يقولها مرتين لما روى حذيفة «أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي رب اغفر لي» (6) رواه النسائي.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (874) 1: 231 كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده.
(2)
سبق تخريجه ص: 361.
(3)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (963) 1: 252 كتاب الصلاة، باب من ذكر التورك في الرابعة.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (498) 1: 357 كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة
…
(6)
أخرجه النسائي في سننه (1145) 2: 230 كتاب التطبيق، باب الدعاء بين السجدتين.
قال: (ثم يسجد الثانية كالأولى. ثم يرفع رأسه مكبراً ويقوم على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه إلا أن يشق عليه فيعتمد بالأرض. وعنه: أنه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وإليتيه ثم ينهض).
أما كون المصلي يسجد الثانية كالأولى؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل كذلك (1).
وأما كونه يرفع رأسه من السجود إلى القيام؛ فلأن القيام إلى الثانية متعين ولا يمكن إلا بالرفع.
وأما كونه يكبر في حال الرفع؛ فلما تقدم من «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل رفع وخفض» (2).
وأما كونه يقوم إلى الثانية من غير جلوس على المذهب؛ فلأن وائل بن حجر قال: «كان يعني النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجود استوى قائماً» (3).
ولأنه قول ابن عمر وابن مسعود وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف.
وأما كونه يجلس جلسة الاستراحة على روايةٍ؛ فلما روى مالك بن الحويرث «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض» (4). قال البخاري: وذكره أبو حميد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وهو حديث حسن.
وأما كون جلوسه على هذه الرواية على قدميه وإليتيه مفضياً بهما إلى الأرض؛ فلأنه لو جلس مفترشاً لم يأمن السهو.
والأول أصح.
قال الإمام أحمد: أكثر الأحاديث على هذا.
وقال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم (5).
وقيل: اختلاف الروايتين يرجع إلى اختلاف حالتين فحيث قال: يجلس إذا كان المصلي ضعيفاً. وحيث قال: لا يجلس أراد إذا كان قوياً.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (304) 2: 105 أبواب الصلاة، باب منه.
(2)
سبق تخريجه ص: 361.
(3)
ذكره الحافظ في التلخيص وعزاه إلى مسند البزار 1: 276.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (645) 1: 239 كتاب الجماعة والإمامة، باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(5)
ذكره الترمذي عقب حديث أبي هريرة: «كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه» . قال: حديث أبي هريرة العمل عليه عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قديمه. اهـ جامع الترمذي 2: 80.
وأما كونه إذا قام من غير جلوس وكان ممن لا يشق عليه الاعتماد على ركبتيه يقوم على صدور قدميه معتمداً على ركبتيه ولا يعتمد بالأرض؛ فلأن الاعتماد على الأرض يلزم منه رفع الركبتين قبل اليدين وذلك خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم لأن وائل بن حجر قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» (1) رواه أبو داود.
وأما كونه إذا قام من غير جلوس وكان ممن يشق عليه الاعتماد على ركبتيه يعتمد بالأرض؛ فلقول علي رضي الله عنه: «إن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع» (2) رواه الأثرم.
قال: (ثم يصلي الثانية كذلك إلا في تكبيرة الإحرام والاستفتاح. وفي الاستعاذة روايتان).
أما كون المصلي يصلي الثانية كالأولى فيما عدا المستثنى؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (3).
وأما كونه لا يكبر تكبيرة الإحرام ولا يستفتح؛ فلما روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت» (4) رواه مسلم.
ولأن تكبيرة الإحرام والاستفتاح يرادان لافتتاح الصلاة وذلك مفقود في الثانية.
وأما كونه لا يستعيذ على روايةٍ؛ فلما تقدم.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (838) 1: 222 كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه.
وأخرجه الترمذي في جامعه (268) 2: 56 أبواب الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود.
وأخرجه النسائي في سننه (1154) 2: 234 باب التطبيق، باب رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (882) 1: 286 كتاب إقامة الصلاة، باب السجود.
قال الترمذي: حديث حسن غريب والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 136 كتاب الصلاة، باب الاعتماد بيديه على الأرض إذا نهض
…
(3)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (599) 1: 419 كتاب المساجد، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة.
وأما كونه يستعيذ على روايةٍ؛ فلقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} [النحل: 98].
والأولى أصح (1)؛ لما ذكر من الحديث.
ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة. ولهذا اعتبر الترتيب في الركعتين، وكره التنكيس فيهما.
قال: (ثم يجلس مفترشاً. ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مراراً. ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى).
أما كون المصلي يجلس مفترشاً؛ فلأن في حديث أبي حميد: «وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على (2) مقعدته» (3) رواه البخاري.
وأما كونه يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى يقبض منها الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام مع الوسطى ويشير بالسبابة في تشهده مراراً ويبسط اليسرى على فخذه اليسرى؛ فلما روى وائل بن حجر «أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه الأيمن. ثم عقد من أصابعه الخنصر والتي تليها. وحلق حلقة بأصبعه الوسطى على الإبهام. ورفع السبابة يشير بها. ووضع مرفقه الأيسر على فخذه الأيسر» (4).
قال: (ثم يتشهد فيقول: التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. هذا التشهد الأول).
أما كون المصلي يتشهد كما قال المصنف رحمه الله؛ فلما روى ابن مسعود قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
(1) ساقط من ب.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (794) 1: 284 كتاب صفة الصلاة، باب سنة الجلوس في التشهد.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (726) 1: 193 كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (18870) 4: 316.
وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» (1) متفق عليه. قال الترمذي: هذا أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد. فلذلك اختاره الإمام أحمد.
فإن قيل: ما يجب من ذلك؟
قيل: قال ابن حامد: رأيت جماعة من أصحابنا يقولون: لو ترك واواً أو حرفاً أعاد الصلاة.
وقد روي عن الإمام أحمد: أنه إذا قال: وأن محمداً عبده ورسوله ولم يذكر وأشهد قال: أرجو أن يجزئه.
فعلى هذا لو ترك لفظاً لا يَسقط المعنى بتركه تصح صلاته.
وقد قال أحمد: إن تشهد بغير تشهد ابن مسعود مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كتشهد ابن عباس وغيره جاز.
قال القاضي: ومقتضى هذا أنه متى أخل بلفظة ساقطة في بعض التشهدات صح تشهده.
فعلى هذا يجوز أن يقال: أقل ما يجزئ في التشهد: التحيات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، والشهادتان بالله ورسوله. لأن ذلك لم يسقط شيء منه في جميع ألفاظ الحديث. وما زاد سقط في بعض دون بعض.
وأما قول المصنف رحمه الله: هذا التشهد الأول؛ فمعناه أنه لا يزيد على هذا في التشهد الأول؛ لما روى ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين كأنما يجلس على الرَّضْف (2» ) (3) رواه أبو داود.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5910) 5: 2311 كتاب الاستئذان، باب الأخذ باليدين.
وأخرجه مسلم في صحيحه (402) 1: 302 كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (290) 2: 83 أبواب الصلاة، باب منه أيضاً.
(2)
في الأصل: الوضوء. وما أثبته لفظ الحديث عند أبي داود وغيره.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (995) 1: 261 كتاب الصلاة، باب في تخفيف القعود.
وأخرجه الترمذي في جامعه (366) 2: 203 أبواب الصلاة، باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين.
وأخرجه النسائي في سننه (1176) 2: 242 باب التطبيق، باب التخفيف في التشهد الأول. والرَّضف: هو الحجارة المحمّاة على النار.
