الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب شروط الصلاة
الشروط: جمع شرط. والشرط في اللغة: ما يلزم من وجوده وجود المشروط.
وفي الشرع: ما يلزم من عدمه عدمه؛ كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة.
وسمي الشرط شرطاً لأنه علامة على المشروط. ومنه: أشراط الساعة أي علاماتها.
قال المصنف رحمه الله: (وهي ما يجب لها قبلها. وهي ست:
أولها: دخول الوقت.
والثاني: الطهارة من الحدث).
أما قول المصنف رحمه الله: وهي ما تجب لها قبلها؛ فبيان لمعنى شروط الصلاة.
وسميت شروط الصلاة شروطاً لأنها متقدمة على الصلاة وسابقة لها وأعلام عليها.
وأما كون الشروط ستة؛ فلأنها دخول الوقت، والطهارة، وستر العورة، واجتناب النجاسات، واستقبال القبلة، والنية.
وأما كون ذلك كله شروطاً للصلاة:
أما دخول الوقت؛ فلأن عمر رضي الله عنه قال: «والصلاة لها وقت شرطه الله (1) لا تصلح إلا به» (2).
[وأما الوقت فيأتي بيانه إن شاء الله](3).
(1) زيادة من ج.
(2)
رواه ابن حزم في المحلى 2: 239 من طريق إبراهيم بن المنذر الحزامي عن عمه الضحاك بن عثمان أن عمر بن الخطاب قال في خطبته في الجابية: «ألا وإن الصلاة لها وقت
…
» قال الشيخ أحمد شاكر: الأثر منقطع لأن الضحاك لم يدرك عمر.
(3)
زيادة من ج.
وأما [اشتراط](1) الطهارة من الحدث؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» (2) متفق عليه.
قال: (والصلوات المفروضات خمس: الظهر وهي الأولى. ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله (3) بعد الذي زالت عليه الشمس).
أما كون الصلوات المفروضات خمساً؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة» (4).
وفي حديث الأعرابي «أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره بذلك: هل عليّ غيرها؟ قال: لا [إلا أن تطوع] (5» ) (6).
وأما كون الظهر الأولى؛ فلأن جبريل بدأ بها حين بيّن للنبي صلى الله عليه وسلم الوقت (7).
ولأن أبا برزة الأسلمي قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس -يعني حين تزول-» (8) متفق عليه.
وأما كون وقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله؛ فلما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمّني جبريل عند البيت مرتين. فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثل الشراك. ثم صلى بي في المرة الآخرة حين صار ظل كل شيء مثله. وقال: الوقت ما بين هذين» (9) في حديث طويل. قال الترمذي: هو حديث حسن.
(1) مثل السابق.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (6554) 6: 2551 كتاب الحيل، باب في الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (225) 1: 204 كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة.
(3)
في ب: كل مثليه. وما أثبتناه من المقنع.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه (1420) 2: 62 كتاب الوتر، باب فيمن لم يوتر.
(5)
زيادة من ج.
(6)
أخرجه البخاري في صحيحه (46) 1: 25 كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام.
وأخرجه مسلم في صحيحه (11) 1: 40 كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام.
(7)
سوف يأتي ذكر حديث جبريل لاحقاً.
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه (522) 1: 201 كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر.
وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة (618) 1: 432 كتاب المساجد، باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر. ولفظه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى الظهر إذا دحضت الشمس» .
(9)
أخرجه أبو داود في سننه (393) 1: 107 كتاب الصلاة، باب في المواقيت.
وأخرجه الترمذي في جامعه (149) 1: 278 أبواب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة.
ويعرف الزوال بطول الظل بعد تناهي قصره.
وأما كون الظل المذكور بعد الذي زالت عليه الشمس؛ فلأن الشمس تزول في بعض الأوقات وبعض الأمكنة وللشيء ظل فلم يكن بد من اعتباره.
قال: (والأفضل تعجيلها إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة).
