المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الثالثة

- ‌تقديم

- ‌المبحث الأولحياة المؤلف

- ‌حياة المؤلف:

- ‌مولده

- ‌أسرته:

- ‌نشأته وطلبه للعلم:

- ‌مصنفاته

- ‌أخلاقه وثناء العلماء عليه

- ‌تلاميذه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثانيترجمة الإمام مو فق الدين ابن قدامة

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم ورحلاته:

- ‌مشايخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌بلوغه درجة الاجتهاد:

- ‌أولاده:

- ‌مصنفاته:

- ‌شعره:

- ‌رثاؤه:

- ‌المبحث الثالثأهمية كتاب الممتع في شرح المقنع

- ‌المبحث الرابعمنهجه في كتاب الممتع

- ‌المبحث الخامسموارده في كتاب الممتع

- ‌المبحث السادسالنسخ الخطية للكتاب

- ‌وصف النسخ الخطية للكتاب

- ‌نماذج من المخطوطات

- ‌[مقدمة المصنف]

- ‌كتاب الطهارة:

- ‌باب المياه

- ‌فصل [في الماء الطاهر غير المطهر]

- ‌فصل [الماء النجس]

- ‌باب الآنية:

- ‌باب الاستنجاء:

- ‌باب السواك وسنة الوضوء

- ‌باب فرض الوضوء وصفته:

- ‌فصل [في صفة الوضوء]

- ‌باب مسح الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغَسل

- ‌فصل [في الأغسال المستحبة]

- ‌فصل في صفة الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب ستر العورة

- ‌باب اجتناب النجاسات

- ‌باب استقبال القبلة

- ‌باب النية

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الخارج من الأرض

- ‌باب زكاة الأثمان

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب ذكر أهل الزكاة

الفصل: ‌باب ستر العورة

‌باب ستر العورة

قال المصنف رحمه الله: (وهو الشرط الثالث. وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب).

أما كون ستر العورة الشرط الثالث؛ فلأنه يلي الثاني.

وأما كونه شرطاً لصحة الصلاة؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» (1) رواه أبو داود [والترمذي وابن ماجة](2).

وأما كون سترها عن النظر واجباً؛ فلأن الله تعالى قال: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31]. وقد اتفقت (3) الأمة على أن غير اللباس لا يجب زينة. فثبت وجوب الستر باللباس.

وروى سلمة بن الأكوع قال: «قلت: يا رسول الله! إني أكون في الصيف وليس عليّ إلا قميص واحد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رده عليك أو اربطه بشوكة» (4).

فإن قيل: الآية المذكورة نزلت بسبب شيء خاص.

قيل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (641) 1: 173 كتاب الصلاة، باب المرأة تصلي بغير خمار.

وأخرجه الترمذي في جامعه (377) 2: 215 أبواب الصلاة، باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (655) 1: 215 كتاب الطهارة، باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار. كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها.

وأعله الدارقطني بالوقف وقال: إن وقفه أشبه، وأعله الحاكم بالإرسال. انظر التلخيص 1:279.

(2)

زيادة من ج.

(3)

في ب: اتفق.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (632) 1: 170 كتاب الصلاة، باب في الرجل يصلي في قميص واحد.

وأخرجه النسائي (765) 2: 70 كتاب القبلة، الصلاة في قميص واحد.

ص: 295

وأما كون الستر الواجب الستر بما لا يصف البشرة؛ فلأن الستر لا يحصل بدون ذلك.

قال: (وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة. وعنه أنها الفرجان).

أما كون عورة الرجل ما بين السرة والركبة على المذهب؛ فلما روى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبرز فخذك. ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت» (1) رواه الإمام أحمد رضي الله عنه.

وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل فخذه خارجة. فقال: غط فخذك فإن فخذ الرجل من عورته» (2) رواه الإمام أحمد.

وروي «أنه قال لجرهد: غط فخذك. فإن الفخذ عورة» (3) رواه الإمام أحمد.

وأما كونها الفرجين على روايةٍ؛ فلما روى أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم» (4) رواه البخاري.

وروت عائشة «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته كاشفاً عن فخذه فاستأذن أبو

بكر فأذن له وهو على ذلك [ثم استأذن عمر فأذن له وهو على ذلك](5»)(6). ولو كانت عورة لما كشفها.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (4015) 4: 40 كتاب الحمام، باب النهي عن التعري.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (1460) 1: 469 كتاب الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت.

وأخرجه أحمد في مسنده (1248) 1: 146.

وأخرجه الدارقطني في سننه (4) 1: 225 كتاب الحيض، باب في بيان العورة والفخذ منها.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (7362) 4: 200 كتاب اللباس.

قال أبو داود: هذا الحديث فيه نكارة.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (2493) 1: 275.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (7363) 4: 200 كتاب اللباس.

(3)

أخرجه أحمد في مسنده (15960) 3: 479.

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه (364) 1: 145 أبواب الصلاة في الثياب، باب ما يذكر في الفخذ.

وأخرجه مسلم في صحيحه (1365) 2: 1043 كتاب النكاح، باب فضيلة إعتاقه أمة ثم يتزوجها.

(5)

زيادة من ج.