ولو شرع فيه أكثر من ذلك ما كان الأمر كذلك.
قال: (ثم يقول: اللهم! صل على محمد (1) وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد [وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد](2). وإن شاء قال: كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وكما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم).
أما كون المصلي يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلأنه مأمور به وسيأتي بعدُ صفته.
وأما كونه يصلي عليه بما شاء من القول الأول والثاني؛ فلأن كلاً مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الأول؛ فلما روى كعب بن عجرة قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا: قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا: اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (3) متفق عليه.
وأما الثاني؛ فلأن الترمذي روى في حديث كعب بن عجرة وصححه وقال فيه: «اللهم! صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» (4).
(1) في ج: سيدنا محمد.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (5996) 5: 2338 كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (406) 1: 305 كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه (483) 2: 352 أبواب الصلاة، باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (ويستحب أن يتعوذ فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال. وإن دعا بما ورد في الأخبار فلا بأس).
أما كون المصلي يستحب له أن يتعوذ فيقول ما ذكر؛ فلما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: عذابِ النار، وعذابِ القبر، وفتنةِ المحيا والممات، وفتنةِ المسيح الدجال» (1) متفق عليه (2).
وأما كونه لا بأس أن يتعوذ بما ورد في الأخبار؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثم ليتخير من المسألة ما شاء» (3).
خرج من ذلك غيرُ [ما في](4) الأخبار لما يأتي فيبقى ما (5) في الأخبار على مقتضاه.
والمراد بما ورد في الأخبار ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة أو عن التابعين لا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط؛ لأن عموم قوله: «ثم ليتخير من المسألة ما شاء» (6) وعموم قوله: «ثم ليتخير من الدعاء ما أعجبه» (7) يوجب دخول ما ورد عن الصحابة والتابعين.
ولذلك ذهب الإمام أحمد إلى حديث ابن مسعود في الدعاء بعد التشهد وهو موقوف عليه. وهو ما روى عمير بن سعد قال: سمعت عبدالله يقول: «إذا جلس أحدكم في صلاته ذكر التشهد. ثم ليقل: اللهم! إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم. وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم. اللهم! إني أسألك من خير ما سألك عبادك الصالحون وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبادك
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1311) 1: 463 كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (588) 1: 412 كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (402) 1: 301 كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة.
(4)
ساقط من ب.
(5)
ساقط من ب.
(6)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه (800) 1: 287 كتاب صفة الصلاة، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب. ولفظه:«ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو» .
الصالحون {ربنا آتنا في الدنيا حسنة
…
الآية} [البقرة: 201]{ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيآتنا -إلى قوله-: إنك لا تخلف الميعاد} [آل عمران: 193 - 194]» (1).
وكلام المصنف رحمه الله: مشعر بأنه لا يدعو بغير ما ورد من الأخبار المذكورة وهو صحيح.
فعلى هذا لا يدعو بملاذّ الدنيا. مثل أن يقول: اللهم! ارزقني زوجة حسناء وطعاماً طيباً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» (2) رواه مسلم.
قال: (ثم يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله. وعن يساره كذلك. فإن لم يقل ورحمة الله لم يجزئه. وقال القاضي: يجزئه. ونص عليه أحمد في صلاة الجنازة).
أما كون المصلي يسلم عن يمينه على الصفة المذكورة وعن يساره كذلك؛
فلما روى ابن مسعود وابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله» (3) رواه مسلم.
وأما كونه إذا لم يقل ورحمة الله لا يجزئه على المذهب؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك. وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (4).
ولأنه سلام شرع فيه ذكر الرحمة فلم يجزئه بدونها كالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد.
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3025) 1: 264 كتاب الصلاة، ما يقال بعد التشهد مما رخص فيه.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (537) 1: 381 كتاب المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
(3)
لم أجده في صحيح مسلم بهذا اللفظ. وقد أخرجه كلفظ المؤلف أبو داود في سننه (996) 1: 261 كتاب الصلاة، باب في السلام.
وأخرجه الترمذي في جامعه (295) 2: 89 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التسليم في الصلاة.
وأخرجه النسائي في سننه (1325) 3: 11 كتاب السهو، كيف السلام على الشمال. كلهم عن ابن مسعود. و (1320) 3: 62 كيف السلام على اليمين. عن ابن عمر.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (916) 1: 296 كتاب إقامة الصلاة، باب التسليم. عن عمار بن ياسر.
وأخرجه أحمد في مسنده (3699) 1: 390. عن ابن مسعود.
(4)
سيأتي تخريجه ص: 396.
وأما كونه يجزئه على قول القاضي؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحليلها التسليم» (1). وهو حاصل بدون ذكر الرحمة.
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: «السلام عليكم» .
وأما قول المصنف رحمه الله: ونص عليه أحمد في صلاة الجنازة؛ فتأنيس لقول القاضي من حيث إنها صلاة مفروضة ونص الإمام فيها على الاقتصار على السلام من غير ذكر الرحمة.
قال: (وينوي بسلامه الخروج من الصلاة. فإن لم ينو جاز. وقال ابن حامد: تبطل صلاته).
أما كون المصلي ينوي بسلامه الخروج من الصلاة؛ فلتكون النية شاملة لطرفي الصلاة.
وأما كونه إذا لم ينو ذلك يجوز على المذهب؛ فلأن نية الصلاة قد شملت جميعها والسلام من جملتها.
ولأنها عبادة فلم تجب النية للخروج منها كسائر العبادات.
وأما كون صلاته تبطل على قول ابن حامد؛ فلأن السلام أحد طرفي الصلاة فلم تصح مع عدم النية فيه كالآخر.
قال: (وإن كان في مغرب أو رباعية نهض مكبراً إذا فرغ من التشهد الأول. وصلى الثالثة والرابعة مثل الثانية إلا أنه لا يجهر ولا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة).
أما كون المصلي ينهض مكبراً إذا فرغ فيما ذكر؛ فلما تقدم في القيام إلى الثانية.
وأما كونه يصلي الثالثة والرابعة مثل الثانية في غير المستثنى؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء: «ثم افعل ذلك في صلاتك كلها» (2).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (618) 1: 165 كتاب الصلاة، باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (3) 1: 8 أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. كلاهما من حديث علي رضي الله عنه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (276) 1: 101 كتاب الطهارة، باب مفتاح الصلاة الطهور.
(2)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
وأما كونه لا يجهر في ذلك؛ فلأنه لم ينقل أنه عليه السلام كان يجهر في الأخيرتين.
وأما كونه لا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة فيها؛ فلما روى أبو قتادة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورتين. وفي الركعتين الأخيرتين بأم الكتاب» (1) متفق عليه.
قال: (ثم يجلس في التشهد الثاني متوركاً يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى ويخرجها عن يمينه ويجعل إليتيه على الأرض).
أما كون المصلي يجلس متوركاً في التشهد الثاني؛ فلأن في حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي عليه السلام: «حتى إذا كانت الركعة التي يقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً» (2).
وفي رواية البخاري: «أخر رجله اليسرى وجلس متوركاً على شقه الأيسر» (3).
وأما كونه يفرش رجله إلى آخره؛ فلأن ذلك صفة التورك.
وفي حديث أبي حميد في بعض رواياته: «فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة» (4) رواه أبو داود.
وفي لفظ: «جلس على إليتيه ونصب قدمه اليمنى» .
