الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إزالة النجاسة
قال المصنف رحمه الله: (لا تجوز إزالتها بغير الماء. وعنه ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل كالخل ونحوه)(1).
أما كون إزالة النجاسة لا تجوز بغير الماء كالخل والمري والنبيذ وماء الورد والمعتصر من الشجر وما أشبه ذلك على المذهب فلقول النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في دم الحيض يصيب الثوب-: «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء» (2) متفق عليه.
أمر بالغسل بالماء، وأمره للوجوب.
ولأن إزالة النجاسة طهارة شرعية فلم يجز بغير الماء كطهارة الحدث.
وأما كونها تزال بكل مائع طاهر مزيل على روايةٍ؛ فلأن الغرض إزالة النجاسة فإذا زالت يجب أن تطهر. وفي تقييد ذلك بالمائع احتراز عن غير المائع فإن ذلك لا يزيل شيئًا، وبالطاهر عن النجس لأن النجس إذا ضم إلى النجس لا يفيد طهارة، وبالمزيل عما لا يزيل لأن الغرض الإزالة ولا يحصل إلا بالمزيل.
(1) في المقنع: طاهر مزيل للعين والأثر كالخل وماء الورد وماء الشجر ونحوه.
(2)
عن أسماء قالت: «جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب، كيف تصنع؟ قال: تحُتُه، ثم تقرصه بالماء، وتنضحه، وتُصلي فيه» .
أخرجه البخاري في صحيحه (225) 1: 91 كتاب الوضوء، باب غَسل الدم. واللفظ له.
وأخرجه مسلم في صحيحه (291) 1: 240 كتاب الطهارة، باب نجاسة الدم
…
نحو لفظ البخاري.
وأخرجه أبو داود في سننه (361) كتاب الطهارة بلفظ: «إذا أصاب إحداكن الدم من الحيض فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء» .
وأخرجه الترمذي في جامعه (138) كتاب الطهارة بلفظ: «حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم رشيه» .
وأخرجه النسائي في سننه (293) كتاب الطهارة بلفظ: «حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه» .
وأخرجه ابن ماجة (229) 1: 206 كتاب الطهارة، باب ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب. بلفظ:«اقرصيه واغسليه» .
وقول المصنف رحمه الله: كالخل ونحوه تعداد لما تزال به النجاسة. والمراد بنحوه ما تقدم ذكره في المري إلى آخره. وكل شيء اجتمع فيه الصفات المذكورة تحصل [به](1) الإزالة.
قال: (ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعًا إحداهن بالتراب. فإن جعل مكانه أشنانًا أو نحوه فعلى وجهين)(2).
أما كون غسل نجاسة الكلب يجب سبعًا إحداهن بالتراب فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا» (3).
وفي لفظ لمسلم: «أولاهن بالتراب» (4).
وعن أحمد يجب غسله سبعًا وواحدة بالتراب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبعًا وعفروه الثامن بالتراب» (5).
والأول أصح لأن الحديث الثاني عد النبي صلى الله عليه وسلم التراب ثامنة لكونه من غير جنس الماء.
والأولى جعل التراب في الأولى ليكون الماء بعده فينظف.
وأما الأشنان ونحوه كالصابون إذا جعل مكان التراب لا يقوم مقامه على وجه؛ فلأنه تطهير ورد من الشرع التراب فيه فلم يقم غيره مقامه كالتراب في التيمم.
وأما كونه يقوم مقامه على وجهٍ؛ فلأن نص النبي صلى الله عليه وسلم على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف وذلك موجود فيما ذكر.
(1) ساقط من ب.
(2)
في المقنع: أو نحوه فهل يصح؟ على وجهين.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (170) 1: 75 كتاب الوضوء، باب: الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان. بلفظ: «إذا شرب
…
».
وأخرجه مسلم في صحيحه (279) 1: 243 كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب.
(4)
أخرجه مسلم في الموضع السابق. ولفظه: «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب» .
وقد أخرجه أبو داود (71) كتاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الكلب.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (280) 1: 235 كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب. عن ابن المغفل.
وقال بعض أصحابنا: يقوم مع عدم التراب ومع إفساد التراب للمغسول لأن كل واحد منهما موضع حاجة.