(6)

أخرجه مسلم في صحيحه (2401) 4: 1866 كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وأخرجه أحمد في مسنده (24375) 6: 62.

ص: 296

وأما كون عورة الأمة ما بين السرة والركبة فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا زوج أحدكم أمته عبده فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة. يريد الأمة» (1) رواه الدارقطني.

وعن الإمام أحمد أن عورتها جميع بدنها إلا ما يظهر منها غالباً كالرأس. واليدين إلى المرفقين. والرجلين إلى الكعبين؛ لأنه لا يظهر منها غالباً أشبه ما تحت السرة.

ولم أجد في كتب الأصحاب مصرحاً بأن عورة الأمة الفرجان في روايةٍ.

وقد فرع صاحب النهاية فيها فروعاً يقتضي أن هذه الرواية عامة في الرجل والأمة. وهو ظاهر إطلاق أصحابنا. وفيه نظر.

قال: (والحرة كلها عورة إلا الوجه. وفي الكفين روايتان).

أما كون الحرة كلها عورة إلا الوجه والكفين؛ «فلقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] قال ابن عباس: وجهها وكفيها» (2).

ولأنه يحرم ستر الوجه والكفين في الإحرام ولو كانا من العورة ما حرم.

وروت أم سلمة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: تصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ فقال: نعم إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها» (3) رواه الدارقطني وأبو داود.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (4114) 4: 64 كتاب اللباس، باب في قوله عز وجل:{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} .

وأخرجه الدارقطني في سننه (2) 1: 230 كتاب الصلاة، باب الأمر بتعليم الصلوات والضرب عليها، وحد العورة التي يجب سترها. كلاهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وفيه:«وإذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة، فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة» .

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 225 كتاب الصلاة، باب عورة المرأة الحرة. عن ابن عباس رضي الله عنه.

وفي 2: 226 كتاب الصلاة، باب عورة المرأة الحرة. عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (640) 1: 173 كتاب الصلاة، باب في كم تصلي المرأة.

وأخرجه الدارقطني في سننه (16) 2: 62 كتاب العيدين، باب صفة صلاة الخوف وأقسامها.

وأخرجه الحاكم في المستدرك (915) 1: 380 كتاب الصلاة. قال الحاكم: حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

ص: 297

وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء. فقالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً، قالت: فإذاً تنكشف أقدامهن. قال: يرخين ذراعاً لا يزدن عليه» (1) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

وأما كون الكفين عورةً على روايةٍ فقياساً (2) على القدمين.

والأول أصح لما تقدم.

قال: (وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة. وعنه كالحرة).

أما كون عورة أم الولد كالأمة على روايةٍ فلثبوت أحكام الإماء فيها سوى نقل الملك وما يراد له.

وأما كون عورة المعتق بعضها كذلك فلعدم كمال الحرية.

وأما كون عورة أم الولد كالحرة على روايةٍ؛ فلأنها قد انعقد فيها سبب الحرية انعقاداً لا يمكن بطلانه أشبهت الحرة.

وأما كون عورة المعتق بعضها كذلك؛ فلأنها اجتمع فيها تحريم وتحليل فغلب جانب التحريم.

فإن قيل: ما الصحيح من الروايتين المذكورتين؟

قيل: الصحيح في أم الولد أنها كالأمة لمساواتها لها في أكثر الأحكام، وفي المعتق بعضها أنها كالحرة لتحقق الحرية في بعضها.

(1) أخرجه الترمذي في جامعه (1731) 4: 223 كتاب اللباس، باب ما جاء في جر ذيول النساء.

وأخرجه النسائي في سننه (5337) 8: 209 كتاب الزينة، ذيول النساء.

وأخرجه أحمد في مسنده (26723) 6: 315.

(2)

في ب: فقياس.

ص: 298

قال: (ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين. فإن اقتصر على ستر العورة أجزأه إذا كان على عاتقه شيء من اللباس. وقال القاضي: يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض).

أما كون الرجل يستحب له أن يصلي في ثوبين؛ فلما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو قال: قال عمر: «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما. فإن لم يكن له إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود» (1) رواه أبو داود.

وأما كونه يجزئه الاقتصار على ستر العورة إذا كان على عاتقه شيء من اللباس؛ فلأن ما عدا ذلك من الستر غير واجب فلم يكن الإجزاء متوقفاً عليه. ضرورة أن العهدة تزول بفعل الواجب.

وكلام المصنف رحمه الله مشعر بأن الاقتصار على ستر العورة في الصلاة لا يجزئ. وهو صحيح؛ لأن المصلي عندنا (2) يجب أن يضع على عاتقه شيئاً من اللباس مع ستر عورته ولا تصح صلاته بدون ذلك؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» (3) متفق عليه.

نهى والنهي يقتضي التحريمَ وفسادَ المنهي عنه.

وأما كونه لا فرق بين الفرض والنفل -ذلك على قول غير القاضي- فلعموم الحديث.

ولأن النفل صلاة فاشترط فيه ما يشترط في الفرض بالقياس عليه.