أما كون الأفضل تعجيل الظهر في غير الحالتين المذكورتين؛ فلحديث أبي برزة المتقدم.
ولقول عائشة: «ما رأيت أحداً أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر رضي الله عنهما» (1). قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وأما كون الأفضل في شدة الحر تأخيرها؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة. فإن شدة الحر من فيح جهنم» (2) متفق عليه.
فإن قيل: الأمر بالإبراد رخصة أم سنة.
قيل: الأرجح أنه سنة؛ لأنه أمر به، وأدنى مراتب الأمر الاستحباب؛ فلأن شدة الحر تمنع الخشوع. فجرى مجرى حضور الطعام [والشراب](3) وبه حاجة إليه. ذكر ذلك صاحب النهاية فيها. وصرح المصنف رحمه الله في المغني والكافي أنه مستحب لما تقدم.
فإن قيل: الإبراد يستحب في الجمعة كالظهر.
قيل: لا؛ لما روى سلمة بن الأكوع «كنا نُجَمِّع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس» (4).
(1) أخرجه الترمذي في جامعه (155) 1: 292 أبواب الصلاة، باب ما جاء في التعجيل بالظهر.
وأخرجه أحمد في مسنده (24517) ط إحياء التراث.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (512) 1: 199 كتاب مواقيت الصلاة، باب الإبراد بالظهر في شدة الحر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (615) 1: 430 كتاب المساجد، باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر
…
، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
زيادة من ج.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه (3935) 4: 1529 كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية.
وأخرجه مسلم في صحيحه (860) 2: 589 كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
ولأنه لم ينقل تأخيرها بل تعجيلها. فروى سهل بن سعد: «ما كنا نقيل ولا نتغدّى إلا بعد الجمعة» (1) رواه البخاري.
ولأن السنة المباكرة (2) إليها واجتماع الناس لها قبل الزوال فلو شرع [تأخيرها](3) لتأذى الناس بحر المسجد.
وأما كون الأفضل في الغيم تأخيرها؛ فلأنه لا يؤمن مع التعجيل عدم مصادفة الوقت حقيقة؛ لأن الدخول في الصلاة يجوز إذا غلب على الظن دخول الوقت فإذا كان غيم وصلى بناء على غلبة الظن ربما صادف في الباطن عدم الوقت.
وقول المصنف رحمه الله: لمن يصلي جماعة؛ يحتمل أن يعود إلى شدة الحر والغيم جميعاً.
فعلى هذا يكون عدم أفضلية التعجيل في شدة الحر والغيم مشروطاً بكون المصلي يصلي جماعة. ولم أر ذلك لغيره ولا له في غير مقنعه. إلا أنه نقل في المغني عن القاضي أنه قال: يستحب تأخير الظهر والمغرب في الغيم. وأنه علل ذلك بأنه وقت يخاف منه العوارض والموانع من المطر والريح والبرد فتلحق المشقة في الخروج لكل صلاة. وفي تأخير الأولى من صلاتي الجمع وتقديم الثانية دفع لهذه المشقة.
فعلى هذا يكون التأخير للغيم مشروطاً بحضور الجماعة؛ لأن المعنى لا يحصل إلا بذلك. ولا تكون علة التأخير في الغيم إلا من عدم إصابة الوقت في الحقيقة.
ويحتمل أن يعود يعني قوله: لمن يصلي جماعة إلى شدة الحر فقط ويكون الغيم لا حظ له في ذلك. وفيه بُعْد لتوسط أجنبي بين الحكم وشرطه إلا أن ذلك موافق لنقل الأصحاب ونقل المصنف رحمه الله في سائر مصنفاته.
وإنما اشترطت الصلاة جماعة في عدم أفضلية التعجيل؛ لأن في التعجيل السعي في الشمس وشدة الحر وذلك مشقة في حق من يصلي جماعة لا في حق غيره.
وظاهر كلام المصنف رحمه الله: أنه لا يشرط غير ما ذكر.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (897) 1: 318 كتاب الجمعة، باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة
…
}.