وأما كون غسل نجاسة الخنزير تجب سبعًا إحداهن بالتراب؛ فلأنه منصوص على حرمته في القرآن مجمع عليه وليس منتفعًا به بوجه فكان أولى بذلك من الكلب.
فإن قيل: ما حكم المتولد منهما أو من أحدهما؟
قيل: حكم الكلب تغليبًا للنجاسة المغلظة واحتياطًا في إزالة النجاسات.
ولا فرق بين ولوغ الكلب والخنزير والمتولد المذكور وبين رجيع ذلك ودمه وبوله وعرقه أو وضع يده أو رجله أو شيء من أجزائه لأنه إذا نص على الفم مع أنه أشرف شيء من أجزائه فغيره أولى.
ولأن الولوغ يكثر ويشق غسله فإذا نص على وجوب الغسل فيه ففيما يقل يكون بطريق الأولى.
قال: (وفي سائر النجاسات ثلاث روايات:
إحداهن: يجب غسلها سبعًا، وهل يشترط التراب؟ على وجهين.
والثانية: ثلاثًا.
والثالثة: تكاثر بالماء من غير عدد كالنجاسات كلها إذا كانت على الأرض).
أما كون سائر النجاسات إذا كانت على الأرض يجب غسلها سبعًا في روايةٍ؛ فلقول ابن عمر: «أُمرنا بغسل الأنجاس سبعًا» .
وهذا عام. والصحابي إذا قال: أُمرنا ينصرف إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولأن السبع واجبة في الكلب مع الاختلاف في نجاسته فللمتفق على نجاسته أولى. ويكون نصه في الكلب تنبيهًا بالأدنى على الأعلى.
فعلى هذه الرواية هل يشترط التراب؟ على وجهين:
أحدهما: يشترط كالكلب.
والثاني: لا يشترط قياسًا على النجاسة على الأرض.
و «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أسماء بالتراب لما أمرها بغسل الثوب من دم الحيض» (1).
وأما كونها يجب غسلها ثلاثًا في روايةٍ؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من نوم الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فلأنه لا يدري أين باتت يده» (2).
أمر بالثلاث وعلل بوهم النجاسة ولا يرفع وهمها إلا ما يرفع حقيقتها.
وأما كونه يكاثر بالماء من غير عدد في روايةٍ فقياسًا على النجاسة على الأرض
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أسماء بعدد» (3).
وروي أن ابن عمر قال: «كان غسل الثوب من النجاسة سبع مرات فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعل الغسل من البول مرة» (4) رواه أبو داود.
وأما كون النجاسات كلها إذا كانت على الأرض تكاثر بالماء من غير عدد فـ «لأن أعرابيًا بال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه» (5) متفق عليه.
ولو لم تطهر بذلك لكان تكثيرًا للنجاسة.
ولأن الأرض مصاب الفضلات ومطارح الأقذار فلو اعتبر في غسلها العدد لشق ذلك على الناس وحرجوا منه. وذلك منتف شرعًا.
والمراد بالمكاثرة أن يصب الماء على النجاسة حتى يذهب عينها ولونها.
(1) حديث أسماء سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
سبق تخريجه قريباً.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (247) 1: 64 - 65 كتاب الطهارة، باب الغسل من الجنابة.
وأخرجه أحمد في مسنده (5850) 2: 109.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 179 كتاب الطهارة، باب فرض الغسل
…
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (219) 1: 89 كتاب الوضوء، باب يهريق الماء عل البول.
وأخرجه مسلم في صحيحه (284) 1: 236 كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد
…
كلاهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال: (ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا بريح)(1).
أما كون الأرض النجسة لا تطهر بالشمس؛ فلأن ذلك لا يثبت إلا بالشرع ولم يرد به.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل بول الأعرابي» (2). ولو كانت الشمس تطهر لاكتفى بها.
ولأن الأرض النجسة محل نجس فلم يطهر بالجفاف كالثوب المجفف بالشمس.
وأما كونها لا تطهر بالريح فلما ذكر في الشمس.
قال: (ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها. فإن خللت لم تطهر. وقيل: تطهر).