وأما كونه يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض على قول القاضي؛ فلأن النفل مبناه التخفيف. ولذلك يسامح فيه بترك القيام والاستقبال في السفر للراكب والماشي فجاز أن يسامح فيه بهذا القدر.

(1) أخرجه أبو داود في سننه (635) 1: 172 كتاب الصلاة، باب من قال يتزر به.

وأخرجه أحمد في مسنده (6320) ط إحياء التراث.

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 236 كتاب الصلاة، باب ما يستحب للرجل أن يصلي فيه من الثياب.

(2)

زيادة من ج.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (352) 1: 141 كتاب الصلاة، باب إذا صلى في الثوب الواحد

وأخرجه مسلم في صحيحه (516) 1: 368 كتاب الصلاة، باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه.

ص: 299

وهذا القول الذي عزاه المصنف رحمه الله إلى القاضي -وهو منصوص الإمام أحمد- ذكره في المغني وصاحب النهاية فيها.

والمساواة بين الفرض والنفل ظاهر كلام الخرقي. فله أن يقول المسامحة في النفل بترك القيام والاستقبال؛ لأن اشتراطهما يفضي إلى تقليل النافلة ضرورة أن المسافر في مظنة التعب والنصب واشتباه القبلة وليس هذا المعنى موجوداً في اشتراط ستر المنكبين؛ لأن سترهما لا يشق ولا يفضي اشتراط ذلك إلى تقليل النافلة فوجب المساواة عملاً بالعموم والأصل المقتضي للتساوي السالم كل (1) واحد منهما عن المعارض.

وللإمام أحمد أن يقول: الأصل عدم وجوب ستر المنكبين. تُرك الأصل في الفرض لأنه مراد من الحديث قطعاً. فوجب أن لا يترك في النفل لوجوه:

أحدها: أنه يلزم الترك بالأصل بالكلية.

وثانيها: أنه قد ظهر في الجملة الفرق بين الفرض والنفل فلم يلزم من الترك في الفرض الترك في النفل.

وثالثها: أن الفرض آكد فناسب انفراده بذلك.

قال: (ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وملحفة. وإن اقتصرت على ستر عورتها: أجزأ).

أما كون المرأة يستحب لها أن تصلي فيما ذكر فلما روي عن عمر أنه قال: «تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار» (2).

فإن قيل: ما الدرع والخمار والملحفة؟

قيل: قال الإمام أحمد: الدرع هو شبه القميص لكنه سابغ يغطي قدميها.

وقيل: هو اسم لقميص المرأة السابغ.

والخمار: شيء تغطي به المرأة رأسها وشعرها وعنقها.

والملحفة: شيء يلتحف بها من فوق الدرع.

والحكمة في ذلك: المبالغة في سترها لأنها جميعها عورة إلا الوجه. وفي الكفين خلاف.

(1) في ب: لكل.

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 234 كتاب الصلاة، باب الترغيب في أن تكف ثيابها

ص: 300

وأما كونها إذا اقتصرت على ستر عورتها يجزئ فلما روت أم سلمة قالت: «يا رسول الله! صلى الله عليه وسلم تصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ فقال: نعم. إذا كان سابغاً يغطي ظهور قدميها» (1) رواه أبو داود.

وقد روي «أن أم سلمة وميمونة كانتا تصليان في درع وخمار ليس عليهما إزار» (2) رواه مالك.

قال: (وإذا انكشف من العورة يسير لا يفحش في النظر لم تبطل صلاته. وإن فحش بطلت).

أما كون من انكشف من عورته يسير لا يفحش في النظر لا تبطل صلاته؛ فلما روى أيوب عن عمرو بن سلمة قال: «انطلق أبي وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه. فعلمهم الصلاة. وقال: يؤمكم أقرؤكم. فكنت أقرأهم. فقدموني فكنت أؤمهم وعليّ بردة لي صفراء صغيرة. فكنت إذا سجدت انكشفت عني. فقالت امرأة من النساء: واروا عنا عورة قارئكم. فاشتروا لي قميصاً عمانياً. فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به» (3) رواه أبو داود.

وفي لفظ آخر: «فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق. وكنت إذا سجدت خرجت منها إستي» (4).

ومثل هذا الظاهر أنه اشتهر ولم ينكر ولا بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره. ولو كان مبطلاً للصلاة لأنكره ولبلغنا ذلك.

ولأن ثياب الفقراء لا تخلو من خرق، وثياب الأغنياء لا تخلو [من](5) فتق. والاحتراز من ذلك يشق ويعسر فعفي عنه كيسير الدم.

(1) سبق تخريجه ص: 297.

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (36) و (37) 1: 134 - 135 كتاب صلاة الجماعة، باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (585) 1: 159 كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة.

وأخرجه البخاري في صحيحه (4051) 4: 1564 كتاب المغازي، باب من شهد الفتح. نحوه.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (586) 1: 160 كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة.

(5)

ساقط من ب.

ص: 301

وأما كونها تبطل إذا انكشف ما يفحش؛ فلأن مقتضى الدليل بطلان الصلاة بكشف شيء من العورة ضرورة كون سترها شرطاً لصحة الصلاة. تُرك العمل به في اليسير غير الفاحش للحديث، وللمشقة. فيبقى فيما عداه على مقتضاه.