وأخرجه مسلم في صحيحه (859) 2: 588 كتاب الجمعة، باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(2)
في ب: المباركة.
(3)
زيادة من ج.
وضم القاضي إلى شدة الحر وصلاة الجماعة في المسجد: أن يكون في البلاد الحارة كبغداد ونحوها؛ لأن التأخير إنما استحب لينكسر الحر ويتسع فيء الحيطان فيكثر السعي إلى الجماعات وذلك مفقود في من فقد منه شرط من هذه الثلاثة.
فعلى هذا من يصلي في بيته جماعة، أو فرادى، أو في مسجدٍ بفنائه، أو يكون ببلد ليس بحار كالشام ونحوه فالأفضل تعجيلها له بكل حال لزوال المقتضي للتأخير.
وقد روي عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه كان يؤخرها في مسجده. ولم تكن هذه الصفة.
فعلى هذا لا فرق بين البلد الحار وغيره ولا بين مَنِ المسجد بفنائه ومن يصلي في بيته ومن غير ذلك وهو الصحيح لأنه داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا» (1).
قال: (ثم العصر وهي الوسطى. ووقتها من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس. وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه. ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس. وتعجيلها أفضل بكل حال).
أما قول المصنف رحمه الله: ثم العصر؛ فمعناه أنها تلي الظهر بمهلة. ويلزم أن تكون الثانية؛ لأنه قد ثبت أن الظهر هي الأولى فلزم أن تكون العصر هي الثانية.
وأما كونها الوسطى؛ فلما روى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً» (2) متفق عليه.
وأما كون أول وقتها من خروج وقت الظهر؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: «وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله» (3).
وأما كون آخره إلى اصفرار الشمس على روايةٍ؛ فلما روى عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» (4) رواه مسلم.
(1) سبق تخريجه ص: 280.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (3885) 4: 1509 كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (627) 1: 437 كتاب المساجد، باب الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
(3)
سبق حديث جبريل ص: 279.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (612) 1: 427 كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس.
وأما كونه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه على روايةٍ؛ فلأن في حديث جبريل المتقدم «ثم صلى بي العصر في المرة الأخرى حين صار ظل كل شيء مثليه» (1).
وأما كون وقت الاختيار يذهب؛ فلأن مقتضى حديثي عمرو وجبريل المتقدم ذكرهما ذهاب الوقت بعد ما ذكر فيهما. تُرك العمل به في الإدراك قبل غيبوبة الشمس لما يأتي (2) فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.
وأما كون وقت الضرورة يبقى إلى غروب الشمس؛ فلما يأتي من حديث أبي هريرة.
فإن قيل: ما المعنيّ بوقت الاختيار ووقت الضرورة؟
قيل: وقت الاختيار هو الذي تقع الصلاة فيه أداء. فلا إثم على فاعلها فيه. ووقت الضرورة هو الذي تقع الصلاة فيه أداء ويأثم فاعلها بالتأخير إليه لغير عذر.
أما كون الصلاة في وقت الاختيار تقع أداء؛ فلأنها تقع في وقت الضرورة أداء لما يأتي؛ فلأن تقع أداء في وقت الاختيار بطريق الأولى.
وأما كون فاعلها فيه لا إثم عليه؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلونها فيه.
وأما كون الصلاة في وقت الضرورة تقع أداء؛ فلما روى أبو هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته» (3) متفق عليه.
وفي لفظ للنسائي «فقد أدركها» (4).
وأما كون فاعلها فيه يأثم؛ فلما روى أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين تلك صلاة المنافقين. يجلس
(1) سبق تخريجه ص: 279.
(2)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته» .
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (554) 1: 211 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (608) 1: 424 كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
أخرجه النسائي في سننه (551) 1: 273 كتاب المواقيت، باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح.
أحدكم حتى إذا اصفرت الشمس فكانت بين قرني شيطان أو على قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر اسم الله فيها إلا قليلاً» (1) متفق عليه.