أما كون شيء من النجاسات غير الخمرة لا يطهر بالاستحالة نحو أن يلقى [خنزير](3) في ملاحة فيصير ملحًا، [أو](4) في نار فيصير رمادًا، وما أشبه ذلك؛ فلأن ذلك أجزاء النجاسة فكان نجسًا كالدبس النجس إذا طبخ فصار ناطفًا.
ولأن نجاسة ذلك لعينه بخلاف الخمرة فإن نجاستها لمعنى يزول بالانقلاب.
وأما كون الخمرة إذا انقلبت بنفسها تطهر؛ فلأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء الذي ينجس بالتغيير إذا زال تغيره.
وأما كونها إذا خللت لا تطهر على المذهب فلما روي: «أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا. فقال: أهرقها. قال: أفلا أخللها. قال: لا» (5) من المسند رواه الترمذي.
ولو جاز التخليل لم ينهه عنه.
فإن قيل: ما صفة تخليلها؟
(1) في المقنع: ولا ريح.
(2)
سبق تخريجه في الحديث السابق.
(3)
زيادة من ج.
(4)
مثل السابق.
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه (1293) 3: 588 كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع الخمر.
وأخرجه أحمد في مسنده (12210) 3: 119.
قيل: أن يلقى فيها ملح أو ما أشبه ذلك.
واختلف فيما إذا نقلت (1) من شمس إلى فيء وبعكس ذلك فقيل: هو تخليل. وقيل: ليس بتخليل.
وأما كونها تطهر على قولٍ فلزوال علة التحريم أشبه ما إذا تخللت بنفسها.
قال: (ولا تطهر الأدهان النجسة (2). وقال أبو الخطاب: يطهر بالغسل منها ما يتأتى غسله. وإذا خفي موضع النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها).
أما كون الأدهان النجسة التي لا يتأتى غسلها لا تطهر بالغسل؛ فلأن المطهر الغسل ولا يتأتى ذلك فيما ذكر.
وأما كون [ما](3) يتأتى غسله كالزيت ونحوه لا يطهر بالغسل أيضًا على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة السمن الذي وقعت فيه فأرة» (4). ولو كان إلى تطهيره طريق لما أمر بإراقته لأنه يكون إتلافًا للمال.
وأما كونه يطهر على قول أبي الخطاب؛ فلأن تطهيره ممكن أشبه الثوب.
فإن قيل: ما صفة غسله.
قيل: أن يترك في إناء له بِزالٌ في أسفله. ثم يصب عليه الماء. ويخاض به. ثم يفتح البِزال فينزل الماء إلى آخره. ثم يُسد.
وأما كون من خفي عليه موضع النجاسة يلزمه غسل ما يتيقن به إزالة النجاسة؛ فلأن بذلك يحصل تأدية فرضه بيقين فلزمه.
وكما لو نسي صلاةً من يوم لا يعلم عينها.
فإن قيل: لو نظر على ثوب عليه نجاسة ماذا يلزمه.
قيل: غسل ما يقع نظره عليه وهو لا بسه دون ما خلفه. وكذا لو رأى النجاسة في أحد كميه بعينه لزمه غسله دون سائر الثوب.
(1) في ب: انقلب.
(2)
في المقنع زيادة: بالغَسل.
(3)
زيادة من ج.
(4)
أخرج البخاري في صحيحه عن ميمونة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة سقطت في سمن. فقال: ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم» . (233) 1: 93 كتاب الوضوء، باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء.
قال: (ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام: النضحُ).
أما كون بول الغلام المذكور يجزئ فيه النضح؛ لما روت أم قيس بنت محصن الأسدية قالت: «دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام. فبال على ثوبه. فدعى بماء فرشه عليه» (1) متفق عليه.
وفي لفظ: «فأجلسه على حجره. فبال على ثوبه. فدعى بماء فنضحه ولم يغسله» (2).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي. فبال على ثوبه. فدعى بماء فأتبعه بوله ولم يغسله» (3) متفق عليه (4).
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بول الغلام ينضح عليه، وبول الجارية يغسل» (5) رواه أحمد.
والمراد بقول المصنف رحمه الله: لم يأكل الطعام عدم أكله له بشهوة لا عدم أكله بالكلية؛ لأن الصبي أول ما يولد يحنك بتمر أو نحوه. «وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بالحسين رضي الله عنه» (6).