فإن قيل: ما الفاحش وغير الفاحش؟

قيل: المرجع في ذلك إلى العرف. والعرف يختلف بالعورة المخففة والمغلظة. فقد لا يفحش قدر من الفخذين لو انكشف، ويفحش مثله في الفرجين.

ولا فرق بين الفرجين وغيرهما لأن ذلك في الحديث المحتج به على ذلك وهو قوله: «خرجت منها إستي» (1).

ولأن المشقة المتقدمة موجودة في الفرجين فوجب أن يعفى عن اليسير منهما دفعاً للمشقة.

واليسير المعفو عنه هو ما لا يفحش. صرح به المصنف رحمه الله في المغني وغيره من الأصحاب.

وظاهر كلامه هاهنا أن الذي لا يبطل يسير موصوف بعدم الفحش. وليس الأمر كذلك لأن ذلك يقتضي أن لنا يسيراً موصوفاً بالفحش. ووصف الشيء بصفة يقتضي تجدد فائدة لولاها. وكان الجيد أن يقال: وإذا انكشف من العورة يسير وهو ما لا يفحش كما قال أبو الخطاب. أو يقتصر على يسير كما قال الخرقي. ثم الشارح يبين ما لا يفحش كما فعل المصنف رحمه الله في المغني.

قال: (ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته. وعنه تصح مع التحريم).

أما كون من صلى في ثوب حرير أو مغصوب لا تصح صلاته على المذهب؛ فلأن لبسهما حرام وقد استعملهما في شرط العبادة فلم تصح كالصلاة في الدار المغصوبة.

وأما كونها تصح على روايةٍ مع التحريم؛ فلأن التحريم لا يختص الصلاة، والنهي لا يعود إليها فوجب أن يصح؛ كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب، أو صلى وعليه عمامة مغصوبة، أو حرير، أو في يده خاتم ذهب.

(1) سبق تخريجه قريباً.

ص: 302

قال: (ومن لم يجد إلا ثوباً نجساً صلى فيه وأعاد على المنصوص. ويتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه. فإنه قال: لا إعادة عليه).

أما كون من لم يجد إلا ثوباً نجساً يصلي فيه؛ فلأن السترة آكد من إزالة النجاسة؛ لأنها (1) تجب في الصلاة وخارجها بخلاف إزالة النجاسة.

ولأن السترة متفق على اشتراطها والطهارة مختلف فيها وتسقط مع العجز عن إزالتها ومع الجهل والنسيان بخلاف السترة.

وأما كونه يعيد ما صلى على المنصوص؛ فلأن الطهارة من النجاسة شرط وقد فاته.

وأما كونه يتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه؛ فلأن طهارة المكان لما كانت شرطاً وحكم بعدم الإعادة مع فقدها اقتضى الدليل أن يُخَرّج في الصلاة في الثوب النجس لمن لا يقدر على غيره مثله.

وهذا هو الصحيح إن شاء الله لأنه شرط عجز عنه فسقط كالسترة والاستقبال. بل أولى فإن السترة آكد بدليل تقديمها على هذا الشرط.

قال: (ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها. فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين. فإن لم يكفهما جميعاً ستر أيهما شاء. والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه، وقيل: القبل أولى).

أما كون من لم يجد إلا ما يستر عورته يسترها؛ فلأن سترها آكد من ستر غيرها بدليل أنه واجب في الصلاة وفي خارج الصلاة.

وفي كلام المصنف رحمه الله إشعار بأن سترها مقدم على ستر جميع بدنه وعلى منكبيه، مع أن وضع اللباس عليهما أو على أحدهما واجب في الصلاة عندنا وهو صحيح؛ لما تقدم من تأكيد ستر العورة على ستر غيرها.

وقال القاضي: من لم يجد إلا ما يستر عورته أو منكبيه ستر منكبيه وصلى جالساً لأن الحديث في ستر المنكبين أصح منه في ستر الفخذين، والقيام له بدل وستر المنكبين لا بدل له.

(1) في ب: لا.

ص: 303

قال ابن عقيل: هذا عندي محمول على سترة يتسع أن يتركها على كتفيه ويسدلها من ورائه يستر دبره. والقبل مستور بضم فخذيه عليه فيحصل ستر الجميع.

والأول أصح؛ لأن العورة أغلظ في الحكم لما تقدم.

ولأنها يجب سترها في الفرض والنفل.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به، وإذا كان ضيقاً فاتزر به» (1).

ولأن ستر العورة متفق على وجوبه يشترط فيه حقيقة الستر وتعميمه مع القدرة بخلاف المنكبين فيجب تقديم ستر العورة عليهما.

وأما كونه يستر الفرجين إذا لم تكف (2) السترة جميع العورة؛ فلأنهما عورة بلا خلاف بخلاف باقيها.

ولأنهما أفحش لاختصاصهما باسم العورة. والعرف يشهد بفحشهما زيادة على ما عداهما.

وأما كونه يستر أيهما شاء إذا لم يكفهما جميعاً؛ فلأن كلاً متفق على كونه عورة.

وأما كون ستر الدبر أولى على ظاهر كلام الإمام أحمد؛ فلأنه أفحش، ويبدو في الركوع والسجود.