(1) سبق تخريجه ص: 354.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (730) 1: 194 كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (304) 2: 105 أبواب الصلاة، باب منه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (1061) 1: 337 كتاب إقامة الصلاة، باب إتمام الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (23269) 5: 424.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (963) 1: 252 كتاب الصلاة، باب من ذكر التورك في الرابعة. باللفظ الذي أورده المؤلف.
وقد أخرجه البخاري في صحيحه (794) 1: 284 كتاب الصلاة، باب سنة الجلوس في التشهد. بلفظ:«وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته» .
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (965) 1: 253 كتاب الصلاة، باب من ذكر التورك في الرابعة.
قال: (والمرأة كالرجل في ذلك كله إلا أنها تجمع نفسها في الركوع والسجود وتجلس متربعة أو تسدل رجليها فتجعلهما في جانب يمينها. وهل يسن لها رفع اليدين؟ على روايتين).
أما كون المرأة كالرجل فيما عدا المستثنى؛ فلأنها تدخل تحت الخطاب.
وأما كونها تجمع نفسها في حالتي الركوع والسجود؛ فلأن ذلك (1) أستر لها. وهو المطلوب في المرأة لأنها عورة.
وأما كونها تجلس متربعة أو سادلة رجليها في جانب يمينها؛ فلما تقدم من أن المرأة مطلوب سترها. وفي الحديث «أن ابن عمر رضي الله عنه كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة» (2).
وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: «إذا صلت المرأة فَلْتَحْفِز ولتضم فخذيها» (3).
وأما كونها يسن لها رفع اليدين على روايةٍ؛ فـ «لأن أم الدرداء وحفصة بنت سيرين كانتا ترفعان أيديهما» (4) رواه الخلال.
ولأن من شرع له التكبير شرع له الرفع لأنه هيئة له.
ولأن الأصل مساواة المرأة الرجل. وذلك مشروع له فلتكن مثله.
وأما كونها لا يسن لها ذلك على روايةٍ؛ فلما في تركه من المبالغة في الستر المطلوب.
ولأن المرأة يستحب لها أن تجمع نفسها وتترك التجافي. فكذا لا ترفع.
(1) في ب: فلأن في ذلك.
(2)
أخرجه أحمد في المسائل رواية عبدالله 1: 263 - 264 وفيه: «نساءه» بدل النساء.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2777) 1: 242 كتاب الصلاة، المرأة كيف تكون في سجودها. وفيه:«إذا سجدت» بدل: «إذا صلت» .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 325 كتاب الصلاة، باب ما يستحب للمرأة من ترك التجافي في الركوع والسجود. بلفظ:«إذا سجدت المرأة فلتضم فخذيها» .
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2470) 1: 216 كتاب الصلاة، باب: في المرأة إذا افتتحت الصلاة إلى أين ترفع يديها، عن عبد ربه بن زيتون قال:«رأيت أم الدرداء ترفع كفيها حذو منكبيها حين تفتتح الصلاة فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده رفعت يديها قالت: اللهم ربنا لك الحمد» .
وأخرج عن عاصم الأحول (2475) قال: «رأيت حفصة بنت سيرين كبرت في الصلاة وأومأت حذو ثدييها» .
فصل [في مكروهات الصلاة]
قال المصنف رحمه الله: (ويكره الالتفات في الصلاة، ورفع بصره إلى السماء، وافتراش الذراعين في السجود، والإقعاء في الجلوس. وهو: أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه. وعنه أنه سنة).
أما كون المصلي يكره له الالتفات في الصلاة؛ فلما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل» (1) متفق عليه.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يزالُ الله مقبلاً على العبدِ وهو في صلاته ما لم يلتفت. فإذا التفت انصرفَ عنه» (2) رواه أبو داود.
ولا بد أن يلحظ في هذا الالتفات المكروه أن يكون لغير حاجة. فإن كان لحاجة وكان بطرفه دون لَيّ عنقه لم يكره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه «أنه كان يصلي وهو يلتفت إلى الشعب يحرس» (3) رواه أبو داود.
وروى ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتفت يميناً وشمالاً ولا يَلْوِي عنقه» (4) رواه النسائي.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (718) 1: 261 كتاب صفة الصلاة، باب الالتفات في الصلاة. ولم أجده في صحيح مسلم.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (909) 1: 239 كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة.
وأخرجه النسائي في سننه (1195) 3: 8 كتاب السهو، باب التشديد في الالتفات في الصلاة. كلاهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه (916) 1: 241 كتاب الصلاة، باب الرخصة في ذلك.
(4)
أخرجه النسائي في سننه (1201) 3: 9 كتاب السهو، باب الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً.
وأخرجه الترمذي في جامعه (587) 2: 482 أبواب الصلاة، باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة. ولفظه:«كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً ولا يلوي عنقه خلف ظهره» .
وأما كونه يكره له رفع بصره إلى السماء؛ فلقوله عليه السلام: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم. فاشتد قوله في ذلك حتى قال: لينتهن أو لتخطفن أبصارهم» (1) رواه البخاري.
ولأنه يمنع الخشوع.
وأما كونه يكره له افتراش الذراعين في السجود؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع» (2) متفق عليه.
وأما كونه يكره له الإقعاء في الجلوس في الصلاة على المذهب؛ فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قال لعلي: يا علي! أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لنفسي، وأكرهُ لك ما أكره لنفسي. لا تُقْعِ بين السجدتين» (3) رواه الترمذي.
وعن أنس قال: «قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إذا رفعت رأسك من السجود فلا تُقْعِ كما يُقْعِي الكلب» (4) رواه أحمد.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَنهى عن عُقْبَةِ الشيطان» (5) متفق عليه.
وأما كونه سنة على روايةٍ؛ فلأن العبادلة كانوا يفعلونه ابن عمر وابن عباس وابن الزبير.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (717) 1: 261 كتاب صفة الصلاة، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (788) 1: 283 كتاب صفة الصلاة، باب لا يفترش ذراعيه في السجود. بلفظ:«اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (498) 1: 357 كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به
…
واللفظ له.
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه (282) 2: 72 أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية الإقعاء في السجود.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (894) 1: 289 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الجلوس بين السجدتين. مختصراً.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (896) 1: 289 كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب الجلوس بين السجدتين. واللفظ له.
وأخرجه أحمد في مسنده (8091) 2: 311. من حديث أبي هريرة. بلفظ: «
…
ونهاني عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب
…
».
وفي (13462) 3: 233. عن أنس بن مالك بلفظ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء والتورك في الصلاة».
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (498) 1: 357 كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به
…
ولم أجده في صحيح البخاري.
وعن طاووس قال: «قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين قال: هي سنة نبيك» (1) رواه مسلم.
والأول أصح؛ لما تقدم من الأحاديث. وهي أولى بالتقديم؛ لأنها أصح وأكثر رواة.
ولأنها مستندة إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما قول المصنف رحمه الله: وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه؛ فبيان لمعنى الإقعاء.
قال أبو عبيد: هذا عند الفقهاء وأهل الحديث. وعند العرب أن ينصب قدميه معاً على الأرض ويجلس على إليتيه. مثل إقعاء السبع والكلب ولا يعلم أحداً استحب هذه الصفة.
قال: (ويكره أن يصلي وهو حاقن، أو بحضرة طعام تتوق نفسه إليه).
أما كون المصلي يكره له أن يصلي وهو حاقن؛ فلقوله عليه السلام: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان» (2) رواه مسلم.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو زناء» (3) أي حاقن. قاله أبو عبيد.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى أن يصلي الرجل وبه طوف» (4).
قال قطرب: الطوف الحدث من الغائط والبول.