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5368) 5: 2155 كتاب الطب، باب السعوط بالقُسط الهندي والبحري.
وأخرجه مسلم في صحيحه (287) 4: 1734 كتاب السلام، باب: التدواي بالعود الهندي.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (221) 1: 90 كتاب الوضوء، باب بول الصبيان.
وأخرجه مسلم في صحيحه (287) 1: 238 كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (220) 1: 89 كتاب الوضوء، باب بول الصبيان.
وأخرجه مسلم في صحيحه (286) 1: 237 كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله.
(4)
في ب عليهما.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (377) 1: 102 كتاب الطهارة، باب بول الصبي يصيب الثوب. بلفظ:«إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر» .
وأخرجه الترمذي في جامعه (610) 2: 509 أبواب الصلاة، باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (525) 1: 174 كتاب الطهارة، باب ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم. نحو حديث أبي داود.
وأخرجه أحمد في مسنده (563) 1: 76.
(6)
سيأتي ذكره وتخريجه بعد قليل.
والمراد بالنضح: رش الماء على موضع البول حتى يغمره.
ولا يشترط فيه عصر ولا قرص ولا عدد ولا أن يجري الماء عن موضع النجاسة.
وتقييد المصنف رحمه الله البول بكونه بول غلام لم يأكل الطعام مشعر بأمرين:
أحدهما: أن بول الغلام الذي أكل يُغسل. وهو صحيح صرح به في غير مقنعه. وذكره غيره من الأصحاب.
ووجهه أن مقتضى الدليل غسل كل نجاسة. تُرك في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام للحديث. فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.
ولأنه إذا أكل لشهوة وصار ذلك غذاء له استحال استحالة شديدة. بخلاف أكله قبل ذلك.
وثانيهما: أن بول الجارية يغسل. وهو صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بول الغلام ينضح، وبول الجارية يغسل» (1) رواه الإمام أحمد رضي الله عنه.
وروي «أن الحسين بال على إزار النبي صلى الله عليه وسلم. فقالت أم الفضل بنت الحارث: أعطني إزارك لأغسله. فقال: إنما يغسل بول الجارية، ويصب على بول الغلام» (2) رواه أحمد.
وذكر بعض أصحابنا بينهما فرقًا. قال: بول الجارية لا يعسر التحرز منه ولا يتعدى مكانه. بخلاف الصبي فإنه لا يزال مُحْبَنْطِيًا (3) ويخرج بوله بقوة فيصيب من بَعُد عنه وذلك يكثر ويصعب التحرز منه. فلو كُلّف الشخص غسله لشق ولذلك أن الغلام إذا بلغ حدًا يشتهي به الطعام قعد على مقعدته وجب غسل بوله لأنه حينئذ يمكن التحرز منه.
قال: (وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله. وعنه يجزئ دلكه بالأرض. وعنه يغسل من البول والغائط ويدلك من غيرهما).
أما كون أسفل الخف أو الحذاء يجب غسله إذا تنجس على روايةٍ؛ فلأنه محلٌّ تنجس فوجب غسله. قياسًا على سائر المحالّ إذا تنجست.
(1) سبق تخريجه في الحديث قبل السابق.
(2)
أخرجه أحمد في مسنده (26916) 6: 339.
(3)
أي منتفخ البطن. القاموس المحيط، مادة حبط.
وأما كونه يجزئ دلكه بالأرض على روايةٍ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب» (1) رواه أبو داود.
وأما كونه يُغسل من البول والغائط ويدلك من غيرهما على روايةٍ: أما غسله من البول والغائط؛ فلأنهما أغلظ وأفحش من غيرهما.
وأما دلكه من غيرهما؛ فلأن ذلك يشق غسله في كل وقت، وليست في الغلظ والفحش كذلك فعفي عنه دفعًا للمشقة السالمة عن معارضة المبالغة في الفحش والغلظ.
فإن قيل: ما حكم ذلك بعد الدلك في الطهارة أو العفو عنه مع نجاسته؟
قيل: حكم أثر الاستجمار.