وأما كون القبل أولى على قول؛ فلأنه يستقبل به القبلة وهو مستعل. والدبر يستتر بضم الإليتين، ولا يستقبل به القبلة.

قال: (وإن بُذلت له سترة لزمه قبولها إذا كانت عاريّة).

أما كون من بذلت له سترة عارية يلزمه قبولها؛ فلأنه قدر على ستر عورته بما لا مِنَّةَ عليه فيه أشبه ما لو بذل له ماء للوضوء.

وأما كون لزوم القبول مقيداً بكون السترة عارية فتنبيه على أنها إذا كانت غير عَارية كالهبة لا يلزمه قبولها. وهو صحيح صرح به المصنف وغيره لأن في قبول الهبة مِنَّةَ فلم يلزمه نفياً للضرر اللاحق به من المنة.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (354) 1: 142 أبواب الصلاة في الثياب، باب إذا كان الثوب ضيقاً.

وأخرجه مسلم في صحيحه (3010) 4: 2306 كتاب الزهد والرقائق، باب حديث جابر الطويل

(2)

ساقط من ب.

ص: 304

قال: (فإن عدم بكل حال صلى جالساً يومئ إيماء. فإن صلى قائماً جاز. وعنه أنه يصلي قائماً ويسجد بالأرض).

أما كون مَن عدم السترة بكل حال يصلي جالساً يومئ بالركوع والسجود؛ فلأنه يروى عن ابن عمر «أنه قال في قوم انكسرت لهم مراكبهم فخرجوا عراة: يصلون جلوساً يُومِئون إيماء برؤوسهم» (1) رواه الخلال. ولم ينقل خلافه.

وأما كونه إذا صلى قائماً يجوز فلما فيه من المحافظة على القيام.

ومفهوم كلام المصنف رحمه الله أن صلاة من ذكر جالساً يومئ إيماء أوفى من صلاته قائماً. وهو صحيح لأن جلوسه فيه ستر لعورته والجلوس قائم مقام القيام. ولو صلى قائماً لسقط الستر إلى غير بدل.

ولأن ستر العورة آكد من القيام بدليل سقوطه في النافلة.

ولأن الستر يجب في الصلاة وخارجها بخلاف القيام.

فإن قيل: الستر لا يحصل وإنما يحصل بعضه (2) فلا يفي ذلك بترك القيام.

قيل: إذا قيل: العورة الفرجان فقد حصل الستر، وإن قيل: العورة ما بين السرة والركبة فقد حصل ستر آكدهما وجوباً وأفحشهما في النظر فكان أولى.

وأما كونه يصلي قائماً ويسجد بالأرض على روايةٍ؛ فلأن في ذلك محافظة على ثلاثة أركان وفي الصلاة جالساً محافظة على بعض شرط.

قال: (وإن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة ستر وبنى، وإن كانت بعيدة ستر وابتدأ).

أما كون من وجد السترة قريبة منه في أثناء صلاته يستتر ويبني على ما صلى؛ فلأن الستر شرط أمكنه فعله في الصلاة من غير عمل كبير فجاز له فعله. والبناء على صلاته قياساً على استدارة أهل قباء إلى القبلة.

ص: 305

وأما كونه يستتر ويبدأ إذا كانت السترة بعيدة؛ فلأن الستر لا بد منه ضرورة كونه شرطاً لصحة الصلاة، والستر مع بعد السترة فيه عمل كثير، والعمل الكثير مبطل للصلاة؛ لما يأتي إن شاء الله تعالى (1).

قال: (ويصلي العراة جماعة، وإمامهم في وسطهم. فإن كانوا رجالاً ونساء صلى كل نوع لأنفسهم. وإن كانوا في ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء. ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال).

أما كون العراة يصلون جماعة؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الرجل في الجمع يفضل على صلاته وحده بسبع وعشرين درجة» (2)[متفق عليه](3).

وهذا عام في كل مصل عار ولابس.

وأما كون إمامهم في وسطهم؛ فلأن ذلك أستر لهم وأغض لأبصارهم.

وأما كون كل نوع يصلون لأنفسهم إذا كانوا رجالاً ونساء فلئلا يرى بعضهم بعضاً.

وأما كون الرجال يصلون ويستدبرهم النساء ثم النساء ويستدبرهن الرجال إذا كانوا في ضيق؛ فلأن في (4) ذلك تحصيلاً للجماعة مع عدم رؤية الرجال النساء وبالعكس.

قال: (ويكره في الصلاة السدل. وهو: أن يطرح على كتفيه ثوباً ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر. واشتمال الصماء. وهو: أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره. وعنه يكره وإن كان عليه غيره).

أما كون السدل في الصلاة يكره؛ فلأن أبا هريرة روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة» (5) رواه أبو داود.

(1) ر ص: 404.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (619) 1: 231 كتاب الجماعة والإمامة، باب فضل صلاة الجماعة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (650) 1: 450 كتاب المساجد، باب فضل صلاة الجماعة

وأخرجه الترمذي في جامعه (215) 1: 420 أبواب الصلاة، باب ما جاء في فضل الجماعة.