ولو لم يأثم بتأخيرها لما ذُمّ عليه، ولما جعله علامة النفاق.
وأما كون تعجيلها أفضل بكل حال؛ فلما روى أنس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر فيذهب أحدنا إلى العوالي والشمس مرتفعة. قال الزهري: والعوالي على ميلين أو ثلاثة. وأحسبه قال: وأربعة» (2) متفق عليه.
وروى رافع بن خديج «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم ينحر الجزور فَيُقَسّم عشرة أقسام ثم يطبخ فيأكل لحماً نضيجاً قبل أن تغيب الشمس» (3) متفق عليه.
قال: (ثم المغرب. وهي الوتر. ووقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر. والأفضل تعجيلها إلا ليلة جَمْع لمن قصدها).
أما قول المصنف رحمه الله: ثم المغرب؛ فعلى نحو ما تقدم في العصر.
وأما كونها الوتر؛ فلأنها ثلاث ركعات. وليس مراده الوتر المشهور بل أنها وتر لما ذُكر من العدد.
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (622) 1: 434 كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالعصر. بلفظ: «
…
تلك صلاة المنافق. يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً».
وأخرجه أبو داود في سننه (413) 1: 112 كتاب الصلاة، باب في وقت صلاة العصر. بمثل لفظ المصنف.
وأخرجه الترمذي في جامعه (160) 1: 301 أبواب الصلاة، باب ما جاء في تعجيل العصر.
وأخرجه النسائي في سننه (511) 1: 254 كتاب المواقيت، باب التشديد في تأخير العصر. ولفظهما مثل مسلم.
وأخرجه مالك في الموطأ (46) 1: 192 كتاب القرآن، باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. بمثل لفظ المصنف.
وأصله عند البخاري في مواقيت الصلاة، باب وقت العصر (524) 1:202.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (525) 1: 202 كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (621) 1: 433 كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالعصر.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (2353) 2: 880 كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض.
وأخرجه مسلم في صحيحه (625) 1: 435 كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالعصر.
وأما كون وقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق؛ فلما روى بريدة «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً فأقام المغرب حين غابت الشمس. ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق (1» ) (2) [رواه مسلم.
وأما كون الشفق الحمرة] (3)؛ فلما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشفق الحمرة. فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة» (4) رواه الدارقطني.
وروى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عشاء الآخرة قبل غيبوبة الشفق» (5).
وبالإجماع لا يجوز قبل غيبوبة الأحمر فثبت أنه صلاها قبل الأبيض وبعد الأحمر.
وأما كون الأفضل تعجيلها في غير ليلة جَمْع لمن قصدها فـ «لأن جبريل أمّ النبي صلى الله عليه وسلم في اليومين في أول الوقت» (6). وأقل أحوال ذلك تأكد الاستحباب.
وأما كون الأفضل تأخيرها ليلة جَمْع (7) لمن قصدها؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها إلى مزدلفة» (8). وكذلك أصحابه.
ولأن ليلة جُمَع يكون المحرم مشتغلاً بالنفير والمسير إلى مزدلفة فلو كان التعجيل أفضل لاستحب النزول والصلاة في طريقه وذلك مشقة تناسب إسقاط الوجوب فضلاً عن الفضيلة.
(1) في ب: الشفق الأحمر.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (613) 1: 428 كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس.
(3)
ساقط من ب.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (3) 1: 269 كتاب الصلاة، باب في صفة المغرب والصبح.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه (395) 1: 108 كتاب الصلاة، باب في المواقيت. ولفظه: «
…
حين غاب الشفق فأقام العشاء».
وأخرجه أحمد في مسنده (14784) 3: 352. ولفظه «
…
حين غيبوبة الشفق. ثم صلى العشاء».
(6)
سبق تخريجه ص: 279.
(7)
ساقط من ب.
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه (1588) 2: 601 كتاب الحج، باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة. ولفظه:«دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يُسبغ الوضوء فقلت له: الصلاة؟ فقال: الصلاة أمامك. فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما» .