قال: (ولا يعفى عن يسير شيء من النجاسات إلا الدم وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستنجاء.
وعنه في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني: أنه كالدم.
وعنه في المذي: أنه يجزئ فيه النضح).
أما كون شيء من النجاسات غير المستثنى لا يعفى عن يسيره على المذهب؛ فلأن الله تعالى قال: {وثيابك فطهر? والرجز فاهجر} [المدثر: 4 - 5].
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه مر بقبرين. فقال: إنهما ليعذبان. وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبرأ من البول» (2) وفي لفظ: «لا يستنزه» (3).
(1) أخرجه أبو داود في سننه (386) 1: 105 كتاب الطهارة، باب في الأذى يصيب النعل.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (215) 1: 1: 88 كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله.
وأخرجه مسلم في صحيحه (292) 1: 240 كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول
…
(3)
أخرجه مسلم في الموضع السابق. وأخرجه أبو داود في سننه (20) 1: 6 كتاب الطهارة، باب الاستبراء من البول.
وإذا كان كذلك في البول ففي غيره بطريق الأولى لأنه لا يشق التحرز منه بخلاف البول.
وأما كون الدم يعفى عن يسيره فلما روت عائشة قالت: «كان يكون لإحدانا الدرع: فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة. ثم ترى فيه قطرة من دم فَتَقْصَعُهُ بريقها» (1). وفي لفظ: «بلته بريقها ثم قَصعَتْهُ بظفرها» (2).
والريق لا يُطَهِّر. وهو إخبار عن دوام الفعل. ومثل هذا لا يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يكون ذلك إلا عن أمره.
و«لأن ابن عمر رضي الله عنه كان يسجد فيخرج يديه فيضعهما على الأرض وهما يقطران دمًا من شقاق يديه» .
و«عصر بُثْرة فخرج منها شيء من دم فمسحه بيديه ولم يغسله (3» ) (4).
ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كأثر الاستجمار.
واليسير والكثير هنا كهما في نقض الوضوء وقد مر.
وأما كون ما تولد من الدم ومن القيح والصديد يعفى عن يسيره؛ فلأنهما متولدان من الدم. والعفو عنهما أولى لاختلاف العلماء في نجاستهما.
والدم المتولد منه المعفو عنه هو ما كان من حيوان طاهر. أما دم الحيوان النجس كالكلب والخنزير وشبههما والمتولد من ذلك الدم فلا يعفى عن شيء منه لأنه (5) اكتسب حكم التغليظ لملاقاته لحم الحيوان النجس.
(1) أخرجه أبو داود في سننه (364) 1: 100 كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه (358) 1: 98 كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها.
وأخرجه البخاري في صحيحه (306) 1: 118 كتاب الحيض، باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه. بلفظ:«ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها» .
(3)
في ج: ولم يتوضأ.
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1: 141 كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث.
وعلقه البخاري في صحيحه 1: 76 كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المَخْرجين.
(5)
في ب: لا
وأما كون أثر الاستنجاء والمراد به الاستجمار يعفى عنه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأحجار: «أنها تجزئ» (1). ولو كان الباقي في المحل غير معفو عنه لما كانت مجزئة.
وأما كون المذي يعفى عن يسيره في روايةٍ؛ فلأنه يخرج من الشاب كثيرًا فيشق التحرز منه.
وأما كون القيء يعفى عن يسيره في روايةٍ؛ فلأنه خارج من غير السبيل أشبه الدم.
وأما كون ريق البغل والحمار يعفى عن يسيره في روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم ركب البغل والحمار» (2). والظاهر أنه لا يسلم من ريقهما.
ولأن ذلك يشق التحرز منه.
وأما كون ريق سباع البهائم والطير وعرقها يعفى عن يسيره في روايةٍ فللاختلاف في نجاسته.
واعلم أن سباع البهائم عام يدخل فيه الكلب والخنزير والمتولد منهما. وليس ذلك مرادًا من العموم؛ لأن ريق ذلك وعرقه اكتسب حكم التغليظ من الكلب والخنزير والمتولد منهما.
وأما كون بول الخفاش يعفى عن يسيره في روايةٍ؛ فلأنه لو لم يعف عنه لما أمكن الصلاة في بعض المساجد.