وأخرجه النسائي في سننه (837) 2: 103 كتاب الإمامة، فضل الجماعة.

وأخرجه ابن ماجة في سننه (789) 1: 259 كتاب المساجد والجماعات، باب فضل الصلاة في جماعة.

وأخرجه أحمد في مسنده (5921) 2: 112.

(3)

زيادة من ج.

(4)

زيادة من ج.

(5)

أخرجه أبو داود في سننه (643) 1: 174 كتاب الصلاة، باب ما جاء في السدل في الصلاة.

وأخرجه الترمذي في جامعه (378) 2: 217 أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة.

وأخرجه أحمد في مسنده (7921) 2: 295.

ص: 306

وأما كون صفته كما ذكر المصنف رحمه الله؛ فلأن السدل في اللغة: إرخاء الثوب. قاله الجوهري. فإذا وضعه على كتفيه ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى حصل إرخاؤه فيحصل معنى السدل. وإذا وضعه على كتفيه ورد أحد طرفيه على الكتف الأخرى لم يحصل إرخاؤه فلا يحصل معنى السدل.

وأما كون اشتمال الصماء يكره؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين: اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل بثوب ليس [بين فرجه وبين السماء شيء» (1). رواه البخاري.

وأما كون صفته: أن يضطبع بثوب ليس] (2) عليه غيره على المذهب؛ فلأن أبا عبيد قال: اشتمال الصماء عند العرب أن يلتحف الرجل بثوب يخلل به جسده كله ولا يرفع منه جانباً يخرج منه يده. كأنه يذهب إلى أنه لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه (3) فلا يقدر عليه.

وفسره الفقهاء بأن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه، والفقهاء أعلم بالتأويل. والنهي على هذا يكون للتحريم وتفسد الصلاة معه.

وأما كونه يكره وإن كان عليه غيره على روايةٍ؛ فلما تقدم من قول أبي عبيد أولاً.

ولأن اشتمال الصماء إنما سميت اللبسة به لأن اللابس يسد على بدنه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها صدع. وهذا المعنى موجود في اللبسة المتقدمة وإن كان عليه غيرها.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5482) 5: 2191 كتاب اللباس، باب اشتمال الصماء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2099) 3: 1661 كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن اشتمال الصماء، والاحتباء في ثوب واحد.

(2)

ساقط من ب.

(3)

ساقط من ب.

ص: 307

فعلى هذا يكون الحديث شاملاً لهذه الصورة ويكون النهي للتنزيه؛ لأنه يمنع من إكمال الركوع والسجود؛ لأنه يلتحف به ويخرج يديه من تلقاء صدره.

قال: (ويكره تغطية الوجه، والتلثم على الفم والأنف، وكف الكم، وشد الوسط بما يشبه شد الزنار، وإسبال شيء من ثيابه خيلاء).

أما كون تغطية الوجه في الصلاة يكره؛ فلأنها عبادة لها تحليل وتحريم فشرع لها كشف الوجه كالإحرام.

وأما كون التلثم على الفم فيها يكره؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة» (1) رواه أبو داود.

ولأن فيه تعويقاً عن تحقيق الحروف، ومنعاً من إكمال ركن الصلاة.

وأما كون التلثم على الأنف فيها يكره؛ فلأن ابن عمر كرهه (2).

وفي الأنف رواية أخرى: أنه لا يكره التلثم عليه؛ لأن تخصيص الفم بالنهي يدل على نفيه عما عداه.

وأما كون كف الكم فيها يكره؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكف شعراً ولا ثوباً» (3) متفق عليه.

وأما كون شد الوسط بما يشبه شد الزنار يكره؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التشبه بأهل الكتاب. وقال: لا تشتملوا اشتمال اليهود» (4) رواه أبو داود.

وعن الإمام أحمد: لا يكره ذلك. قال: أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم» (5).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (643) 1: 174 كتاب الصلاة، باب ما جاء في السدل في الصلاة.

(2)

أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (4062) 2: 455 كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي وهو متلثم.

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (783) 1: 281 كتاب صفة الصلاة، باب لا يكف ثوبه في الصلاة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (490) 1: 354 كتاب الصلاة، باب أعضاء السجود

كلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

(4)

أخرجه أبو داود في سننه (635) 1: 172 كتاب الصلاة، باب من قال يتزر به، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(5)

أخرجه أحمد في مسنده (9911) 2: 458.

ص: 308

وتقييد كراهية شد الوسط بما يشبه شد الزنار مشعر بأن شد الوسط بما لا يشبه شد الزنار (1) كالمنطقة وشد القَباء والميزر لا يكره لأن المعنى الذي كره له شد الوسط بما يشبه شد الزنار التشبه بأهل الكتاب وذلك مفقود فيما ذكر.

وأما كون إسبال شيء من ثيابه خيلاء يكره؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه» (2) متفق عليه.

(1) في ب: بما يشبه الزنار.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5447) 5: 2181 كتاب اللباس، باب من جر إزاره من غير خيلاء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2085) 3: 1651 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء. كلاهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 309

فصل [في اللباس]

قال المصنف رحمه الله: (ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد الوجهين).