وأما كونه يكره له أن يصلي بحضرة طعام تتوق نفسه إليه؛ فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة بحضرة طعام» (5).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (536) 1: 380 كتاب المساجد، باب جواز الإقعاء على العقبين.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (560) 1: 393 كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال
…
(3)
أخرجه ابن ماجة في سننه (617) 1: 202 كتاب الطهارة، باب ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي. ولفظه: عن أبي أمامة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن» .
وذكره البغوي في شرح السنة غير مسند 3: 360 بلفظ: «لا يصلين أحدكم وهو زناء» .
(4)
ذكره أبو عبيد في غريب الحديث 1: 149.
(5)
سبق تخريجه قريباً.
وفي آخر: «إذا حضر العَشاء والمغرب فابدأوا بالعَشاء قبل أن تصلوا المغرب» (1) رواه مسلم.
فإن قيل: ليس في الحديث توقان نفس المصلي إلى الطعام فلم اشترطه المصنف رحمه الله؟
قيل: لأن النهي عن ذلك لُحِظَ فيه منع الطعام الخشوع واقتضاؤه السرعة من أجله وذلك يستدعي توقان النفس إليه.
قال: (ويكره العبث، والتخصر، والتروح، وفرقعة الأصابع، وتشبيكها).
أما كون المصلي يكره له العبث؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يعبث في صلاته. فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (2).
وأما كونه يكره له التخصر؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل مختصراً» (3) رواه مسلم.
ولأنه يمنع الخضوع والخشوع. ويمنع من وضع اليمين على الشمال.
وأما كونه يكره له التروح؛ فلأنه من العبث.
وأما كونه يكره له فرقعة الأصابع؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: «لا تُفَقِّعْ أصابعكَ وأنت في الصلاة» (4) رواه ابن ماجة.
وأما كونه يكره له تشبيك الأصابع؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد شَبَّكَ أصابعه في الصلاة فَفَرَّجَ بين أصابعه» (5) رواه ابن ماجة.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (557) 1: 392 كتاب المساجد، باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال
…
(2)
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادره 1: 692 عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» .
قال الحافظ العراقي: أخرجه الترمذي الحكيم بسند ضعيف، وقيل أنه من قول سعيد بن المسيب. ورواه ابن أبي شيبة في المصنف وفيه رجل لم يسم، انظر: إحياء علوم الدين 1: 151.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (1162) 1: 408 أبواب العمل في الصلاة، باب الخصر في الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (545) 1: 387 كتاب المساجد، باب كراهة الاختصار في الصلاة.
(4)
أخرجه ابن ماجة في سننه (965) 1: 310 كتاب إقامة الصلاة، باب ما يكره في الصلاة. قال البوصيري في الزوائد: في إسناده الحارث الأعور وهو ضعيف.
(5)
أخرجه ابن ماجة في سننه (967) 1: 310 كتاب إقامة الصلاة، باب ما يكره في الصلاة.
قال: (وله رد المار بين يديه. وعد الآي. والتسبيح. وقتل الحية والعقرب والقملة. ولبس الثوب والعمامة. ما لم يُطل. فإن طال الفعل في الصلاة أبطلها عمداً كان أو سهواً إلا أن يفعله متفرقاً).
أما كون المصلي له رد المار بين يديه؛ فلما روى أبو سعيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه. فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان» (1) متفق عليه.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله: أن له رد المار سواء كان بين يديه سترة فمر دونها أو لم يكن بين يديه سترة فمر قريباً منه بحيث لو مشى إليه ودفعه لم تفسد صلاته. وصرح به في الكافي لأنه موضع سجوده أشبه من نَصَبَ سترة.
ولأن المراد بنصب السترة الإعلام بأنه في الصلاة وفي الدفع إعلام صريح.
وقيل: رد المار مختص بمن بين (2) يديه سترة؛ لأن من لم ينصب سترة مقصر.
وظاهر الحديث يدل على ذلك لأنه شرط في الرد السترة.
وهذا الرد إنما يكون إذا كان للمار سبيل غير ذلك فإن لم (3) يجد سبيلاً لازدحام الناس ونحوه لم يشرع الرد ولا يكره المرور.
وأما كونه له عد الآي والتسبيح في الصلاة؛ فلما روى أنس قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه عد الأعراب في الصلاة» (4).
ولأنه عدد مشروع في الصلاة فجاز كعدد الركعات في حق من ينسى ويسهو.
وأما كونه له قتل الحية والعقرب؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب» (5) رواه أبو داود.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (487) 1: 191 أبواب سترة المصلي، باب يرد المصلى من مر بين يديه.
وأخرجه مسلم في صحيحه (505) 1: 362 كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي.
(2)
ساقط من ب.
(3)
ساقط من ب.
(4)
لم أجده هكذا. وقد أخرج أبو داود في سننه عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه» (1502) 2: 81 كتاب الوتر، باب التسبيح بالحصى.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (921) 1: 242 كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (390) 2: 233 أبواب الصلاة، باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأما كونه له قتل القملة في الصلاة؛ فـ «لأن عمر وأنساً وابن مسعود كانوا يقتلون القمل في الصلاة» .
قال القاضي: التغافل عنه أولى.
وأما كونه له (1) لبس الثوب والعمامة؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم التحف إزاره وهو في الصلاة» (2).
ولأنه عمل يسير أشبه حمل أُمامة (3)، وفتح الباب لعائشة (4).
وأما كون الفعل إذا طال ولم يكن متفرقاً يُبطل الصلاة؛ فلأنه يقطع الموالاة ويمنع متابعة الأذكار ويذهب الخشوع في الصلاة.
وإذا رآه الناظر من بعيد يغلب على ظنه أن فاعله ليس في صلاة وكل ذلك ينافي الصلاة فأبطلها كما لو قطعها.
وأما كونه إذا طال وكان متفرقاً لا يبطلها؛ فلأنه بالنظر إلى كل مرة فعل غير طويل أشبه ما لو اقتصر عليه.
وأما كون السهو كالعمد في ذلك كله؛ فلأن المبطل قطع الموالاة وإذهاب الخشوع وغلبة ظن من رآه أنه ليس في صلاة وذلك كله موجود في السهو كالعمد.
فإن قيل: لو تكلم ساهياً ففي بطلان الصلاة روايتان ولو فعل ساهياً بطل قولاً واحداً.
قيل: الأقوال أخف من الأفعال ولهذا بطلت الصلاة بتكرار السجود قولاً واحداً دون تكرار الفاتحة.
(1) ساقط من ب.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (401) 1: 301 كتاب الصلاة، باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام
…
بلفظ: «رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر ثم التحف بثوبه
…
».
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (494) 1: 193 أبواب سترة المصلي، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (543) 1: 385 كتاب المساجد، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (922) 1: 242 كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة.
وأخرجه أحمد في مسنده (25544) 6: 183.
قال: (ويكره تكرار الفاتحة. والجمع بين سور في الفرض. ولا يكره في النفل).
أما كون تكرار الفاتحة يكره؛ فلأنه اختلف في كون ذلك مبطلاً فأدنى أحواله أن يكون مكروهاً.
وأما كون الجمع بين سورٍ في الفرض يكره؛ فلأنه خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة.
وعن أحمد لا يكره جمع ذلك في الفرض. وهي الصحيحة؛ لما روى الخلال بإسناده عن عبدالله بن سفيان قال: «قلت لعائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع السور في ركعة. قالت: المفصل» (1).
وبإسناده عن ابن عمر «أنه كان يقرأ في المكتوبة بالسورتين في ركعة» (2).