وأما كون النبيذ يعفى عن يسيره في روايةٍ؛ فلأنه اختلف في نجاسته.
وأما كون المني يعفى عن يسيره إذا قيل بنجاسته في روايةٍ؛ فلأنه مختلف في نجاسته. وإذا قيل بطهارته فلا فرق بين القليل والكثير.
قال: (ولا ينجس الآدمي بالموت ولا ما لا نفس له سائلة كالذباب وغيره).
أما كون الآدمي لا ينجس بالموت فلقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس» (3).
(1) سبق تخريجه ص 129.
(2)
سوف يأتي ذكر حديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب حمارا مُعْرَوْرَى، أي عريانا. ص:231.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (281) 1: 109 كتاب الغسل، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره.
وأخرجه مسلم في صحيحه (371) 1: 282 كتاب الحيض، باب الدليل على أن المسلم لا ينجس. كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال عليه السلام: «لا تنجسوا موتاكم إن المسلم ليس بنجس حيًا ولا ميتًا» (1) رواه الدارقطني.
ولأنه آدمي فلم ينجس بالموت كالشهيد.
وفارق بقية الحيوانات لحرمته.
ولا فرق بين المسلم والكافر فيما ذكر؛ لاستوائهما في الآدمية.
ولأنهما استويا حالة الحياة فكذلك بعد الممات.
وعن الإمام أحمد: أنه ينجس قياسًا على سائر ما ينجس بالموت.
وأما كون ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت فلقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه. فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» (2) رواه البخاري.
أمر بمقله فلو تنجس بالموت لما أمر به لأن الظاهر موته بمقله لا سيما إذا كان الطعام حارًا فلو تنجس بالموت لكان ذلك تنجيسًا للطعام والنبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بذلك. فإذا لم يَنجس الذباب بالموت لم ينجس سائر ما لا نفس له سائلة؛ لأن الكل مشترك معنى فوجب أن يشترك حكمًا.
وأما قول المصنف رحمه الله: كالذباب فتمثيل لما لا نفس له سائلة.
قال: (وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر. وعنه أنه نجس).
أما كون بول ما يؤكل لحمه طاهرًا على المذهب فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العُرَنِيّين بشرب أبوال الإبل» (3). ولو كانت نجسة لما أمر بشربها.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (1) 2: 70 كتاب الجنائز، باب المسلم ليس بنجس.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (5445) 5: 2180 كتاب الطب، باب إذا وقع الذباب في الإناء.
(3)
حديث العرنيين متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه قال: «قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون» .
أخرجه البخاري في صحيحه (231) 1: 92 كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1671) 3: 1296 - 1297 كتاب القسامة، باب حكم المحاربين والمرتدين.
فإن قيل: أمر به؛ لأن التداوي بالنجس يجوز.
قيل: لا يجوز ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها» (1).
وعلى تقدير التسليم لا ينبغي حمل الحديث عليه لأنه لو كان للتداوي لا للطهارة لأمرهم بغسل أفواههم وأيديهم لأجل الصلاة وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. فلما لم يأمرهم بالغسل علم أن الأمر بالشرب للطهارة.
وروى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا بأس ببول ما أُكل لحمه» (2).
وروى جابر عليه السلام أنه قال: «ما أُكل لحمه فلا بأس ببوله» (3) رواهما الدارقطني.
ولأنه متحلل معتاد من حيوان يؤكل لحمه أشبه اللبن.
وأما كون روثه طاهرًا على المذهب فـ «لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم» (4) قبل المسجد. وهي لا تخلو من أبعارها. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يصلون على الأوطية ولم ينقل عنهم تنظيفها.
ولأنه متحلل معتاد من حيوان يؤكل لحمه أشبه البول واللبن.
(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (1388) 2: 334 - 335.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10: 5 كتاب الضحايا، باب النهي عن التداوي بالمسكر.
وذكره البخاري في صحيحه تعليقا عن ابن مسعود 5: 2129 كتاب الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل.