أما كون لبس ما ذكر لا يجوز في وجه؛ فلأن الإنسان ممنوع من جعل ذلك في بيته لما روى أبو طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة» (1) متفق عليه.

و«لأنه عليه السلام رأى في بيته ستراً عليه تصاوير فأمر بقطعه» (2).

فلأن يمنع من جعله عليه بطريق الأولى.

وأما كونه يجوز في وجه؛ فلأن زيد بن خالد روى الحديث المتقدم عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره: «في ثوب» (3) متفق عليه.

فعلى هذه الرواية يكون فعل ذلك مكروهاً؛ لأنه مختلف في حرمته.

قال: (ولا يجوز للرجل لبس ثياب الحرير، أو ما غالبه الحرير، ولا افتراشه إلا من ضرورة. فإن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين).

أما كون الرجل لا يجوز له لبس الحرير من غير ضرورة؛ فلما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأُحل لإناثهم» (4) أخرجه أبو داود والترمذي. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (3144) 3: 1206 كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه

وأخرجه مسلم في صحيحه (2106) 3: 1665 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (1999) 2: 742 كتاب البيوع، باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2107) 3: 1667 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان

(3)

أخرجه البخاري في صحيحه (5613) 5: 2222 كتاب اللباس، باب من كره القعود على الصور.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2106) 3: 1665 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان

(4)

أخرج أبو داود في سننه (4057) 4: 50 كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء. بلفظ:«عن علي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريراً فجعله في يمينه وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال: إن هذين حرام على ذكور أمتي» .

وأخرجه الترمذي في جامعه (1720) 4: 217 كتاب اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب. واللفظ له.

وأخرجه النسائي في سننه (5148) 8: 161 كتاب الزينة، تحريم الذهب على الرجال.

ص: 310

وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» (1) متفق عليه.

وأما كونه لا يجوز له افتراش الحرير من غير ضرورة؛ فلما روى حذيفة قال: «نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة. وأن نأكل فيها. وأن نلبس الحرير والديباج. وأن نجلس عليه» (2) رواه البخاري.

وأما كونه لا يجوز له لبس ما غالبه الحرير ولا افتراشه من غير ضرورة؛ فلأن الغالب يعطى حكم الكل في كثير من الأحكام فليكن هاهنا كذلك.

ولأن المعنى الذي حُرم الكل من أجله الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وذلك موجود فيما غالبه كذلك.

وأما كونه يجوز له لبس الحرير وما غالبه الحرير وافتراشه مع الضرورة؛ فلأن الضرورة تبيح المحرم دليله أكل الميتة.

وأما كون الحرير إذا استوى هو وما نسج معه لا يجوز على وجهٍ؛ فلأن النصف كثير.

ولأنه لا يطلق على ما نسج معه من الكتان والقطن قطن ولا كتان.

وأما كونه يجوز على وجهٍ؛ فلأن ابن عباس قال: «إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن

الثوب المصمت من الحرير» (3). تُرك العمل به فيما غالبه الحرير لإعطاء الغالب حكم الكل فيبقى فيما عداه على مقتضى الدليل.

(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5310) 5: 2133 كتاب الأشربة، باب آنية الفضة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2069) 3: 1641 كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5499) 5: 2195 كتاب اللباس، باب افتراش الحرير.

(3)

أخرجه أبو داود في سننه (4055) 4: 49 كتاب اللباس، باب الرخصة في العلم وخيط الحرير.

وأخرجه أحمد في مسنده (2858) 1: 313.

والمُصْمَت: هو الذي يكون جميعه من حرير ولا قطن فيه.

ص: 311

قال: (ويحرم لبس (1) المنسوج بالذهب، والمموه به. فإن استحال لونه فعلى وجهين).

أما كون المنسوج بالذهب والمموه به يحرم؛ فلما تقدم من الحديث.

ولا فرق في الذهب بين خالصه ومشوبه والمنفرد والمختلط بخلاف الحرير لأن الذهب يظهر قليله وكثيره، ويغلب لونه على لون ما اختلط به ويَعرف نَفَاسَتَه الخاص، والعام والتفاخر بقليله يضاهي التفاخر بكثير الحرير.

وأما كونه إذا استحال لونه يحرم على وجهٍ فلعموم النهي في الذهب.

وأما كونه لا يحرم على وجهٍ فلزوال المعنى المحرم من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء.

قال: (وإن لبس الحرير لمرض أو حكة أو في الحرب أو ألبسه للصبي فعلى روايتين).

أما كون من لبس الحرير لمرض أو حكة لا يحرم عليه على روايةٍ؛ فلما روي «أن عبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما» (2) متفق عليه.

وأما كونه يحرم عليه على روايةٍ؛ فلعموم النصوص المحرمة.

والحديث المذكور قبل يحتمل أن يكون ذلك خاصاً بالصحابيين.

والأولى أصح؛ لما تقدم.

والأصل عدم تخصيصهما.

وأما لبسه في الحرب فإن كان للغازي حاجة إليه مثل أن يجعله بطانة لسيفٍ أو درع ونحوه أبيح للحاجة.