وأخرجه مسلم في صحيحه (1280) 2: 935 كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة. نحوه.
وقول المصنف رحمه الله: لمن قصدها معناه أن التأخير أفضل للحاج؛ لأنه هو الذي (1) يقصدها لا لغيره؛ لأن غير الحاج لا يحتاج إلى نزول، ولا هو مشتغل بسير إلى مكان يخاف فيه فواته أو زحمة فيه أو نحو ذلك، وذلك يقتضي اختصاص الحاج به.
ولأن الحجة في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكانوا حجاجاً فلا يتعدى إلى غير حاج؛ لعدم وجود المعنى فيه.
قال: (ثم العشاء. ووقتها من مغيب الشفق إلى ثلث الليل (2). وعنه نصفه. ثم يذهب وقت الاختيار. ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني. وهو: البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده. وتأخيرها أفضل ما لم يشق).
أما قول المصنف رحمه الله: ثم العشاء؛ فعلى نحو ما تقدم في العصر والمغرب.
وأما كون وقتها من مغيب الشفق إلى ثلث الليل على روايةٍ؛ فلما روى بريدة
وحديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله (4).
وأما كون آخره إلى نصفه على روايةٍ؛ فلما روى عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وقت العشاء إلى نصف الليل» (5) رواه مسلم.
وأما كون وقت الاختيار يذهب؛ فلأن ما تقدم من الحديث يدل على ذهاب الوقت بالكلية. تُرك العمل به في وقت الضرورة لما يأتي فيجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه.
(1) زيادة من ج.
(2)
في المقنع: الشفق الأحمر إلى ثلث الليل الأول.
(3)
سبق تخريجه ص: 285.
(4)
سبق تخريجه ص: 279.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (612) 1: 427 كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس.
وأما كون وقت الضرورة يبقى إلى طلوع الفجر الثاني؛ فلأن ما بعد الثلث أو النصف وقت للوتر وهي من توابع العشاء فاقتضى أن يكون وقتاً للعشاء لأن التابع إنما يصلى في وقت المتبوع كركعتي الفجر. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تفوت صلاة حتى يدخل وقت أخرى» .
ولأن الحديث الصحيح ورد في الفجر والعصر فليكن هذا مثله لعدم الفرق.
وأما قول المصنف رحمه الله: وهو البياض المعترض [في المشرق](1) ولا ظلمة بعده؛ فبيان لمعنى الفجر الثاني؛ لأن الفجر فجران: كاذب وهو بياض مستدق مستطيل كذنب السَّرْحان، وصادق وهو ما ذكر. وسيأتي نحو ذلك.
وأما كون تأخيرها أفضل إذا لم يشق على المأمومين ذلك؛ فلما روى بريدة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر من العشاء التي (2) تدعونها العتمة» (3).
وفي حديث جابر: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروها إلى ثلث الليل أو نصفه» (4) رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
وأما كون تعجيلها أفضل إذا شق ذلك عليهم فلأجل المشقة اللاحقة بالتأخير ولهذا «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها أحياناً وأحياناً: إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخّر» (5).
قال: (ثم الفجر. ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس. والأفضل تعجيلها. وعنه إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار).
أما قول المصنف رحمه الله: ثم الفجر؛ فعلى نحو ما تقدم.
(1) زيادة من ج.
(2)
ساقط من ب.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (522) 1: 201 كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت العصر، عن أبي برزة.
(4)
أخرجه الترمذي في جامعه (167) 1: 310 أبواب الصلاة، باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال: وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبدالله
…
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (535) 1: 205 كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت المغرب.
وأخرجه مسلم في صحيحه (646) 1: 446 كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها
…
وأما كون أول وقتها من طلوع الفجر؛ فلما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه أمر بلالاً فأقام الفجر حين طلع (1) الفجر» (2).
وفي حديث ابن عباس في حديث جبريل (3) مثله.