وله شاهد عند مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها. فقال: إنما أصنعها للدواء. فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء». (1984) 3: 1573 كتاب الأشربة، باب: تحريم التداوي بالخمر.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (3) 1: 128 باب نجاسة البول والأمر بالتنزه منه والحكم في بول ما يؤكل لحمه.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (4) الموضع السابق.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (419) 1: 166 أبواب المساجد، باب الصلاة في مرابض الغنم.
وأخرجه مسلم في صحيحه (524) 1: 374 كتاب المساجد، باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما كون منيه طاهرًا على المذهب؛ فلأنه إذا حكم بطهارة بوله وروثه؛ فلأن يحكم بطهارة منيّه بطريق الأولى.
وأما كون بوله وروثه نجسًا على روايةٍ؛ فلأنه رجيع أشبه رجيع غير مأكول اللحم.
وأما كون منيه نجسًا على روايةٍ؛ فلأن طهارته بالقياس على طهارة البول والروث فإذا حكم بنجاستهما وجب الحكم بنجاسته لانتفاء الحكم في المقيس عليه، ولثبوت التنجيس فيه.
قال: (ومني الآدمي طاهر. وعنه أنه نجس، ويجزئ فرك يابسه. وفي رطوبة فرج المرأة روايتان).
أما كون مني الآدمي طاهرًا على المذهب فلقوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرًا} [الفرقان: 54]. أطلق عليه اسم الماء فوجب أن يطلق عليه حكمه في الطهارة.
ولما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يذهب. فيصلي فيه» (1) رواه مسلم.
ولو كان نجسًا لم يَطهر بالفرك كالعَذِرَة.
وقال ابن عباس: «امسحه عنك بإذخرة أو خرقة. ولا تغسله إنما هو كالبصاق والمخاط» (2). ورواه الدارقطني مرفوعًا.
ولأنه بدء خلق آدمي فكان طاهرًا كالطين.
وأما كونه نجسًا على روايةٍ؛ فلأنه مستحيل من الدم أشبه القيح والصديد.
ولأنه خارج لشهوة أشبه المذي.
وأما كونه يجزئ فرك يابسه على هذه الرواية فلقول عائشة رضي الله عنها: «كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسًا وأغسله إذا كان رطبًا» (3) رواه الدارقطني.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (289) 1: 239 كتاب الطهارة، باب حكم المني.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (1) 1: 124 كتاب الطهارة، باب: ما ورد في طهارة المني وحكمه رطباً ويابساً.
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (3) 1: 125 الموضع السابق.
و «لأنه نزل بعائشة ضيف فأمرت له بملحفة صفراء ينام فيها. فاحتلم. فاستحيا أن يرسل بها وفيها أثر الاحتلام. فغمسها في الماء. ثم أرسلها. فقالت عائشة رضي الله عنها: لِمَ أفسد علينا ثوبنا. إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه. وربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي» (1) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وتقييد الإجزاء بكون المني يابسًا مشعر بأنه إذا كان رطبًا لا بد من غسله. وهو صحيح لوجوه:
الأول: أن المجزئ الفرك وذلك لا يتأتى في الرطب.
الثاني: أن المحل نجس فلم يكن بد من تطهيره.
الثالث: أن الآثار وردت بغسله. منها: ما تقدم من قول عائشة: «وأغسله إذا كان رطبًا» (2).
ومنها ما روي عن عائشة رضي الله عنها: «كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم يخرج فيصلي فيه. وأنا أنظر إلى البقع فيه من أثر الغسل» (3) متفق عليه.
فإن قيل: إجزاء الفرك عام في كل مني أم لا؟
قيل: لا. بل هو مختص بمني الرجل؛ لأن أحمد نص على أنه لا يجزئ فرك مني المرأة لأنه رقيق. وإنما أجزأ فرك مني الرجل لأنه غليظ فيؤثر الفرك فيه تخفيفًا بخلاف مني المرأة.
وأما كون رطوبة فرج المرأة نجسة في روايةٍ؛ فلأنها لا تخلو من مذي.
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (116) 1: 198 أبواب الطهارة، باب ما جاء في المني يصيب الثوب.
(2)
سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (228) 1: 91 كتاب الوضوء، باب غَسل المني وفركه
…
وأخرجه مسلم في صحيحه (289) 1: 239 كتاب الطهارة، باب حكم المني.