قال الإمام أحمد: كان لعمر سيف فيه سبائك من ذهب، وفي سيف عمرو بن حنيف مسمار من ذهب. وقيل: سهل بن حنيف.

وروي «أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبيعة من ذهب وزنها ثمانية مثاقيل» .

وروي «أنه كان نعله وقبيعته من فضة وكان بينهما حِلَق من فضة» (3).

(1) ساقط من ب.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5501) 5: 2196 كتاب اللباس، باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2076) 3: 1647 كتاب اللباس، باب: إباحة لبس الحرير للرجل، إذا كان به حكة أو نحوها.

وأخرجه النسائي في سننه (5310) 8: 202 كتاب الزينة، الرخصة في لبس الحرير.

(3)

أخرجه النسائي في سننه (5374) 8: 219 كتاب الزينة، حلية السيف.

ص: 312

والمعنيّ بالحاجة ما هو محتاج إليه في نفسه وإن قام غيره مقامه لا عدم وجود غيره؛ لأن ما ذكرنا بهذه المثابة.

وإن لم تكن حاجة ففيه روايتان.

إحداهما: لا يحرم؛ لأن المنع للخيلاء. وهي مطلوبة في الحرب غير مذمومة.

والثانية: يحرم؛ لعموم الخبر.

وظاهر كلام أحمد رحمه الله إباحته لما ذكر.

ولأنه روي أنه كان لعروة يَلْمَق (1) من ديباج بطانته من سندس يلبسه في الحرب.

وقيل: الروايتان في الحاجة وعدمها. وهو ظاهر كلام المصنف رحمه الله هنا.

وأما كون مَنْ ألبس الحرير الصبي لا يحرم عليه على روايةٍ؛ فلأن تحريم ذلك على الرجل لما فيه من الفخر والخيلاء وذلك مفقود في الصبي؛ لأنه يُخاف عليه ذلك.

وأما كونه يحرم عليه على روايةٍ فكما يحرم عليه أن يَسقيه الخمر.

قال: (ويباح حشو الجباب والفرش به. ويحتمل أن يحرم).

أما كون حشو ما ذكر بالحرير يباح على المذهب؛ فلأنه ليس فيه خيلاء.

وأما كونه يحتمل أن يحرم؛ فلعموم النهي.

قال: (ويباح العَلَم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون. وقال أبو بكر: يباح وإن كان مذهباً. وكذلك الرقاع ولبنة الجيب وسجف الفراء).

أما كون العلم الحرير إذا كان أربع أصابع فما دون يباح؛ فلما روى عمر أنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أصابع أو أربع أصابع» (2) رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.

(1) اليلمق: أصله يلمه. فارسي معرب يعني: القباء. انظر: القاموس المحيط للفيروزآبادي ص 1201.

(2)

أخرجه مسلم في صحيحه (2069) 3: 1644 كتاب اللباس والزينة، باب يحرم استعمال إناء الذهب والفضة

وأخرجه أبو داود في سننه (4042) 4: 47 كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الحرير.

وأخرجه الترمذي في جامعه (1721) 4: 217 كتاب اللباس، باب ما جاء في الحرير والذهب.

ص: 313

وأما كون العَلَم المذهب لا يباح وإن قل على المذهب؛ فلأن قليله ككثير الحرير لما تقدم.

وأما كونه يباح على قول أبي بكر فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الذهب إلا مقطعاً» (1). وتفسيره الشيء اليسير مفرقاً.

وأما كون الرقاع ولبنة الجيب وسجف الفراء كالعَلَم؛ فلأن ذلك كله مساو للعَلَم معنًى فوجب أن يساويه حكماً.

قال: (ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر).

أما كون الرجل يكره له لبس المزعفر فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجال عن التزعفر» (2) متفق عليه.

وأما كونه يكره له لبس المعصفر فلما روي عن علي رضي الله عنه قال: «نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر» (3) رواه مسلم.

وحكمه عليه حكمه على الكل لقوله صلى الله عليه وسلم: «حكمي على الواحد حكمي على الكل» (4).

(1) أخرجه أبو داود في سننه (4239) 4: 93 كتاب الخاتم، باب ما جاء في الذهب للنساء.

وأخرجه النسائي في سننه (5150) 8: 161 كتاب الزينة، تحريم الذهب على الرجال.

وأخرجه أحمد في مسنده (16947) 4: 98. كلهم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري في صحيحه (5508) 5: 2198 كتاب اللباس، باب التزعفر للرجال.

وأخرجه مسلم في صحيحه (2101) 3: 1663 كتاب اللباس، باب نهي الرجل عن التزعفر. كلاهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(3)

أخرجه مسلم في صحيحه (2078) 3: 1648 كتاب اللباس، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر.

(4)

قال الزركشي في كتابه المعتبر (ص: 157) عند تخريجه لحديث: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» قال: لا يعرف بهذا اللفظ ولكن معناه ثابت أخرجه الترمذي في جامعه (1597) 4: 151 كتاب السير، باب ما جاء في بيعة النساء. بلفظ:«إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامراة واحدة» .

وأخرجه النسائي في سننه (4181) 7: 149 كتاب البيعة، بيعة النساء. بلفظ:«إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة» .

ص: 314