وأما كون الفجر هو الفجر الثاني؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَغُرَّنكم الفجر المستطيل كلوا واشربوا حتى يطلع الفجر المستطير» (4).
والصلاة لا تجوز في وقتٍ يجوز فيه الأكل؛ لأن زيد بن ثابت قال: «تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قمنا إلى الصلاة. قال: قلت كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية» (5). ولو جاز الأكل بعد ذلك لأخره؛ لأن السحور تأخيره أفضل.
وأما كون آخره طلوع الشمس؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح» (6).
وأما كون تعجيلها أفضل على المذهب فلما روت عائشة رضي الله عنها قالت: «لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر ويشهد معه نساء من المؤمنات مُتلفعات بمروطهن ثم ينصرفن [إلى بيوتهن] (7) ما يُعرفن من الغلس» (8) متفق عليه.
وأما كونه إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار على روايةٍ؛ فـ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ إلى اليمن قال: إذا كان الشتاء فصل الصبح في أول الوقت. ثم أطل
(1) في ب: طلوع.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه (613) 1: 428 كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس.
(3)
سبق تخريجه ص: 279.
(4)
أخرجه مسلم في صحيحه (1094) 2: 770 كتاب الصيام، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر
…
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه (1821) 2: 678 كتاب الصوم، باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (1097) 2: 771 كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه
…
(6)
سيأتي تخريجه من حديث أبي هريرة الآتي.
(7)
زيادة من ج.
(8)
أخرجه البخاري في صحيحه (553) 1: 210 كتاب مواقيت الصلاة، باب وقت الفجر.
وأخرجه مسلم في صحيحه (645) 1: 446 كتاب المساجد، باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها
…
القراءة [قدر ما يطيق الناس ولا تملهم](1). وإذا كان في الصيف فأسفر بالصبح. فإن الليل طويل. والناس ينامون» (2).
ولأنه نوع تأخير فكان مشروعاً لأجل المأموم كانتظار الداخل في الركوع.
ولأن التأخير يفضل لوجود الفضيلة؛ فلأن يفضل لأجل الجماعة -وهي واجبة- بطريق الأولى.
قال: (ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاةٍ في وقتها فقد أدركها. ومن شك في دخول الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله. فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين قُبل قوله. وإن كان عن ظن لم يقبله).
أما كون من أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها؛ فلما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته» (3) متفق عليه.
وفي روايةٍ النسائي: «فقد أدركها» (4).
ولأن الإدراك إذا تعلق به حكم في الصلاة استوى فيه الركعة وما دونها؛ كإدراك المسافر صلاة المقيم، والمأموم صلاة الإمام.
وأما كون من شك في دخول الوقت لم يصل؛ فلأن دخوله شرط لصحتها ولم يوجد.
وأما قول المصنف رحمه الله: حتى يغلب على ظنه دخوله؛ فتنبيه على أن ذلك يحصل بغلبة الظن كما يحصل باليقين؛ لأن الشرع أقام الظن مقام اليقين في مواضع فكذلك هاهنا. ولذلك كانت الصحابة رضوان عليهم يبنون أمر الفطر في الصيام على الظن.
ويحصل اليقين للعالم بالمواقيت ودقائق الساعات وتسيير الكواكب إذا لم يكن في السماء علة ولا مانع.
(1) زيادة من ج.
(2)
رواه البغوي في شرح السنة بلفظ أطول من هذا 2: 199. وفي إسناده المنهال بن الجراح وهو ضعيف.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه (554) 1: 211 كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الفجر ركعة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (608) 1: 424 كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة.
(4)
أخرجه النسائي في سننه (550) 1: 273 كتاب المواقيت، باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح.
ويحصل غلبة الظن للعالم بما ذكر مع وجود المانع، وللجاهل بالمواقيت، والأعمى، والمحبوس في مطمورة إذا كان أحدهم صاحب صنعة وقدر الوقت بعمل معلوم أو قراءة معلومة أو ما أشبه ذلك.