وروي «أن رجلاً من الأنصار كان يؤمهم فكان يقرأ قبل كل سورة {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: إني أحبها. قال: حبك إياها أدخلك الجنة» (3) رواه البخاري.
وأما كون الجمع بين سور في النفل لا يكره؛ فلما تقدم من الأحاديث.
ولأن عثمان رضي الله عنه «كان يختم القرآن في ركعة» (4).
و«فعل الجمع ابن عمر» (5).
(1) أخرجه أحمد في مسنده (25729) 6: 204.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (26) 1: 89 كتاب الصلاة، باب القراءة في المغرب والعشاء.
وأخرجه أحمد في مسنده (4610) 2: 13 ولفظه عن نافع قال: «ربما أمنا ابن عمر بالسورتين والثلاث في الفريضة» .
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (741) 1: 268 كتاب صفة الصلاة، باب الجمع بين السورتين في الركعة
…
من حديث أنس رضي الله عنه.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 1: 368 عن عبدالرحمن بن عثمان قال: «قمت خلف المقام وأنا أريد أن لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة فإذا رجل يغمزني من خلفي فلم ألتفت. ثم غمزني فالتفت فإذا عثمان بن عفان فتنحيت وتقدم فقرأ القرآن في ركعة ثم انصرف» .
(5)
سبق تخريجه قريباً.
قال: (ولا يكره قراءة أواخر السور وأوساطها. وعنه يكره).
أما كون ما ذكر لا يكره على روايةٍ؛ فلأن أبا سعيد قال: «أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر» (1) رواه أبو داود.
وعن عبدالله بن مسعود «أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران وآخر الفرقان» رواه الخلال.
وأما كونه يكره على روايةٍ؛ فلأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان يقرأ السورة كاملةً» (2) والعدول عن فعله مكروه.
قال عليه السلام: «أعط لكل سورة حظها» (3) ومن حظها تمامها.
والأولى هي الصحيحة في المذهب؛ لما تقدم.
قال: (وله أن يَفتح على الإمام إذا أُرْتج عليه. وإذا نابه شيء مثل سهو إمامه أو استئذان إنسان عليه سبح إن كان رجلاً. وإن كانت امرأة صفحت ببطن كفها على ظهر الأخرى).
أما كون المصلي له أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه. ومعناه: أن يرد عليه إذا غلط؛ فلما روى ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة. فقرأ فيها. فلُبس عليه. فلما انصرف قال لأبي: صليت معنا؟ قال: نعم. قال: فما منعك» (4) رواه أبو داود. قال الخطابي: إسناد جيد.
و«ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية. فقيل له: يا رسول الله! آية كذا وكذا تركتها. قال: فهلا أَذْكَرْتَنيِها» (5) رواه أبو داود.
وقال ابن عقيل: إن كان الغلط في غير الفاتحة لا يرد؛ لأن ما زاد على الفاتحة قرائته غير واجبة.
والأول أولى؛ لعموم ما تقدم من الآثار.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (818) 1: 216 كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب.
(2)
في ب: كملاً.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده (20609) 5: 59.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (907) 1: 238 كتاب الصلاة، باب الفتح على الإمام في الصلاة.
(5)
أخرجه أبو داود في الموضع السابق.
وأما كون الرجل يسبح والمرأة تصفح إذا ناب المصلي شيء مما (1) تقدم ذكره؛ فلقوله عليه السلام: «من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال ولتصفق النساء» (2) متفق عليه.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء» (3) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.
قال: (وإن بدره البصاق بصق في ثوبه. وإن كان في غير المسجد جاز أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه).
أما كون من بدره البصاق يبصق في ثوبه؛ فلما فيه من صيانة المسجد عن البصاق فيه. وقد روى أبو هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد. فأقبل على الناس فقال: ما بال أحدكم يقوم فيستقبل ربه فَيَتَنَخَّعُ أمامه؟ أيحب أن يُستقبلَ فَيُتّنَخَّعَ في وجهه» (4).
وفي حديث آخر: «إذا تنخع أحدكم فليتنخعْ عن يساره أو تحت قدمه فإن لم يجد فليقل هكذا. ووصف القاسم: فتفل في ثوبه ومسح بعضه على بعض» (5) رواه مسلم.
وأما كونه يبصق عن يساره أو تحت قدمه إذا كان في غير المسجد؛ فلما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: «فليتنخع عن يساره أو تحت قدمه» .
(1) في ب: ما.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6767) 6: 2629 كتاب الأحكام، باب الإمام يأتي قوماً فيصلح بينهم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (421) 1: 316 كتاب الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم. كلاهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(3)
أخرجه الترمذي في جامعه (369) 2: 205 أبواب الصلاة، باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (550) 1: 389 كتاب المساجد، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (407) 1: 161 كتاب المساجد، باب إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه.
وأخرجه مسلم في الموضع السابق.
قال: (ويستحب أن يصلي إلى سترة مثل أَخِرَة الرحل. فإن لم يجد خَطَّ خطاً. فإذا مر من ورائها شيء لم يكره. وإن لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم بطلت صلاته. وفي المرأة والحمار روايتان).
أما كون المصلي يستحب له أن يصلي إلى سترة مع القدرة عليها؛ فلقوله عليه السلام: «إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها» (1) رواه الأثرم.
قال سهل: «كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر الشاة» (2) متفق عليه.
وأما كون السترة مثل أَخِرَة الرحل؛ فلقوله عليه السلام: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل أَخِرَة الرحل فليصل ولا يبالي ما مر وراء ذلك» (3) رواه مسلم.
فإن قيل: ما قدر أَخِرَة الرحل؟
قيل: ذراع.
وقيل: عظم الذراع.
فإن قيل: لو كان المصلي بمكة؟
قيل: لا يكره الصلاة فيها إلى غير سترة ولا يضر ما مر بين يديه؛ لأن المطلب قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيال الحجر والناس يمرون بين يديه» (4).
وأما كون من لم يجد سترة يخط خطاً؛ فلما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً. فإن لم يجد فلينصب
(1) أخرجه أبو داود في سننه (698) 1: 186 كتاب الصلاة، باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن الممر بين يديه.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (954) 1: 307 كتاب إقامة الصلاة، باب ادرأ ما استطعت.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 272 جماع أبواب ما يجوز من العمل في الصلاة، باب الدنو من السترة.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6903) 6: 2672 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (509) 1: 364 كتاب الصلاة، باب دنو المصلي من السترة.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه (510) 1: 365 كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2016) 2: 211 كتاب المناسك، باب في مكة.
وأخرجه أحمد في مسنده (27283) 6: 399. بنحوه.
(5)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (2386) 2: 35 باب لا يقطع الصلاة شيء بمكة.
عصاً. فإن لم يكن معه عصاً فليخط خطاً. ثم لا يضره ما مر أمامه» (1) رواه أبو داود.
فإن قيل: ما صفة الخط؟
قيل: عند الإمام أحمد مثل الهلال.
ولو جعله طولاً جاز؛ لأن الغرض إشعار المار بأنه مصل وذلك حاصل في الطول.
وأما كونه لا يضر ما مر وراء السترة والخط؛ فلما تقدم من الحديثين قبل.
وأما كون صلاته تبطل إذا لم يكن سترة فمر بين يديه الكلب الأسود البهيم؛ فلما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقطع صلاة المرء الكلب والمرأة والحمار» (2) رواه مسلم.
والكلب البهيم (3): الذي لا يخالط لونه آخر. وإنما خص بذلك؛ لأنه شيطان.