وأما كونها طاهرة في روايةٍ -وهي الصحيحة- لما ذكر في طهارة المني المستدل عليه بفرك مني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان مني جماع لا مني غيره ضرورة أن الأنبياء لا يحتلمون.
قال: (وسباع البهائم، والطير، والبغل، والحمار الأهلي نجسة. وعنه أنها طاهرة).
أما كون سباع البهائم كالأسد والنمر وغير ذلك نجسة على روايةٍ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من السباع. فقال: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء» (1). فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما. وإنما ينجس أن لو كان الذي نابه نجسًا.
ولأنه حيوان حرم أكله يمكن التحرز منه فكان نجسًا كالكلب.
وأما كونها طاهرة على روايةٍ فلما روى أبو سعيد الخدري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحِياض التي بين مكة والمدينة. تردها الكلاب والسباع والحمر. فقال: لها ما أخذت في أفواهها، ولنا ما غَبَرَ طَهور» (2) رواه ابن ماجة.
و«لأن عمر بن الخطاب وعمرو بن العاصي مرا بحوض فقال عمرو: يا صاحب الحوض! ترد على حوضك السباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا. فإنا نرد عليها وترد علينا» (3) رواه مالك في الموطأ.
وأما كون جوارح الطير كالعقاب والنسر ونحو ذلك نجسة على روايةٍ، وطاهرة على روايةٍ؛ فلأنها تساوي سباع البهائم معنى فكذا يجب أن يكون حكمًا.
وأما كون كل واحد من البغل والحمار الأهلي نجسًا على روايةٍ فلقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر «إنها رجس» (4) متفق عليه.
ولما ذكرنا في السباع.
(1) سبق تخريجه ص: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة ..
(2)
أخرجه ابن ماجة في سننه (519) 1: 173 كتاب الطهارة، باب الحياض.
(3)
أخرجه مالك في موطئه (14) 1: 51 كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (5208) 5: 2103 كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الإنسية.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1940) 3: 1540 كتاب الصيد، باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية.
وأما كونه طاهرًا على روايةٍ فلما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أنتوضأ بما أفضلته الحمر؟ قال: نعم. وبما أفضلت السباع كلها» (1) رواه الشافعي في مسنده.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار والبغل. و «ركب يومًا حمارًا مُعْرَوْرَى في الحر» (2) أي عريانًا. ذكره البخاري.
والظاهر أنه لا يسلم من عرقه.
وكان أصحابه عليه السلام يقتنون البغال والحمير ويصحبونها في أسفارهم. فلو كانت نجسة لبين لهم نجاستها.
ولأنه لا يمكن التحرز منها للمشقة أشبها الهر.
ولأنه يجوز بيعهما أشبها مأكول اللحم.
قال: (وسؤر الهر (3) وما دونها في الخلقة طاهر).
أما كون سؤر الهر طاهرًا فلما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت: «دخل عليّ أبو قتادة. فسكبت له وضوءًا. فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت. فرآني أنظر إليه. فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قلت: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس. إنها من الطوافين عليكم والطوافات» (4) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
(1) أخرجه الشافعي في مسنده (40) 1: 22 كتاب الطهارة، باب في المياه.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (965) 2: 664 كتاب الجنائز، باب ركوب المصلي على الجنازة إذا انصرف من حديث جابر بن سمرة قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرس مُعْرَوْرَى فركبه
…
». ولم أره عند البخاري.
(3)
في المقنع: الهرة.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (75) 1: 19 - 20 كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة.
وأخرجه الترمذي في جامعه (92) 1: 153 أبواب الطهارة، باب ما جاء في سؤر الهرة. وقال: هذا أحسن شيء روي في هذا الباب.
وأخرجه النسائي في سننه (68) 1: 55 كتاب الطهارة، سؤر الهرة.
وأخرجه ابن ماجة في سننه (367) 1: 131 كتاب الطهارة، باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة في ذلك.
وأما كون سؤر ما دون الهر في الخلقة كالفأرة ونحوها طاهرًا؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم علل طهارة الهر بكونها من الطوافين والطوافات وذلك موجود فيما دونها لكونه مما يطوف علينا.
ولأنه لا يمكن التحرز منه أشبه الهر.