وأما كون المصلي يقبل قول من أخبره بالوقت عن يقين؛ فلأن خبره مع الثقة يفيد غلبة الظن والعمل بغلبة الظن واجب.
وأما كونه لا يقبل قول من أخبره بذلك عن ظن؛ فلأنه قادر على الاجتهاد بنفسه وتحصيل مثل ظنه فلم يجز له قبول قول غيره كالمجتهد إذا أخبره مجتهد آخر عن حكم شرعي. وبهذا فارق اليقين لأنه لا يمكنه تحصيل اليقين وإن اجتهد.
قال: (ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزأه. وإن وافق قبله لم يجزئه).
أما كون من اجتهد وصلى تجزئه صلاته إذا وافق الوقت؛ فلأن الصلاة وقعت الموقع؛ لأنه أدى ما خوطب به وفرض عليه.
وأما كونه يجزئه إذا وافق ما بعده؛ فلأن الصلاة تقع بعد الوقت قضاء وهو مسقط للفرض ومجزئ عنه.
وأما كونه لا يجزئه إذا وافق قبله؛ فلأن المخاطبة بالصلاة وجدت بعد ذلك.
وإن قيل: إذا اجتهد في القبلة فأخطأ قلتم لا إعادة ولو اجتهد في الوقت فأخطأ قلتم عليه الإعادة فما الفرق؟
قبل: الفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: أن المجتهد في القبلة أدى الصلاة بعد أن وجبت وفي الوقت أداها قبل وجوبها ثم تجدد سبب الوجوب.
الثاني: أن تحصيل اليقين في الوقت ممكن، وتحصيل اليقين في القبلة غير ممكن.
قال: (ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم جُن أو حاضت المرأة لزمه القضاء. وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة لزمهم الصبح. وإن كان ذلك قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر. وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء).
أما كون من أدرك من الوقت قدر تكبيرة الإحرام ثم جن أو حاضت المرأة يلزمه القضاء؛ فلأن الصلاة تجب بأول الوقت لقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] أَمَر بالصلاة في أول الوقت. والأمر للوجوب. ووجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء.
فعلى هذا لا يشترط مضي زمان يمكن فعلها.
وقال ابن بطة: يشترط ذلك لوجوب القضاء كما لو طرأ العذر قبل دخول الوقت.
والأول أصح؛ لما ذكر.
ولأنها صلاة واجبة فوجب قضاؤها كما لو أمكن أداؤها.
والفرق بين ذلك وبين طريان العذر قبل الوقت أن الصلاة لم تجب ثَمّ بخلاف هاهنا.
وأما كون الصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمجنون إذا أفاق، والحائض إذا طهرت قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة يلزمهم الصبح؛ فلأنهم أدركوا جزءاً من وقتها أشبه ما لو أدركوا أول وقتها.
وأما كونهم يلزمهم العصر إذا كان ذلك قبل غروب الشمس، والعشاء إذا كان قبل طلوع الفجر؛ فلما ذكر في الصبح.
وأما كونهم يلزمهم الظهر إذا كان ذلك قبل غروب الشمس، والمغرب إذا كان ذلك قبل طلوع الفجر؛ فلأن وقت العصر والعشاء وقت للظهر والمغرب حال العذر وهي حالة الجمع للمسافر والمريض والممطور فيكون مدركا جزءاً من وقت الظهر والمغرب في حال فلزمته. أشبه ما لو أدرك جزءاً من وقتها في كل حال.
قال: (ومن فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور مرتباً. قلّتْ أو كثُرت. فإن خشي فوات الحاضرة أو نسي الترتيب سقط وجوبه).
أما كون من فاتته صلاة يلزمه (1) قضاؤها على الفور؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من نام عن صلاة أو أنسيها فليصليها إذا ذكرها» (2) متفق عليه.
ولمسلم: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» (3).
أمر بالصلاة عند الذكر والأمر للوجوب.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته الظهر والعصر والمغرب والعشاء يوم الخندق فصلاها عقب ذكره» (4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (5).