وقد قال عليه السلام: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها. فاقتلوا منها كل أسود بهيم. وإنه شيطان» (4).
وأما كونها تبطل إذا مر بين يديه المرأة والحمار في روايةٍ؛ فلما تقدم من الحديث.
وأما كونها لا تبطل في روايةٍ؛ فلأن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة» (5).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (689) 1: 183 كتاب الصلاة، باب الخط إذا لم يجد عصاً.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (511) 1: 365 كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي.
(3)
في ج: والكلب الأسود البهيم.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (2845) 3: 108 كتاب الصيد، باب في اتخاذ الكلب للصيد وغيره.
وأخرجه الترمذي في جامعه (1489) 4: 80 كتاب الأحكام والفوائد، باب ما جاء من أمسك كلباً ما ينقص من أجره.
وأخرجه النسائي في سننه (4280) 7: 185 كتاب الصيد والذبائح، صفة الكلاب التي أمر بقتلها.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (3205) 2: 1069 كتاب الصيد، باب النهي عن اقتناء الكلب إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية.
وأخرجه أحمد في مسنده (20567) 5: 54. وليس عندهم: وإنه شيطان.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (377) 1: 150 أبواب الصلاة في الثياب، باب الصلاة على الفراش.
وأخرجه مسلم في صحيحه (512) 1: 366 كتاب الصلاة، باب الاعتراض بين يدي المصلي.
ولأن ابن عباس رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. فنزلت عن الحمار وتركته أمام الصف فما بالى» (1) متفق عليهما.
وقد قيل: ليس في حديث عائشة حجة لأن المار غير اللابث. وكذلك حديث ابن عباس لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
قال: (ويجوز له النظر في المصحف. وإذا مرت به آية رحمة أن يسألها وآية عذاب أن يستعيذ منها. وعنه يكره ذلك في الفرض).
أما كون المصلي يجوز له النظر في المصحف؛ فلأنه ليس بعمل كثير.
وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف. فقال: كان خيارنا يقرؤون في المصاحف.
قال ابن حامد: الفرض والنفل في ذلك سواء.
وقال القاضي: يكره في الفرض وفي النفل إذا كان حافظاً لأنه يَذْهب بالخشوع وإنما سومح به في النفل مع عدم الحفظ لأنه موضع حاجة.
وأما كونه إذا مرت به آية رحمة يجوز أن يسألها وإذا مرت به آية عذاب يجوز أن يستعيذ منها من غير كراهة نفلاً كانت الصلاة أو فرضاً على المذهب؛ فلما روى حذيفة قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة. فقلت: يركع عند المائة. ثم مضى. فقلت: يصلي بها في ركعة. فمضى. ثم افتتح آل عمران. ثم النساء. يقرأ مترسلاً. إذا مر بآية فيها تسبيح سبح. وإذا مر بسؤال سأل. وإذا مر بتعوذ تعوذ
…
مختصر» (2) رواه مسلم.
وأما كونه يكره ذلك في الفرض على روايةٍ؛ فلأن ذلك دعاء ليس بمشروع أشبه الأفعال التي لم تشرع. وفارق ذلك النافلة من حيث إنها سومح فيها بأشياء بخلاف الفريضة.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (823) 1: 294 كتاب صفة الصلاة، باب وضوء الصبيان
…
ولفظه: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررتُ بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليَّ أحد» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (504) 1: 361 كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود. بنحوه.
(2)
أخرجه مسلم (772) 1: 536 كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل.
وظاهر قول المصنف رحمه الله: وعنه يكره ذلك في الفرض؛ شمول هذه الرواية النظر في المصحف. ولم أجد بذلك رواية عن الإمام أحمد. ولكن ذلك قول القاضي. إلا أنه ضم إليه أنه يكره أيضاً في النفل مع الحفظ. وقد تقدم أيضاً بيانه.
فصل [في أركان الصلاة]
قال المصنف رحمه الله: (أركان الصلاة اثنا عشر: القيام، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال عنه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في هذه الأفعال، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسمية الأولى، والترتيب. من ترك شيئاً منها عمداً بطلت صلاته).
أما كون القيام من أركان الصلاة؛ فلقوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238].
و«قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: صل قائماً» (1).
والقيام المعتبر أن يستوي قائماً على حَدٍّ. أو لا ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه. فإن انحنى بحيث يمكنه مس ركبتيه بيده أو اعتمد على شيء لم يجزئه.
وأما كون تكبيرة الإحرام من أركانها؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير» (2). رواه أبو داود.
ولما تقدم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه. ثم يستقبل القبلة ويقول: الله أكبر» (3).
ولقوله عليه السلام للمسيء: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر» (4) متفق عليه.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (1066) 1: 376 أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (618) 1: 165 كتاب الصلاة، باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه من آخر الركعة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (3) 1: 8 أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. كلاهما من حديث علي رضي الله عنه.
(3)
سبق تخريجه ص: 342.
(4)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
ويجب أن يأتي بجميع تكبيرة الإحرام وهو قائم لقوله عليه السلام للمسيء: «إذا قمت فكبر» (1). أمر بالتكبير حال القيام.
وأما كون قراءة الفاتحة من أركانها؛ فلما روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (2) متفق عليه.
وفي لفظٍ للدارقطني: «لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (3). وقال: إسناده صحيح.
وعن أحمد أنها تجب في الأوليين دون الأخيرتين؛ لما روي عن علي أنه قال: «اقرأ في الأوليين وسبح في الأخيرتين» (4).
ولأنها لو وجبت في الأخيرتين لسن الجهر بها في بعض الصلوات كالأوليين.
وعنه: لا تتعين بل الواجب قراءة شيء (5) من القرآن. وقد تقدم ذلك.
والصحيح أن الفاتحة ركن في كل ركعة؛ لما روى عبادة قبل (6).
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (7).
وعنه وعن عبادة قالا: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة» (8).
(1) سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (723) 1: 263 كتاب صفة الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (394) 1: 295 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
…
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (17) 1: 321 كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة أم الكتاب في الصلاة وخلف الإمام.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (3742) 1: 327 كتاب الصلاة، من كان يقول: يسبح في الأخريين ولا يقرأ.
(5)
ساقط من ب.
(6)
سبق تخريج حديث عبادة قبل قليل.
(7)
أخرجه ابن ماجة في سننه (839) 1: 274 كتاب إقامة الصلاة، باب القراءة خلف الإمام.
وأخرجه أحمد في مسنده (11011) 3: 3.
(8)
قال ابن الجوزي في التحقيق: روى أصحابنا من حديث عبادة عن أبي سعيد قالا. فذكر الحديث. ثم قال: وما عرفت هذا الحديث. قال ابن حجر: وعزاه غيره إلى رواية إسماعيل بن سعيد الشالنجي وهو صاحب الإمام أحمد. التلخيص 1: 232.
ويجب أن يقرأها وهو قائم فلو أتى بحرف منها وهو في حد الراكع لم يجزئه لأنه لم يأت به وهو قائم.
وأما كون الركوع من أركانها؛ فلقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا} [الحج: 77].
و«لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء: ثم اركع حتى تطمئن راكعاً» (1).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع (2). وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3).
وأما كون الاعتدال من أركانها؛ فلما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود» (4) رواه الترمذي. وقال: هذا حديث صحيح.
و«لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء: ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً» (5).
وأما كون الجلوس بين السجدتين من أركانها؛ فلما روت عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعداً» (6) رواه مسلم.
وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (7).
(1) سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(2)
ساقط من ب.