ولأن فعله صلى الله عليه وسلم بياناً لقوله: {أقيموا الصلاة} [الأنعام: 72].
وأما كونه يلزمه قضاؤها مرتباً؛ فلأن القضاء يحكي الأداء، والأداء مرتب فكذا ما يحكيه.
و«لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب لما قضى» (6) وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (7).
وأما قول المصنف رحمه الله: قلّت أو كثرت؛ فإشارة إلى أن كثرة الفوائت لا تُسقط الترتيب؛ لأن الترتيب واجب فلم يسقط بالكثرة، [وكما لو نسي صلاة يوم.
ولأنه ترتيب في صلوات فلم يسقط بالكثرة] (8) كترتيب الركوع على السجود.
(1) في ب: يلزمها.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه (572) 1: 215 كتاب مواقيت الصلاة، باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة.
وأخرجه مسلم في صحيحه (684) 1: 477 كتاب المساجد، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، كلاهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
أخرجه مسلم في الموضع السابق.
(4)
سبق تخريجه ص: 275.
(5)
سيأتي تخريجه ص: 396.
(6)
وذلك يوم الخندق حين قضى أربع صلوات. وقد سبق ذكر الحديث وتخريجه ص: 275.
(7)
سيأتي تخريجه ص: 396.
(8)
ساقط من ب.
وأما كون من خشي فوات الحاضرة يسقط وجوب الترتيب عنه؛ فلأن الحاضرة آكد بدليل أنه يُقتل بتركها بخلاف الفائتة.
ولئلا تصير الحاضرة فائتة.
وفيه رواية: أنه لا يسقط الترتيب قياساً على ما إذا لم يخش فوات الحاضرة.
والأول أصح؛ لما تقدم.
وأما كون من نسي الترتيب يسقط وجوبه عنه؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان» (1) رواه النسائي.
والمراد بقول المصنف رحمه الله: أو نسي الترتيب؛ أنه نسي الفائتة حتى صلى الحاضرة، لا إن نسي الترتيب في الفوائت؛ لأن ذلك لا يسقط الترتيب على الصحيح.
فإن قيل: المراد بقولك: حتى صلى (2) الحاضرة الشروع فيها أو الفراغ منها.
قيل: الفراغ منها.
فإن قيل: فإذا ذكر في الحاضرة فما الحكم؟
قيل: يتمها ثم يقضي الفائتة ثم يصلي الحاضرة. نص عليه الإمام أحمد في المأموم.
والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام. فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام» (3). وروي موقوفاً على ابن عمر (4).
وألحق بالمأموم الإمام والمنفرد لأنهما في معناه.
وعن الإمام أحمد رحمة الله عليه: أن المنفرد يقطع صلاته ويقضي الفائتة.
ونقل عنه في الإمام ينصرف ويستأنف المأمومون.
قال أبو بكر: لم ينقلها غير حرب.
(1) لم أره بهذا اللفظ. وقد أخرجه ابن ماجة في سننه (2043) 1: 659 كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، بلفظ:«إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وفي الباب عن أبي هريرة وأبي ذر. ولم أره في النسائي.
(2)
في ب: الصلاة.
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2: 221 كتاب الصلاة، باب من ذكر صلاة وهو في أخرى.
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (2) 1: 421 كتاب الصلاة، باب الرجل يذكر صلاة وهو في أخرى.
ونقل عنه في المأموم أنه يقطع.
وجه القطع في الثلاثة أنه ترتيب واجب فوجب اشتراطه لصحة الصلاة كترتيب المجموعتين.
والأول هو ظاهر المذهب؛ لما ذكر من الحديث.
ومساواةِ غير المأمومِ المأمومَ (1).
وينبغي أن يكون مضي الإمام مبنياً على (2) اقتداء المفترض بالمتنفل. فإنا حيث قلنا يمضي يكون متنفلاً لأن المضي ليس بواجب.
(1) زيادة من ج.
(2)
ساقط من ب.