(3)
سيأتي تخريجه ص: 396.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (855) 1: 225 كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.
وأخرجه الترمذي في جامعه (265) 2: 51 أبواب الصلاة، باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.
وأخرجه النسائي في سننه (1111) 2: 214 باب التطبيق، باب إقامة الصلب في السجود.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (870) 1: 282 كتاب إقامة الصلاة، باب الركوع في الصلاة.
(5)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(6)
أخرجه مسلم في صحيحه (498) 1: 357 كتاب الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به
…
(7)
سيأتي تخريجه ص: 396.
(8)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
وأما كون الطمأنينة في هذه الأفعال من أركانها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها المسيء في جميع الأفعال المذكورة.
وأما كون التشهد الأخير والجلوس له من أركانها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ودام على فعله في الصلاة. ولم يُنقل تركه. وأمر بالتشهد وكان يعلمه كما يعلم السورة من القرآن.
وقال ابن مسعود: «كنا قبل أن يفرض علينا التشهد نقول: السلام على الله قبل عباده. السلام على جبريل. السلام على ميكائيل. السلام على فلان. فسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إن الله هو السلام. فلا تقولوا: السلام على الله. ولكن قولوا: التحيات
…
» (1) وذكر التشهد الذي لابن مسعود.
وفي بعض ألفاظ حديث ابن مسعود: «فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك» (2) رواه أبو داود.
وأما كون التسليمة الأولى من أركانها؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «تحليلها التسليم» (3).
ولأنه أحد طرفي الصلاة فكان فيه نطق واجب كالأولى.
وأما كون الترتيب من أركانها؛ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ثم اركع ثم ارفع
…
الحديث» (4). ذكره بحرف ثم وهي الترتيب فيكون الترتيب مأموراً به.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرتباً. وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (5).
وأما كون صلاة من ترك من الأركان شيئاً تبطل؛ فلأن المسيء في صلاته لما ترك الطمأنينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فصل فإنك لم تصل» (6). أمره بالإعادة
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (800) 1: 287 كتاب صفة الصلاة، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (402) 1: 301 كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (856) 1: 226 كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.
(3)
سبق تخريجه ص: 375.
(4)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
(5)
سيأتي تخريجه ص: 396.
(6)
سبق تخريج حديث المسي في صلاته ص: 265.
ولو كانت صحيحة لما وجبت عليه الإعادة، ونفى كونه مصلياً وسأله أن يعلمه فعلمه هذه الأفعال. فدل على أنه لا يكون مصلياً بدونها.
فإن قيل: لم قيد المصنف رحمه الله ترك الركن بالعمد؟
قيل: لأن تركه سهواً له موضع يأتي ذكره فيه مبيناً إن شاء الله تعالى (1).
قال: (وواجباتها تسعة: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسميع، والتحميد في الرفع من الركوع، والتسبيح في الركوع، والسجود مرة مرة، وسؤال المغفرة بين السجدتين مرة، والتشهد الأول، والجلوس له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في موضعها، والتسليمة الثانية في روايةٍ. من ترك منها شيئاً عمداً بطلت صلاته. ومن تركه سهواً سجد للسهو. وعنه أن هذه سنن لا تبطل الصلاة بتركها).
أما كون التكبير غير تكبيرة الإحرام من واجبات الصلاة على المذهب؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا» (2) حديث حسن.
أمر بالتكبير وأمره للوجوب.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم. ثم يكبر حين يركع. ثم يكبر حين يسجد. ثم يكبر حين حين يرفع رأسه. ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها. ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس» (3).
(1) راجع فصل النقص في الصلاة ص: 412.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (371) 1: 149 كتاب الصلاة، باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (411) 1: 308 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
وأخرجه أبو داود في سننه (603) 1: 164 كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود.
وأخرجه النسائي في سننه (921) 2: 141 كتاب الافتتاح، تأويل قوله عز وجل:{وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} .
وأخرجه ابن ماجة في سننه (846) 1: 276 كتاب إقامة الصلاة، باب إذا قرأ الإمام فانصتوا.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (756) 1: 272 كتاب صفة الصلاة، باب التكبير إذا قام من السجود.
وأخرجه مسلم في صحيحه (392) 1: 293 كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة.
وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (1) متفق عليه.
وأما كون التسميع من واجباتها فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: سمع الله لمن حمده» (2).
وقال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد» (3).
وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (4).
وهذا الوجوب مختص بالإمام والمنفرد؛ لأن قوله عليه السلام: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا» (5) يدل على أنه لا يجب التسميع على المأموم لأنه لو وجب لذكره ولما خص التحميد بالذكر.
وأما كون التحميد من واجباتها؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله» (6) وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (7).
وقال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد» (8) متفق عليه.
وعن الإمام أحمد أن المنفرد لا يحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالتحميد للمأموم.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (605) 1: 226 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. عن مالك بن الحويرث.
وأخرج مسلم حديث مالك في صحيحه (674) 1: 465 كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة. ولكن بدون ذكر هذه الجملة:«صلوا كما رأيتموني أصلي» .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (722) 1: 192 كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الصلاة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (266) 2: 53 أبواب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع.
وأخرجه النسائي في سننه (1036) 2: 186 باب التطبيق، باب مواضع الراحتين في الركوع.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (878) 1: 284 كتاب إقامة الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.
(3)
سيأتي قريباً.
(4)
سبق تخريجه قريباً.
(5)
مثل السابق.
(6)
مثل السابق.
(7)
مثل السابق.
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه (699) 1: 257 كتاب صفة الصلاة، باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (411) 1: 308 كتاب الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام.
والصحيح الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر بالاقتداء به. ولا يلزم من أمره للمأموم أن لا يكون المنفرد مأموراً من جهة أخرى.
وأما كون التسبيح في الركوع والسجود مرة مرة من واجباتها؛ فلما تقدم من حديث عقبة بن عامر (1).
وأما كون سؤال المغفرة بين السجدتين مرة من واجباتها؛ فلما تقدم من حديث حذيفة (2).
وأما كون التشهد الأول والجلوس له من واجباتها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وداوم على فعله وأمر به في حديث ابن عباس فقال قولوا: «التحيات لله» (3) و «سجد السهو حين نسيه» (4).
وإنما سقط بالسهو إلى بدل كواجبات الحج تجبر بالدم بخلاف السنن.
وأما كون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من واجباتها؛ فلأن الله تعالى أمر بالصلاة عليه بقوله: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه} [الأحزاب: 56] والأمر للوجوب ولا موضع تجب فيه الصلاة عليه أولى من الصلاة المفروضة.
ولأنا أجمعنا على أنه لا تجب خارج الصلاة فيتعين أن تجب في الصلاة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة إلا بطهور وبالصلاة عليّ» (5).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قولوا: اللهم! صل على محمد
…
الحديث» (6). أمر والأمر للوجوب.
فإن قيل: ما الواجب من ذلك؟
(1) سبق تخريجه ص: 358.
(2)
سبق تخرجه ص: 367.
(3)
سبق تخريجه من حديث ابن مسعود ص: 371.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (795) 1: 285 كتاب صفة الصلاة، باب من لم ير التشهد الأول واجباً
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (570) 1: 399 كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له.
(5)
أخرجه الدارقطني في سننه (4) 1: 355 كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد. وقال: في إسناده عمرو بن شمر وجابر الجعفي وهما ضعيفان.
(6)
سبق تخريجه ص: 372.
قيل: أقل ما وردت به الأخبار كما قلنا في التحيات؛ لأنها وردت مفسرة للأمر.
وقال القاضي: ظاهر كلام الإمام أحمد أن الصلاة الواجبة على النبي صلى الله عليه وسلم (1) فحسبُ تمسكاً بظاهر الآية.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: إن في الصلاة على الآل وجهان: المذهب أنها لا تجب.
ونص صاحب النهاية فيها أن الأولى وجوب ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن كيفية الصلاة المأمور بها وفيها الصلاة على آله.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى صلاة لم يصل فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه» (2) رواه الدارقطني.
وآل النبي صلى الله عليه وسلم أهل دينه ومن اتبعه؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن آل محمد. فقال: كل تقي» (3) أخرجه تمام في فوائده.
وقيل: آله أهل بيته. وهم بنو هاشم وبنو المطلب. وأنها منقلبة عن همزة.
ولو أبدل آل محمد بأهل محمد. فقال ابن حامد: لا يجزئ؛ لما فيه من مخالفة الأثر وتغير المعنى.
وقال القاضي: معناهما واحد ويجزئ.
وكذلك لو صغر آل فقال: أهيل.
وقول المصنف رحمه الله: في موضعها؛ معناه في التشهد الأخير بعد الشهادتين؛ لأن ذلك هو موضع التشهد عادة.
وأما كون التسليمة الثانية في روايةٍ من واجباتها؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله» (4).
وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (5).
(1) زيادة من ج.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (6) 1: 355 كتاب الصلاة، باب ذكر وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 152 كتاب الصلاة، باب من زعم أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم أهل دينه عامة. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ولم أقف عليه في القسم المطبوع من فوائد تمام.
(4)
سبق تخريجه ص: 374.
(5)
سبق تخريجه ص: 396.
ولأنها عبادة شرع لها تحلّلان فكانا واجبين كالحج.
ولأنها إحدى التسليمتين فكانت واجبة كالأخرى.
وأما كون ما ذكر من التكبير إلى التسليمة الثانية سنناً على روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعلم شيئاً من ذلك للمسيء في صلاته.
ولأنه لو كان واجباً لما سقط بالسهو كالركن.
وأما كون من ترك شيئاً مما تقدم ذكره عمداً بطلت صلاته على الأول؛ فلأن الواجب متوسط بين الركن والسنة فيجب أن يعطى كل واحد منهما شبهاً. وقد أعطي من السنة شبهاً في أن الصلاة لا تبطل بتركه سهواً فوجب أن يعطى من الركن شبهاً في أن الصلاة تبطل بتركه عمداً.
وأما كون من تركه سهواً يسجد لسهوه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو لما ترك التشهد الأول (1).
وقد تقدم ما يدل على وجوبه وسائر الواجبات في معناه.
ولأنه لا يمتنع أن تكون للعبادة واجباتٌ تنجبر إذا تركها وأركانٌ لا تصح العبادة بدونها كالحج في واجباته وأركانه.
وكلام المصنف رحمه الله مشعر بعدم بطلان الصلاة بترك الواجب سهواً. وهو صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك الجلوس للتشهد الأول سهواً بنى على صلاته.
ولأن السجود وقع جبراناً لما وقع من الخلل فوجب أن تصير الصلاة كما لو لم يترك فيها واجباً (2).
وأما كون من ترك شيئاً من ذلك عمداً لم تبطل صلاته على الرواية الثانية؛ فلأن ترك السنة لا تبطل عبادة من حج عنده (3) فكذا الصلاة.
والصحيح في المذهب أن جميع ما تقدم غير التسليمة الثانية واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به. وأمره للوجوب. وفَعَلَه. وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (4).
(1) وذلك فيما رواه عبدالله بن بحينة. وسوف يأتي تخريجه ص: 415.
(2)
في الأصول: واجبٌ. وهو خطأ.
(3)
في ب: وعنده.
(4)
سبق تخريجه ص: 396.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يتوضأ -وذكر الحديث إلى قوله-: ثم يكبر ثم يركع حتى تطمئن مفاصله. ثم يقول: الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً. ثم يقول: الله أكبر. ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله. ثم يرفع رأسه فيكبر. فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته» (1) رواه أبو داود.
وأما حديث المسيء فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه كل الواجبات بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام فيحتمل أنه اقتصر في تعليمه على ما رآه أساء فيه.
وأما التسليمة الثانية فقال القاضي: هي أصح. أي الرواية بوجوبها لحديث جابر بن سمرة، ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم ومداومته عليها.
وقال المصنف رحمه الله في المغني: الصحيح أنها سنة؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه أنه كان يسلم تسليمة واحدة» (2) وكذلك المهاجرون. وذلك دليل عدم الوجوب.
وما روي أنه كان يسلم تسليمتين يحمل على المسنون ليحصل الجمع بين فعليه.
قال: (وسنن الأقوال اثنا عشر: الاستفتاح، والتعوذ، وقراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة، والجهر، والإخفات، وقول ملء السماء بعد التحميد، وما زاد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود، وعلى المرة في سؤال المغفرة، والتعوذ في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر. فهذه لا تبطل الصلاة بتركها ولا يجب السجود لها. وهل يشرع؟ على روايتين.
وما سوى هذا من سنن الأفعال لا تبطل الصلاة بتركه، ولا يشرع السجود له).
أما كون سنن الأفعال الأشياء المذكورة؛ فلما تقدم في مواضعها.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (857) 1: 226 كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. من حديث علي بن يحيى بن خلاد عن عمه.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة عن أنس (3072) 1: 267 كتاب الصلاة، باب: من كان يسلم تسليمة واحدة.
وأما كون الصلاة لا تبطل بتركها؛ فلأنها غير واجبة فلا تبطل الصلاة بتركها كمسنونات الإحرام والصيام.
وأما كون السجود لها لا يجب؛ فلأن ذلك غير واجب فجبره أولى أن لا يكون واجباً.
وأما كونه يشرع على روايةٍ؛ فلأن السجود جبران فيشرع ليجبر ما فات.
وأما كونه لا يشرع على روايةٍ؛ فلأن المتروك غير واجب فلم يشرع له سجود كسنن الأفعال.
وأما كون الصلاة لا تبطل بترك ما سوى هذا من سوى هذا من سنن الأفعال فلما ذكر في سنن الأقوال.
وأما كونه لا يشرع السجود له فلكونه غير واجب مع كثرته.
فإن قيل: لِمَ لمْ يجر الخلاف هنا في المشروعية كما تقدم في سنن الأقوال؟
قيل: لأن سنن الأفعال كثيرة فلو شرع السجود لها لما خلت صلاة من سجود سهو.
وقيل: الخلاف جار في سن الأفعال كالأقوال. فعلى هذا لا فرق.
فإن قيل: ما سنن الأفعال؟
قيل: رفع اليدين عند الإحرام، والركوع، والرفع منه، ووضع اليمنى على اليسرى، وجعلها تحت السرة أو الصدر، والنظر إلى موضع سجوده، ووضع اليدين على الركبتين في الركوع، ومد الظهر، والتسوية بين رأسه وظهره، والتجافي فيه، والبداءة بوضع اليدين قبل الركبتين في النهوض، والتجافي فيه، وفتح أصابع رجليه في السجود وفي الجلوس، ووضع يديه حذو منكبيه مضمومة مستقبلاً بها القبلة، والتورك في التشهد الأخير، والافتراش في الأول وفي سائر الجلوس، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة بحلقة، والإشارة بالسبابة، ووضع اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة، والالتفات عن يمينه وشماله في التسليم، والسجود على أنفه، وجلسة الاستراحة في روايةٍ.